الفصل التاسع عشر | القمر الأخير

  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 إفصاح: "اللّهم باعد بيني وبين يوم يحدث فيه ما لا استطيع تحمله، وباعد بيني وبين قدرٍ يصعب علي تقبُله وقرب بيني وبين فرحة قلبي يالله ، ربي اجعلني في عنايتك، فلا يضرني بشر ، ولا يبكيني قدر".

إفصاح آخر "نحن لا نكافئ الآخرين بغفراننا ذنوبهم، نحن نكافئ أنفسنا، ونتطهر من الداخل". سعود السنعوسي

 مساحة لذكر الله

*******************************

الفصل التاسع عشر




قرأت ذات مرة أن أكثر الأشياء التي نهرب منها، تستمر بالظهور في طريقنا بشكل أو بآخر.

بدت هذه العبارة مقنعة أكثر هذه الفترة بالذات! في كل مكان كان يظهر أتريوس بشكل أو بآخر ليدمر يومي.

تنهدت وقررت تجاهله بالكامل فالتفت أكمل ما كنت أفعل مجددًا، ولسبب ما رؤيته جامعًا لخصلات شعره دفعتني لفعل المثل وأجمعها للأعلى بإهمال.

صوت الكرسي أمام البار قد تحرك ليجعلني أدرك أنه لا ينوي الصعود لغرفته مجددًا.

"لا تبدين كواندر" تمتم بصوت ناعس "اكتشاف عبقري" هسهست من بين أسناني ووضعت المكونات داخل الطبق لأبدأ بمزجها.

"لمَ أنتِ مستيقظـ...".

"ليس من شأنك" قاطعته قبل أن يكمل دون النظر نحوه وشغلت نفسي في تحضير الطعام، عندما طال الصمت وجدت نفسي ألقي نظرة عليه بطرف عيني ووجدته في مكانه يضع كلتَي يديه فوق البار ويسند رأسه فوقها ويراقب ما أفعل.

تنهدت ووضعت الطبق بقوةٍ بجوار يديه على البار وتحركت لأجلب بعض عصارة فاكهة الرملي، أخذتها من فوق الدرج قبل أن ألتفت لآخذ الطبق، سقط فكي عندما وجدته يمسك بالطبق والملعقة الخشبية ويأكل منه.

تنفست بقوة وتحركت واقفة أمامه ووضعت عبوة العصارة بقوة لينظر نحوها ثم يرفع عينيه نحوي "شكرًا، كنت أحتاجها" قال ممسكًا بالعبوة يضع البعض على الخليط ويأكله.

عندما نفذ صبري سحبت الطبق بقوة من بين يديه لتتسع عيناه وهو ينظر ليديه الفارغة التي كانت تمسك بالطبق منذ ثوانٍ، التفت وعدت لخلط ما في الطبق دون التحدث معه.

"لماذا أخذتِ الطبق؟" أخذت نفسًا والتفت نحوه "لماذا برأيك؟ لم أصنعه من أجلك" زفر وقال "إذًا اصنعي لي واحد" ارتفع أحد حاجبَي وقلت "أظن أن البشر فاشلون وبلا فائدة ولا يمكنهم فعل شيء" طرف عدة مرات وكأنه لم يفهم المقصد من السخرية وقال "نعم، هذا صحيح!" كتمت غيظي حتى لا أصرخ وقلت ببرود "إذًا لا يمكنني فعل شيءٍ لك" رفعت كتفي في النهاية. 

سكبت ما في الصحن الكبير داخل آخر مسطح ووضعته فوق النيران "تتصرفين كالأطفال" سمعت تمتمته لأنظر نحوه بحاجبين معقودين "إذًا لست مجبرًا على الجلوس مع طفلة" دحرج عينيه وقال "المكان ليس ملكًا لكِ" ولأنني لم أجد ردًا مناسبًا تظاهرت بتجاهله.

"هل حقًا تظنين أنكِ قد تكونين مفيدةً يومًا ما؟" على قدر انزعاجي منه إلا أن خروج هذا السؤال فجأة أثار فضولي، كان يحمل السخرية في نبرته لكنه بدا جادًا في الوقت ذاته "كل شخصٍ مفيدٌ بطريقته الخاصة" قلت عن اقتناع ليقهقه بشكلٍ ساخر "حقًا! وماهي طريقتكِ؟" نظرت نحوه وكتفت ذراعي فوق صدري "ولمَ تشعر بالاهتمام فجأة حيال الأمر؟".

رفع كتفيه وتمتم "لا أشعر بالرغبة للعودة إلى النوم، لا يوجد سواكِ لإثارة غضبه؛ لذلك أحاول إيصال هذا النقاش إلى نقطة تجعلكِ غاضبة فأبدأ يومي بشكل ممتع".

لم أحاول حتى إخفاء رد فعلي جراء ما سمعت؛ فقد حدقت به لدقيقة مع فاه مفتوح أحاول إدراك كم هو وغد "وتنعتني أنا بالطفلة؟ إلهي... أنت تشبه لوش تمامًا، لا يمكنه الاستمتاع إلا إذا أغضب أحدهم، ظننت أنه الوحيد الذي يمتلك عقلًا أصغر من حبة الفستق" رغم أن وجوده مزعج إلا أن ذكر أخي أجبرني على الابتسام.

"حبة الفستق؟ يمكنني معرفة أن هذه إهانة رغم أني لا أعرف ما هو الفستق" ابتسمت ساخرة وقلت "أوه، أنت تستخدم عقلك أخيرًا!" النظرة التي رمقني بها بعد ذلك أوضحت بشكل صريحٍ أن هناك حدود للإهانة لا يجب أن أتخطاها لذلك أغلقت فمي واكتفيت بنشوة الانتصار الزائفة.

رفعت الفطيرة من على النيران، بدت هشة وناعمة وشعرت برغبة عارمة في صنع المزيد وتناوله كله أمام أحد الأفلام.

 أخرجت علبة التوت المحلى وقطعت الفطيرة إلى أربعة أقسام ودهنت كل منها ببعض التوت، لو أني أملك كوبًا من القهوة أيضًا!

وضعت الطبق على البار وجلست لأتناوله، كدت أضع الفطيرة داخل فمي لكني توقفت عندما أدركت زوج الأعين التي تحدق بي، التفت ليلتفت بسرعة ويشغل يديه بقميصه، فليصفعني أحدهم لكن هذا اللعين يتعامل بطفولية!

تجاهلته وهممت بتناول القطعة الأولى بتلذذ واستمتعت بإصدار أصوات الهمهمة التي تدل على كم هي لذيذة بينما أتناول كل قضمة، ألقيت نحوه نظرة بطرف عيني، كان يحارب بشدة أن لا يخطف الطبق ويركض.

تنهدت ونهضت من مكاني وأحضرت طبقًا آخر ووضعت قطعتين من طبقي ودفعت الطبق نحوه، وعدت لأكمل قطعتي دون تعليق.

لاحظت تحديقه بي لمدة بحاجبين معقودين "لماذا تعطيني هذا؟ أنا لا أريد" نظرت نحوه بطرف عيني وقلت "إن كنت جائعًا فقط أطلب" ارتفع حاجبيه وقال "لقد طلبت في البداية" لقد طلب بالفعل! تبا. "لماذا تعطيني الآن؟" أردت بشدة قول 'أشفقت عليك' لكن سينتهي الأمر بشجار لذلك اكتفيت بجملة "إنه كثير علي ولا أريد رمي الباقي".

"أي أنكِ تعطيني بقايا طعامك؟" اغمضت عيني بصبر، ألا يمكن تجنب الشجار معه أبدًا؟

"كله إن أردت واتركه إن لم ترد، ليست معادلة صعبة" قلت وأنا أخرج كل كلمة من بين أسناني وكأني أحادث طفلًا يفقدني أعصابي.

توقعت أنه سيترك الطبق ويغادر لكنه تناول ما فيه بصمت، لا يجب العناد أمام الطعام!

أنهيت طبقي لأنهض وأغسله، سمعت خطواته وهو ينهض ويتحرك قبل أن أرى يده الممتدة بطبقه الفارغ نحوي، أغلقت المياه وجففت يدي وقلت "اغسله بنفسك، لا يجيد البشر غسل الأشياء".

تخطيت جسده إلى خارج المطبخ دون انتظار رد فعله، نظرت من حولي أحاول التفكير في شيء أفعله يشغل وقتي.

عندها تذكرت كارولوس، لم أره منذ مدة، لكن إن خرجت الآن قد يتبعني أتريوس وحينها قد تحدث فوضى.

حُلت مشكلتي وحدها عندما لمحت هيئته وهو يحمل فأسه ويتحرك حول الأريكة متجهًا للباب، توقف فجأة والتفت نحوي قبل أن يتحرك بخطوات واسعة حيث أقف وكرد فعلٍ لحماية نفسي أخذت خطوتين للخلف بشكلٍ لا إرادي، لكني أوقفت قدمي عندما أدركت أن ذلك سيعلن أني آخذ وضع المدافع أمامه.

توقف أمامي مباشرة وحدق بوجهي لمدة دون قول شيء وعندما كدت أتحدث قال "هل بأي طريقة... فقط إن كنت… هل رأيتكِ من قبل؟" طرفت أكثر من مرة وأنا أحدق بعينيه، أحاول البحث عن السخرية أو المزاح لكنه كان مشوشًا وجادًا جدًا.

"انسي الأمر، ألا توجد طريقة لإزعاجكِ بها هذا الصباح؟" هل هو جاد حقًا! كل جملة تخرج من فمه هي أكثر غرابة من الأولى "أظن أنه لا يوجد" رفعت حاجبي في نهاية الحديث دلالة على غرابة ما يحدث "حتى وإن قلت إنك فاشلة وأن محاولاتك في التكيف هي ادعاء؟" طرفت بشكل سريع لكني قلت "لا، لقد قلت أشياء أفظع من قبل" صمت وكأنه يفكر ثم قال "ماذا عن أن الجميع يشفق عليكِ فقط وأنكِ عالة حتى على عائلتك؟".

زممت شفتي ورفعت كتفي ثم قلت "لا بأس، أتوقع أشياء مشابهة" عض على شفتيه مما أجبرني على النظر لهما لكني رفعت عيني بسرعة "بالأمس أثرت غضب أغدراسيل وأزعجت أوكتيفيان وأغظت رومياس وكاد جوزفين يلكمني، لكنك تبدين أكثر مقاومة من الجميع، ألا تنزعجين من وجودي حتىَ!؟".

تأكدت في هذه اللحظة أن حتى أكثر الرجال فظاعة هو مجرد أحمق! "هل تتعمد التصرف كطفل؟" عقد حاجبيه وقال "لا، لمـ..." قاطعته مجددًا "هل هذا عقلي أم أنك أكثر ليونة معي هذا الصباح؟" حرك يديه ومسح على عنقه بانزعاج وقال "لست كذلك! الأمر فقط أني أحاول اكتشاف ماذا تكونين، لذلك أرخي من هجومي لترخي من دفاعك".

حنيت شفتي للأسفل وأنا أهز رأسي بتفهم "أليس من السيء إذًا أن تكشف خطتك لي؟" ابتسم بسخرية وقال "لا، لأني سأنفذها على أي حالٍ حتى دون أن تدركي الأمر" ضحكت في وجهه وقلت "إذًا خذ وقتك، فلا شيء أخفيه" كاذبة... صرخ عقلي ولم أشعر بتأنيب، لقد كنت أستمتع بالأمر كثيرًا.

بدون أن أدرك استغللت لحظة اقترابه ونظرت نحو صدره حيث الأزرار الأولى مهملة، لم يكن يوجد أي علامة، هل كنت أتوهم تلك المرة؟

"أين علامتك؟" خرج السؤال بلا وعي مني وكدت أصفع فمي "أعني الجميع لديه علامة، لكن أنت..." ابتسامة علت وجهه وقال "إنها نوعًا ما في مكان..." صمت واتسعت ابتسامته لتتسع عيناي بصدمة "هل تريدين رؤيتها؟" اقترب بوجهه لأصيح به "بحق الله، بالطبع لا! لم أكن... هذا، تبًا، أنت فظيع".

ضحك فجأة بشكل طبيعي خالٍ من السخرية ولعنت نفسي خمسين مرة لأني حدقت به بشكل لا إرادي "نجحت بإزعاجك" ثم التفت وخرج!

ظللت ثابتة في مكاني أحاول استيعاب ما حدث، أصبحت متأكدة أنه مصاب بانفصام، لابد أنه كذلك إلا إذا كان شخصًا بارعًا حد الجحيم في التحكم بمزاجه.

"لمَ أنتِ مستيقظة؟ تكاد الشمس تشرق تقريبًا" التفت نحو يوجين الواقف فوق آخر درجات السلم دون أن أتحدث قبل أن ألتفت نحو باب المنزل "إنه صباح غريب، يكفي أن تعرف هذا فحسب" قلت ليتحرك نحوي وينظر نحو الباب باستغراب.

"سأذهب إلى كارولوس" بدا وجهه وكأنني قلت سأذهب للجحيم "لـ… لـ… لمَ؟ لمَ تذهبين إلى ذلك المخلوق؟ هل تصادقتما الآن؟ إنه تنين بحق الله" نظرت نحوه بسخرية وقلت "ظننته أرنبًا! أعرف ما هو كارولوس، ستأتي معي أم لا؟" نظر نحوي بترجٍ ثم إلى السلم وكأنه يشتم نفسه لاستيقاظه، صاح في النهاية بيأس وقال "حسنًا، سآتي، تبًا!".

تحرك كلانا بحثًا عن كارولوس حيث وجدناه في المرة الأولى وبين كل دقيقة والأخرى يترجاني يوجين حتى نعود، لم أفهم، لمَ يرغب بالعودة؟ الجو رائع وهادئ، أليس هذا الوقت هو الأفضل؟ حتى أن منظر السماء أشبه بصورة لفيلم خيالي حيث السماء زرقاء وهناك قمر كبير يتوسطها.

أخبرني هارليك مرة أن هناك قمر آخر لكن في النصف الثاني من الكوكب، حقًا كان من الصعب تصديق نظام هذا العالم.

ناديت على كارولوس أكثر من مرة ولكنه لم يظهر، بدأت أصفق بيدي وأنا أصدر أصوات عالية ليتوقف يوجين وينظر نحوي بسخف "هل تظنينه قطًا؟" استقمت بظهري ونظرت بانزعاج "لا شأن لك".

تخطيته وأنا أنادي مجددًا لكن لا شيء يجيب، تنهدت وأنا أنظر للأشجار من حولي قبل أن تقفز فكرة ما إلى عقلي، نظرت ليوجين الذي كان يعطيني ظهره وابتسمت بخبث.

"هاي، يوجين! هل يمكنك التحليق لرؤية إن كان أتريوس هنا؟ حقًا أشعر بالقلق" بدت نبرتي البريئة أكثر من أن يشك بها وبالفعل نفذ دون أن يسأل وشعرت ببعض الذنب لثقته العمياء، لكني نفذت ما خططت له على كل حال.

"كارولوس! إن يوجين هنا، ألا تريد مطاردته ؟" صرخت بأعلى صوت أمتلك وخلال دقائق كان هناك جسم يحلق في السماء بسرعة كالسهم نحو يوجين.

وخرجت الفتاة التي تقطن داخل يوجين عندما صرخ بأعلى صوتٍ يمتلكه وحلق هاربًا ولم أتمالك ضحكتي وأنا أركع ممسكة بمعدتي.

"أبعديه عني الآن!" صرخ وهو يتفاداه بجهد "قل أرجوكِ" قلت ضاحكة ليصرخ بصوت حاد "جلنار، لا تمزحي!" أخذت نفسًا قبل أن أصفر بصوت عالٍ "كارولوس!" ناديت ليتوقف عن مطاردة يوجين ويلتفت نحوي.

استغل يوجين الفرصة ليحلق هاربًا خلفي، هبط كارولوس أمامي لأركض نحوه وأحتضن رأسه "أين كنت؟ أقلقتني، ظننتك ذهبت" ربت على رأسه ليدفع برأسه فوق كتفي مما دفعني لاحتضانه بشدة. "اللعنة عليكما!" صاح يوجين من خلفي لأقهقه بخفة.

أبعدت كارولوس عني ونظرت نحوه، أنا واقعة في الحب مع لون عينيه وتلك البقعة البيضاء ذات الحواف السوداء حول عينه اليمنى. "سنمضي بعض الوقت معًا، ما رأيك؟" دفع رأسه نحوي واعتبرتها كموافقة.

"لن أمضي دقيقة مع هذا الشيء!" صاح بغضب وهو ينظر نحوي بغيظ "لا تغضب، كانت الطريقة الوحيدة لإخراجه، كما أنه يمازحك، صحيح كارولوس؟" نظر كارولوس نحو يوجين بأعين واسعة ولكن ما إن التفت لمحته يضيق عينيه بخبث، أحب هذا التنين حقًا. 

"ألم تري النظرة في عينيه؟ انظري، إنه... تعلمين؟ لا تتحدثي معي" قطع كلامه وهو يضم يديه فوق صدره بغضب "يوجين، هيا! لا تكن سيء المزاج، آسفة، حسنًا؟" تنهد وسار بجوارنا دون أن يتحدث.

توقفنا أمام منحدر منخفض نوعًا ما ليقفز كارولوس نحو الأسفل وينظر نحوي لأتبعه "آسفة، لا أظن أني جيدة في القفز" قلت ليظل واقفًا مكانه دون أن يتحرك "لا يمكنني النزول، كاورلوس" نظر بعيدًا قبل أن ينظر نحوي مجددًا، فرد جناحيه قبل أن يرفرف بهما لمرةٍ ليصعد مجددًا حيث أقف.

توقف بجواري ثم أنحنى أرضًا، نظرت نحوه بتعجب لكنه نظر نحوي ثم التفت للأمام مجددًا "إن لم أكن على خطأ ولم أجن فأظنه يريدك أن تمتطيه!" قال يوجين بحذر لأنظر لكارولوس بتفاجؤ.

ومجددًا شعرت بما يريد! لقد كان يوافق على ما قاله يوجين "هل أنت متأكد؟" نظر نحوي دون أن يتحرك.

شعرت بالتوتر فجأة، الأمر مختلف تمامًا عما نشاهد في الأفلام، تقدمت نحوه قبل أن ألمس ظهره "هل أنت متأكد؟" بدا وكأني أسأل نفسي لا هو، حرك جسده أقرب نحوي مما أكد لي ما يريد.

شجعت نفسي وحاولت الصعود على ظهره لكن انتهي بي الأمر واقعة فوق الأرضية، نهضت ونفضت ملابسي قبل أن أرفع ردائي وأحاول مجددًا، لكني رفعت قدمي عاليًا مما أفقدني توازني لأقع مجددًا.

 شعور السخط بدأ يتملكني؛ لذلك ركلت الأرض بقدمي وحاولت مجددًا، وعندما وثبت بقوه وظننت أني أخيرًا جلست فوقه انزلق جسدي للجهة الأخرى مرتطمًا بالأرضية لينفجر يوجين في الضحك.

بدا كارولوس مستمتعًا أيضًا مما أثار حنقي "إنه ظهر تنين، ما الصعب في ذلك؟" تمتمت بين أنفاسي وأنا أحاول مجددًا وبعد ثلاث مرات من الارتطام بالأرضية وضحكات يوجين نجحت أخيرًا في الصعود واتسعت ابتسامتي، وحينها صرخت بـ "فعلتها!".

ظننت أن الأمر انتهى هنا لكنه ما أن ارتفع صرخت بفزع وتمسكت بعنقه بقوة "بمهل بمهل! لا تسر..." أنهيت الكلمة بصرخة طويلة عندما فرد جناحيه وحلق بسرعة عالية للأعلى لأصرخ بصوت عالٍ "كارولوس، توقف، وجهتنا للأسفل، تذكر!؟".

تجاهل صراخي وحلق بشكل عمودي وهو يرتفع مما صعّب علي أمر التمسك؛ فجسدي كان ينزلق نحو الأسفل لكني أتمسك به بقوة، توقف فجأة عن الارتفاع لكن بإمكاني سماع أجنحته ترفرف، فتحت عيني ببطء لأشهق بفزع من الارتفاع الذي أصبحنا عليه وأتمسك به بقوة.

"كارولوس، أنزلنا ببطء، اتفقنا! أنت فتى جيد" ما إن أنهيت جملتي حتى وجه جسده للأسفل وثنى جناحيه بحدة ليسمح لنفسه بالانطلاق بأقصى سرعة، صرخت بفزع "فــتى سيء، فــتى سيء!".

عندما كانت الأرض تقترب بسرعة أغمضت عيني وأنا أصرخ، ولكن خلال ثانيةٍ فرد جناحيه، وعندما كاد جسده يلامس الأرض عاد للتحليق بشكلٍ مستوٍ مع الأرض قبل أن يثني جناحه مجددًا وينطلق للأمام بسرعة عالية.

"كارولوس، لا أمزح، توقف حالًا!" صرخت وعيناي تمتلئ بالدموع.

أخذ التفافة حادة ليميل جسدي معه، ولولا أني أغرز أظافري في جلد عنقه لكان جسدي أشبه بسجق مهروس على الأرضية.

صوت ضحكات عالية أجبرني على فتح عينَي، كان يوجين يحاول مجاراة سرعة كارولوس وهو يتألم من الضحك "جربي قليلًا من معاناتي" أردت شتمه ولكن هبوط كارولوس السريع أجبرني على إخفاض رأسي والالتصاق به.

عندما هدأ من سرعته فتحت عيني ببطء أنظر إن كان سيهبط لكن عكس ذلك رأيت شيئًا رائعًا، صورة ربما لن تغادر عقلي لمدة طويلة أو ربما للأبد، كان على ارتفاعٍ عالٍ ولكن لم يُخفني منظر الأشجار من هنا، كان أشبه ببقعة صغيرةٍ خضراء في منتصفها أرض منبسطة حيث المنزل.

وعلى بعد ما يقارب العشرين كيلو مترٍ كانت هناك الكثير من المنازل العالية؛ أشبه بالعمارات السكنية، ولكن القصور الحقيقة كانت خمسة، كانت تقبع خلف البنايات الأخرى شامخة، ورغم أن بعدها يصعب رؤيته لكن طولها وضخامتها أكدت أن تلك هي منازل النبلاء وأراضيهم.

وخلف كل هذا كان يقبع منظر لبداية شروق الشمس، شعرت بقلبي ينبض بسعادة عارمة. على يميني بداية لشروق الشمس وعلى اليسار كان القمر يختفي تدريجيًا، ما كنت لأرى شيئًا بهذه الروعة إن أكملت حياتي بشكل طبيعي!

بلا إدراك كنت شبه مستلقية على ظهر كارولوس أشاهد المنظر بهدوء دون أن يعكر صفو هذا المزاج أي أفكار دخيلة.

ارتفع كارولوس فجأة حتى اخترق الغيوم بشكلٍ ساحر فأصبحت المنازل والأشجار والبيوت كلها مختفية خلف السحاب الكثيف وتبقى فقط شروق الشمس.

"هل ترى هذا المشهد كل يوم أيها المحظوظ؟" سألت بابتسامةٍ لكارولوس وأنا أحدق بالسماء من حولي "لا أصدق أنه يمكنني التحليق ولم أرى هذا المشهد في حياتي من قبل؟" يوجين الذي يطفو جسده بجواري كان مندهشًا كما كنت "لأنك أبله" جاوبت بهدوء لينظر نحوي بابتسامة "ألم يتألم حلقكِ بعد من شدة الصراخ؟" نظرت نحوه بطرف عيني بصمت.

"لن أشفع لك لمجرد أنك أريتني هذا المنظر" تمتمت لكارولوس وشعرت به مجددًا، كان سعيدًا!

عندما أشرقت الشمس بالكامل قرر كاورلوس الهبوط إلى الأرض أخيرًا ولكنه فعلها بهدوء هذه المرة وخلال ذلك حاولت أن أسترخي قليلًا وأجلس باعتدال، أمسكت عنقه ودفعته لليمين وتفاجأت عندما انصاع لما أريد واتجه لليمين.

مدحته بقوة وبدى أن الأمر أعجبه "جلنار، أليس هذا رومياس؟" اتسعت عيني عندما لمحت جسده بين الأشجار وهو يلكم شجرة ما بقوة.

"ارتفع، ارتفع بسرعة!" صحت وأنا أسحب عنقه للأعلى ليفعل ما قلت ويختفي بين السحاب، دفعت رقبته للجهة المعاكسة ليتحرك معي بسلاسة.

عندما ابتعدنا هبط مجددًا ووقف على أرضيةٍ منبسطة، لا أشجار هنا إلا بعض الأغصان المحطمة وأوراق الأشجار تكومت في أماكن متفرقة مما أكد لي أنه يبقى هنا.

قفزت من فوق ظهره عندما لامس الأرض أخيرًا وجلست فوق الأرضية ألتقطت أنفاسي براحة وأنا أتلمس الأرضية بيدي وأحمد الله أنني ما زلت حية.

"اعترفي أن الأمر كان ممتعًا" وكأن يوجين قرأ ما يدور بعقلي "فقط جزءٌ من تسعين جزءٍ كان ممتعًا والباقي مليء بالرعب" صحت ليقهقه ويقول "عاتبيه هو لا أنا" قال مشيرًا لكارولوس لأنظر نحوه بحدة.

نظر بعيدًا بسرعة وأخذ يلتف حول نفسه كأنه لا يعلم سبب غضبي، نهضت ووقفت بصرامة "كارولوس!" صحت ليتوقف وينظر نحوي ببراءة "إن فعلتها مجددًا فسوف..." توقفت أحاول معرفة ما الذي قد يؤذي تنين؟ 

كل من يوجين وكارولوس نظرا نحوي يترقبان ما سأقول "سوف..." أشرت بسبابتي نحوه ولكني لم أجد الكلمة المناسبة "سوف أفعل شيئًا ما، يكفي أن تعلم هذا" تبًا، لقد قتلت كل ذرة قد تنم عن الخطورة في حديثي.

تحرك نحوي ودفع برأسه ليدفع جسدي بخفة "لن نتصالح بسهولة" قلت لينظر نحوي ثم ينظر من حوله ويبتعد، عقدت حاجبي وتمتمت "كان عليك أن تحاول مرة أو مرتين، لقد استسلمت بسرعة" راقبت ما يفعل كان يدور ويدور حول المكان وكأنه يبحث عن شيء!

توقف فجأة وكأنه وجد ما يريد، تحرك نحوي بسرعة وأسقط أمامي قطعة من اللحم مليئة بالدماء، قفزت للخلف بفزع ولكني هدأت عندما لاحظت أنها قدم حيوانٍ ما.

بدا وكأنه قرأ تقززي مما وضع ليتحرك مجددًا ويجلب شيئًا ما، أسقط ما بفمه ليتضح أنها سمكة ميتة، نظر للسمكة ثم نظر نحوي.

تنهدت وقلت "حسنًا، لا بأس، أسامحك، لكني أشعر بالشبع، يمكنك الاحتفاظ بهما" قلت قبل أن أربت على رأسه ليختطف القدم ويبتلعها في ثانيةٍ ثم ينظر نحوي ببراءة مجددًا.

طرفت ناظرة نحوه بصدمة "انظري، وجدنا شبيه أتريوس، في ثانيةٍ يمكنه أكل قدم حيوانٍ ما ثم يبدو وكأنه بريء" ابتسمت لكاورلوس بشكلٍ بلاستيكي قبل أن ألتفت وأمشي بخطواتٍ آليةٍ للعودة للمنزل.

 لقد ابتلع قدمًا كاملة! "تعلمين؟ بالتفكير بالأمر؛ يمكنه أن يبتلع أتريوس بقضمتين" قال يوجين وهو يفكر بجدية.

"لنجعله يبتلع أتريوس!" صاح بجدية لأتوقف وأقول "لن أجعل كارولوس يأكل أتريوس، توقف عن كونك أحمق" زفر وأكمل المسير للمنزل.

دلفنا للمنزل لتستقبلنا رائحة الفطور وأحاديثهم المتداخلة معًا، صاحت واندر ما إن رأتني "أين كنتِ؟ لقد قلقت عندما رأيت غرفتكِ فارغة" ابتسمت وقلت "كنت أتنزه في الأرجاء" جاء صوت جوزفين وهو يصيح "لا تتوغلي كثيرًا، تلك الغابة قد تفاجئك بمخلوقاتٍ لم تري مثلها من قبل" أردت أن أضحك وأقول: فات آوان التحذير.

"صباح الخير" صاح هارليك وهو يهرول نحوي. "هيا، تعالي لتناول الفطور" دعت واندر لأجيب "لا بأس، تناولته صباحًا مع أتريوس". 

لم أدرك حماقة ما قلت إلا عندما صمت الجميع فجأة والتفتوا برؤوسهم نحوي.

كل من جوزفين ويوجين وحتى هارليك الذي توقف فجأة قد سقط فكه أرضًا، بينما أوكتيفيان وأغدراسيل اكتفوا بنظرة بلا أي تعبير ولكن حاجبيهما مرتفعان بشكل مبالغ فيه.

واندر فقط بحلقت بوجهي وكأني إحدى عجائب الدنيا. "لا تقلقوا جميعًا، يبدو أن جلنار مرت بكابوسٍ سيءٍ واعتقدت أنه حقيقي" صاح جوزفين ضاحكًا لكن ملامح الجميع وخاصةً ملامحي التي لم تنكر ما قلته أثبتت أنني لم أحظى بكابوس، حسنًا… حظيت بواحدٍ لكن لم أكن أتناول الفطور مع أتريوس فيه.

"لمـ… كيف؟ أعني هل أجبركِ على صنع فطور له؟" تحولت نبرة أغدراسيل لنبرة غاضبة في النهاية ونظر له الجميع وكأن هذا هو التفسير المنطقي الوحيد.

تذكرت ما قاله أتريوس صباحًا عن إثارة غضب أغدراسيل؛ لذلك نفيت بسرعة حتى لا أزيد الأمر سوءً "لا، لقد استيقظ كلانا صدفةً و... قاسمته فطوري ليس إلا" رفعت كتفي في النهاية دلالة على أنه ليس بالشأن الكبير.

عندما صمت الجميع مجددًا وجدت نفسي أنسحب ببطءٍ للأعلى دون المزيد من التعليقات.

"هل كنتِ تمزحين في الأسفل لإثارة دهشتهم؟" نظرت ليوجين وحركت رأسي للجانبين "بمعنى… تناولت الفطور مع الشيطان! وحدكما! لم يقتلك؟ لم يلوح بفأسه؟ بالطبع لم يفعل، مازلتِ حية. هل أجبركِ؟ وضع الفأس على عنقكِ وقال: أصنعي فطوري أيتها البشرية القذرة قبل أن أقطع رأسك" حاول تقليد نبرة أتريوس وهو يضخم صوته ويدفع صدره وكتفيه ليبدو أكثر عرضًا.

دحرجت عينَي وقلت "لا، لم يفعل، ولم يجبرني، بدا كجروٍ جائعٍ فأعطيته قليلًا من طعامي" عقد حاجبيه وقال "بالطبع، ثم قلتِ له أشفقت عليك وقمتِ باستفزازه فأمسك بفأسه ووضعه على رقبتكِ وقال: كيف تتجرئين علي أيتها البشرية القـ..." قاطعت تقليده الفاشل وقلت "لا، لم أقل أني أشفق عليه ولم يمسك بفأسه اللعين طيلة مدة جلوسه".

اتسعت عيناه وقال "لم يمسك فأسه؟ أبدًا؟ كـ لم يلمسه حقًا؟" أومأت برأسي ليشهق "حسم الأمر، لقد فقد الرجل عقله بلا أدنى شك، إنه فاقد لعقله منذ مدةٍ طويلةٍ لكن يبدو وكأن أحدهم أخرج عقله بالفعل من جمجمته بطريقه ما".

تنهدت وأكملت طريقي للدور الثالث حيث البوابة، دلفت للقاعة الكبيرة التي لم تطأ قدمي أرضها منذ أيام، بدا كل شيء كما تركته آخر مرة، التففت حول المكان في دوائر قبل أن أتصفح الكتابة على البوابة.

عقدت حاجبَي ونظرت ليوجين "ألا يمكنك العبور من خلال الأشياء؟" أومأ برأسه "لمَ لم تحاول العبور من خلال الباب؟" خفض كتفيه وقال "جربت من قبل ولكن..." تحرك ووقف أمام البوابة ووضع يديه ليحاول اختراقها، وما إن فعل حتى اندفعت يده للخلف بخفةٍ وكأن هناك حاجزًا لا يرى!

اتسعت عينَي ونظرت للبوابة أحاول رؤية ذاك الحاجز "لا تحاولي، لا يمكنني من رؤيته أيضًا" تنهدت بملل، بدأ الأمر يزداد تعقيدًا، هل كان يعرف من وضع البوابة بوجود أشباح؟ أم أن هناك مخلوقات أخرى يمكنها العبور من خلال الأوساط المادية؟

"ماذا قد نجد في الداخل؟" نظرت ليوجين الذي تمتم "لا أعلم… كتب! الكثير منها" خمنت رافعةً كتفي "كيف سيبدو المكان؟ رفوف خشبية؟ كالمكتبات التقليدية؟" حركت رأسي وقلت "لا أتوقع شيئًا طبيعيًّا من هذا العالم، يوجين" أومأ برأسه موافقًا.

"بالمناسبة؛ لمَ لا نصنع سلاحًا؟" قلت فجأةً لينظر نحوي بتعجب "ماذا؟ لقد طرحت الفكرة مسبقًا، دعنا نذهب إلى ذلك الحداد… ماذا كان اسمه مجددًا؟ جولدي… جولمدا، آه نعم، تذكرت، جولدامون" مال برأسه بتفكير وعندما ظننت أنه سيجادلني رفع كتفيه ووافق ببساطة.

هبط كلانا الدرج إلى الأسفل حيث بدا أنهم أنهوا الفطور، ناديت واندر واتجهت نحوها وقلت "أي باب يؤدي إلى السوق؟" عقدت حاجبيها بتعجب وقالت "أتحتاجين شيئًا من هناك؟" ألقيت نظرةً على الرجال الذين ألقوا آذانهم وأعينهم مع كلتَينا "ليس فعليًا، سأذهب للحداد" اتسعت عيناها وكأنها لم تتوقع الأمر.

بدت وكأنها ستُعارض لكنها منعت نفسها وابتسمت وأشارت نحو بابٍ بجوار الأريكة بلون البندق، تحركت نحوه لكني توقفت أمامهم ونظرت إلى هارليك وحركت رأسي قائلة "هل ستأتي؟" اتسعت ابتسامته وقال "إلى أين؟" غمزت بعيني وقلت "مكانٌ جديد".

كان الجميع يحول أنظاره بيننا ولاحظت أن رومياس انضم إليهم، نهض جوزفين فجأة وقال "لدي الكثير من الأشغال، لكن ماذا أفعل؟ سأرافقكما حتى لا تضيعا أو تتعرضا للأذى؛ فـأنا مضطر" بشدة حاربت الانفجار ضحكًا وقلت بابتسامة ممتنة "شكرًا لك لكن لا بأس، هارليك يعرف جميع الطرق هنا، ولا يوجد خطر في منتصف سوق النبلاء" طرف عدة مراتٍ قبل أن يقول "متأكدة؟ قد تحتاجون إلي" أومأت برأسي ولمحت أغدراسيل يسحبه ويهمس بـ "تحرج نفسك".

التفت وخرجت من الباب المقصود برفقة الفتيين لننفجر جميعًا في الضحك، إنهم حقًا أشبه بأطفال.

تحركنا للخارج حيث الأسواق الممتلئة ببضاعةٍ باهظة الثمن وسلكنا الطريق الذي اتخذته مع واندر إلى أسفل الأرض حيث سكان الحدود.

وجودي هنا للمرة الثانية كان كفيلًا بعودة ذلك الشعور السيء داخلي، الغضب والسخط لكونهم مجبرين على إنشاء أسواقهم تحت الأرض حيث لا يصل ضوء الشمس ولا الهواء النقي.

 تحركنا بين أجساد المتسوقين والتي لم تكن كثيرةً كالمرة السابقة، اتجهت حيث ورشة جولدامون ولم أحتج للبحث؛ فصوت طرق الحديد ببعضه الذي يصلك من على بعد أمتارٍ كافٍ لإرشادك للورشة.

توقف ثلاثتنا أمام الورشة ونظرنا إلى بعض الرجال الذين يحاولون الحصول على سلاحٍ جيد، تحركت بينهم وأنا أنظر إلى الأسلحة المعلقة، من سيوف لدروع ومطارق وفؤوس كبيرة وصغيرة، وهناك قسم خاص لأسلحة غريبة الشكل لم أحاول حتى اكتشاف طريقة عملها.

توغلت للداخل قليلًا ونظرات بعضهم علقت معي كوني الفتاة الوحيدة في المكان، وربما لأني لا أبدو كمحاربة على الإطلاق. كان هناك شاب يقف أمام طاولة خشبية وهو يجادل مشترٍ ما على سعر سلاح، أيقنت أنه من يعمل كبائع هنا، كان يبدو ما بين نهاية عقده الثاني أو بداية الثالث، يرتدي قميصًا رثًا بعض الشيء وقد شمر عن ساعديه واقفًا بشكلٍ عملي أو شكلٍ يصطنع العملية، حاجبان مرتفعان وشعره كان قصيرًا بلون أسود.

ضحكته وحركة عينيه أثبتت أنه شخصٌ مرحٌ لكنه يحاول تصنع الجدية، له مظهر قوي وشرس ولكنه مرن. تحركت للأمام حيث طاولة البيع الخشبية ووقفت على أطراف أصابعي أنظر من خلفها، أردت رؤية جولدامون؛ فمن الواضح أن الجزء الخلفي للورشة هو الجزء الخاص بالعمل حيث يبقى هو.

شيئًا فشيئًا أصبحت حركتي ووجودي ملحوظين حيث قهقه البعض وأخذ البعض يبتعد ليترك لي مجالًا كنوعٍ من التعاطف، لم ألحظ أني أصبحت أمام البائع تقريبًا وما زلت أحاول النظر خلفه، عندما وقف أمامي مانعًا الرؤية رفعت رأسي لأنظر نحوه.

كتف يده وابتسم باستمتاعٍ واضح وكأن ما يحدث كان شيئًا يحدث للمرة الأولى "هذا ليس سوق الأقمشة أيتها الأنسة" أومأت برأسي وقلت "أدرك ذلك، إنها ورشة حدادة" عقد حاجبيه وقال "وما زلتِ هنا؟" رفعت حاجبًا وقلت "ولمَ لا؟" ضم شفتيه في تفكير يحاول إيجاد إجابة لكني سبقته وقلت "أريد رؤية السيد جولدامون". 

اتسعت ابتسامته وقال "سيد الورشة! تمزحين؟" حركت رأسي لجانبين "لمَ تضايقنا؟" صوت هارليك فاجئه لأنه جاء من الأسفل حيث كانت الطاولة تغطيه تمامًا، وضع يده فوق الطاولة وانحنا ليرى هارليك الذي يرمقه بغضب "إلهي، هذه أغرب تركيبة مشترين لهذا العام" سخر ضاحكًا ليضحك جميع الواقفين في المكان.

توقفت ضحكاته عندما ارتطمت يدٌ قويةٌ بكتفه مصدرة صوتًا عاليًا، لقد شعرت بألمٍ في كتفي وأنا أنظر فقط.

تجمدت ملامح الشاب وابتلع وهو ينظر أمامه بشكل آلي دون الالتفاف "هل أدفع أجرك لتلقي النكات على الزبائن؟" لم يصرخ! لم يحتج أن يرفع صوته، كان صوته عميقًا وهادئًا بشكلٍ مرعب. "حسنًا، هذا يكفي، لنعد للمنزل" قال يوجين فجأة والتفت ليذهب لكني نظرت له ليتوقف مكانه.

تحرك الرجل من خلف الشاب الذي لم يقدر على الاعتذار ووقف في مكانه أمام الزبائن كالجماد، استطعت تبين ملامح الرجل الذي جاء من الداخل، جولدامون.

نظر نحوي تلك النظرة القوية وقال "علي القول إنكِ فاجأتني، لم أتوقع أنكِ قصدتِ ما قلته ذلك اليوم" ابتسمت وقلت "لا يخرج شيء من فمي من أجل لا شيء" ابتسم ابتسامة جانبيةً وحرك رأسه بتقييم كما أظن.

"سيدي، تشرفني رؤيتك، سمعت عنك الكثير من واندر. أنا هارليك، أحد العمالقة والفار..." قاطعه جولدامون "اتبعوني للداخل" نظر كل منا للآخر بتعجبٍ لننفذ ما قال ونمشي خلف جسده الضخم.

دفع بيده بابًا حديديًّا ضخمًا بدا ثقيلًا، ما إن فتحه حتى هاجمتنا موجة من الحرارة ورائحة الحديد المنصهر، أغلق الباب ما إن دخلنا، نظرت حولي أتفحص المكان بسرعة، الكثير من الأسلحة الملقاة في كل مكان، المعادن والنيران وأدوات لم أرها في حياتي من قبل، ومكتب كبير فوقه مخططات ورقية.

"عليك الحذر أيها الفتى، لا يمكنك أن تعلن أنك فارسًا في كل مكان تذهب إليه، أتعلم كم هم غاضبون ويائسون؟ فلا أحد يهتم بأحوالهم، إن علموا أنك أحد الفرسان فلا أحد قادرٌ على معرفة ما قد يحدث خاصةً وأن الجميع غير مؤمنٍ بفرسان هذا الجيل". 

كان صريحًا بشكل مبالغٍ فيه، ورغم ذلك لم ينزعج هارليك فقط أومأ برأسه وقال "فهمت، كان يجب أن أفكر في الأمر أولًا. شكرًا لتنبيهي، سيدي".

أومأ جولدامون برضى ثم التفت نحوي "لمَ ينظر وكأنه سيقتلنا؟" تمتم يوجين لأتجاهله "إذًا أخبريني أيتها الشابة، لمَ عدتِ مجددًا؟" زممت شفتي لوهلة وقلت "أريد مشاهدتك تعمل" عقد يديه خلف ظهره وارتفع شاربه مع ابتسامته وقال "حقًا!؟" أومأت مؤكدة.

"وما السبب إذًا؟" حولت عيني بعيدًا عنه أفكر في إجابةٍ جيدةٍ لأني أريد صنع الأسلحة لنفسي، لكن ألن يكون قول هذا غريبًا؟ ورغم ذلك هو من أريد أن يصنعها لي، فواندر قالت أنه يمتلك موهبةً ولد بها تمكنه من صنع أي سلاح ما إن يرى تصميمه.

"لا تحاولي التفكير بكذبة" تنهدت ونظرت نحوه بجدية "إن أخبرتك السبب هل ستسألني لماذا؟" ارتفع رأسه ونظر نحوي بشكل حادٍّ وكأنه يقيم مدى صدقي أو ما أفكر به، لا أعلم ما يدور برأسه لكني احتفظت بنظرتي الجادة.

"لكِ كلمتي، لن أسأل عن السبب" أومأت ونظرت نحو يوجين بطرف عيني قبل أن أنظر نحوه وأقول "أريد صنع سلاحٍ خاصٍّ بي".

....


وهكذا، للأمام والخلف، للأمام والخلف... بقيت أحرك قدمي في الهواء بتزامنٍ وأنا أجلس فوق الطاولة المعدنية أراقب السيد جولدامون يعمل، لقد بقيت لأربعين دقيقةٍ أراقب بلا ملل، حتى يوجين لم يتذمر وهذه تسجل في التاريخ، وهارليك بدا مندهشًا وهو يراقب بفيهٍ مفتوحٍ مما أكد أنه لم يرَ حدادًا يملك موهبة في صنع الأسلحة كـ جولدامون. 

كان الأمر يشبه الحداد على الأرض لكن بشكل مختلف أو ربما مميز بطريقة الإلترانيوسين. كان السيد جولدامون يستعين بشاب هادئ يملك هبة النيران ليشعل له قدرًا مليئًا بالمعادن المختلفة على حسب نوع السلاح كما أعتقد، ولا تستغرق المعادن الكثير حتى تتحول للحالة السائلة وما بعد ذلك ربما هو الأغرب. 

عندما يتساقط السائل المعدني نحو قالبٍ غريب الشكل وعميق نوعًا ما يقوم السيد جولدامون بإدارة مقبض ما في زاوية الغرفة ثلاث دورات لتنير دائرة تشبه العين بشعاع أزرق لا أعلم حتى مصدره وتتجه للقالب وهنا يأتي دور الحداد لأنه يضع يده داخل القالب ويشكل السلاح كما يرى في التصميم أمامه. 

تتراوح المدة حسب نوع السلاح ويتغير لون الشعاع مع اختلاف نوع السلاح الذي يصنعه الحداد فأحيانا يستغرق الأمر دقائق وأحيانًا أخرى يحتاج لأكثر من نصف ساعة كما أخبرني وذلك يعتمد على بساطة أو تعقيد تصميم السلاح. 

عندما يشكل السلاح يخرج يده ويمسك بالقالب الساخن بيديه العاريتين ويضعه في قدرِ كبيرِ من مادة تبدو متجمدة ثم... أنت تملك سلاحك جاهزًا. 

رغم أنه يعيد ويكرر الأمر؛ إلا أن مشاهدته كانت ممتعة ومفيدة نوعًا ما، قفزت من فوق الطاولة ونظرت من حولي مجددًا قبل أن أنتقل حيث يعلق الكثير من المخططات والتصاميم، أحدها يحمل شكلًا لسيفٍ ما ولكنه ذو حدين، والآخر يحمل فأسًا مسننًا بشكلٍ مخيفٍ عند النهاية، وهناك تصاميم لأسلحة تطلق شحنات كهربائية وكرات نارية، وهناك ما لم أفهمه على الإطلاق.

لمحت يوجين على جانبي الأيمن ينظر لما أنظر "هذه الأسلحة تشبه ما يمكنك رؤيته داخل ألعاب الفيديو" أومأت موافقة دون النظر نحوه "تبدين حقًا مهتمة" التفت حيث السيد جولدامون، تذكرت عندما بدا مندهشًا من طلبي ثم ظن أنني أمزح أو ربما فتاة تشعر بالملل فقررت التصرف بشكل لا منطقي.

وضعت ابتسامة صغيرة وهززت كتفي قائلة "أخبرتك أني لا أعبث في الأرجاء، أنا جادة!" لم يعلق فقط رمقني بنظرة قصيرة والتفت لعمله. 

اقتربت منه أراقب عن كثب وقلت "يبدو الأمر سهلًا، تشبه طريقتنا، لكننا نفعلها بشكل أكثر إرهاقًا، نسخن الحديد ثم نطرق عليه ثم نبرده" توقفت يده عن العمل ونظر نحوي بطرف عينه وقال "طريقتنا! طريقة من؟ ألستِ من سكان الحدود؟ لا يصنع الحدادون في سكان الحدود الأسلحة بـ… بالطرق؟" أدركت عمق الحماقة التي تفوهت بها خصوصًا عندما صفع يوجين جبهته وقال "بدأت اشتاق لجلنار التي لا تثرثر بكثرة". 

حاولت إدراك الأمر بسرعة "نعم، أ… أعلم ذلك، الأمر فقط… لم أكن أعني السكان الحدود، إنه عـ... تعلم، عمي من طرف زوجة شقيق والدي كانت لديه طريقة خاصة" هززت رأسي عندما بدأت أنظم كذبة وأكملت "كان حدادًا وكانت له طريقة خاصة يتفاخر بها ويقول إنها كوصفة الخباز السرية، هاها" الضحكة التي أطلقتها لم تكن كضحكة عادية كان الأمر أشبه بصوت يخرج من وجه متجمد.

كنت مدركة أنها لن تنطلي عليه، إنه أذكى من هذا والأحمق هو الشخص الوحيد الذي لن يدرك مدى حكمة وذكاء هذا الشخص من مجرد النظر له ولحركاته وتصرفاته.

ولكنه رغم ذلك اكتفى بالصمت بينما يهز رأسه وعندما تحرك وأمسك بالقالب ليخرج منه السلاح قال "على كل حال وعلى الرغم أني لا أعلم لما تكذبين أنتِ والآنسة واندر وما الذي تخفيانه، لكن عليكِ أن تكوني أكثر مهارةً وحرصًا لإخفاء الحقيقة والكذب". 

لن أجعل من نفسي حمقاء، إن حاولت التبرير سيكون الأمر سخيفًا جدًا، فأنا أعلم وهو يعلم أني أكذب، وكلانا يعلم أنه متيقن من إخفائي لأمرٍ ما، لذلك إذا قرر التصرف في الوقت الحالي وكأن شيئًا لم يحدث فهذا ما سأفعله وأحتفظ بحقي في الصمت. 

مرت فترة من الصمت وهو ينجز عمله وأنا أراقب وعندها حسمت أمري وسألته قائلة "أتملك أوراقًا وأقلام؟" دون أن ينظر نحوي رفع يده الحرة نحو طاولة تحتوي على خمسة أدراج وقال "الدرج الثاني". 

تحركت إلى هناك وأخرجت عشرة أوراق خاصة برسوم التصميم وأخذت قلمًا وسحبت كرسيًّا خشبيًّا للجلوس عليه، تسلق هارليك الطاولة وجلس فوقها على يساري بينما وقف يوجين عن يميني.

نظرت ليوجين وهمست بصوت منخفض "دعنا نجرب حظنا، لقد قلت من قبل أن هناك الكثير من تصاميم الأسلحة التي تتذكرها جيدًا، أهناك شيء صغير؟ سلاح صغير الحجم ربما" زم شفتيه ونظر بعيدًا وهو يتذكر قبل أن يرتفع حاجبه ويصيح قائلًا "هناك واحد لكن لا أعلم إن كان باستطاعتك رسمه، لأنه علينا رسم الشكل الجانبي والأمامي والخلفي، المقبض وحجمه والفوهة وتصميم الزناد وزر الأمان والرصاصات، الأمر معقد" نظرت نحوه وأنا في حيرة من أمري "أكاد أدفع كل ما أملك حتى أعلم أي نوع من الأشخاص كنت في سابق حياتك". 

عقد حاجبه وقال "لندعو الرب ألا أكون ذلك النوع من الأشخاص الذي قد يحطم أحلام الجميع ثم يضع سيجارة بطول الخمسة إنشات في فمي ضاحكًا بشر، أو شخص يشبه أتريوس! حينها سأعود للحياة ثم أقتل نفسي مجددًا" لا فائدة في جعل هذا الفتى يتحدث بجدية، حقًا لا فائدة. 

انحنى يوجين نحوي ووضع أصبعه على الورقة وقال "فقط ضعي القلم فوق إصبعي وتتبعي حركة يدي وكأنك تستشفين رسمًا آخر، تملكين مهارة جيدة في الرسم، رأيت رسمك في دفتر الملاحظات سابقًا، فقط تحتاجين أن تكوني مرنة" حركت رأسي إيجابًا وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن نبدأ. 

كل ما كان علي فعله هو الخط فوق إصبعه وتتبع حركته سهل، صحيح؟ هذا ما ظنه ثلاثتنا، لكن تحول الأمر إلى شيء أسوأ من امتحان مادة الجراحة الجسدية في نهاية العام، ظننت أننا لن نستخدم سوى ورقتين أو ثلاث، لكن الثلاث أصبحت خمس فثمانية فعشر مما أجبرني على إخراج المزيد من الأوراق والمحاولة مجددًا، نرسم... تتعرج الخطوط، التصميم المبدئي لمسدس يتحول إلى رسم لطائر بشكل ما، نجعد الورقة ونلقيها ونبدأ بأخرى جديدة.

توقفت عن عد أوراق التصميم عندما وصلنا للرقم سته وثلاثين، أكثر من ستة وثلاثين محاولة تخللها الضحك أو الغضب أو حتى السخط والتذمر. تراخت كتفي عندما ظننت أنني أعيد الأمر مرة تلو الأخرى بلا فائدة ولكن كنت مخطئة فعدد المحاولات التي تخطت الستة وثلاثون كانت كمرحلة التدريب، لأنه شيئًا فشيئًا ومقارنة بما بدأ يصبح الرسم حقًا يشبه مسدس، الخطوط الخارجية ثم تفاصيل الزوايا والظلال وشيئًا فشيئًا كنا نكون رسمًا للمسدس. 

كان الأمر مذهلًا أن ترى أن ذلك المجهود يتكون ويتحول لشيء ناجح كما تريد، وعندما أكملنا نصف المخطط تركت القلم ورفعت يدي للأعلى وأنا أسحب كل عضلة في جسدي قدر المستطاع لتنشيطها، ألقيت بجسدي على ظهر الكرسي وأنا أتنهد "هل هذا هو ما تريدين صنعه؟" تساءل هارليك وهو يمرر أصابعه فوق التصميم لأومئ برأسي كرد.

"أظن أن علينا العودة" نظرت لهارليك بتعجب ليشير برأسه نحو النافذة حيث أظلمت السماء وبات القمر ظاهرًا لليوم الرابع، الخريطة! تبًا، علي العودة للمنزل. 

نهضت من مكاني وأخذت التصميم معي قبل أن أقوم بلف الورقة حول نفسها "شكرًا لقبولك بقائي هنا، سيد جولدامون" قلت على مضض قبل أن ألتفت إليه، كتف ذراعيه ونظر للورقة المطوية بين يدي "هل وصلتِ لغرضك؟" ابتسم وأجبت "ليس بعد لكني سأفعل وستكون الشخص الأول الذي يطلع على هذا التصميم… كم الساعة الآن؟" خرج السؤال في النهاية عفويًا وأنا أرمي نظرة أخرى للنافذة.

"إنها نصف الثلث الخامس من بداية الليل" طرفت عدة مرات وأنا أحاول ترجمة كل كلمة في الجملة التي نطقها "أعني بالدقائق، تعلم العقارب" عقد حاجبيه ونظر للأعلى وهو يتذكر ثم قال "تقريبًا دورة ونصف من العقرب الرابع" لنضف لقائمتي الطويلة أن علي تعلم الساعة هنا رغم أني أظن أن الأمر أعقد من أربعة وعشرين ساعة وستين دقيقة في كل ساعة.

أومأت له وكأنني فهمت قبل أن أنحني بشكل بسيط تعبيرًا عن امتناني وقلت "شكرًا مجددًا للسماح لي باستخدام ورشتك" لم تتغير ملامحه وقال بهدوء "أجل، يمكنني رؤية أنكِ استعملتها بجهد" عقدت حاجبي بعدم فهم قبل أن ألتفت خلفي لتتسع عيني، الأوراق المبعثرة والمجعدة والملقاة على الأرضية في كل مكان، الأقلام المركونة بإهمال على الطاولة، فوضى بكل ما تعنيه الكلمة. 

"إلهي... أنا أعتذر حقًا، لم… تبًا" هسهست وأنا أنظر إلى قرص القمر الذي كان ينتصف السماء "سأرتب الفوضى بسرعة" كدت ألتفت لكنه قال "لا عليكِ، يبدو أن ورائك أمرًا مثيرًا آخر متعلق بقمر الليلة، اذهبي ودعيني أرى إلى أين سنصل مع كل هذا الغموض" رسمت ابتسامة ممتنة وتجاهلت الجزء الأخير قدر الإمكان قبل أن أخرج من المكان بسرعة.

كدنا نركض ركضًا إلى المنزل فقد يكون الرقم الرابع هو الرقم الأخير وقد نتمكن أخيرًا من فتح البوابة. عندما عبرنا النفق إلى داخل المنزل اندفع ثلاثتنا للداخل "أوه، لقد جـ..." قاطع كل منا أنا وهارليك واندر في الوقت ذاته "لاحقًا واندر" اندفعنا على السلالم نحو غرفتي لكني توقفت عند بداية الدور الثاني أستمع للأصوات التي كانت واضحة. 

"ما هو هذا الشيء بالضبط؟"

"رفاق قد تكون هنا في أي لحظة"

"توقف ولا توترني"

"هل تعلم واندر؟" 

نظرت لهارليك الذي بادلني النظرات ذاتها، سار كل منا بهدوء وعلى أطراف أصابعنا نحو الغرفة بينما يوجين قد سبقنا إلى هناك بكل راحة. 

توقفت في مكاني بجوار يوجين وأنا أنظر للأربعة الذين اقتحموا الغرفة، بلا استثناء كان أربعتهم هناك، رومياس يقف بتوتر أمام الباب وبالداخل كان أوكتيفيان وأغدراسيل يقفان جوار بعضهما وجوزفين يجوب الغرفة، على الرغم من أني شعرت بالانزعاج لاقتحام الخصوصية الوقح إلى أن شعور الاستمتاع بإمساكهم متلبسين كان يتغلب على كل شيء آخر. 

"يا رفاق علينا الإسراع، قد تأتي جلنار في أي لحظة" كانت مرتي الأولى بسماع رومياس ينطق باسمي، كان يحرك جسده وينقل ثقله من قدم لأخرى بتوتر "أنت محق سيكون وضعكم محرجًا إن أمسكتم متلبسين" قلت بصوت منخفض وأنا أشب على أصابعي أنظر من فوق كتف رومياس.

تجمد الفتى قبل أن يلتفت ببطء وكأنه آلي أصابه عطل قبل أن يثبت عينه على وجهي وكان بإمكاني رؤية قطرات العرق تتشكل على جبينه.

"حسنًا، فقط لا تستعجلنا" صاح جوزفين وهو ينظر أسفل السرير "رفاق!" صاح وهو ينظر نحوي بإحراج "قلت توقف، هي لن تأتي الآن" صاح به جوزفين مجددًا "إنه محق، لمَ قد آتي الآن؟" أجبت وأنا أضع يدي فوق كتف رومياس وأبتسم له بأكثر طريقة مخيفة تعلمتها من أمي.

عندما لاحظت الصمت الذي ساد في الغرفة نقلت نظري نحوهم، كان ثلاثتهم ثابتين في مكانهم وأعينهم متعلقة بوجهي "أتمنى أنكم وجدتم شيئًا مثيرًا للاهتمام" قلت بنبرة خالية من الفكاهة "واندر تناديني، سوف أ..." قاطعت رومياس قبل أن يأخذ خطوة واحدة وأمسكت بأذنه بقوة ليصيح متألمًا.

سحبته لداخل وهو يحاول الإفلات ويخرج أنينًا متألمًا "ليس بهذه السهولة" قلت بينما أدفعه بخفة بجوار أغدراسيل وأوكتيفيان المتجمدان في مكانهما.

"هل يملك أحدكم توضيحًا؟" نظر كل واحد للآخر بصمت "لمَ أشعر وكأني أشاهد حفنة من الأطفال سيتم معاقبتهم؟" تمالكت ضحكتي ونظرت ليوجين بحدة ليصمت "الأمر ليس كما يبدو، كنا فقط… نقوم بتأمين الغرفة" صاح جوزفين وهو يحاول وضع ابتسامة. 

نظرت لأوكتيفيان الذي حرك عينيه بعيدًا بسرعة، وجهت عيني نحو يده الممسكة بالخريطة لأسحبها من بين يديه وأقول "لمَ يبدو الأمر وكأنكم تفتشون الغرفة؟".

"نحن؟ لمَ قد نفعل؟ بالطبع لا، نحن لم نمس أغراضك حتى" ما إن أنهى جوزفين جملته حتى انتقلت أنظار الجميع إلى دفتر ملاحظاتي الذي كان بين يديه، صفع أغدراسيل رأسه بيأس ليرمي جوزفين الدفتر بسرعة ويتمتم "لا فكرة لدي كيف وصل هذا ليدي!".

"أنتم تتصرفون كأطفال، ما خطبكم بحق الله؟ ثم... رومياس! أنت آخر من أتوقع منه فعل ذلك" امتقع وجه رومياس واحمر خجلًا وهو ينظر بعيدًا "لمَ فقط رومياس؟" تمتم جوزفين لألتفت نحوه بحدة "أنت الشخص الوحيد هنا الذي كنت أنتظر منه فعلًا مماثلًا؛ لذلك لا تسمعني صوتك" طرف قبل أن تتسع عينيه بصدمة. 

"أوكتيفيان، ظننتك أكثر تعقلًا من هذا، و... أغدراسيل حقًا! تفتيش غرفة فتاة؟ ألا تملكون خجلًا؟" تنهد أغدراسيل وقال "أنتِ لم تتركي لنا طريقة أخرى، أصبحتِ فجأة تخرجين إلى أماكن الإله أعلم بها وتفعلين أشياء لا يمكننا تفسيرها، وتلك الأغراض…" أشار نحو الخريطة التي بدأت تهتز "ثم ما قاله هارليك، ألا تظنين أن أمرًا مهمًا يحدث معكِ وربما عليكِ مشاركته؟".

بدا أربعتهم فجأة موافقين علامَ قال ليزيلوا التهمة عنهم، نظرت نحوه ببرود قبل أن أصيح بصوت أفزعهم "هل أنتم منحرفون؟" اتسعت أعينهم بصدمة لأشير لهم بأصبعي السبابة "هذا ما نقوله عن رجل يدخل لغرفة فتاة للتفتيش في أغراضها، منحرف! هل أنتم كذلك؟ هل علي أن أضع قبل ألقابكم كلمة منحرف يا ترى؟".

"ما اللعنة؟ أخبرك أغدراسيل أننا لم نقصد... لم نكن نبحث بشكل شخصي، الأمر…" تلعثم أوكتيفيان في الحديث لأرفع نحوه حاجبًا "إذا لأني لا أخبركم بما يدور معي؟" أومأ أربعتهم في الوقت ذاته "كان عليكِ فقط إخبارنا" تمتم أغدراسيل لألتفت حيث هارليك ويوجين الذين كانا يشاهدان باستمتاع. 

"أوه، أنت محق، علي أخباركم" تمتمت وكأني أحدث نفسي لكني رفعت رأسي نحو أغدراسيل ونظرت نحوه بغضب "لكن يا ترى هل ستخبرونني أنتم أيضًا بما يجري حولكم؟" نظر كل واحد للآخر "الأمر أنـ..." قاطعت أغدراسيل وأنا آخذ خطوة أقرب وأرفع سبابتي في وجهه "هل سأذهب معكم لقصر الملك وهل سينضم هارليك؟ هل ستخبرونني بكل سر تعرفونه عن هذه الحرب وتتوقفون عن التهرب؟ هل سأصبح فردًا منكم بشكل ما؟ هل ستعاملون هارليك بجدية؟ هل ستخبروننا بكم أن الوضع خطير وعن مئات الأسرار، عن الإيربوس وعن هذا الكوكب؟ عن أي تاريخ هو الصحيح وأيهم الكاذب؟" مع كل خطوة أخذتها للأمام كان أغدراسيل يتراجع للخلف ويحاول تنظيف حلقه.

"ألستم عادلين؟ دعنا نعدل كفة الميزان إذًا، تخبروني فأخبركم وإلا قد أضطر لتفتيش غرفكم يومًا ما" توقف عن الابتعاد عندما لامس ظهره طاولة المكتب لأدفع صدره بسبابتي أنغزه بقوة مع كل كلمة "إن أردتم معرفة كل شيء فعلي معرفة كل شيء، وإلا فليحترم كل شخص سر الآخر". 

التفت أنظر نحوهم بغضب قبل أن أقول بحدة "ماذا؟ أتنوون البقاء والنوم هنا؟" تحمحم كل واحد فيهم وأول من هرول للخروج بسرعة كان رومياس الذي أشفقت عليه قليلًا، فأنا متأكدة أن هؤلاء الحمقى قد جروه في هذا.

لم يبرر أحدهم لأن نظرتي كانت كفيلة بإحراقهم وآخر من خرج كان أغدراسيل الذي بدا وكأنه على وشك الاعتذار لكني ضيقت عيني وهمست "لا تحاول" ليخرج معهم وأغلق الباب من خلفهم.

مرت دقيقة من الصمت وكل واحد منا يحدق بالآخر قبل أن ننفجر في الضحك، حاولت إسكات نفسي وإسكات كليهما حتى لا نُفضح، إسكات هارليك على الأقل... 

"لقد كنتِ مخيفة، أشفق عليهم. أرأيتِ وجه رومياس؟" أومأت لهارليك ليخفض صوته وأنا أرمي نظرات إلى الباب "لقد استحقوا ذلك" أومأ كلاهما برأسه موافقًا "لم يروا الكتاب، صحيح؟" حركت رأسي مطمئنة يوجين "لا، لم أضعه في مكان واضح" أشهرت الخريطة التي تهتز أمام وجوههم وقلت "دعكما من هذا، لدينا أمر أهم الآن". 

كالعادة بدأت الخريطة ترشدنا مجددًا لخارج الغرفة ولكن ما أثار الدهشة هو أنها لم تشر إلى الأسفل كالعادة بل كانت تشير إلى الأعلى تبادلت النظرات مع يوجين الذي أومأ مشجعًا، تحركنا للطابق الثالث ولكنها أشارت للأعلى مجددًا إلى الطابق الرابع.

تبعنا الخيوط المضيئة إلى الأعلى، كان طابقًا لم أصعده من قبل "غرف كل من أغدراسيل وجوزفين هنا" همس هارليك وكأن صوته العالي قد يقتلنا، تتبعنا الخريطة التي أشارت إلى باب مغلق "أهذه إحدى غرفهم؟" حرك هارليك رأسه لجانبين وقال "إنه مغلق منذ مجيئنا لهنا ولم نحاول فتحه" كان الباب موصدًا وبقوة كما قال هارليك مما أعطى رسالة واحدة، استخدام العنف لن يفيد.

"هل هي مصادفة أم أن الفجوة في الأعلى تناسب حجم الخريطة!؟" نظرت ليوجين الذي طفى عن الأرض وهو ينظر لأعلى الباب، وقفت على أطراف أصابعي أحاول تبين ما هي تلك الفجوة وأدركت عيني أن يوجين محق فحجمها كان متوافق مع حجم الخريطة. 

بلا تردد وضعت الكرة داخل الفجوة ليعم الصمت لدقائق قبل أن يصدح صوت صفير صادرٍ عن احتكاك شيء ما صدئ ثم ببساطة ثلاثة من القضبان المعدنية على الباب انزاحت للأعلى ليظهر مقبض صغيرًا خلفها.

حركت يدي وسحبت المقبض بقوة وأدرته نصف دورة قبل أن أدفعه للداخل لينفتح الباب مصدرًا صريرًا أشبه بتأثيرات هوليوود في أفلامها المرعبة.

التقطت الخريطة التي اندفعت لخارج الفجوة وأشارت للداخل وكأنها تتحدانا أن نتجرأ ونتحرك تابعين خُطاها، نظرت نحو يوجين ثم هارليك الذي بدا كل منهما قلقًا ولكن يعتريه الفضول "لن نتوقف هنا" تمتمت بثبات قبل أن أدفع الباب وأخطو للداخل.

رائحة الرطوبة كانت أول ما رحب بنا مداعبةً أنوفنا، تربة رطبة ورائحة لحديد صدئ والقليل من رائحة أشبه برائحة الصرف الصحي… كان الطريق مظلم بالكامل، لا أكاد أرى سوى ضوء الخريطة الذي اختفى في الأفق وكأننا واقفين أمام النهاية! 

جفلت أجساد ثلاثتنا تزامنًا مع صوت ارتطام الباب بقوة من خلفنا وأصبح الظلام هو الشيء الوحيد الذي يدركنا من كل جانب، لم ننبس بكلمة وكأن كل واحد منا شعر أن الصوت في هذا الصمت هو حرمة عقابها القتل.

التفتنا مجددًا أمامنا عندما صدر ضوء برتقالي إثر لهيب النيران التي اشتعلت فجأة من تلقاء نفسها، كان مشعل النار المعلق على بعد خطوات منا يلوح لنا ونيرانه تتمايل وكأنها تسخر من خوفنا! أو هذا ما بدا لي... 

مشعل يليه الآخر، كان كل واحد يشتعل وحده بشكل متزامن لتوضيح الطريق أمامنا فكان من الواضح أن هناك سلمًا منخفضًا للأسفل، سلم لولبي حجري مع مشاعل تشعل نفسها ذاتيًا وخريطة تشير للأسفل، وكأن كل ما في المكان يبسط يديه بطريقة مسرحية كمضيف هادئ الملامح يرحب بضيوفه.

دون أدراك كنت أبتلع ريقي بشكل متكرر ربما لأنه أصبح يجف أسرع من المعدل العادي، لكني أدركت أني إن لم أتمالك نفسي فسيتحول كل من الفتيين بجواري إلى مذياع للصارخ والعويل. 

أخذت نفسًا عميقًا وقلت بنبرة حاولت جعلها مشجعة قدر الإمكان "مكان جديد لاكتشافه، يا له من أمر رائع" حركت قبضتي في الهواء ألكمه بحماس مصطنع لكني أخفضتها ببطء عندما نظر كلاهما نحوي بطرف عينيه وكأنهما يرغبان في لكمي. 

"إن أردتما البقاء هنا كالجبناء ففعلا أنا سأتحرى الأمر وحدي" قلت بحزم وأنا آخذ عدة خطوات بينما دعوت الرب مائة مرة أن يتبعاني فلا أُترك وحدي…

عندما لم يتحرك أحدهما خطرت حيلة ما في عقلي حيث التفت وتظاهرت بالسعادة قائلة "أحسنت يوجين، أنت بالفعل شجاع" تحول وجه يوجين لتتسع عيناه وكذلك المسافة بين عينيه وحاجبيه "هارليك ستبقى وحدك؟ يوجين قادم!" اتسعت عيناه ونظر حوله وكأن يوجين سيلوح له. 

"أيتها الكاذبة، متى فعلت؟" صاح يوجين بصدمة "أنت محق يوجين من السيء أن يبقى المرء وحده في مكان كهذا" نظر هارليك حوله بقلق قبل أن يتحرك مسرعًا "أنا قادم معكما" تمتم برهبة وهو يلتصق بي "أيها الفأر إنها تكذب، أيتها اللئيمة لا تستغلي عدم قدرته على رؤيتي!".

قتلت ابتسامتي قبل ظهورها وحركت شفتي ليوجين حتى لا ينتبه هارليك "أبقى وحدك" سمعت زمجرته من خلف ظهري لأطبق شفتي حتى لا أبتسم " أتمنى لو يظهر أتريوس بفأسه الآن" تمتم لأضحك بخفة وأرد "لم أعد أخافه أيها الأحمق". 

"ماذا؟" نظرت لهارليك وربت على رأسه وأنا أتمتم بـ "لا شيء".

"لمَ لا نأخذ أحد المشاعل معنا؟ سيكون أفضل" اقتراح هارليك كان مفيدًا بالفعل ولم أتردد وأنا أتلقف أحد المشاعل من على الحائط لتنير الطريق أمامنا بشكل أفضل. 

كانت مساحة السلم ضيقة مما أجبرنا على النزول خلف بعضنا في صف أشبه بالطابور عدا أن يوجين كان يتحرك براحة كون خطر السقوط وكسر عنقه لا يهدده، هارليك يلتصق بالحائط عن يسارنا لأن الجهة اليمنى فارغة من أي درابزين قد نستند عليه، فقط هاوية مظلمة للأسفل لا ينيرها شيء. 

حاولت قدر الإمكان تشجيع هارليك ليخطو أسرع بينما قدمي أنا كانت أشبه بالهُلام وهي تتخبط ببعضها، لا أهاب المرتفعات ولا أمتلك أي فوبيا، لكن هاجسًا ما يصيبني كلما اقتربت من حافة مكان عالٍ عن الأرض، هاجس يوسوس في أذني وداخل عقلي بأنني سأقع في الخطوة التالية بطريقة ما فيرتجف على أثر هذا الهمس جسدي وتصبح قدمي أشبه بأعمدة مثبتة على الأرضية تأبى التحرك وإن تحركت فهي تشبه الماء في سيلانه.

كنت آخذ نفسًا وأشجع نفسي بكلمات بصوت منخفض، أمسك المشعل بيميني وأتشبث بالحائط الصخري الخشن باليسراي وقد وضعت الخريطة في جيب ردائي، أما يوجين فكان يشفي غليله بالنظر لحالي بينما يحلق ويقفز في المكان بكل راحة.

لعنته عدة مرات وهو يكرر بنبرة يعلو فيها لحن مألوف "يومٌ لكَ ويومٌ عليك" ثم يعيد تكرارها وهو يضغط على كلماته مرة بعد الأخرى وحينها حسدت هارليك على نعمة الغشاء الذي يمنعه من إدراك وجود شبح مزعج حولنا. 

عندما خطت قدمي على الدرجة الأخيرة أخرجت نفسًا طويلًا وأخذت آخر أطول من سابقه، جلست فوق الأرضية وأنا أحاول تمالك نفسي وتقوية عضلات قدمي التي لانت تمامًا "أرأيت؟ لم يكن الأمر صعبـ…" توقفت عندما لمحت شحوب وجه هارليك وتعرق جسده وهو يتنفس بقوة، أكاد أكون في الحالة نفسها لولا أنني أحكم نفسي وأتمالكها. 

"هون عليك يا رجل، نحن على الأرض أخيرًا" مازحته وأنا أربت على كتفه ليومئ في صمت "هوني على نفسك قبل أن تهوني عليه" استغل يوجين كل لحظة للسخرية مني كما هي عادته "لا تكن أسود القلب" أغظته ليقلدني سخرًا وهو يزيح حدقتيه للأعلى. 

عندما لامست هدوء هارليك واستعادته لأنفاسه نهضت من مكاني وقد قررت إكمال الطريق، قطعنا نصف المسافة ولن أتوقف هنا.

رفعت المشعل لأنير الطريق أمامي لكن ما إن فعلت ذلك حتى بدأت الكثير من المشاعل المعلقة تنير مجددًا كما حدث في أعلى السلالم، ولكن هذه المرة لم تكشف عن سلم آخر، بل كانت زنازين؟ 

على الجانبين الكثير من الزنازين الفارغة تمامًا ولكن رائحة الرطوبة كانت مضاعفة هنا مع رائحة أخرى دفعت جسمي للارتعاش، رائحة دماء!

لوهلة ضرب عقلي مشهد كدت أنساه، مشهد مماثل لزنازين مماثلة ولكنها ليست فارغة، كانت تحتوي داخل أحضانها الكثير من الأشخاص في مختلف الأعمار، ومنهم امرأة وابنتها المريضة. الارتجاف العابر أصبح أكثر من ذلك، ودون إدراك كنت أحاول التنفس بقوة. 

أكاد أصاب بنوبة هلع… علي تهدئة نفسي حتى لا يهلع هارليك، لا بأس، المكانين مختلفين، لا يوجد مساجين هنا، لا حراس، لا شيء. "جلنار، توقفي عن إفزاعي!" صياح يوجين أعاد إدراكي للواقع... كنت منحنية فوق الأرضية أتنفس بقوة بينما أتمتم بلا بأس. 

هارليك كان خائفا وهو ينظر لحالي ويوجين الذي ركع بجواري كان يتفرس وجهي بقلق "إنه يشبه ذاك المكان" همست ليوجين ليعقد حاجبيه "عندما جئت للمرة الأولى عند الحدود أسفل الأرض، عندما اختفيت أنت، لقد كنت داخل إحدى الزنزانات وكان هناك الكثير منهم.,. الكثير من المساجين.,. المرضى، الأطفال والنساء الجميع كـ..." أوقفني بسرعة.

"لا بأس، هذا مكان مختلف، أنا هنا وهارليك هنا وهناك خمسة رجال حمقى سيحمونكِ، و... لا، انتظري، أربعة… خامسهم سيجلب الفشار ويشاهد إن رآكِ تموتين" ربما شخص آخر كان ليحاول صفع هذا الشبح، لكن أنا! تبًا، إنه يدفعني للضحك... 

"ماذا؟ أنا جاد، تعلمين، سيكون كـ إلهي، جلنار تموت، يا له من يوم مشمس ورائع، ألا يملك أحدكم الفشار ليصبح المنظر أفضل؟" كلما ضخم صوته كان يضحكني أكثر وعلى إثر ضحكاتي كان هارليك يبتسم وقد تمالك نفسه. 

"هيا، تمالكي نفسك، لقد مرننا بما هو أسوأ، لقد أصبحت الكوابيس تصيبني، أحلم بتنين أسود اللون يطاردني في كل مكان" عندما ضغط على كل حرف أجبرني على الانفجار ضحكًا وفهم ما يرمي إليه. 

نهضت على قدمي وأخذت نفسًا عميقًا "جلنار، ماذا قال يوجين" همس هارليك وكأن يوجين لن يكون قادر على سماعنا "كان يسخر من أتريوس" اتسعت فجأة ابتسامته وقال بصوت عالٍ "إذا سخرت من أتريوس سيجعلكِ ذلك سعيدة؟" لم أتمالك نفسي وقمت بمداعبة شعره وانحنيت نحوه "وجودك حولي يجعلني سعيدة" اتسعت ابتسامته أكثر مما جعلني راضية عن نفسي.

"لن تغضبي إن سألت لمَ خفتِ فجأة؟" ابتسمت وحركت رأسي بلا وقلت "عندما جئت للمرة الأولى بطريقة غامضة وجدت نفسي في زنزانة أشبه بهذه و... كان هناك الكثير من الأشخاص المسجونين، منهم من كان مريضًا أو صغيرًا، حتى أن..." توقفت أبتلع تلك الغصة اللعينة وأكملت "كانت هناك امرأة تكاد تختفي من شدة نحافتها وابنتها المريضة توسلت لمساعدة ابنتها لكني لم أقدر على فعل شيء، كنت… كنت عاجزة وخائفة لكنها تحلت بالشجاعة الكفاية لتصرخ بي أن أهرب من هنا".

لم أنظر لوجه هارليك وأخذت خطواتي للأمام وكأنني خجلت من نفسي ربما، لم أرد أن أرى النظرة التي قد يوجهه نحوي "لا بأس" توقفت والتفت نحوه، كان ينظر نحوي بحاجبين معقودين وقبضتين بجانب جسده "سننقذهم إذًا! ربما هي مسألة وقت قبل أن نذهب من أجلهم، أعني أنك عبقرية وأنا عملاق وهناك يوجين الذي لا يراه أحدهم ثم تنين الشفق، يمكننا إنقاذهم، الفرسان سيجتمعون قريبًا، هناك أمل من أجلهم دائمًا". 

لم أجد ما يمكنني الرد به، لم أتمكن من إنقاذهم مرة، ما الفارق إذًا في المرة الثانية؟ ابتسمت بخفة وأومأت على مضض "توقفي عن جعل تلك الأفكار السلبية تحكم عقلك" قال يوجين وهو يرفع أحد حاجبيه.

عندما أصبح أمر الزنازين نوعًا ما لا يخيفني بدأنا في تفقدها واحدة تلو الأخرى، ننير كل زنزانة بمشعل النار الذي في يدي، نتفقدها من الداخل. أخرجت الخريطة من جيبي والتي ما زالت تشير للإمام وكأنها تريد منا أن نرى المزيد.

"لمَ بحق الله أحد الأبواب داخل المنزل يؤدي لزنازين تحت الأرض؟" تمتمت بالسؤال وأنا أتفقد زنزانة كانت مغلقة وقد حفر على جدارها الكثير من الأشياء وأخرى كانت هناك كتابة طبشورية عليها.

"لا علم لي، أخبرتكِ أن لا أحد تمكن من فتح هذا الباب سابقًا" أجاب هارليك رافعًا كتفيه ثم أردف "عندما تم اختيارنا كفرسان جُمعنا داخل الإلترانيوس بشكل مفاجئ واختير هذا المنزل كمسكن لنا، هناك الكثير من الأسرار داخله، إنه منزل غريب، أحيانًا قد تفتحين بابًا فتجدين نفسكِ أمام أحد شوارع العامة على بعد ساعات من هنا ولكن أنتِ فقط سرتِ لخمس دقائق".

 حدث هذا أكثر من مرة، الأبواب المؤدية للسوق مباشرة، وأبواب تؤدي للساحة والآن زنازين والإله يعلم ماذا بعد.

 لم تكن كل زنزانة تختلف عن سابقتها، فارغة تمامًا من أي شكل من أشكال الحياة، الجو الذي يحيط بنا كان كفيلًا بإثبات ذلك الصمت الدائم لدرجة جعلت من أصوات خطواتنا مسموعة والصدى الذي يتردد ما إن يتحدث أحدنا ولا شيء يتحرك غيرنا نحن ولهيب النيران الذي يتراقص ضوءه على وجهنا. 

تحركت الخريطة فجأة وأشار ضوئها إلى طريق آخر عن يميني، نظر ثلاثتنا حيث أشارت قبل أن أتقدم نحو تلك الزنزانة ذات الباب المغلق، دفعته بخفة ليندفع ويُفتح ببساطة فخطوت للداخل أنظر للمكان الضيق في ريبة، كانت الخريطة تشير فقط إلى الحائط الذي لم يحتوِ على أي شيء سوى رسم وحيد صغير.

لم أفهم شيئًا، نفضت الغبار عن الرسم وقربت مشعل النار للحصول على إضاءة جيدة "يوجين، هارليك، أتملكان فكرة عما يعنيه هذا؟" تحرك الاثنان ليقفا جواري ينظران للرسم "إنها مجرد أشكال هندسية" تمتم يوجين "أعرف، لكن إلامَ تشير؟" رفع كتفيه وقال "ربما أحدهم كان مسجونًا هنا وكان يستمتع بوقته" نظرت نحوه ببرود "حقًا! نحن في زنزانة فارغة تحت الأرض معنا خريطة أرشدتنا إلى هنا ولا تريد مني أن أظن أن هذا له علاقة بما نبحث عنه؟" عض شفتيه وقال "لا تتذاكي، قلت فقط ما خطر على بـ...".

"إنها الزنزانة" نظر كلانا لهارليك الذي ينظر لنا ببساطة "ماذا؟" سأل ليشير للرسم ويقول "إنها الزنزانة، إنه رسم بسيط لشكل الزنزانة. انظري، الدائرة هنا، إنها شكل الزنزانة الدائري وذلك المربع الذي يحتوي على خطوط، إنه باب الزنزانة والقضبان" حرك يده للجهة المقابلة للمربع "الرسم هنا على هذا الجدار ومقابله تمامًا الباب" قال قبل أن يأخذ خطوة للرواء ويشير للرسم ثم للباب الحقيقي. 

"ربما تلك النقطة هنا تشير لشيء ما" بدلت عيني بين الرسم وبين هارليك قبل أن تتسع ابتسامتي واحتضنه بشدة "إلهي، أنت ذكي!" صحت وأنا أعبث بشعره وهو يقهقه "انظر، لقد اكتشفت الأمر بسرعة، لم أخطئ عندما جعلتك ترافقنا، أرأيت أنه مفيد أكثر منك؟" صحت بيوجين الذي قلدني بسخرية وهو يكتف ذراعيه قائلًا "ليس وكأنه اكتشف الذرة". 

نهضت وتحركت تجاه الرسم أنظر نحوه بتمعن قبل أن أعيد نظري للزنزانة، حركت أصابعي وكأني آخذ صورة للقضبان قبل أن أحرك يدي لليمين قليلًا، تحركت نحو الجدار عن يمين الباب وبدأت أبحث بيدي عن شيء ما، مقبض، رسم آخر أو أي شيء مثير للاهتمام. 

طرقت الحائط أكثر من مرة لربما هناك فراغ خلفه قبل أن أركل الحائط بقدمي بسخط، توقفت لثانية وأنا أنظر نحو الأسفل حيث ركلت الحائط، جلست على ركبة واحدة أنظر للحفرة التي أحدثتها "لست قوية للدرجة التي تجعلني أثقب جدارًا؟" يوجين الذي انحنى بجواري قال "أو ربما الحائط هو الضعيف ليستجيب لركلة قدمك" نظر كلانا للآخر قبل أن ننظر للحائط.

لكمت الثقب بيدي لتتحطم القشرة التي تغطي الحائط نزعتها بقوة لتتشقق وتسقط لتظهر خلفها ذراع خشبية مثبته في الأرضية "ما هذا؟" تمتمت وأنا أتلمسه بيدي "لا تفعلي به شيء، لا أحد يدري مــ…" لم أترك فرصة ليوجين لأنني سحبت الذراع بقوة لتصدر صوت تكة، نظرت نحوهما بترقب بينما يوجين نظر نحوي بأعين متسعة "تبًا، لم يحدث شــ..." لم تكن هذه الطريقة التي أردت إنهاء جملتي بها لكن الصرخة خرجت دون إدراك عندما تحركت الأرضية من تحت أرجلنا لتهوي بنا للأسفل بسرعة.

كان ثلاثتنا يصرخ، حتى يوجين مأخوذٌ باللحظة المرعبة وقد علا صوته، تمسكت بالأرضية بقوة وما زلت أصرخ للسرعة التي نسقط بها وهارليك قد وقع أرضًا وهو يغمض عينيه ويصرخ دون توقف. 

في اللحظة التالية ارتطمت الأرضية التي نحن فوقها بقوة على أرض صلبة أخيرًا مما جعل أجسادنا ترتد وتصطدم بالأرضية بقوة.

تأوهت بألم وأنا أمسك كتفي الذي اصطدمت بالأرضية الخشنة ونظرت إلى هارليك الذي يفرك جبهته بألم مما أشار أن رأسه اصطدمت بالأرضية عندما اندفعنا بقسوة.

نهضت من مكاني وتحركت نحو هارليك أطمئن على رأسه ليومئ بأنه بخير. "جلنار" التفت حيث صوت يوجين أنظر نحوه "ماذا هنـ…" توقفت عندما أدركت ما ينظر نحوه.

كنا داخل ساحة واسعة أشبه بساحة معبد من المعابد القديمة، أعمدة صخرية نصفها متآكل، نقوش على الجدران بشكل فني، وفي المنتصف على أرض منخفضة كان هناك أربعة أعمدة متوسطة الطول كل واحدة تحمل مجسم لم أتبينه من هنا، وفي الجهة المقابلة كان هناك تمثال ضخم ربما يصل طوله إلى سبعة أو عشرة أمتار.

كان التمثال لرجل يبدو كبيرًا في السن بسبب لحيته والتجاعيد التي حُفرت بدقة على وجهه، يرتدي زيًا ملكي وهناك تاج فوق رأسه، إحدى يديه خلف ظهره والأخرى يشير بإصبعه إلى منتصف الساحة حيث الأربعة أعمدة. 

تبادلنا النظرات بدهشة ونحن ننظر حولنا بأفواه مفتوحة، لمَ هناك مكان كهذا أسفل المنزل؟ هل ما زلنا تحت المنزل حتى؟ أصبحت أشك بالأمر، بل أنا متأكدة أننا في مكان بعيد عن المنزل. 

تحركت إلى الساحة المنخفضة في المنتصف ونزلت الثلاث درجات الأسمنتية ثم بدأت أتفقد المكان، تحركت حيث الأعمدة الأربعة، اثنان مصطفان ويقابلهما اثنان آخران، كل واحد يحمل مجسمًا لشكل ما، الأول كان قبضة يد والثاني كان ورقة شجر، أما الاثنان المقابلان فكانا قرصا دائريا وتاج.

"هل يملك أحدكم فكرة عن أين نحن؟" سألت الاثنين الذين يرافقاني "أتساءل بنفس السؤال" قال هارليك ليومئ يوجين متفقًا. 

"أخبريني أن هذا له علاقة بما نحن بصدده" رفعت كتفي ليوجين، فأنا لم أعد أعلم أي شيء بعد الآن "أربعة أشكال، قبضة يد وقرص دائري ورقة شجر وتاج، ما الذي قد يعنيه هذا؟" تمتمت بتفكير وأنا ألتفت حولهم "هل له علاقة بالأحجية على البوابة؟ اجعل الخمسة متساوية!".

"ربما، لمَ لا؟" قال يوجين وهو يتفحص تلك النماذج "عند طلوع أربعة أقمار أجعل الخمسة متساوية ودعها تنير طريقك، اليوم هو القمر الرابع وهذا ما أوصلتنا الخريطة له اليوم" تذكرت الخريطة لأخرجها من جيب ردائي ولكنها لم تكن تشير لشيء، توقفت عن إصدار ضوئها الأخضر.

"والآن ماذا؟ نحن حتى لا نعرف كيف نخرج من هنا" تذمر يوجين وهو ينظر حوله لكني تجاهلته وحاولت التفكير في الرابط بين الاثنين "اجعل الخمسة متساوية... ما الذي يقصده؟" تساءلت وأنا أمسك أحد النماذج لكن ما لم أتوقعه هو أن المجسم قد تحرك بين يدي، حملته ونظرت لكل منهما بصدمة "أيمكنكِ تحريكه؟" تساءل يوجين لأرفع كتفي.

"ماهي الخمسة المتساوية؟" تساءل هارليك "لا أعلم؟ هذا كان آخر سطر من الأحجية على البوابة" عقد حاجبيه يحاول التفكير "لمن هذا التمثال على أي حال؟" سألت وأنا أرفع رأس للنظر لتمثال الرجل "لا أعلم" أجاب هارليك وهو يتفحص التمثال بعينه.

أعدت المجسم مكانه وجمعت يدي فوق صدري أحاول إيجاد مخرج من هذه الأحجية "لدينا أربعة أشكال هنا وملك يشير لهذه الأربعة، لا يوجد خمسة في المكان، هناك فقط أربعة أشكال ترمز لشيء ما ربما القوة والملك و... لا أعلم، هذا القرص غريب الشكل، وهناك ورقة الشجر، ربما الطبيعة أو الغابات، تبًا، هذا معقد" قهقه هارليك فجأة مما دفعني للنظر نحوه كما فعل يوجين.

عندما لاحظ تحديقي قال "أعتذر، تذكرت شيئا ما للحظة، تعلمين الملك وتلك المجسمات" قهقه مجددًا ولكنه توقف فجأة وقد تجمدت ملامح، نظر حوله قبل أن يعيد نظره لمجسم الرجل ثم نظر نحوي "لقد اكتشف شيئا على الغالب" قال يوجين لأومئ كـ أنت محق.

"لا أعلم، إن كان هذا قد يفيد في شيء... أو ربما... له علاقة بالأمر… قد أكون فقط أتوهم.,. والأمر قد يكون خاطئ". 

"هارليك حتى وإن كان خاطئا فقط قل ما تفكر به، كل الأفكار قد تكون مفيدة بطريقة ما" .

عض شفتيه بتردد قبل أن يومئ ويقول "هناك حكاية قديمة تعتبر من إحدى قصص التراث الإلترانيوسي تحكي عن ملك كان يسمى كميشدار، كان ملكا عادلا ومحبًا لشعبه كما كان شعبه يحبه أيضًا، كان يمتلك أربعة أبناء كانوا أحب الأشياء إلى قلبه، لكن عندما كبر أبنائه أصبح كل واحد يطمع بالملك بطريقة مختلفة، أحدهم كان يحلم بالتاج المرصع بالذهب أن يوضع فوق رأسه فيتمكن من حكم الأراضي كلها عوضًا عن الأرض التي يحكمها والده فقط، والآخر كان يطمع في المُلك حتى يحول أراضي والده كلها إلى غابات وأشجار لأنه كان عاشقًا للطبيعة حد الجنون، أما الثالث أراد القوة، أراد أن يهابه الجميع فيحكم بقبضة من حديد، والأخير كان مريضًا بمرض خاص يمنعه من الوقوف تحت أشعة الشمس فيتحسس جلده ويحترق فأراد أن يتولى الملك فيحول مملكة والده إلى ليل دائم". 

اندمجت مع قصة هارليك فوجدت نفسي أجلس على أحد السلالم أنصت باهتمام وكان يوجين يبادلني الاهتمام ذاته مما شجع هارليك على المواصلة.

"حزن الملك بشدة لحال أبنائه الذي دفع كل واحد لكره الآخر ومنافسته على المُلك وطمعهم في مقعد والدهم بعد وفاته، فاستدعى حكيم مملكته ليبوح له بما يضيق صدره حينها ابتسم الحكيم وقال 'حال أبنائك يا سيدي عجيب، فكل منهم يطمح لشيء مختلف عن الآخر وكل واحد يصبوا للوصول للمُلك لأجل مصلحته، ألا ترى أن عليكَ تذكيرهم بأن هناك ما هو أهم من رغباتهم!؟' تعجب الملك ولم يفهم ما يرمي له الحكيم، ما الشيء الذي قد يكون أهم من رغبة أبنائه؟ 'أخبرني يا سيدي، إن كان بإمكانك إنزال المطر و أردت اليوم أن يكون مشمسًا لتتمتع بنزهة مع أولادك ولكن جاءكَ خبرٌ من أهالي المدينة أن الأرض جافة في حاجة إلى ماء المطر فما أنت بفاعل؟' ابتسم الملك وأجاب بأنه سيجعلها تمطر فسأله الحكيم 'لماذا؟' تعجب الملك من سؤاله وقال 'لأنها حاجة الشعب' ابتسم حينها الحكيم في وجه الملك الذي أدرك المقصد، حاجة شعبه فوق رغباته، هكذا يكون الملك الصالح لكنه لم يعرف كيف يجعل أبنائه يستشعرون ذلك فأخبره الحكيم بخطة محكمة".

صمت هارليك لثوانٍ ليزيد حماسنا وأكمل…

"أخبر الحكيم الملك عن أربع أراضٍ، كل أرض أغرب من الأخرى، فأحداها كانت لا تشرق الشمس فيها، والأخرى كان قومها أشداء وأقوياء، والأخرى كانت لا تحتوى إلا الأشجار والغابات، والأخيرة كان يحكمها ملكان كل واحد على الآخر، وقال أن يرسل أبنائه إلى تلك الأراضي، كل واحد إلى الأرض الذي يحلم بها، وبالفعل أرسلهم الملك ليعيشوا بين شعب كل مملكة، بعد وقت طويل أدرك كل واحد فيهم شيئًا ما، الابن الذي يطمح بالقوة رأى شعبًا قد أهلكته القوة، فكان شعب الأرض الذي أرسل لها بؤساء ومتعبون بسبب حكم الأقوياء عليهم وإجبارهم على العيش بالقوة، أما الثاني فتبين أن الملوك التي تحاول أن تحكم بعضها كانوا كالحمقى كل واحد يأمر بأمر ليستولي على قصر الآخر فيأمر الآخر أمرًا ليقضي على الآخر ويأخذ أرضه والشعب أهلكته الحرب والأوامر التي لا تصب إلا مصلحة كل ملك وترضخ طمعهما، أما الثالث فرأى مساوئ الغابة التي كان الشعب يعانون للسكن بينها فكان من الصعب قطع أغصانها لصناعة البيوت وكانت مخلوقات الغابة تأكل طفلًا كل يوم، أما الأخير فرأى المرض على وجوههم، مكان لا تشرق فيه الشمس ولو ساعة أصاب سكانه بالمرض حتى أصبحوا لا يستيقظون إلا وقتًا محدود ويعودون للنوم".

أخذ نفسًا وهو يبلل شفتيه ثم تابع "أدرك الأخوة حماقة رغباتهم فكل شعب كان يكره الملك الذي يحكمه، بل ويشتمونه ويفكرون في طريقة للقضاء عليه وهذا ما لم يعتدوه، فشعبهم كان محبًا للملك ومقدرًا له، وعندما عادوا أعرب كل منهم عن ندمه وعن تخليه عن المُلكِ لأخيه فقرر الملك حينها أن يحكم أبنائه الأربعة معًا على أن يبدأهم الأول الحالم بالتاج، فيضع على رأسه التاج ويسيِّر أمور مملكته ويستميل باقي المماليك، والثاني كان محب الغابات فأصبح في فترة انشغال أخيه هو الملك الثاني والمسئول عن المناطق الشجرية، أما الملك الثالث فكان ابنه الذي يحلم بالقوة، فأصبح الملك على جيوش مملكتهم والمسئول عليهم، والملك الرابع هو ملك الليل فكان المسئول عن المملكة ليلًا وعن حمايتها حينها، وهكذا أصبح كل منهم متساويًا مع الآخر، المُلك ثم الطبيعة ثم القوة ثم ظلمة الليل وحينها حصدوا العنصر الخامس ثمرة لتعاونهم وهو حب الشعب والذي كان بمثابة النور الذي أرشدهم في البداية". 

نظرت ليوجين الذي يصفق بيده بحماسة "رائع، كانت لتكون رائعة لو كانت مسرحية" أومأ لنفسه متفقًا مع رأيه "يوجين معجب بالقصة كثيرًا" اتسعت ابتسام هارليك برضى عن سرده "هل هي حقيقة؟" حرك رأسه للجانبين وقال "مجرد حكاية تراثية من بين التراث" نظرت لتمثال الملك من خلفه وقلت "إذًا هذا هو الملك" نهضت من مكاني وتحركت نحو مجسم القبضة "وهذا الابن الراغب بالقوة" تحركت نحو الآخر "وهذا الراغب بالطبيعة، وذلك الراغب بالمُلك، وهذا القرص هو الراغب الليل، دعني أخمن إذًا، القرص هو علامة على البدر". 

نظرت لهارليك وقلت "أخبرني بترتيب حكمهم مجددًا"

"الأول كان الراغب بالمُلك" تحركت نحو التاج ونزعته من مكانه ووضعته مكان القبضة "والثاني كان محب الطبيعة" أخذت ورقة الشجر ووضعتها مكان قرص البدر بجوار القبضة "الثالث كان القوي، والرابع كان محب الليل" وضعت على العمود الثالث القبضة والرابع القرص وكما أن هارليك كان محقًا تمامًا.

في المنتصف تمامًا بين الأعمدة الأربعة انشقت الأرض ولفظت عمودًا خامسًا ليتوسطهم.

نظرت لهما قبل أن أتجه إلى العمود الخامس الذي كان الحامل خاصته فارغًا من أي مجسم "حب الشعب" تمتمت وأنا أنظر له أبحث عن مجسم ليوضع على الحامل شيء يرمز للضوء ربما! 

توقفت لثانية وقد لمعت فكرة ما داخل عقلي، أخرجت الخريطة من جيبي ووضعتها فوق الحامل، تحرك الحامل فجأة وقبض على الخريطة وتحرك بشكل آلي ليدير نصفها الأول بعكس اتجاه نصفها الثاني ثم يقوم بالعكس صوت تكة تلاها انفصال الخريطة عن بعضها لتفجر نورا أخضر اللون أجبرنا على إغماض أعيننا بقوة. 

صوت لشيء ما يتزحزح من مكان جذب انتباهنا لنفتح أعيننا بعد أن اختفى الضوء وننظر إلى تمثال الملك الذي تحركت يده التي تشير للأعمدة سابقًا فأصبحت تشير إلى السقف. 

نظرنا جميعًا للأعلى لنجد أن رقمًا كان يرتسم من تلقاء نفسه على السقف "عشرون" تمتمت به مع ابتسامة كبيرة على وجهي، الرقم الأخير "لقد فعلناها!" صرخ هارليك بسعادة وهو يقفز ويضرب قبضته بالهواء، ركضت حول المكان أبحث عن مخرج واتسعت عيني حين رأيت ما يشبه النفق خلف تمثال الملك. 

"كيف سنخرج من هنا؟"

ما إن فرغ يوجين من سؤاله حتى جاءته الإجابة، لم أكن أنا من أجبته، بل الصوت القوي الدال على تحطم شيء ما تبعه اهتزازات قوية، ولتكتمل الصورة أحد الأعمدة في المكان انهارت فجأة مدوية صوتا قويا ليبدأ المكان بالتحطم فوق رؤوسنا "من هنا، اركضا" صرخت بهما نحو النفق ليركض كلاهما حيث أشير. 

لم يحمنا النفق كما اعتقدت من تهدم المكان في الواقع أصبح النفق يتهدم من خلفنا وأصبحنا نركض حتى لا ندفن تحت أكوام من التراب والصخور، كل ثانية كنت أنظر خلفي فأرى الطريق الذي خطوته أصبح رُكامًا فأدفع جسدي للركض أسرع من ذلك. 

توقف يوجين الذي كان يسبقنا مما دفعني للصراخ قائلة "لا تتوقف!" لكنه صرخ بالمقابل "إنه مسدود، هناك سلم، تسلقا بسرعة!" كان محقًا، كان النفق من أمامنا مسدودًا وهناك سلم متهالك يصل لفجوة في الأعلى دفعت هارليك ليتسلق قبلي ثم تبعته بسرعة وأنا أنظر للمرة الأخيرة إلى الحطام الذي يتسابق لدفن أجسادنا. 

أخذت نفسًا عميقًا ما إن خرجت للأعلى، لكن النفس ذاته انحصر داخل صدري عندما وقعت عيني على المشهد أمامنا، كنا نقف على أعلى نقطة من برج عالٍ بينما الغابة التي تحيط المنزل على بعد كيلومترات من هنا!

لم يكن هذا كافيًا لإفزاعنا، فالبرج ذاته بدأ يهتز بقوة معلنًا عن انهياره. لا مهرب، هذا هو ما تبادر إلى ذهني كما تبادر لذهن هارليك بالتأكيد، حتى يوجين بدا مرعوبًا، سينجو على أي حال، لكن أنا وهارليك ستكون نهايتنا، فالبرج عالٍ ويمكنني رؤية الأشجار من هنا وكأنها قطع لمكعبات اللوجو. 

الاهتزاز القوي أسقط كلينا والسطح الذي نقف عليه انشق وتصدع ليميل فجأة وتنزلق أجسادنا للأسفل، تمسكت بسرعة بأول شيء التقطته يدي وأمسكت يد هارليك الذي كاد ينزلق جسده للأسفل متحطمًا، لعنت مئات المرات وأنا أحاول التنفس بينما يوجين يبحث كالمجنون عن وسيلة لإنقاذنا.

لا أريد أن أموت هنا، لم أصفع أتريوس بعد! لم أصرخ حتى في وجه فيرونيكا ولو لمرة، ولم أخبر عائلتي كم أحبها، حتى أنني لم يتسنَّ لي معرفة من هو يوجين جيدًا! "جلنار، أريدكِ أن تتمسكي سأعود بعد ثوانٍ!" صرخ يوجين وصوت التحطم يغطي على صوته ثم حلق مسرعًا إلى حيث يعلم الرب. 

"هارليك، تمسك جيدًا!" صرخت به وأنا أحكم قبضتي حول ذراعه وأتمسك بالقضيب الحديدي بالأخرى، دعوت الرب بكل ما أحفظ من صلوات، ولدهشتي أنا لم أبكِ؟ 

طمأنت نفسي بأن يوجين ربما وجد حلا ما وسيعود به، كل ما علي هو التمسك وعدم إفلات هارليك، لكن ذلك الأمل تلاشى مع أول صوت لتحطم الأرضية وميلان البرج بشكل مفزع وبعدها انزلقت يدي الممسكة بالقضيب. 

سيكون سريعًا، سأرتطم بالأرضية ثم أموت ولن أشعر بالألم، هذا ما رددته وأنا أغمض عيني وأشعر بجسدي يهوي للأسفل وقد جذبت هارليك بسرعة أحتضن جسده الذي يرتجف.

سأرتطم، سأرتطم، سأرتطم، سينتهي الأمر خلال ثوانٍ، وقد كنت محقة، ارتطم جسدي بالفعل خلال ثوانٍ…

لكن لم يرتطم بالأرضية! 

فتحت عيني بخوف لتأخذ أكبر اتساعها وأنا أبصر عنق كارولوس الذي فرد جناحيه حتى لا ننزلق من على ظهره صرخت كما لم أصرخ من قبل، تمسكت بهارليك بيد وبعنق كارولوس أحتضنه باليد الأخرى "أنت بطلي واللعنة!" صرخت وأنا أقهقه بسعادة لم أشعر بمثيلها، سعادة الإبقاء على حياتي. 

فتح هارليك عينه أخيرًا وهو ينظر حوله بصدمة "لم نمت" تمتم بها قبل أن يعيدها بصوت أعلى ثم يصرخ بأعلى صوت يمتلكه "لم نمت!" صرخ وكاد يقفز ولكني أمسكته حتى لا ننزلق "أخبرتكِ أني سأعود" نظرت ليوجين الذي يبتسم بسعادة محلقًا بجسده بجوارنا "أحبك أيها الأحمق!" صرخت به ليقهقه. 

مع صوت صراخنا وحماسنا صرخ كارولوس أيضًا وهو يستعرض بطريقة طيرانه الخطرة كالعادة ليتمسك بي هارليك ويصيح "نحن على ظهر تنين الشفق!" ضحكت وأومأت "واللعنة تنين الشفق أنقذنا؟" نظرت لكارولوس وقلت "أخبرتك أنه مختلف". 

التفت للخلف حيث ذلك البرج، لم يعد موجودًا فقد تحول إلى غبار ملأت رئتي بالهواء وأنا أحمد الإله على أني ما زلت أتنفس. 

هبط كارولوس بنا لأنزل من فوقه وأحتضن رأسه بقوة وأنا أمسح عليها "سأجلب لك جميع أنواع الأسماك التي تريدها" دفع رأسه نحوي وزمجر بصوت منخفض "شكرًا أيها الشقي" قلت وربت على رأسه قبل أن ألتفت لهما "علينا العودة والتظاهر أننا كنا نأخذ نزهة" أومأ هارليك موافقًا وهو يتحرك نحو المنزل لكنه ربت على رأس كارولوس وشكره قبلها.

ما إن أصبحنا حذو المنزل حتى ظهرت أجساد الخمسة تركض نحونا "ما اللعنة التي حدثت؟" صاح أغدراسيل وهو ينظر نحونا "ماذا تقصد؟" سألت بتعجب "صوت الانفجار منذ ثوانٍ، ألم تسمعوه؟" سأل أوكتيفيان لأنظر لهارليك بتعجب ويرفع كتفيه "لا، لم نسمـ… أوه، تقصد ذلك الصوت؟" أومأ أربعتهم وبدا أتريوس متململًا من الموقف "لا أعلم، كنا نتنزه وسمعنا شيئا أشبه بارتطام، ظننا أنكم تتمرنون كالعادة؟" أومأ هارليك مؤيدًا لي.

نظر أربعتهم للآخر بدهشة "ما الذي تفعلانه هنا؟" تحدث أتريوس فجأة وكدت أجيب بـ ليس من شأنك لكن هارليك سبقني قائلًا "كنا نتنزه قريبًا من هنا" عقد جوزفين حاجبيه وقال "لم نراكما تخرجان؟" دحرج هارليك عينيه وقال "أتعرف كم مخرج في المنزل؟" زم الآخر شفتيه بلا إجابة. 

"ربما هناك شيء مهم قد حدث، تحققوا من الأمر، سأذهب للنوم؛ فأنا متعبة" أومأ هارليك واصطنع تثاؤبا قويا "حسنًا، عودا للمنزل ربما هو شيء خطير، سنذهب للتحقق" قال أغدراسيل لنومئ له ونتحرك نحو المنزل، لكن لم تكن وجهتنا غرف النوم، كنا بعيدين كل البعد عن النعاس.

من سيرغب في النوم وهو يحمل أربعة أرقام ستفتح له بوابة لم تفتح من قرون؟


******************************************

هالووووو

اخباركم؟؟

حد حاسس ان الوضع تحول من ان المشاكل بتجري ورى جلنار لجلنار بتجري ورى المشاكل؟!!!

المهم وصلنا للرقم الرابع والاخير

تتوقعوا البوابة تفتح عادي؟

تتوقعوا لغز جديد يطلع؟

تتوقعوا كل ده يذهب هياء منثور؟

كل هذا واكثر في الحلقة القادمة فتابعونا..

شعور تشويقة الفصل الجي دي بحبها اوي

اتريوس عمال ينفصم كل شويه ماشاء الله عليه كل خمس دقايق بشخصية 

بفكرني بحد والله 

الفصل 11 الف كلمه عشان مشفش حد بيقولي الفصل قصير هشلوح وشه

انجوي بالفصول 

بااااي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

27 تعليقات

  1. اول حاجة تنقراها هي كلام اسراء فالتحت لعل وعسى نلقاها كاتبة فاصل اخر غايتلاح واحد شةي

    ردحذف
    الردود
    1. واخيييرا لقيت شي مغربية فالكومونتيرات😂

      حذف
  2. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  3. طب ما تنزلي كمان فصل ويبقى ١٢ الف كلمة وهحبك واجيب ناس تحبك والله 👈👉🥺

    ردحذف
  4. بجد روعة ❤❤🔥🔥🔥

    ردحذف
  5. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️🔥🔥

    ردحذف
  6. ايششش تقصدي في لغزززز جديد 🙂

    ردحذف
  7. حابة اشوف ردة فعلهم كلهم لما يعرفو حقيقة جلنار و يوجين و هارليك 😂

    ردحذف
  8. الفصل يجننننن ياخي شلون انتظر لباجر 😭😭

    ردحذف
  9. الفصل بيجنن تسلم ايدك يا إسراء

    ردحذف
  10. رهيب جدا حبيت انا شعوري كأني اقرا الرواية اول مرة تحمست كتير 😍😍

    ردحذف
  11. الفصل صار مثل الجرعة اليومية من السعادة!

    ردحذف
  12. ااااااااا صياح الفصل يهبل

    اتريوس صاير احسن من قبل بشوي
    كيوتين وهم ياكلون مع بعض احبهممم هههههه

    كارولوس يجنن بطلنا كلنا فديته بس احبه 😭😭

    احس بصرخ من الحماس وصلنا للرقم الرابع بعد عناء متحمسه اشوف وش بيصير بالبوابه مع ان ما اظن بتفتح على طول، احس بيطلع شي ثاني يخرب علينا ، بس برضو فيني امل انها تفتح يعني يارب يارب لان صبري خلصص رغم ان فعالياتهم كانت حلوه

    الفرسان؟؟ صدمونيي يفتشون بغرفتها بكل بجاحه لهدرجة الفضول ماكلهم يعرفون؟؟😭😭 مقدر ضحكوني، وحزنت على رومياس هو اساسا يادوبك يقرب من جلنار وفوقها انحط بهالموقف ياعزتي له ههههههههه

    احس حبيت جلنار وهي تحاول تتماسك وتكون قويه عشان يوجين وهارليك، وبعدها هم الاثنين صاروا يهدونها ببكي يهبلون افضل ثلاثي بالدنيا 💗💗
    وهارليك ضحكنيي يوم قال «ان سخرت من اتريوس سيجعلك ذلك سعيدة؟» ياخي كتكوت ابي احضنه والعب بشعره نفس جلنار 😭

    اخيرا راحت للحداد وبدت خطوه صنع السلاح! متحمسه تخلص من الرسمه وينصنع اخيرا !

    ردحذف
    الردود
    1. فتح البوابة رح يخليك جلنار تقدر تساعد الفرسان على أغلب على نقاط ضعفهم أحواء حماسية لساتها في بدايتها

      حذف
  13. ♥️♥️♥️♥️♥️

    ردحذف
  14. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️🔥

    ردحذف
  15. الفصل قصير🌚✨✨😂😂

    *زي جلنار أدور مشاكل*

    ردحذف
  16. وين الفصل بقينا نستنى ينزل على نااار 🔥🔥

    ردحذف
  17. ثنائي جلنار وهارليك احلى اشي بالحيااة 😭😭 كل مرة بحاول انقي مفضل من الفرسان اسراء بتخليني اشك بقراري 🥲🥲

    ردحذف
  18. حرام رومياس زعلت عليه😭😭
    كارولوس الحب منقذنا من المصاعب 😩😩😩💋

    واخيرا البوابة رح تنفتح وتبلش الحقائق تطلع متحمسةةةة💥💥💥💥

    ردحذف
  19. لولووولووليييس 🤣💃💃

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال