الفصل السادس والثلاثين | أرواح هائمة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهمَّ أنت الملك لا إله إلَّا أنت، وأنا عبدك لُمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنَّه لا يغفر الذنوب إلَّا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلَّا أنت، واصرف عنّي سيِّئها لا يصرف عنّي سيِّئها إلَّا أنت".

إفصاح آخر "من فنون الكلام معرفة متى تصمت". أسامة المسلم

 مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل الخامس والثلاثين



في هذه اللحظة عندما أقول أكره أتريوس فأنا بالفعل أكرهه، ألقى تعليقه ونظر نحوي بتلك النظرة التي تقول 'تعاملي مع الأمر وحدك' وذهب!

أين كان عقلي عندما ظننت أنه سيتعامل مع الأمر بشكل عقلاني وكشخص بالغ راشد؟ هذا الرجل يفضل متعته الشخصية برؤية الجميع مشوشين على أي شيء في العالم.

"ما الذي يحدث؟"

وجهت كاراميل نظرة متسائلة ناحية جوزفين المسكين، الرجل كان يموت مئة مرة في مكانه غير عالم بما يجب عليه أن يقول. "هل أنت معجب بكاراميل؟" قاومت بشدة الرغبة في صفع رأسي عندما صاح زوندي بابتسامة مستمتعة.

جوزفين في أكثر المواقف إحراجًا، إن تحدث وكأنه لا يعرف شيء عن الأمر سيكون ذلك الرجل الوقح الذي يحاول كتمان مشاعره وإحراج الطبيبة. من كل قلبي أنا أعتذر، جوزفين.

"لمَ أشتم رائحة غريبة هنا؟ وكأن الأمر له علاقة بك" ابتلعت ونظرت ليوجين الذي بادلني نظرات شك فأومأت بندم "قلت لكِ لا تتدخلي، هذا حقًا رائع!" صاح باستمتاع وهو يراقب ملامح جوزفين الغارق في عرقه.

"رفاق، الأمر ليس كذلك، أ..." توقف جوزفين عن محاولة التفسير عندما وقعت عينه على الطبيبة التي تحدق به بدهشة "حسنًا، فاصل قصير! أريد الحديث مع جوزفين بمفردنا" انفجرت بسرعة لينظر الجميع نحوي وجوزفين كان ممتنًا للغاية، لن تكون ممتنًا لفترة طويلة عندما تعلم أني السبب.

كاراميل وجهت نحوي نظرة مستفسرة وكأنها شعرت أن لي علاقة بالأمر، ولكني اعطيتها ابتسامة سريعة وسحبت جوزفين للخارج "إلهي، شكرًا جزيلًا لإخراجي من هذا الموقف، ذلك اللعين أيظن الأمر مقلب جيد؟ لم أفعل شيئًا له ليفعل هذا بي، لم أشعر بإحراج في حياتي بقدر ما شعرت به في تلك اللحظة، من أين جاء بشيء كهذا؟ أنا أعترف بأني معجب بالطبيبة، لكن ليس بتلك الطريقة!".

هل سيلكمني إن قلت الحقيقة؟ لأنني بدأت أشعر بفزع كبير.

"ما الذي يجب علي تفسيره بحق الله؟" صاح ولكم الحائط بقوة مما أفزعني أكثر، يجدر بي إخباره الحقيقة، صحيح؟

"جوزفين، الأمر هو أنني..." سأكون سافلة إن أخبرته بسر كاراميل، كيف يجب أن أتعامل مع هذا الأمر؟ "أنا من أخبرت أتريوس بهذا!" أغمضت عيني بقوة وانتظرت الصفعة التي أستحقها "جلنار! توقفي عن التغطية عليه، أنا أ..." قاطعته بإصرار "لا، جوزفين، أنا أتحدث بجدية، أنا من ورطك في هذا".

حدق نحوي لفترة وبصدمة وكأن هذا آخر ما كان يتوقعه. "يحق لك شتمي إن أردت" نظر حوله بصدمة قبل أن يعيد نظره نحوي "هل هذا مفهومك عن المزاح؟" صاح مما دفعني للإجفال "دعني أشرح" لوحت بيدي بسرعة ليهدأ.

مسح على وجهه وبدا حقًا كشخص في ورطة "حسنًا، ما حدث أن كراميل أخبرتني بشيء وأنا أخبرت أتريوس، لكن بطريقة غير واضحة، ثم هو كاد يعرف فحاولت تغطية ذلك الشيء بشيء آخر وكذبت وقلت أنك أخبرتني أنك معجب بالطبيبة ثم... حدث ما حدث".

لدقيقة كامله ظل جوزفين ينظر نحوي فيها بفاه لا يستطيع إغلاقه! مما دفعني لمناداة اسمه، نظر نحوي قبل أن يأخذ نفسًا يحاول تمالك نفسه قبل أن يصيح بغضب "أيمكنكِ التحدث بلغة أفهمها؟" ماذا علي أن أفعل؟

أخرجت صرخة يأس وجلست وأنا أغطي وجهي بين نظراته المصدومة، أخذت نفسًا قبل أن أنهض على قدمي ونظرت نحوه بجدية "لن تخبر أحد بهذا أبدًا" عقد حاجبيه في تعجب "حسنًا، هذا هو الأمر، كاراميل معجبة بأتريوس" اتسعت عيناه قبل أن يصرخ بأعلى صوت يمتلكه "مــــاذا؟".

وضعت كف يدي فوق فمه أحاول كتم صوته "سيسمعوننا، أخفض صوتك!" همست بحدة ليومئ، أبعدت يدي بحذر عندما تأكدت أنه لن يصرخ مجددًا "أتريوس! لم تجد سوى أتريوس؟ أين عقلها بحق الله؟ لحظة… إن كانت هي معجبة بأتريوس فما شأني أنا في كل هذا؟".

همس بحدة مما دفعني لأخذ نظرة سريعة نحو باب المنزل، لربما شخص ما هناك، كان هناك أحدهم، لكنه ليس بشخص، إنه شبح يدخل رأسه لثانية ليرى ما يحدث في الداخل ثم يخرجه ليتابع حوارنا هنا.

"كاراميل طلبت مساعدتي، وأنا أسوأ مساعدة في العالم..." قاطعني ساخرًا "يمكنني أن أشهد بهذا" دحرجت عيني وأكملت "حاولت معرفة انطباع أتريوس عنها، لكنه لم يكن سهلًا؛ لذلك أقحمتك في الموضوع كله وقلت أنك معجب بكاراميل... إلى آخره، خلاصة الأمر أنني جعلت الأمر أسوأ".

انفجر في الضحك لكنه توقف فجأة "اللعنة، على ماذا أضحك؟ أنا في ورطة أيضًا" تبادل كلانا النظرات نحاول إيجاد حل ما "لا يمكننا ترك الطبيبة تظن أنني معجب بها، جلنار" أومأت أحاول التفكير في حل يخرجنا من هذه الورطة.

هناك حل، الصراحة... لكنني سأتجنبه حاليًا لأن هذا ما يفعله البشر دائمًا!

"جلنار!"

قفز كلانا صارخًا مما دفع الشخص الثالث الذي تدخل بيننا لصراخ بفزع، نظرت لكاراميل التي تنظر نحو كلينا بأعين متسعة واضعة يدها على قلبها "لمَ صرختما؟" تبادلت نظرة سريعة مع جوزفين وقلت "لقد فاجأتنا" اعتذرت على مضض قبل أن توجه عينها لجوزفين الذي أمسك بقميصي بقوة لأجد حلا حالًا!

"هل يمكننا الحديث لثانية؟" وجهت طلبها لجوزفين، اتسعت عيناه بفزع وبدا كشخص يكبح نفسه حتى لا يصرخ بــ'لا' كبيرة، نظر نحوي وعيناه تصرخ 'تصرفي حالًا!'. كيف أتصرف وأنا من جعل الأمر بهذا السوء؟

"وجه هذا الرجل يبدو كفتى تم الإمساك به داخل غرفة حبيبته من قبل والديها، أراهن أنه سيهرب راكضًا بعد دقائق" تنفست بقوة وكدت أصفع نفسي لأنني فقط لثانية فكرت أنه ربما قد يساعدني يوجين ويخبرني بحل، لكنه يبدو كطفل في العاشرة!

"جوزفين، أنا لـ..."

"جوزفين ليس معجبا بك"

نظر الاثنان نحوي، ذلك الشعور بالماء المتجمد هو ينسكب فوق جسدك! هذا ما شعرت به في هذه اللحظة. الطبيبة بدلت نظراتها بيننا في حيرة ويوجين وقع حرفيًا بجواري وهو يمسك معدته وضحكاته ترن داخل عقلي تمنعني من التفكير.

"لكن قبل قليل أتـ... أعني… ماذا يحدث؟" بدت مشوشة للغاية ونظرت لجوزفين عله يفسر، إنه من يحتاج لتفسير هنا، كيف له أن يفسر لك؟ وأنا من يجب تعليقها على شجرة رأسًا على عقب لتدخلي في هذا الأمر.

"استمعي لي، جوزفين ليس معجبا بكِ، أتريوس ظن ذلك..." بين الكلمة والأخرى كنت أصمت لثانية أحاول ترتيب الجمل وكل منهما ينظر نحوي ينتظر باقي حديثي "ظن ذلك؟" أومأت لكاراميل قبل أن أقول "لأنني جعلته يظن هذا" اتسعت عيناها ونظرت لجوزفين الذي أومأ بسرعة قائلًا "سيدة كاراميل، أنتِ امرأة رائعة وذلك السيد الذي سيحظى بصحبتكِ سيكون أكثر الرجال حظًا في العالم، إن الأمر فقط... أني لست هذا الرجل".

نظرت بحذر وسألت وهي تنظر نحوه بترقب "تحدث معي بصراحة، لا شيء أبدًا من ناحيتك؟" حرك رأسه بقوة نافيًا لتبتسم وهي تتنهد براحة "لوهلة ظننت أني سأكون حقيرة جدًا لفرضك، ليس الأمر وكأنك رجل سيء، صدقني الأمر فقط… لست تلك المرأة المحظوظة التي ستكون معك".

ابتسم الاثنان متفقين وأنا تنهدت مرتاحة، انتهى الأمر بشكل سلمي وفي دقائق "هذا ممل! هيا قوموا بشيء ممتع فليزِد أحدكم الأمر سوءً! جلنار، حبًا في الله افتحي فمك وتدخلي واجعلي الأمر أسوأ" اغمضت عيني لثانية قبل أن أرمق يوجين بأكثر النظرات حدةً في العالم؛ مما دفعه لإغلاق فمه والتظاهر بأنه يحدث الأشجار.

"لكن لمَ أخبرتِ أتريوس بشيء كهذا؟" كدت أخرج 'ها' كبيرة بلهاء نحو كاراميل لكني تمالكت نفسي مبتلعة. اللعنة، كان الأمر يسير بشكل جيد للتو!

"هذا لأن…" نظرت لجوزفين بسرعة وبتوتر وهو رفع كتفيه علامة على أنه لا يملك كذبة جيدة في هذا الوقت "لأن…" فقط قولي شيئًا ليس كبيرًا ولن يسبب مشكلة، عليهم التوقف عن النظر نحوي هذا يضع ضغط كبير علي.

"جوزفين معجب بثونار، وكاد أتريوس يكتشف الأمر؛ لذلك أخبرته أنه أنت هي المرأة التي تعجب جوزفين"

لمَ لا يضع أحدهم طوق كهربائي حول رقبتي؟ في كل مرة أفكر في قول شيء غبي يتم صعقي حتى الموت! او ربما يجب وضع قناع على فمي يمنعني من إخراج الهراء.

صمت جال المكان ولثانية كان صوت الرياح مسموعًا لنا جميعًا بشكل مخيف. "عفوًا!" مع أول كلمة خرجت من فم جوزفين انفجر يوجين في الضحك صارخًا "هذه هي فتاتي التي أعرفها، أحسنتِ عملًا!".

أعين كاراميل أخذت أكبر اتساع لها قبل أن تنظر لجوزفين بصدمة الذي بدوره يحدق بي بعدم تصديق، رسمت أكبر ابتسامة يمكنني رسمها نحو كاراميل "هذا هو الأمر، جوزفين معجب بثونار، وكما رأيتِ أتريوس ما كان ليكتم الأمر، وإن عرفت ثونار سيكون هذا استعجالًا كبيرا وجوزفين يحاول التأكد من مشاعره، وأتريوس سمعنا نتحدث وكاد يفهم الأمر ولتشويشه قلت أنه معجب بك".

لم اسكت، لم أتنفس ولم أحاول أن أطرف حتى، شعرت أنني إن قمت بحركة واحدة سأنفجر صارخة ولم أكن لأكمل الكذبة كاملة، لقد عقدت الأمر بشكل أكبر وأضخم، جوزفين استمر في إرسال نظرات مصدومة تحولت لنظرات قاتلة ولن ألومه إن قام بإمساك رأسي وتحطيم الجدار بواسطته.

"أنت معجب بالساحرة؟" همست بصدمة وابتسامة كبيرة ارتسمت على وجهها، نظر نحوها جوزفين يحاول قول شيء ما؛ مما دفعني لقرصه بخفة، لقد تم توريطك يا صاحبي، اقبل الأمر.

ضحك ضحكة خالية من الفكاهة "لـ… لـ… لست… لست متأكدا" رمقته بحدة وحطمت أصابع قدمه بكعب حذائي الثقيل، أجفل وحاول إخفاء الأمر بابتسامة كاذبة "لست متأكدا من مشاعري بعد، لا أعلم".

أومأت بابتسامة بلاستيكية بينما كاراميل تنظر نحوه بدهشة وابتسامتها تتسع "حسنًا، بالتوفيق لك. تعرف؟ لا تنزعج من حديثي ولا تعتبره إحباطًا لك، لكن ثونار امرأة من النوع الذي يجعلك تفكر أي رجل مدهش هذا الذي سيقوم بكبح جنونها، لابد أنه رجل رائع. عليك التعامل بذكاء مع هذا، أنت لها، وإن أردت مساعدة مني فقط أخبرني، أعني…  لديك الآنسة جلنار وهي ذكية جدًا، لكن فقط إن احتجتني".

نظر نحوي بغيظ وقال من بين أسنانه "يمكنني المراهنة على ذلك" ابتلعت وحاولت الحفاظ على ابتسامتي. شيء جديد يمكنني ملاحظته، تلك كانت أطول محادثة تجريها كاراميل؛ فطبعها هادئ جدًا وهذا يشير لشيء واحد، وهو أن قصص الحب تجعلها حماسية، خصلة سيئة لأن صاحبها يتحدث عن الحب دون أن يفكر بالأمر لحماسه، لنتمنَّ ألا تتحدث مع ثونار منذ اليوم.

"بما أن الأمر اتضح… كاراميل، أرجوكِ ألا تخبري أحدهم بهذا لأن هذا قد يزيد الأمر تعقيدًا، تعلمين، هذه الفترة من التدريب حرجة ولا نريد أن نشغل الآخرين بهذه الأشياء" أومأت وربتت على كتف جوزفين "لا تقلق، سرك لن يخرج" لمَ أشك في هذا؟

تنهد جوزفين وشكرها قبل أن يلقي نظرة قاتلة نحوي.

"لكن ماذا عن الرفاق في الداخل؟ يظن الجميع أنني معجب بالطبيبة!" نظرنا لبعضنا قبل أن أنظر لكليهما وكدت أفتح فمي لكنه قرصني وهمس بحدة "لا تحاولي التدخل مجددًا!" زممت شفتي وأومأت بانصياع تام، يكفي مصائب حتى هذه اللحظة.

"فقط لنخبرهم أن الأمر مجرد سوء تفاهم وأن أتريوس كان يحاول الاستمتاع بوقته كما يفعل عادة، الجميع يعلم كم هو حقير" ارتفع حاجب كاراميل بطريقة لم يلحظها إلا أنا، لكنها أخفت ذلك بسرعة وأومأت موافقة.

كاراميل ظلت تنظر نحوي لثوانٍ ووصلت رسالة واضحة، علينا التحدث! نظرت لجوزفين ونكزته حتى يخرج من مرحلة البلاهة، بدل نظره بين كلينا قبل أن يقول بابتسامة كاذبة "حسنًا، سأذهب أنا لحل المشكلة التي حدثت في الداخل ولتوضيح الأمر" مال نحوي بشكل سريع وغير واضح وهمس "لا تقومي بتعقيد الأمور أكثر من هذا".

تحرك وهو يضع أكبر ابتسامة كاذبة وما إن أصبح خلف ظهر كاراميل حرك شفتيه بنظرة قاتلة "أنتِ ميتة" ثم دخل للمنزل؛ مما سمح لي بتمرير تنهيدة سريعة.

"أظن أن الأمر زاد تعقيدًا" رفعت عيني لكاراميل التي قالت ثم قضمت شفتيها وهي تنظر حولها "أعني أن أتريوس يظن أن جوزفين معجب بي، هذا حقًا يصعب الأمر" لوحت بيدي بسرعة وأنا أرى ملامح محبطة على وجهها "لا لا، أتريوس لا يظن ذلك، إنه يعلم أننا نخفي شيئًا ويعلم أنها كذبة، هو فعل ذلك لإغاظة جوزفين".

رفعت عينيها نحوي ببعض الأمل، تبًا، لمَ أقوم بإعطائها الأمل هنا؟ يجب علي إخبارها الحقيقة فحسب. "كاراميل، في الواقـ..." تمتمت وكدت أرفع صوتي لكنها قاطعتني بشيء من الحماس الذي حاولت إخفاءه "هل هناك فرصة؟ أعني… لا أحب أتريوس، لا أعني أني أكرهه، ولا أحبه، أعني أني معجبة به ونوعًا ما يجعلني مشوشة، لكن...".

أخت نفسًا قبل أن تمسح على وجهها والاحمرار أخذ مكانًا على وجنتيها ليجعلها تبدو أكثر لطافة "أعلم أنه ليس رجلا مثاليا بالنسبة للجميع وليس... ربما ليس النوع الرومانسي، لكن… لمَ أشعر برغبة في البقاء بجواره دائمًا والتربيت على ظهره ومحو ملامح الإجهاد التي دائمًا ما تكون على وجهه؟".

شعرت بقلبي يتوقف لثانية، الكثير من المشاعر في الوقت الواحد، يمكنني تمييز الفزع والإشفاق من بينهم، ولكن البقية كان غريبًا وغير مريح!

عين كاراميل التي لمعت وهي تتحدث عن أتريوس، الاهتمام في صوتها وتشتت نظرتها... هذه الفتاة لا تمر فقط بمرحلة إعجاب، لست خبيرة في الحب وأنا أسوأ من يتحدث عن هذه الأمور، لكنها حقًا تنحدر لطريق سيحطمها وبقوة.

نظرت نحوي وكأنها تنتظر أن أطمأنها أو ربما أرفع آمالها، ظللت كسمكة خرجت للهواء الطلق، أفتح فمي وأغلقه كالحمقاء وتعبير يوجين الوحيد كان جملة "يا إلهي! هذا سيء" وهذا زاد فزعي.

"سـ... سوف… هذا... لا أعلم، الأمر..." تخبطت بشكل سيء في حديثي وأنا أنظر بعيدًا عن تلك الأعين العسلية البريئة. اللعنة عليك، أتريوس، لمَ لا تقع في حبها وتريحا رأسي؟ أشعر بالدوار فجأة! إن تظاهرت بالإغماء في هذه اللحظة هل سأتمكن من الهروب؟

"سأحاول معرفة ما يفكر به أتريوس" خرج صوتي مختنقًا وكأن فأرًا قد علقت قطعة جبنٍ ضخمة في حلقه! وسمعت صوت الصفعة عندما ضرب يوجين رأسه بيأس.

ماذا يريد مني أن أفعل؟ كيف يمكنك كسر تلك النظرة بحق الله؟ أكاد أقع أنا هنا في حبها… بدأ شك ينمو داخل صدري بأن أتريوس لا يملك قلبًا أو غرائز رجولية! أشعر بأني غريبة أطوار لأنني أكاد أنجذب لها.

حسنًا، ربما أريد التربيت على ظهرها واحتضانها وتغطيتها جيدًا لأحميها من لا مبالاة أتريوس القاتلة.

اندفع جسدي عندما احتضنتني بخفة وابتسامة حقيقة ممتنة على وجهها "أنت حقًا إنسانة رائعة" أجبرت نفسي على رسم ابتسامة في محاولة للرد على لطفها "أرجوكِ! إن كنت أضغط عليكِ فقط أخبريني، لستِ مجبرة على فعل أي شيء من أجلى، أنتِ مهمة في هذا الفريق ولديك ما هو أهم من موضوعي التافه؛ لذلك... في أي لحظة شعرتِ بأني أزيد الأمور سوءً عليكِ فقط أخبريني، لن أتضايق أبدًا".

سأبكي لبراءة هذه المرأة، هل هناك أحد مثالي لهذا الحد؟ أراهن أن الفتيان بداية من لوش الغبي حتى ديفيد ودانيال قد يوقعوا بشدة لها.

"هذه فرصتك! أخبريها بأنكِ لا تستطيعين!" صرخ يوجين بصرامة وبدلت نظرتي بين وجهه ووجه كاراميل التي تحاول أن تكون صارمة، لكنها ما زالت شبيهة بقطة صغيرة السن في نظري.

أخذت نفسًا عميقًا، فقط ارفضي، لن تحدث مشكلة كبيرة. فتحت فمي وقررت أن أصارحها "لا بأس، سأفعلها من أجلك." سأطلب من يوجين لاحقًا أن يصفع رأسي، حقًا سأطلبها منه.

نظرة الامتنان كانت قوية لدرجة أنني ظننت لوهلة أن وجهها سينير كالبدر، أمسكت يدي وشكرتني مجددًا وأكدت على أن أخبرها إن شعرت بالضغط وذهبت.

ظلت نظرتي جامدة وتكاد الدموع تفر من عيني لما قمت بتعقيده للتو. "اصفعني؛ أرجوك" نطقت وتقدم يوجين بأكبر ابتسامة "من دواعي سروري". لم تكن صفعته على مؤخرة رأسي بهذا الألم؛ لذلك التفت لجدار المنزل وضربت رأسي به مرارًا وتكرارًا.

"هل فقدتِ عقلك أخيرًا؟ أوه، أعتذر، أنتِ لا تملكين واحدًا لتفقديه" أغمضت عيني بقوة وأسندت رأسي على الجدار بنفاد صبر "صدقني سأقوم بربط قدميك في شجرة رأسًا على عقب حتى تتجمع الدماء داخل رأسك وينفجر كبالون بينما أشاهد المنظر وكأنني أشاهد غروب الشمس".

أخرج أرتيانو قهقهة ساخرة قبل أن تعود نبرته الباردة "علميًا؛ لا ينفجر الرأس كبالون أيتها الغبية، ثانيًا؛ لديكِ طيلة النهار للمحاولة، إن تمكنتِ من لمس شعرة واحدة مني سأعلق نفسي من أجلك".

رميت نظرة حاقدة لملامحه الطفولية ولكن الباردة في الوقت ذاته واندفعت نحوه فجأة حتى أقبض على ملابسه، بدا الأمر سهلًا جدًا لكنه اختفى في لمح البصر! حركته كانت أسرع من أي شيء في حياتي، قفزة واحدة فوق كتفي، لم أشعر حتى بثقله قبل أن يقف أرضًا خلفي.

"طفل يمكنه المحاولة أفضل من هذه!" ضغطت على أسناني حتى ظننتها ستتحطم لكني تنهدت بيأس وجلست على الأرضية وأسندت ظهري لجدار المنزل، لن أحاول! لقد رأيت هذا الفتى يقاتل من قبل، ظل لمدة ساعة كاملة يتفادى أي هجمة بطريقة أو بأخرى لدرجة شككتني بمقدرة أي شخص على إمساكه، وعندما يتعب خصمه ببساطة يهزمه… ذكي!

"زدتِ الأمر سوء!" رفعت عيني نحوه بتعجب، كيف عرف؟ "هل تتنصت؟" سألت بابتسامة خبيثة، لكنه ظل بملامحه الباردة ورفع حاجبًا كأني غبية "الأمر واضح ولا يحتاج لتجسس! تلك الطبيبة وقعت في حب ذلك الهمجي وأنتِ الحمقاء قررتِ مد يد المساعدة وكأنكِ لستِ في حاجة لها، زدتِ الأمر سوء وسمحتِ لذلك الهمجي بالتلاعب بكِ وتوريطكِ أمام الجميع، ثم زدتِ الأمر سوء منذ دقائق وهذا واضح على ملامح كل من ذلك الغبي وعلى ملامحكِ أيتها الحمقاء".

أتمنى نسبة لا تكاد تذكر من ذكائه؛ لكنت أدخلت السلام على العالم.

"هذا الفتى كان سيفيدني في اختبارات الجامعة التي لا أتذكر إن كنتِ اجتزتها أم لا، كما أنه يحمل طباع واندر، لقد وضع لقبا لكل واحد منكم، هذا ممتع"

يراودني الفضول حول أي لقب سيتم منحه ليوجين إن كان مرئيا؟

"حسنًا، سيد أنا أذكى من الجميع، هل انتهيت من التفاخر؟ اتركني وحدي" رفع كتفيه واضعًا يديه في جيب سرواله "هذه حقيقة، أنا بالفعل أذكى منكم" تمتم مما دفعني لدحرجة عيني "لست هنا للتفاخر، أنا هنا للحديث عن شيء آخر".

حديث؟ بيني وبين القزم النرجسي؟ حسنًا، هذا جديد نوعًا ما ويشعرني بالغرابة، بدا الاستنكار واضحًا على وجهي، ولكن الفضول أيضًا، وهذا ما دفعه لأخذ مكان فوق صخرة ليجلس.

"تعلمين منذ البداية أنكِ..." صمت وهو يحاول إيجاد التعبير المناسب وعندما وجده نظر لعيني قائلًا "لستِ المحببة عندي من بين الجميع" دحرجت عيني بابتسامة خفيفة، وكأن الأمر ليس واضحًا كفاية!

"لكن سأكون الشخص العقلاني بعيدًا عن المشاعر السلبية المتبادلة شخصيًا، سأتحدث كفريق!" ارتفع حاجباي بدهشة، لكن بدا بالفعل أن هناك شيء مهم يدفعه هو خاصة للحديث معي. نظرتي أعطته الإذن للحديث كما يريد، وكأنه يحتاج لإذن، لكن لنقل إنها موافقة لبدء النقاش.

"لا يمكن لأحد إنكار أنكِ تثبتين نفسكِ داخل هذا الفريق وبقوة" كتفت ذراعي وحاولت كبح ملامح الصدمة حتى لا أضع كلا منا في موقف غريب "وما فعلته صباح اليوم لا يمكن لأي شخص أن يفعله، أنتِ تعرفين جيدًا ما الذي كان يظنه الجميع عنكِ، حتى اللطفاء منهم كانوا يملكون فكرة واضحة… هذه البشرية لن تنجح في قتل حشرة".

هو محق! مهما حاولوا إخفاء الأمر مراعاة لي فقد كان واضحًا، ربما أغدراسيل هو الوحيد الذي حاول دعمي، بالرغم من ظنه المشابه للجميع لفقد أعطاني دفعة كافية، وهذا لن يجعلني أشعر بالحزن في الواقع إن أردنا أن نكون صرحاء.

"وعندما بدأ تدريبك مع ذلك الهمجي ظننا إنه مع أول كسر في إصبعكِ ستتذمرين وستطلبين معاملة كأميرة، بالرغم من أن الأميرة أفضل من مئات الفرسان في الواقع! لكنك لم تفعلي وظللتِ تقتلين ظنون الجميع مرة تلو الأخرى، وآخر دليل هو قتالكِ اليوم، بالرغم من أنها حماقة أن تقاتلِ شخصا الفرق بين قوة كليكما يصل لمليارات السنين الضوئية إلا... إلا أنكِ أثبتِ أنك مستعدة للمخاطرة"

لا أنكر شعوري بالإطراء، لكن... إلى أين سنصل بالضبط بعد هذا؟

قرأ تعابيري التي كانت واضحة ليزفر بضيق قبل أن يقول "أنتِ تقحمين نفسكِ داخل حربين" رفعت حاجبًا بتعجب ليوضح "الحرب مع الإريبوس شيء والحرب مع النبلاء شيء آخر، أنتِ تضعين نفسك هدفًا سهلًا، لا يمكن لأحد في هذه الفترة أن ينكر القوة الغريبة التي تزداد داخلكِ، لكن خبرتكِ في القتال ما زالت كخبرة فتى لم يتعدَ سن الرشد وعزائكِ الوحيد أن قدرتكِ في التعلم سريعة جدًا...".

رفع عينيه نحوي بجدية مكملًا "لن تصمدي أمام النبلاء ولن يقف أحدهم ليحمي ظهرك؛ فحتى سكان الحدود يفضلون البقاء كأذلاء على التدخل والمحاربة، والعامة من الواضح أنهم لن يفعلوا شيئا؛ فهذه مراهنة قد تبدو خاسرة لهم، لن أمنعكِ من الوقوف في وجههم فهذا خيارك، لكن كفريق واحد يمكنني تقديم نصيحة".

ملت للأمام باهتمام لأن هذه إحدى المرات النادرة التي يتحدث فيها أرتيانو دون سخرية وبجدية تامة.

"لا تلعبي بقوة، العبي بمكر! هكذا تفوزين وبجدارة، اعطي نفسكِ وقتًا؛ فتجنب القتال لا يعني عدم القدرة عليه! في النهاية الأذكى يفوز"

العبي بمكر؟

"في صف من أنت؟ تلك ليست نصيحة لمجرد فريق واحد، قد أبدو حمقاء أحيانًا، لكني لست بهذا الغباء" زوايا شفتيه ارتفعت في ابتسامة صغيرة قبل أن يقول "أصبت!".

كتفت ذراعي أنتظر تفسيرًا لكنه نهض ونفض ملابسه "لدي إيمان غريب بأن كل المشاكل متصلة ببعضها، وتجاهلنا لواحدة يخفض نسبة فوزنا، وأنا أريد العودة للمنزل مبكرًا".

هذا التفسير يحتاج لتفسير، لكنه لم يخطط لتفسير آخر، فقط أخذ خطواته للداخل معلنًا انتهاء النقاش. توقف ثانية دون النظر نحوي قائلًا "معلومة أخيرة، قادة العائلات النبيلة يتظاهرون بالغباء، لكنهم يعلمون أن البشر حقيقة موجودة. ربما عليكِ التوقف عن تجاهل المكتبة وقراءة المزيد عن هذا".

تبادلت نظرات مع يوجين بصدمة ونظر كلانا حيث اختفى أرتيانو داخل المنزل. شيء ما قفز لعقلي كومضة سريعة من ذكرى حديث دار أمامي سابقًا، لكني لم أهتم كثيرًا ذلك الوقت لأن همي الوحيد حينها كان العودة لوطني.

ذلك الحديث بين مونغستا والسيدة روليتا كليسثينيس عندما جئت لهذا العالم للمرة الأولى وعندما ذهبنا هناك… مونغستا قالها صراحةً، قادة العائلات النبيلة الخمسة يعلمون بوجود البشر!

هذا يعقد الأمور، وكأني في حاجة للمزيد من الأفكار ليقوم بحشوها داخل رأسي.

"أتعلمين؟ هذا الفتى يمكنه هزم مؤسسة الماسونية بذكائه" نظرت ليوجين بطرف عيني وقلت ساخرة "هل أنت أحد المؤمنين بنظرية المؤامرة؟ يا رجل، أشفق عليك" قهقه وكأني ألقيت نكتة "أنتِ من يجب أن أشفق عليها، الأمر حقيقي مائة في المائة، ولكنهم يمتلكون أساليب في جعل الحقيقة أمام عينك وبالرغم من ذلك لن تراها".

دحرجت عيني واستدرت نحوه "فقط ما زلت أتعجب من كيف تتذكر هذه الأشياء بينما لا تتذكر حياتك" طرق لسانه بسقف حلقه مصدرًا صوت فرقعة وأشار نحوي "أنا لا أتذكر حياتي فقط، لكني أتذكر ومضات منها، أتذكر أني غني، لكن في ذات الوقت أشعر بأني لم أتذوق سوى الطعام السريع والرخيص، هناك دائمًا صوت لشخص ما رفيع وحاد ومزعج يضرب في رأسي، أنزعج منه وأشعر بالحنين له، وأتذكر أصواتًا غريبة أقرب لضربات الرصاص وهتافات، ولكني أعرف ذلك الشعور داخل المكاتب المكيفة، رأيتِ؟ الأمر معقد أكثر من أن يتم وصفه".

"أتعلم؟ أحيانًا اظن أن مشكلتك نفسيًا أكبر بكثير من مشكلتي ولا أعرف كيف تتحمل الأمر" لوح بيده ووضع ملامح حزينة درامية "أنا رجل غامض، رجل يفضل الفكاهة على قتل من حولي حزنًا علي، رجل مليء بالأحزان ويغلفه الغموض من الداخل و لا يمـ...".

تحركت مبتعدة عنه متجاهلة نحيبه الدرامي البحت، أنا المخطئة لأني قررت الشفقة عليه لثانية.

"إلى أين تذهبين؟ هل أنتِ خائفة من الوقوع في حب هذا الرجل الغامض؟" أي رجل بحق الله؟ أنت بالكاد تمتلك جسدًا غير مرئي. لا يمكنني مقاومة دحرجة عيني في كل مرة أجري حوارا معه. 

ما إن دلفت للمنزل كانت غرفة الجلوس فارغة، الجميع اجتمع حول المائدة والطبيبة الملكية تشاركهم الغداء، في الواقع تبدو مرتبكة لوجود أتريوس على المائدة والذي في المقابل كل ما يهمه هو طبقه، حتى أنه لم يرفع عينه عندما دفعت واندر طبقًا للطبيبة تمازحها وتخبرها أن تأكل حتى لا تختفي من بينهم.

عديم الإحساس!

"جلنار، أخيرًا قررت الانضمام، تقدمي وخذي كرسي على المائدة" كدت أعتذر من واندر وأتغاضى عن الغداء، لكن واندر وجهت نظرة قاتلة نحوي وكأنها تخبرني بصريح العبارة 'إما الجلوس أو الموت'.

"أنتِ تتخطين وجباتكِ لفترات الطويلة، فقط اجلسي، جلنار" أكره تلك النبرة، الأمر مرعب عندما تتحدث بهذه النبرة وهي تضع ابتسامة لطيفة وكأنها قاتل يضع قناعا جميل.

أتريوس ترك طبقه ورفع عينه نحوي بنظرة ساخرة ومستمتعة "لن أمنعكِ، لديكِ أذني بتناول الطعام" ألقيت نظرة وقحة نحوه وبصقت "أوه، أرجوك ألا تنسى أن تعطيني إذنًا للتنفس، أكاد أموت هنا" فتح فمه في رد أكثر وقاحة، لكن واندر صفعت كتفه بقوة ورمقتني بحدة لأندفع بتلقائية نحو الطاولة وآخذ الكرسي الفارغ ولم تنسَ واندر صفع كتفي ما إن مررت بجوارها.

"ألن تتوقفا؟ كلاكما إزعاج كبير كأطفال لم يتعدوا الخامسة" زممت شفتي كما فعل أتريوس، كلانا يمكنه الرد ولكنها واندر!

كالعادة لا يمكن للصمت أن يستمر على هذه المائدة، على الفور بدأ الحديث والشجارات، حتى أني للحظة لمحت أحدهم يرمي قطعة لحم ناحية لافيان، الصامتون كالعادة كانوا أوكتيفيان وأرتيانو، أتريوس شيء معتاد بالطبع.

كاراميل كانت تبتسم وترد إن وجه أحدهم حديثًا نحوها، ولكن يمكنني من هنا رؤية ارتباكها وهي تحاول ألا تنظر لأتريوس الذي يجلس مقابلًا لها ببرود، اهتمامه هو 'كيف أنهي هذا الطبق؟'.

دحرجت عيني لبلادته التي لا يمكن منافستها، كاراميل وجهت نظرة سريعة نحوي لأبتسم في المقابل وأحاول دفع شعور الذنب بعيدًا، النظرة التي تنظر بها لأتريوس تجعل قلبي يتحطم، إن رفضها بطريقته سيكون سيئًا وفي الوقت ذاته لا يمكنني إخبارها برفضه، هذا قاسٍ جدًا.

بلا إدراك وكحركة أصبحت تلقائية ألقيت رأسي فوق الطاولة متنهدة بيأس، لم أنتبه أنني أصدرت صوتًا عاليًا جذب انتباه الجميع. "هل أنتِ بخير؟" نظرت لتينر جام الذي يجلس بجواري يبادلني نظرة قلقة "نوعًا ما!" تمتمت ليبتسم وأمسكت به يشير للآخرين أن لا يصدروا رد فعل مبالغ فيه حتى لا يزعجوني، لطيف... لطيف جدًا.

لمَ لم تقع لشخص كتنر جام مثلًا؟ إنه لطيف ومراعٍ ووسيم وشعره أفضل من شعري شخصيًا، خاصة عندما يجمعه، يمكنه ببساطة وبابتسامة تخفيف إرهاق يوم كامل عنك، لمَ أتريوس بالذات؟ هل تمتلك ميولًا للشخصيات الشريرة؟

"تعلمين إن أردتِ الحديث أين تجدينني" همس تينر جام وهو يضع رأسه فوق الطاولة ليواجه وجهي في المقابل، صوت أحاديثهم تعالت مجددًا وتجاهلوا أمري وكأنه أصبح معتادًا؛ مما جعلني أشعر بالراحة، هذا يساعدني على التصرف على سجيتي مهام كان.

"أجل، أعلم" همست في المقابل ليبتسم ويربت على رأسي "أتريدين المزيد من الطعام؟ لقد أنهيتِ طبقكِ بسرعة وقد مررتِ بالكثير اليوم" أنا جائعة في الواقع، لكن لا أملك رغبة في تناول الطعام، أمتلك رغبات معقدة أكثر من أتريوس وأوكتيفيان مجتمعين معًا.

"أنا أكسل من أن أرفع يدي وأتناول طعامي في هذه الحالة" ضحك مما نشر العدوى لي ودفعني للقهقهة بخفة.

اندفع جسدي بعيدًا عن الطاولة عندما أحكم أحدهم قبضته على ذراعي يدفعني للنهوض، هل أنا مضطرة لإخباركم بمن هو؟ لأن الأمر واضح بشكل دفعني لدحرجة عيني دون النظر لوجهه.

"نحتاج لنتحدث"

شكرًا لأجل نجاحك في جذب انتباه الجميع مجددًا، أنا ممتنة من أعماق قلبي. "شكرًا، لا أريد الحديث" لكن هل رأيي  شيء مهم؟ بالطبع لا؛ لأنه استمر بسحبي للخارج وكأني لم أمانع للتو.

بطرف عيني لمحت أغدراسيل يحكم قبضته بقوة على شوكته دون النظر نحونا وثونار تمسك بكتفه بنظرة جدية، لا أمانع ابدًا إن قام أغدراسيل بطعن أتريوس بشوكة في عينه. أنا مرهقة، متعبة حد الهلاك، رأسي يكاد ينفجر بسببه وبسبب بلادته، كما أنه زاد الأمر سوءً عندما قرر أن الحديث عن جوزفين والطبيبة هو أمر مضحك…

لذلك لا أمانع أبدًا إن وضع شوكتين -لا شوكة- داخل كلتَي عينيه، سأشاهد المنظر وأنا أتجرع كأسًا من حليب الشوكولاتة.

"ما خطبك؟" كتف ذراعيه ما إن أصبحنا خارج المنزل ونظر نحوي بجدية، تظاهرت بالغباء ساخرة "لا أعلم! ربما لأني خضت قتالًا مع شخص لم يتكفل عناء منع نفسه من قتلي، وبعدها خضت نهارًا عصيبًا في السوق حتى تحطمت قدامي وسط نظرات الجميع، ثم جاء شخص ما وهو ذاته الشخص الذي كاد يقتلني صباحًا ويلقي مزحة سخيفة عن شيء محرج... لا أظن أن اليوم كان متعبًا بالفعل، أنا فقط أبالغ".

لم ألحظ علو صوتي مع كل كلمة حتى لمحت حركة بعض المخلوقات التي حلقت بعيدًا عن الأغصان.

تنهد بتعب وقررت تجاهله والذهاب للنوم، لكنه أوقفني بجملته "ما الأمر مع الطبيبة؟" تجمد جسدي لوهلة والتفت بسرعة مثيرة للشك نحوه "ما علاقة الطبيبة؟" رفع حاجبًا وأخذ خطوة نحوي "أتظنين أني غبي لأصدق كذبة جوزفين والطبيبة؟" لا، أنت غبي لأنك لم تكتشف نظرات الطبيبة نحوك طيلة هذه المدة.

لوحت بيدي بلا مبالاة "صدق ما تريد تصديقه، لا أهتم" تنهد بجدية قبل أن يمسك رسغي يمنعني من الابتعاد "توقفي عن التفكير في مئات الأشياء بينما لديكِ ما يكفيكِ للتفكير فيه حاليًا" أجل، وكأني أتحكم في هذا حقًا.

"فقط بكل صراحة، هل فكرت يومًا في أحدهم بطريقة عاطفية؟" لمَ أصر على موضوع كاراميل بحق الله؟

سؤالي كان مفاجئًا ويمكنني ملاحظة تجمد جسده لوهلة والملامح غير المقروءة على وجهه جعلتني أكثر فضول.

 "لا" كان هذا نفيًا قويًا، ثابت وبلا تردد. "أبدًا؟" اقترب وعينه ثابتة على عيني وتلك طريقته لمعرفة ماذا أخفي، وكأنه قادر على قراءة الأفكار.

"أبدًا" أجاب مجددًا لأنظر نحوه برجاء وكأنني أحاول إيجاد أمل للمسكينة "ولا تخطط لفعل هذا مستقبلًا؟" رفع حاجبًا وأجاب ببرود "اكتشفت أني لا أملك وقتًا لهذا" لا أمل، لا فائدة، على إخبار كاراميل فحسب.

أومأت باستسلام وسحبت يدي بعيدًا عن قبضته، بدا منزعجًا لأنه لم يتمكن من اكتشاف ما أفكر فيه حتى.

"هل كل شيء بخير؟" التفتنا لكاراميل التي كانت تحدق بأتريوس، أنا من التفت في الواقع، أعين أتريوس ظلت ثابتة علي وكأنه يحاول بشدة معرفة ما يدور داخل رأسي.

تقدمت كاراميل وهمست نحوي وهي ترمي نظرات سريعة لأتريوس "من الأفضل أن أخبره" اتسعت عيني والتفت ناحية أتريوس قبل أن أنظر نحوها… منطقيًا؛ لا يجب أن أتدخل! فقط فليفعل كلاهما ما يراه صحيح، لكن لا يمكنني تركه يكسر قلبها!

حركت رأسي بسرعة بـ 'لا' لتطرف بتعجب. "ماذا يدور بينكما بالضبط؟" بدا الانزعاج في صوته واضحًا وأمسكت ذراع كاراميل هامسة "إنه في مزاج سيء، فقط لنعُد" نظرت نحوه بتردد ولكني دفعتها بخفة نحو المنزل.

"لا تفكر في الأمر كثيرًا، تناسَ هذه المحادثة" همست نحوه وتحركت نحو المنزل مع كاراميل.

ما إن دخلنا نظرت نحوها بجدية "ألا تظنين أنه من المبكر جدًا الاعتراف؟" مسحت مؤخرة عنقها بضيق وقالت "لا أعرف، لكن كلما طال الأمر يضيق صدري، التفكير برده طيلة اليوم يجعلني خائفة ويدفعني للتراجع، أريده أن يعرف قبل أن يكون الأمر كبيرًا لدرجة قد تكسرني، أن أُرفض الآن والأمر ما زال غير جدي خير من أن أجعل الأمر أكثر تعقيدًا".

فقط أخبريها، جلنار… واللعنة أخبريها! "لا أريد أن أكون إيجابية ،ولكن… مجرد تخيل أنه لن يرفضني يجعلني سعيدة لأيام" تبًا، لن أستطيع إخبارها.

"أنا ذاهبة للنوم، لنتحدث عن هذا غدًا" لا يمكنني خوض هذا النقاش حقًا "لن أكون هنا غدًا؟" قالت باستفهام "لا بأس، أخبريهم بأني أحتاجكِ لإصابات أو ما شابه" أومأت بابتسامة ولوحت لها وأنا أجر خطواتي للغرفة.

"يا لكِ من شخص يجيد التعامل مع الأمور" نظرت ليوجين الذي يتبعني للأعلى "منذ متى وأنت معي؟" رفع كتفيه وقال "منذ البداية! منذ أن سحبكِ ذلك الهمجي حتى الآن" أحيانًا يصبح يوجين هادئا لدرجة تخيفني، لم ألحظه حتى!

"لا تذكر الأمر، فقط أريد النوم" هتفت متذمرة وألقيت جسدي بقوة فوق السرير وابتسمت للراحة التي غمرت جسدي.

....

 

"جلنار، استيقظي!" صرخة قوية تلتها دفعات متتالية لكتفي، تأففت قبل أن أضع الوسادة فوق رأسي طالبة المزيد من النوم "الشمس منتصف السماء تقريبًا، هيا، انهضي!" صاح مجددًا وأنا أغلقت عيني بقوة أحاول العودة للنوم.

زفرت عندما لم أتمكن من إغماض عيني وفقدان الوعي مجددًا، لقد حزم النوم أمتعته ورحل.

ألقيت الوسادة التي فوق رأسي على هارليك الذي تلقاها وضحك، حسنًا، أعترف للعالم بأن حماس هذا الفتى يصبح مزعجًا أحيانًا. "انهضي، هيا! ثونار أنهت الجرعة الجديدة، علي تجربتها، لدي شعور بأني سأنجح" صاح بصوت عالٍ يحاول جذب انتباهي، ولكن بقي نظري ثابتًا على السقف بيأس.

"أيتها الكسولة، انهضي!" صرخة أنثوية تلاها وزن أُلقي فوق معدتي لتخرج أنفاسي وكادت معدتي تخرج معها، ثونار حدقت بوجهي بابتسامة سعيدة وشعرها الأصهب ملأ محيط نظري.

"تحركي، علينا تجربة الجرعة" لمَ الجميع في مزاج جيد هذا الصباح؟ كل ما أطلبه المزيد من النوم، أغمضت عيني بكسل ولم أتكلف عناء الرد؛ لأنه بدا مجهودًا كبيرًا جدًا في هذه اللحظة.

ابتسمت براحة عندما ابتعدت ثونار عني وحمدت الله لأنهم استسلموا.

ظني هذا كان غباء مني؛ لأن الثانية التالية كان جسدي محمولًا رأسًا على عقب فوق كتف أتريوس الذي تحرك نحو المرحاض.

أنزل جسدي وحملقت في وجهه بأعين بالكاد أحافظ عليها مفتوحة، واتزاني سيء لأن رأسي كان يدور. "خذي حمامكِ وأسرعي، لن أحتمل المزيد من الثرثرة ورؤية رأس أزرق يتحرك في كل مكان" أومأت على مضض قبل أن ألقي رأسي على صدره ورغبة النوم بدأت تزداد فجأة.

"سألقي بكِ داخل حوض مليء بمياه باردة" هذا كل ما احتجته لأعتدل بسرعة وعيني أخذت اتساعها. "أنا مستيقظة!" صحت ليومئ باستحسان ويخرج مغلقًا الباب خلفه.

بدأت في نزع ملابسي بكسل لكن أوقفني صوته الساخر "هذا منظر يستحق المشاهدة" اتسعت عيني ونظرت ليوجين قبل أن ألقي أول ما وقعت يدي عليه نحوه "للخارج!" همست بحدة ليرفع يده باستسلام ويعبر الجدار للخارج، لمَ يملك الجميع مزاجا جيدا هذا الصباح؟ هذا بالطبع إن تغاضينا عن أتريوس.

خرجت من المرحاض والماء البارد كان مساعدًا في دفع رغبة النوم بعيدًا، الجميع كان ينتظر في الأسفل، حتى يوجين، هارليك كان يبدل وزنه من قدم لأخرى بحماس يحاول إخفائه.

تحركنا للخارج وصاح هارليك بسرعة "أمتلك إحساسًا كبيرًا بأننا سننجح هذه المرة" ربت على رأسه ودحرج أتريوس عينيه متذمرًا "أنت تقول هذا للمرة الألف" رمقته بحدة، أعترف بأنه قد يكون مزعجا أحيانًا، لكن لا يزال الصبي اللطيف المفضل لدي.

صفرت بقوة واستغرق دقائق قبل أن يهبط كارولوس مثيرًا حركةً قوية للرياح ويندفع نحوي بقوة "لا تكن مدللًا، لقد كنا معًا بالأمس" مازحته وأنا أمسح على رأسه وهارليك انطلق يحتضن عنقه.

"قبل أن نتحرك" هتفت لينظر الجميع نحوي باهتمام، عدا أتريوس الذي بدا مجبورًا في المجيء "أعلم أننا نعلق آمالا كبيرة على هذه المحاولة، لكن... إن فشلنا فلا يجب أن نشعر بالإحباط، سنعاود المحاولة مجددًا مرة تلو الأخرى حتى ننجح" أومأ هارليك بقوة وابتسامة ضخمة تزين ثغره، دحرجت ثونار عينيها، لكنها لم تستطع إخفاء الابتسامة الصغيرة على ثغرها أيضًا.

"لنصلِ لأن ننجح" ختمت كنهاية وقفزت فوق ظهر كارولوس وساعدت هارليك ليصعد، اختفى أتريوس وثونار وتبعناهما للمكان المعتاد.

ربت على رأس كارولوس وحذرته مجددًا ككل مرة ألا يتدخل إن حدث شيء ما، لكنه تجاهلني وحلق على مسافة بعيدة، هذا التنين يقضي الكثير من الوقت مع يوجين.

أخرجت ثونار الكرة من العلبة الخشبية وناولتها لي، أشعلتها وأخذها هارليك. "بالهناء" هتفت ثونار ساخرة وهي تراقب ملامح هارليك المتقززة.

أخذت خطوات للخلف دون الحاجة لنصيحة ثونار، أتريوس وقف مكتفًا يده وهو يراقب هارليك الذي بدأت يتضخم، وبالرغم من أنها المرة الثالثة إلا أن في كل مرة أشعر بالتوتر ذاته.

جلس فوق الأرضية وثبت جسده، نظرت لثونار متسائلة لتجيب دون النظر نحوي "أنا لا أقيده" نظرت نحوه، لا يتحرك، لكنه حي على الأقل، أرجوك ألا تمُت!

تحرك لثانية وألقى يده بجواره وعينه جالت علينا جميعًا. "متى سيحاول قتلك؟" تساءل أتريوس بملل وأردت قتله ليصمت.

"هارليك!" صحت لتنظر ثونار نحوي بفزع، آخر مرة حاولت الحديث معه كاد يحولنا للحم مطحون، عينه تحركت نحوي قبل أن يحاول التحرك بقوة ويضرب الجدار بيده، مددت يدي بسرعة أمنع ثونار من تقييده ما إن رفعت يدها لتلاوة التعويذة. "لا تتحرك، استمع لي، هارليك! يمكنك التحكم بنفسك!" صرخت بصوت عالٍ وأجابني صوت أتريوس الساخر "تبدين كشخص يحاول الموت باكرًا".

نظر نحوي وتوقف عن ضرب الجدار "لا تفكر في التحطيم، فقط ركز على تحريك أصابعك" هدأت حركته ونظر ليده يحاول تحريكها.

"إنه يفهمك!" همست ثونار بصدمة وقبضت يدي بتوتر، أصابعه كانت تتحرك ببطء يقبضها ثم يبسطها "أحسنت، هذا هو هارليك! يمكنك التحكم في نفسك، هيا يا فتى!" صرخت ثونار بحماس، حركة أصابعه أصبحت سلسة وحركته كانت عادية، ليست عنيفة، واتسعت أعيننا عندما سمعنا صوته بطيءٌ وضخم "هارليك… حركة".

تبادلنا نظرات مصدومة ولكن عاد مجددًا "هارليك... أنا" ضحكت بعدم تصديق وصرخت ثونار وهي تقفز "أجل، بالضبط! أنت هارليك… أنت هو أعجوبة الفريق!".

"هذا مفاجئ، لكن رؤيته يحاول قتلك كانت لتكون أكثر متعة" حتى تعليق أتريوس اللئيم وهو يتقدم ليقف بجواري لم يقلل من سعادتي ولو لثانية، وضع يده على الأرض أمامي وقبل أن أفعل شيئًا اندفعت ثونار واقفة على يده وسحبتني معها.

"سعيد… هارليك" بتقطع وبطء قال مجددًا وسط ضحكاتنا. "فخورة بك، هارليك!" صرخت لتتسع ابتسامته "يا فتى تبدو قبيحًا، ولكن ما زلت فخورة بك أيضًا" صاحت ثونار قبل أن تمسك يدي وتسحبني راكضة فوق ذراعه لنقف على كتفه "هراليك... دغدغة" تحرك بقوة لأحاول التوازن وعدم الوقوع على وجهي "اهدأ قليلًا، صوتك ضخم أيضًا".

دلكت أذني التي صفرت لصوته العالي بالفعل ليعتذر ببطء. "أتريوس... سيد... فخور؟" كتف أتريوس ذراعه وبصوت عالٍ قال "ليس بالفعل، أنا أشعر بالملل، كما أنك عارٍ جدًا يا صديقي" اتسعت عيني وصحت بسرعة "إنه فخور بك، أتريوس فخور بك أيضًا! هذا ما يقوله".

ألقيت عليه نظرة قاتلة وأنا أهمس لثونار "هل يمكنكِ جلب شيء ما ثقيل حتى أرميه على رأسه؟" قهقهت وقالت "بالطبع يمكنني، لكن لا أريد أن أخسر حياتي قبل أن أعود وأهز مؤخرتي في وجه تلك الملكة صارخة بأنني تمكنت من جعل عملاق يصبح عاقلًا" ثونار هي ثونار.

"مشكلة..." نظرنا ناحية هارليك الذي كرر "مشكلة... هارليك صغير مجددًا... مشكلة" نظرت لثونار التي اتسعت عيناها "لقد اكتشفنا طريقة لتضخيمه، لكننا لم نفكر بطريقة لتصغيره مجددًا".

نظر هارليك لنا بفزع "لا تقلق، أعرف كيف أعيدك مجددًا، فقط اتبع تعليماتي!" صحت بسرعة لتنظر نحوي ثونار وتهمس "أنتِ لا تعرفين الطريقة، صحيح؟" قضمت شفتي وهمست "أنا فقط أملك فكرة، لكني لست متأكدة".

أعادني هارليك على الأرض وثونار قفزت ببساطة "والآن كيف سندخل هذا للمنزل؟" أشار أتريوس لجسد هارليك الذي أغمض عينيه بقوة يحاول العودة مجددًا "فقط أعرني سكوتك لدقائق" همست بحدة لأتريوس قبل أن أوجه انتباهي لهارليك.

"استمع لي، أتذكر ذلك الشعور الذي يراودك عندما تتضخم؟ حاول إعادته داخل عقلك ولكن بشكل عكسي!" الأمر ينجح معي عندما أحاول التحكم بأحد العناصر، فقد استحضار الشعور ذاته.

حجمه بدأ يتقلص مما دفعني للتنهد براحة؛ لأن هذه لن تكون مشكلة.

ما إن عاد لشكل هارليك الذي نعرفه لم يفقد الوعي! فقد انحنى على ركبته يتنفس بقوة و... وبلا ملابس، إنه طفل، لكن الأمر محرج نوعًا ما.

نهض وهو ينظر نحونا بصدمة قبل أن يصرخ "فعلتها!".

"لو كنت مكانك لما…" تمتمت وأنا أبعد عيني وثونار انفجرت في الضحك. "ألا تشعر أن الهواء يضربك بحرية غريبة؟" هتف أتريوس ليتوقف هارليك قبل أن أسمع صرخة منه "ثونار!" صرخ باسمها بينما أدرت وجهي حتى لا أحرجه، دفعت ثونار لتلفت أيضًا لكنها هتفت ساخرة بين ضحكاتها "لا يوجد شيء لأنظر له أيها الطفل!".

نكزتها بقوة ويمكنني شعور بالمسكين يكاد أن يبكي. "واللعنة توقفي عن التنمر عليه" ضربت كتفها بقوة لتدحرج عينيها وتصفق بيدها. 

التفت تزامنًا مع صراخه بغضب "ثونـــار!" اتسعت عيني وأنا أرى الفستان الوردي القصير يغطي جسده وثونار تترنح من كثرة الضحك "هذا المرأة تعرف ما هي المتعة بكل تأكيد" علق أتريوس وهو يبتسم باستمتاع بينما وجه هارليك انفجر بلون أحمر قوي. "توقفي، ثونار" قلت بصرامة لتصفق مجددًا بصعوبة؛ لأنها بالكاد تقف لكثرة ضحكها.

تغيرت ملابسه في ثانية لقميص وسروال قصير حتى الركبة. "هذا لئيم جدًا!" صرخ هارليك في وجهها، لكنها ما زالت تعاني لتتوقف عن الضحك. "أجده ممتعًا جدًا" علق أتريوس لينظر لهم بغيظ.

"لا تقلق، لم نرَ شيئًا" حاولت تهدئته، لكن ثونار صاحت "أنا رأيت كل شيء!" أغمضت عيني بنفاد صبر، قبل أن ألقي نحوها نظرة حادة وأصفع مؤخرة رأسها بقوة، توقفت عن الضحك بوجه مصدوم وكان دور هارليك للضحك.

"هذا كان مؤلمًا!" تذمرت وهي تمسح على رأسها "هذا هو المقصد من الضربة" رمقتها بطرف عيني قبل أن أغمز لهارليك الذي اتسعت ابتسامته باستحسان.

"إذًا لقد نجحنا، ليس علينا تكرار الأمر مجددًا... كل ما عليك فعله هو ابتلاع جرعة فتتحول" لخصت ثونار ليومئ كلانا "وإحضار ملابس احتياطية" تمتم هارليك بانزعاج وهو يرمقها بغضب، هذا يدفعني لتذكر شيء ما! عندما كنا داخل تاريخ العمالقة! كان هناك حديث عن ملابس تتمدد من صنع العباقرة! أيمكن كونها ما زالت موجودة؟

هذا يعني أن علي الحديث مع أرتيانو…

"هل يمكنني أن أعود للمنزل الآن؟" انتزعني صوت أتريوس الضجر، لكن هارليك كان ممتنًا له؛ لذلك جلس حوله لخمس دقائق يشكره بينما الأخير يدلك رأسه بإنهاك، أحيانًا أظن أن هارليك هو انتقام الرب من أجلي!

ثونار أعادت أتريوس للمنزل قبل أن يفصل رأس هارليك عن جسده، وأنا وهارليك عدنا على ظهر كارولوس والذي كان سعيدًا جدًا لأن هارليك لم يفقد الوعي ككل مرة، وعبر عن سعادته بالتحرك في كل مكان وبسرعة مثيرة للغثيان.

هبط كارولوس في مكانه المعتاد الذي يستخدمه للنوم، وقبل أن أسأل عن السبب أوقع كلانا على الأرض وركض يتناول وجبة من الأسماك الذي قام باصطيادها من قبل، تنين وفيّ حقًا!

تحركنا للمنزل وهارليك سبقنا ركضًا لأنه أصبح هو أيضًا جائع؛ والسبب أن التضخم يستنفذ الغذاء في جسده بالكامل، وبقيت مع يوجين أتلكأ في خطواتي لأن الجو لم يكن حارًا كالعادة.

"أنهينا أمر هارليك إذًا!" نظرت ليوجين الذي يسير فوق آثار قدمي ويلوح بيده كطفل في الثامنة، أومأت بابتسامة مرتاحة "أجل، أصبحنا نملك عملاقًا عاقلًا في الفريق" قهقه يوجين فجأة ولم أحتج لذكاء حتى أعرف أنه تذكر موقف هارليك المحرج اليوم.

"توقف، يوجين..." طلبت ضاحكة لكن ضحكاته ازدادت "إنه يتصرف بطبيعية بالرغم من هذا" قال وسط ضحكاته لأدحرج عيني وأحاول ألا أجاري سخافته "لأنه طفل ربما؟" سخرت لكن ضحكاته ازدادت.

تنهد بقوة عندما أفرغ مخزون الضحك أخيرًا، توقفت عن المشي والتفت أنظر نحوه.

"ماذا علي أن أفعل الآن؟" سألت قبل أن أنظر للأعلى عندما هبت نسمة قوية باردة، لكنها ما زالت محببة.

"ربما عليكِ التركيز على نفسك!"

زممت شفتي وأومأت قبل أن أنظر ليوجين "أنت محق" ظل يوجين يحدق بوجهي بجمود وبطريقة غريبة دفعتني لعقد حاجبي وسؤاله "ما الخطب؟" بدا متجمدًا قبل أن يهمس "ذلك ليس أنا!".

طرفت بتعجب ولم يصلني مقصده أبدًا "عفوًا!" ابتلع وما زال ينظر لوجهي دون أن يحرك عينه إنشًا واحدًا بعيدا عني "أنا... ذلك لم يكن أنا، لست أنا من قال تلك الجملة".

اقتربت خطوة منه أحاول إيجاد المزحة هنا "ماذا تقصد بحق الله؟" سألت بنفاد صبر "ربما عليكِ التركيز على نفسك، لست من قال تلك الجملة!" صاح هامسًا وبحدة.

دحرجت عيني وكتفت ذراعي أنتظر منه إنهاء سخافته المعتادة "أجل، جدتي جاءت لهنا من قبرها وقالتها لي، ألا تريد إلقاء التحية عليها؟" سخرت لكنه ظل متمسكًا بتلك الملامح المرتعبة.

صمت جال بيننا، كلٌ منا ينتظر الآخر أن يستسلم ولم يقطع ذلك الصمت سوى صوت آخر...

"هل أبدو كجدتكِ؟ أعني… أملك شعرًا طويلًا، لكن الذقن يـ..."

اتسعت عيني أنا ويوجين والتفتنا ببطء قاتل ننظر لصاحب الصوت بجوارنا، رفع عينيه نحونا قبل أن يرفع كف يده في تحية بسيطة، وبابتسامة صغيرة قال "مرحبًا، يسـ...".

صوت صراخنا ملأ المكان!

انتفضت واقعة فوق الأرضية، لكن ما أوقفني بصدمة هو صوت صرخة يوجين! حادة… وكأنني أستمع لصرخة فتاة! أغلق عينيه ووضع يده أمامه في وضع ملاكمة ولكنه بدا كفتاة رأت فأرًا وهي مختبئة فوق خزانتها!

الصمت كان قويًا عندما سكت كلانا عن الصراخ وأنا أحدق به بصدمة "ما كان هذا؟" نظر نحوي وعدل وقفته بسرعة "كان رد فعل تلقائي" برر وهو يتمتم، ولكني لم أتمالك نفسي "هذه أكثر صرخة أنثوية سمعتها في حياتي" دحرج عينيه بانزعاج "ليس كل شيء كامل" إلهي، كأني أسمع صوت فيرونيكا وهي تصرخ.

"توقفي عن السخرية مني بعينيك!" صاح مشيرًا لي، لكني بالكاد أتمالك ضحكتي.

"لمَ أملك إحساسًا بأنه قد تم تجاهلي للتو؟"

أجفلت كما فعل يوجين ونظر كلانا للهيئة التي تنظر بعيدًا بتساؤل، لقد نسيته لوهلة!

جسد شبه مرئي، ضخم بعض الشيء وله شعر أسود تتخلله بعض الخصلات البيضاء وقد جمعها للخلف، وذقنه الطويلة أضافت لمسة من الوقار لمظهره، خاصة مع ابتسامته الهادئة.

"من أنت بحق الله؟" صاح يوجين بينما نهضت على قدمي أحاول التأكد من شيء ما.

"يشرفني لقائكما، في الواقع أنا... يمكنكم منـ... هل يمكنكما التوقف عن وضع أيديكما داخل وجهي؟ هذا وقح بعض الشيء"

اتسعت عيني وأبعدت يدي التي اخترقت وجهه ويوجين ظل يمرر يده على رقبة الرجل، لكنها فقط كانت تخترقه، وهنا تأكدت من شيء!

"شبح؟" همست بصدمة قبل أن أصيح:

"حبًا في الله! شبحٌ آخر؟ لقد صليت ليرحمني الرب من شبح واحد ويبعده عني، والآن أصبحوا اثنين؟ هذا كثير... ما الذنب الذي ارتكبته في حياتي بالضبط؟"

"لحظة، ماذا؟"

نظرت ليوجين الذي صاح وأردف "هل كنتِ تُصلين حتى أبتعد عنكِ أيتها الخائنة؟" رفعت كتفي بلا مبالاة "أحيانًا -وأعني بأحيانًا أي كثيرًا- تجعلني أتمنى لو أرمي نفسي من فوق مكان عالٍ" كتف ذراعيه متمتمًا "لست بهذا السوء". 

لا، أنت فقط أسوأ بكثير، يوجين. 

"وها قد تم تجاهلي مجددًا" نظرت للشبح الجديد بحذر، من هذا بالضبط؟ "بصفتي الشبح الأول المرافق لهذه الآنسة علي استجوابك ضمانًا لسلامتها، لحساب من تعمل؟ ومن أرسلك؟ وهل يتم استبدالي هنا؟".

ما زالت الابتسامة الصغيرة على وجه ذلك الشبح، تفحصته بعيني بشكل سريع… شعره الأسود مجموع للخلف وبعض الخصلات البيضاء تخللت ذلك السواد، لحية سوداء ولكنها ليست بطويلة جدًا، طول قامته قد يكون أقصر من الحداد جولدامون بإنشات قليلة، ولكنه عريض المنكبين، وهناك ندبة فوق أنفه، لكنها بالكاد تلحظ، وزيه أشبه بزي كاهن معبد، لكنه أكثر فخامة في الواقع! 

"من سيقوم باستبدالك؟" وجه سؤاله ليوجين الذي اقترب منه بنبرة صارمة "لا تحاول الإفلات يا سيدي، نعرف جيدًا الجيد من السيء، أجب عن السؤال" يوجين يبالغ في هذه الدراما كثيرًا!

"لكن لا أعـ..." قاطعه موجهًا نبرة عالية "لا تحاول خداعنا!" دحرجت عيني وخطوت نحوهما "توقف عن المبالغة" وجهت حديثي ليوجين ثم نظرت نحو الرجل وسألت "بجدية! ماذا يحدث بالضبط؟ من أنت؟ ولمَ أنت هنا؟" وجه نظراته نحوي قائلًا "حسنًا، من الصعب قول من أنا، لكن كبداية؛ تهانينا على نجاحك في المجيء إلى هنا من كوكب البشر ولـ...".

قاطعه يوجين مجددًا "لمَ تتحدث لها وكأنك لست بشريًا؟ كوكب البشر! هيا يا صاحبي، ليس لأننا أشباح يمكننا إنكار أننا كنا بشرًا يومًا ما" أومأت متفقة مع يوجين "إنه محق، لمَ تنكر بشريتك؟ إنها ليست عارًا أو شيئًا كهذا". 

"إلهي، تفكرين كما أفكر تمامًا، جلنار" ابتسمت ليوجين وضرب كلانا كف الآخر. 

تنهد بيأس بينما قال "من المفترض أنكم ستنقذون العالم، ها! فليكن الرب في العون إذًا" طرفت وأنا أستوعب ما قال، مال يوجين نحوي هامسًا "لمَ يبدو الأمر وكأنه قد تمت إهانتنا للتو؟" همست في المقابل "لأنه قام بإهانتنا بالفعل".

"حسنًا، لنتوقف هنا، أريد أن أعرف من أنت ولما أرسلوك ولما أرسلوني!" صدح صوت يوجين بغضب "سأفسر لك حالما تخبرني من تقصد بقولك 'أرسلوني'؟" رفع كتفيه ولوح بيده مجيبًا "لا أعلم، التوبازيوس من يقررون، هل تقومون بمجلس كزيوس ورجاله؟ على سبيل المثال تلعبون بنا وترسلوننا؟ اسأل التوبازيوس يا رجل". 

قهقه الرجل لوهلة وبهدوء قال "يبدو أنكما تمتلكان الكثير من الأفكار الخاطئة تجاه التوبازيوس، التوبازيوس ليست شخصًا أو إلهًا، إنها قوة ضخمة تحافظ على اتزان الكون، إنها هبة لنا نحن، إنها لا تناقش أو تتحدث، إنها تشعر فقط بروح كل كائن يعيش داخل نظامها وتقرر على هذا الأساس". 

حسنًا، هذا مثير للاهتمام "هذا يعني أن البشر ما زالوا داخل نظام التوبازيوس؟ ولم يتم طردهم!" أومأ وأشار نحونا "أنتم خير دليل على ذلك، كيف ابتعد البشر عن نظام الكواكب الإحدى عشر هي نقطة مظلمة، بحثت كثيرًا عنها، لكنها غامضة ومشوشة ولا يمكن الجزم بقول ما بعينه". 

استندت على الشجرة خلفي ورميت نظرة سريعة نحو يوجين الذي جلس فوق صخرة يستمع باهتمام، وجهت اهتمامي للطيف مجددًا عندما أكمل "لقد كنت أراقب من فترة... فترة طويلة، أحاول انتظار اللحظة التي يمكنني لقاؤك فيها، لقاؤكما في الواقع… يمكنني ملاحظة أنكما تتقدمان كثيرًا عما يظن الآخرون، لقد نجحتم في ضم عملاق لصفكم، أخذتِ هيئة النار، دون ذكر التحسن في أداء الإحدى عشر الباقين، حتى أنني ظننت أن وجودي لن يكون ذا فائدة، لكن أظنكم في حاجة له". 

هززت رأسي نافية "صدقني أنا في حاجة لأي يد مساعدة ممكنة، لا أعلم من أنت حقًا ولا أظنك تملك نية بإخباري، لكني أتعامل مع الكثير الغرائب؛ لذلك يمكنني الاعتياد على هذا" ظهرت ملامح الاستحسان على وجهه بينما قال "أنتِ تتأقلمين بشكل جيد، ليست كذبة أن قوة البشر في تأقلمهم". 

"لمَ تبدو وكأنك تعلم الكثير عن البشر؟ الجميع هنا يظننا أسطورة" سأل يوجين بنبرة ساخرة، لكن أجابه الرجل "لأنني أعلم الكثير عنكم بالفعل، عندما عرفت عن وجود البشر للمرة الأولى... ذهلت، ربما مررت بالكثير في حياتي، لكن لن أنسى المشاعر التي راودتني وأنا أتعلم عنكم وعن وطنكم، الكثير من الأشياء غير القابلة للتصديق... حاضرتكم، ثقافاتكم، اختلافكم، حتى أنكم تملكون مئات اللغات بالرغم من أنكم على كوكب واحد! أعني صانعوا الأدوات هم الوحيدين الذين يتحدثون بلغتين، لغة لأهل الجنوب ولغة لأهل الشمال، لكنكم تملكون لغة لكل أرض ولكل... مدينة! هذا ما تطلقونه عليها، صحيح؟ هنا مملكتنا هي الكوكب بالكامل، لكن بينما أقرأ عنكم شعرت وكأني أقرأ عن مائة كوكب في كوكب واحد". 

أشعر بالفخر! حتمًا أشعر به، لمَ لم يظهر هذا الرجل منذ مدة؟ كان ليكون مساعدًا نفسيًا ضخمًا! 

"لا تخبريه عن الحروب والأسلحة النووية، الفكرة الوردية التي يمتلكها الرجل ستتحطم" همس يوجين عندما نهض واقفًا بجواري، نقطة سوداء ضخمة لكوكبنا، لكن لكل مكان محاسن ومساوئ.

"طعامكم، احتفالاتكم، حتى الفن مختلف وجميل، هناك مئات ألوان من الموسيقى التي تمنيت لو أسمعها يومًا، كان الأمر وكأني أكتشف الكون من جديد! مع الأسف تلك الكتب التي قرأتها عنكم في الصغر احترقت مع موت معلمي الأكبر، لكنه أخبرني أن العلم لا يمرر بالكتاب، بل عن طريق الأشخاص" 

تنهد ونظر بعيدًا وبدا كشخص يسترجع ذكرى ما! "أربعة! أو خمسة مليار شخص، هذا هو عددكم، صحيح؟ لست متأكد، لقد قرأت كل هذا منذ وقت طويل" إن كانت هناك كتب حولنا، لمَ لم يقرأها آخرون؟ ولمَ هذا الشخص بالذات هو من قرأها؟ 

"لابد أنكما تتساءلان كل يوم، لمَ أنا بالذات من بين هذا العدد الضخم؟" التفت كلانا نحوه في اللحظة ذاتها وكأنه مس نقطة أنهكت كلانا من التفكير.

"لنقل إن هناك ثلاثة أو اثنان مليار فتاة على كوكبكم، لمَ هذه الفتاة بالتحديد؟" أشار نحوي بابتسامة بسيطة وهو يقف أمامي "هناك ملايين الأرواح التائهة التي استطعت رؤيتها، لمَ هذه الروح بالتحديد؟" رفع يوجين حاجبًا وكتف ذراعيه ينتظر المزيد.

"هل كان اختيارًا عشوائيًا؟" تساءل مما دفعني للضحك بسخرية "نعم، تسليم الكون ليد أشخاص عشوائيين! أليس هذا ما يظنه الجميع عن الفرسان حاليًا؟" أومأ برأسه موافقًا "لكنهم مخطئون، دومًا ما نخطئ، لمَ جلنار روسيل بالذات؟ لمَ الروح يوجين خاصة؟ قد يبدو الأمر أنكما مختلفان تمامًا، لكن ستتفاجآن عندما تعلمان كم أنكما متشابهان". 

نظرت باستغراب نحو يوجين الذي رفع كتفيه في المقابل "منطوية، منعزلة، خائفة، وحيدة وضعيفة، هذه هي الكلمات التي قد تصفين نفسك بها إن سألكِ أحدهم بصراحة، أليس كذلك؟" الأمر حقيقي لدرجة منعتني من الرد، لكنه أكمل:

"قوية، جريئة، مخاطرة، عنيدة، صامدة، مثابرة، هذه هي الحقيقة التي تقومين بتغطيتها بشخصية كاذبة حتى صدقتِ كذبتكِ، لكن كان كل هذا يظهر بالرغم من محاولتكِ لإخفائه! الفتاة القوية التي على استعداد للحركة في كل مكان لحل ألغاز غريبة، الفتاة الجريئة القادرة على نسيان العالم عندما يتعلق الأمر بشغفها، فتاة مخاطرة لدرجة تدفعها للذهاب لأماكن مهجورة مع روح والهرب من سجن الإريبوس، عنيدة لم تترك أي لغز لم تتوصل لحل له، صامدة بالرغم من وفاة والدها ومن ظروف المعيشة الصعبة، ظلت مثابرة صابرة… مهما حاولتِ إخفاء الأمر إلا أنه يبقى جزء منكِ ومخفي داخلكِ، ومرة تلو والأخرى تثبتين أن قناعكِ زائف" 

ابتسامة يوجين كانت أكبر من وجهه، كأن الحديث موجهٌ له، ضربني بقوة على ظهري ضاحكًا "هذا الرجل يعرف جيدًا من أنتِ، أيتها المخادعة" وجهت عيني للرجل الذي ضحك بخفة ليوجين، قشعريرة أصابتني لمدى معرفته بأمور لا أعرفها عن نفسي، هذا مخيف ومثير في الوقت ذاته! 

"شخص يحارب ألمه بالمزاح، صامد، من المستحيل أن تهزمه ظروفه، صفات المحارب تتأصل فيه، قادر على إثبات أن الفشل ليس سوى خطوة للنجاح، لا يشتكي ولا يهتم، يعيش اللحظة بما فيها غير مهتم بما سيحدث مستقبلًا، يفضل أن يكتظ عقله بالأسئلة التي تؤلمه على أن يشارك ألمه مع غيره، لولا وجودك لما كانت جلنار قد وصلت لما وصلت له، لو لم تجد من يدعمها، من يقف ليشاركها تلك المشاعر التي لا تستطيع مشاركتها مع شخص آخر، أنت تساعدها بينما لن تحصل على شيء في المقابل، يمكنني القول أنك عامل قوي، يوجين" 

هذه المرة كان دوري في الابتسام وقد راقبت تعابيره منذ البداية. "جلنار كانت لتصمد وحدها" علق وكأنه شيء بديهي، لكني عارضت "هذه كذبة، ما كنت لأمضي يومين دون قتل نفسي إن لم تكن هنا، إنه محق فيما قال… أخبرتك كل شيء، لكنك عوضًا عن إخباري بما يؤرِقُك تقوم بمواساتي بطريقتك الخاصة". 

صمت قليلًا أراقبه وهو يضع تعابير الافتخار على وجهه وكأنه أمير ما "إن كنت سأتمنى شيئًا مقابل كل هذا؛ فهو أن أراك ما إن أعود للوطن".

لاحظت التغير السريع في ملامح وجهه والدهشة التي ارتسمت عليه، ولكنه كعادته بدلها مجددًا لتعابير خبيثة "أوه، وقعتِ في حبي وتريدين مواعدتي" دحرجت عيني؛ فلا فائدة حقًا منه، لكن كنت لأكون لا شيء دون هذه النكات التي تصنع يومي.

"أنتما متصلان بشكل قوي، وما كنت لأرى مرافقًا لابنة التوبازيوس أفضل منك، يوجين" أتفق في هذا وبقوة "الأحد عشرة فارس، مع مساعد ابنة التوبازيوس، جميعكم منذ الوهلة الأولى من يراكم يظن أنه هالك...". 

محق أيضًا في هذا، أنا ظننت لمدة أننا هالكون لولا بقائي بينهم، ما زلت لا أعرف الجميع جيدًا، لكن... أعرف أننا جديرون بالمحاولة.

"لو أن كل فارس يمسك السيف منذ المرة الأولى، أن يكون نبيلًا، قويًا، متبعًا للأوامر، ما كان العالم لينجو!" ضحك قبل أن يلتفت حولنا باستمتاع "أنتم خيط بين الفضول الخطير والتمرد على القوانين، وبين متبع للأوامر وآخر يضرب بها عرض الحائط، الفوضوية والنرجسية، المخاطرة والحذر، الاهتمام واللا مبالاة، النبل واللطف، المراعاة والقوة، أنتم خارجون عن السيطرة، ومن بين جميع الفرسان الذين قرأت عنهم من قبل أنتم حقًا شيء آخر، شيء مميز ولكنه خطر على النظام الحالي، أنتم مجموعة ممتعة" 

هذا الرجل يشاهدنا منذ فترة طويلة، يعرف الكثير ويعاملنا كبرنامج ترفيهي! "لمَ أنت هنا إذًا؟" نظر ليوجين قبل أن يبسط يده أمامنا في الهواء ملوحًا بها، صورة سريعة لمئات الكلمات والجمل غير المفهومة والمتشابكة ظهرت تلتف حول نفسها بعشوائية "أنا هنا لدفعكم إلى التركيز، كلاكما مليء بالأفكار الكثيرة التي من شأنها تدميركم وأنا...".

حرك يده وبدأ يبعد الجمل والكلمات واحدة تلو الأخرى حتى اختفت وتبقت نقطة واحدة "انا سأساعدكم على التركيز على المهم والأساسي، التركيز على سبب وجودكم هنا". 

اختفت الصورة من حولنا وتحرك هو نحوي قبل أن يمد يده ويطلب مني مد ذراعي، بحذر وضعت ذراعي بكفه ليمرر أصابع يده الأخرى على طول باطن ذراعي، اتسعت عيني وأنا أرى أوردتي تصبح أكثر وضوحًا بينما يسير مكان الدماء ضوء أصفر قوي.

"الطاقة التي تتدفق خلال جسدك كان من شأنها قتلك، جلنار، لكنها لم تفعل لأنك بشرية، لأنك تتأقلمين أكثر من أي شخص آخر... التوبازيوس لا تمنح طاقتها لأي شخص كان؛ فهذا قد يقتله، لكن جسدك يتأقلم بسرعة خارقة ويتطور بشكل أسرع، لنقل أني سأعطيكِ بعض الملاحظات التي قد تساعدك في التحكم والشعور بتلك الطاقة" 

ضحك يوجين بعدم تصديق وسأله مجددًا "لمَ؟ ما الفائدة التي ستحصل عليها؟ من أنت ولمَ تساعد؟" ترك ذراعي ووضع كفًّا فوق الأخرى "فلنقل أنها مهمتي، أنتم ستحصدون فائدة القتال في هذه الحرب بحماية أوطانكم، فلنقل أني أيضًا سأحمي وطني". 

رفعت حاجبًا وسألت "ومن أي وطن أنت؟" طرف بتعجب وأشار نحو الأرض التي نقف فوقها "أنا إلترانيوسي" أوه! حتى الإلترانيوس يملكون أشباحًا! "يمكنكما مناداتي بالمعلم الكبير" نظرت أنا ويوجين لبعضنا البعض بملل وقلنا في الوقت ذاته "مبتذل جدًاّ!".

ارتفع حاجباه بصدمة بينما قال يوجين "سأناديك بالجد الذي يعرف كل شيء" ضيقت عيني علي يوجين قائلة برفض "هذا سخيف وطويل جدًا" دحرج عينيه وقال بازدراء "أخبريني أنتِ أيتها الذكية، ما هو الاسم الأفضل إذًا؟" رفعت كتفي؛ فلا أجد واحد، ربما شيخ أو... لا أعلم.

 "إليف" نظر كلانا له بدهشة ليعيد "يمكنكما مناداتي إليف، هل هذا جيد؟" زممت شفتي بتفكير وظل يوجين يردد الاسم يحاول تجربته "لا أعلم، لا أظنه جيدًا جدًا، إنه..." حاولت إيجاد الكلمة ووافقني يوجين قائلًا "أنتِ محقة، لا أظنه يناسبه أنـ...".

"إنه إليف، ستناديني بإليف، انتهينا" دلك رأسه وهو عاقد الحاجبين، تنهد ونظر نحونا بعينه السوداء "يصعب حقًا التعامل معكما" ضحك كلانا وأومأنا متفقين، هذه حقيقة بالفعل. "إذًا هل أنت كيوجين؟ لا يراك أحد غيري أم أن الجميع يمكنه رؤيتك؟ فأنا لا أعرف ماذا تكون بالضبط!" سألت ليتحرك ونتحرك معه "أنا خفي عن أعين البعض ومرئي لأعين البعض، كيوجين تمامًا، قليلون من استطاعوا رؤيته أو سماعه أو الإحساس به... تنين الشفق على سبيل المثال، ألم يتمكن من رؤيتك؟".

أومأ يوجين على الفور ليردف إليف "هذا لأن هذا التنين قوي، قوي جدًا سواء جسديًا أو روحيًا، تختلف قوة المخلوقات من مخلوق لآخر، وتنين الشفق يعتبر أقواهم؛ لذلك لم يصعب عليه رؤيتك وسماعك، أمين المكتبة تمكن من الشعور بك في المكتبة الضخمة وهذا يعني أنه قوي لدرجة تساعده في الشعور بك". 

قعدت حاجبي ورميت نظرة سريعة على يوجين الذي يسير ويخترق كل شيء أمامه من أشجار وغيرها، عكس إليف الذي يتجنبها بالرغم من أنه يستطيع العبور خلالها "هذا يعني أن جلنار أقوى من النبلاء ومن الجميع؟ أو أن أمين المكتبة أقوى من الفرسان؟".

حرك إليف رأسه للجهتين وفسر "ما أتحدث عنه هي القوة الروحية، لا الجسدية، قد يكون الشخص جسديًا ضعيفًا جدًا، لكنه كروح يمكنه الشعور ورؤية كل الخبايا، وتلك القوة تقل وتزداد من شخص لآخر، كلما زادت القوة الروحية والجسدية معًا كان رؤية كل شيء سهل على الشخص، بل سيصبح حرًا".

فتح يوجين فمه مطلقًا 'أها' كبيرة "هذا يفسر لما استطاع ذلك العجوز الذي دلنا على المكتبة سماعي!" ارتفع حاجبا إليف بدهشة قبل أن يهتف بصدمة "السيد راج! ما زال ذلك العجوز على قيد الحياة؟" ضحك بصخب وقال بنبرة مستمتعة "سيفاجئك كم يمكن لهذا العجوز أن يسمع ويرى". 

صمت قليلًا وهذب ذقنه بيده ثم استمر "من يمكنهم رؤية خبايا العالم ليسوا كثر، بل لن تتوقعهم حتى! تنين يخافه الجميع ووحيد وربما يكون الأخير من نوعه! أمين مكتبة يحبس نفسه لملايين السنين بين الكتب لحراستها، عجوز يعيش وحيدًا يعمل كدليل دون أن يوظفه أحدهم، ومؤرخ حُبس في كتابه لا يعرف سوى ما كتبته يده، جميعهم غرباء وغير متوقعين". 

بالفعل جميعهم يملكون نقاط مشتركة "لكن ماذا عن كاليسيو؟ أمين المكتبة، لقد تمكن من رؤيتي داخل المكتبة الخفية تلك! لمَ؟" سأل يوجين بينما تذكرت أنا إجابة كاليسيو التي رددها إليف "هذا لا علاقة له بالأمين، لكن حقيقة الكلمات تنصف الجميع وتعطي لكل شخص هيئته الحقيقية، أي شخص يدخل لتلك المكتبة الخفية قد يتمكن من رؤية يوجين كما رآه أمين المكتبة". 

هذا بالفعل ما قاله كاليسيو، الكلمات تعطي كل كيان شكلًا. "لكن ماذا عما حدث لاحقًا، كاليسيو تمكن من سماع صوت يوجين! هذا يعني أن كاليسيو أصبح أقوى روحيًا؟" حرك إليف رأسه نافيًا "لقد حدث هذا بعدما تمكن يوجين من لمس الأشياء من حوله، هذا يعني..." نظر ليوجين ينتظر منه أن يستنتج، لكن يوجين رفع كتفيه دون محاولة "قد أكون كوميدي وداعمًا، لكني لست ذكيًا في التقاط المعلومات والتلميحات". 

ضحكت وأخبرتهما بالفكرة التي دارت في عقلي "هذا يعني أن الأمر لا يقتصر على قوة الشخص الروحية، بل على قوة الروح أيضًا!" فرقع أصابعه مشيرًا نحوي "أصبتِ، كلما كانت الروح أقوى تمكنت من أن تصبح موجودة بشكل واقعي أيضًا، إنها علاقة قوة متبادلة بين الشخص والروح، يوجين كلما تمرن على أن يصبح مرئيًا أكثر نجح في التحكم بشفافيته وأصبحت علاقة السيد والمرافق بينكما أقوى". 

وهذا يثبت ما كنت أفكر به منذ البداية، يوجين عامل قوي في هذه الحلقة ووجوده ليس عبثًا البتة. "لحظة لحظة! تقصد أن كلما تمكنت من فعل ما يفعله الأحياء يمكنني أن أصبح مرئيًا؟" صاح يوجين ليومئ إليف "ليس هذا فحسب، يمكنك اختيار متى تصبح مرئيًا ومتى تصبح خفيًا" تبادلنا نظرات مصدومة وأعيننا أخذت اتساعًا ضخمًا. "هذا أروع ما سمعته!" صرخ وهو يقفز بسعادة. 

"الحماس شيء جيد، لكن لا تبالغ، أن تصل لهذا الحد يعني الكثير من المجهود والكثير من الصبر، ولكل شيء عواقبه، يوجين" رفع كتفيه بلا مبالاة "ما زلت متحمسًا للأمر".

توقفت أمامه لثانية وأشرت نحوه "إذًا أين تكون أنت من كل هذا؟ للتو لمست ذراعي وأريتني الطاقة داخل جسدي" زم شفتيه بتفكير "لا أظن أنه يمكنني فعل الكثير، يمكنني التحكم بمتى أكون مرئي ومتى لا يمكنني، متى أشعر ومتى لا، الأمر مقترن بمدى بعد روحك عن جسدك أيضًا، سواء كنت حيًا أو ميت". 

تبادلت نظرة سريعة مع يوجين "وأين هو جسدك؟" نظر للسماء وأعاد عينه نحوي "بعيد جدًا، لست ميتًا، أنا فقط أقع في نقطة بعيدة. جسدي ربما لا يتحرك من مكانه، لكني لا أعترف بسجن الجسد، روحي حره" رفعت حاجبًا وسألت بترقب "هذا يعني أنك تتحكم بروحك ومتى تخرج؟" أصدر غمغمة لثانية قبل أن يومئ "لكن هذه ليست روحي، هذه جزء من روحي، جزء بسيط؛ فلا يمكنني ترك روحي بعيدة عن جسدي لمدة، قد يضعني هذا في خطر".

يتحكم في مدى مرئيته ومدى شعوره، يمكنه كشف نطاق القوة وكل هذا بجزء من روحه وليست الروح كلها خارج جسده، نظرت نحوه لمدة، وفي ذات الوقت قلت مع يوجين "ما مدى قوتك بالضبط؟" حدق بكلينا وضحك "لا أعلم، أنا فقط أتعلم كل ما أجده نافعًا وهذا ساعدني". 

"يا رجل، أنا حقًا بدأت أخاف من حقيقتك!" هتف يوجين وأجابه إليف بضحكة "لا تقلق، يمكنك مراقبتي على الدوام لتتأكد من أني لست شخصًا مؤذيًا".

"بما أنك تعرف الكثير؛ هل يمكنك تفسير ما يحدث عندما أقرأ بعض الكتب؟ مثل كتب التعاويذ الخاص بثونار وكتاب ممالك التوبازيوس..." قاطعني بدهشة "ذلك الكتاب! هل تم إيصاله لك؟" أومأت ليضحك ويتمتم بـ "هذا جيد" نظر نحوي معتذرًا لمقاطعته فأكملت "تلك الكتب تكون غير مفهومة لوهلة قبل أن تُقرأ داخل عقلي! ويصبح كل شيء واضحًا، الأمر أن يوجين لا يحدث معه المثل، وأخبروني عن المترجم من قبل، من المفترض أنه يترجم هذه الكتب ليوجين ولي، لكن الأمر مختلف". 

أشار يوجين نحوه صائحًا "أجل، هذه النقطة أيضًا! لم أفهمها". 

"المترجم يعمل على كل شيء، لكن هناك بعض الكتب التي يحميها أصحابها بتعويذةٍ تبطل عمل المترجم، يمكنك قول أنها مشفرة، لا يمكن لأحد قراءتها سوى صاحبها أو صاحب التعويذة، وهذا ما يمنع الآخرين من قراءة هذه الكتب، أما أنتِ فحالكِ مختلف، لقب ابنة التوبازيوس لا يعني أنكِ قائدة الفرسان وحسب، سيفاجئكِ عدد الأشياء التي بإمكانك فعلها"

ارتفع حاجباي بدهشة قائلة "أتعني أنه بإمكاني قراءة الكتب التي لا يمكن للآخرين قراءتها؟" أومأ برأسه مؤكدًا وأجاب "بالطبع، إدراككِ للقوى المختلفة كبير جدًا بفضل التوبازيوس، ستتعلمين مع الوقت كيف تتحكمين بقدراتك".

أنهى حديثه قبل أن ينظر لكلينا "أي أسئلة أخرى؟" أومأت على الفور وسألت "العمر! لا يمكنني حقًا فهم العمر هنا وكيف يسير، هارليك تعدى الثمانين، ثم المستذئبين كانوا في الثامنة عشر، وهناك من هم في العشرين من الإلترانيوس، ما الفرق بالضبط؟".

أخذ نفسًا وتمتم "هذا معقد نوعًا ما" صمت لثانية وكأنه يرتب كلماته "عندما نتحدث عن العمر هنا فنحن نتحدث عن الفوارق العمرية بين الكواكب الإحدى عشر، بالرغم من نفي كوكب الإريبوس ولا نعلم أي أثر تركه هذا النفي على الكوكب، لكن لا يزال الفارق الزمني بيننا قليل، وطنك خارج الدائرة الزمنية ولا يمكننا أن نجزم بمعادلة واضحة تمثل الفرق بين الزمن عندكم وعندنا، كل ما يمكنني التأكد منه أن الوقت يجري هنا أسرع من الأرض". 

عاد يمشي مجددًا لنتبعه بخطى بطيئة "لذلك عندما نقول أن عملاقًا يبلغ من العمر ثمانين فنحن نتحدث عن الحالة العمرية للزمن هنا وليس الأرض. هارليك مقارنة بزوندي على سبيل المثال أكبر سنًا، ولكن نموه أبطأ بكثير من نمو زوندي وهذا يعود لتركيبة جسده، في المقابل الساحرات على سبيل المثال يعشن لقرون، ولكن عمر العمالقة أطول منهن، الإلترانيوسيين يعيشون لمئة سنة كحد كبير، لكن عندما نقارن الأعمار فنحن نقارن بين كواكب داخل نظام زمني متشابه. بالنسبة لكم أنتم البشر فنحن أكبر بكثير، فقد يموت على سبيل المثال ثلاثة أجيال من البشر وما زال جيل من العمالقة على قيد الحياة، وقد يموت جيلين من البشر مقابل جيل من الساحرات؛ لذلك عمر هارليك بالنسبة لعمرك الأرضي قد يصل لمئة سنة أو ألف أو أكثر من ذلك، نحن لا نعرف الفرق بيننا بعد".

هذا يعني أن عمر هارليك مقارنة بباقي الفرسان خمسة وثمانون، ولكن مقارنة بي قد يكون مائة وربما ألف! وإذا كان عمر رومياس عشرين؛ فهذا يعني أنه بالنسبة لي قد يكون خمسين أو ثمانين؟ 

أشعر بالصداع فجأة…

"الأمر يحمل الكثير من التعقيدات والكثير من النقاط الغامضة وغير المعروفة" أومأت أنظر لنقطة وهمية وأفكر بالأمر "إذًا عمر الإلترانيوسيين قد يصل لمئات السنين؟" غمغم موافقًا "عدا العائلة الملكية، الأفراد ذو الدماء النقية قد تتعدى أعمارهم الآلاف، كلما كانت دمائك ملكية عشت لفترة أطول، وهذا ليتمكن الملك من تمرير نظام المُلك للجيلين، وإن كان نظامًا فاسدًا فيتم إسقاطه بقرار من الحكماء".

حكماءَ! هناك أكثر من حكيم؟ ليس وكأن واحدة فقط كافية! 

"ماذا عن الملك الحالي؟ أهو فاسد أم عادل؟" كتف ذراعيه ونظر حوله بتفكير "هذا يعتمد على تعريفك للفساد والعدالة، كل شخص يملك مفهومه الخاص لكليهما" خرجت 'هه' ساخرة تلقائيًا مني وقلت "من رأيي أن ما يحدث هنا هو فساد كبير، لا مصلحة لي في كل هذا، وأنا حيادية بالكامل؛ فأنا شخص غريب، إن كان ملكًا عادلًا لما ترك الشعب مقسمًا بتلك الطريقة المذلة".

أومأ برأسه موافقًا لكنه ابتسم في النهاية "أحيانًا قد تبدو الأمور بسيطة، لكنها ليست كذلك. الخير والشر في حكايات الأطفال، قد يكون من السهل أن تختار الجانب الجيد وتتجنب السيء، من السهل أن تنهي الشرير وتتوج الخير... لكنه ليس كذلك في الواقع، إنه مختلف جدًا... لكني أتفق معك، كان عليه بذل مجهود أكثر من هذا". 

من الجيد أن حكيم كإليف يتفق معي، وهذا يجعلني لا أشعر بالذنب كثيرًا لاتهام رجل لا أعرفه. 

"أتملكون أسئلة أخرى؟" نظرت ليوجين الذي نظر لي بدوره ليرفع كلانا كتفيه. "ليس في الوقت الحالي" أجبت وحرك يوجين رأسه موافقًا. 

"إذًا، دعينا نتحدث عن تدريباتك، كيف تسير؟" دحرج يوجين عينيه على الفور فقط لأننا ذكرنا شيئًا له علاقة بأتريوس مما دفعني للقهقهة "يمكنني قول أنها جيدة، مؤلمة، لكن جيدة بالرغم من أني أحتاج لأصبح أسرع في هذا الأمر، ترك نفسي بخبرة قتالية ضعيفة سيجعلني هدفًا سهلًا. أتريوس مدربٌ جيد، لكنه يدفعني للجنون". 

ضحك بصخب وهتف "ذلك الشاب! أنا معجب به في الواقع" اتسعت عيني وصاح يوجين "أتمزح؟ إنه متوحش وغير قابل للمناقشة البشرية حتى!" نظرت ليوجين ليتوقف عن وضع أحكام مسبقة على الرجل "لا تنظري لي بهذه الطريقة، إنه ككتلة صخرية سوداء" تشبيه جيد في الواقع! 

"أخبراني؛ ما هي أغلى مادة في وطنكم؟" نظرت لإليف وأجبت على الفور "الألماس!" أومأ بتفهم وقال "أخبرني؛ أيهم تفضل؟ ألماسٌ ما إن تقسمه وتحفر داخله تجده فارغًا أو مليئًا بالعفن والسواد، أم صخرة غير جذابة ومتسخة ما إن تقوم بتحطيمها تجد الألماس داخلها؟" تمتم يوجين بـ "الثانية بالطبع!" ابتسم إليف وكأنه وصل لما يريد "لهذا أنا معجب بهذا الشاب". 

أتريوس شخص يصعب حقًا الحكم عليه.

"لا أعلم، أتريوس من ذلك النوع الذي يصعب أن تحكم عليه، إما الأبيض أو الأسود!" رفع إليف حاجبًا نحوي "هذا لأنه لا يجب أن يكون فقط لونين، ماذا إن كان مزيجًا مختلفًا من ألوان مختلفة ومتناقضة، أن نحكم على الشخص كلونين صافيين لهو ظلم". 

"حسنًا، لا أفهم ما الذي يرمي إليه كلاكما، كفانا حديثٌ عن ذلك الرجل المستفز" أنهي يوجين الأمر بانزعاج ليبتسم إليف وننفذ طلب يوجين بتغيير الحديث لشيء آخر. 

"تحكمكِ بالنيران أفضل من أي شخص عرفته" ابتسمت للمديح، ولكني أجبت متذمرة "لكني لم أتمكن من الأرض بعد" غمغم وهو ينظر بعيدًا يفكر في شيء ما "ما هي قدراتك مع عنصر الأرض؟" رفعت كتفي مجيبة "يمكنني المهاجمة بالجذور، رفع سطح الأرض لأمتار قليلة".

توقف عن السير واقفًا أمام شجرة أكبر من أصحابها في المكان "أتعلمين ما هي مشكلتكِ؟" أملك الكثير من المشاكل في الواقع، ليست مشكلة واحدة "أنتِ تؤمنين بالحدود!" عقدت حاجبي باستغراب وتمتمت أحاول فهم الكلمة "الحدود؟" وضع يده فوق الشجرة وأغمض عينيه قبل أن يبتسم. 

أوراق الشجر تحركت عندما ضربها النسيم ببطء وبدا إليف مستمتعًا بذلك.

"نعم، تظنين أن لكل شيءٍ حد معين، تضعين الحدود حول نفسك، لا تؤمنين بمقدار قوتك ولا بالحياة اللا محدودة من حولك، قدراتكِ لا حدود لها كهذا الكون، ألم تصدقي أن حدود العالم هي 'الأرض' وطنك؟ لكن ها أنتِ بين إحدى عشر كوكب آخر تدب الحياة عليهم، الآن تؤمنين بحدود الاثنتي عشر كوكبًا، لكن لا تعلمين ماذا يخفي الكون، إنه لا محدود ولا يمكن تصوره" 

هز رأسه نحوي يدعوني للتقدم نحو الشجرة "الشجر له حدود، النمو وإسقاط الثمار والظل... لكن هل جربتِ يومًا الاستماع إلى غناء أوراق الشجر؟ أو الدبيب ذو الإيقاع على الأرض الصلبة؟ الشعور بخشونة الشجر ونعومة أوراقه! رطوبة الأرض وجفاف تربتها... تضعين حدودًا لما حولك، حد الأرض هو المشي عليها، حد الشجر هو البقاء تحت ظله، حد المطر هو سقيا الأرض... لو فكرتِ في خبايا كل تلك الأمور لعلمتِ ألا حدود لها". 

أمسك يدي ووضعها على جذع الشجرة الضخم "كل ما عليكِ هو الرؤية، ولكن ليس بعينك" ما إن أغمضت عيني الصورة السوداء بدأت تظهر فوقها خطوط بيضاء للشجرة التي ألمسها، كما كنت أفعل من قبل، النبض داخل الأشجار والمواد التي تتحرك، هذا كل شي، لكني تذكرت ما قاله إليف للتو!

لا حدود، شيئًا فشيئًا الصورة كانت تتلطخ بألوان باهتة تزداد مع ازدياد صوت تخبط الأغصان ببعضها، صوت ارتطام نسمات الهواء بأوراق الشجر بخفة، جميعها كانت متناغمة معًا كلحن هادئ يرن داخل معبد فارغ، الشعور بالجريان تحت يدي يتصل بالشجرة بالكامل كان مذهلًا…

كان الأمر... منعشًا ومهدئًا ولم ينتزعني منه سوى صوت يوجين الذي هتف باسمي. 

كل شيء توقف ما إن فتحت عيني ورغبت في قتل يوجين؛ لأن حرفيًا في تلك اللحظة كان كل شيء آخر قد اختفى، وقبل أن أصرخ على يوجين صدمني المنظر.

الشجرة الكبيرة أصبحت أضخم! فروعها أصبحت بالمئات وأوراقها كانت تتساقط وتتجدد لدرجة غطت قدمي، والرياح التي كانت تضرب المكان بقوة أصبحت أخف حتى اختفت.

"هل رأيتِ بنفسك؟ لا حدود لابنة التوبازيوس" 

التفت نحو إليف الذي يبتسم بهدوء، ولكنه لم يتمكن من إخفاء النظرة المتفاجئة وسعيدة وهو يتفحص الشجرة. "ماذا حدث للتو؟" همست ليضحك ويربت على كتفي وفسر بنبرة مستمتعة "للتو! أنتِ فقط رأيتِ بروحك وسمعتِ بها، لم تفكري في الحدود التي تضعينها لنفسك وأردتِ المزيد؛ فحصلتِ على المزيد".

ربت على جذع الشجرة بخفة "أن تتحكم بالطبيعة له شيء جميل وقوي، لكن أن تتفاهم مع الطبيعة وتدفعها لإعطائك ما تريد لهو شيء نقي، ولا يمكن مجابهته". 

يوجين تقدم يقف أمام إليف ولوح بيده يحاول ترتيب الحديث في عقله "فقط الآن، هل تمكنت جلنار من التحكم بالأشجار والرياح؟" رفع إليف حاجبًا ونقر رأس يوجين بقوة "ألم تسمع ما قلت قبل قليل، لا يمكن أن تتحكم بعنصرين في الوقت ذاته، يمكنك أن تشعر بعنصرين وتطلب مساعدتهم، وإن وافقوا فهم يجتمعون من أجلك". 

هذا يعني سابقًا عندما دمجت الأرض بالنار، لم أكن أتحكم بهما، بل طلبت ذلك؟ والعناصر وافقت على ذلك… لمَ يصبح الأمر معقدًا أكثر من البداية؟ 

"هناك قانون يستعمله الكثير ويتعاملون به في حياتهم، طالما يخافك الناس أطاعوا أوامرك، طالما كنت قويًا سيهابك الجميع، لكنهم ينسون دائمًا أن الخوف يملأ القلوب كرهًا، أنهم ينفذون الأوامر ولكن مع أول فرصة سيتخلصون منك ليتخلصوا من خوفهم، لكن إن خاطبت قلوب الناس واكتسبتها وكونت الصداقات... سيكون حلفائك معك حتى نهاية الحياة، بل سيمنحونك كل ما يبذلون حتى ترضى" 

تحرك مجددًا ليتبعه كلانا "هذا القانون لا يسري على البشر فقط، بل على كل شيء آخر. القوة ليست جسدًا مليئًا بالعضلات، بل ذكاء يعرف كيف يكتسب القلوب له، إن أجبرتِ الطبيعة بالقوة ستخدمكِ، لكنها لن تعطيكِ كل ما لديها… ولكن إن أحببتها وعايشتِ كل حالاتها ستشعر بأنكِ عنصر خامس معها، وستعطيكِ كل ما يمكنها أن تعطي من أجلك". 

قد يبدو الحديث معقدًا للوهلة الأولى، لكن إن فكرت به على مهل؛ إنه محق! ومنطقي وبسيط جدًا… أبسط من أن تفهمه إلا بعد مدة طويلة، في كل مرة أكون هادئة فيها... في كل مرة أغمض عيني فيها أترك روحي لتتصرف على سجيتها أفتح عيني مندهشة، إنها ليست قوة! إنها اكتساب.

"أشعر بأني عبقري، لقد فهمت الأمر!" صاح يوجين ضاحكًا ليومئ إليف باستحسان "بالرغم من ذلك؛ لا تتركي العناصر تكون كل شيء في حياتكِ، قوتكِ الجسدية مهمة جدًا، استغلي قدرتكِ على التعلم بسرعة وارفعي خبرتكِ القتالية؛ فهي مساعدة أيضًا". 

توقف وشبك يده خلف ظهره وقال "وتذكري، لا حدود لما تملكين، الأمر لا يقتصر على عنصرين أو ثلاثة! الأمر لا يقتصر على العناصر فقط… أنتِ بشرية ولستِ إلترانيوسية؛ لذلك فكري فيما يمكن لدماء بشرية نقية لم تختلط بدماء أي من أصحاب القدرات أن تفعل! أنتِ لم تختارِ عنصرًا بعينه لقد اخترتِ الفراغ، لم يختر كائن قط الفراغ، فكري في هذا جيدًا". 

يمكنني القول أن هناك مئة معنى خلف كل كلمة قالها هذا الرجل! سأضطر للتفكير لأيام بهذه الكلمات حتى أعرف معناه جيدًا، وأصبحت على يقين أن سؤال 'ماذا تعني؟' لا فائدة منه؛ فقد قالها كاليسيو من قبل، لا يمكنكِ أن تركضي قبل أن تتعلمي المشي... أنا أتعلم أصول المشي هنا.

مع التنهيدة التي أخرجتها يوجين نادى باسمي؛ مما دفعني لرفع رأسي نحوه، لم يكن يوجه نظره نحوي، بل نحو شخص آخر.

التفت لما شد انتباهه ولاحظت أننا وصلنا لحدود الغابة ونقف أمام حديقة المنزل الخلفية.

اتسعت عيني عندما لاحظت أتريوس الذي يتجه ناحية المنزل ومن بعيد كاراميل تهرول نحوه بشيء من التردد، أمسكت برسغه لجذب انتباهه قبل أن تأخذ خطوة لتضع مسافة بينهما. 

"تبًا!" شتمت وتقدمت بسرعة لمنعها، لكن اليد التي امتدت أمامي أوقفتني ومنعتني من التقدم، نظرت لإليف الذي يتابع المشهد بابتسامته المعتادة "لا تتدخلي" أمر ليرتفع حاجباي بدهشة "لكن هي سـ…".

قاطعني بنظرته الهادئة وتحريك رأسه للجهتين "لا يمكنكِ حماية الجميع من الألم، هناك بعض الآلام لا بد من أن نمر بها حتى نصبح من نحن عليه، الألم خير معلم، لا تمنعي الطبيبة من تعلم درسها". 

بضيق وجهت عيني نحوهما، تتحدث بتردد وتعبث بأطراف كم قميصها قبل أن تنظر لعين أتريوس وتقول شيئًا ما أدركت أنه اعتراف لارتفاع حاجبي أتريوس الطفيف بدهشة "بعض اللحظات لا تخصنا ولا يجب أن نظهر في الصورة إلا عندما تنقضي، حينها فقط يمكننا التدخل والتربيت على ظهر ذلك الشخص ومواساته" علق إليف بسبب ملامحي الممتعضة.

أتريوس رد بشيء لا يمكنني سماعه من مكاني هذا وأشاحت الطبيبة بوجهها بعيدًا ولأنها أخذت خطوة أخرى بعيدًا لتضع مسافة أكبر بينهما، كان واضحًا أنه رفضها، تعابيره باردة كما توقعتها تمامًا ويمكنني حتى توقع كلماته الجافة دون سماعها.

تبادل الطرفان حديثًا لا يمكن سماعه، وفجأة وضع أتريوس ابتسامة صغيرة أذهلتني قبل أن يربت على رأس الطبيبة ويلتفت ليذهب... ماذا حدث للتو؟ 

كاراميل وقفت مكانها قبل أن تأخذ خطوة وتصرخ بكلمات لم أستطع فهمها، ولكنها أوقفت أتريوس عن الحركة، الفضول كان يقتلني لأعرف ما الذي قالته بالضبط! التفت نحوها ولأول مرة أرى أتريوس يضع تلك الملامح المشوشة، ابتسم ورد بشيءٍ ما والتفت مكملًا طريقه. 

"هذه أكثر محادثة مشفرة سمعتها في حياتي" نظرت ليوجين وأردت صفعه لثانية "لمَ لم تذهب لتسمع ما يقولان؟" طرف بعينه قبل أن تتسع ويصرخ "نسيت أني غير مرئي!" تنهدت في ذات الثانية مع إليف بيأس. 

"حسنًا إذًا؛ حظًا موفقًا في مواساة طبيبة العائلة الملكية" نظرت نحو إليف الذي التفت وسار بعيدًا "ستذهب؟" صحت ليقهقه ويقول "لدي جسد لأعود له، لا تقلقي، قد أعود قريبًا" ومع هذه الجملة تلاشى حتى اختفت هيئته. 

"لمَ أشعر أن جملته تلك كانت سخرية مني؟" كتف يوجين ذراعيه وهو ينظر حيث كان إليف يقف من ثوانٍ. 

أخذت نفسًا قبل أن أخطو نحو كاراميل الواقفة مكانها دون أن تتحرك، توقفت أمامها على بعد خطوات منها "هل أنتِ بخير؟" هزت رأسها للجانبين لتتناثر خصلاتها على كتفيها بنعومة "لهذا كنتِ تماطلين؟" رفعت رأسها ومسحت الدموع على وجنتيها بكم قميصها.

"أنا آسفة، لم أقـ..."

"أشكرك، بالكاد تعرفينني، لكن أعلم أني سببت الكثير لك... تبًا، أنتِ لطيفة جدًا" رفعت شعرها بعيدًا عن وجهها وقهقهت تحاول كبت بكائها "كنت أعلم أن نسبة قبولي ليست بكبيرة، أتعلمين؟ لو كان حقيرًا لكان الأمر أسهل، ولكنه كان... لطيفًا" 

"ليس آخر رجال الكون، هناك الكثيرون"

"وهو الوحيد الذي أوقعني" 

ضحكت مجددًا مصرة على مسح دموعها "ما سأقوله لا تسألي عنه ولا تناقشيني فيه، جلنار… فقط إنه شيء أريد قوله" أومأت نحوها أدفعها للحديث "لا تتركي جانب أتريوس، إنه أفضل حولك". 

لم أستطع فهم مقصدها، أفضل حولي؟ أتريوس هو أتريوس! أوقفتني بحركة من يدها ما إن فتحت فمي "لا نقاش!" قالت بصرامة مصطنعة لم تناسب وجهها المحتقن بالحمرة وعينها اللامعة بالدموع.

"هل تحتاجين عناقًا؟" أومأت بقوة واندفعت نحوي تحتضن جسدي "لا أصدق أني سأقول هذا، ولكن واللعنة أتمنى لو كنت أنتِ" صاح يوجين وهو يركل الأرض بينما ربت على ظهر كاراميل وتجاهلته.

ابتعدت عني وشكرتني قبل أن تتحرك مبتعدة "إلى أين؟" نظرت نحوي ورفعت كتفيها "سأذهب لإشغال نفسي في الكثير من العمل حتى أتناسى رغبة البكاء كطفلة".

قضمت شفتي وشعرت أني سأندم على ما سأقول، لكني قلته على أي حال "هل تريدين أن نشرب الليلة؟" اتسعت عينها ونظرت نحوي هاتفة "تشربين؟" حركت راسي بشبه إيماءة "ليس حقًا، لكني أعرف شخصًا سيسعد كثيرًا لهذا، الليلة؟" أنهيت حديثي بسؤال لتتسع ابتسامتها وترفع يدها صائحة "ليلة شراب!". 

لوحت لي قبل أن تتحرك مبتعدة.

"أوه، يا إلهي! تم رفض كاراميل، ولكن لم تنطبق السماء على الأرض ولم ينفجر الكوكب ولم يحل علينا غضب الإله!" نظرت ليوجين الذي أخذ الوضع الساخر للتو "هل انتهيت؟" تظاهر بالتفكير قبل أن يقول "لا، ما زال هناك الكثير مثل لمـ..." توقف عندما رمقته بحدة ليقضم شفتيه ويصفر وهو ينظر بعيدًا عني. 

"مع من تتحدثين؟" التفت نحو لافيان الذي توقف ينظر نحوي بشك "مع نفسي؟" لمَ قلتها وكأني أسأله؟ "أوه، حسنًا إذًا" حمدًا لله أن لافيان ليس شخصًا دقيقًا جدًا. 

كان على عكس عادته يجمع شعره المموج للخلف بطوق أسود صغير وتغير شكله من شخص لطيف بفك حاد إلى شخص مثير بفك حاد، فقط لأنه رفع شعره... لافيان ذلك النوع الذي قد يتغير شكله والهالة حوله بالكامل بحركة واحدة.

"أردت إخبارك بأن أ..." توقف لثانية وانعقد حاجبيه قبل أن يضع يده في جيبه ويخرج جهازًا دائريا صغيرا ينير بضوء أزرق، أشار نحوي لأمهله لحظة ووضع الجهاز داخل أذنه.

ثانية، اثنتين، ثلاث… قبل أن تتسع ابتسامته وتصبح أكبر من وجهه حتى، الابتسامة تحولت لضحكة متقطعة وبدت سعادة كبيرة على وجهه. "ما خطب هذه الابتسامة؟" نظر نحوي وبدا وكأنه نسي وجودي لوهلة "أوه، لا شيء" مسح مؤخرة عنقه وما زالت الابتسامة على وجهه.

"إنها هي!" نظرت لزوندي الذي تقدم نحوه ولف ذراعه حول عنق لافيان الذي قهقه في المقابل "ماذا يحدث هنا؟" نظر زوندي نحوي وقال "إنها فتاته" ارتفع حاجبي بدهشة "أنت تواعد" أومأ برأسه، لكن زوندي قال "لا، إنها خطيبته". 

حسنًا، هذا مفاجئ جدًا، لم أتوقعه أبدًا بالمرة "أنت ماذا؟" ضحك لرد فعلي بينما قال "سنتزوج ما إن أعود من هذه الحرب" إلهي، هذا لطيف جدًا لدرجة تدفعني للرغبة في أن ينتهي الأمر حالًا ليتزوج.

في النهاية يبدو أن هؤلاء المجانين ليس جميعهم يفكرون في القتال وحسب، أحدهم في علاقة جادة. "أخبرني عنها!" صحت بحماس واتسعت عينا زوندي وحرك رأسه للجهتين بسرعة، تمتم لافيان بخجل، لكني أصررت وسط استغرابي من زوندي الذي يحرك شفتيه بـ "لا تفعلي". 

"حسنًا، إن كنتِ مصرة. تسمى غاربيلا، إنها جميلة جدًا... بل رائعة! أفضل رسامة وأفضل صانعة أدوات قد تقابلينها في حياتك، تقابلنا للمرة الأولى عندما ذهبت في رحلة لكوكب العباقرة، ظنت أني ألاحقها وقامت بلكمي ثم تقابلنا مجددًا وكان الأمر كارثيًا حتى اتفقنا وتراهننا على الكثير من الأشياء. إنها حقًا حيوية وممتعة وبشوشة دائمًا ويمكنها فعل أي شيء تريده، لا تخبريها أبدًا بما عليها فعله. إنها حقًا أفضل فتاة في العالم، أنا رجل محظوظ لمقابلة فتاة رائعة كهذه، تستحق دائمًا الأفضل و تمـ..."

نظرت لزوندي الذي أغمض عينيه ودلك رأسه، فهمت لما وضع زوندي تلك التعابير... شيء ما يخبرني أن لافيان لن يتوقف. 

"صديقي، تتذكر ذلك السلاح الذي طلب أوكتيفيان أن تصنعه، عليك تسليمه اليوم" اتسعت عينا لافيان قبل أن يصيح بشتيمة ويركض نحو المنزل.

"وجدنا من ينافس إذاعة الصباح، ياي!" صاح يوجين رافعًا ذراعيه في وضعية الاحتفال! 

"ما إن يبدأ حديثًا عن غاربيلا لن ينتهي أبدًا، إنه حقًا شغوف بها" قال زوندي وتنهد قبل أن يردف "عندما جاء أول مرة إلى هنا شعرنا أن الفتاة تعيش بيننا لكثرة أحاديثهم". 

هذا لطيف جدًا في الواقع!

تحركت مع زوندي نحو المنزل نتبادل أحاديث عن التدريبات وتمنيت أني لم أفعل؛ لأنه ما إن فتحت باب المنزل ظهر أتريوس الذي كاد يفتح الباب من الجهة الأخرى.

"أتنوين الراحة لما تبقى اليوم؟" 

"مرحبًا لك أيضًا" رفع حاجبًا لسخريتي وشعرت بزوندي يبدل عينه بيننا بترقب "اتبعيني" دحرجت عيني ساخرة "شكرًا لأخذ رأيي وسؤالي بلطف" رمى نظرة حادة لأتحرك وأتبعه بسرعة، لا تعاند أتريوس كثيرًا، صبره ليس طويلًا. 

دخل الغرفة الواسعة التي كانت تُصلح كسورها وحدها، تلك التي ظننتها خاصة بتدريب أتريوس وأوكتيفيان. "سنتدرب؟" أعطاني نظرة 'يا لكِ من ذكية' لأدحرج عيني "تعلمين أن علينا التركيز على مهاراتكِ القتالية منذ الآن، بداية قتالكِ كانت جيدة، كنتِ تنسخين الحركات التي تلاحظينها وتتقنينها بسرعة، ولكنكِ تعتمدين بشكل كبير على العناصر وهذا سيء". 

كتفت ذراعي وراقبته فيما أنتظر انتهاء حديثه، أبعد حزام فأسيه عن ظهره ورفع كم قميصه ونظرة الاستمتاع أخذت مكانها على وجهه "يمكنكِ تنفيذ هذا؟" تحرك قبل أن يلكم الهواء بقوة لكمتين وركلة عالية بقدمه، رفعت كتفي ووقفت آخذ وضعيتي قبل أن أنسخها بكل بساطة، ونظرت نحوه بمعنى سهلة!

رفع حاجبًا قبل أن يحكم قبضته ويلكم بسرعة غير طبيعية مع قفزة عالية وركلة في الهواء، نفذت جزء اللكمات ولكن الركلة كانت الجزء الصعب، لنقل أني كدت ألوي كاحلي، لكني شبه نفذتها في النهاية.

وقفت أمامه كتحدي ليبتسم ويركض نحوي بسرعة مما أفزعني، ولكنه قفز في ثانية قدمه حطت على الجدار وكأنه بلا جاذبية؛ فقد كان مرتفعا جدًا قبل أن تحط قدمه على الأرض.

"من هذا؟ سوبرمان؟" صرخ يوجين بصدمة بينما حدقت به ببلاهة "أي عنصر استخدمت؟" رفع كتفه وأجاب بلا مبالاة "ولا واحد" هذا الرجل غير طبيعي.

أشار للجدار برأسه لأنفذ ما فعله للتو، بدلت نظري بينه وبين الحائط… لا ضرر من المحاولة.

وفشلت!

أسرع فشل في الحياة وأكثرهم ألمًا على ركبتي، لكني نهضت مجددًا وحاولت مرة واثنتين وثلاث، حتى تمكنت من فعلها! كان الأمر سريعًا وليس كما نراه في الأفلام... لم أجد وقتًا لرؤية المكان رأسًا على عقب أو ملاحظة تعبير الاثنين في الغرفة لأنها حدثت في ثانية.

 الأفلام أكبر كذبة في التاريخ يا رجل.

ابتسمت نحو أتريوس قائلة "هات ما عندك" في هذه اللحظة دلف أغدراسيل للمكان مع أوكتيفيان، كان الانزعاج على أغدراسيل باديًا لكنه تبدل للتفاجؤ ما إن رآني.

"ما الذي يحدث هنا؟ ولمَ طلبت منا المجيء؟" قرر أوكتيفيان السؤال أخيرًا لينظر أتريوس نحوهما "أتنويان المساعدة في تدريبها". 

لنقف هنا للحظة! أتريوس... أتريوس فلورمان طلب مساعدة من أحدهم! هذه لحظة تستحق أن نقف ونتأملها ونذكرها في التاريخ. 

بدت الصدمة قوية على وجه كليهما، تبادلا نظرات سريعة قبل أن يسأل أغدراسيل "أي نوع من التدريب؟" كل منهما يظن أن الأمر فيه خدعة ما وهذا ظاهر على وجوههم؛ لذلك تدخلت "مهارات قتالية" توجهت أنظارهما نحوي ولم يستغرق أغدراسيل وقتًا حتى وافق لأبتسم بامتنان له.

نظرنا لأوكتيفيان الذي تنهد وأغلق الباب وأبعد الأسلحة التي تحيط جسده ورفع كم قميصه كما فعل أتريوس سابقًا، ثم قال "ماذا علي أن أفعل؟".

هذا لطف منهما حقًا، المساعدة في تدريبي دون أي اعتراض ومع أتريوس ويمكن الجميع ملاحظة العداوة بينهم، همست بشكر لهما ليومئ أغدراسيل ويربت أوكتيفيان بشكل سريع على كتفي. 

"إذًا وبكل بساطة؛ أنت ستقف أمامي وتحاول الدفاع ضد ضرباتي" مشيرًا نحو أوكتيفيان تحدث ليقف الأخير أمامه مستعدًا "وأنت ستدافع عن نفسك ضد محاولاتها في تقليد الضربات".

أومأ أغدراسيل ووقف أمامي قبل أن يعطيني غمزة سريعة ضحكت بحماس لها. 

"لنبدأ" تمتم أتريوس وفي ثانية التفت في الهواء يركل أوكتيفيان الذي تفاجأ بسرعة حركته، ولكنه تماشى معها بسرعة وصدها بذراعه، نظر الاثنان نحوي أنا وأغدراسيل لأحاول تقليدها، ومن المرة الثانية نفذتها.

أتريوس لكم أوكتيفيان من الجانب مرتين ليصدهما الآخر بسرعة وفجأة حركاتهما البسيطة لم تعد كذلك، ركلات يصدها أوكتيفيان بقدمه وقفزات قوية، وعندما ظننت أن كل منهما سيبدأ قتالًا قويًا توقفا ونظرا نحونا.

علي تقليد هذا؟ 

"وجهك معبر جدًا" ضحك يوجين الذي يشاهد منذ البداية، لن أدعه يسخر مني هذه المرة. نظرت لأغدارسيل قبل أن أبتسم وأهمس "استعد". اللكمات كانت عادية في البداية، لكني جعلتها أقوى وأسرع، ولوهلة لم أكرر الخطوات، بل تركت جسدي يتحرك وحده في قتال صغير مع أغدراسيل التي بدت ملامحه تتحول من الهادئة للمتفاجئة ومن ثم الجدية.

قوة صد أغدراسيل أصبحت أقوى وهذا ما دفعني للابتسام، إنه يأخذني بجدية الآن. 

توقف كلٌ منا يلتقط أنفاسه ونظرت ناحية أتريوس وأوكتيفيان، نظرة أوكتيفيان المذهولة دفعت شعور الفخر بقوة داخلي، أتريوس بدا متوقعًا، لكنه لم يمنع نظرة 'أحسنتِ' التي ارتسمت على وجهه. 

"هذا كان سريعًا" علق أغدراسيل قبل أن ينظر لأتريوس بابتسامة جانبية "أعطها شيئا قويًا" بدا وكأن ثلاثتهم فجأة يتفقون علي هنا؛ لأن أتريوس لأول مرة أومأ لطلب أغدراسيل بابتسامة والتفت لأوكتيفيان الذي استعد.

عندما قال أغدراسيل شيء قوي لم يكن عليهم المبالغة لهذا الحد! لم يكن قتالًا ودفاعًا، لقد كان قتالًا ضد قتال، ذلك النوع من الضربات التي تترك كدمات سيئة.

"أنتِ لها!" صاح يوجين ما إن أنهى الاثنان ضرباتهما ونظرا نحونا، أغدراسيل حرك يده بمعنى 'أعطيني ما عندك'.

زفرت نفسًا قبل أن آخذ وضعية القتال وأحاول تنفيذ ما استطعت التقاطه من الاثنين للتو، لم أتمكن من نسخ الحركات تمامًا؛ لذلك بدأ القتال يأخذ منحنى يحمل أسلوبي الخاص، أتريوس يعتمد الهجوم المباشر وأنا اكتشفت أني أفضل المناورة الطويلة ثم الهجوم العالي.

أغدراسيل عندما لاحظ أن هجماتي أصبحت جادة وأكثر قوة بدأ يهاجم بدوره وابتسامة كبيرة تعلو شفتيه، ولوهلة اندمجنا في قتال قوي ولم نتمكن من التوقف، فالأمر كان صعبًا، لكن ما إن ننخرط فيه كان جسدي يتحرك وحده ورغبة أن يستسلم أغدراسيل أولًا كانت تدفعني للمواصلة.

توقفنا في الوقت ذاته ولاحظت أننا دمرنا جزء من الحائط وأوكتيفيان لأول مرة صفق بابتسامة "لم أرَ أحدًا يتعلم أسرع من منكِ" أومأت له كشكر وطلب فجأة التبديل فأصبحت أقاتل أوكتيفيان هذه المرة.

الفرق بينهما أن أوكتيفيان لا يقفز كثيرًا كما يفعل أغدراسيل، وهذا لأن أغدراسيل معتاد على الطيران بينما يقاتل، وهذا ما جعل ضربات أوكتيفيان أكثر صعوبة لتفاديها؛ مما جعله تحديًا، ولأني بقيت مع هؤلاء الرفاق كثيرًا أصبحت أحب التحديات!

لم نكن مضطرين لمشاهدة أتريوس؛ لأنه يبدو أن ساعات من المشاهدة والمحاولة جعلتني فجأة كفءً لهم لدرجة جعلت أوكتيفيان يلتقط أنفاسه ما إن توقفنا "تبًا، أنت غير قابلة للهزيمة!" تمتم لأبتسم بفخر. 

"بالرغم من ذلك هناك ثغرات كثيرة في أسلوبك" علق أتريوس ليومئ أوكتيفيان مؤيدًا. "اعملي على أسلوب قتالكِ الخاص أكثر" ربت أغدراسيل على ظهري ناصحًا.

"رفاق هـ..."

توقف هارليك الذي دخل المكان فجأة ونظر لنا بصدمة، يبدو أن الكدمات تركت أثرًا نوعًا ما. "الـ… الطبيبة تبحث عنكِ" قال بسرعة وهو يتفحصنا بعينه، اتسعت عيني وسألت هارليك بسرعة "كم الساعة؟" رفع كتفيه مجيبًا "لقد غربت الشمس منذ مدة" تبًا، نسيت كاراميل.

"أخبرها أن تنتظرني في غرفة الجلوس وأبلغ ثونار أيضًا أن تذهب إلى هناك" أومأ بابتسامة وركض ليخبرها. "ماذا يحدث بالضبط؟" نظرت لأغدراسيل وحاولت إخراج كذبة مناسبة "شيء يخص الفتيات، شكرًا لمساعدتكم اليوم، أنا حقًا ممتنة".

اتجهت للخارج بسرعة، ولكن أوقفني صوت أتريوس الذي كان يلتقط حزام فأسيه "أمامكِ يومين للعمل على نفسك، حينها سنتقاتل مجددًا" كان هذا ليقلقني سابقًا، لكن هذه المرة أنا سأقاتل أتريوس وهذا يدفعني للشعور بالحماس بشكل غريب.

اتجهت لغرفتي وأخذت حمامًا سريعًا وبدلت ملابسي لأخرى مريحة واتجهت للفتاتين، كانتا تجلسان في صمت، كل واحدة تحدق في الأخرى بتعجب، لم أخبر ثونار عن دعوتي لكاراميل الليلة ولم أخبر كاراميل أن رفيقنا الثالث هو ثونار، تركت الأمور معلقة لأني حمقاء.

"مرحبًا، فتيات" نظرتا نحوي وكأني منقذتهما، فكرة سريعة… ثونار وكاراميل لم ينسجما معًا من قبل... الكثير من العمل الليلة.

"حسنًا، ثونار هناك شيء أريد فعله الليلة وكاراميل هي مركز هذه الليلة" قضمت كاراميل شفتيها ونظرت بعيدًا بخجل ويمكنني ملاحظة عينها الحمراء أكثر من هذا الصباح، ثونار مالت بفضول نحوي وألقت نظرة سريعة على كاراميل.

"لا تصرخي بصوت عالٍ، نريد أن نشرب الليلة" اتسعت عينا ثونار بصدمة وصرخت فجأة بحماس، لكني قفزت فوقها واضعة يدي فوق شفتيها وأنظر حولي خاصة نحو المطبخ حيث واندر "ستفسدين الأمر" همست بحدة لتومئ. 

أبعدت يدي عنها لتهمس باعتذار وتنظر نحونا بأكبر ابتسامة "ماذا ننتظر إذًا؟ لنتحرك" قفزت على قدميها وبدا الارتياح على وجه كاراميل؛ لأن ثونار لم تسأل عن سبب وجود كاراميل معنا؛ لأن كل ما بدا مهمًا لها الآن أننا سنشاركها الشراب.

نظرت ليوجين الذي لم يتبعنا باستفهام ليرفع كتفيه قائلًا "إنها ليلة فتيات! استمتعي... كما أني لا أريد سماع امرأة تتذمر وتبكي لأن أحمق كأتريوس رفضها" دحرجت عيني نحوه وهمست بأحمق قبل أن أتبع الفتاتين.


....

توقف ثلاثتنا أمام حانة ضخمة، صوت موسيقى أسمعه للمرة الأولى في حياتي كان يصدح خارج المكان، وبالرغم من أن الموسيقى كانت جديدة على أذني إلا أنها كنت شبيهة بموسيقى القراصنة التي قد تسمعها في أحد أفلام 'قارصنة الكاريبي' تدفع جسدك للحركة بحماس. 

"مرحبًا بكما في حانة سانت مارينل، أعتق أنواع الكحوليات هنا يا صديقتاي" بسطت ثونار يدها بسعادة غامرة قبل أن تتحرك نحو الباب الضخم الأشبه ببوابة ببابين وتدفعه بيديها بقوة.

الموسيقى وكأنها تحررت ما إن انفتحت الأبواب وعكس الحانات المعتادة في مانشستر وفي كل مكان على الأرض رائحة الكحول المقرفة لم تكن تملأ المكان، رائحة المكان كانت منعشة في الواقع!

تقدمت ثونار وتبعناها ببطء، كاراميل كانت تعدل قلنسوة معطفها التي أصرت ثونار على أن ترتديها حتى لا تجذب الانتباه للون شعرها الفاتح و حتى لا يلاحظ أحدهم أنها الطبيبة الملكية، وأنا تفحصت الوجوه من حولي بفضول.

الكثير من الرجال في المكان، أجساد ضخمة حول الطاولات الكبيرة، الكثير من الشوارب وهناك بعض الشباب يحتلون طاولات خاصة، وفي مساحة واسعة مرتفعة عن الأرضية تجمع الرجال والنساء يطرقون الأرض بأقدامهم بوتيرة محفوظة ومنتظمة، لكنها بدت ممتعة. خطوات الرقص على الموسيقى، الجميع يحفظها، تصفيق ثم خطوة قوية تليها قفزة ودوران.

النساء تمسك أطراف الفساتين فتنكشف نصف سيقانهن في حركة سريعة قبل أن تعود لمشاركة رجلها الرقص. 

بدا كل شيء جميل جدًا وبدت الحانات فجأة ليست ذلك المكان المرعب الذي أخشى الذهاب إليه، لا موسيقى صاخبة تدمر خلايا أذنك، ولا أجساد متلاصقة بشكل يثير الغثيان، ولا رائحة كحول مقززة، ولا أضواء تقتل شبكة عينيك. 

بدا مكان للراحة بعد يوم من العمل الطويل والشاق، لم أكن الشخص الوحيد المبهور بالمكان؛ فحتى الطبيبة كانت تحدق بكل شيء بفم مفتوح. "أهذه هي موسيقى سكان الحدود التي يتحدث عنها الجميع؟" سألت كاراميل بذهول لتومئ الأخيرة بابتسامة ضخمة وتتجه نحو البار الطويل المصنوع من الخشب الناعم.

المقاعد أمام البار لم تكن كما اعتدها في الأرض، بلا ظهر ودائرية، بل كانت بظهر صغير ومريح، وما إن ألقت ثونار جسدها فوق المقعد المصنوع من الجلد الأسود ارتفع من تلقاء نفسه للأعلى ليصبح طولها متناسبًا مع البار.

تقدمنا وجلسنا على المقاعد بجوارها نتفحص كل شيء بفضول، فهمت أن كاراميل لا تأتِ لهذه الأماكن أبدًا... الطبقة النبيلة والملكية منفصلة كليًا عن الطبقات العادية وسكان الحدود وكأنهما عالمان مختلفان لا يعلم أحدهما ما يوجد في الآخر بالرغم من أنهما في مملكة واحدة.

"أوه، الصهباء مجددًا" التفتنا ناحية المرأة التي توقفت أمامنا واضعة يدها على خصرها، ملامح حادة وشعر أسود مجموع للخلف في عقدة سيئة، ممتلئة الجسد وتمتلك لون عين رمادي جميل وابتسامة أجمل في رأيي.

ثونار قهقهت وضربت طاولة البار بيدها بحماس "أعطني أفضل ما لديكِ، جاندارا! حاولي إفقادي عقلي لمرة" دحرجت جاندارا تلك عينيها وصفعت رأس ثونار "لا تملكين عقلًا لتفقديه أيتها الساحرة" طرقت ثونار لسانها بسقف حلقها قبل أن تقول "أصبتِ". 

"من الجميلتان معكِ؟" سألت ووجهت نظرة سريعة نحونا رددت عليها بابتسامة وكاراميل حاولت تخبئة وجهها بالقلنسوة "صديقتان جديدتان، هذه جلنار، وتلك كارا" قلت واختصرت اسم كاراميل مما دفعها للابتسام.

"تبدين مألوفة" اتسعت أعين ثلاثتنا ونظرنا ناحية كاراميل لكننا أيقنا أنها لم تكن تقصد كراميل... كانت تنظر نحوي. "أنا؟" تظاهرت بالغباء لتومئ برأسها وتنظر نحوي بتركيز "لا أظنكِ رأيتها يومًا، جاندارا. أ..." أوقف ثونار صياح جاندارا المذهول "أنتِ الفتاة التي وقفت في وجه أبن ألفن!".

على الأقل لم تنتبه لكاراميل وهذا جيد. "وأنتِ من قامت بإنقاذ الفتاة الصغيرة في ذلك الحريق، لقد كنت هناك أيضًا وأنا متأكدة، كان ذلك الرجل يحملكِ وبدا أن جسدك قد احترق... الجميع ظن أنكِ ميتة!" حسنًا، يبدو أنني ما زلت على قيد الحياة. 

"جاندارا، قدمي المشروبات وتوقفي عن إزعاجنا" ألقت جاندارا كأسًا ناحية ثونار بعنف واستندت على الطاولة أمامي "أخبريني من تكونين؟ هل أنتِ ابنة أحد المقاتلين؟ أم مجنونة لا تهتم بحياتها؟" حاولت الضحك وحركت رأسي للجهتين "لا هذا ولا ذاك، اكتشفت أني أكره مشاهدة الظلم دون حركة".

اتسعت عيناها لوهلة قبل أن تضحك بصخب وقد اندفع رأسها للخلف "إلهي، ثونار! حقًا لا يمكن لشخص طبيعي أن يكون في حياتك" ضربت ثونار الطاولة بكأسها الفارغ وصاحت "قدمي المشروبات لهما يا امرأة!" تحركت جاندارا تحضر كأسين، ولكني أوقفتها وطلبت عصير عادي، سأشاركهما الوجود في المكان، ولكن ليس الشراب. 

ثونار أعلنت عن اعتراضها وطلبت من جاندارا أن تضيف مشروبا ضعيفًا لعصيري، وافقت بصعوبة و... انتهى بنا الأمر نتجرع كؤوسنا في رشفة واحدة.

ثونار كعادتها ضربت الكأس بقوة بالطاولة وللآن لا أزال متفاجئة من قوة هذه الكؤوس؛ فلا تنكسر أبدًا، أضافت جاندارا المزيد لنا وبدأت كراميل تثمل من الكأس الثاني، ثونار كعادتها متماسكة والكثير من الرجال مروا لإلقاء السلام على ثونار ولم يتجرأ أحدهم على تحديها؛ فيبدو أنها معروفة هنا. 

جاندارا بدت فخورة جدًا بوجودي داخل حانتها، وفي كل مرة يمر أحدهم على البار تشير نحوي بفخر وتقول إني من أوقفت بنجامين عن قتل أحدهم.

ردود الفعل نحوي كانت مختلفة، هناك من حدق بفضول دون أي حديث وهناك من تجنبني على الفور مع بعض الهمسات وهناك من انطلق نحوي بصدمة صارخًا بأني رائعة وأني حديث الجميع وأنه سعيد بمقابلتي، وهكذا حتى أصبح وجودي معتادًا بين البعض والبعض الآخر فقط تجنبني.

كراميل أصبحت ثملة بشكل سيء، تضحك بقوة وتبكي في الوقت ذاته "ذلك الغبي قد رفضني، هو الخاسر على أي حال!" صاحت وهي ترفع الكأس عاليًا لتتجرعه "أنتِ محقة يا فتاة، لسنا بحاجة للرجال!" صرخت ثونار لتطرق الاثنتين كأسيهما. 

مالت ثونار نحوي وهمست "عمن تتحدث؟" وضعت كأسي على الطاولة لتبدله جاندارا بكأس صغير يحتوي جرعة لا طعم لها ولم أرفضها "فقط اتركيها كما تريد" همست لتومئ وتنظر ناحية كاراميل التي مالت حتى كادت تقع في حجري وهمست بنبرة ثقيلة "عن ماذا تتحدثان؟" نظرت ثونار نحوها بابتسامة مستمتعة وهمست "عن الرجال الذين يحطمون القلوب". 

حدقت كاراميل بها وامتلأت عيناها بالدموع قبل أن تتقوس شفتيها بقوة ويرتجف ذقنها ثم تنفجر في البكاء. "أكره أتريوس!" صاحت واحتضنت جسدي تبكي "شكرًا، أيتها اللعينة" همست ناحية ثونار التي كانت تحدق بها بصدمة "لحظة، ما شأن أتريوس في هذا؟".

تنهدت وحاولت التربيت على ظهر كاراميل لتهدأ "أتريوس، أحمق وسيم، لقد رفضني" اتسعت عين ثونار وصرخت "أنتِ معجبة بأتريوس؟" التقطت كاراميل كأسها وتجرعته بينما دموعها ما زالت تجري على وجنتيها "ليس بعد الآن، لا أتريوس بعد الآن... لا وجود لرجل قوي وغامض وجذاب في حياتي منذ هذه اللحظة، نسيته تمامًا". 

صاحت وضربت الكأس الفارغ بالطاولة بقوة ليتحطم لأجزاء، قفزت كاراميل بفزع وتجمدت وهي تنظر لبقايا الكأس وركضت جاندارا نحونا وهتفت بـ"لا بأس، ليس شيئًا جديدًا" ولم يهتم الجميع بصوت التحطيم العالي؛ فهم مستمتعون بالموسيقى والرقص والأحاديث.

جمعت جاندارا بقايا ما كان كأسًا وألقته في سلة المهملات ووضعت كأسًا جديدا وذهبت تباشر عملها وكأن شيئًا لم يحدث، كاراميل ظلت تحدق في المكان الذي كان الكأس المحطم عليه واستبدل بكأس جديد ممتلئ وضعته جاندارا أمامها، عيناها عادت لتدمع مجددًا قبل أن تنفجر في البكاء بصوت عالٍ "لقد حطمت الكأس، هذا مخيف!" صاحت وهي تشهق بقوة لأمسك رأسي بصبر.

"لقد حطم الغبي قلبي كما حطمت الكأس" أشارت للكأس الجديد وبكت مجددًا "هل ستنوح طيلة الليل؟" أومأت لثونار "هذا ما نحن هنا لأجله، اتركي الفتاة تخرج ما كانت تكبحه" زفرت ثونار ونهضت تلتف حولي وتجلس بجوار كاراميل على الجهة الأخرى. 

"استمعي لي، هناك مليارات الرجال في هذا الكون، لقد حطمكِ رجل واحد، وهذا يعني أن هذه ليست قصتك... من يعلم أي قصة أخرى مخبئة لكِ؟ ثم اللعنة على الرجال يا فتاة! لسنا بحاجة لهم، كسر قلبكِ وأنت تبكين هنا من أجله! فليذهب إلى الجحيم!" 

توقفت كاراميل أخيرًا عن البكاء وهي تنظر لثونار قبل أن تصيح "تبًا للرجال، فليذهبوا للجحيم!" ضحكت كلٌ منهما وأيقنت أن ليلتنا طويلة.

الموسيقى انتهت قبل أن تبدأ واحدة جديدة ويصرخ الجميع بحماس "إنها التانب، انهضا! يجب أن يشارك الجميع بالرقصة" صاحت ثونار وهي تسحب كلتينا لننهض "لا أعرف كيفية رقصها!" صحت لثونار وأومأت كاراميل التي تقف بصعوبة.

راقبت الجميع حرفيًا ينهض نحو ساحة الرقص بحماس غريب، وبداية الموسيقى كانت هادئة، بدا الجميع يأخذ مكانه. "فقط راقباني وافعلا مثلي، كل ما عليكما فعله هو التماشي مع الموسيقى" تحركت نحو الساحة بابتسامة كبيرة، وما إن ارتفعت الموسيقى أصبحت أكثر حماسًا.

الجميع في حركة واحدة صفقوا كبداية وبدأت أجسادهم تتحرك في تناغم، خطوة بالقدم اليمنى للخلف ثم اليسرى، الفتيات التففن حول أنفسهن وصفقن مرتين قبل أن يدور الرجال حولهن وكل شريك يمسك بيد شريكته، قبل أن يسحبها ويرفعها من خصرها للناحية الأخرى ليتبدل كل واحد شريكه وتطرق الفتيات الأرض بأقدامهن اليمنى مرتين ويصفقن ثلاث مرات قبل أن تُعاد الكرة.

كاراميل الثملة بدت مستمتعة بالحياة أكثر من الطبيعة، انطلقت ترقص مع الجميع وبالرغم من أنها تعثرت في البداية إلا أن شريكها ساعدها كثيرًا حتى أتقنت الأمر.

شاب لا أعرفه سحب يدي نحو ساحة الرقص بابتسامة كبيرة وبدأ الرقص باستمتاع، حسنًا، لا يوجد هنا طلب نبيل لمشاركة الرقص، فقط اسحب شريكك وتقدم.

في البداية كنت مترددة في هذا الأمر، لكن مع حركة الجميع وجدت جسدي يتحرك مع الموسيقى وحده ولم يكن صعبًا، كان نوع من الرقص الذي ما إن تجربه تجد جسدك أتقنه، تصفيق ودوران ضرب الأرض وارتفاع جسدي للأعلى قبل أن أقابل شريك جديد.

الحانة بأكملها كانت ترقص، حتى جاندارا تركت عملها لتشاركنا الرقص الممتع. 

انتهت الرقصة وصفق الجميع بحماس وسعادة، ولأول مرة كنت أستمتع بوقتي مع أصدقاء غرباء الأطوار، ولكنهم كافون.

كاراميل ارتفعت معنوياتها وظلت ترقص مع كل موسيقى تُعزف وكانت جذابة جدًا للشباب على ساحة الرقص، وأنا وثونار رقبناها من بعيد حتى لا تسبب مشكلة ما.

بدأت أدندن بأغنية كنت كتبتها من قبل عندما بدأ لحن جديدٍ كان مناسبًا جدًا لكلمات الأغنية، شيء آخر عني لم أحب أبدًا التحدث عنه، كنت أحب العزف والغناء لفترة حتى انتهاء المدرسة الثانوية، الجيتار كان أفضل الآلات الموسيقية بالنسبة لي، ولكني توقفت مع دخولي الجامعة لأني لم أجد الوقت لذلك.

ثونار التفت نحوي بحاجبين مرتفعين "صوتك..." توقفت قبل أن تردف "هذا مذهل، منذ متى تستطيعين الغناء؟" رفعت كتفي وتمتمت "لست محترفة، لكني كنت أحب كتابة الأغاني، خاصة الأغاني الارتجالية" صاحت بإعجاب وقالت "تستطيعين الارتجال؟" أومأت بابتسامة "كنت أمارسه من وقت لآخر" أمارسه في غرفتي، وأمام عائلتي سابقًا قبل أن يتوفى والدي.

"أيمكنكِ الغناء الآن؟" اتسعت عيني ونظرت نحوها وحركت راسي بلا "هيا يا فتاة، صوتك جميل" شجعت وسحبتني نحو المساحة المخصصة للعازفين، كانت الآلات غريبة الشكل وغير معتادة، ولكن واحدة منها كانت تشبه الجيتاره، وإحداها شبيهة للبيانو ولكنها أكثر تعقيدًا وتخرج أصوات مذهلة. 

"رفاق، لدينا مغنية!" الفرقة توقفت عن العزف ونظرت لثونار ورحبوا بها قبل أن تتجه أنظارهم نحوي "هذه الشابة" أشار نحوي رجل أسمر البشرة يبدو كبيرا في العمر، ولكنه ذو نظرة حادة اكتشفت لاحقًا أنها لا ترى النور لأنه فاقد البصر، ثونار أومأت وربتت على ظهري بينما قرصتها بقوة لوضعي في هذا الموقف.

"أيمكنكِ عزف أي من هذه الآلات؟" سأل شاب ذو ابتسامة ودودة وكان هو عازف الآلة الشبيهة للبيانو، نظرت لشبيهة الجيتاره وأشرت نحوها، الرجل الذي كان يمسكه ناوله لي وحاولت العزف عليه. كان مختلفًا عن الجيتار الذي اعتدت العزف عليه ويخرج أصوات مختلفة، ولكن ما إن تتغير حركات الأصابع على الأوتار بشكل عكسي يمكنني الوصول إلى نغمات معتادة.

نظرت لهم وفجأة فكرة ما قفزت لرأسي، فكرة فيها القليل من المخاطرة والجنون، ولكني شعرت برغبة كبيرة في فعلها، وكأن هذا ما أردت فعله منذ البداية.

نظرت للفرقة وسألت إن كان بإمكانهم عزف لحن ذي مقاطع هادئة ولكنها تعتمد على النغمة التصاعدية مع كل نغمة حادة أصنعها بالجيتاره والذي اكتشفت أنهم هنا يسمونه بلورو.

نظر العازفون لبعضهم والشاب ذو الابتسامة الودودة عزف لدقيقة لحنًا مناسبًا لما أتخيله تمامًا "فقط اثبت على هذا وقم بإعادته مع تضخيم النغمة مع نغمة الجيـ... البلورو الحادة" ابتسم وأومأ بينما بدأ البقية واحدًا تلو الآخر يعزفون لحنًا مختلفًا، ظللنا نعيده حتى وصلت للمستوى الذي أريده.

جلست على المقعد الذي ثبت أمامه ما يشبه مكبر الصوت، ولكنه دائري وأكثر نحافة من المكبر الذي أنا معتادة عليه.

الجميع كان يتحدث والبعض عاد لمكانه وترك ساحة الرقص فارغة لتوقف الفرقة عن العزف، وكون أنّ لا أحد حقًا يعطينا اهتمامًا جعلني غير متوترة وقادرة على غناء ما أريد.

اللحن لم يكن حماسيًا ولم يكن معتادًا؛ لأنه ليس من الإلترانيوس... إنه فقط خاص بالبشر. 

الفرقة بدت مشوشة؛ فهي تعزف نوتات غير مألوفة، ولكن مع التجربة الثالثة كانت الموسيقى سلسة بنعومة… وما إن عزفت أناملي الأوتار شعرت بتلك الرغبة في إغلاق عيني والغناء، لتستمع قلوبهم، لا آذانهم. 

الهدوء والكآبة كانا يملآن المعزوفة التي بدأها البيانو، ولكنها بدأ تحمل شيئًا من ذلك اللحن الذي كنت أسمع جدي يعزفه وهو يغني أغاني الحرب التي كان يحكيها لنا في كل ليلة نقضيها في منزله القروي.

 أخذت نفسًا مرتعشًا أخرجته ووجدت نفسي أرتجل كلماتي بكل سلاسة…

"مرحبًا بك، في المملكة الزائفة. 

شاب غريب بجواري، قال ما إن رآني:

سمعت أنك جديد هنا، وقد تعاني…

خذ نصيحتي ولا تسأل لماذا... 

مهما تجولت لا تكن مهملًا، انظر خلف ظهرك، لا تعطِ ثقتك، وكن مستعدًا…

لا تعلم متى ستصيبك الضربة، متى ستقتل، متى ستذبح… تأقلم يا صديقي مع هذا الخوف.

أتسمع ما يسمعه الجميع؟ الخوف يطرق الأبواب، الحرب تطرق الأجراس والجميع يختبئ كالجبناء.

تلك المرأة تمسك بذلك الشاب…

في كل صباح عندما يغادر.

اخفض رأسك، لا ترفع عينك، اخفض صوتك واكبت غضبك.

اختبئ ولا تعترض حتى نظل على قيد الحياة، هذا كافٍ، لا تتمرد، هكذا لا نموت.

علينا العيش في هذا الخوف، لا تصرخ ولا تناضل، اغلق عينك واغلق أذنك وانسَ يا بني، هذه ليست حرب…"

اللحن أصبح أكثر هدوءً قبل أن أضرب الأوتار بقوة وبنغمة عالية تماشت الفرقة معي لأصرخ بنغمة عاليةٍ غاضبة:

"إنهم لا يدركون، هذه هي الحرب!

هذا هو الخوف.

لا تخفض رأسك، لا تخفض صوتك…

ارفع عينك وامسك سلاحك، اطرق الأرض وفجر غضبك.

من منا ضعيف؟ من منا قد مات؟

إنها لا تدرك…

أن تظل حيًا ليس بكافٍ…

ليس بكافٍ…

ليس بكافٍ…" 

عاد اللحن للمقطع الأول ورددت بأعين مغمضة:

"مرحبًا بك في مملكة الخوف.

توقف عن تحطيم نفسك وأوقف ذلك الذل.

أنت تصنع مستقبلهم.

هذه فرصتك فاغتنمها…

فها قد جاء اليوم وهذه هي الحرب."

الموسيقى ارتفعت مجددًا وكررت المقطع الأصلي.

"إنهم لا يدركون، هذه هي الحرب!

هذا هو الخوف.

لا تخفض رأسك، لا تخفض صوتك…

ارفع عينك وامسك سلاحك، اطرق الأرض وفجر غضبك.

من منا ضعيف؟ من منا قد مات؟

إنها لا تدرك…

أن تظل حيًا ليس بكافٍ….

ليس بكافٍ...

ليس بكافٍ…"

أخذت الموسيقى منحدرًا آخر سريع ومتتالي.

"يمكنك أن تصرخ، تقاتل، تغضب، تبكي.

يمكنك أن تكون الثورة والصوت والمدفع، اضرب بقوة واصرخ حتى يختفي صوتك. 

هذا يوم الحساب، هذا يوم العقاب.

مهما حاولوا إيقافك، مهما حاولوا إسقاطك؛ انهض مجددًا، قاوم وكن كالطير. 

جميعهم كالذهب الزائف، أنت العنقاء بعد الرماد، أنت الصوت بعد السكوت، وأنت الغضب بعد الفجور"

اللحن عاد ليهدأ ويعود للحن البداية الكئيب، ولكنه يحتوي على نبرة هادئة قبل أن تتوقف كل الآلات عن العزف ويبقى صوتي هادئًا بينما أكرر:

"مرحبًا بكِ في مملكتنا الزائفة.

هنا حيث الضعيف يموت دون صراخ، يموت دون مقاومة. 

هذه هي مملكة الأموات.

أخبرهم أن الحرب دقت الأجراس"

لم أفتح عيني بينما أسمع قلبي يضرب بين ضلوعي بشدة وأناملي ارتعشت والصمت سبب قشعريرة سيئةً لجسدي، ولوهلة ظننت أن غنائي كان سيئًا لتلك الدرجة.

فتحت عيني لتقع على وجه الجميع، الجميع ينظر نحوي حرفيًا، التعابير على الوجوه مختلفة، من التفاجؤ إلى الذهول، وحتى هناك من وضع ملامح غاضبة ولم تكن موجهة نحوي.

وقف شاب قبل أن يصفق بقوة تبعه موجة قوية من التصفيق والصياح والصفير، وثونار وقفت فوق الطاولة بحماس تصرخ باسمي. 

انحنيت بهدوء والتفت للفرقة أعيد الجيتاره لهم، وحينها أوقفني الرجل الذي يدفع داخلك شعورًا بأنه يراك بالرغم من أنه غير مبصر "من أنتِ بالضبط؟ سمعت موسيقى الممالك الإحدى عشر ولم تسمع أذني شيئًا بهذه الروعة من قبل".

ابتسمت وشكرته قبل أن أقول "أظن أني مجرد فتاة خرجت من أسطورة". 

النظرة على وجهه لوهلة أخبرتني أنه فهم أي أسطورة أقصد، ولكنه هتف "سأحب أن أسمع هذا الصوت المبارك مجددًا". 

أومأت لهم كشكر وذهبت ناحية ثونار وكاراميل أسحبهما لأننا تأخرنا كثيرًا. الكثير كان ينظر نحوي بنظرات مندهشة وبعض الرجال حيوني باحترام ما إن مررت بجوارهم، وبعض من كان يتجنبني رمى ابتسامات شاكرة نحوي قبل أن نخرج.

"ما كان هذا للتو؟ شعرت بالدماء تندفع بقوة في جسدي، تلك الكلمات ارتجالية؟" ضحكت لثونار وأومأت لتحرك رأسها بعد تصديق.

توقفت كلتانا عندما لاحظنا أن كاراميل لا تتبعنا، التفتنا ننظر نحوها، كانت منحنية تجلس على الأرضية وتنظر بشرود للأرضية.

"كاراميل، هيا! توقفي عن التفكير فيه، لـ..." توقفت ثونار عندما رفعت كاراميل رأسها، لم تكن تحمل تلك التعابير الباكية بسبب أتريوس، كانت باردة وحزينة، قبل أن تهمس بصوت سمعناه بسبب هدوء المكان والموسيقى المكبوتة:

"أظن أنني أحد لعناء المملكة الزائفة" 


**********************************************

اغنية "المملكة الزائفة"

مقتبسه من اغنيه this is war تقدروا تتخيلوها نفس اللحن كمان


الاغنيه لو مش شغاله معاكم شوفوها على اليوتيوب

المهمممم

انتهى الفصل وكاراميل قلبت عليها هرومونتها 

والسؤال الي هياخد جايزه اكتر سؤال بيتكرر من ست سنين "كاراميل قالت ايه لاتريوس"

والاجابه

برضو مش هقلكم 

كل حاجه في وقتها

-انا وانا بكشف السر بعد سبع سنين كمان-

الناس القديمه ميحصلهاش تشوش عنوان الفصل اتغير بس الفصل هو هو 

مش فاكره العنوان القديم كان ايه الصراحه بس حسيت ده مناسب اكتر

قولولي رأيكم في الفصل في التعليقات عشان بحب اقرا ردود افعالكم اوييي والله

لوف يووو

باييي




Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

50 تعليقات

  1. اول تعليق اروح اقرأ البارت

    ردحذف
  2. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️🔥

    ردحذف
  3. كنتي مسميته اسوء مستشارة عاطفية و بعدو واحد إضافي و بعدو مملكة زائفة و بعدو لا يمكن اكتسابها و بعدو ليس طفلا بل صنديد و بعدو جايدن من الشمال وبعدو اللاعب والبيدق و بعدو مع طلوع القمر و بعدو فارس المستذئبين وبعدو داهية البشر و بعدو نزال مناجل الصهباء تعبت وانا اكتب بس تالت مرة اقرأ البارت و كأنها المرة الأولى من الحماس😍 وخصوصا بفضل اتريوس😂😂 اتمنى ما تتوقفيش علينا ♥🇩🇿

    ردحذف
    الردود
    1. انا قريتهم بالاسماء دي ولسه موجودين عندي

      حذف
  4. بضن قالتلو أنو معجب بجلنار فهذا يفسر سبب تشوش ملامح اتريوس وقول كراميل لجلنار لا تترك اتريوس وحده🧐🧐معكم محققة رحاب

    ردحذف
    الردود
    1. نفس تفكيري... اكيد حكو في هيك شي...
      كانت بطاقتنا الرابحة هي يوجين لكن يوجين الغبي 😭😭 قتلني ضحك وغضب فنفس الوقت💔🤣

      حذف
  5. كان اسمه القديم المللكة الزائفة تقريبباا

    ردحذف
  6. هموت واعرف اتريوس قالها اية واية المحادثة الي دااااارت بينهم اشفقى علينا وعرفينا🙂🙂🙂🙂

    ردحذف
  7. بعد ما قريت البارت جالي فكرة ان يوچين مش ميت يوچين جسمه ف غيبوبة بعد الحادثة الي حصلتله وهيبقى مع جلنار كصديق ف الاخر ده احلى واجمل توقع اتوقعته وبجد اتمنى انه يبقى صح 🥺🥺🥺🥺🥺

    ردحذف
    الردود
    1. الله يسمع دا الكلام الجميل جدا جدا جدا يا رب.

      حذف
    2. نفس تفكيري وان شاء الله يطلع مو ميت 💜

      حذف
  8. اسراء افضل كاتبه ك العاده 😭❤️

    ردحذف
  9. أحياناً بحس أن توبازيوس عاملة زي التهويد كده بتخليني احس بهدوء رائع يعني عارفه زي المساحة الآمنة بتخليني غصبا عني اهرب من الواقع المؤلم يعني أجواء الحرب يعني كل ما اتذكر انو قبل كام سنه بس انا كنت جالسه اقراء الرواية في بيتي والحين لمن الحرب بداءت في السودان وأنا من الأشخاص اللي كنت عايش في الخرطوم ف كل ما اقراء توبازيوس بتذكر شعور جميل حق البيت والأمان أكبر همي متى حينزل البارات الجاي وانو الله يستر وما يطلع شيء ياخر البارت
    شكراً إسراء على كل شيء بالجد شكرآ من كل قلبي ولو تعرفي بس كمية البنات اللي في السودان من عشاق روايتك يعني عندك قاعدة هنا وبنحبببببببك 💚❤️

    ردحذف
  10. جواب السؤال وحسب خبرتي التي تقدر ١٠ سنين متابعة للروايات هي سألته اذا مهتم لجلنار واذا في بنت معجب فيها

    ردحذف
  11. ياااااااههه دا الفصل كان كامد اويييي ناارر وربي يجنن💥💥💥

    ردحذف
  12. و اخيرا اليف ظهر 😭😭😭

    ردحذف
  13. 🥰🥰😍😍😍😍 بدأت بوادر الحرب والمقاومة بالظهور ، الحماس لما هو قادم على أوجه 🔥🔥

    ردحذف
  14. هاد الفصل عبارة عن فصلين قديما *واحد اضافي* و *مملكة زائفة*

    ردحذف
  15. فيش كلام، بس الحمد لله فيه ايموجيز 🥹🤩👀🔥❤️‍🔥✨🤭💃💃💃💃💃↖️↖️↖️😘😍🤯👌💛💛💛💛❤

    ردحذف
  16. لااء سبع سنين اى بس 😭😭 الفصل القديم كان اسمه المملكة الزائفه على ما اعتقد
    عايزة اعرف اى اللى هيحصل بعد ما جلنار عرفت ماضى أتريوس فكرت انى مش هوصل للى بعد كدا خالص بس هانت 😭♥️

    ردحذف
  17. البارت رهيب كالعادة ♥️♥️

    ردحذف
  18. الردود
    1. أجمل حاجة انو خلاص هانت وبارت الحفلة قرب 😍😍

      حذف
  19. أنا هفضل بحب الأغنية دي مهما عدا عليها سنين 🥰

    ردحذف
  20. مستعده اعمل اي حاجه عشان اعرف قالت لاتريوس اي

    ردحذف
  21. جيجي بتحطي نفسك فمواقف بااايخةةة

    ردحذف
  22. هذا دمج فصلين 54 اسمه واحد اضافي و 55 اسمه المملكة الزائفة،
    عاجبني شكد تقلصت عدد الفصول،
    و جدا متحمسة للفصول الجديدة 💜

    ردحذف
  23. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  24. 🌺🌺🌺فصل طويل وجميل

    ردحذف
  25. ❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  26. اخر من يقرأ الفصل😭 + متحمسه للفصول وقت يبدل القتال بجد

    ردحذف
  27. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  28. الفصل دا اكتر فصل من سنين ولحد النهاردة بعشقه وكنت مستنياه بجد بسبب الاغنيه ومستنيه الفصل الجاي وردود الفعل ع الاغنيه اوي اوي اوييييي

    ردحذف
  29. يارب الحماااس متصدكين عبالج مقارية هلبارت وناسيته وفجاة غنت جلنار والاغنية سمعتهة رجعتني لذكريات دافية

    ردحذف
  30. لقد قرأت القصه كتييير وكل مااقرئها من جديد اشعر بنفس الحماس وبنفس المتعه بصراحه قصه في غاية الروعه. بحس ان انا جزء من القصه انتي مبدعه بكل ماتعنيها الكلمه

    ردحذف
  31. انا منتظره البارت السابع والثلاثين بفارغ الصبر

    ردحذف
  32. البارت هينزل امتي فضولي هيموتني ي اسرااء

    ردحذف
  33. الفصل هينزل امتى 😭😭

    ردحذف
  34. صباح الخير الفصل السابع والثلاثين امتى هينزل
    ممكن تبعتيلي الموقع الخاص بيكي لروايات عشان اعمل متابعه ليكي

    ردحذف
  35. بعد ما قريت البارت للمرة الواحد بعد المئه فكرت في نظرية وهي ان الشبح إليف هو نفسه ملك الاترانيوس 🧐🧐

    ردحذف
    الردود
    1. أنا ذي نظريتي من زماااننن، اعتقد بيكون هو بجد😭😭😭😭😭💜

      حذف
  36. يارب إسراء تحصل فرصة ترسل لنا فصلين ولا ثلاثة ولا حاجة
    ولا الفصل الواحد حق كل يوم عادي راضيين، المهم تجي الحفلة وبعدها الحرب وبعدها الحفلة اللي بعد الحرب لأني أحبها😂😂😂😂

    ردحذف
  37. لقد هَرمنا 🫂
    بدي فصل من زمان بستنى 🥲💔

    ردحذف
  38. لمَ لا يضع أحدهم طوق كهربائي حول رقبتي؟ في كل مرة أفكر في قول شيء غبي يتم صعقي حتى الموت! او ربما يجب وضع قناع على فمي يمنعني من إخراج الهراء.

    براهن انو هاد الشي مارح يمنع غبائك 😂😂😂



    التفت تزامنًا مع صراخه بغضب "ثونـــار!" اتسعت عيني وأنا أرى الفستان الوردي القصير يغطي جسده وثونار تترنح من كثرة الضحك "هذا المرأة تعرف ما هي المتعة بكل تأكيد" علق أتريوس وهو يبتسم باستمتاع بينما وجه هارليك انفجر بلون أحمر قوي. "توقفي، ثونار" قلت بصرامة لتصفق مجددًا بصعوبة؛ لأنها بالكاد تقف لكثرة ضحكها
    حرام زعلت عليه 😭😭😭

    واليف اللي كلنا متوقعين انو هو الملك ان ماضربتي توقعاتنا سقف الحيط🤡☻

    ردحذف
  39. لااالاالاااااالاااااا نفس الحركة 😭😭😭 قبل ماتوقف الرواية قبل للحين نفسي اكرف كراميل قالت ايه لاتريوس 😭 ليش اخساسي بيقولي قالتله شي عن جلنار وهو رد 😭😭😭 ابي اعرررررف الحيييييييين 😭 غير القفلة ، احساسي يقول كارميل ذي ليها علاقة مع النبالاء المقرفين الاشرار ذولي 😭😭 لانه لطفهاء وطيبتها ذي مش طبيعية وربي 😭

    ردحذف
  40. بحب كتاباتك جدا ❤💜💚💙💛

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال