السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إفصاح: "اللهم دبر لي اموري فإني لا احسن التدبير"
إفصاح آخر: " في كل امرأة شيء من المستحيل، وفي كل رجل شيء من العجز والغباوة في كشف هذا المستحيل" واسيني الاعرج
مساحة لذكر الله
********************************
الفصل
السادس عشر
أعلم… أعلم تمامًا ما قلت! سنعرف كيف نستعمل ذلك الشيء اليوم و بلا
بلا بلا إلى آخره، ثم… انتهى الأمر بكلينا نائمين فوق الأرضية وكأننا دخلنا في
غيبوبة، والكرة على حالها اللعين.
دعونا نعرض إيجابيات وسلبيات النوم على أرضية القاعة أمام بوابة العلم، السلبيات! الأرض الباردة سوف تسبب تجمد أطرافك، الأرض الصلبة ستصيب عمودك الفقري بعاهات مستديمة وآلام لا تتوقف، ثم النوافذ التي تسلط أشعة الشمس بشكل لا يرحم حتى توقظك.
إيجابيات؟ صفر.
أوه، نسيت الصداع الرهيب الذي سيصيب رأسك بكل تأكيد. تبا، دلكت مقدمة رأسي علّي أخفف من الألم وتمنيت حقًا كوبًا من القهوة في هذا الوقت، كما أني أحتاج إلى حمام ساخن بكل تأكيد. التفت إلى يوجين وكانت خطوة سيئة لأني سمعت طقطقة رقبتي قبل أن أشعر بألمها، تأوهت وحاولت تدليكها برفق.
كان يوجين مستلقٍ على... الهواء كالعادة ونائمًا. ألقيت نظرة من حولي، الكثير من الأوراق التي نزعناها من الدفتر مليئة بمئات الفرضيات والدفتر ما زال بجواري، والكرة! التفت أبحث عنها وعندما التقطتها بعيني نهضت من مكاني وأمسكت بها ولم أحاول حتى النظر إليها، فقد فعلت ذلك طيلة الليل.
خرجت من المكان وأخذت نظرة من حولي أحاول التذكر أين غرفتي.
تثاءبت وحاولت تمديد جسدي بينما أحاول التذكر في أي طابق أنا.
إنه الثالث… غرفتي في الثاني، تثاءبت للمرة الثالثة وتحركت بكسل أتجه السلم، تحرك أحدهم متجاوزًا جسدي لكنه توقف فجأة، حاولت معرفة من يكون فأنا بالكاد أرى أمامي.
شعر أسود و... أوه! إنه رومياس.
التفت ببطء واتسعت عيناه "جلنار! ماذا تفعلين هنا؟" عقدت حاجبي أحاول اكتشاف إن كان يتحدث معي أم أنني ما زالت نائمة!
إنها المرة الأولى الذي ينطق بها اسمي… في الواقع المرة الأولى التي يبدأ هو حديثًا معي! يبدو أنه تدارك هذا لأنه همس بشيء ما لنفسه والتفت دون أن ينتظر إجابتي، لكني أجبت على كل حال "كنت عند البوابة".
توقف جسده والتفت بصدمة وبدا كأنه يقاوم قول شيء ما "نعم، لقد
نمت هناك". أجبت عن سؤاله الذي لم ينطقه ثم تجاوزت جسده هذه المرة إلى الأسفل.
دلفت إلى غرفتي ووضعت الكرة فوق المكتب في زاوية الغرفة واتجهت إلى الحمام، الماء الساخن كان حقًا أشبه بالضرورة أكثر منها حاجة. شعرت بألم جسدي أخف مائة مرة، وعضلاتي أصبحت أكثر ليونة.
تنهدت بينما أحرك رغوة الصابون هنا وهناك أسترجع حديث يوجين عن انسجامي الخارق مع المكان.
لست منسجمة لكني أدركت أن النحيب والخوف لن يجدي نفعًا، لذلك إن لم أحاول الاعتياد سيصيبني الجنون، لنتخيل الأمر على أنها رحلة إلى نيفرلاند الموعودة، أعني كيف قد يسوء الأمر أكثر من هذا؟
شيء ما قفز في عقلي، إن كنت أنا هنا! هل يدرك الآخرون اختفائي؟ أعني كيف تسير الأمور في المنزل؟ أمي وأخوتي! هل يعلم أحدهم أنني اختفيت؟ ستكون مشكلة ضخمة إن عرفوا بالفعل، ستفزع أمي حد الموت بكل تأكيد.
قررت سؤال واندر عندما أراها عن الأمر، ربما سير الوقت هنا مختلف عن الأرض، هذا قد ينقذني. أنهيت حمامي وأخذت المنشفة المعلقة على الباب ولففت بها جسدي، توقفت أمام مرآة الحمام أنظر إلى وجهي، لا أبدو سيئة كأول يوم حقًا، ثم…
توقفت لوهلة عندما أدركت شيئًا ما! تلمست وجهي قبل أن تتسع عيناي بصدمة، اقتربت من المرآة أنظر جيدًا إلى وجهي قبل أن ألتفت لأنظر من حولي، كيف لم أدرك هذا؟
أين نظاراتي بحق الله؟ لا لا، السؤال الأصح، كيف أرى كل شيء بوضوح دون نظاراتي؟
كان من المفترض أن يكون هذا أول شيء أنتبه له، لكن بسبب اعتيادي على وجودها لم أفكر حتى أنها غير موجودة.
مرت دقائق بينما ما زالت أنظر نحو انعكاسي في المرآة، شيء سحري آخر؟ هذا المكان سيصيبني بالجنون! عندما أدركت الأمر وتقبلته تحركت إلى خارج المرحاض.
توقفت داخل الغرفة حدقت قليلًا من حولي قبل أن أدرك شيئًا آخر. "تبا". همست بسخط قبل أن أتجه للخزانة، وكانت فارغة! نسيت أن أسأل واندر عن الملابس التي ابتاعتها لي.
فتحت باب غرفتي وأخرجت رأسي أنظر للمكان، لم يكن هناك أحد. "واندر، واندر". حسنًا، فكرة غبية، لن تسمع همسي من هنا.
أخذت نفسًا وأمسكت بالمنشفة جيدًا، فقط تحسبًا إن احتجت للركض بسرعة. اتجهت نحو السلم ونظرت للأسفل، أبعدت شعري على الجانب الآخر، تبا، كان علي جمعه للأعلى. "واندر، حالة طارئة". همست لكن كان همسًا عاليًا عندما سمعت صوت عبث في المطبخ.
ناديت مجددًا وهنا سمعت صوتها لأتنهد براحة "جلنار، أهذا أنتِ؟" لم أستطع رؤيتها لكن كان صوتها مسموعًا على الأقل "نعم، هل يمكنكِ المجيء لغرفتي؟" سمعت خطواتها قبل أن تصيح بـ "آتية". تنهدت براحة قبل أن ألتفت لأعود لغرفتي.
تجمدت جسدي خلال ثانية وشعرت بأطرافي كالجليد بينما توقف قلبي عن النبض، كان من الصعب تحمل شيئين، فزع وجود أحدهم خلفي فجأة و... وجود أحدهم خلفي.
كان يقف على السلالم في الأعلى ويبدو أنه تجمد أيضًا.
لماذا من بينهم جميعًا يجب أن يكون أتريوس؟
كانت الخطة أن أركض بسرعة ما إن ألمح أحدهم، لم يخبرني عقلي أنه سيتجمد متوقفًا عن العمل. وعندما أدركت الموقف السيء، عوضًا عن أن يعمل عقلي على إخراجي من هنا انشغل بشيء خاطئ تمامًا!
أعني الانشغال بقميصه المفتوح بالكامل وصدره العاري خاطئ في هذه اللحظة... لا، إنه خاطئ في أي لحظة، إنه خاطئ تمامًا.
صوت واندر التي كانت تصعد السلم أيقظني أخيرًا ونبهني بكم الحماقة والإحراج التي أسببهما لنفسي، خصوصًا أمام أتريوس، لذلك شددت قبضتي على المنشفة وأطلقت ساقي لتركض نحو الغرفة قبل أن أغلق بابها وأقف ألتقطت أنفاسي.
سيء... هذا حقًا سيء، صفعت رأسي بينما أؤنب نفسي، ما اللعنة التي كنت أفكر بها؟ تجمدي أمامه حقًا والتفكير في قميصه المفتوح وصدره و... جلنار، لابد أنكِ جننتِ. رائع، والآن سيد 'أنا أكره الجميع' سيكون لديه سبب آخر يزيد من غروره واستحقارك، أحسنتِ.
أجفلت بقوة عندما طرق أحدهم الباب لكنها كانت فقط واندر، سمحت لها بالدخول قبل أن أغلق الباب "جئت لغرفتكِ صباحًا لكنكِ لم تكوني هنا". قالت وهي تتجه نحو النافذة تزيح الستار عنها "نمت دون قصد عند البوابة". تمتمت بينما أحاول أن أبدو طبيعية.
"أنتِ حقًا تبذلين جهدك في أمر البوابة هذا!" رفعت كتفي بلا إجابة "إذا لماذا كنتِ تهمسين كالمجرمين وكأنكِ فعلت مصيبة ما؟" ابتسمت لطريقتها في الحديث "أنا فقط لا أجد ملابس في الخزانة، و تعلمين المنزل مليء بهم و..." توقفت بينما أتذكر وجه أتريوس وحاولت ألا أنفجر باكية بسبب الإحراج.
"ألم أضع ملابسكِ في الخزانة؟ أوه، أعتذر صغيرتي، هذا خطئي". هززت رأسي وتمتمت بـ "لا بأس". اتجهت نحو الطاولة التي وضع فوقها أدوات التجميل وأخرجت الأكياس التي تحوي الملابس من تحتها، أكانت هنا طيلة الوقت؟
"من الجيد أنكِ عدتِ لغرفتكِ في الوقت المناسب". قالت ضاحكة وهي تفتح الخزانة قبل أن تصفق بيديها، تحركت الملابس واحدة تلو الأخرى لوحدها نحو الخزانة تعلق نفسها بنفسها.
"كيف فعلــ..." كان الأمر مدهشًا لكنها قاطعتني أو يبدو أنها لم تسمعني لأنها أكملت حديثها قائلة "وجدت أتريوس واقفًا على السلالم، لم يرد علي حتى عندما تحدثت إليه، بدا شاردًا نوعًا ما". وهنا بدت الملابس التي تعلق نفسها ليست مهمة على الإطلاق.
أردت البكاء بشدة، هذا حقًا محرج بشكل غبي. "هل أنتِ بخير؟ وجهكِ متورد بالكامل". اتسعت عيناي وتداركت الأمر "لقد أخذت حمامًا ساخنًا، يتورد وجهي عندما أفعل ذلك". أومأت باطمئنان "حسنًا، إذًا ارتدي ملابسكِ والحقي بي". أومأت لتتجه إلى الخارج.
جلست فوق السرير بينما أحارب الرغبة في البكاء، ركلت الأرض بقدمي وعضضت شفتي، أنا أكره نفسي وأكره ذلك اللعين، ليس عدلًا أن يمتلك بغيض مثله وجها وجسدا كهذا، لا يستحقه على الإطلاق.
شيء ما جعلني أتوقف لثانية.
في منتصف صدره كان هناك شيء ما... علامة! أيعقل؟ أتلك علامته؟ لم أرها بالكامل، فقط جزء منها، كانت أشبه بقوس أو دائرة! لم أستطع رؤيتها جيدًا.
والآن سيأكلني الفضول حية، وهو شيء سيء بالكامل، الفضول حول شيء عن ذلك الدموي يبدو سيئا جدًا.
اتجهت للخزانة أنظر للملابس المعلقة، أخذت ذا اللون الرمادي بدا مناسبًا لي، قماشه من القطن ويبدو كوشاح يلتف بشكل متقاطع حول الكتفين، وهناك حزام من القماش عند الخصر، ثم ينسدل بشكل ناعم للأسفل، لم أحب كونه عاري الكتفين لكن لم يكن بهذا السوء.
لم أجمع شعري هذه المرة، استمتعت بجدله. نظرت للمرآة الموضوعة بجوار باب المرحاض وابتسمت برضا. اتجهت عيناي نحو العلامة على جانب رقبتي، كانت تبدو واضحة بسبب جدل شعري للخلف.
التفت متجهة للخارج، متى سيستيقظ يوجين؟ على أي حال، أشعر بهدوء المكان بدون ثرثرته! هبطت السلالم واتجهت نحو المطبخ حيث واندر هناك "أوه، انظري إليكِ، تبدين جميلة بحق". ابتسمت لها دون قول شيء، ظلت واقفة تبحث عن شيء ما لذلك سألت "أتريدين مساعدة؟" تنهدت وقالت "لا أعلم، أفكر فيما علي صنعه للفطور من أجلهم".
فكرت قليلًا قبل أن أقول "ماذا عن بعض البان كيك مع العسل؟ أتملكون قهوة؟ البن؟ إنها مرة لكن تصبح جيدة مع بعض السكر؟" ظلت واندر تبحلق في لثوانٍ، لذلك قلت "انسي الأمر، بالطبع طعامكم مختلف، لا شيء مما قلت يبدو مألوفا لكِ حتى أعلم". ابتسمت بشكل غامض، وحينها عرفت ماذا يقصد يوجين عندما يقول أن ابتسامتي تنبئ بفكرة سيئة.
"تعلمين؟ لطالما فكرت بشيء ما". اتجهت نحو أحد الأدراج وصفقت بيدها لتنفتح وحدها وتخرج العديد من العلب لتصطف وحدها على الطاولة "أشعر أن البشر يمتلكون الكثير من الأشياء التي نمتلكها لكن المختلف هو التسمية، تلك المكونات التي تحدثتِ عنها، ربما هي بالفعل هنا لكن بأسماء مختلفة، وربما نستعملها لأغراض مختلفة".
هذا عبقري نوعًا ما، عندما بدأت أقرأ ما تحاول واندر فعله فهمت الأمر، و علي الاعتراف أني تفاجأت عندما صحت نظريتها، كان لديهم الدقيق والسكر والبيض وغيره الكثير لكن بأسماء واستخدامات مختلفة.
على سبيل المثال كانت البهارات مخصصة فقط للأشياء السائلة، كما أنها لم تكن مطحونة كما اعتدت استخدامها، وكانوا يملكون بعض الأشياء التي لا أعرف ما هي لكن بمجرد تذوقها يمكنني تخيل مئات الأكلات التي من الممكن صنعها بواسطة تلك الأشياء.
مر الوقت وانتهى بنا الأمر بصنع البان كيك مع مزيج غريب من التوت وفاكهة أخرى تسمى الفوكو، يتم عصرهم ومزجهم واستخلاص شراب مركز منهما وعلي الاعتراف، كان لذيذًا عند تناوله مع البان كيك. وعندما تناولت واندر ما صنعت أصرت بشكل جنوني أن نصنعه على الفطور و... كنت سعيدة لأنه حاز على إعجابها.
"كيف جعلتها طرية دون استخدام حجرة حرارية أو تكثيف الحرارة عليها؟" كانت واندر تحاول تسهيل مصطلحاتهم الغريبة علي وكان الأمر مفيدًا "إذا ضبطتِ كمية الدقيق والحليب، أعني السائل والجامد، ستملكين عجينة سائلة يمكنكِ تسويتها على نيران هادئة". ظلت تفكر قليلًا وكان هذا ظريفًا حقًا.
اتجهت نحو الخزانة الكبيرة لإحضار علبة ما طلبتها واندر لكن تدحرج غطائها أرضًا لأتنهد وأتجه نحوه، انحنيت على الأرضية لألتقطه، حينها فقط سمعت صوت أحدهم قادم.
"ما نوع طعام الفطور؟ الرائحة قاتلة". تجمدت عندما سمعت صوت أتريوس خلف البار الخاص بالمطبخ، لم يستطع رؤيتي كوني جالسة على الأرضية خلف الجهة الأخرى من البار. "هل الرائحة جيدة لهذه الدرجة؟" سألت واندر بابتسامة بإمكاني رؤيتها من هنا "كل ما تصنعينه جيد، أتملكين شكًا؟".
لحظة هل هذه نبرة لطيفة؟
"في الواقع، لست مـ..." توقفت عندما لمحتني بينما أشير لها بالصمت، إن ذكرت اسمي سينقلب مزاجه وسيبدأ في تعكير صباحي "لستِ ماذا؟" ابتسمت واندر ونظرت نحوه "لست متأكدة إن كان سيعجبك، إنه شيء جديد".
سمعت صوت أحد الكراسي الخشبية الخاصة بالمائدة تجر على الأرضية قبل أن يضعها مقابل البار ويجلس فوقها "جربيني إذًا".
اللعنة أكاد أصفع نفسي، إنه حقًا يتحدث بطبيعية وبلطف، أريد بشدة رؤية النظرة التي تعلو وجهه ولكن لن أدفع حياتي ثمنًا لذلك.
وضعت واندر طبقًا من البان كيك أمامه وسكبت الشراب فوقه. "ألن تنتظر البقية؟" سألت بينما توزع الشراب "لا، سأغادر مبكرًا، هناك شيء أريد تفقد أمره". رفعت رأسي أنظر لواندر التي تقف بجوار جسدي المتكور، نظرت نحوي بزاوية عينيها ثم ابتسمت بشكل خبيث، اللعنة، لا تفعلي شيئا سيئا واندر، أرجوكِ.
"أهو بسبب جلنار؟" تبًا واندر، حقًا؟ لا أنكر أن جزء صغيرًا... جدًا صغير أراد معرفة ما سيقول لكنه ظل صامتًا لمدة لتقول واندر "إذًا بسببها". وعوضًا عن إجابتها قال "هذا الشيء طمعه رائع! عليكِ إعداده يوميًا". ابتسمت لنفسي بفخر وأردت التربيت على كتفي. سأستعمل هذا اليوم ضده يومًا ما، سأجعله يشعر بالخزي لأنه تناول طعام الشخص الذي يكرهه وتلذذ به.
"أنت تتهرب مجددًا، لا أفهم سبب عدم تقبلك لها، أتريوس". ربما لأنه وغد "أنا أكره الجميع، لا تختصيها بالكلام". علق بلا مبالاة وهذا كان مناسبًا جدًا له، يكره الجميع.
"توقف عن الكذب على نفسك، أعرفك كظهر يدي. ربما تعامل الجميع بلا مبالاة لكنك لا تكرههم، وإن كنت تريد رأيي فأنت لا تكره جلنار أيضًا، لكن هناك شيء حولها يشعرك بالغضب".
صمت حل بالمكان لدقيقة ولا أعلم لما تخيلته يرمق واندر بنظرة قاتلة وكأنه سينقض على رقبتها ويقول بصوت أجش 'كيف تجرئين يا امرأة؟' ولا يمكنني تصور شيء آخر.
"لا تتحدثي كالحكيمة، أكرهها، كما أكره الجميع. إن كنتِ تريدين معرفة ما يجعلني غاضبًا عندما أرها… فلأنها ضعيفة لينة ولن تتحمل أسبوعين هنا، تحاول إظهار العكس لكني متأكد من أنها مسألة وقت حتى تنهار تمامًا، ربما حتى تصل لقتل نفسها، لم تخلق يومًا لتكون قوية".
كانت قبضتي تشتد حتى تركت أظافري أثرًا في راحة يدي، شيء ما في حديثه جعلني غاضبة وبقوة، ربما لأنني فقط لثانية ظننت أنه محق! كان واثقًا بشكل لعين مما يقول، وأنا لم أكن واثقة بأي شيء وهذا ما جعلني أثور.
"أُراهن عليها إذًا". ارتفع رأسي بسرعة متفاجئة لحديث واندر، وما فاجأني أكثر نظرة الثقة على وجهها.
صوت قهقهته سبق جملته "لماذا؟ كم تظنين أنها ستتحمل؟" كان سؤاله ساخرًا لكن إجابة واندر أخرسته لثوانٍ "تتحمل! عزيزي، أنا لا أراهن على تحملها، أنا أراهن على أنها ستسحق غروركم وتسبقكم جميعًا، أنا أراهن على قوة هذه البشرية، أتريوس".
الثقة في صوتها أصابتني بقشعريرة أعني أنا ممتنة بقوة لإيمانها الرهيب بي، لكن كيف تراهن على شيء أنا لم أكن لأراهن عليه؟
"تتوقعين الكثير من شيء خاسر واندر، ولكن إن كان هذا ما تريدين، إذًا أراهن على أنها لن تدهشني ولو لمرة، لن تدهش أحدًا، واندر". بعدها سمعت صوت الكرسي يتزحزح وهو يبتعد "أتريوس". توقفت خطواته لتقول واندر "لم أراهن لمرة في حياتي على شيء خاسر".
أخذ خطواته للخارج دون رد وما إن سمعت صوت باب المنزل حتى تنفست الصعداء ونهضت على قدمي "ما الذي حدث قبل قليل؟" نظرت نحوي ببراءة "أتريوس أعجبه طعامك". رمقتها بطرف عيني لتقهقه دون التعقيب وتتجه لرف الأطباق تخرج البعض.
"ليس عدلًا، بإمكانه أن يكون لطيفًا لكنه يحاول قتلي كلما تقابلنا". أخذت العلبة من يدي وقالت "أتريدين منه أن يكون لطيفًا معك؟" اتسعت عيناي لأصيح "آخر ما أريده معاملة لطيفة من شخص مثله، لكن الأمر فقط... إنه يجعلني غاضبة، كل شيء حوله يغيظني، من يظن نفسه بحق الله؟".
توقفت لثانية قبل أن ألتفت لواندر بغضب "وما قصة الرهان السخيف؟ لماذا تراهنين علي واندر؟ تعلمين أنه لا يمكنني فعل شيء مما قلتِ!" رفعت حاجبًا وأحكمت قبضتها على خصرها "إذًا أتقولين لي أن أتريوس محق بشأنك؟"
"بالطبع لا، لكن… أنتِ تتوقعين الكثير".
"أعرف جيدًا ما أقول أيتها الشابة وأعرف ما أراهن عليه، لقد عشت ما يكفي ورأيت الكثير مما يجعلني واثقة من حكمي على الآخرين. إن لم تكوني أنتِ قادرة على كسر غروره فلن يقدر عليه أحد".
نظرت لها بعدم تصديق بينما تضع أدوات المائدة بلا مبالاة، تنهدت بيأس بينما جلست فوق الكرسي الذي وضعه هو أمام البار.
هؤلاء الرفاق حقًا مجانين كليًا، كسر غروره؟ أكره الاعتراف بهذا لكن لا يمكنني كسر إصبعه حتى.
شيء ما قفز لعقلي، لذلك التفت نحو واندر وقلت "أردت سؤالك عن شيء ما وفي كل مرة أنسى الأمر". التفتت نحوي وبإيماءة من رأسها شجعتني على المواصلة "هل الوقت هنا مشابه للوقت على الأرض؟ أعني هل هناك اختلاف في الوقت؟ هل أدرك الآخرون أنني اختفيت؟".
كادت واندر تجيب لكن سبقها صوت جوزفين وهو يهبط السلالم قفزًا "دعيني أجيبك أنا على هذا". رمقته واندر بغضب ليدحرج عينيه ويقول:
"أولًا صباح الخير بالطبع، ثم ماذا كنا نقول؟ نعم، صحيح، الزمان. سأخبركِ حتى لا تبذلي جهدًا في السؤال والبحث، لا أحد يمكنه إخبارك فرق الوقت بين أي كوكب هنا وكوكب الأرض، ببساطة لأنكم غير موجودين بالنسبة لنا، ولكن إن تحدثنا عن الكواكب التي تدور حول بعضها هنا فالطبع هناك فروق في الوقت بينهم، لست عبقريًا لكن لضرب مثال؛ يومان على الإلترانيوس قد يساويا ساعة عند الساحرات".
فكرت في الأمر قليلًا قبل أن أقول "إذًا بينما تقضي وقتًا هنا قد يمر شهرًا أو أسابيع على كوكبك؟" ضحك في البداية ثم قال "كان الأمر مُمَاثلًا في الماضي، كنت طفلًا صغيرًا، لا أتذكر ما حدث بالضبط، لكني أتذكر المشاكل التي خلقها فرق التوقيت بين الكواكب، لذلك وجدت الساحرات حلًا للأمر وبواسطة المعابر الزمنية قمنَ بتعويذة قوية جدًا وفقت التوقيت بين جميع الكواكب، أو ربما قللت الفروق على الأقل، فعوضًا عن أن يكون فرق التوقيت بين كوكبين سنوات جعلوها أيام أو حتى ساعات؛ حتى تنتهي هذه المشاكل".
هنا تدخلت واندر وهي تدفعه ليجلس على كرسيه وقالت "ما قاله زير النساء هذا صحيح، لكن المشكلة هي أنه لا وجود لمعبر زمني بيننا وبين البشر لذلك يصعب تحديد الأمر، عزيزتي".
أومأ جوزفين برأسه كموافقة ثم قال "وبالنسبة لتساؤلكِ إن كانوا لاحظوا اختفائك؛ فبالتأكيد سيفعلون، إنها مسألة وقت، ففي النهاية لن يترك أحدهم نسخة مطابقة لكِ على الأرض". تنهدت بينما ألتفت نحو البار وأسند يدي على خدي، الأمر معقد جدًا.
ستلوم أمي نفسها على اختفائي، وكأن حياتها تنقصها المشاكل.
"توقفي عن صنع هذا الوجه العبوس". التفت إلى يميني حيث انحنى أغدراسيل الذي انضم لنا وقد سمع المحادثة كلها، استندًا على البار وربت على كتفي قائلًا "سنجد طريقة لإعادتكِ للمنزل، لا تقلقي، سيُحل الأمر". بادلته الابتسامة ذاتها وأنا أتمتم "أتمنى ذلك".
نهضت من مكاني بنية مساعدة واندر عندها اصطدمت برومياس، ألقيت عليه التحية لكنه أجاب بصوت يكاد يشبه الهمس دون النظر نحوي لأزفر بملل وأتحرك نحو واندر الواقفة في المطبخ وأهمس لها قائلة "لماذا يكرهني رومياس؟".
ارتفع حاجبيها وتركت ما كانت تفعله "يكرهك؟ هل أخبركِ بذلك؟" حركت رأسي نافية وقلت "لم يقلها، لكن… إنه يتجنبني باستمرار، بالكاد حتى يتحدث معي". ضحكت بصوت عالٍ ونظرت نحوه قائلة بصوت حاولت جعله منخفضًا "هذا المسكين لا يمكنه كره أحد جلنار، إنه فقط خجول بشكل كبير".
خجول! مني أنا؟ لم نتحدث سوى بجملة أو اثنتين منذ أن التقينا فقط لأنه خجول؟ قرأت واندر ملامح التعجب على وجهي ففسرت قائلة:
"رومياس عاش حياته كلها مع سبعة إخوة كان هو أصغرهم، لم يختلط مع فتاة من قبل سوى المُقاتِلات لأن والده لم يترك له فرصة، كان إخوته يسبقونه دائمًا سواء في القتال أو الفوز أو اللياقة أو الحظ. كانت عائلته من أقوى العائلات، وكان والده يومًا البيتا وأبنائه من بعده، لكن رومياس ظل صاحب الحظ السيء في العائلة؛ كان يعرف بالـ أوميغا كإهانة له. توفت والدته منذ أن كان طفلًا لا يعرف اسمه، لم يعرف امرأة تعامله بلطف يومًا أو بشكل ودي، لذلك يحاول تجنبكِ قدر الإمكان، لأنه يظن أنكِ قد تجدينه مملًا مقارنة بباقي الفرسان".
بقيت في صمت للحظات أحاول فهم الكثير من الأمور "يظن أنني قد أجده… مملًا؟ ألهذا كان يتجنبني طيلة الوقت؟" أومأت واندر وقالت "هذا الفتى لا يقوى على كراهية أحد، أنا متأكدة أنك ستجدينه ودودًا ولطيفًا ما إن يعتاد عليكِ، أخبرني مرة أنه يجدكِ مثيرة للاهتمام وأن المستذئبين الآخرين سيرغبون في التعرف على بشرية".
لم أقاوم ضحكتي بينما ألقي نظرة نحوه "في الأمس أخبرني أنكِ تسلقتِ قبة المنزل ووجدتِ كرة ما، سنتحدث عن تهوركِ هذا لاحقًا بالمناسبة". عضضت شفتي وتمتمت بآسفة لكنها واصلت "قال أنكِ أكثر متعة من باقي الفرسان".
"هل يخبركِ بكل شيء؟ ظننت أنه يخجل من جميع النساء". لوحت واندر بالملعقة الخشبية بطريقة درامية وقالت "وهل أبدو لكِ كباقي النساء، أنا ذكية كفاية لأجد طريقة وأكسر الحاجز الذي كاد يصنعه بيننا، جدي طريقتكِ أنتِ أيضًا".
أخذت أحد الأطباق واتجهت للمائدة لأتحرك خلفها بدوري وأتخذ مقعدًا بجوار أغدراسيل "بالمناسبة، جلنار". التفت نحوه ليقول "أنا على يقين أن أغلب الأسئلة التي تبحثين عن إجاباتها قد تجدينها خلف بوابة العلم إن تمكنتِ من فتحها". سبقني جوزفين وقال بصوت عالٍ "البوابة التي لا أشعر بالفضول إطلاقًا لمعرفة ما حدث عندها".
قاومت الضحك بشدة ومثلت نبرة حزينة وقلت "حقًا! للأسف كنت أفكر في أخباركم بما حدث... أعني خمسة عقول أفضل من واحد، لكن بما أنك غير مهتم... لا بأس".
سعلت بقوة حتى لا أضحك على تعبير وجهه الجامدة، ولكني تفاجأت عندما مال أغدارسيل نحوي وهمس "تعلمين أن لا علاقة لي بما يقول هذا الأرعن، يمكنكِ إخباري بأي شيء". عضضت على شفتي بقوة حتى لا أنفجر ضحكًا وقلت بلا مبالاة "سأفكر في الأمر". بدا أغدراسيل عالمًا بما أحاول فعله لأنه قهقه ببساطة.
انتهت واندر من توزيع الطعام وجلست على رأس المائدة كالعادة.
"لدي سؤال آخر بالمناسبة". قلت لينظر نحوي الجميع "كيف بإمكانكم التحدث بالإنجليزية؟ أعني أنتم تفهمون ما أقول وأنا أفهم ما تقولون، كيف بإمكاننا التحدث باللغة نفسها؟".
أراد جوزفين التحدث لكن قاطعه أوكتيفيان الذي انضم إلينا للتو متخذًا مقعدًا وقال "هذا بسبب المترجم، على كل كوكب هناك ما يشبه الهالة الخفية، ما إن تضعي قدمك على أرض أي كوكب تلك الهالة تعمل داخل عقلك كعمل المترجم، في الوقت الحالي كل منا يتحدث بلغته فأنا أتحدث الإلترانيوسية وأنتِ تتحدثين بلغتك البشرية، ولكن أنا أسمعك تتحدثين بلغتي وأنتِ تستمعين إلينا نتحدث بلغتك".
حسنًا، هذا مذهل، ولكنه منطقي، لو كان أمر كهذا على الأرض لما وجدت شهادات اللغة. "كنت سأشرح أنا الأمر". تمتم جوزفين بتذمر وهنا انتبهت على أمر ما، يبدو أن أوكتيفيان نسى أمر جدالنا المشتعل ليلة أمس؛ فهو يتصرف بطبيعية.
"ماذا عن الكتب والوثائق؟ أتتم ترجمتها أيضًا؟" سألت باهتمام لينتهز جوزفين الفرصة ويسبق أوكتيفيان مفسرًا "نعم، ما إن تكتبي شيء بلغتك سنفهمه بكل تأكيد وسنراه بلغتنا، إنه أشبه بسحر التخيل، ولكن هناك بعض الوثائق والمعلومات التي تظل مشفرة، لا يمكن للمترجم حتى ترجمتها".
يبدو الأمر معقدًا لكنه أثار اهتمامي حتمًا.
"اللعنة هذا لذيذ جدًا، ما هو؟" التفت الجميع لصوت رومياس العالي، كان يحشر فمه بالبان كيك ويبدو سعيدًا جدًا مما أجبرني على الابتسام، نظر الجميع لأطباقهم قبل أن يتذوقوه، ويبدو أنه حاز على إعجابهم لأن جوزفين نظر بسرعة لواندر وقال "لماذا انتظرتِ كل هذا الوقت لتصنعي هذه الفطائر على الفطور؟" نظر أوكتيفيان نحوها وتمتم "لا تبدو كفطائر".
"لأنها ليست فطائر، نسميها بان كيك". نظر الجميع نحوي وتوقف رومياس عن مضغ طعامه "جلنار صنعت الفطور اليوم، لو ترك أحدكم الفرصة لي لأتحدث لكنت أخبرتكم منذ البداية". قالت واندر بينما بدأت تتناول طبقها "أنتِ صنعتِ هذا؟" أومأت لأغدراسيل "في الواقع هذا ما نأكله عادةً على الفطور، يكون مع العسل لكن شراب التوت يفي بالغرض".
ابتلع رومياس ما في فمه وكانت هذه أول مرة يتحدث دون تلعثم "ليس عدلًا، يأكلون أشياء لذيذة كل يوم كفطور فقط؟".
"ماذا تعني أيها الشقي؟ أطعامي ليس لذيذًا؟" ألقت واندر ملعقة نحوه لينفجر الجميع ضحكًا "لم أقل هذا". تمتم بانزعاج وحشر فمه بالطعام مجددًا، تبًا، يبدو ظريفًا. "شكرًا على الطعام، إنه جيدٌ حقًا". قال أغدراسيل لأتمتم بعفوًا بينما هز أوكتيفيان رأسه بصمت كشكر، جوزفين كان مشغولًا للغاية بطبقه، لذلك لم أتوقع أن يتحدث وفمه مليء بالطعام.
ما إن أنهينا الفطور نهضت واندر لتزيح الأطباق ونهضت لأساعدها، لكن شيئًا ما جذب انتباهي، كان هناك سوار على معصم أغدراسيل وكان يضيء بلون أزرق لذلك نبهت أغدراسيل قائلة "هل يفترض أن يضيء هكذا؟" نظر نحو معصمه لينعقد حاجباه وينظر الجميع نحوه.
حرك كف يده نحو الحائط وخلال ثانية كانت هناك صورة مجسمة يبثها السوار، كانت صورة لأتريوس أو دعنا نقول كان فيديو لأنه تحدث بسرعة وبنبرة غاضبة قائلًا:
"إن كنتم أنهيتم فطوركم العائلي اللطيف فتحركوا بسرعة! هناك هجوم على الأراضي الغربية، هؤلاء الملاعين يقصدون المدنيين، علينا تدارك الأمر حتى يصل جنود الملك". كان هذا كل شيء قبل أن يغلق الاتصال.
استغرق الأمر ثانية حتى استوعبوا الأمر، تعبير وجوههم تبدلت بالكامل وتحركوا بسرعة نحو الخارج، بلا كلمة واحدة "تبًا، إنها المرة الثانية لهذا الأسبوع. ألم يكفيهم الأسرى والقتلى من الحدود؟ إنهم يتجهون للعامة الآن!" قالت واندر بغضب ممزوج بكراهية وكان باديًا جدًا على وجهها وحركتها العصبية.
شيء ما في كل هذا أفزعني وأجبرني على ملازمة مكاني، أعني طيلة الوقت كل ما أسمعه أن هذه الفوضى بسبب حرب، لكن الملامح المطبوعة على وجوههم كانت مختلفة عن أي شيء رأيته منذ ثلاثة أيام، الأمر حقيقي ومخيف... هناك حقًا أشخاص يموتون في هذه اللحظة ومن المفترض أني أحد من يدافع عنهم.
أجفلت بقوة ملتفتة نحو مصدر اليد التي وضعت على كتفي، لم تكن سوى واندر بنظرة قلقة "ناديت باسمكِ ثلاث مرات وبدا وكأنك في عالم آخر، هل أنتِ بخير؟" ابتلعت وحاولت تمالك نفسي وهززت رأسي بصمت.
"لا تقلقي، لن يصيبهم مكروه، سيكونون بخير، هذه ليست المرة الأولى على أي حال. هناك هجوم على جميع الكواكب، لكن الأمر مكثف على مملكتنا، واختفاء الملك فجأة صنع فوضى في الأرجاء، وكأنهم عرفوا كيف يضربوننا في مقتل". تنهدت وبدا الحزن جليًا على وجهها حتى أنها شردت لثوانٍ واحترمت صمتها.
نهضت بعدها وتركتني وحدي وكان الصمت الذي يجوب المكان سيئًا جدًا لأنه سمح لكل الأفكار التي أحاربها بالتجمع مجددًا شيئًا فشيئًا.
مر هذا اليوم بشكل مريب، كان المنزل هادئ جدًا، حتى واندر خرجت لمكان ما وظللت وحدي يعترني التوتر.
استيقظ يوجين بعد خروج واندر، حاول كلانا ملء الوقت بمحاولة فهم أحجية الكرة وبدا الأمر تمامًا بلا فائدة.
"تعلمين؟ كان بإمكاننا إخبار واندر أننا نريد الذهاب لذلك الحداد؛ كنا لنستمتع، بالمناسبة لماذا سألته في ذلك ليوم إن كان بإمكانكِ المجيء لورشته؟".
استلقيت على ظهري بملل وبحلقت بالسقف لوهلة أفكر بالأمر، لقد قفزت فكرة ما يومها لرأسي وظننت أنه سيكون من الجيد بناء علاقة مع ذلك الحداد "أردت صنع سلاح".
بدت إجابتي غير متوقعة ليوجين لأنه صاح بتعجب "مـ... ماذا؟ سلاح؟" أومأت والتفت برأسي أنظر نحوه "تعلم، سلاح يمكنني الدفاع بهِ عن نفسي، المرة الأولى التي خرجت خارج هذا المنزل لوحدي قابلت شيئا متوحشًا ثم فارسًا حاول قتلي".
تربع فوق السرير وصمت لوهلة وهو ينظر نحوي، بدا يفكر في شيء ما ثم قال "سلاح! كسيف أو سكين أو خنجر؟" نظرت نحو السقف مجددًا وأجبت "لا، هذا يبدو اعتياديًّا، لقد فكرت في سلاح لم يرَ مثله هؤلاء الفرسان، سلاح نعرفه نحن، شيء كمسدس أو بندقية ربما، لكنها كانت فكرة سيئة، لا اعرف كيف تُصنع البندقية".
طفا في الهواء وحلق نحوي وأصبح جسده طافيًا فوقي وقال "ألا يتطلب الأمر فقط تصميمًا وذلك الحداد سيتكفل بأمر صناعته؟" أومأت برأسي وقلت "نعم، ولكن كيف سنحصل على تصميم لمسدس هنا؟" نهضت ليبتعد ويقف على قدميه "ماذا إذا أخبرتكِ أنه بإمكاني التفكير في تصميم؟" نظرت نحوه بتعجب "كيف؟".
رفع كتفيه وقال "لا أعرف بالضبط، لكن هناك مئات الومضات والصور تمر على عقلي يوميًا، أظنها خاصة بحياتي السابقة، منها مئات التصاميم لأسلحة أتذكرها جيدًا وكأنني صممتها بنفسي، إذا كنت أملك شكل التصميم هنا". قال مشيرًا لرأسه ثم واصل "وأنتِ تملكين يد رسام، بإمكاننا صنع واحد".
تجمدت لثانية بينما أدرك ما قاله للتو، كان هذا قبل أن أنظر نحوه بحذر وأقول "لماذا قد ترى تصاميم أسلحة في حياتك السابقة؟ هل أنت تاجر أسلحة؟" تجمدت ملامحه لثوانٍ وبدا أن الأحمق لم يفكر في هذا من قبل، ظهر الذعر على وجهه وهتف:
"تـ... تاجر أسلحة؟ أرجوك يا ألهي العزيز، كله إلا هذا. هل أصبحت شبحًا عقابًا على الأرواح التي أزهقتها أسلحتي؟ واللعنة هذا مخيف... هل أمتلك ندبًا على وجهي أو ربما وشم عصابات ما أو... أوه، يا ألهي أي شخص سيء كنت أنا؟ هل قتلت عائلتي؟ أوه، يا أمي كنت فتى سيء، أنا أسف. هل وضعت أختي الصغرى داخل الفرن الكهربائي ووضعت رصاصة في رأس أخي ونحرت عشيقتي؟ أنا ملعون أ...".
أوقفته عندما رأيت أنه بدأ يندمج في الأمر ويصدقه "انسَ الأمر، لا يوجد تاجر أسلحة بهذه التفاهة والغباء، أي مسلسل مكسيكي بدأت تستعرض أحداثه فجأة؟ نحرت عشيقتك وقتلت شقيقك؟ إن أمهلتك ثوانٍ أخرى لصرخت قائلًا: لا تتركيني كتالينا، فأنا محبوبكِ ألخاندرو".
عقد حاجبيه بانزعاج وضم يديه فوق صدره "لا تتحدثي مع تاجر أسلحة بهذا الأسلوب، قد آمر أتباعي بقتلك، ولا تذكري حبيبتي كتالينا على لسانك".
رفعت حاجبًا نحوه ليهمهم ويعود لطبيعته "آسف، أنتِ محقة، من المستحيل أن أكون تاجر أسلحة، ربما أكون من يصنعها. تبا، الأمر مشوش. عندما أحاول تذكر تفاصيل حياتي أصاب بصداع وربما هذا هو الألم الوحيد الذي قد أشعر به".
التفت أنظر إلى النافذة، كانت الشمس قد غربت وبدأ القمر في الظهور ولم يعد أحد بعد، أو هذا ما ظننته؛ حتى سمعت صوت باب المنزل يفتح ويغلق.
ظننت أنني أتوهم لكن نظرة يوجين نحوي جعلتني أدرك أنه سمع صوت الباب أيضًا "أعاد أحدهم؟" رفعت كتفي دلالة على جهلي بالأمر "دعنا نرى" قلت ونهضت من مكاني.
لا أظن أنها واندر لأنها كانت لتنبهني بأنها قد عادت أو كانت لتصدر صوتًا ما وهذا ما أقلقني، تحركت نحو الأسفل بحذر وأدركت أنني أضخم الأمر فحسب، ففي النهاية سأجد أحد الرجال قد عاد.
تفحصت غرفة الجلوس بعيني ولم يكن هناك أحد ما "إياكِ وقول ‘من هنا؟’ لأنه عادة سيخرج قاتل من خلفكِ وينحر عنقك و..." أوقفته بنظرة حادة، وكأن الأمر ينقص جرعة وسوسة.
صوت ما في المطبخ أفزعني، أمسكت الشيء الأول الذي وقعت عيني عليه وكان إناء زهور فارغ في الزاوية.
تحركت بحذر إلى المطبخ حيث كان صوت الأطباق والأغراض تتحرك.
توقفت أمام البار المطل على المطبخ ولم يكن هناك أحد ما؛ لذلك وضعت الإناء على البار وزفرت براحة "لا أحد هـ..." لم أكمل جملتي لأن شيئا أزرق اللون تحرك فجأة من خلف البار، وما كان مني سوى أنني صرخت بأعلى صوت قد أمتلكه كما فعل يوجين تمامًا.
بعد ثوانٍ من الصراخ أدركت أن من يقف أمامي كان يصرخ بالصوت العالي ذاته قبل أن يتعثر للخلف ويقع على مؤخرته ويصرخ مجددًا "أرجوكم، لا تقتلوني. أنا كائن مسالم، أقسم بالرب الذي يؤمن به والدي و والده من قبله وأجداده من قبله سأخبركم بكل شيء، لكن لا تقتلوني، أنا فقط أشعر بالجوع ولن أسبب أذى لأحد".
نظرت نحو يوجين بينما فعل المثل قبل أن ننظر للفتى أمامنا، عندما أدركت أنه مجرد مراهق انحنيت ممسكة بركبتي التقطت أنفاسي، هذا كان مرعبًا كاللعنة.
"ما هذا الشيء بحق الله؟ لقد كدت أعود للحياة! اقسم أنني شعرت بقلبي ينبض من جديد". صرخ يوجين وهو يلتقط أنفاسه تمامًا كما أفعل، واو، شبحٌ خائف؟ أما زال هناك أي قوانين منطقية سيتم كسرها هنا؟
ابتلعت لأرطب حلقي الذي جف بالكامل ونظرت نحو الفتى على الأرضية "لن يؤذيك أحدهم، انهض". قلت بلطف ليبعد يده عن وجهه ويبحلق نحوي بعينين واسعتين ذهبيتَي اللون، والذي كان غريبًا جدًا.
"لن تقتليني؟" ضحكت بخفة وحركت رأسي بلا ومددت يدي لمساعدته على النهوض.
عندما وقف على قدميه رتب شعره بحركة سريعة ونظر حوله بتشتت، بدا كمراهق في السادسة عشر أو أصغر، مع صوت رقيق نوعًا ما ولون شعر وعينين غريبين.
"كيف دخلت إلى هنا؟ ومن أنت؟" التفت نحوي ونظر إلي من أعلى رأسي لأخمص قدمي، أخذ خطوة للخلف وتمتم بصوت مسموع "شيء ما خاطئ، هذا منزلي، لماذا أترجاها ألا تقتلني؟ كما أنها الغريبة، لمَ تسألني؟"
"لمَ لا تخبريه أن بإمكانكِ سماع حديثه مع نفسه؟" سخر يوجين لأرمقه بحدة "أنا هـ... أعني فارس، أنا فارس، وهذا منزلي، من أنتِ؟ هل أنتِ لاجئة أم هاربة؟ ماذا تفعلين هنا؟ وأين واندر؟ أين الجميع؟ هل قتلتهم؟" طرفت عدة مرات بعدم فهم لكنه عاد ليتحدث مع نفسه مجددًا.
"قتلت الجميع! حتى المتوحش أتريوس؟ تبًا، إن استطاع شخص قتل أتريوس فهذا يعني أنه قوي، من هذه المرأة؟ هل يجب أن أتحول؟ أخبرتني واندر أن أتحول عندما يتأزم الوضع، هل الوضع متأزم؟ لكن من الخطر التحول، ماذا أفعل؟ إستراتيجية القتال لن تنفع هنا فالمنزل ضيق".
انفجر يوجين ضحكًا وقال "المسكين، إنه يفضح ما يخطط إليه بنفسه، أوقفي هذا الطفل قبل أن يبدأ في الحديث عن كم مرة تبول في سريره". دحرجت عيني على سخافة يوجين، إنه فقط مرتبك، حولت انتباهي للفتى وقلت:
"لا تقلق، لم أقتل أحدًا، جميعهم بخير. واندر في مكان ما منذ الصباح، وباقي الفرسان ذهبوا للتصدي لهجوم على أراضي العامة". اتسعت عيناه وصاح "هجوم! أين؟ الفرسان في حاجة لي، يجب أن أذهب حالًا". كاد يتجاوز جسدي لكني أمسكته بسرعة وأعدته لمكانه.
"هل يمكنك أن تهدأ قليلًا؟ لا بد أنهم تعاملوا مع الأمر، لا تقلق، كما أنك لا تعرف حتى موقع الهجوم بالضبط، لم أخبرك بهذا، وهل كنت تخطط لترك فتاة غريبة في منزلك والخروج؟" توقف لثانية وكأنه يستوعب الأمر، لكنه عقد حاجبيه في النهاية وقال "هناك أبرياء قد يُقتَلون، إنهم يحتاجون لأكبر عدد من المقاتلين، علي المساعدة، أعلم أن أغدراسيل قال ألا أتدخل إلا إذا أخبرني، لكن كيف أكون فارسًا وأنا أختبئ هنا؟".
دهذا الفتى حقًا... هل هو فارس بالفعل؟ حس العدالة عالٍ لديه "استمع، أنا فارسة أيضًا، لكني هنا لأنني قد أكون..." توقفت لثانية ولا أصدق أنني سأتحدث كذلك الغبي أتريوس، لكن فليكن "لأنني قد أكون عقبة في طريقهم، بإمكانهم التعامل مع الأمر ونحن سنتدرب حتى نصبح أقوى وأكثر مساعدة في ميدان المعركة".
لا أكاد أفقه ما أقول لكني سأكون لعينة إن تركت هذا الفتى يتجه إلى حيث القتال، ظل يحدق في لثوانٍ قبل أن تتجه عيناه نحو رقبتي وتتسع "أنتِ حقًا فارسة... تملكين علامة الفرسان!" أومأت له ليرفع كم قميصه ليُريني علامته على معصمه، كانت أشبه بقبضة محكمة الإغلاق.
قال بفخر "أنا أيضًا فارس، الفارس العاشر هارليك سباستي، مواطن من أرض العمالقة يشرفني لقائك".
بدا لطيفًا جدًا وهو يحاول أن يبدو جادًا عاقدًا لحاجبيه واقفًا باستقامة، لذلك وجدت نفسي أجاريه في الأمر ولكن كان من الصعب إخفاء ابتسامتي "مرحبًا بك، أنا الفارسة الثانية عشر جلنار روسيل، يشرفني لقائك". أومأ بشكل آلي لتهرب قهقه مني.
توقف لثانية ونظر بعيدًا وكأنه أدرك أمرًا وعاد يتمتم بصوت مسموع "الفارسة الثانية عشر؟ هذا مستحيل، أيعقل أن تكون من كانوا يتحدثون عنها؟ هل هي... هل هي البشرية؟ مستحيل، هذا مستحيل".
حمحمت لأستدعي انتباهه "أنت محق فيما تفكر، أنا البشرية، ونعم، اختصارًا لما ستقول: نحن لسنا أسطورة، نحن موجودون على كوكب يسمى الأرض، لدينا مجتمع كامل وبلدان ومنازل ونعيش ونأكل وننام مثلكم".
ظل يحدق نحوي لمدة دقيقة تقريبًا ليقترب يوجين مني ويقول "إنه لا يتمتم، لقد توقف عن التفكير، تجمد عقل المسكين". هذه المرة اتفقت مع يوجين، المسكين بدا في صدمة.
"هل أنتم مخابيل؟" بدا سؤاله عفويًا لدرجة غريبة وكأن هذا أول ما ومض به عقله "لا، لسنا كذلك، أتراني مخبولة؟" هز رأسه للجانبين بقوة "أنتِ أعقل من نصف الفرسان الذين تعرفت عليهم". رفعت كتفي وقلت "إذًا لسنا مخابيل".
أومأ برأسه وظل يحدق نحوي ثم التفت حوله وقال "أشعر وكأن عقلي تفجر، تعلمين، وكأن الجميع كان يكذب علي. إن عرف أخي ريليس بالأمر لأصيب بصدمة لمدة أسابيع. تبًا، لن تصدقني أمي إن أخبرتها أنني قابلت بشرية و... أبي سيظنني مجنونًا و..." توقف لثانية والتفت نحوي مع أكبر ابتسامة "قد آخذك معي للمدرسة وسأتبجح أمام الغبي تومي بأني تعرفت على إحدى أكبر أساطيرنا".
"أعتذر على مقاطعة أفكارك لكنني لست غرضًا لتتبجح به". تغيرت ملامحه وبدا وكأنه عاد لأرض الواقع "أعتذر إن كنت جرحت مشاعرك، أنا فقط..." أشرت نحوه بلا بأس ليرسل نحوي ابتسامة اعتِذار لطيفة.
"إذًا ذهب الجميع ولم يعودوا حتى الآن!؟ تبًا، أردت مفاجأتهم بعودتي، كان من الصعب إقناع مدرسيّ بمنحي شهادة المستوى الثلاثين لأتمكن من الغياب وأقوم بواجبي كفارس، لكن حُلَ الأمر. سأنتظر عودتهم إذًا، وربما يخبرني أغدراسيل عن تفاصيل قتالهم وبعض التدريبات ستكون جيدة...".
هذا الفتى لا يتوقف أبدًا، كيف أصبح فتى مثله فارس؟ هذا صعب التصديق حقًا، يبدو وكأنه في عمر لوريندا... هيئته لطيفة جدًا، أهذا من العمالقة التي أخبرتني واندر أنهم خطرين؟ يبدو كقطعة مارشملو في نظري، شعره الأزرق المموج والكثيف وعيناه الواسعتان الصفراويتان، قصير القامة نوعًا ما.
"جلنار، عليكِ رؤية هذا". لم أنتبه كون يوجين اختفى فجأة إلا عندما صاح بصوت عالٍ من غرفتي، ألقيت نظرة نحو هارليك الذي بدا منشغلًا بحديثة الجانبي مع نفسه.
تحركت نحو الأعلى حيث يوجين "ماذا هناك؟" كان واقفًا أمام السرير... أشار نحو الكرة الموضوعة بإهمال وقال "هناك شيء ما يحدث لها!".
استندت بمرفقي على السرير وأخذت الكرة بيدي الأخرى، كانت تهتز بشكل غريب وإحدى القطع الحديدية الخمس كانت تشبه المفتاح وتلتف حول نفسها، أمسكت بها لتتوقف عن الالتفاف حاولت تحريكها لكن لم تتحرك، عوضًا عن ذلك بدا من السهل سحبها للخارج وهذا ما فعلته، وبالفعل خرج المفتاح من الكرة.
أحد الشقوق الطولية التي تقسم الكرة لنصفين تقريبًا أضاءت باللون الأخضر، نظرت نحو يوجين ليبادلني النظرات ذاتها. أخذت نفسًا عميقًا قبل أن أمسك بالكرة وألف طرفيها كمكعب الروبيك.
ما إن التفت حتى أصدر مكان المفتاح خطًا ضوئيا باللون الأخضر؛ أشبه بجهاز عرض الصور الضوئي او جهاز ليزر كان الأمر مذهلًا، وضعت يدي أمامه ليختفي الخط عنها وما إن أزحتها حتى أنطلق مجددًا نحو باب الغرفة.
ابتلعت ونظرت ليوجين الذي بدا مذهولًا "أظن أنها تريد منا اتباع هذا الخط!" قلت ليرتفع حاجبه ثم ترتخي ملامحه ويبتسم في حماس "إنها خريطة إذًا". رفعت كتفي بصمت وأعدت النظر للكرة "ماذا فعلت حتى يحدث هذا؟" رفعت الكرة أمامه مشيرة لها "أقسم لم ألمسها حتى، حدث الأمر وحده".
"ما علاقة هذا بالأربعة أقمار؟" عقد يوجين حاجبيه قبل أن ينظر كلانا نحو النافذة تحديدًا نحو القمر الذي ينصف السماء "أربعة ليالٍ!" قال كلانا في الوقت ذاته علينا الانتظار أربعة ليالٍ لظهور أربعة أقمار، هذا منطقي، لقد كان الأمر حرفيًا.
انفتح باب الغرفة فجأة وأطل رأس أزرق من خلال الباب "ماذا تفعلين هنـ... يا ألهي، ما هذا؟" ابتسمت ونظرت حيث يمنع جسده خيط الضوء من إرشادنا وقلت "أتريد أن تفعل شيئا مسليًا حتى مجيء الجميع؟ لأنني أملك شيئا مسلٍ لحد كبير".
....
هز رأسه مرتين وتبعثر شعره الأزرق المموج "لا، أنا متأكد من أنه الطريق إلى الساحة الرئيسة، قد اختلط الأمر عليك؛ فجميع الطرق المختصرة مكانيًا متشابه إلى حد كبير، لا بأس، ستحفظينها مع مرور الوقت". أومأت برأسي ولم أقاوم إغراء ترتيب خصلات شعره بحركة سريع من يدي ولم يمانع ذلك.
كان الضوء أشبه بخريطة بسيطة، فقط نتبع خط الضوء وسنجد ما نريد والذي هو مجهول حتى الآن؛ فلا نعرف ما التالي بالضبط.
وصلنا لنهاية النفق وفتحنا الباب وكما قال هارليك تمامًا، كنا خارج مبنى ذا تصميم عريق وكان يطل على ساحة واسعة والعديد من الأشخاص هنا وهناك، أغلبهم إما فرسان الملك أو نبلاء، وقليلا ما قد ترى فتاة هنا وهناك، ربما لأن الوقت متأخر!
كانت الساحة مُضاءة بالعديد من الكُرات المنيرة التي تطفوا في حلقات لوحدها أشبه بالعديد من الأقمار، انشغلت بتأملها حتى أفقت من شرودي بسبب يد هارليك وهي تسحبني بقوة "لا تعبري الخطوط الحمراء، إنها خاصة بالمراكب البرية". أشار نحو الأرضية على خطين متوازيين أحمرا اللون على طول الشارع حول الساحة.
كانت العديد من المراكب التي تطفوا على ارتفاع سنتيميترات عن الأرض تتحرك فوق هذه الخطوط، أشار لها هارليك قائلًا "هذه المراكب لا تستطيع التحليق في السماء، فهي مخصصة للنقل لمسافات قليلة عكس المركبات الطائرة".
وأخذ يشرح المزيد والمزيد عن مركباتهم بينما نلتف حول الساحة الكبيرة متبعين الضوء الأخضر.
"جلنار، أهذه الجنة؟" التفت نحو يوجين الذي كان ينظر نحو السماء فاغرا فاهه، نظرت حيثما ينظر وتملكتني دهشة قوية حتى أنني لم أدرك ما كان هارليك يقوله، فأعلى رؤوسنا على ارتفاع عالٍ جدًا كان بإمكاني رؤيتها...
جزيرة طائرة! هذا هو الوصف الأنسب لها.
كانت جزيرة كبيرة لا يمكنني سوى رؤية جزئها السفلي من هنا، موقعها فوق رؤوسنا وحجمها الضخم وارتفاعها العالي جعل من الصعب رؤية ما على سطحها.
"إنها أرض الوسطاء" أتى تفسير هارليك عندما لاحظ شرودي وأردف "تعلمين، إنهم علماء قوى العناصر، يُسَخِرون علمهم للملك والعائلات النبيلة، وحتى يمكنهم الدراسة بهدوء فلهم أرض لهم وحدهم لا يمكن لأي شخص أن يضع قدمه عليها، سمعت أن أرضهم أشبه بأراضي الخيال".
أخبرتني واندر عنهم من قبل، أتذكر ذلك، فهم يأتون في الترتيب بعد الملوك والنبلاء. "كيف تبقى جزيرتهم طافية في الهواء؟" رفع هارليك كتفيه بلا اهتمام وقال "لا علم لي، إنها أمور خاصة بعنصر الرياح، يُسَخِرون الرياح لحمل الجزيرة، وبعضهم يقول إن قوى التوبازيوس هي ما تحمل الجزيرة، ستسمعين الكثير من الأقاويل والأكاذيب والأساطير، صدقي ما تريدين".
صرفت نظري عن الجزيرة بصعوبة وأكملنا طريقنا لكن توقف هارليك بينما ركض قاطعًا الساحة، تبِعتهُ بينما أشق طريقي بصعوبة بين الكثير من الدروع الحديدية التي يتفاخرون بها، توقف هو لأتوقف وألتقط أنفاسي "انظري هناك". رفعت رأسي نحو ما يشير له.
مبنى ضخم على بعد أمتار من هنا، كان مضيئا بالكامل وحوله سور عالٍ وضخم، وبإمكاني رؤية تمثالين عند بوابته الضخمة لكني لم أتبين شكليهما.
"إنها أكاديمية أولبابوس، أفضل منشأة تعليمة على مر التاريخ، إنها ليست خاصة فقط بالإلترانيوسيين، بل إنها شاملة لجميع الكائنات، لكن بالطبع هي فقط لنخبة النخبة، هناك حيث تُصنع الأساطير".
"تصنع دعاية جيدة لهم". مزحت ليضحك ويقول "الأمر ليس مبالغة، إنها حقيقة بالفعل والكل يعلم بهذا، حتى تتمكني من الدخول؛ عليكِ أن تكوني ذات عرق نبيل وموهبة لا مثيل لها، وأهم شيء هو أن تكوني مميزة، فهناك الكثير من المتفوقين والقليل من المميزين، إنه حلم أن تضع قدمك داخل هذه المدرسة".
"وإن تخرجت منها على ماذا ستحصل؟" ضم شفتيه وكأنه يحصي الكثير من الأشياء قبل أن يبسط كلتا يديه ويقول "الكثير الكثير. أولًا؛ سيصبح من السهل جدًا أن توظف داخل البلاط الملكي، أما الأقوياء داخل هذا المكان فهم نخبة الحرس الملكي، السيد أوكتيفيان منهم بالمناسبة، كما أنك قد تصبح إحدى أهم القوى العسكرية، ربما حتى يتم ترقيتك إلى وسيط وتنتقل إلى أرض الوسطاء". أشار نحو السماء ثم أكمل...
"قد تُنصب كمستشار ملكي وسيسهل الاختلاط بالعائلة الملكية، في أفضل الحالات قد تصبح مؤهلًا لتتزوج أحد أبناء أو بنات الملك وحينها تصبح وريثًا للعرش، وإن كنتِ من ممالك أخرى فوسام التخرج من أولبابوس هو بمثابة بطاقة الحياة الرغيدة، فتصبحين المرشحة الأولى لأفضل المناصب وأهمها".
نظرت نحو المبنى الضخم بإعجاب "هذا يبدو حقًا رائع، هل تنوي الدارسة هناك؟" نظر نحوي لثوانٍ قبل أن ينفجر ضحكًا وعندما تمالك نفسه اعتذر وقال "إنه خطئي، لقد عرضت لكِ الجانب الوردي من الأكاديمية، لكن أتظنين أن الحصول على هذه الامتيازات سيأتي بسهولة؟ الأكاديمية كالجحيم، فإنها من أصعب المنشئات في الطرق التعليمية والاختبارات التقييمية، الأمر أشبه بساحة حرب مكسوة برداء من حرير. لا أحد سيهتم، لأحد، فقط كلٌ يهتم لمصلحته، إن دخلتِ إلى هناك يومًا لا تدعي ابتسامتهم البلاستيكية تخدعك، إنها أقنعة فأغلبهم أشبه بشياطين".
لم أقاوم الابتسامة، فهذا بدا منطقي جدًا، فمع كل هذه الامتيازات من الصعب الحظوة بيوم دراسي طبيعي. لا أعلم لما بدا الأمر مشابهًا للجامعة لكن بشكل مختلف، لطالما ظننت أن تعابيرهم بلاستيكية، أو ربما ظننت ذلك حتى تعرفت على ألسكا وأصدقائها و... ديفيد.
تنهدت دون إدراك، أشتاق إليهم جميعًا "هل نكمل طريقنا؟" قلت مشيرة برأسي نحو الضوء المتجه للجهة المعاكسة ليومئ برأسه.
"هل تعرفتِ على جميع الفرسان؟" بعد مرور دقيقتين من الصمت قال هارليك لينفجر يوجين لأول مرة منذ أن تحركنا "ألا يمكن لهذا الفتى أن يصمت قليلًا؟ الأمر أشبه بشريط لا يمكنك سماع نهايته إلا إذا سمعته كله". رمقته منزعجة بطرف عيني ليصمت، ليدع الفتى يتكلم كما يريد.
نظرت لهارليك بابتسامة واجبت "لا، فقط أغدراسيل و جوزفين، أوكتيفيان و رومياس أيضًا و... أنت" أومأ برأسه قبل أن تتجمد ملامحه لثانية ويعقد حاجبيه "ألم تتعرفي على أتريوس؟" زفرت عندما ذكر اسمه.
"تعرفت عليه، حتى أنهما لعبا معًا لعبة فلنقتل بعضنا من فوق المنحدر". كم يلزمك الأمر من الحقارة حتى تسخر من موقف كدت تقتل فيه؟ نفس كم الحقارة التي يمتلكها يوجين تمامًا.
لم أنظر نحوه حتى وأجبت هارليك على مضض "لا أريد تسميته تعارفًا حتى". حك مؤخرة عنقه وسأل بحذر "هل حاول أذيتكِ؟" وضعت ابتسامة ساخرة "حاول قتلي". توقعت أن يُفاجأ لكنه قهقه وربت على كتفي "لستِ الأولى، لا بأس، لقد قطع رأس زوندي سابقًا." لم أقاوم الابتسامة وقلت "أخبرني الجميع بذلك، هل فعل شيء ما لك؟" هز رأسه وزم شفتيه وبدا وكأن هناك شيء لمع في رأسه.
"بالحديث عن هذا، لم يفعل شيئا سيئا معي قط، في الواقع عندما قابلته ورأيت ما فعل مع زوندي، لن أكذب؛ أصبحت خائفًا منه، فلم يتردد لحظة قبل أن يسحب فأسه ويقطع رأس الرجل، بعد تلك الحادثة تفاجأت بوجوده عندما كان الجميع خارج المنزل، ظننته سيقتلني لكنه ربت على رأسي ببساطة وذهب".
توقفت عن المشي ونظرت نحوه بعدم تصديق "أعلم، لقد فاجأني الأمر أنا أيضًا. أتعلمين؟ لقد تشاجر مرة مع أغدراسيل، ما زلت أذكر ذلك اليوم، ظننت أنه نهاية العالم، فكلاهما واللعنة قويان جدًا ولم يكن شجارًا عاديًّا كالعادة، ظن الجميع أن أغدراسيل سيتدارك الوضع ويكبح ثورة أتريوس. لم نكن نعلم أتريوس جيدًا، كان غريبًا".
صمت قليلًا وقد عاودنا المشي ليكمل "أتذكر جيدًا ما حدث، فقد هزم أغدراسيل بسهولة وقطع أحد جناحيه، فعل ذلك دون استخدام أي عنصر من عناصر الطبيعة، فعلها دون استعمال هبته، لم يقترب أحد منه يومها وظل الجميع بعيدًا عنه واختفى هو حتى هدأ".
ابتلعت ريقي بشكل لا إرادي وشعرت ببعض التوجس من هذا الرجل، وشيء من الغضب لما فعل بأغدراسيل، أعني قطع جناحه! هذا كثير.
"لكن لا بأس، فأغدراسيل تنمو أجنحته بسرعة، لم يؤذِه الأمر بشكل جدي و... في تلك الليلة عندما نام الجميع استيقظت على ضجيج قادم من الغابة الخلفية، وعندما تفقدت الأمر كان هو، بدا غاضبًا بشكل مخيف، لقد دمر كل ما يحيط به، أكاد أكون متأكد أنه رآني أراقبه بين الأشجار، فمن الصعب ألا تلفت النظر بأعين تلمع في الظلام وشعر أزرق، ولكنه تجاهل الأمر فحسب".
هذا عنصري، أكاد أجزم إن كنت أنا من يراقبه لصنع مني كيس ملاكمة، زفرت بضيق وتأكدت من أنه من الصعب فهم ما يفعله هذا الرجل.
"بالمناسبة، لم أسألك منذ البداية، أين نذهب بالضبط؟ ومن أين اشتريتِ هذه الكرة؟" حقًا! إنه يمشي معنا منذ نصف ساعة ولم يسأل أهم سؤال! قاومت رغبتي في السخرية منه، فهو يبدو لطيفًا جدًا لأفعل هذا.
"أين نذهب؟ لا أعلم، من أين جلبت هذه الكرة؟ لم أشتريها لكني حصلت عليها من فوق سطح المنزل". توقف أمامي وهناك عقدة كبيرة بين حاجبيه "سطح المنزل؟ لماذا هناك خريطة فوق سطح .منزلنا". ربت على كتفه ودفعته برفق بعيدًا عن طريقي "لأن... حسنًا، الأمر نوعًا ما غريب لكني أحاول فتح بوابة العلم" همهم وهز رأسه ببساطة ولكنه بعد ثانية توقف وصرخ بصوت عالٍ بـ "مـاذا؟".
تنهدت وقد أكملت طريقي بدون توقف فقد مللت التوقف كل ثانية، لكنه تحرك بسرعة وتوقف أمامي "بوابة العلم؟ البوابة التي في منزلنا... المغلقة! التي ظل أرتيانو يحاول حل لغزها منذ مدة؟" دحرجت عيني وتفاديت جسده "لقد أخبروني بذلك أيضًا". تمتمت ثم قلت "نعم، إنها البوابة ذاتها المغلقة التي لم يستطع أرتيانو فتحها".
"وأنتِ فهمتِ تلك الرموز على البوابة؟ استطعتِ قراءتها؟ هل احتاج منك الأمر وقتًا؟ أعني أنتِ لستِ هنا منذ وقت طويل و...".
"هارليك! توقف، حللت الأمر في يوم لأن الكتابة كانت بلغة يتحدث بها البشر قديمًا، ثم حللت الألغاز الخاصة بالنص وآخر ما توصلنا له هو هذه الخريطة، والآن أين نحن؟" توقفت ألتقط أنفاسي بهدوء وأنظر حولي، هذا الفتى لا يتعب حقًا.
كان المكان هادئا ولم أنتبه حقًا أن البشر حولنا قد اختفوا، والمباني كانت أقل وربما أكثر ظلمة. حسنًا، لم ألحظ أننا بدأنا نتجه لمكان كهذا. نظرت نحو الضوء... كان قد توقف أمام شيء ما بعيد عنا بخطوات، ركضت نحو ذلك الشيء وفعل هارليك ويوجين الأمر ذاته.
توقفت أمام ما توقف الضوء عنده، كانت صخرة؟ صخرة ضخمة موضوعة وسط اللا شيء.
التففت حولها وما زال الضوء يشير نحوها، لا توجد أي رموز أو كتابة، التفت من حولي أنظر للمكان، كان هادئا حقًا ويبدو مهجورًا، حتى أن المنازل المتباعدة والقليلة هنا تبدو فارغة من السكان.
"انظروا من لدينا هنا". صوت مرتجف خرج من الظلام أفزعني وأجبرني على إخفاء الكرة خلفي فورًا، التفت الجميع نحو مصدر الصوت فرأيت هيئة لرجل ما قادم من اتجاه أحد المنازل المظلمة، كان يبدو قصيرًا أو... منحني الظهر عاقدًا كلتَي يديه خلف ظهره ويمشي بخطى مسترخية.
توقف أمامنا حيث أصبح أكثر وضوحًا وسهلت رؤية وجهه، كان رجلًا عجوزًا غزت التجاعيد وجهه وتركت أثرًا قاسيًا فوق جبينه ووجنتيه وأخذ الزمن شعره مع عمره.
وعلى الرغم من كل هذا، نظراته وهالته كانت تحوي شيئا مختلفا بالكامل، الضغط الذي شعرت به ما إن نظر لعيني دون تردد، وكأنني أقف أمام أحد الجبابرة!
تقوس ظهره وتجاعيد جلده لم تعطه مظهر الضعيف كما هو معتاد، شيء ما كان يدفعني للحذر ويخبرني أن الرجل لن يكلفه قتلي هنا دقيقة.
لم أتفاجأ عندما أخذ هارليك موقفا دفاعيًا فجأة وهو واقف أمامي ورغم أنني قرأت التردد في جسده إلا أنه تماسك وجمع قبضتيه معًا وكأنه مستعد لدخول قتال على الفور.
"من أنت؟ وماذا تريد؟" هنا تفاجأت قليلًا؛ فبرغم من كونه طفل إلا أن نبرة صوته ظهرت قوية وثابتة.
لم يحرك الرجل عينيه بعيدًا عن وجهي ظل ثابتًا محدقًا بطريقة أخافتني قبل أن يقول "من منكم قد وجد الخريطة؟" ارتفع حاجباي بصدمة، ولكن هارليك لم يعر أمر معرفته بماهية الخريطة اهتمامًا لأنه صاح بصوت عالٍ "لن أتردد في التحول لعملاق إن حاولت أذيتها!".
لم أشعر بالاطمئنان نحوه وهذا طبيعي؛ فالأجواء لا تساعد أصلًا "التحول لعملاق قد يقتلها أيضًا يا فتى". قال ضاحكًا بينما توتر جسد هارليك ولكنه تظاهر بالتماسك "أنتِ تتمسكين بها بقوة، أتعلمين ما قيمة هذه الخريطة أيتها الفتاة؟" ما إن قال ما قال اشتدت قبضتي على الخريطة أكثر، لن أسمح لأحد بأخذها.
تنهد ثم صمت لوهلة وكأنه يراجع أمر ما قبل أن يرفع عينيه نحوي ويقول "سأعرض عليكِ مائة ألف كورينت أمام الخريطة". صمت كلانا وقد حدق كل منا بالآخر.
لن أسلمها له "حسنًا، خمسمائة ألف كورنت، ماذا تقولين؟" التفت هارليك نحوي وعينه متسعة "إنه يقول خمسمائة ألف! هل هو مجنون؟".
يبدو أنه مبلغ كبير، لكني لن أقبل أبدًا "مليون كورينت أو مليون ونصف حتى". هنا التفت هارليك بجسده بالكامل وهو في دهشة "هذا قد يجعلك غنية حتى الممات".
احتفظت بصمتي وتمسكي بها رغم أن شعور القلق والخوف كان يتصارع داخل جسدي.
التفت هارليك للرجل وقال "لا أظنها تنوي بيعها". زفر الرجل وقال "ماذا عن إحدى هبات التوبازيوس؟ سأعطيكِ القوة وأجعلكِ قادرة على التحكم في هبتين في الوقت ذاته، هذا قد يجعلك نبيلة في القصر الملكي". اتسعت أعين هارليك وقال "أيمكنك حقا منحها هبة؟".
توقف يوجين بجواري وقال "يبدو مغريًا، سنتمكن من ركل مؤخرة أتريوس حينها" يبدو ركل أتريوس مغريًا، ولكن...
أخذت نفسًا وقلت "لا أخطط لبيع الخريطة، سيدي". نظر كلاهما نحوي بينما ابتسم يوجين ببساطة فهو يعلم جيدًا أنني لن أعطيها له "سأعطيكِ المال والهبة معًا". ابتسمت وأخذت نفسًا وحاولت أن أكون شجاعة "سيدي، أنت تضيع وقتك، وإن عرضت علي كل ما يمكنك عرضه؛ الأمر لا يتعلق بالمال والقوة أو أي شيء آخر، لقد حزمت أمري بتنفيذ شيء ما وسأنفذه مهما كلف الأمر".
تحركت بعدها بعيدًا لكني توقفت عندما سمعت صوت أشبه بدحرجة شيء خشن فوق الأرضية.
التفت بسرعة وتوقعت رؤيته ينوي ضربي بشيء ثقيل على رأسي لكن لم يكن شيء من هذا يحدث، كان فقط واقفًا بجوار الصخرة واضعًا يده عليها وقد تزحزحت من مكانها.
بدأت الخريطة تهتز في يدي بشكل مريب ليمد الرجل العجوز يده ويقول "أعطني الخريطة". كدت أرفض لكنه أوقفني وقال "سأعيدها لكِ، لا تقلقي، ألا تريدين معرفة لأين سترشدك بالضبط؟" نظرت نحو الخريطة في يدي ثم نحوه مجددًا.
قد تكون هذه حماقة لكني أعطيته الخريطة بالفعل لأن هناك شيء ما أخبرني أنه بالفعل غير مهتم بحيازة الخريطة رغم كل ما عرضه علي.
أمسك بها بينما نظر يوجين نحوي بصدمة وأكاد أجزم أنه قد يصرخ الآن لحماقتي، أعدت انتباهي للرجل أراقبه بتحسب فقط لإن قرر أن يركض بعيدًا... انحنى فوق الأرضية على ركبة واحدة ومسح بيده الغبار المتراكم فوقها، وضع الخريطة داخل فجوة تناسبت تمامًا مع حجم الكرة قبل أن يلفها لفة كاملة.
شيئًا فشيئًا انتشر الضوء الأخضر خلال نقوش حول الأرضية وكأنه سائل قد سكب ليتناسب مع النقوش.
اتضح النقش الذي كان من المستحيل رؤيته في الظلام، شكلت تلك النقوش دائرة حولنا فنهض الرجل ممسكًا بالخريطة وأعادها لي، وقبل أن أسأل أي سؤال اهتزت الأرض لثانية قبل أن تتحرك بنا وتهبط ببطء نحو الأسفل، تحت الأرض.
كلما هبطنا إلى الأسفل كانت الجدران من حولنا تضيء بلون أخضر حتى لا نغرق في الظلام مما جعل من السهل رؤية وجوه الجميع.
لم يقل الرجل الغريب شيئًا واكتفى بشبك يديه خلف ظهره بينما عينه ثابتة أمامه، وعلى عكس هدوءه كان يوجين يشتاط غضبًا فصاح بي قائلًا:
"هل جننتِ؟ هل حقًا ستتبعينه؟ ليس لأنه قام ببضع حركات سحرية يعني أنه شخص جيد، وليس لأنه يتصرف كمدير مدرسة السحر الحكيم يعني أننا بخير معه! هذا ليس فيلمًا جلنار، قد يكون قاتل مخبول وما هذا إلا فخ". يوجين محق، أعلم هذا، لكن... إنه يبدو وكأنه يعلم شيئا ما عن الخريطة.
قد يكون هذا تصرف متهور، ولكن الخريطة قادتني إلى هنا لذلك سأكمل للنهاية.
توقفت الأرضية عن التحرك ووجدنا أنفسنا أمام غرفة كبيرة أضاءت باللون الأخضر، رفعت نظري نحو الأعلى متوقعة رؤية سقف حجري ولكن صُدمت عندما كان كل ما يمكنني رؤيته هو السماء والقمر وهناك العديد من النجوم حوله.
"منذ زمن كان هناك الكثيرون ممن يسعون للوصول إلى حل لغز البوابة، بعضهم يريدون فتحها وبعضهم فقط يرونه تحدي ذكائهم... قلة منهم من وصل إلى هنا، في الواقع اثنان فقط من تمكنا من الوصول".
صمت لوهلة ولكني ظللت أتسأل لماذا بإمكاني رؤية السماء بهذا الوضوح بينما كنا نتجه للأسفل قبل قليل؟ لقد كنا نتجه إلى أسفل الأرض؟
"مع تقدم الوقت توقف فضول الناس وتوقف شعورهم بالتحدي ولم يبقَ أحد ليبحث عن سر البوابة؛ لذلك كانت صدمة أن أرى أن أحدهم عاد للبحث، بل ووجد الخريطة".
نظرت نحوه وهناك ما أثار تساؤلي لذلك أفصحت عنه "كيف لم تُفتح البوابة إذا وقد كان هناك شخصان وجدا الخريطة، أليست ترشدك فحسب للحل؟" ضحك بهدوء وقال "نعم، أنتِ محقة لكن عندما تبدأ الخريطة في استشعار أنكِ لستِ الشخص المناسب للوصول لما خلف البوابة فهي إما تتوقف عن إرشادك أو سترشدك للمكان الخاطئ".
أهذا يعني أنها قد تخدعني أيضًا! نظرت نحو الخريطة التي توقفت عن إصدار الضوء ذاته ثم أعدت أنظاري نحو الرجل، كان ينظر نحو السماء بصمت وكأنه في رحلة إلى الماضي.
"كنت حارس هذا المكان، كان يتغير كلما حاول شخص الدخول وكان علي اختباره، إن كان يستحق تلك الخريطة أم لا، يمكنني رؤية رغباتهم الداخلية وعرض ما يريدون عليهم، الكثير منهم سلم الخريطة، لكن اثنين فقط تمسكا بها كما فعلتِ أنتِ".
توقفت لوهله أدرك حديثه لأعقد حاجبي متسائلة باستنكار "أكانت رغبتي المال و القوة؟" لأنني على يقين أنهما لا يهمانني.
اخفض رأسه قليلًا وهز رأسه بخفة ضاحكًا "لا". هذا منطقي، لكن لمَ عرضهما علي إذًا؟ أجاب عن سؤالي الذي لم أفصح عنه قائلًا "منذ زمن بعيد لم أقابل شخصًا مثلكِ، هناك آثار لرغبة في المال والقوة، ولكنها أشبه بـ أمنية لا رغبة. كل ما استطعت قراءته داخل عينيكِ هو اللا شيء... لم أتمكن من الكشف عن أي رغبات يتوق قلبك لها، رأيت شيئا واحدًا وهو تمسككِ بفتح البوابة، ولكن كل شيء آخر كان ضبابيًا، لم أستطع لأول مرة طيلة حياتي كشف ما يرغب شخص به".
تنهد ثم التف من حولنا وأشار بيده بطريقة مسرحية "لمَ لا توجهين خريطتك نحو هذا الجدار؟ قد تجدين ما تريدين". كان الجدار الذي يشير نحوه أسود اللون لا نقوش ولا كتابات عليه؛ فارغ من أي لمسات. وجهت الخريطة إلى حيث أشار ليعود الضوء مجددًا لكنه كان يغطي الحائط بالكامل وبدأ شيء ما يظهر فوق الحائط.
"هناك شيء ما". صحت ناظرة للرجل لكنه كان ينظر بعيدًا ويبدو غارقًا في أفكاره، أعدت أنظاري نحو الحائط وأصبح المكتوب هناك واضحًا أنه رقم... الرقم أربعة عشر بالرومانية، إنها تعطيني أول رقم من أرقام اللوح، احتفظت بالرقم في عقلي لأدونه لاحقًا... اختفى المكتوب فوق الحائط بعد دقيقة وعادت الخريطة كرة مصمتة مجددًا.
نظرت نحو الرجل ولكنه كان يحتفظ ببعض الصمت وقد سرحت عيناه قبل أن تعود ابتسامة وترتسم فوق شفتيه وقال "في الواقع..." سكت قليلًا وكانت نبرته تحمل شيئا من الغموض مضاف له شيء من... الاستمتاع!
"عندما نظرت نحوك للمرة الأولى أصابني شعور من الدهشة، وكأن روحه قد عادت للحياة، لقد رأيت في حياتي شخصًا واحدًا يشبهك في إصرارك وتمسكك بما ترغبين، أنتما حتى تملكان النظرة ذاتها".
أردف ضاحكًا ثم نظر نحوي وأومأ برأسه مجددًا وكأنه يؤكد على كلامه، أما زال يفكر في أمر الرغبات ذاك! "من هذا الشخص؟" سأل هارليك لتختفي ابتسامة الشيخ ويضع أخرى أكثر غموضًا ويقول:
"إنه رجل... رجل يدعى جولديان".
صمت الجميع لدقيقة بينما أتذكر أين سمعت اسم هذا الشخص من قبل، لم أستغرق الكثير من الوقت قبل أن أتذكر واندر وذلك اليوم الذي أخبرتني فيه عن تاريخ الممالك، إنه ذلك الشخص الذي أوقف الحرب وأصبح ملك على الإلترانيوس!
"جولديان؟! جولديان ذاته ذلك الرجل العظيم الذي أوقف الحرب؟ أتعرفه؟" صاح هارليك بينما يتحدث بسرعة وفي نفس واحد.
ابتعد الرجل عن طريقنا وقال "أخذتم ما كنتم هنا لأجله، والآن أخرجوا ودعوا هذا الشيخ وحده". هز هارليك رأسه بقوة وصاح "سيدي، لا يمكنك أن تفعل ذلك! أرجوك، هل حقًا كنت تعرف الملك جولديان؟ هل..." أوقفته عندما وضعت يدي فوق كتفه، فتلك النظر على وجه الرجل كانت واضحة بأنه لن يفصح عن المزيد، لا فائدة من السؤال.
أشرت برأسي نحو البقعة التي توقفنا عليها سابقًا لتنزل بنا لهنا وتحركت نحوها، تنهد هارليك بغضب واتجه بخطى ثقيلة معي وتبعني يوجين بصمت.
نظرت للرجل للمرة الأخيرة قبل أن أومئ برأسي بابتسامة قائلة "شكرًا لمساعدتك".
بدأت الأرض ترتفع بنا شيئا فشيئا ليلتفت الشيخ موجهًا ظهره لنا ولكنه قال فجأة "أحيانًا عليكِ الاستماع لصديقكِ، ليس كل شيخٍ يتحدث بحكمة هو حارس ما، لربما بالفعل هو قاتل مخبول."
عقدت حاجبي باستغراب أحاول فهم ما يرمي إليه، وفي الثانية التالية كان جسدي قد تجمد تمامًا، ارتفعت بنا الأرض بحيث لم يعد بإمكاني رؤيته ولا العودة لسؤاله إن كان يقصد ما قاله.
التفت ببطء نحو يوجين الذي ظل متسمرًا ينظر نحو الجدران التي تتحرك للأسفل، فتحت فمي وأردت قول شيء ما لكني ظللت أفتحه وأغلقه فقط دون أن يصدر شيء مني.
لقد سمع يوجين! هذا الرجل سمع ما قاله يوجين! كيف بإمكانه رؤيته؟ لماذا تظاهر بالعكس؟ لماذا يمكنه رؤيته؟ "رجل غريب! عن أي صديق يتحدث؟" نظرت لهارليك بصمت ولم أستطع هز رأسي حتى فالأمر حقًا كان صادمًا.
ظل يوجين بلا حركة حتى أن عينيه لم تطرف، لم يقل شيء حتى وصلنا للسطح، تحرك هارليك مبتعدًا عن الدائرة المليئة بالنقوش ولكن ظل يوجين واقفًا في مكانه، تعمدت السير من أمامه وأشرت بعيني ليتحرك.
"ما اللعنة التي قد حدثت بحق خالق الجحيم للتو!؟" صرخ بصوت عالٍ ولم أملك إجابة لأني أتساءل بنفس السؤال. تحركت بجوار هارليك بينما ظل يوجين مشوشًا ويكرر نفس الأسئلة "هل رآني أم أنه فقط سمعني؟ لماذا تظاهر بالعكس؟ كيف حدث هذا؟ هل يمكننا العودة له؟".
وكأني أملك إجابة أسئلته أنا في نفس موضعه تمامًا، تنهدت ونظرت لهارليك قائلة "أنت تعرف طريق العودة، صحيح؟" أومأ برأسه وقال "أعرف كل مكان هنا، لا تقلقي، سنعود للمنزل بأمان". أومأت له وأكملت طريقي بصمت ومع الوقت فعل يوجين وظل حبيس أفكاره.
"تعلمين؟ لدي شعور أن الخريطة لن تخدعكِ". قال هارليك فجأة لأنظر نحوه باستغراب "مجرد شعور جلنار، أعني أنك لا تبدين أبدًا كشخص سيء". ضحكت وقلت "الأشخاص السيئون لا يبدون عادة سيئين، هارليك". هز رأسه للجانبين وقال "لا، أنتِ مختلفة، أعني أن حتى باقي الفرسان بكل أمانة بإمكاني رؤية أن كل منهم يحمل جانبا سيئا، لكن أنتِ لا يمكنني رؤية هذا الجانب بأي طريقة. لا أعلم، لكن أشعر بأنكِ تملكين تفكيرًا مختلفًا عنا جميعًا".
ربت على رأسه بصمت ولم أضف شيئا آخر، فلا فائدة من المعارضة بينما هو بدأ يتحدث كواندر "في الواقع أنا أعتمد عليكِ". رفعت حاجبي ليقول "أعني في فتح تلك البوابة، أنا أعتمد عليكِ في ذلك، فإن فتحتها أنا متأكد أننا سنجد طريقة خلفها".
"طريقة لماذا؟"
"طريقة تجعل مني عملاقًا عاقلًا، طريقة تجعل تحولي إلى عملاق لا يقتل أحدًا، طريقة تتحكم في جنوني، بالتأكيد هناك طريقة، فقد فعلها الملك جولديان سابقًا، لابد أنه دون طريقته". توقفت عن المشي ونظرت نحوه مع عقدة بين حاجبي "انتظر، أنت تخلط الأمر، واندر أخبرتني أن جولديان كذب في ذلك الأمر فقط لإخافة الملوك!" دحرج عينيه وأكمل سيره وقال:
"أكاذيب! جولديان وجد طريقة فعلًا للتحكم في جنون العمالقة وكان مستعدًا لاستخدامها في الوقت الحرج، تاريخ الإلترانيوس يقول أن الأمر خدعة حتى لا يبحث أحدهم عن طريقة السيطرة علينا؛ فذلك سيكون خطرًا، لكن دعيني أخبركِ منذ الآن، لا تصدقي تاريخ الإلترانيوس فأغلب ما يقال فيه كذب".
صمت قليلًا وابتسم رافعًا كتفيه بلا اهتمام وقال:
"نحن لا نعرف الحقيقة، نحن نعرف ما يُقال عن الحقيقة وهناك فرق بينهما".
كان محقًا، شيء حدث منذ قرون؛ ألن يسهل تحرفيه سنة بعد سنة؟ من يكتبون التاريخ فقط يتلاعبون بالعقول يوجهون عقلك فقط لما يريدون منك أن ترى ويرسمون أكاذيب فوق الصورة الحقيقية، ما حدث حقًا لن يعرفه سوى من عايشه.
تنهدت بتعب لكل هذه التعقيدات وكأن الأمر حقًا ينقصه لمسات لطيفة، أكملنا طريقنا بصمت وكان كل منا مشغول بأفكاره الخاصة لدرجة أننا لم نتبين ما يحدث من تجمعات في الساحة الكبرى إلا بعد فترة.
كان الجميع متجمع حول ما يشبه صورًا كبيرة مجسمة لرجل يرتدي زيًا رسميًّا ويتحدث عن شيء ما، نظر كل منا للآخر، اقتربنا من ذلك الحشد لنتمكن من سماع ما يحدث والتقطت أذني بعض الكلمات، الفرسان والمنطقة الغربية، شيء عن إصابات وبضع ضحايا.
نظرت نحو هارليك الذي بادلني نظرات قلقة "علينا العودة للمنزل فورًا". قلت ليومئ ويتحرك بخطى سريعة نحو المنزل، وصلنا إلى النفق وظل هارليك يحاول أن يطمئنني بأن جميعهم بخير، فغالبًا جنود الإريبوس ضعيفون، فهم قد عادوا من المنفى ولم تعد قوتهم كالسابق وأنه شيء يتعامل معه الفرسان أسبوعيًا.
توقفنا أمام الباب وشيء ما جعلني خائفة حقًا لفتحه، هل عادوا؟ هل جميعهم بخير؟ هل مات أتريوس أخيرًا؟ لا أعلم حقًا لكني كنت قلقة. في النهاية فتحت الباب ودلفت لداخل المنزل أو غرفة الجلوس بشكل أدق، أصواتهم كان بإمكاني سماعها، جميعهم موجودون في الجزء الشمالي من غرفة الجلوس.
تحركت إلى هناك بسرعة وبدأت أصواتهم تعلو، توقفت في مكاني عندما رأيت الجميع... الجميع بخير، أو لا...
أغدراسيل لم يكن... كانت واندر تضع قطعة من القماش التي تحولت للأحمر بالكامل فوق كتفه بينما تتحدث بجدية وبسرعة إلى جوزفين الذي بدا قلقًا للمرة الأولى.
كان أغدراسيل يغمض عينيه بقوة عاقدًا حاجبيه وقد امتلأ المكان من حوله بالدماء.
رومياس يقف في زاوية المكان يشاهد بشيء من الخوف بينما صاح أوكتيفيان فيه بأن يركض بأسرع ما يمكنه لمناداة الطبيبة الملكية.
الطبيبة! نعم، عليهم مناداة طبيبة، ربما تفحصني أيضًا فأنا بالكاد أتنفس وأشعر بجسدي أصبح باردًا، لكن كمّ الدماء الذي نزفه ليس جيدًا أبدًا!
لن يتحمل حتى مجيء طبيبة من القصر الملكي، بدأ لون وجهه بالشحوب وشفتاه أيضًا ويقاوم فقدان الوعي، أمامه ما يقارب الست دقائق حتى يفقد الوعي وإن فعل فسيكون في خطر، علينا إيقاف النزيف فورًا تطهير الجرح وإزالة أي شظايا لسلاح إن كان شيء ما قد انفجر أو انكسر داخل كتفه، ثم إغلاق الجرح و...
لحظة، أنا طبيبة! واللعنة أنا أعلم ما علي فعله... ماذا أنتظر بحق الله؟ دعني أكون مفيدة لمرة في حياتي... الصراخ على الذات كان نافعًا لأنني تحركت بسرعة باتجاههم، لا أخاف الدماء بحق الله، لكن الموقف أرهبني وعلي تمالك نفسي! بإمكاني إنقاذه...
تفاجأت واندر من وجودي وقبل أن تقول شيئا كنت قد أبعدتها عن أغدراسيل ورفعت طرف ردائي، وضعت إحدى ركبتَي بجوار جسده فوق الأريكة لأسند جسدي جيدًا، أبعدت القماشة التي تحولت للون الأحمر ونظرت للجرح.
كان طوليًا وكأنه قطع بشيء حاد من نهاية عنقه حتى كتفه "ما الذي أصابه؟" سألت جوزفين الذي حقًا بدا متوترًا "لـ... لقد كنا أمام هؤلاء الملاعين و... هو فقط..." زفرت وصحت في وجهه "جوزفين! لا أريد قصة حياته، أعني ما السلاح الذي أحدث هذا الضرر؟" فتح فمه بسرعة وقال "سوط، لقد كان سوطًا ولكنه حاد" أومأت بسرعة إذًا لا شيء قد دخل لجسمه.
بحثت حولي عن قماشة أخرى وعندما لم أجد أمسكت طرف ردائي ومزقته ثم وضعته فوق كتفه "أحتاج إلى كحول وإبرة حادة وخيط من الحرير أو النايلون". نظرت نحوي واندر بشيء من الصدمة وكرر جوزفين بتعجب "كحول؟ لا أعرف إن كان يوجد أحدها هنا".
في الواقع لا يمكنني توقع أن تكون الكحول صافية هنا أو بلا إضافات قد تجعل الجرح يلتهب "حسنًا، أريد منك أن تغلي قدرًا كبيرًا من الماء، سيكون كافيًا". نظر إلى أوكتيفيان الذي أومأ برأسه وأشعل يده فورًا واتجه كلاهما للمطبخ.
"واندر، أحتاج إلى إبرة خياطة وخيط من النايلون أو الحرير بسرعة، يجب تقطيب جرحه، ضعي كل من الإبرة والخيط في ماء و اغليهما". بدت مشوشة ولكني ناديت باسمها بصوت عالٍ لتومئ بسرعة وتتحرك.
"أغدراسيل، تماسك، حسنًا؟ أرجوك مهما حدث لا تفقد الوعي، سيكون الأمر سريعًا... مؤلمًا لكن سريع. لدي الكثير لأخبرك عنه، حتى أنني قابلت هارليك، إنه بجانبك". فتح نصف عينيه ناظرًا نحوي وابتسم بصعوبة "أ... أين كنتِ؟" ابتسمت لأنه ما زال يحاول الحفاظ على وعيه.
"كانت معي أخي، لا تقلق لقد حميتها جيدًا، ذهبنا إلى المكان الذي دلتنا الخريطة إليه". قال هارليك بابتسامة ليربت أغدراسيل على رأسه بيده السليمة "متى عدت؟" كان يتحدث بصعوبة وهذا ما أقلقني، أعني أنه قوي، كيف يمكن لشيء كهذا أن يصيبه؟
إنهم فرسان مما يعني أنهم معتادون على الإصابات، لكن هذه الإصابة تبدو سيئة حقًا، سوط حاد! لا يبدو أنه عادي، كنت خائفة من احتمال تسمم جسده ولكن لا يوجد ما يشير إلى ذلك.
"عدت اليوم، وانظر حصلت على موافقة من أساتذتي، بإمكاني التدرب معكم منذ اليوم... أخي، كيف حدث هذا لكَ؟ أنهم لا يستطيعون أذيتك غالــ..." نظرت نحوه بحدة وحركت رأسي بلا، تذكيره سيزيد الأمر سوء.
جاء أوكتيفيان وجوزفين بدلو مليء بالماء، كانت حرارته مناسبة، غسلت يدي جيدًا وغسلت جرحه أيضًا، تألم قليلًا لكن لا توجد طريقة أخرى.
جاءت واندر مسرعة بالخيط والإبرة نظرت نحوها وهمست "حاولي أن تشغليه بعيدًا عما سأفعل". أومأت برأسها وجلست بجواره بينما تحاول التحدث عن أي شيء حتى وإن كان تافهًا.
ابتلعت وحاولت تنظيم أنفاسي وتهدئة نفسي. تذكري هذا الرجل كان الشخص الوحيد الجيد معكِ، لا تدعيه يموت بسبب فقدان الدماء لأنك جبانة. أفعل هذا للمرة الأولى لكني تدربت عليه كثيرا... على يد صناعية، لكن هيا هناك مرة أولى لكل شيء.
"جلنار، اهدئي. أنتِ طبيبة بالفطرة يا فتاة، لا بأس، سيكون كل شيء بخير. انظري، جميعهم يثقون بكِ". ابتسمت ليوجين بلا إدراك وأخذت نفسًا أخيرًا قبل أن أبدأ بتقطيب الجرح.
كان يتشنج في كل مرة أغرز الإبرة داخل جلده وبدا بتنفس بصعوبة، ولكن واندر وهارليك حافظا عليه مستيقظًا، كانت عضلات كتفه تنقبض بقوة ولكنه مع الوقت بدأ يعتاد الألم.
أنهيت تقطيب جرحه وزفرت براحة، لم يكن سيئًا جدًا في الواقع. أمسكت بقماشة مبللة ومسحت الدماء حول ذراعه قبل أن يعطيني جوزفين ما يشبه الضمادات التي لففتها حول كتفه المصاب.
كل واحد منا تنفس براحة ما إن انتهيت، لكن ما زال هناك ما يزعجني بشأن تألمه بهذه الطريقة.
نهض بعد إصرار واندر على أخذه لغرفته ليرتاح قليلًا حتى مجيء الطبيبة الملكية لمعاينة حالته.
حاولت بشدة تمالك أعصابي وغسلت يدي الملوثة بالدماء بينما ربت جوزفين على كتفي شاكرًا بشدة لما فعلت. "هل أنتِ طبيبة؟" سأل أوكتيفيان لأرفع كتفي وأقول "نصف طبيبة، تخصصي الجامعي الطب ولكني في سنتي الأولى، لم أتعلم الكثير لكني أعرف على الأقل كيف أقطب جرحًا كهذا".
"الجامعي؟ هل هي مؤسسة تعليمية؟" أومأت نحو أوكتيفيان وحاولت ألا أضحك على نطقه للاسم.
تغير تعبيري لآخر جدي ونظرت نحوهم قائلة "لست واثقة إن كان الجرح وحده هو ما أصاب أغدراسيل، تألمه بهذه الطريقة يعني أن هناك شيء ما أكبر من هذا". تبادلوا النظرات فيما بينهم مما يعني أنهم يعرفون بالفعل ما أصابه.
"أنتِ محقة، ما كان ليتألم بسبب جرح كهذا، لكن من سبب له الجرح لم يكن شخصًا عادي، غالبًا السلاح الذي سبب الجرح مصمم خاصة ليسبب ألمًا لكل ما يلمسه، أشبه بتسرب السم لجسده، مما يعني أن كتف أغدراسيل ليس الشيء الوحيد المؤلم حاليًا؛ بل جسده بالكامل".
وضح أوكتيفيان ثم أردف "لذلك لابد من الطبيبة الملكية أن تفحصه، فهي الوحيدة القادرة على التخلص من أي يكن المادة التي تتسرب داخل جسده".
إذًا لا شيء يمكنني فعله! لعنت بين أنفاسي أشعر بالأسف لأجل أغدراسيل، لكن وجود الطبيبة الملكية دفعني للشعور بالطمأنينة.
سألت الجميع إن كان أحدا آخر مصابا حتى وإن كان جرحا صغيرا، ولكن كانوا جميعًا بخير. إصابة أغدراسيل كانت بسبب ظهور طفل ما فجأة داخل أرض المعركة؛ مما شتته في محاولة حمايته.
"في الواقع ذلك الأحمق أتريوس، أيعقل أنه لم يصب؟" نظرت لجوزفين الذي تمتم متسائلًا "أعني لقد واجه واحدًا من الشياطين الثلاثة وحده، ظهور ذلك اللعين لم يكن في الحسبان، ولولا قوة أتريوس على شفاء نفسه، وقوته الجنونية في القتال لكنا في خبر كان، لكن لا بد أنه حصل ولو على جرح واحد حتى".
"وإن كان يموت فهو لن يطلب المساعدة، لا فائدة من سؤاله". قال أوكتيفيان بلا اهتمام وتحرك للأعلى.
إن حصل هذا الغبي على جرح مماثل لخاصة أغدراسيل وظل به دون تقطيب فهو ميت، ما شأني على أي حال؟
كانت نهاية هذا اليوم موترة حقًا.
ذهب الجميع بدون حديث عما حدث إلى غرفهم، لاحقًا أخبرني هارليك أن الطبيبة الملكية جاءت لمعاينة أغدراسيل وستظل واندر بجواره.
قمت بتنظيف المكان في الأسفل، فيبدو أن واندر ستظل مع أغدراسيل
حتى الصباح. اضطررت لأخذ حمام للتخلص من الدماء التي علقت علي، رميت الرداء الممزق
بعيدًا وأخذت واحدًا أكثر راحة من أجل النوم.
هدأ المنزل وخيم الظلام على المكان، ظللت في غرفتي أحدق نحو السقف المظلم، بالرغم من أني أغلقت الضوء لأنام ظلت الكثير من الأفكار تصطدم ببعضها داخل عقلي ومحاولة ترتيب أحداث هذا اليوم كانت صعبة.
يوجين ظل يطفو أمام النافذة وهو ينظر للخارج وبدا لي أنه لا ينوي النوم الآن ولكننا لم نكن أيضًا ننوي التحدث.
بعد مرور الوقت سمعت صوت طقطقة فوق الأرضية الخشبية خارج الغرفة، ظننت أن أحدهم متجه للمطبخ أو ربما ذاهب لمكان ما، لكن تلا تلك الطقطقة صوت اصطدام شيء ما بالأرضية مما أفزعني، نظرت ليوجين فرأيته ينظر باتجاه الباب مما يعني أنه سمع الصوت أيضًا.
قفزت في عقلي فكرة سيئة، ربما هذا أغدراسيل قد نهض من فراشه وفقد الوعي هنا فجأة! أزحت الغطاء عن جسدي ونهضت بسرعة وتحرك يوجين معي، خرجت أنظر نحو الردهة الدائرية لكن لا أحد هنا تحركت قليلًا نحو اليمين وكما توقعت، كان هناك جسد ملقى عند السلم.
ركضت بسرعة تجاه أغدراسيل وانحنيت بجواره، حملت رأسه فوق حجري لأجعله يستيقظ لكني صعقت عندما رأيت أتريوس.
تجمدت لثانية ولم أعلم ماذا علي أن أفعل، كان فاقدًا للوعي و يتعرق بشكل سيء، حرارته مرتفعة بينما يتنفس بصعوبة. رفعت رأسي أنظر ليوجين بتساؤل عما أفعل لكنه قال بكل برود "ظننته ذا الجناحين، لنعد للسرير فقد تأخر الوقت". ارتفع حاجبي لبروده ولكنه كان قد تحرك متجه نحو الغرفة بالفعل.
كان المكان مظلم لذلك لم أستطع رؤية ما خطبه، لكن يدي التي تلمست جسده تبحث عن جرح ابتلت بالكثير من الدماء، إنه بالجانب الأيسر من معدته ويبدو حقًا في حالة سيئة، بجواره كان أحد فأسيه ملقى على الأرضية وقبضته ملوثه بالدماء.
"ماذا تفعلين بحق الله؟" يوجين الذي لاحظ أني لا أتبعه عاد نحوي وقال بغضب، أعلم... أعلم أنه حقير ولعين وأنه غبي، ولكنه في حالة لعينة الأمر لا يتعلق به الأمر يتعلق بضميري، وهو يكون أكثر تعذيبًا عندما تكون طبيبًا أو... أوشكت أن تكون.
فكرت بجدية، ما الشيء الصحيح الذي كانت لتفعله أمي في موقف كهذا؟ ولم أطل التفكير لأنها ببساطة كانت لتعالجه دون اهتمام.
حزمت أمري وأبعدت رأسه برفق عن قدمي ونهضت "أحسنتِ، هيا بنا". أشار يوجين برأسه للغرفة لكني لم أتبعه، وحوطت ذراعي حول جسده بينما حاولت سحبه بقوة نحو غرفتي.
توقف يوجين وصاح بي "أجننتِ؟ هل حقًا ستعالجين هذا الثور؟" تجاهلت يوجين ووضعت كامل قوتي وتركيزي في سحب جسده نحو الغرفة.
الأرضية الناعمة وجسده المغطى بالدماء سهلا الأمر بعض الشيء، فكان ينزلق بسرعة بينما يلوث الأرض بدمائه، أشعر وكأنني قمت بقتله والآن أحاول إخفاء الجثة.
بعد معاناة لمدة عشر دقائق استطعت وضع جسده الثقيل فوق السرير "جلنار، بحق الله ماذا تفعلين؟ فقط دعيه يموت، لن يهتم أحد بذلك". زفرت بحدة وقلت "لقد حملت ثلاثين رطلًا من العضلات للتو ويكاد ظهري ينكسر؛ لذلك لا تزد الطين بله".
قهقه بسخرية وقال "لا يوجد طين ولا ماء في هذا الأمر جلنار، هذا الغبي قد حاول قتلك وأنتِ تنقذين حياته؟" توقفت أمامه وهمست بحدة وغضب "لا أفعلها من أجله يوجين، أنا طبيبة! واجبي هو مساعدة أمثاله مهما كانوا حقراء، أن تكون طبيبًا يعني أن تنسي مشاعرك تجاه المريض أيًا كانت وتنقذه، أفهمت؟".
"إلهي جلنار، أنتِ لستِ طبيبة؛ بعد... كما أنكِ في السنة الأولى فقط، هل يقومون بحقنكم بمادة شرف الطبيب أم ماذا؟ هذه حماقة".
تجاهلته وأشعلت أضواء الغرفة، اتجهت نحو جسد أتريوس ونزعت قميصه الغارق في الدماء وألقيته بعيدًا، أخذت ردائي الممزق الذي نزعته أنفًا وقمت بلفه حول الجرح ليوقف النزيف واتجهت للأسفل لأغلي بعض الماء وأحضر الإبرة والخيط من حيث وضعتهم واندر.
ظل يوجين خلفي يثرثر ويصيح ويكاد يفقد عقله مما أفعل ولا ألومه في الواقع. أحضرت ما أريد وتحركت لأعلى ولكن يوجين أوقفني قائلًا "على الأقل خذي فأسه المرمي بجوار السلم لتهديده إن استيقظ". أومأت له على مضض ووضعت الأغراض داخل غرفتي.
بدأت في محاولة لتطهير جرحه وتقطيبه وكان الأمر أصعب من أغدراسيل؛ فهو كان فاقدًا للوعي ولا يمكنه تحريك جسده لمساعدتي قليلًا.
"جلنار، حقًا ما تفعلينه حماقة، كاد هذا الغبي أن يقتلك! لقد رمى جسدكِ من فوق المنحدر وأنت تنقذين حياته! أعني... هيا، هو لن يموت على أي حال، يبدو بخير". نظرت نحو وجه أتريوس الشاحب وشفتيه التي فقدت لونها وأنفاسه التي تخرج بصعوبة ثم أعدت نظر ليوجين بحاجب مرفوع.
"حـ... حسنا يبدو سيئا بعض الشيء، لكن... نحن لسنا مسئولين عنه، هو لم يطلب المساعدة حتى". تنهدت وقلت "لا أهتم، لا يمكنني رؤية شخص يموت أمامي و بإمكاني معالجته وأظل ساكنة، ربما يومًا ما، فقط يومًا ما سيكافئني الإله على هذا في موقف ما ويجعل أحدهم ينقذني بينما أكاد أموت".
"أتظنين أن هذا الهمجي سيستيقظ ويشعر بالامتنان والحنان ويشكركِ كشخص طبيعي ويعتذر ويحتضنك؟ أو ربما ينقذكِ مقابل ما تفعلين؟ بحقك أنتِ لا تظنين ذلك! أتعلمين ماذا قد يحدث عندما يستيقظ؟ سيحاول قتلك لأنكِ لمستِ جسده الطاهر بيديك القذرتين، أو يتهمكِ باغتصابه أو التحرش به حتى".
دحرجت عيني وركزت فيما أفعل وتمتمت "لا أنتظر شيئا من شخص مثله". ثم رفعت رأسي ليوجين وقلت "أفعلها بدافع الشفقة لا غير". همهم وقال "حسنًا، الشفقة شيء مهين لشخص مثله، استخدمي هذه الجملة عندما يستيقظ ويسألكِ لماذا أغلقتِ جرحي اللعين؟ لقد كنت أحب شكله وهو ينزف".
أنهيت أخيرًا تقطيب جرحه وأمسكت بالضماد الطبي لأضعه فوق الجرح، كان لفها من أسفل جسده هو الأصعب، كان علي حشر يدي أسفل ظهره وسحب الضمادة من الجهة الأخرى وكان الأمر مزعجًا "الآن بدأت أشك أنكِ تتحرشين به". نفخت بغضب وهمست بحدة "أخرس قليلًا، نكاتك لا تساعد".
لففت جرحه وانتهيت، زفرت براحة وتمتم يوجين "ما زلت أظن أنه يستحق التعفن في الجحيم" تجاهلته بينما أمسكت بقدر الماء البارد ووضعت الكمادة فوق رأسه "أتمزحين معي جلنار؟ لمَ لا تقبلين رأسه وتحكي له حكاية قبل النوم؟".
"ارتفاع حرارته خطر على جسده وقد تصيبه حمى قاتلة، وتعبي في جرحه سيذهب هباء" بررت ليزفر بتذمر "لماذا على شيطان مثله أن يكون مدللا بينما أنا لا يمكنني حتى تناول الطعام؟" ضحكت وحاولت تلطيف الأجواء "عندما يصبح بخير سأخنقه بهذه الكمادة، لا تقلق".
عندما التففت نحوه مجددًا فزعت، كانت عيناه نصف مفتوحة وتنظر نحوي، كان يهلوس بشيء ما، بعض الأسماء ولكن أكثر الأسماء وضوحًا كان فينسيا!
أنينه بدأ يهدأ قليلًا وأغلق عينيه لأتنهد براحة وأقول ليوجين "لوهلة كدت أصدق أنه سمعنا، يوجين" ضحك يوجين وأومأ برأسه.
"مع... من تتحدثين؟" صرخت بفزع عندما قال فجأة، نظرت نحوه، مغمض العينين وحاجبيه معقودين ولكن لا يبدو أنه يهلوس "هل أنت مستيقظ؟" همست ألوح أمام وجهه ليتمتم بخفوت "لا يمكنني فهمك".
غط في النوم بعدها وبدأ تنفسه يهدأ مع الوقت.
تنفست براحة فقد شعرت أنه تم كشفي.
شيء ما لمع في ذهني فجأة، صدره لم تكن عليه علامة؟ رغم كوني متأكدة أنه اليوم صباحًا كان يمتلك علامة ما ولكن لم أستطع رؤيتها، هل كنت متوهمة؟
"لندعو الله ألا يتذكر شيء من هذا غدًا" قهقهت لتذمر يوجين الذي ظل يسبه عدت مرات. "اذهبي واجلبي فأسه من الخارج" أومأت له وخرجت لأحضر فأسه، كانت الأرضية ملوثة بدمائه لكن لم أعد أملك الطاقة لتنظيفها؛ لذلك حاولت حمل فأسه ولكنه كان ثقيلا كاللعنة، وانتهي بي الأمر بجر الفأس للغرفة، الأمر حقًا يبدو وكأنني ارتكبت جريمة قتل.
"هناك ثور ينام في سريرك، أين ستنامين؟" تنهدت ونظرت للغرفة أحاول إيجاد مكان يمكنني الجلوس فيه براحة.
اتجهت نحو إحدى الزوايا وجلست فوق الأرضية بينما احتضنت فأسه بقوة حتى ألوح به متى ما استيقظ وقلت "لن أنام، قد يقتلني بينما أنا نائمة، سأظل مستيقظة".
هزر يوجين رأسه بيأس وتمتم "من بحق الله ينقذ شخصًا يخاف أن يقتله؟".
تجاهلت يوجين ووضعت كامل تركيزي في إبقاء عيني مفتوحة، كان خيارًا سيئًا لأن بعد خمسة عشر دقيقة كان رأسي يسقط للأسفل لوحده، ومهما حاولت فكانت عيناي تنغلقان وحدهما.
عندما رأى يوجين حالتي التي يرثى لها أخبرني أن آخذ غفوة وهو لن ينام؛ فهو لا يشعر بالنعاس أبدًا على أي حال وسيوقظني بصوته العالي إن استيقظ أتريوس.
ورغم أنني أخبرته أنني سأتحمل إلى أنني كنت نائمة بعدها بدقيقتين، وإن حدثت هزة أرضية فلن أستيقظ أبدًا.
...
فتحت عيني بانزعاج وقد ارتجف جسدي بقوة للبرودة التي ضربته، كان
البرد يلسع بشرتي بشدة مما دفعني لمحاولة تدفئة جسدي بفرك يدي فوق كتفي.
لا أتذكر أن النافذة كانت مفتوحة، ولا أتذكر أننا حتى في فصل الشتاء! فتحت عيني أنظر حولي أبحث عن النافذة لكن لم تكن هناك واحدة!
في الواقع لم أكن في غرفتي حتى! كنت في مكان فارغ والجليد في كل مكان وهناك عاصفة قوية تضرب جلدي العاري بعنف.
لا أعرف ما يحدث، وكان من الأصح أن أشعر بالفزع، لكني لسبب ما كنت مدركة أنني أحلم!
ولسبب آخر كنت أكثر هدوء داخل هذا الحلم، ظللت جالسة بهدوء، كنت خائفة ولكن هادئة وكأني شخصان، التففت حولي أبحث عن شخص ما لكن كل ما رأيته هو الكثير من البياض، نهضت أخيرا على قدمي وكانت حركتي في الواقع خارجة عن إرادتي.
وكأنني فقط أشاهد ما يحدث من خلال جسدي!
مشيت عدة خطوات وكان الجليد يقرص قدمي العارية، ولكني بدوت وكأن الأمر لا يؤثر فيّ. توقف جسدي عندما رأيت شيء ما، كان فوق الأرضية جسد صغير وحوله بركة من الدماء.
ركضت نحوه وجثوت بجوار جسده، خصلات اختلطت باللون الأشقر ولون القهوة مبعثرة وقد تجمد بعضها لشدة البرودة بينما لم أتبين ملامحه لأن جسده الصغير كان واقع فوق وجهه.
حركته بسرعة وقلبت جسده، كان يرتجف بقوة ينتفض كل ثانيتين ووجنتاه وأنفه محمرين بالكامل، شفتاه أصبحت زرقاء وتجمع الثلج فوق رموشه الكثيفة، حاولت تدفئة جسده. احتضنت المسكين في محاولة منع البرودة من الوصول له.
وفجأة بدأت أشعر مجددًا، وقد كنت خائفة حد الموت.
تحرك الصبي بعدما ظننت أنه فارق الحياة، نظرت نحوه لتطرف عيناه بسرعة وفتحهما، تمسك بفستاني بقبضته الصغيرة ونظر نحوي، الدموع تملأ عينيه. حرك شفتيه بشيء ما وكان صوته بعيدًا، حاولت قراءة شفتيه، شيء كـ تترك أو ضوء... لا، أنه يقول لا... لا تتر... "جلنار، أفيقي بسرعة!" صوت الصراخ انتزعني فجأة وانتبهت لأعين الطفل التي تحولت شيئا فشيئا إلى أعين زجاجية.
وقبل أن يتلاشى سمعته، سمعت ما قال...
"لا تتركيني!"
ثم ذهب واختفى كل شيء، الصبي... الجليد والعاصفة والشعور بالخوف.
وتبدل بإحساس لطيف بدفء أشعة شمس على بشرتي، ويد ما تسند عنقي بينما أعين زجاجية تحدق نحو... لحظة، ما اللعنة؟
*****************************************
اخيراااااااااااااااااا
خلصت الفصللل
الفصل ده تقريبا كان عباره عن فصلين مش متأكده
بس بحبه وبحب اجواءه وبحب مومنتاته
هارلييييييك ظهرررر
ألطف شخصية وأكترهم كلام مش بخلص
افتكر شخصية هارليك كنت مقتبساها من اصغر اخت ليا
نفس طريقة الكلام والحركات، بتحب تتكلم في كل حاجه واي حاجه ومازالت وحقيقي بجب طبعها اوييييي
تفتكروا الشخص الي شاف يوجين مين؟
وازاي يعرف جولديان بينما جولديان اصلا كان عايش في ومن بعيييد اوي
اممممممممممممممممممممممم
هعمل فقرة اسمها تساؤلات عشان اقعد افكر معاكم 😂
اخر مومنت ده اعرف ناس هتعمل عليه انهيارات
خلص الفصل هنا
انجويييي
بااااييي
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذف🔥🔥🔥❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذفكيوووووووووووووووووتتتتتتتتت ✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
ردحذفياااه حرفيًا الابتسامة ما فارقتني! هارليك حلويياات الرواية عسل عسل عسل ودي اعضه لطييف 💗💗😔
ردحذفانهرت المومنت بينهمم يجننن😭😭💗
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفاموت واعرف ميننننن فنيسيااااااا 😭😭😭راح تجيبلي الضغط
ردحذفاحنا القراء القدام و استنينا 70 فصل عشلن نعرف مين خي فينيسيا هههههههه
حذفانا هم من زمان قاريتها بس هل الاسم يدمر اعصابي 😂💔
حذفحماااس ♥️♥️
ردحذف❤️+🔥=❤️🔥
ردحذفالدرااما بددت الدرااما ببددتت!!!
ردحذفدخلنا الججدد!!!!!!!!!!!!
هو أيوة ثلاثة فصول ورا بعض وحلو وكلشي بس الفصل القادم فيييننن
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفحمااااس للفصل القادم 🔥🔥🔥🔥
ردحذفاول مرة اتحمس هكذاااا + روايتك إبداع 💓😌
إسراء اروع كاتبة ❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذفلدرجه تركت المذاكرة😩
ما اقدر اتنفس ابي الفصل الييي بعده الاااننننننننن
ردحذفالحماس الف بسرعه البارت الجديد بليييز
ردحذفهاريك ظهر واسم فنيسيا المجهولة كمان انا عايزه اعيط
ردحذفكنت مستنيه المومنت الجاى اوى 🥺🥺
ردحذفو اخيراا هارليك الكتكوت ظهر اشتقت ل شخصيته ♥️♥️
ردحذفاخخخخ خلصته اخيرا كتتير حلووو
ردحذفهارليك ككتكووتت ولون شعره يجنن💗
ردحذفتحمست لفكرة انها تطلب من الحداد يصنع لها سلاح احس واو
العجوز يما شلون سمع مدري شاف يوجين! احاتت
انهرتتتتتتت المومنت يجنن مقدر اصبر للفصل الجاي بمو ت من الحماااسس 😭😭😭😭
بقرأها من جديد بس حرفيا الحماس وكأني بقرأها لأول مرة
ردحذفحمااااس للي جاي ❤️❤️❤️❤️🔥
ردحذفهارليك ظهر اخيرا
ردحذفحماس قاتل ياااااي ❤️❣️❤️❣️❤️❣️❤️❣️
ردحذفاحسني تعودت على الدلع ابي فصل كل يوم 🥲
ردحذفهارليك اللطيف من شخصياتي المفضلة اشتقت له يعطي جو حلو في الرواية 🤍🤍🤍
ردحذفحماااااااس 🔥🔥🔥🔥
ردحذفكيف اصبر كييييييف اخخخخخخخ
ردحذفوبلشت المومنتات الحلوة😩😩❤
ردحذفشو لطيف هارليك 🤭♥️
ردحذفاتريوووس 😭😭😭
ردحذفقاعدة بعيد الرواية وحاسةة بموجة شماتةةةةة رهيبة بأتريوس لما كان حقير هنا وكيف وقع على وجهة بالآخر اءءءءءءء 😭
ردحذف