الفصل الواحد والأربعون | عندما دجا الليل

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهمَّ إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ اللهم إني أسألك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهمَّ استُرْ عوراتي وآمِنْ رَوْعاتي اللهم احفظْني مِنْ بينِ يديَّ ومِنْ خلفي وعَنْ يميني وعَنْ شِمالي ومِنْ فوقي وأعوذُ بعظمتِك أنْ اغتالَ مِنْ تحتي".

إفصاح آخر "أكثر لعبة أكرهها هي الشطرنج،فالجميع فيها يموت ليحيا الملك". أدهم شرقاوي

مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل الواحد والاربعون والثلاثين




أغلقت رباط الحذاء البني ذي الرقبة الطويلة قبل أن أنهض وألتقط الحزام الجلدي أثبته حول خصري جيدًا، أبعدت الستائر عن نافذة الغرفة أرى السماء تكاد شمسها تشرق بينما عادت لذاكرتي أحداث زيارة القصر الملكي منذ يومين.

لم يكن الأمر في النهاية كارثي بالرغم من عدم إعجابهم بي كما هو متوقع!

جلين كان أقلهم حقارة ولكن أكثرهم أنانية؛ فلم يصب اهتمامه سوى على قصره وممتلكات عائلته، لذلك تعمدت ذكر أرض نورث أكثر من مرة؛ فهي هدفنا الأول، وحتى تتضح الصورة…

نحن لسنا فرسان النبلاء، نحن فرسان المملكة.

الأميرة كانت شخصيةً غريبة لا يمكنني أبدًا معرفة فيما تفكر، بدت شابة جدًا لتولي الحكم في هذا العمر، وما استطعت فهمه أن الملك لديه شقيق وشقيقة ولكن تقاليد المملكة تنص على أن يتولى أبناء الملك الحكم لا أشقائه.

وبالرغم من توغل النبلاء في قرارات المملكة وقدرتهم على تسيير الكثير من الأمور فإن الاميرة كانت لهم بالمرصاد، فعلى ما يبدو أنها تتكفل بإيقافهم عند حد معين وهذا بدا كشوكة في حلقهم.

كان من الواضح أن أقلهم كراهية وتفرقة لسكان الحدود كانت عائلة كليسثسنيس أو ربما سيدة العائلة فقط، فعلى ما يبدو أيضًا أنها تواجه ضغوطًا قوية من بقية عائلتها حتى تطرد سكان الحدود من على أراضي العائلة.

انتهى الاجتماع في النهاية دون أن أضطر لحرق الطاولة وهم عليها وهذا يدعو للفخر إن أردتم الحقيقة. جميع الفرسان تقريبًا أخذوا نفسًا قويًا ما إن خرجنا من المكان وأولهم أوكتيفيان؛ فيبدو أنه كان يتوقع أسوأ قتال قد يحدث.

نتيجةً لاجتماعنا قد تحدد الآتي: بعد أيام لا تذكر سنقف وجهًا لوجه ضد الإريبوس في معركةٍ منتظرة…

لذلك قررت أن لا وقت لإضاعته، سأتجه لأرض السيرين حتى أجد كل من مونغستا وبورالدو.

ما زلت مصرة أن مساعدة السيرين لازمة، بل ومهمة، إنها كفيلة بقلب الموازين، فيبدو أن الإريبوسيين على دراية بالنزاع داخل المملكة ويعلمون أنه من المستحيل أن يتعاون السيرين من أجل استعادة قصر جلين، إن نجحت في ضمهم لنا ستكون ضربةً جيدة ستمكننا من استعادة أرض نورث ومنع أي ضرر قد يمس الأراضي الثلاثة الواقعين غربها.

يوجين راقب تحركي في الغرفة وعندما قررت الخروج تبعني وقال: "ألن تخبريهم بذهابك؟". أشار بحديثه للفرسان لأرفع معصمي أمام وجهه "لن أوقذهم شخصًا شخصًا حتى أخبرهم، سأرسل لهم رسالة بأنني ذاهبة لإقناع السيرين" لم أنتظر لأني في طريقي للخروج أرسلت تسجيل صوتي سريع للفرسان بأني لن أكون في المنزل وقت الفطور.

وقفت في الباحة الأمامية قبل أن أصفر بصوتٍ عالٍ أدعو أن يكون كارولوس مستيقظًا في هذا الوقت ولم يخب ظني؛ ففي خلال دقيقة حلق نحوي قبل أن يهبط أرضًا ويدفع رأسه نحوي حتى أربت عليه.

"اشتقت لك أيضًا" ضحكت محتضنةً رأسه بينما مسح يوجين على رقبته. "لدينا مهمةٌ اليوم يا صديقي" قلت بشبه تذمر ليميل برأسه وأشعر باستغرابة. "هل تعرف أقرب مكان يمكنني رؤية السيرين فيه؟" استقام في وقفته ونظر نحو الشمال وشعرت برغبته لأخذنا هناك. "أحسنت" تمتمت وأنا أتحرك لأمتطيه.

أوقفتني زمجرته العالية وحركته العدائية الغاصبة وهو ينظر خلفي، التفت حيث الشخص الذي سبب اضطرابه ولم أتفاجأ كثيرًا وأنا أرى أتريوس يضع يده داخل جيوبه ويتقدم نحونا، مسحت على عنق كارولوس ليهدأ قليلًا ووجهت حديثي لأتريوس: "ماذا تفعل هنا؟". رفع حاجبًا قبل أن يومئ بسخرية "صباح الخير لكِ أيضًا"

دحرجت عيني ونظرت نحوه بمعنى (ماذا تريد؟) فرفع يده مشيرًا للسوار حول معصمه "وصلتني رسالتك" نظرت نحوه بدهشةٍ مصطنعة "أوه! حقًا؟ ظننتها لن تصل". وقف أمامي قبل أن ينقر رأسي بقوة مؤلمة "لا تستخدمي هذا الأسلوب معي، جلنار" قبضت فكي ونظرت نحوه بغيظ دون رد.

يدي وجدت مكانها فوق رأس كارولوس الذي لا يتوقف عن الزمجرة في وجه أتريوس وشعوره بالغضب نحوه يتزايد بينما أحاول تهدئته.

"ستذهبين وحدك؟" سأل متجاهلًا كارولوس لأومئ كإجابة. "هل ستتطوع للذهاب معي؟" حدق بوجهي لثوانٍ قبل أن تتجه عينه نحو كارولوس الذي زجرته بنظرتي أيضًا عندما شعرت به يفكر بكيف يقضم رأس أتريوس.

"هل تريدين مني الذهاب معكِ؟" هل سنلعب هذه اللعبة الآن؟ تنهدت وأومأت برأسي. "إن أبقيت فمك مغلقًا ولم تحاول استفزاز أحدهم فلا أمانع" أشرت نحوه بسبابتي ليوجه عينه نحوها قبل أن يرفعها نحوي ويميل مقتربًا "أفتح فمي وقتما أريد".

لولا رغبة كارولوس العالية في القتل لما ابتعدت عنه ولفزت في مسابقة التحديق بيننا، لكنني اضطررت للالتفات ودفع كارولوس بعيدًا، التقت عيني بيوجين الذي كتف ذراعيه ورفع حاجبًا وهو يطرق بقدمه الأرض لأتنهد وأتجاهل رسالته الواضحة.

"كما… كيف ستذهبين حيث يعيش السيرين وأنت لم تكوني هناك من قبل؟" سأل وأشرت نحو كارولوس بيدي "هو مرشدي الخاص" رفع كارولوس رأسه بفخرٍ ونظر نحو أتريوس باستحقار. "يبدو أنه في النهاية ليس مجرد حيوان بلا عقل" اتسعت عيني ولم أتمكن من منع كارولوس الذي اندفع نحو أتريوس بسرعة.

توقعت أن يتراجع الآخر ولو خطوة ولكنه ظل واقفًا في مكانه أمام وجه كارولوس الذي كشر عن أنيابه يحدق بعين أتريوس.

الاثنان وقفا في وجه بعضهما، أتريوس بابتسامة لا مبالية وكارولوس بتكشيرة غاضبة. "حسنًا، هذا يكفي، أنتما الاثنان! هذه التصرفات الصبيانية يجب أن تتوقف" صحت بصرامة وتقدمت نحوهما قبل أن أدفع رأس كارولوس بعيدًا وأضع كف يدي الأخرى على صدر أتريوس الذي انقبض فجأة لأدفعه.

عينه انتقلت نحوي بسرعة مما أثار استغرابي ولكني قطعت ذلك التواصل وأنا ألتفت لكارولوس "أتريوس قادم معنا". زمجر بقوة معترضًا، لكني نظرت نحوه بإصرار.

في النهاية نظرت ليوجين حتى يقوم بإقناعه، تحرك وربت عليه قائلًا: "حتى أنا لا أحب هذا الرجل، لكنه موقف ضروري، لن نوقف الحرب لأنك تكرهه". أشاح برأسه لأناديه بنفاد صبر.

"تعلمين أنه بإمكاني الذهاب بإحدى المركبات اللاتي يتركونها لنا في الجوار". حركت رأسي نافية "سنذهب مع كارولوس لأنه سيتمكن من إخفائنا بين السحب عندما يحلق ويعرف أي نقاط عمياء يتوقف عليها" التفت لكارولوس بصرامة ليتحرك بغضبٍ وهو يضرب بقدمه الأرض وينحني نحوي.


ربت عليه وتمتمت بـ "فتى جيد" وقفزت فوق ظهره، نظرت لأتريوس الذي راقب تحركاتي منذ البداية بصمت. "ماذا تنتظر؟ هيا!" دعوت ليتحرك بينما يلقي نظرةً ساخرة لكارولوس الذي زمجر وكاد ينهض لولا ضغطي على عنقه ليهدأ.

قفز فوق ظهره بسهولة وجلس خلفي، وقبل أن أوجه حديثًا لكارولوس كان قد قفز بقوة قبل أن يحلق بشكل رأسي دفعني لأحكم قبضتي على لجامه بشدة، وكرد فعل تلقائي مال أتريوس نحوي ويده التفت من حولي يمسك اللجام معي ليتحكم بسرعة كارولوس المقصودة.

لثانية نسيت تحليق كارولوس المتهور وقدرته على رمينا من فوق ظهره وكدت أترك لجامه حتى لولا يد أتريوس التي أحكمت قبضتها فوق يدي ليشدها بقوة.

صدره الذي التصق بظهري وأنفاسه السريعة بجوار أذني أجفلتني بقوة، حملقت في اللا مكان وقد نسيت ما يحدث حولنا، إنه قريب... قريب جدًا وبالكاد يمكنني التنفس.

لم أعد للواقع إلا عندما أصبحت سرعة كارولوس أقل واعتدل محلقًا بشكل أفقي. "تنينك حقًا يخطط لقتلنا" لم يكن في حاجة للحديث بصوتٍ عالٍ؛ فشفتيه بجوار أذني تمامًا وكان التفاتي نحوه قرارً سيئًا لأنه جعلني أدرك مدى قرب وجهه.

لم أكن الوحيدة التي ارتبكت، فما إن التقت عيناه بخاصتي تجمد لثوانٍ، وعندما أدرك أنه لم يتعدَ فقط مساحتي الشخصية بل دمرها كليًا ابتعد بسرعةٍ وترك يدي فوق اللجام.

صرخت بقوة داخل عقلي حتى أتنفس بشكل طبيعي وأعود لرشدي، ابتلعت قبل أن أوجه انتباهي نحو كارولوس وأطلب منه أن يذهب حيث السيرين بهدوء.

يوجين الذي كان موجودًا منذ البداية كان يحلق بجوارنا وما زال يوجه النظرة ذاتها نحوي، وعندما كاد يفتح فمه أشحت بوجهي عنه لأنه يختار الوقت الخاطئ للجدال.

الصمت بيننا كان مزعجًا؛ مما دفعني للالتفات نصف التفاتةٍ نحو أتريوس أحاول معرفة ما يفعله، لحظي الجيد أنه لم يكن ينظر نحوي، عينه تعلقت بالسماء التي أضاءت بلونٍ أزرق صافٍ ولم تظهر الشمس بعد؛ مما سبب نسيمًا باردًا محببًا.

كان من الواضح أنه غارق في أفكاره الخاصة، والتحديق به كان فكرةً سيئة لأنه دفع اضطرابًا غريبًا داخلي؛ لذلك التفت بحاجبين معقودين وراقبت السحب التي نمر من خلالها.

أبطأ كارولوس من سرعته قبل أن ينخفض بخفة، وحينها علق يوجين ساخرًا: "ألم تكن نزهة عشاقٍ رائعة؟". رفعت حاجبًا نحوه ليصيح: "ماذا؟ حقًا ينقص كلاكما كأس من الليمون المنعش وحينها ستتـ..." دحرج عينيه وقطع حديثه عندما ملت نحو كارولوس بتهديد مستعدةً لإخباره أن يطارد يوجين ولن أهتم بوجود أتريوس.

ما إن استقر كارولوس فوق الأرض تنفست براحة وقفزت من فوقه مبتعدة عن أتريوس، نظرت للأشجار التي حولنا؛ فقد كانت أغرب مما أرى عادة! أوراقها كانت كبيرة جدًا، ورقة الشجرة الواحدة كانت في حجم طفل في الثانية عشر!

الأزهار الموجودة كانت أوراقها متدرجة من الأزرق إلى الأبيض وتتحرك ببطء وحدها تنفتح وتنغلق!

"أين نحن بالضبط؟"سألت أتريوس الذي توقف نحوي، فأشار بيده لنقطة ما أمامنا "أرض السيرين تبدأ من هنا، هذا الجزء من اليابسة خاص بهم والمسطحات المائية كلها ملك لهم".

كارولوس قرر البقاء هنا حتى لا يثير فزع السيرين بوجوده، وأنا وأتريوس ويوجين تحركنا عبر الأشجار الضخمة غريبة الشكل.

مع قلة الأشجار كانت الأرض الصخرية تتحول إلى أراضي رملية رطبة وناعمة جدًا وبدأت بعض الأصوات تعلو مندمجة مع بعضها البعض، بعضها كان دردشات وبعضها كان غناء منتظمًا وجميلًا والآخر قبيحًا بصراحة.

توقفت أمام سورٍ عالٍ من الزجاج يحيط المكان وبوابةٍ ضخمة وكأنها مصنوعة من البلور وقف أمامها اثنان يرتديان سراويل وبلا أي قمصان، كلاهما كان يضحك ويدردش مع صاحبه ولكنهما توقفا وظهر الاستغراب عليهما ما إن لمحانا.

استقاما في وقفتهما وتقدم واحد منهما يمنعنا من عبور البوابة. "هل معكما تصريح دخول؟" سأل وبسط كف يده نحونا، تبادلت نظرات جانبية مع أتريوس قبل أن أحرك رأسي للجانبين. تبًا لك، أوكتيفيان! لم يخبرني عن ذلك التصريح.

دحرج أحدهما عينيه ونظر لصاحبه بملل قائلًا: "تصرف معهما". تنهد الآخر وقال: "لا يمكنكما الدخول إلى هنا دون تصريح للدخول؛ لذلك لا تشغلوا وقتي ووقتكم". منعته من الذهاب وقلت بسرعة: "هناك شخص أحتاج لرؤيته وهو من السيرين". رفع حاجبًا قبل أن يكتف ذراعيه "اسمه؟". ابتسمت قبل أن أقول: "بورالدو". زفر ودلك رأسه بانزعاج "أتعرفين كم شخصًا من السيرين يسمى بورالدو؟ توقفي عن التظاهر بمعرفتكِ بأحد السيرين ولا تضيعي وقتك، غيرك حاول كثيرًا".

نظرت لأتريوس بيأس، لكنه وضع يده داخل جيبه ورفع كتفيه بمعنى (لا شأن لي).

"انتظر! إنه شاب ذو شعرٍ أسود وعينٍ خضراء لامعة، كما أن له شقيق يدعى أميراديل! وأيضًا…" قضمت شفتي أحاول تذكر أي شيء قد يميزه "إنه غالبًا ما ينقذ الأشخاص الذي يهربون من الإريبوس على الحدود" اتسعت عين الرجل ونظر لصديقه يناديه.

تقدم الآخر بملل "إنهما يعرفان بروالدو وأميراديل!" لم يبد على الثاني الاهتمام وهو يسأل: "من هذان؟". صفع صاحبه رأسه وقال: "يا أحمق، الأخوان كيلانيو، أتتذكر؟ أحدهما دائمًا ما يورط نفسه بإنقاذ المساجين في أوقات فراغه". اتسعت عينه بإدراك ونظر نحوي، ولكنه كتف ذراعيه واقترب بنظرة متفحصة "كيف لي أن أتأكد من أنكِ لا تكذبين وربما قد سمعتِ عنه من شخص ما؟".

"كيف ستقنعين هذا الأحمق بحق الله؟" تذمر يوجين وهو يجلس على الهواء بملل. "أعرف شخصًا آخر أنا هنا لرؤيته، شخص يدعى مونغستا، إلبيوس مونغستا" أتريوس أفلت ضحكةً وحاول كتمها مما أثار تعجبي، الاثنان أمامي أصدرا رد فعل صادم حيث تبادل كلاهما النظرات قبل أن ينفجرا ضحكًا.

"كيف لفتاةٍ مثلك أن تعرف السيد ألبيوس مونغستا بحق الله؟" سخر أحدهما قبل أن يتنفس بقوة يحاول تمالك ضحكته، كتفت ذراعي بغضب أنظر نحوهما بغيظ "أنا أعرفه" ضغطت على كل كلمة ليتنهد أحدهما "مزحة جيدة، أضحكتنا بالفعل، لكننا حقًا لسنا متفرغين لهذا".

زفرت قبل أن آخذ خطوة نحوهما وبنبرة عالية وصارمة قتلت أي تعبير للمزاح "أريد مقابلة بورالدو حالًا". توقف الاثنان ونظرا لبعضهما. "لا أريد الدخول لأرضكم، فليخبره أحدكم أن فتاة تسمى جلنار تنتظره فقط" مجددًا نظر كل واحد للآخر قبل أن يومئ واحد منهما. "اذهب وقم بمناداته" أمر صاحبه ليرفع الآخر حاجبًا "لمَ أذهب أنا؟ اذهب أنت".

نفثت بقوة وأنا أراقبهما يتشاجران حول من سيذهب. "تأتيني رغبةٌ مفاجئة في مناداة كارولوس" يوجين قال من بين أسنانه وزفرت أنا أدلك رأسي. "فليتحرك أحدكما واللعنة!" صرخت بهما ليجفل كلاهما. "سأذهب أنا" تمتم أحدهما قبل أن يهرول نحو البوابة ويدفعها بخفة.

نظرت لأتريوس بغيظ لأنه لم يتدخل لدقيقة وظل يراقب ببرود منذ البداية. "شكرًا للمساعدة" هتفت ليومئ برأسه بابتسامة ويقول: "على الرحب".

انتظرت لدقائق وحاولت استراق نظرات للداخل عبر البوابة، لكن لم أتمكن من رؤية شيء. تحركت البوابة قبل أن يخرج الحارس الذي ذهب وأشار نحوي قائلًا: "هذه هي!".

اتسعت ابتسامتي تلقائيًا عندما أطل رأسٌ ذو شعر أسود من خلال البوابة وعينه الخضراء تفحصت المكان قبل أن تقع علي، بلا قميص ويرتدي سروالًا أزرق أبرز بشرته البرونزية، تحرك خطوات خارج البوابة ووقف يحدق بي بدهشة.

"مستحيل!" همس قبل أن يضحك بدون تصديق. "لقد التقينا مجددًا إذًا" قلت بابتسامةٍ واسعة ليركض نحوي محتضنًا جسدي بقوة. "لا أصدق أنها أنتِ حقًا! لا تنزعجي، لكني ظننتنهم قاموا بقتلك" انفجرت في الضحك وابتعد عني يتفحصني بعينه قبل أن يحتضن جسدي مجددًا "حقًا رؤيتكِ مجددًا تسعدني لـ...".

سُحبت للخلف بسرعة ودحرجت عيني دون أن أنظر لوجه أتريوس حتى "إن انتهيتما من الترحيب الحار فنحن هنا لشيءٍ أكثر أهمية". بورالدو نظر حيث كنت قبل قليل أمامه ثم رفع عينه نحو أتريوس، اتسعت عيناه وكأنه تذكر من هذا الشخص. "أنت!" صاح مشيرًا نحو أتريوس بصدمة قبل أن يتهجم وجهه. "كيف تجرؤ، أيها اللعين؟" صاح وهو يقف في وجه أتريوس الذي بادله نظرات باردة.

"بورالدو، توقف، نحن في الفريق ذاته" هتفت وأبعدت يد أتريوس عن معصمي قبل أن أقف بينهما. "أنا هنا لموضوع مهم" قلت وأنا أنظر لبورالدو. "مهم! أي شيء قد يكون أهم من محاولة قتلك؟" زمجر ورفع طرف شفتيه بازدراء نحو أتريوس.

دفعته بخفة بعيدًا عن أتريوس. "سنتحدث عن هذا لاحقًا، بورالدو" همست نحوه بحدة ليزفر وعدم الرضا جال على وجهه. "نحتاج للحديث مع مونغستا" رفع حاجبه نحوي بتعجب "مونغستا!" أومأت برأسي ليعقد حاجبيه ويبدل نظره بيننا باستغراب. "لست مقربًا منه، لكن… سأحاول" تمتم قبل أن يرفع كتفيه ويحرك رأسه يدعونا للدخول.

الشابان بجوار البوابة قاما بدفعها أمامنا ليدخل بورالدو ونحن نتبعه، المكان كان رائعًا! البحر كان يرمي بأمواجه على الرمل الناعم وعلى مسافةٍ بعيدة من الشاطئ كانت الأرض من السيراميك الناعم وتنتصفها رشاشات مياه ضخمة يجتمع حولها الكثير من السيرين.

و شيء آخر دفعني لفتح عيني باتساع، لا أحد يرتدي ملابسه هنا!

الرجال بلا قمصان وبسراويل قصيرة أحيانًا والنساء ترتدين قطعتين من الملابس فقط، وداخل المياه كان الكثير منهن لا يرتدون شيئًا على الإطلاق، الأمر أشبه بأحد الأفلام التي تظهر فجأة على الإنترنت عند دخول أحد والديك للغرفة.

يوجين كان يسير وعينه تنتقل من واحدة لأخرى بصدمة وابتسامة ضخمة مرسومة على شفتيه، أخذت نظرة لأتريوس بطرف عيني... كما توقعت؛ كأن لا أحد حوله! أنه يسير كما يسير عادة حتى أن عينه لم تنتقل بعيدًا عن الطريق الذي نسير فيه.

وعلى العكس؛ كلما مررنا بمجموعة حدقت بأتريوس بنظرة أعرفها جيدًا كانت توجهها فتيات الجامعة إلى دانيال وديفيد، إلا أن فتيات جامعتي لا يضاهيهن جرأة؛ فتلك ليست نظرات عادية، ولوهلة شعرت بأن أتريوس فريسة تحت نظراتهن.

"السيد مونغستا عادة ما يجلس بعيدًا عن الجميع؛ لذلك سيكون من الصعب إيجاده هنا، لنأمل أنه ليس تحت المياه في هذا الوقت؛ فسيكون من الصعب رؤيته" بورالدو التفت نحونا قائلًا بابتسامة ولكنها اختفت عندما رمق أتريوس بطرف عينه.

"بورالدو!" توقفنا جميعًا عندما صاح صوت أنثوي، التفت حيث فتاة بشعر أسود طويل يحمل تجعيدة بسيطة، جسد متناسق بالكامل وملامح طفولية.

احتضنت كتفه تلتصق به وشعرت بالإحراج فقط لرؤية درجة اقترابهما وهما بالكاد يرتديان شيئًا. "لما ذهبت فجأة؟ سنبدأ اللعبة بدونك" تذمرت ليبتسم ويبعد يده عنها بينما ينظر حوله بطريقة غريبة "لدي شيء أهم لفعله، ابدأوا من دوني".

برزت شفتيها وتقوست بحزن "لن يكون ممتعًا بدونك". ظهر عليه الضيق وبدا وكأنه يحاول التملص "كما أنـ..." تجمدت عندما وقعت عينها علينا. "من هؤلاء؟" همست وهي تحدق بنا، أو تحدق باتريوس إن صح المعنى.

"أشخاص أعرفهم" أجاب باختصار. "أخبري الجميع أني لن آتي الآن" كاد يتحرك، لكنها أوقفته مجددًا "لم لا تعرفني على أصدقائك؟" زممت شفتي وأنا أنظر نحوها، تقصد صديق؛ فهي لم تنظر نحوي سوى مرة واحدة ودون ذلك فعينها لا تفارق أتريوس.

"ليس الآن، ديفا" تمتم وهو يزجرها بنظرته. "بورالدو مشغول، لذلك لم لا تلتصقين بشخص آخر؟" التفت نحو الفتاة التي تقدمت نحونا، صدرية وردية وحول خصرها ربطة قماش أصفر فوق ملابسها التحتية.

جمعت شعرها البني للأعلى ونظرتها الزرقاء كانت تحرق ديفا مائة مرة، ديفا دحرجت عينيها وكتفت ذراعيها نحو الفتاة. "ليليان، الأمر ليس تـ..." ابتلع بورالدو عندما رمقته بقوة وصمت. "كما أظن أن كارديان يسأل عنك" رفعت ديفا حاجبًا قبل أن توجه عينيها نحو أتريوس "لا أظن أن كارديان مهم الآن" بابتسامة جانبية قالت. "أتلك كانت ابتسامة مغازلة أم أنني أتخيل؟" رمقت يوجين بحدة ليضع إصبعه أمام شفتيه ويحركه وكأنه يغلق سحابًا.

أخذت خطوة ووقفت أمام أتريوس وقد مللت من الوقوف ومشاهدة هذا القتال البارد بينهما. "علينا الذهاب" الجميع التفت نحوي وعقدت ليليان حاجبها بدهشة "من أنتِ؟". بورالدو أمسك معصم ليليان ويسحبها لتذهب، لكنها أبعدت يده ووقفت أمامي وكتفت ذراعيها. "جلنار" رفعت حاجبًا وكادت تتحدث، لكنها توقف واتسعت عيناها بصدمة "غير معقول! أنتِ هي البشـ..." لم تكمل جملتها لأن بورالدو وضع يده فوق فمها يمنعها من الحديث.

"ديفا أخبري الرفاق أننا لن نعود الآن" حدقت بنا باستغراب وشك قبل أن تومئ بصمت وتتحرك بعيدًا، نظر بورالدو نحو ليليان بحدة "ماذا تفعلين؟ وعدتني أنكِ لن تتحدثي عن الأمر!". بدلت عينها بيننا بصدمة قبل أن تهمس: "أتدرك ما يحدث؟ أنا أقف مع بشر!" صفع رأسه قبل أن يأمرها أن تصمت.

"لم هناك شخص ما يعرف عن الأمر؟" التفت نحو أتريوس ورد ببرود: "ولم علي التفسير لك؟". تقدم أتريوس بنظرة قاتلة ويبدو أنه ضاق ذرعًا من تصرفات بورالدو "لأنني يمكنني قتلك في طرفة عين، أيها الطفل".

ليليان أخذت خطوة حذرة خلف بورالدو وهي تحدق بأتريوس بقلق. "أتريوس، يكفي" همست وأنا أسحب ذراعه حتى لا يبدأ شجارًا الآن. "هل أخبرت شخصًا آخر؟" همست لبورالدو الذي نظر نحوي معتذرًا "أنا آسف، لكن لا يمكنني إخفاء شيء عن ليليان".

قبل أن أقول شيئًا الفتاة تقدمت بسرعة قائلة: "لا تقلقي، لم أخبر أحدًا ولن أخبر شخصًا، فلن يصدقني أحدهم على أي حال، حتى أنا لم أصدق بروالدو عندما أخبرني وظننته يكذب حتى يثير إعجابي". نظر نحوها بورالدو بصدمة "أتمزحين؟ أي أنكِ عندما قلتِ أنكِ صدقتي لم تكوني مصدقة؟" قضمت شفتيها ونظرت بعيدًا "ليس حقًا… فقط بدا الأمر... خياليًا".

ضحك بعدم تصديق واعتذرت هي على مضض.

"هل يمكننا الذهاب لمونغستا الآن؟" سألت بنفاد صبر ليومئ ويتحرك، تبعته ليليان وهي تسأل باستمرار عن لما قد نذهب للسيد مونغستا، بدأنا نبتعد عن التجمعات وتنفست براحة فجأة لسبب لا أعلمه.

"تكادين تقفزين على الرجل، لم لا تضعين مسافة بينكما؟"

نظرت ليوجين قبل أن أنظر للمسافة بيني وبين أتريوس، متى التصقت به لهذا الحد؟ ولم لا يبدو منزعجًا؟ فأنا بالفعل أمام خطوة من القفز عليه.

أخذت خطوتين بعيدًا بسرعة وحينها اتجهت عينه نحوي وقد استغرب من حركتي، لم يتصرف وكأن ابتعادي غريب؟

توقفنا عندما توقف بورالدو وعاد خطوتين نحوي. "إنه هناك" أشار نحو مكان بعيدًا عنا بخطوات، كان يجلس أمام الشاطئ تضرب الأمواج قدمه بنعومة بينما يحدق نحو المياه التي لمعت تحت ضوء الشمس. "أنا أخافه حقًا" همست ليليان نحو بورالدو وهي تنظر نحو مونغستا.

تحركت نحوه متجاهلة محاولات بورالدو لإيقافي، لا أظنه سيحاول خنقي مجددًا فالأمور اختلفت الآن. "سيد مونغستا!" لم يلتفت نحوي حتى وكأن لا شخص موجود حوله، تنهدت قبل أن أقف خلفه. "نحتاج أن نتحدث، أنـ..." في ثانية كان قد وقف على قدميه أمام وجهي في حركة لم يكن ليلاحظها أحد!

رأيت رغبة الهجوم في عينه، لكنه تجمد عندما وقعت عينه علي، كتفت ذراعي وأعطيته ابتسامة ترحيبية "مرحبًا مجددًا". ارتفع حاجبيه بدهشة قبل أن يهمس: "أنتِ!" رفعت كفي وأومأت "أجل، أنا".

"كم مر من الوقت؟" زممت شفتي وأجبت بعد ثوانٍ أحاول التذكر "شهر ربما أو شهرين". ابتسم ونظر نحو بورالدو الذي تقدم بحذر نحونا وأتريوس يتقدمه وظلت ليليان واقفة مكانها ترفض المجيء، أعلم أن مونغستا شخص من الصعب التواصل معه، لكنه ليس وحشًا!

"شهران كانا كفيلين لجعلكِ تتأقلمين لدرجة التحرك براحة مع شخص حاول قتلك!" حدقت بأتريوس قبل أن أضحك قائلة: "إنه فقط سيء في ترك انطباع أول جيد" رفع حاجبًا لتساهلي مع الأمر وعدم غضبي أو توتري لذكره.

"لو يعلم حقًا ما يدور بينكما" ضغطت فكي ضد بعضه ومنعت نفسي بصعوبة من الصياح على يوجين لنبرته الساخرة ونظرته التي بدلها بيننا وأسأله: ماذا يدور بيننا؟

"لا أظن أنكما هنا لإلقاء التحية!" بدل عينه بيني وبين أتريوس الذي توقف بيننا، توترت لثانية، لا أعلم كيف أبدأ الموضوع، لم أخطط جيدًا لما سأقول ووضعت خطة واضحة... سأرتجل!

لكن يبدو أن البداية دائمًا هي أصعب جزء.

عندما طال صمتي تنهد أتريوس وتطوع ليقول: "أنها هنا لتقديم عرض". مونغستا نظر لأتريوس كما فعل بورالدو قبل أن ينظرا نحوي…

"أنا لا أعلم كيف يجري نظام السيرين هنا وهل تملكون قائدًا خاصَا بكم أم لا..." وضع مونغستا يده داخل جيبه وقال: "نحن داخل الإلترانيوس، يعني أن ملكنا هو ملكهم، الأمر فقط أننا مختلفون ونسكن في الأماكن القريبة من المياه لطبيعتنا، بالطبع هناك مسؤولين عن السيرين ومتحدثين رسميين عنا، لكن لا نزال مواطنين إلترانيوسيين".

رفعت عيني نحوه بترقب قبل أن أسأل: "هل لديكم مقاتلين؟" كاد يجيب، لكنه توقف لثانية وراجع نفسه وقد شعر أن السؤال يحمل رغبة ما.

"بالطبع نملك مقاتلين! إنهم الأفضل في الإلترنيوس، فوجودنا في الأعماق وبين الأمواج عزز المقاومة لأجسادنا وطبيعتنا مختلفة؛ لذلك عظامنا مختلفة" بورالدو على عكس مونغسنتا أجاب بحماس ولم يشعر أن سؤالي يحمل دافعًا، بل عفوي. مونغستا ثبت عينه علي وقال بنبرة هادئة: "لما أنتما هنا، آنسة جلنار؟". قبضت يدي بقوة لأتحدث بشكل جيد ومقنع "عندما ذهبت معي لأول مرة للنبلاء وأوصلتني حيث يجب أن أكون هناك شيء واحد تمكنت من استيعابه، بالنسبة للسيرين أنت لست مجرد شخصٍ منهم، لست شخصًا عاديًا؛ فلن يُمنح شخص كل هذا الاحترام والبغضاء في الوقت ذاته إلا إن كان شخصًا بارزًا بين قومه، لذلك أنا أقف أمامك الآن…".

بشكل تلقائي أخذت خطوة للخلف، الشعور بوجود أتريوس كداعم لي بدا مهمًا في هذه اللحظة، وربما حتى لئلا يحطم مونغستا وجهي. "نريد استعادة أرض نورث، ونريد من السيرين القتال معنا" الصدمة أخذت مكانها على وجه بورالدو وعلى الفور وجه نظرته لمونغستا يستشف رد فعله.

الأخير عقد حاجبيه لثوانٍ قبل أن يبتسم بسخرية "أرض نورث! أم قصر جلين؟". لم أتردد وأنا أقول بإصرار: "أرض نورث أهم من أي شيء آخر بالنسبة لي". ازدادت ابتسامته وأخذ خطوة نحوي "بالنسبة لكِ، لكن ما هو بالنسبة لهم؟" عينه اتجهت نحو أتريوس وعرفت أنه يقصد باقي الفرسان والمحاربين الذين سيكونون معنا في أرض المعركة.

"أنتِ تضيعين وقتكِ، لن أضحي بسيرين واحد لأجل حفنة من ملاعين المملكة الأنانين، لأنني على ثقة من أنه بمجرد استعادة قصر جلين، كل شيء آخر لن يكون مهمًا".

رغبة كبيرة في البكاء تملكتني، أكره النبلاء... أنا حقًا أكرههم! كيف لخمس عائلات أن تفرق شعبًا بهذه الطريقة؟ كيف يمكنني إقناع مونغستا الآن؟

"لكننا لسنا هم" التفت نحو أتريوس كما فعل مونغستا الذي كاد يرحل…

"لسنا نبلاء، ولسنا جنود للملك! نحن فرسان الممالك، نحن للشعب ولأجل الشعب، لا لخمسة قادة على عروش الظلم، ربما عليكم الاعتياد على هذا منذ الآن… من سيقود هذا الجيش ليس النبلاء، بل الفرسان، والفرسان ليسوا دمى بين أيديهم كما تظنون".

عندما تجمد مونغستا يحدق بأتريوس الذي تحرك يقف في وجهه تشجعت وأخذت خطواتي نحوهما "أتريوس محق، هذه المرة ليست ككل مرة، هذه المرة سنستخدم النبلاء لأجل الشعب". رفع حاجبًا مندهشًا من الجملة لكني أكملت: "مونغستا، الفرسان يفترض بهم قيادة الجيش… وأنا يفترض بي قيادة الفرسان، قائدة هذه المعركة ليست من العشر ممالك، أنا بشرية، مونغستا. عليك ترك فرصة لنفسك حتى ترى البشر عندما يكونون قادة، لن يتوقف الأمر هنا".

الأدرينالين الذي اندفع داخلي كان كافيًا لجعلي أفرغ ما أردت قوله منذ البداية، وابتسمت بثقة أكبر عندما لاحظت التردد على وجهه. "حسنًا، هذا ممل. هل يمكنني الذهاب لرؤية الفتيات حتى ينتهي هذا الاجتماع؟" لم أحرك عيني عن مونغستا نحو يوجين الذي يختار أسوأ الأوقات حقًا، من المفترض أنه مرافقي في هذه المعركة... تبًا يا رجل، أنا هالكة بسببه.

"أي أن كلمات تلك الأغنية لم تقوليها عبثًا" اتسعت عيني عندما أدركت عما يتحدث. "أي أغنية؟" همس بورالدو يبدل نظراته بيننا ولكن لم يفسر أحد له. "لا أتفوه يومًا بكلماتٍ عبثًا" أجبت بثقة ليضع يده بين خصلات شعره يرفعها ولاحظت انقباض فكه، إنه يمنع نفسه من الموافقة، أي أني اقتربت كفاية لدفعه للانضمام معنا.

"ألا يكفيك ما حدث بينكم حتى الآن؟ أتظنون أن تفرقكم خوفًا منهم سيوقف الإريبوس وسيوقع النبلاء عن عروشهم؟ دعني أُطلعك على معلومة بشرية صغيرة، في عالمي إذا ما أراد أحدهم أن يحكم قبضته على مجموعة فلديه طريقة فعالة تلخيصها كلمتين: فرق تَّسد! انظر جيدًا حولك! إنهم السادة وأنتم المفرقون هنا، ألا تدرك أن الوقت حان ليتغير مسار سير الأمور؟".

بورالدو اتسعت عينه وصاح: "أتعنين أن نتمرد على النبلاء؟" اتجهت عيني نحوه بابتسامة جانبية "ولم لا؟". بدل نظره نحو أتريوس الذي لم يعترض ثم ذهبت لمونغستا الذي بدا للمرة الأولى منذ عرفته مأخوذًا كليًا بحديثي وقد أسقط حذره وبانت تعابيره الحقيقة.

"مع من أنتم بالضبط، أيها الفرسان؟"

التفتنا نحو ليليان الذي بدا عليها التشوش وهي تبدل عينها بيني وبين أتريوس، رفعت كتفي ونظرت لأتريوس أتساءل عن الإجابة التي قد يجيب عنها، لم أتوقع أنه سيجيب بالفعل "نحن حيث تقرر قائدة الفرسان" اتجهت عينه نحوي بابتسامة جانبية أثارت صدمتي لثوانٍ، أومأت نحوه ونظرت لثلاثتهم.

"نحن مع ميزان جديد سيقام هنا، عهد لا تفرقة فيه"

تبادل بورالدو وليليان النظرات بينهما بدهشة وما لبث حتى التفت بسرعة عندما قال مونغستا: "ما خطة المعركة إذًا؟".

اتسعت عيني بصدمة لأصيح وقد نسيت موقفي الرائع قبل قليل: "أنت معنا؟".

تقدم نحوي بخطوات ثابتة ونظر لعيني بثقة لم أعهدها على عينه "عندما يكون الوقت القليل الذي أمضيته هنا كفيل بدفع رجل ألقى بجسدك للموت لأنه لم يؤمن بأهميتك على أن يقف أمامي معترفًا بك كقائدة له ولرفاقه، أن تتغيري وكأن روحًا أخرى تلبست جسدك، وكأن قائدًا للثورة ينبض داخل كل كلمة تقولينها، فشيءٌ ما سيصرخ داخلي بأن إيماني سيكون في محله إن وضعته في هذه البشرية".

لم أقاوم الابتسامة الضخمة والسعيدة قبل أن آخذ نفسًا وأومئ برأسي "هذه المعركة ليست سوى البداية". انحنيت فوق الأرضية لينظر نحوي الجميع بتعجب ولكنهم انخفضوا على أمشاط أقدامهم كما فعلت.

اتسعت عينا بروالدو وليليان عندما صنعت غصنًا صغيرًا ببساطة وظهرت الدهشة على وجه مونغستا، لكني لم أتكفل بشرح هذا الآن، رسمت على الرمال شكلًا بسيطًا لخريطة الإلترانيوس الذي حفظت شكلها…

"الإريبوس يستولون بشكل كامل على نورث في الشمال" حفرت دائرة حول أرض نوث قبل أن أشير لغربها قائلة: "على غرب نورث يقع قصر جلين، أي أن هذه المنطقة بالكامل محاصرة بالإريبوس".

اتجهت بالغصن للجهة المقابلة قائلة: "على شرق نورث هناك مجرى مائي بينها وبين تريبم، وحول هذه المنطقة المائية تقع أرضكم ومساحاتكم المائية" أومأ الجميع متفقًا لأردف: " المجرى المائي بين نورث وقصر جلين كان هو ذات المكان الذي وجدني فيه بورالدو" أومأ بورالدو متفقًا "وكما أسعفتني ذاكرتي كان هناك حرس من السيرين يحرسون بوابات قصر جلين السفلية". كان هذا دور مونغستا ليتفق معي ويضيف: "إنهم الخونة المنضمون لصفوف الإريبوس".

رسمت دائرة بالغصن حول القصر قائلة: "هنا حيث يبدأ هجومنا، قبل أن نتحرك على البر سيكون على مقاتلي السيرين تحت الماء التخلص من حرس البوابات السفلية، ولأن تعاونكم معنا غير متوقع فلن يدرك الإريبوس أن هجومنا سيبدأ من تحت الماء".

رفعت عيني نحو مونغستا وأشرت نحو نورث "حينها ستدخلون للقصر من الأسفل خلسة وتفتحون البوابات دون أن يلاحظ أحد الإريبوس، بقية السيرين عليهم الالتفاف حول حدود نورث، عندما ندخل قصر جلين من الغرب إلى نورث أنتم ستدخلون من الشرق مع جيش كامل من الإلترانيوسيين الذين يملكون عنصر النار لمنع الأذى من الوصول لكم، وجزء منكم سيبقى داخل المياه حول أرض نورث لمنع هروب أي من الإريبوسيين، حينها سنقوم بمحاصرتهم في المنتصف ولنصلِ لأن ننجح".

رفع الجميع عينه نحوي ما إن أنهيت حديثي. "تعلمين أن الخطة لن تسير على ما يرام؛ فنحن لا نعلم شيء عن خطط الإريبوس" أومأت برأسي لبورالدو "لكننا سنحاول حصر الضرر حتى لا يسوء الأمر". نهضت أنفض يدي لينهض الجميع "ماذا عن باقي الممالك؟" سأل مونغستا مما دفعني لعقد حاجبي، لن يشاركوا!

"المعركة خاصة بالإلترانيوس؛ لذلك لن يتدخل أحد حتى يصبح الضرر كبير" أجاب أتريوس وأومأت كتأكيد. "أي أننا في هذا وحدنا!" تنهدت وأومأت مجددًا. "هل ستخبر المسؤولين عن السيرين بالأمر، هل بإمكانك إقناع قائد المحاربين والسيرين؟" سألت بحذر، ولكن تعجبت لابتسامته الصغيرة دون رد.

"السيد مونغستا هو قائد المحاربين" التفت بقوة حتى أني سمعت صوت طرقعة رقبتي "ماذا؟" ضحك بورالدو وليليان لردة فعلي. "أي أنكِ اختصرت الطريق" فرقعت ليليان أصابعها بابتسامة نحوي قبل أن تنحي انحناءة سريعة نحو مونغستا.

"لمَ لم تخبرني منذ البداية؟" سألت مونغستا الذي رفع كتفيه وأشار لأتريوس برأسه "ظننت أن رفيقك أخبرك". نظرت لأتريوس بغيظ ليتظاهر بالبراءة وهو يجيب "ظننتكِ تعرفين سابقًا". صحت بهم بغضب "أتلعبون معي؟".

انفجر بورالدو وليليان ضحكًا ومونغستا حاول كتم قهقهته. "توقفي عن إظهار نفسكِ كالحمقاء" يوجين قال من بين ضحكاته لأنفث بغضب وأرمق أتريوس بحدة.

"لحظة؛ بما أنك قائد مقاتلي السيرين؟ لمَ يكرهك النبلاء لهذا الحد؟" وضع يده داخل جيوبه "لأننا خارج سيطرتهم، أي شخص يخرج عن أمرهم سيحاولون القضاء عليه." تنهد في النهاية ونظر نحو أتريوس "متى ستقومون بالهجوم؟".

"في هذه الأثناء تم إنشاء المعسكرات بالفعل، لذلك سنبدأ في التحرك فجر الغد، والحركة الأولى ستكون منكم، تحدثنا مع النبلاء عن الأمر وهم في انتظار رسالة نخبرهم فيها أنكم وافقتم على الانضمام".

"يجب أن أتحدث مع المقاتلين، لا يمكنني الموافقة دون الحصول على موافقتهم" نظر نحو بورالدو الذي ابتسم وقال: "أنا كمقاتل موافق، لكن أظن أن موقف زملائي سيكون صعب، إلا إذا…" نظر في نهاية جملته نحوي لتنتقل نظراتهم جميعها لي "إلا إذا ماذا؟".

....

أنهيت التسجيل الذي كان من أوكتيفيان يخبرنا فيه أن علينا إرسال أي شيء جديد له حتى يحدّث القادة في الجيش، عدلت السوار حول يدي ورفعت رأسي أنظر للجمع الضخم من السيرين، في ساعة واحدة استطاع مونغستا جمع مقاتلي السيرين كلهم، وبالنظر نحوهم وتقدريًا يصل عددهم لثلاثة آلاف مقاتل تقريبًا.

لم أعرف أن السيرين بهذه الكثرة، ولكن اتضح أن من يقضي وقته تحت الماء أكثر ممن يقضيه خارجه.

الفكرة كانت واضحة، كما أقنعت مونغستا علي إقناع ثلاثة آلاف مقاتل ليشاركوا في معركة لنصرة أشخاص يكرهونهم، ولكن إن نظروا للمشهد من الزاوية الصحيحة فهم ينصرون بعضهم البعض، وبهذه الطريقة نحن نستغل وجود قصر جلين ضمن نطاق نورث فيتحرك جنود المملكة.

في البداية فكرت أنه لن يكون من الصعب إقناع المقاتلين، مائة مقاتل أو مئتان لن يكون من الصعب إقناعهم، ولكن ثلاثة آلاف مقاتل، أظن أني سأكون غداء الأسماك اليوم!

لم يكن المقاتلون من الرجال فقط، بدا لي أن أعداد النساء متساوية مع الرجال وهذا كان مذهلًا، نظرت ليوجين الذي حدق بالجمع بفيهٍ مفتوح بصدمة "لمَ لا نعود للمنزل؟". ضحكت وحركت رأسي للجانبين، سأفعلها!

مونغستا تقدم ووقف أمامهم وفي ثانية أتريوس ضرب الأرض بقدمه لترتفع من تحت أقدام مونغستا ويصبح على علو حتى يتمكن الجميع من رؤيته.

"مقاتلي السيرين، لست من محبي المقدمات، وبكل صراحة... معركة ستقوم قريبًا، جنود الملك يخططون لاستعادة أرض نورث وقصر جلين من الإريبوس". راقبت ردود فعل الجميع بقلق، بعضهم ظل يضع عينه بتركيز على مونغستا وآخرين ضحكوا بسخرية ما إن سمعوا ذكر النبلاء.

"ما شأننا نحن؟ أنهم يريدون تعاوننا" مع نهاية الجملة صيحات الاستهجان ملأت المكان، بل والضحكات المستهزئة أيضًا وكأنه أمر جنوني، بورالدو الذي كان يقف بجوار ليليان في الصفوف الأمامية وجه نظره نحوي بقلق أيضًا…

قبضت فكي بقوة أحاول تمالك نفسي وألا أتراجع، كدت آخذ خطوة للخلف لولا يد أتريوس التي وضعها فوق كتفي "لن يخيفك هذا الكم من الاستهجان، صحيح؟". دون أن أرفع رأسي نحوه أجبت بتردد: "لن أتمكن من إقناعهم، ماذا يجب أن أقول؟ هم حتى لا يعرفون من أكون".

رفعت رأسي نحوه في النهاية ليطرق رأسي بخفة ويميل نحوي بابتسامة "بالضبط، أيتها الحمقاء. جميع من يعرفونهم قد فقدوا الثقة بهم، لا أحد يعرفكِ؛ لذلك دعيهم يعرفونكِ جيدًا" مسحت رأسي للألم البسيط الذي أصابها بسبب نقرته وحدقت بعينه بتردد "ماذا إن لم يتركوا لي فرصة للحديث؟".

كلانا حدق بالآخر أنتظر منه إجابة واضحة "أنا أسوأ شخص يمكنه الاستماع لأحد، وبالرغم من ذلك دفعتني للاستماع لكِ، أتقولين أنكِ غير قادرة على جعلهم يستمعون؟".

حاولت مقاومة الابتسامة، ولكني لم استطع ولم أبعد عيني عنه إلا عندما وضع مونغستا يده على كتفي وأشار برأسه بأن علي الحديث.

زفرت نفسًا وتحركت نحو الصخرة المرتفعة "تخيلي رؤوس الجميع كأناناس عفن ولن تتوتري.." همس يوجين في أذني لأضحك تلقائيًا.

قفزت للأعلى ووقفت فوق الصخرة والأحاديث الجانبية والعالية بدأت تخف وتقل حتى اختفت تمامًا وتوجهت أعين الجميع لي، دقات قلبي ازدادت وشعرت بكف يدي يتعرق من التوتر، أناناس عفن... تخيليهم كأناناس عفن، جلنار.

لم أكن أظن أنها ستنجح، لكنها نجحت! وكان من الصعب قتل ابتسامتي.

أخذت نظرة للخلف حيث أتريوس أومأ برأسه كتشجيع، خطوت للأمام ورفعت رأسي أنظر لوجوه الجميع. "أعلم أن ما جئنا لطلبه جنوني بالنسبة لكم" جمل كـ "إذًا لا تضيعوا وقتنا" و "من الجيد أنكم تعلمون" دفعتني لأقبض كفي بقوة.

"وعندما أقول أننا جئنا لطلبه فلا أقصد النبلاء أو العائلة الملكية بحديثي!" تبادل الجميع نظرات مستغربة وبعضهم بدا الملل على وجهه "أطلبه كفرسان، كفرسان الممالك لا الملوك، كفرسان للشعب لا النبلاء، نحن موجودين لجميع الطبقات لا لطبقة واحدة".

موقفهم لا يزال دفاعي وصوت من بينهم ارتفع "أنتِ الساحرة! كيف لشخص مثلك أن ينطق أكاذيب كتلك وملكة الساحرات أول من يقف بصف النبلاء؟" الكثير من المؤيدين ارتفع صوتهم لجملة الفتى. "لأني لست ساحرة، ولست إلترانيوسية، ولست من أي كوكب عرفتموه سابقًا، وكملاحظة بسيطة: حتى ساحرة الفريق تكره ملكة الساحرات" أضفت بسخرية في النهاية.

ابتسمت عندما رأيت التعجب والانتباه يغزوا ملامح وجوههم.

"أعلم أن ما سأقوله جنوني ولكني أريد ثقتكم، فقط لمرة قاتلوا لأجل بعضكم البعض، تمكن النبلاء من تفريقكم بسهولة ولذلك يمكنهم فعل كل ما يريدون داخل المملكة، أخبروني ما الذي تعرفونه عن سكان الحدود؟"

التفتت الوجوه لبعضها البعض بتعجب وعقد بعضهم حاجبه.

"بالضبط! لا شيء، أنتم تعيشون داخل مجموعات مغلقة رغبة في حماية أنفسكم، مكتفين فقط بالتنفس والعيش مختبئين بينما المملكة حق للجميع! النبلاء يريدون استعادة قصرهم ولن أكذب في هذا، ولكن أخبروني؛ ماذا عن أرض نورث؟ من سيستعيد نورث لسكانها؟"

صوتي أصبح أعلى وتمكنت مجددًا من إثارة غضبي بنفسي "إن لم نتحرك معًا منذ هذه اللحظة لن يبقى هناك مملكة تعيشون على أرضها، ألم يحن الوقت لتثبتوا للنبلاء أنكم قادرون على القتال، قادرون على الصراخ والغضب، ألم يحن الوقت لتثبتوا أنه حان الوقت لتردوا الضربة؟".

الجميع أصبح فجأة مهتمًا بحديثي ونظرات الاستهجان تبدلت بأخرى فضولي وبعضها حماسية. "من تكونين إذًا؟ لم قد يهاجم الفرسان النبلاء؟" صاح أحدهم وتعالت الهتفات معه تتساءل عن من أكون.

"أيهما أهم؟ من أنا؟ أم أي رغبة أحمل معي؟ أنا شخص بحاجة لثقتكم حتى وإن بدا الأمر ضربًا من الجنون، نحن لسنا فرسانًا للنبلاء، لسنا خدمًا بين أيديهم ولا يحق لهم منعي أو حتى منعكم. حرب الإريبوس ليست ضد النبلاء، بل هي ضد الإلترانيوس، الإلترانيوس التي هي وطنًا لكم لا لنبلاء وحدهم، أما حربي أنا فليست ضد الإريبوس وحدها، بل هي ضد نظام يقمع أمثالكم، وتحرير نورث ليست سوى أولى الخطوات للفوز بهذه الحرب، أيها السيرين".

ابتعلت قبل أن آخذ نفسًا قويًا وأقول بثقة "هذه حربنا جميعًا".

الصمت الذي عم المكان ونظراتهم المذهولة أثارت توتري لثانية، ولكن ما إن قفز بورالدو صارخًا بحماس أنتشر حماسه كعدوى سريعة بين الجميع ورفعوا قبضتهم للأعلى موافقين على الانضمام.

اتسعت ابتسامتي وقفزت صارخة بـ "فعلتها!" وحينها صمتت الصفوف الأولى ينظروا نحوي بتعجب قبل أن ينفجروا في الضحك.

"لقد تراهنت مع نفسي على أنكِ ستفسدين الأمر" صاح يوجين وهو يضحك وقفزت أنا من فوق الصخرة أخبئ وجهي بإحراج. تبًا، أنا أسوأ شخص قد يعبر عن حماسه.

"أحسنتِ عملًا، لكن أتمنى ألا تكون مجرد كلمات لتحفيزهم" أبعدت يدي عن وجهي والتفت لمونغستا. "لا يمكنني إعطاءك إثباتًا سوى الأيام التي ستمر مستقبلًا" ابتسم وربت على كتفي "وأنا شخص يتصف بالصبر".

مونغستا تحرك ليمشي بين مقاتليه الذين تحدثوا معه بحماس يسألون عما سيقومون بفعله وراقبتهم بابتسامة مرتاحة. "لم ينتهِ الأمر هنا" أومأت دون النظر لأتريوس "أعلم، إنها بداية النهاية فقط".

أرسلت رسالة سريعة لأوكتيفيان أخطره بانضمام السيرين وأخبرته أن الخطة الأولى التي اتفقنا عليها إذا انضم السيرين لنا هي الخطة التي سنسير عليها.

تحركت مع أتريوس ويوجين خارج أرض السيرين للعودة ولكن أوقفني الصوت الذي نادى باسمي، بورالدو ركض نحوي وخلفه ليليان تسير بخطوات متسارعة ومعهما شخصٌ ابتسمت لرؤيته مجددًا.

احتضن بورالدو جسدي دون مقدمات قبل أن يبتعد ممسكًا بكتفي. "لقد كنتِ … كنتِ..." حاول إيجاد كلمة مناسبة لوصفي وحينها نطقت ليليان من خلفه بابتسامة: "كنتِ قائدة".

أومأ بابتسامة "الجميع لم يسأل سوى سؤال واحد: من تكونين؟ أنا فخور بأنني أول إلترانيوسي يقضي معكِ وقتك الأول هنا" ضحكت وربت على كتفه شاكرة.

"حقًا من المذهل رؤية كيف يمكن لأحدهم أن يتحول لشخص آخر في مدة كهذه" نظرت لأميراديل شقيق بورالدو الأكبر. "يسعدني مقابلتك مجددًا" لوحت له ليومئ بابتسامة. "سأبذل جهدي في هذه المعركة؛ لذلك قومي بقيادتنا بشكل جيد" قال بورالدو وقبل أن أقوم بالرد تم سحبي للخلف وكدت أصرخ بأتريوس حتى يتوقف عن فعل هذا كل مرة.

"لا نملك وقتًا لدردشة، نحن بحاجة للذهاب" جرني خلفه متجاهلًا نظرات بورالدو الغاضبة نحوه قبل أن نخرج من المكان. "هل يمكنك التوقف عن سحبي؟" هتفت وسحبت يدي بقوة ليتوقف ويترك معصمي. "إذًا توقفي عن إضاعة الوقت مع هذا الطفل" رفعت حاجبًا وكتفت ذراعي "هذا الطفل! إن أردت العودة عد وحدك وأنا سأضيع وقتي مع هذا الطفل كما أريد".

التفت بغيظ وعدت نحو بوابة السيرين ولكن جسدي ارتفع من فوق الأرض بسبب يده التي حاوطت خصري قبل أن يلقيني فوق كتفه. "لست متفرغًا لمشاحنات الأطفال" تمتم وتحرك حيث تركنا كارولوس وحاولت ركل معدته بقوة، لكنه أمسك قدمي بيده الأخرى.

أوقفني بجوار كارولوس قبل أن يقفز فوقه لينهض فورًا وتعجبت من عدم محاولته لقتل أتريوس، قفزت أمامه فوق كارولوس وربت عليه حتى يعود بنا ولم أنسَ ضرب معدة أتريوس بمرفقي والتظاهر أني لم أقصد.

....

اجتمعنا كلنا مجددًا على مائدة الطعام، بدأت أشعر ببعض المشاعر العائلية لهذه المائدة، لا نجتمع إلا هنا!

"إذًا السيرين معنا، إن تمكنوا من القضاء على المقاتلين تحت الماء وإحاطة نورث بالكامل فحينها لن يكون هناك مهرب للإريبوس" أغدراسيل أكد على حديثي الذي سردته قبل قليل لأومئ. "جيد، ولكن تذكروا أن أهمية المعركة تكون في إنهائها قبل غروب الشمس، أهذا واضح؟" أخذ بعضنا نفسًا قبل أن نومئ مجددًا.

"إذا غربت الشمس فنصف أعدادنا ستموت في خمس دقائق فقط" حذر أرتيانو وهو ينظر للجميع بجدية.

الجميع بدأ يتفق على القتال تحت ضوء الشمس وما هي أقصر الطرق التي قد تجعلنا ننهي المعركة بسرعة، حتى أتريوس شارك في وضع بعض الخطط ولم يلحظ أحدهم أن الفريق بالكامل كان يتناقش بشكل سليم ومنسجم دون أي فوارق بيننا.

ابتسمت وأنا أراقبهم يعملون بجد أخيرًا معًا.

بينما أراقبهم منصته فكرة ما جالت في خاطري، للوهلة الأولى قد تبدو جنونًا، بل انتحارًا، جالت عيني على تعابيرهم أفكر أن كان علي المخاطرة وطرحها على طاولة النقاش أم لا.

حاولت التفكير جيدًا في هذه النقطة وحينها لاحظ يوجين إني الوحيدة التي كانت بعيدة عن نقاش الفرسان. "أي مصيبة تفكرين فيها الآن؟" نظرت نحوه بطرف عيني ولم أستطع الإفصاح عما أفكر فيه، بالرغم من أني في حاجة قوية لإخبار يوجين خاصة.

أجفلت عندما هتف تينر جام باسمي بصوتٍ عالٍ مما انتشلني من تلك الأفكار. "نتحدث معكِ منذ وقت طويل، ولكنك تبدين مستغرقة في أفكارك الخاصة" وضح وهو ينظر نحوي بقلق.

جالت عيني عليهم جميعًا بتردد، نحن فريق وهذه مجرد فكرة، يجب أن يعرفوا فيما أفكر. "هذه النظرة، أنتِ تفكرين في فكرة ما" رفعت عيني نحو أتريوس وابتسمت لإصابته. "حقًا؟ ولم لا تكون شاردة فحسب؟" أغدراسيل رفع حاجبًا نحو أتريوس الذي أشار نحوي بكف يده "اسألها إذًا".

ألا يمكنهم إكمال ساعة دون بدء شجار؟

"أنا بالفعل أفكر بشيء ما..." قاومت بشدة رغبتي في دحرجة عيني عندما ألقى أتريوس نظرة انتصار لأغدراسيل، صبياني جدًا!

"إذًا شاركي فكرتكِ مع الجميع، أنتِ القائدة" اقترح لافيان وأومأ تينر جام بتشجيع، أومأت وزفرت نفسًا قبل أن أميل وأسند يدي للطاولة وأطلق فكرتي التي وضعتهم جميعًا في صدمة…

"لم لا نهجم عليهم ليلًا؟"

تبادلوا النظرات مع بعضهم "لقد شرحنا للتو بالتفصيل لما لا يمكننا القتال ضدهم في الظلام، أتوقع أن اقتراحكِ المجنون هذا خلفه فكرة أكثر جنون" أغدراسيل قال بنظرة حذرة لترتفع زوايا شفتي في ابتسامة جانبية "إنها… بالفعل مجنونة".

الجميع كان تلقائيًا يتحرك ويقترب من المائدة ليستمع والفضول يملؤهم.

"المملكة مليئة بالخونة… وأملك شكًا بأنهم توغلوا كثيرًا داخل المملكة، منذ البداية ألن يتوقع الإريبوس أننا سنهجم صباحًا؟ وإن كان مجرد تخمين لا بد من أن الأخبار وصلتهم بالفعل، المعركة ستكون فجر الغد، لكن إن خالفنا توقعاتهم وهاجمنا ليلًا… سنصيبهم في مقتل"

صمت جال بينهم وحينها فتح أوكتيفيان شفتيه قائلًا: "إن نظرنا للأمر من هذه الزاوية فأنتِ محقة، لكن ماذا عن تفوقهم ليلًا؟ الظلام! هذه هي مشكلتنا الأساسية، ما إن يختفي الضوء فنحن نقاتل في معركة خاسرة".

وجهت نظري نحو لافيان بنظرة تحمل الكثير من المعاني "لذلك سنصنع نحن ضوء يحاكي ضوء الشمس".

عقد الجميع حاجبيه وخاصة لافيان لأن الحديث كان موجهًا له. "حسنًا، نحن نصنع الأدوات، لكن الشمس ليست من ضمنها!" ضحكت لسخريته وأومأت بمعنى (أعرف)…

"لذلك ذكرت كلمة (يحاكي) أي شيءٍ يعطينا ضوء قويًا كالشمس". تبادل لافيان النظرات مع الجميع وكتف ذراعيه قبل أن يسأل: "ما الذي علي صنعه بالضبط، أيتها القائدة؟" قضمت شفتي وأنا أتذكر مظهره داخل عقلي "نافث نيران".

الاستغراب على وجوههم دفعني للتوضيح "إن قمنا بصنع آلات تنفث النيران واستخدمها أولئك الذين لا يمكنهم استخدام عنصر النيران للدفاع عن أنفسهم حينها لن نضطر للقتال صباحًا. إنها آلات تعمل باستمرار، متى ما ضغط على زر التشغيل ستعمل بلا توقف، ولكن المشكلة أنه على الأرض هناك مواد تساعد على اشتعال النيران لمدة معينة وإذا انتهت تلك المواد انتهت النيران".

ضحك أرتيانو بسخرية قبل أن يقول: "ولم نستخدم مواد سريعة الاشتعال بينما يمكننا صنع محرك سرعته العالية تولد النيران دون توقف؟". لافيان فرقع أصابعه ضد بعضها وأشار لأرتيانو بحماس "عبقري! ويمكنني صنع مثبتات حول الذراع وحينها لن يضطر الشخص لحمل وزن الآلة، وإن قمنا بتصغير النافث وقللنا من الاحتكاك الداخلي للمعدن يمكنني صنع واحدة بحجم الذراع".

قطب حاجبيه ونظر نحونا عندما توقف "لكني لا أملك اللازم لصنع أكثر من واحدة، لست حدادًا في النهاية!". قفز شخص ما في هذه الثانية لعقلي "أنا أعرف واحدًا ماهرًا". ضحك لافيان وقال: "إذًا يمكننا صنع ماتريدين".

التفت أنظر نحوهم جميعًا إن كانوا سيوافقوا. "أي أنكِ تريدين منا تغير الخطة سرًا" أومأت لأوكتيفيان "أجل، فقط قادة الجيوش الذين أنت شخصيًا متأكد منهم سيعرفون، لن يتم إخبار أحد بالأمر، بل سيعرفون عندما يكونون على أرض المعركة".

حك ذقنه بتفكير وسأل مجددًا: "سنهاجم بعد ليلتين إذًا؟" حركت رأسي نافية وقلت بثقة:

"بل ليلة الغد!"

....

توقفت أمام السلالم التي تصل للسوق أسفل الأرض والأصوات كانت تتسلل من هناك. "هل أنتِ متأكدة من هذا الحداد؟" نظرت للافيان الذي حمل حقيبة سوداء على ظهره بها الجهاز، لم أصدق عندما أنهى العمل عليه في ساعتين فقط!

"عندما يقوم شخص بصنع سلاح لم يرَ مثله من قبل ولأول مرة على حسب رسوم لمبتدئة ووصف غير دقيق، فهو قادر على فعل أي شيء" أجبته، أخذ نفسًا وضبط الحقيبة على ظهره جيدًا وتحرك كلانا للأسفل.

مزدحم كالعادة، يوجين لم يأتِ معي وقرر البقاء مع هارليك، لا أعرف متى تمكن الاثنان من الحديث ولكن هذا أفضل من أن يشعر بالملل وهو يتبعني في كل مكان.

الأشخاص من حولنا بدأت أصواتهم تنخفض وابتعدوا عن طريقنا ما إن مررنا وأصبح الجميع يتهامس وينظر نحوي، لكن ما صدمني أن مجموعة من الرجال رفعت يدها لتحييني وألقت "مرحبًا" سريعة.

وفجأة الكثير أعطاني ابتسامات كبيرة وبعضهم ابتعد ولم يكن خوفًا في الواقع!

"يبدو أنهم حقًا معجبين بك" همس لافيان وهو يتفحصهم بعينه.

بعض الأطفال كانوا يحدقون بي بأعين متسعة؛ مما أثار ضحكي.

لم أنسَ إلقاء التحية على مونيكا كعادتي ورحبت بي بقوة وصخب معتادين، اضطررت لتوديعها بسرعة حتى نتمكن من اللحاق بالسيد جولدامون قبل الزحام على ورشة الحدادة خاصته.

ولكني كنت قد تأخرت بالفعل! المكان كان مزدحمًا بالكثير، ووقفت أنا ولافيان نحدق بهم بصدمة ويأس، من المستحيل أن نجتاز هذه الجموع. "يبدو أنه ماهر بالفعل، ولكن للأسف لن نتمكن من الاستفادة من تلك المهارة" تذمر لافيان وعينه تحاول إيجاد طريقة للدخول.

"إنها هي! أنا متأكد" التفت للرجل الذي كان يحدث صديقه ويشير نحوي. "إلهي، أنتِ من قامت بغناء المملكة الزائفة؟" صاح شخص آخر وبدأ الانتباه ينجذب نحونا تقائيًا.

حينها تمكن الفتى الذي يقف على طاولة البيع ملاحظتنا وتحرك بسرعة نحوي. "آنسة جلنار! لقد مر وقت منذ مجيئك آخر مرة، سيسعد السيد جولدامون كثيرًا" رحب بحماس ودعانا لندخل لداخل الورشة.

لم يعترض أحدهم على كوننا نتعدى الصفوف، بل رحبوا بكل سعادة وبعضهم حدق بفضول يحاول النظر لنا. "الشهرة حقًا لها الكثير من الفوائد" ضحكت لمزحة لافيان الذي لا يصدق أننا تمكنا من الدخول بهذه السهولة.

"تصنعين الفوضى كل مرة وتعودين مجددًا" ابتسمت للسيد جولدامون الذي نهض والتفت نحوي بابتسامة، لافيان أخذ خطوة للخلف وهو يحدق بحجم السيد جولدامون الضخم. "هل هو طبيعي مثلنا؟" همس وهو يحدق لأضرب ظهره وأعرف السيد جولدامون عليه "هذا لافيان، أحد الفرسان وهو صانع أدوات".

أومأ السيد جولدامون نحوه بترحيب لينحني لافيان باحترام مبالغ فيه "تشرفت بمعرفتك سيدي، الفارس الرابع لافيان من صانعي الأدوات". ارتفع حاجب السيد جولدامون لحماسه الكبير "تشرفت بمعرفتك أيها الشاب". نقل بصره نحوي وكتف ذراعيه بينما يسأل: "ما الغرض الذي أنتما هنا من أجله؟".

أنزل لافيان الحقيبة عن ظهره ووضعها على الأرض قبل أن يفتحها ويخرج جهاز نفث النيران "نريد ما يفوق الألفي نسخة من هذا".

اتسعت عين السيد جولدامون لثانية قبل أن يمسك بالجهاز يتفحصه. "إنه لنفث النيران، السنادات هنا تساعدك في تحريكه بسهولة، وهناك محرك يمكنه توليد الحرارة بينما يوجد لـ..." أكمل لافيان شرحه بحماس وهو يشير لكل جزء وأنهى حديثه بإخبار جولدامون أنها كانت فكرتي.

"أنتم ستخوضون معركة ضد الإريبوس" لم يكن سؤالًا وهذا ما سبب دهشتي أنا ولافيان في الوقت ذاته. "كيف عرفت؟" السؤال خرج لا إراديًا من لافيان.

"جهاز للنيران، وألفي نسخة منه! وفارس هنا لطلبه خاصة… أنتم ستقفون في وجه الإريبوس وأنا على يقين أنه لاستعادة قصر جلين"

قبضت فكي بقوة قبل أن أنطق بغضب: "لاستعادة أرض نورث وقصر جلين" رفع حاجبًا وابتسم ابتسامة ذاته مغزى "ولم تتحدثين وكأنكِ ستشاركين في الحرب؟". قضمت شفتي ونظرت بعيدًا عنه، إنه يعلم منذ البداية أن لي علاقة وثيقة بهذه الحرب.

قرر هو تغيير الموضوع ووضع الجهاز مجددًا داخل الحقيبة السوداء. "حسنًا، لدينا عمل طويل إذًا" قال وهو يخرج نفسًا، نادى باسم الفتى على طاولة البيع وعندما جاء بسرعة قال بنبرة نهائية: "انتهى عملنا لليوم، أغلق الورشة وبقية الزبائن يمكنهم المجيء غدًا".

الفتى لم يجادل وانطلق بسرعة للخارج حتى يعلن عن العمل الذي انتهى اليوم، عاد مجددًا ينتظر أوامر السيد جولدامون. "افتح الجزء الخلفي من الورشة" اتسعت عين الفتى وأشار لباب من الحديد وقد مسه بعض الصدأ. "تقصد تلك الآلة، سيد جوالدمون؟" مع إيماءة السيد جولدامون اتسعت ابتسامة الفتى الحماسية وركض بسرعة نحو الباب وقام بسحبه بقوة ليفتح بصعوبة.

تحرك جولدامون ممسكًا بالحقيبة وتبعه كلانا، ما إن دلفنا عبر الباب قابلنا الظلام ولكنه تبدد والإضاءة داخل جوانب الجدار اشتعلت وحدها.

آلة ضخمة معقدة ولا يمكنني حتى فهم طريقة عملها كانت داخل الغرفة النظيفة، الفتى كان يتحرك هنا وهناك يقوم بتوصيل الكثير من الأسلاك وضغط بعض الأزرار على لوحة ضخمة.

صوت قوي صدر من الآلة قبل أن تبدأ عجلة في جانبها بالحركة وأنارت بضوء أزرق فسفوري.

لافيان كان يحدق بالآلة بتركيز يحاول تفكيكها داخل عقله ليعلم كيف تعمل وهذا كان واضح على حركة عينه التي تقع على أي تفصيل فيها.

أخرج السيد جولدامون جهاز النيران من الحقيبة ووضعه على درج أسود وثبته بالكثير من القطع المعدنية، وحينها قام مساعده بالضغط على المزيد من الأزرار على اللوح ليتحرك الدرج ويُسحب لداخل ويبدأ صوت الآلة أن يصبح أعلى.

خلال دقيقة الجهاز خرج من من مسار على يمننا وتم تغليفه في ثانية بفعل الأذرع الآلية للجهاز ووضع داخل صندوق ضخم.

ظننت أن ذلك جهاز لافيان، لكنه لم يكن كذلك لأن مئات النسخ كانت تُصنع في دقائق أمامنا ولم تستغرق العملية سوى ساعتين وكانت الغرفة تحتوي على مائة صندوق تم صنع ألفي نافث نيران داخلها!

"بحق الله ما هذا الشيء؟" صاح لافيان مشيرًا للآلة الضخمة ليبتسم مساعد السيد جولدامون بفخر "إنه سر السيد جولدامون، يمكنه تصنيع أي آلة ما إن يتعرف على قطعها، يقوم بتفكيك قطعتك الأصلية حتى يعرف كيف يصنعها ثم يعود ويجمعها مجددًا".

تحرك الفتى للدرج الأسود ذاته وسحبه للخارج وأمسك بالنافث الذي صنعه لافيان ووضعه داخل الحقيبة وأعطاه للافيان. "ذلك الشيء ليس من السهل صنعه في ليلة وضحاها يا فتى" أشار جولدامون للحقيبة التي وضعها لافيان على ظهره. "لقد صنعها في ساعتين" ربت على كتفه بفخر وعبث بشعره بخجل يحاول إخفاءه "لم يكن شيئًا ما..." تمتم بابتسامة.

"لهذا تم اختيارك من الفرسان" أومأ السيد جولدامون باقتناع قبل أن يلتفت وينظر للصناديق. "لديكم طريقة لنقلها، صحيح؟" حسنًا، هذه مهمة أوكتيفيان.

راسلته فورًا حتى يرسل رجاله إلى هنا مع أجهزة الماكشورت متقنة الصنع لنقل جميع تلك الصناديق حيث يجب أن تكون.

هذه المرة تركت ثمن الأجهزة كلها؛ فقد أعطاني أوكتيفيان حقيبة ضخمة من المال ثمنًا لمساعدة السيد جولدامون ومساعده كادت عيناه تخرج من مكانها وهو يرى حقيبة المال الضخمة.

شكرته والتفت لأخرج مع لافيان ولكنه أوقفني عندما قال: "هؤلاء الأشخاص بدأوا في رؤيتكِ كـشعاع داخل هذه الظلمة، لقد تم خذلانهم كثيرًا... أتمنى أنكِ لست خذلان آخر".

أخرجت نفسًا قبل أن ألتفت نحوه بابتسامة "أحيانًا من الخطأ أن تنتظر حتى يأتي المنقذ ويبدد الظلام، في أي وقت كان بإمكانهم قتل ذلك الظلام ولكن لا أمانع المساعدة".

ما أضحكني هو مساعد السيد جولدامون الذي بدل عينه بيننا ببلاهة مضحكة تشبه بلاهة يوجين أحيانًا.

خرجنا من هناك وسرنا عبر السوق والنظرات التي ظل الجميع يرمقنا بها أصبحت أكثر شجاعة وأقل خوفًا، لافيان نكز ذراعي وأشار برأسه لمجموعة من الأطفال يتسابقون ويغنون المملكة المزيفة ووقف أحدهم يحدق نحوي ما إن انتبه لوجودي.

علي إعادتهم لوطنهم! والليلة سيعودون جميعًا.

....

رفعت الغطاء وألقيته بعيدًا وحدقت بالنافذة التي حاول الضوء التسلل خلال ستائرها، لم أتمكن من النوم على الإطلاق، في الواقع ظننت أن هذه أطول ليلية قد أقضيها في حياتي بينما أنتظر موعد موتي أو فشلي؛ أيهما أقرب وأسوأ.

"لقد استيقظتِ!" صوت يوجين كان أول ما سمعته هذا الصباح؛ مما دفعني للنهوض جالسة أنظر له.

أخرج "أوه" متفاجئة، وتمتم: "أو ربما لم تنامي إطلاقًا".

تنهدت وقررت الخروج من فراشي لأخذ حمام؛ لعله يساعد في تليين عضلاتي المتشنجة.

أخذت وقتي كله داخل حمامي؛ فلربما هذا قد يكون حمامي الأخير. بقائي وحدي كان قرارًا سيئًا، لأنه لم يترك مجالًا لي لأتنفس بهدوء وأفكر في شيءٍ آخر بعيدًا عن النهايات السوداوية.

قررت إنهاء حمامي والخروج للالتقاء بأي شخص قد يساعدني على تنظيم أفكاري.

جذب انتباهي فورًا الصندوقان ذوا الحجم المختلف، الموضوعان بعناية فوق فراشي الذي أصبح أكثر تنظيمًا، لقد كانت واندر هنا!

اتجهت نحو الصناديق وفتحت الأصغر بحذر، كان مغلفًا بورق خفيف وهناك رسالة صغيرة موضوعة بعناية.

التقطتها وقرأتها بصوتٍ خافت "صنع خصيصًا لابنة التوبازيوس وقائدة الفرسان، حظًا موفقًا... أميرة الإلترانيوس".

لم أكن في انتظار هذه الهدية على الإطلاق. تركت الرسالة الصغير جانبًا لآخذ نظرة على محتوى الصندوق.

أخرجت الملابس التي كانت مطوية بعناية داخلة، قميصٌ أزرق مصنوع من خامات باهظة، وبنطال صنع من الجلد المتين أسود اللون، صدرية من الجلد القوي، حزامان من الخامة ذاتها، أحدهما متعدد الاستخدامات يلتف حول الخصر والآخر يوضع بإحكام حول الفخذ للحفاظ على الخنجر الذهبي الحاد الذي يرافقهما، طويت بجانبهم عباءة سوداء زينتها الخيوط الذهبية بزخارف عند منطقة الظهر، ووضع بعناية حذاء أسود ذو رقبة طويلة، ومعصمان حول اليدين لحمايتهما.

الصندوق ذو الحجم الأكبر والأثقل بكل تأكيد كان يحتوي على دروع فضية اللون. نظرت لانعكاسي عليها؛ لا أكاد أصدق أنني حقًا سأضع نفسي داخل كل هذا!

دروع للكتفين، وأخرى للركبتين، درع حول الصدر والظهر، وآخر للقدمين والمرفقين. توقعت أن أوزانها ستكون مشكلة كبيرة، لكن كان من الغريب أن وزنها كان خفيفًا عكس ما تظهره من صلابة.

رسالةٌ صغيرة أخرى انزلقت لقعر الصندوق تمكنت من ملاحظتها " احرصي على ارتداء الدروع بشكل مناسب، يحيطها سحر حماية خاص سيساعد في امتصاص الضربات وتخفيف الضرر قدر الإمكان".

بدت إرشادات أكثر من كونها ملاحظة.

نظرت حولي أبحث عن يوجين قبل أن أبدأ في تبديل ملابسي، لكنه لم يكن موجود؛ لذلك أزحت المنشفة بعيدًا وبدأت في ارتداء الشيء الوحيد الذي أشار أنه لا تراجع بعد الآن.

ارتديت الملابس أولًا، وقبل أن أثبت الدروع فوق جسدي كان عليّ تضفير شعري جيدًا وجمعه عند مؤخرة رأسي حتى لا يعيق طريقي.

ما إن انتهيت بدأت بتثبيت الدروع حول جسدي، لم يكن الأمر بالصعوبة التي تخيلتها فقد انتهيت منها على الفور، لكن ما كان صعبًا بحق هو النظر لانعكاسي في المرآة!

شعرت وكأنه من الصعب تمييز من أنا بعد الآن، هذا الشخص الواقف أمامي، هذا الانعكاس الباهت، لا يمت بصلة لانعكاسي في المرآة كل صباح قبل أشهر، بالكاد يمكنني التعرف على نفسي هذه الأيام.

أخذت نفسًا قويًا وأغمضت عيني لوهلة. "كل شيء سيكون بخير" همست مرارًا وأنا أضع يدي فوق الجهة اليسرى من صدري، على الرغم من متانة الدرع؛ إلا أنه كان من السهل الشعور بدقات قلبي لصخبها.

"جلنار، عليكِ الخروج ورؤية الجميع فـ... أوه!" فتحت عيني ملتفته نحو يوجين الذي اقتحم الغرفة صارخًا قبل أن يتوقف في مكانه يحدق بي دون أن يطرف بعينه.

"ماذا؟" سألت بتوتر ليهز رأسه بخفة قائلًا: "لـ… لا شيء، إنه فقط... إلهي، تبدين مختلفة. تبدين مذهلة، جلنار".

لم أستطع منع الابتسامة من الارتسام على وجهي.

تحرك ليقف أمامي وتستقر قدميه فوق الأرض. "بالكاد تعرفت عليكِ" قال منذهلًا لأقهقه قائلة: "لست وحدك". وضع يده فوق كتفي وجذبني نحوه لينظر لعيني بقوة وجدية لم أعهدها على يوجين سابقًا.

"لستِ وحدك، جلنار. لست وحدك إطلاقًا، أنا دائمًا بجانبك، عندما تدركين ذلك وعندما لا تدركينه، أنا سأكون دائمًا هنا من أجلك، لن أسمح لسوء بمسك. مهما كانت اختياراتك ومهما كانت نتيجة اختياراتك؛ أنا دائمًا في صفك".

ارتجفت شفتي، أصبح وجه يوجين مشوشًا لوهلة بينما أشعر بأني ألتقط أنفاسي بصعوبة. قابلتني ابتسامته الهادئة قبل أن يجذب جسدي نحوه ليحتضنه بقوة.

كنت بأمس الحاجة لهذا. كانت تلك المرة الأولى التي أشعر أن يوجين ليس مجرد شبح غير مرئي حولي، تمسكي به والشعور بجسده بين يدي، إنه حقيقي أكثر من أي شيء آخر في حياتي.

إن كان هناك شيء واحد سأكون ممتنة لهذه الفوضى بسببه...

فهو يوجين!

اتبعد كلانا عن الآخر قبل أن يصيح يوجين بصبيانية: "ما خطب الأجواء الجنائزية هذه، إنها معركة وليست نهاية العالم". ضحكت بينما مسحت وجهي بسرعة قبل أن يلاحظ وقلت ساخرة: "أنت العاطفي الوحيد هنا، أمسح دموعك قبل أن تصبح غير قادر على الرؤية بسببها".

ارتفع حاجبه بغيط لكنني تجنبت أي جدال آخر وانطلقت للخارج مبتسمة.

أصوات الضجيج بدأت تعلو كلما هبطت درجات السلم حتى أصبحت واضحة تمامًا. وقفت مكاني أنظر نحو غرفة المعيشة، وقف أوكتيفيان ببذلته ودروعه يوجه الأوامر لرجلٍ لم أتعرف عليه، بينما بجانبه وقف جوزفين مكتفًا ذراعيه في بذلة مماثلة لخاصة أوكتيفيان.

"إلهي، تبدين مذهلة" اتجهت عيني مباشرةً نحو هارليك الذي صاح بذهول متسببًا بالتفات رومياس الواقف معه، عضضت شفتي في محاولة لمنع ابتسامتي ما إن رأيت هارليك داخل بذلة الدروع تلك، على الرغم من أنها مناسبة لحجمه؛ فإنها لم تكن مناسبةً لشخص في عمره من وجهة نظري، أما شعره الكثيف فيبدو أن واندر جمعته في ضفائر كثيرة حتى يصبح القتال أكثر سهولة بالنسبة له.

في المقابل لم يكن رومياس يرتدي الكثير من الدروع وخمنت أن سبب ذلك أنها ستعيق طريقه في حال أراد التحول لهيئة الذئب الخاصة به.

"وأنت تبدو كفارس عظيم في هذه البدلة" مدحت لتتسع ابتسامته وتحتل كامل وجهه ويصيح بحماس "ألست كذلك؟ انظري انظري! لقد أعطوني واحدة أخيرًا،هذه الدروع تلمع بشكل لا يصدق، كما أنها قوية جدًا". طرق عليها بكفه قبل أن يردف: "أشعر بحماس وخوف كبيرين، جلنار. لا أصدق أننا أخيرًا سنكون داخل أرض المعركة معًا، أعني أنها ليست المرة الأولى لي في القتال، لكن هذا… هذا ليس قتالًا، إنها معركة ضخمة، وأنتِ… أنتِ ستقاتلين معنا أيضًا، أخيرًا في معركة حقيقة و...".

توقف عندما ربت رومياس على كتفه مبتسمًا وقال: "لمَ لا تذهب لتنادي الساحرة والبقية؟ نحتاج لحركتك اليوم" أومأ هارليك بسعادة وركض بسرعة وخفة لا تمت بصلةٍ لثقل الدروع فوق جسده.

كان من الواضح أن رومياس تعمد إرسال هارليك عندما لاحظ محاولاتي في وضع ابتسامة على وجهي.

"لا عليكِ، جميعنا نشعر بالخوف في هذه اللحظة".

أسقطت ابتسامتي على الفور ومسحت وجهي قبل أن ألقي بجسدي فوق الأريكة مقابلة له.

"أكاد أقع في حالة من الهلع، رومياس. إنه ليس سهلًا على الإطلاق" أومأ متفقًا وربت على ركبتي ونظر لعيني بثقة قائلًا: "لكن تذكري أننا جميعًا في هذا معًا، لست وحدك مهما كانت النتائج ومهما حدث، نحن معًا في هذا".

تنهدت وأعطيته ابتسامة شاكرة دون تعقيب.

"رومياس، إنهم يحتاجون إليك في الخارج" التفت كلانا نحو أوكتيفيان الذي داهمنا فجأة. نهض رومياس على الفور، وبينما يتحرك بين الأريكتين ربت على كتفي مشجعًا وانطلق للخارج.

نظرت لأوكتيفيان الذي لم يزح نظره عني وقلت: "ألديك أنت أيضًا شيء لتقوله لي؟ إن أردت تحميلي المسؤولية قبل بداية كل هذا أو إن أردت إخباري بألا أعيق طريقك فافعلها الآن؛ فيبدو أنني أملك قابلية لتقبل كل ما هو سلبي في هذه اللحظة".

كان من الواضح أنني أمازحه، لكن نوعًا شعرت وكأنه سيفعل، سيحملني مسؤولية الخطة التي قام بالاعتراض عليها منذ الآن أو أي شيء يجعلني أشعر وكأنني صغيرة أمامه.

لكنه ظل ينظر نحوي دون أن ينبس ببنت شفة؛ مما جعل الأمر غريبًا. قررت أنا أن أقطع هذا التواصل ونهضت من مكاني متجهة للخارج لأتمكن من التنفس براحة.

"ستقاتلين"

توقفت في نصف طريقي لوهلة قبل أن ألتفت نحوه. لم يكن ينظر نحوي، لكن لم يكن هناك غيرنا؛ لذلك لابد أن الحديث موجه لي!

"أعلم أني سأقاتل، أوكتيفيان، فهذا ما تفعله داخل معركة" أجبت مبتسمة بسخرية في النهاية، لكنه لم يبتسم. رفع عينه نحوي بكل جدية وبلمحة من المواساة قال: "جلنار، ستقتلين أحدهم اليوم!".

سقطت ابتسامتي الساخرة على الفور، وشعرت أن النفس التالي توقف داخل صدري عندما أدركت حقيقة نسيتها بكل غباء.

أو ربما تجاهلتها حتى نسيتها، تبًا! هذا ليس تدريبًا في ساحة المنزل مع أتريوس سيعود فيه الطرفان لغرفة نومهما في النهاية. علي هذه المرة قتل أحدهم، شخص يتنفس علي انتزاع الحياة منه.

حتى وإن كان شخصًا سيئًا، فما زال شخصًا في نهاية اليوم.

شعرت بيدي تعود للارتجاف من جديد، أبعدت عيني عن وجه أوكتيفيان على الفور عندما شعرت بالغثيان. التفت أنظر حولي في تشتت ولم أجد شيء لأقوله ."إنها سيئة، جلنار" قال وما زلت أشعر بعينه تراقبني بكل وضوح "المرة الأولى التي تقتلين فيها شخصًا ما مهما كان شريرًا؛ لن تكون بهذه السهولة على الإطلاق".

أومأت برأسي دون كلمة لكنه أردف: "لكنك ستفعلينها". عقدت حاجبي لنبرته التي كانت أشبه بالأمر، رفعت رأسي نحوه عندما سمعت خطواته تتجه نحوي، توقف أمامي مباشرة وقال بلكنة حازمة: "عليكِ فعلها، جلنار. لن تترددي في غرز سيفك في قلوبهم أو إشعال النيران في أجسادهم، لأنه في اللحظة التي ستترددين فيها ستقتلين مواطنًا بريئًا، ستسمحين لعدوك بقتله عندما ينفذون من تحت يديك؛ لذلك إياكِ، جلنار… إياكِ والتردد في أخذ حياة أولئك الملاعين".

النظرة الباردة في عينه بينما يتحدث عن القتل أرسلت رجفة سيئة لعمودي الفقري، شعرت بجسدي كله يتجمد لمجرد سماعه يتحدث، والأسوأ أنه محق.

التفت نحو المائدة وأمسك سيفًا داخل غمده كان مقبضه الذهبي اللامع هو أكثر ما يلفت النظر له، قدمه نحوي قائلًا: "إنه مرسل من الأميره، آمل أن تستخدميه بحكمة". حدقت للسيف بين يديه قبل أن ألتقطه بيد مرتجفة لأثبته فوق خصري دون أن أحاول حتى إخراجه من غمده.

"لن يكون يومًا سهلًا، لكنه سينتهي"

حدقت بعينيه الواثقة والجامدة، بينما أتمنى لو أنني أملك نصف ثباته الانفعالي.

"أنت تستمع بجعل الجميع يعيش حالة من الرعب حقًا" التفت كلانا على الفور للشخص الذي اقتحم هالة المحادثة المرعبة. تعبير أوكتيفيان تحول للانزعاج على الفور وهو يحدق بوجه أتريوس البارد وقال: "أنا أتلو الحقائق ليس إلا، لقد انتهى الواقع الوردي الذي كانت تعيش فيه وعليها إدراك أنها في معركة حقيقة".

ابتسامة ساخرة اعتلت ثغر أتريوس ورد قائلًا: "لست سوى متبجح لعين."

"أنا أقوم بمساعدتها ليس إلا، فأنا -على عكسك- لا أستمتع بمراقبة الآخرين ينهارون عندما يتفاجؤون بالواقع" قرر أوكتيفيان تخطي أتريوس والمرور من جانبه، لولا أن أتريوس جذب ذراعه بعنف وحدق بوجهه بغضب لم أتمكن من فهمه.

"إنها تهلع أيها الأحمق، وأنت لم تفعل شيئًا سوى زيادة الأمر سوءً. عليك أن تدرك أن هذه ليست كتيبتك اللعينة، ونحن لسنا بجنود يعيشون تحت نظام عسكري".

انتزع أوكتيفيان ذراعه بقوة وبصق قائلًا: "إنها حرب، والحرب تستدعي نظام عسكري، أم تريد مني أن أغني لها أغنية ما قبل النوم ثم أرسلها لأرض المعركة؟".

"أترى؟ هذا ما أتحدث عنه، غرورك لا يسمح لك برؤية ما هو أبعد منك بأمتار، هذه الفتاة تدربت ليلًا ونهارًا حتى تمزقت عضلاتها وانهار جسدها، لم تكن تنام وتستيقظ على ألحان من الراحة أيها الغبي! إنها تبذل ما بوسعها؛ لذلك احترم هذا قليلًا وتوقف عن كونك شوكة في الحلق".

مراقبة التوتر يزداد بينهما لم تكن ممتعة؛ لذلك تدخلت على الفور قبل أن يبدأ كلاهما النزاع قائلة: "هذا يكفي، بعد ساعات سنقاتل معًا في جبهة واحدة، لا نريد لنزاع آخر أن يفسد الأمر" ظل كلٌّ منهما يحدق في الآخر بكراهية واضحة قبل أن يقرر أتريوس أن ينهي الأمر هنا ويتجه للخارج.

نظرت لأوكتيفيان الذي لعن، وقبل أن يحاول قول شيءٍ ما التفتُّ وخرجت من المنزل.

الهواء البارد الذي ضربني كنت في حاجة ماسة له. التفت أتريوس نحوي وفتح فمه مستعدًا للجدال، لكني أوقفته قائلةً: "أعلم أنك محق". ارتفع حاجبيه في شيء من الاستغراب لأردف: "لكن أوكتيفيان رجل عسكري، أتريوس… من الصعب أن تقول لشمس أن تتوقف عن الشروق! لقد نشأ بهذه الطريقة على ما يبدو، أجل، طريقته ربما ليست الأفضل، لكنه لا يزال مهتمًا".

أغمض عينيه وانقبض فكه بقوة وبدا وكأنه يحارب بشدة حتى لا يبدأ شجارًا؛ لذلك اندفعت قائلة لتلطيف الأجواء: "لكن منذ متى وأنت مهتم بالدفاع عني؟".

فتح عينه على الفور وعقدة ضخمة تشكلت بين حاجبيه "حديثه معك وكأنكِ كنت تأكلين وتشربين وتنامين كل هذا الوقت إهانة، إن أهانك فهو يهينني أنا بصفتي مدربك".

ليتني لم أفتح فمي.

صمت كلانا لبرهة وكانت فرصة سمحت لي بتفقد أتريوس داخل بذلته، لم تكن مختلفة كثيرًا عن خاصتي في الواقع، لكنه بدا أكثر ضخامة داخلها، كما أنها كانت تناسبه تمامًا.

"شكرًا" قلتها على رغم من أنه ذكر للتو أنه لم يكن دفاعًا عني، لم أكن في حاجة لإجابة منه والتفت عائدة، لكنه أوقفني ممسكًا بمرفقي.

التفت نحوه بنظرة متسائلة عما يريد، حدق بوجهي لثوانٍ قبل أن يفتح شفتيه قائلًا: "لا تموتي". ارتفع حاجباي بدهشة لجديته حتى ظننت لوهلةٍ أن نبرته احتوت على رجاء أكثر من طلب، لكني كنت مخطئة بالتأكيد؛ لذلك ضحكت وقلت ساخرة: "لا تقلق، حتى وإن مت سيعود شبحي لملاحقتك".

لم يتلقَّ المزحة كما توقعت لأن تعبيره لم يتغير لثانية. "أنا جاد، جلنار. كوني حريصة" ثم ترك معصمي وسبقني للداخل.

حدقت بالفراغ لبرهة أحاول إدراك أن هذا هو ذات الرجل الذي لم يكن يتوارى عن أذيتي في كل مرة!

أخذت نفسًا عميقًا واتجهت للمنزل حيث اجتمع الفرسان جميعهم في غرفة المعيشة، معهم يوجين الذي اتجه نحوي وضغط على كتفي مشجعًا.

"أي كلمات تشجيعية قبل أن نذهب؟" سأل أغدراسيل بابتسامة جاذبًا أنظارهم قبل أن تعود لي.

مجددًا شعرت بنبضات قلبي تتزايد فوق معدلها الطبيعي، لكني حاولت تهدئة نفسي بينما أتفحص وجوههم جميعًا.

هناك الكثير يمكن قوله في الواقع، ربما يمكنني إلقاء خطبة في هذه اللحظة، لكني اكتفيت بترك الأمور بسيطة ووضعت أكبر ابتسامة يمكنني وضعها لطمئنة الجميع. "فقط… لا تموتوا" اقتبست نصيحة أتريوس ونظرت بطرف عيني له حيث وقف مستندًا على درابزين السلم، ولم تفتني ضحكته الصغيرة.

تبدلت نظرتهم من الصدمة للضحك، ولكن واندر أوقفتهم عندما قالت: "هذه النصيحة جيدة، إن مات أحدكم سأقتله" حاول الجميع كتم ضحكته وأومأ كل واحد منهم بصمت.

كانت المركبات العسكرية تنتظر في الخارج لتنقلنا لأرض المعسكر، انقسمنا إلى فريقين لنتمكن من قيادة الجنود من على الجانبين، أنا مع كل من ثونار، رومياس، أتريوس، زوندي وجوزفين سنتجه مباشرة نحو قصر جلين لتحرير الأسرى داخله، بينما أوكتيفيان، لافيان، تينر جام، أرتيانو، هارليك وأغدراسيل سيتجهون نحو شرق نورث لمساعدة السيرين هناك.

هبطت المركبات الثلاث على أرض المعسكر حيث كانت الحركة لا تتوقف عليه، الجميع يتحرك هنا وهناك لتأكد أن كل شيء يسير كما خطط له. نافث النيران تم توزيعه على كل من لا يملك القدرة على التحكم بعنصر النار، وتم تقسيم الكتائب، كل شيء جاهز لتغرب الشمس.

رجل بشارب ضخم، خصلات بيضاء وجسد طويل وعريض تقدم نحونا وألقى تحية عسكرية سريعة. "العميد إيكاريل جانفين، قائد الكتيبة بيتا (1)، شرف لي العمل مع الفرسان" برسمية خالصة ونبرة جادة قال ونظر نحونا، أوكتيفيان ليس هنا وتقريبًا على أحدنا التحدث…

ولا أحد من مجموعة اللا مبالين معي ينوي ذلك، تقدمت أومأت نحوه. "جلنار روسيل، يسعدني لقاؤك" بدا مشوشًا لثانية يحاول معرفة أي فارسٍ أكون، ولكنه تجاهل الأمر وباشر في سرد آخر ما حدث "بلغتنا رسالة المارشال بأن الهجوم سيكون الليلة وشحنة الأسلحة تم توزيعها على المعسكر الغربي والشمالي هذا الصباح، وقد تم إبلاغ قائد محاربي السيرين بأن هجومنا سيكون مع أول ظلام الليل".

بينما نسير خلال المعسكر كان الكثير يحدق بنا ولم يبدُ أي أحد من المجموعة مهتمًا بهذا.

"سيتسلل السيرين للقصر من خلال البوابات السفلية، وعندما ينجحون في فتح البوابة سيكون أحدٌ على قمة برج القصر، وحينها سيطلق إشارة نارية حتى نبدأ الهجوم".

من مكاني هذا استطعت رؤية أبراج القصر البيضاء، وذكريات لحظاتي الأولى هنا عادت لذهني حتى فقدت القدرة على التركيز على ما يقوله العميد إيكاريل.

"كل منكم له فرسٌ خاص به تم تجهيزه هاهنا، سنكون في الصف الأول مباشرة... ليكون النصر حليفنا" ختم حديثه وهو يشير نحو حظيرة اجتمعت داخلها مخلوقات مشابهة للأحصنة، لكنها بيضاء بالكامل وهناك خطوط سوداء على نهاية جسدها، بدت أضخم من أحصنة الأرض وأكثر قوةً حتى ظننتها وحوشًا ليست عادية.

كنت لأهلع فور رؤيتي لهم، فكيف لي التحكم بهم بينما لم أمتطِ واحدًا في حياتي؟ لولا أنّي اعتدت امتطاء تنين أكثر ضخامةً وشراسةً، وكما توقعت التحكم بهذه المخلوقات لم يكن شيئًأ مقارنةً بما مررت به مع كارولوس.

مع بداية غروب الشمس كانت جميع الكتائب في مكانها متأهبةً تمامًا للإشارة الأولى، وكما أمر العميد؛ كنا بالفعل في الصفوف الأولى، ويمكنني التخمين أن المارشال كان مع الكتيبة ألفا على الجانب الآخر.

رنين صدر من السوار مشيرًا لأن أحدهم يحاول التواصل معنا، ما إن أجبت وصلني صوت أغدراسيل يسأل عن أوضاعنا على الطرف الآخر، التفت للبقية لألحظ أنها مكالمة جماعية بيننا.

"سنبقى على تواصل حتى انتهاء المعركة، إن احتاج أحدكم لمساعدة عليه طلبها فورًا، أفهمتهم؟" أجاب الأغلبية بالإيجاب ولم أكن الوحيدة التي كان التوتر يغلب على نبرتها.

"من المفترض أن العميد قد قابلكم وشرح لكم الطريقة التي سنبدأ بها المعركة" قال أوكتيفيان. "لقد فعل" أجبت ونظرت للآخرين ليومئ كل واحد مؤكدًا أنه فهم الأمر بشكل جيد.

"جيد، ما إن تقتحموا قصر جيلين سيساعدكم السيرين الذين سبق وتسللوا للداخل، لا تأسروا أحدًا، اقضوا على أي إيربوسي قد يواجهكم على الفور، إنهم خُطُر، ما إن تخلوا قصر جلين من الأسرى وتستعيدوه ستعبرون حدود نورث؛ حيث سآخذ الكتيبة ألفا (2) معي إلى منتصف نورث وسنقوم بمحاصرتهم هناك. الكتيبة ألفا (1) ستبقى تحت إمرة كل من هارليك وتينر جام على الحدود لقتل أيًّا كان من يحاول الهرب وللتصدي لأي حالة طارئة وغير متوقعة".

"إن تحركت كتيبتنا من هنا؛ فماذا عن كل من بنيفيا وهايبر وجولد؟ أستبقى بلا حماية؟" سألت لتوميء ثونار متفقة وعقبت قائلة: "ما سيبقى من المعسكر لن يكون كافيًا لردع العدو إن قرر الهجوم على هذه الأراضي".

"هناك جنود على حدود هايبر وجولد لحمايتهما، وعندما تتحرك وحدة بيتا (1) معكم ستصل واحدة أخرى لتبقى في معسكر بينيفيا لحمايتها أيضًا من الدمار" كان هذا كافيًا لجعلي أطمئن على السكان الذين رفضوا الخروج من منازلهم.

كان اتفاقنا أن يبقى الجميع على اتصال حتى يصبح تناقل المعلومات أسهل بيننا، ومع ذلك لم يخفف ذلك من حدة توتري؛ فقد كانت يدي تعتصر اللجام بينما ترتجف بجنون.

على الرغم من أن أعدادنا كانت ضخمة إلا أنه كان بإمكاني سماع أنفاسي الثقيلة بينما أراقب الشمس وهي تختفي خلف أبراج قلعة جيلين العملاقة.

التفت نحو يوجين الذي لم يفارق جانبي ليوميء برأسه كإشارة لأن كل شيء سيكون بخير، ولكن تعبيره وللمرة الأولى كان متوترًا بشكل لم يتمكن من إخفاءه.

تحركت الكتيبة ببطء نحو الأمام تراقب الطريق الذي انعكس عليه ضوء الغروب الأحمر، وشيئًا فشيئًا كان يتحول إلى ظلام.

زفرت نفسًا عندما وصلنا للحدود وأصبح قصر جلين واضحًا لنا جميعًا، يقف بشموخ ويتشح بالسواد، لم أعرف إن كان ذلك السواد هو سواد الليل أم سواد من اقتحم القصر وأعلن حربه على الجميع.

الصمت بين الجميع كان مرعبًا أكثر من التفكير في المعركة، آلاف الجنود وقفت بصمت تصلي ألا يكون يومها الأخير هو اليوم وأعينهم معلقة بقمة البرج تنتظر إشارة البدء.

أغلقت عيني لثوانٍ أتذكر كيف كانت حياتي قبل هذه اللحظة، وكأنّي أنظر إلى لوحتين مختلفتين تمامًا، كل واحدة تتميز عن الأخرى بموضوع مختلف، ألوان مختلفة وطرق رسم لا تتشابه على الإطلاق، الشيء الوحيد المشترك بينهما هو أنا.

صوت صفير خفيف اخترق الصمت تلته فرقعةٌ في السماء دفعتني لأدرك أن الوقت قد حان. تزامنًا مع فتحي لعيني لأرى السماء أضاءت لثوانٍ بلون أحمر دامي تزامنًا مه ارتفاع صوت العميد الأجش صارخًا بما يمتلك من عزيمة:

" تــــقـــدموا يــا جـــنــودي!"

بلا إدراك ضربت لجام الفرس بقوة ليركض بأقصى سرعته متقدمًا الجنود، بجواري خمسة فرسان وشبحٌ حلق بسرعة عالية.

بوابات الساحة الخارجية للقصر فُتحت على مصراعيها وكأنها ترحب بنا لنموت، وعلى بعد مئتَي قدمٍ منها كانت هناك مجموعة تقدر بخمسين لمائة إريبوسي اجتمعت ما إن أدركوا هجومنا.

أعينهم كما الوحوش أصبحت سوداء قاتمة كسواد الليل الحالك، وبدأت أجسادهم تتلاشى لضباب أسود بالكاد يمكن رؤيته.

"افتحـــوا النيـــران!"

وجدت نفسي دون إدراك أصرخ بالجنود وتزامنًا مع تحليق الإريبوس نحونا للفتك بنا كانت الجنود في الصفوف الأمامية قد فتحت النيران على الفور لتتحول ظلمة المكان بالكامل إلى نهار.

لم تتوقع أول مجموعةٍ موجة اللهب التي واجهتها؛ فكان التوقف على الفور أو تجنبها مستحيلًا. عادت أجسادهم على الفور لهيئتها الطبيعية قبل أن تتحول لرماد في ثوانٍ، وظلت أصوات صرخاتهم تتردد داخل رأسي.

انقسمت مجموعة من الخلف متجهة إلى القصر بقيادة كل من جوزفين وزندي لتحرير من في داخله والقضاء على من احتلوه، بينما بقيت أنا مع كل من أتريوس، ثونار و رومياس مع البقية في الخارج للقضاء على جموعهم التي بدأت تظهر بلا توقف.

ثونار قفزت من فوق حصانها لتحلق؛ مما جذب انتباههم كونها ساحرة ودفع أكبر عدد منهم للتوجه نحوها والقضاء عليها لخطورتها.

وتلك كانت خطة ثونار الرئيسية؛ فما أن وصلت لارتفاعٍ كافٍ تحولت عيناها لتصبح بيضاء بالكامل وضرب صوت الرعد المكان مثيرًا الرعب في قلوب أعداءها، وتلاه فورًا البرق الذي كان كفيلًا بإحراق أجسادهم لرماد.

أصوات الصرخات كانت تملأ المكان، ورائحة الرماد بدأت تغزوا الهواء. تقدمت أنا بفرسي للأمام أخترق الجميع إلى نورث.

السيرين كان يرافقهم جنود يستخدمون عنصر النار للدفاع عنهم ومساعدتهم في القتال، ولمحت بطرف عيني خروج مجموعة من الأسرى من داخل القلعة برفقة الجنود.

حصاني توقف فجأة عندما توقف أمامه أحد جنود الإريبوس، ولأنه تحرك بشكل همجي قفزت من فوق ظهره متجنبة الوقوع.

على الفور ودون مقدمات ذلك الجندي تحول لهيئته الضبابية عندما لاحظ أني لا أحمل جهاز النيران على ذراعي وانطلق نحوي.

الفزع دفعني لإشعال ذراعي بالكامل وتوجيه قبضتي نحوه، يدي التي اخترقت هيئته الضبابية حولته في ثوانٍ لجسدٍ عادي. كانت يدي تحوط عنقه بينما يصرخ بألم ويحاول التخلص من يدي، ولأنها كانت مشتعلة كل مرة حاول إمساكها تحولت أصابعه لرماد.

ضربت جسده بالأرض وأمسكت الخنجر المثبت على خصري باليد الأخرى، رفعته عاليًا في نية غرزة في قلبه، ولكن النظرة داخل عينه جمدتني. لقد كان يتوسل حرفيًا للبقاء على قيد الحياة، عيناه التمعت وهو يحدق بوجهي بهلع.

توقفت عن التنفس لوهلة وأنا أحدق بتعبيره وشعرت بيدي ترتجف.

لم أستطع فعلها وابتعدت عنه وسط نظراته المندهشة، حدق نحوي لثوانٍ قبل أن ينهض على قدمه ويأخذ هيئة الضباب مجددًا. استعددت للدافع عن نفسي، لكنه تجنب جسدي فالتفت بسرعة لأمنعه من الهرب، لكني كنت متأخرة...

كل شيء حدث بسرعةٍ لم أستطع تداركها، فهدفه لم يكن الهرب ولم يكن جنديًّا آخر، بلا تردد اتجه نحو شاب خرج للتو من القصر يركض بفزع بعيدًا ليحاول الحصول على حريته…

لكنه لم يلبث حتى تحول إلى رماد. في خلال دقيقةٍ واحدةٍ كان سيستعيد حياته مجددًا، ولكنه لم يلبث حتى اختفى من الوجود، بينما أقف كالحمقاء أحدق بالمشهد أمامي وصوت أوكتيفيان كان يتكرر داخل رأسي مرارًا وتكرارًا…

’في اللحظة التي ستترددين فيها؛ ستقتلين مواطنًا بريئًا’

لم أدرك ما قمت باقترافه للتو إلا عندما صرخت فتاة من الجهة الأخرى وجسدها وقع فوق الأرض بينما تنظر لجسد الشاب الذي لم يعد له وجود.

أنا سمحت لهذا بالحدوث، لقد قتلت أحدهم بالفعل في هذه اللحظة. جسدي ارتجف بقوة، وحتى صوت يوجين الذي كان يصرخ باسمي منذ البداية لم يعد مسموعًا.

اللحظة التي تركت فيها أحدهم، قُتل آخر.

هذا ما أراد أوكتيفيان إيصاله منذ البداية، لا يمكن أن تخرج من المعركة بيدين نظيفتين، في كلا الحالتين ستقتل أحدهم، لكن عليك اختيار أي الطرفين ستقتل.

الجندي ذاته الذي كان منذ ثوانٍ ينظر نحوي بعينين دامعتين تتوسل للحياة، نظر بكل حقدٍ للفتاة التي فقدت قوتها فوق الأرض وتحول لرماد متجهًا نحوها.

غشاوة الدموع على عيني لم تكن ذات معنى عندما كان جسدي يرتجف بغضب وقهر، سحبت سيفي من غمده ودفعت بالنيران لتشعله بالكامل، ثم ركضت نحو الفتاة التي حدقت بالموت بأعين جاحظة.

خلال ثوانٍ كنت أقف أمام جسدها عائقًا في طريقه، وسمحت لغضبي أن يتولى هذه المهمة ليخرس أي شعور آخر، لوحت بسيفي وعيني حدقت بعينه ما إن عاد لهيئته الطبيعية، ثم اخترق السيف صدره ليتحول لرماد على الفور.

توقفت أتنفس بقوة قبل أن ألتفت للفتاة التي بالكاد تمكنت من الوقوف وقلت: "ابقي داخل القلعة ولا تتحركي إلا مع مجموعة من الجنود".

ظلت تحدق بوجهي وشعرت بالذنب يعتريني بشدة. "أنا آسفة" قلت متجنبةً النظر لعينها قبل أن أتعدى جسدها.

فكرة أنني سأعتذر لكل شخص سأتركه يموت لخوفي كانت مقززة، فكرة أني سمحت لشخص أعزل من السلاح أن يموت في لحظة تحريره كانت تشعل الغضب داخل صدري.

أجل، ما زال ذلك الشعور المقرف بالذنب يقتلني، لكني كررت مرارًا أنهم ليسوا سوى قتلة، إن تركت أحدهم فسأقتل مواطنًا بريئًا، وسمحت هذه المرة للغضب بأن يتحكم بأفعالي.

سيفي كان يتوهج بقوة بينما أركض نحو أول إريبوسي لاحظت هيئته الضبابية لأقسمه لنصفين، لتغطية هذا الشعور اللعين كان علي قتل المزيد والمزيد منهم.

حتى أعتاد على هذا الذنب؛ علي فعلها.

أصبحت أعداد من يتوجهون لمهاجمتي تكبر شيئًا فشيئًا، لم يكن من الصعب ملاحظة مجنونة تركض ككلب مسعور بسيف متوهجٍ وتحول كل من يعترض طريقها لرماد.

لا أعرف أي شعور كنت أحاول أن أقتل بالظبط، شعوري بالذنب لقتل شخص ما، أم شعوري بالذنب لسماح لشاب حصل على حريته للتو بأن يموت؟ كنت أصرخ بغضب كلما قتلت أحدهم، ألعن نفسي وألعنهم، لكني كنت أعرف أنني لن أتوقف، لا يجب علي التوقف.

بل لا يجب علي التفكير أيضًا، فقط اقتليهم، تخلصي منهم.

بدأت أعدادهم حولي تصبح أكثر وكان جنوني في القتال يزداد حتى أصبح التقاط أنفاسي صعبًا، كان يوجين يقدم المساعدة قدر الإمكان فيثبت جسد كل إريبوسي لم يتحول لضبابٍ ويصرخ باسمي لأقوم بقتله.

شيئًا فشيئًا أعدادهم قلت حتى أصبحت معدومة، واخترق صوت العميد أصوات صليل السيوف صارخًا: "الفرقة بيتا (2) إلى منتصف نورث!".

لم أهتم إن كنت ضمن الفرقة (2) أو لا؛ فقد التقطت أول فرس وقعت عيني عليه وقفزت فوقه أضرب السرج بقوة حتى يركض بأسرع ما يملك لمنتصف نورث.

"أين أنتم؟" صحت ليأتيني صوت جوزفين "بجانبك". التفت للفرس الذي يمتطيه جوزفين يجاري سرعة فرسي. "وأنا فوق رؤوسكم تمامًا" ثونار قالت وهي تحلق فوقنا. "سألتقي بكم في نورث يا رفاق، هناك الكثير من الأسرى الذي سأعتني بهم أولًا" صوت زوندي جاء قبل أن يتحدث مع أحدهم ليهدأ.

أتريوس لم يجب لأنه لوح لي ما إن أصبح على جانبي الآخر، وبجواره ذئب رومياس دراكوس، جسده بالكامل يحوطه الشرار الأزرق ويضيء المكان حولنا.

عبرنا حدود نورث وخلفنا ما يفوق اربعة آلاف جندي، كان الحماس يتدفق داخل عروقهم، نشعر أن الانتصار قاب قوسين.

لكن ليس كل ما يريده المرء يدركه، أليس كذلك؟

ففي منتصف ساحة نورث الضخمة توقفنا أمام مشهدٍ مروع!

مئات الأسرى تم عصب أعينهم وربط أيديهم وأرجلهم وأُجلسوا على ركبهم، وخلفهم مجموعة ضخمة من الإريبوس باردي الملامح.

لقد تحركوا أسرع مما توقعنا، وبأسوأ طريقة ممكنة، الملاعين جهزوا لإعدام جماعي.

"لقد شرفت قوات المملكة العظيمة أخيرًا، لقد أقمنا احتفالًا لأجل وصولكم، إنها تحفة فنية" من بين جموع الإريبوس برز شخص أعرفه جيدًا! اتسعت عيني لخصلاته البيضاء وبرودة ملامحه وابتسامته الهادئة. "أليس هذا هو اللعين ذاته من الغابة، وليد الظلام؟" يوجين قال مدهوشًا وهو يحدق به.

الجميع وقف مكانه خوفًا من أن يقتل هذا المجنون الجميع، لكن على ما يبدو أنه لم يكن يحاول تهديدنا، بل تم عقد النية على قتلهم بالفعل؛ فقد التف جسده بالضباب مكونًا درعًا حوله وظهر منجلٌ ضخمٌ بين يده.

حدث كل شيء بسرعةٍ كان بالكاد يمكن مجاراتها، فما أن رفع منجله أدركت أنها علامة لبدء الإعدام.

قفزت من فوق فرسي بسرعة لتضرب قدمي الأرض، دفعت بكل قوةٍ قد أملكها جميع النيران التي يمكنني خلقها داخل الأرض لتتجه نحوهم مشكلةً جدارًا ضخمًا ارتفع بينهم وبين الأسرى؛ ليصرخ أتريوس على الفور "احموا الأسرى!".

تقدم الجنود فورًا لتخليص الأسرى، ولكنني لمحت على الفور الشخص الذي قفز عاليًا متخطيًا الجدار الذي خلقته للتو، لمع منجله تحت ضوء القمر وعينه وقعت علي على الفور ليستهدفني بمنجله.

قفزت للخلف فورًا تزامنًا مع صرخات الأغلبية لتحذيري. أشعلت جسدي بالكامل حتى أتمكن من قتله على الفور ما إن أقوم بلمسه، لكنه كان سريعًا، سريعًا جدًا لدرجة جعلت لمسه مستحيلًا.

تذكرت نصيحة إليف، كما يمكن إشعال الجسد من الخارج من المكان تزويده بالحرارة من الداخل، كان هذا الحل الوحيد لمجاراة سرعته هذه.

ازداد جسدي سخونةً بينما أشعر بالنيران تنتشر داخل شراييني كالدماء لتزداد سرعتي وأتفادى ضربة منجله.

كان من الصعب على الأغلبية أن يتدخل في هذا القتال؛ فقد كانت سرعتنا مجنونة. البعض الآخر كثونار ورمياس قررا المساعدة؛ فقد كان بإمكانهم مجاراتنا، وبهذا أصبحنا ثلاثة ضد واحد.

وعلى الرغم من هذا؛ لم نتمكن من إبطائه أو إضعافه لدقيقة، لقد كان يتحرك كالمسعور ويحمل هذا المنجل وكأن لا وزن له بينما تلويحةً واحدةً منه كفيلة بتدمير منزلٍ كامل خلال ثوانٍ.

هبطت على قدمي بعيدًا عنه بينما جسد ثونار أُلقي بعيدًا ليرتطم بأحد المنازل الفارغة مسببًا الضرر له.

ذئب رومياس دراكوس كان يلهث بتعب وهناك جرحان يلتئمان ببطء على كتفه وظهره. التفت أتفقد الأسرى لأزفر براحة؛ فنصفهم تم تحريره من قبل جوزفين وزوندي الذي تمكن من اللحاق بنا، والنصف الآخر كان يوجين يعمل على تخليصهم بسرعة، كان من الصعب ملاحظته وسط هذه الفوضى.

"جلنار، انتبهــي!"

صرخة ثونار دفعتني للالتفات بسرعة نحو جسد ذلك اللعين الذي لم يتوقف لثانية ليتنفس وانطلق نحوي وعيناه تلتمع بجنون.

كان من المستحيل تفادي ضربته في هذه اللحظة، وأقل ضرر يمكنني الخروج به هو إصابة بالغة في كتفي إن تمكنت من القفز فورًا.

لكن قبل أن يصل منجله لي جسدٌ ما اندفع بسرعةٍ مرعبةٍ ليقف حائلًا بين المنجل وجسدي.

كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها أتريوس بهذه السرعة والقوة. الضغط الذي سببه تصادم المنجل بسيف أتريوس كان قويًّا لدرجة أنه ولد فجوة حولنا واندفع الهواء ليضرب كل منا.

على الفور قفز كلا الطرفين للخلف متجهزًا للهجوم التالي، اتسعت ابتسامة مختلة على وجهه وهو يحدق بوجه أتريوس "أخيرًا؛ شخصٌ قوي".

الاثنان انطلقا مجددًا ليهاجم كل منهما الآخر بقوة وسرعة، كان أتريوس يتصدى لضرباته مرة بالسيف ومرة يتحرك بعيدًا عن طريقه، وفي كل مرة يتصادما كانت الأرض تهتز لقوتهما.

لم أستطع الوقوف والمشاهدة؛ لذلك استغللت أول ثغرة سببها هجوم أتريوس وانطلقت بسرعة أسدد ركلة نحو وجهه، ولكنه صدها بعصا منجله بسهولة وأمسك بقدمي الأخرى وألقى بي بعيدًا. قبل أن أقع على ظهري دفعت جسدي ليلتف في الهواء لأهبط على قدمي وأندفع نحوه مجددًا، وخلال هذا الوقت كان أتريوس على الجهة الأخرى يهاجمه فلا يترك له فرصة ليتوقف.

تركيزه على أتريوس أعطاني فرصة لضرب ظهره، لكنه تفاداها بشكلٍ مذهلٍ وقفز خلف كلينا.

"كيف تجرؤ على لمسي أيها اللعين؟" صيحة ثونار التي استعادت وعيها للتو دفعتنا فورًا للانسحاب من محيطه؛ فقد كان بإمكاني استشعار الجو الذي أصبح ثقيلًا ومشحونًا فجأة، مئات الصواعق اخترقت السماء نحو جسده لتتفحم الأرض ويضربه البرق ويلقى بجسده بعيدًا.

كانت مشاعري مختلطة، سعيدة لتمكن أحدنا من أصابته، ومذهولة لقوة ثونار؛ فقد كانت تلك ضربة مرعبة، لم أرَ ثونار بهذا الغضب من قبل.

لكن اختفت تعابير الحماس عن وجهي ما إن نهض اللعين في دقيقةٍ وكأن أقوى صاعقة لم تضربه للتو. كان قادرًا بكل سهولة على التلويح بمنجله وكأن شيئًا لم يحدث، وكاد يصيب رأس ثونار في ثوانٍ لولا أنها تفادته بسرعة.

بطرف عيني التقطت جسدًا فوق فرسٍ يركض نحونا بأقصى سرعته بينما تحولت قبضتاه لشعلتين ضخمتين من النيران، لقد وصل أوكتيفيان أخيرًا.

كان هدفه واضحًا؛ لذلك تحركت بسرعة لأقوم بجذب انتباه وليد الظلام حتى لا ينتبه لأوكتيفيان، أتريوس أدرك بسرعة مذهلة ما أحاول فعله فتحرك مخرجًا فأسيه ليقوم بإشغاله بهجمات قريبة بينما أقوم أنا بركلات بعيدة المدى مستعملة نيراني.

وسط هذا القتال كان شعورٌ من الفزع يتسلل داخلي، قوة هذا الرجل غير طبيعية، كان يقاتل أربعةً منا بعدما انضم كل من ثونار ورمياس للقتال مجددًا ومع ذلك ما زال واقفًا على قدميه ولم يصب سوى مرة واحدة!

إن كانت تلك قوة أحدهم؛ فكيف هي قوة ملكهم؟

نجحنا في جذب انتباهه بعيدًا عن أوكتيفيان الذي ما إن أصبح داخل محيطنا قفز أربعتنا بعيدًا عنه لنتفادى ضربة أوكتيفيان الذي قفز من فوق فرسه لتلتحم قبضته المشتعلة بوجه عدونا ليقع أرضًا أخيرًا.

استغل دراكوس الفرصة وتحول جسده إلى شرارٍ في ثانية، وقبل أن يدرك وليد الظلام ما يحدث كانت مخالب دراكوس تخترق صدره.

بالكاد شعرت بالأمل عندما ظننت أننا تخلصنا منه، لكننا لم نفعل. وكأن مخالب دراكوس لم تكن شيئًا، أمسك بذراعه ليحيط مخالبه بالكامل ونهض حاملًا جسد دراكوس وركله بقوة ليندفع نحونا.

كل واحد منا قفز بسرعة متفادي جسد دراكوس الضخم، عدا لافيان الذي كان أبطأ منا بثوانٍ…

لن يقتله ثقل دراكوس، لنأمل هذا.

أعداد الإريبوس من حولنا أصبحت أقل وتم إبعاد أغلب المدنيين ما إن تدخل السيرين لمساعدتنا وقد تم تزويدهم بأجهزة نافثة للنيران.

نحن حقًا ننجح في القضاء عليهم!

لمحت طرف منجله ينطلق نحو وجهي مما دفعني للتصدي له بسرعة، لكن لم يكن المنجل إلا خدعة لإشغالي، يده التقطت عنقي قبل أن يندفع بقوة بجسدي ليرتطم بأحد المنازل. "لقد التقينا مجددًا" قال بابتسامة خبيثة قبل أن تتحول عينه بالكامل للأسود، وكانت تلك إشارة واضحة لأني سأتحول لرماد إن لم أفعل شيئًا لحماية نفسي.

جسده اندفع بعيدًا في الوقت ذاته الذي كاد يتحول فيها لضباب، الشكر كله لكل من أتريوس وأغدراسيل اللذين اندفعا نحوه ليوجه كل واحد منهم ضربته.

ثلاثة من جنود الإريبوس كانوا حولي؛ لذلك انشغلت في قتالهم، لم يكونوا بصعوبة قائدهم، لكنه لم يكن من السهل قتالهم، خاصةً وأن حركتهم سريعة وما إن يتحولوا لهيئة ضبابية يصبح ملاحظتهم صعبة في الظلام.

ابتسمت للافيان الذي أحرقهم ما أن انشغلوا في قتالي. "ما الأوضاع عند قصر جلين؟" صوت أغدراسيل اندفع وأجابه أرتيانو "ما زلنا نحاول القضاء على من تبقى منهم، أعدادهم تزداد هنا ولكننا نسيطر على الوضع، تم تحرير الأسرى".

زفرت براحة وسألت بسرعة "والحدود الشرقية؟". أجابني هارليك على الفور "خلى المكان من أي محاولات هجوم، بعض الجنود فقط حاولوا التراجع ولكننا أنهيناهم" أي أننا في قلب المعركة.

تفاديت إحدى صواعق ثونار ودفعت لافيان بعيدًا حتى لا تصيبه. "آسفة!" صاحت وهي تمر من فوق رؤوسنا وتهاجم مجموعة ضخمة من الإريبوس.

"جلنار، احذري!" صوتٌ صرخ في أذني ووجدت جسدي يندفع بسرعة للخلف متجنبةً المنجل الذي ما إن لمس الفرس الذي كان بجواري تحول لرماد، تبًا.

"ذلك اللعين يصر على مهاجمة جلنار!" صاح أوكتيفيان بغضب. "لا تسمحي لذلك المنجل بلمسك!" أتريوس حذر في نفس الثانية الذي تحول فيها ذلك المجنون لضباب واندفع نحوي.

إنه يعرف هويتي، إصراره على التخلص مني يؤكد أنه على معرفةٍ بمن أكون والتخلص مني في هذه الحرب بمثابة انتصار للإريبوس.

لن أسمح لهم.

قبل أن يخترق جسدي دفعت أقصى ما أملك من طاقة لتنفجر النيران من حولي، بقوةٍ وبحركةٍ سريعةٍ من يدي عاصفة من الهواء والنيران التفت حولي كزوبعة تبتلع كل ما يقترب منها.

"هكذا نقاتل!" صوت لافيان الذي صرخ حماسًا وصلني، توقفت عندما توقف الهجوم علي ونصف من كان في الساحة قد اختفى.

وليد الظلام كان يقف بصعوبة ممسكًا بكتفه الأيمن وينظر نحوي بغضب.

"جلنار... التقطي!"

يوجين الذي ظهر فجأة قام بأكثر حركة ذكية، في لمح البصر سحب المنجل من بين يديه التي ضعفت قبضتها وألقاه نحوي، حركة لم أتوقعها أبدًا ولم أفكر بها، ولكنها كانت الضربة القاضية، ما إن لمسته حتى اشتعل بالكامل.

من منجل الظلام لمنجل النار.

ابتسمت بانتصار، إن تركت له فرصة لتدارك الوضع فلن أجد فرصة أخرى لهزيمته. ركضت نحوه بسرعة وهو بالكاد يحاول استيعاب كيف حلق المنجل من يده ليدي.

كان من السهل أن يظن الجميع أن ثونار استخدمت تعويذة ما لتلقي بالمنجل لي، أما ثونار فكانت الوحيدة التي تدرك أنها ليست السبب، أنا وحدي من كنت أعرف أنني أملك تعويذة خاصة تسمى يوجين.

القوة التي كانت مخزنة في المنجل غير قابلة للتصديق، فمجرد لمسي له شعرت بأن حركةً واحدةً منه قادرة على محو الجميع والنيران زادت من تلك القوة.

لوحت به بأقوى ما أملك وعندما لم يتمكن من الهرب رفع يده اليسرى في محاولة يائسة لصد الضربة، لكن المنجل اخترق كتفه ليقطع ذراعه وتتحول لرماد على فور.

قفز بعيدًا وتعابيره صرخت بالألم ممسكًا بكتفه الأيسر هذه المرة، التفت الجميع حوله مستعدين للفتك به ووقفت أنا أمامه ممسكةً بمنجله مستعدةً للقضاء عليه هذه المرة.

حاول ضبط أنفاسه قبل أن يرفع رأسه وينظر لنا قبل أن تقع عينه علي ويبتسم بكل هدوء قائلًا: "لقد خسرتم".

لم أتمكن من استيعاب ما يقصد، هل كان يهلوس؟ أم أنه فقط يائسٌ لأجل أن يفوز في هذه المعركة؟ من الواضح أننا من فزنا هنا وليس هم، لقد استعدنا نورث!

لكن الثقة والهدوء في نبرته كانت مخيفة، مخيفة لدرجةٍ جعلتني أشعر أن شيئًا سيئًا على وشك الحدوث.

عندما تحول لضباب أخذت وضعية الهجوم استعدادًا لقتله، لكنه حلق للأعلى قبل أن يختفي بين السحب متجنبًا قتالنا.

مع اختفائه حل الصمت على المكان، وآخر جندي للإريبوس هنا تم قتله، وبهذا صرخ المارشال الذي انضم لنا مؤخرًا يعلن النصر باستعادة نورث، الجميع صرخ بسعادة... الجميع أعلن انتصارنا.

لمَ إذًا بدا واثقًا من أننا خسرنا؟

ثونار اندفعت نحوي تحتضن جسدي بقوة وهي تصرخ بانتصارنا، نظرت ليدي حيث اختفى المنجل وتحول لرماد طار مع نسمة الهواء التي ضربت المكان.

لافيان انضم لثونار ليحتضن كلينا بسعادة ويصرخ بحماس معلنًا انتصارنا، لكني لم أتمكن من مشاركتهم، نظرته الواثقة لم تغادر مخيلتي.

"هارليك، ما هي الأخبار؟" سألت بقلق ولم يجب! قلبي كاد يقفز من مكانه وكدت أصرخ باسمه، ولكنه أجاب بسعادة وصوته يختلط بصوت تينر جام "الجميع بخير، لا هجوم. نحن على ما يرام!". زفرت براحة لكونهما بخير، ولكن ما زال ذلك الشعور بأن شيئًا سيئًا سيقع لا يفارقني.

رفعت عيني لأتريوس الذي وقف أمامي وهناك جرح سيء على رقبته. "ما الخطب؟" نظرت نحوه، لا أعرف بما علي أن أجيب. لست مرتاحةً، حديثه كان مقلقًا لي. "قصر جلين، ما الأخبار؟" سألت مجددًا وعلى الفور جاءني صوت أرتيانو "لقد استعدنا قصر جلين، لم يكن هناك حاجة للدعم الذي وصلنا".

عقدت حاجبي ونظرت لأتريوس وأوكتيفيان الذي انضم لنا. "أي دعم؟" سألت الاثنين وتبادلا النظرات دون إجابة.

ركضت بسرعة نحو أحد الأحصنة التي كانت بلا صاحب، قفزت فوق ظهره وضربته بقوة ليتقدم بسرعة عالية نحو قصر جلين، الفرسان تبعوني على الفور وقد شعروا بوجود خطب ما.

قفزت من فوق ظهر الفرس ما إن وصلت وركضت نحو أحد الجنود. "من أي وحدة أنت؟" نظر نحوي بفزع وهو يحاول فهم ما يدور؛ لذلك صرخت عليه بنفاد صبر "من أي وحدة أنت أيها اللعين؟".

"نحن الوحدة أوميغا" رجل بدا عليه أنه قائدهم تقدم نحونا مما دفعني لترك الجندي الذي بدل عينه بيننا بفزع. "أوميغا؟ أليس من المفترض بهذه الوحدة أن تحمي حدود بينيفيان وهايبر وجولد؟" صراخ أوكتيفيان من خلفي تسبب ببرودة في جسدي.

"لقد جاءتنا أوامر مباشرة من النبلاء بأن نتوجه لقصر جلين لدعم المقاتلين هناك، والتأكد من تحرير القصر".

لم أتمالك نفسي واندفعت بقوة ممسكة بمقدمة درع صدره "ماذا تقصد؟ ماذا عن المواطنين هناك أيها الغبي؟". بكل غباء وبلاهة وكأنه تم برمجته: "أوامر القادة كانت صريحة، لن يمسهم خطر". لم أتمالك نفسي ووجدت قبضتي تحولت لصخر قبل أن ألكم وجهه بقوة.

الصدمة ضربت وجهه أكثر من لكمتي وكدت أندفع نحوه لقتله لولا أتريوس الذي وقف حائلًا بيننا ممسكًا بجسدي. "توقفي، ليس الآن جلنار" قال بحدة، لكني صرخت: "لقد تركوا مواطنين بلا سلاح أو وسيلة للدفاع من أجل قصرِ لعين وفارغ، اللعنة عليكم! أنتم حفنة من المرضى العقليين!".

كنت أحاول الإفلات من بين يدي أتريوس التي أحكمت قبضتها حولي، وعندما تدارك اللعين أني لكمته رسم الغضب على وجهه وكاد يتقدم نحوي وهذا ما أردته، ولكن أوكتيفيان وقف في وجهه ليتراجع.

"جلنار، انظري لي!" يوجين صرخ بقوة مما جذب انتباهي وصمت بالرغم من صدري الذي أخذ يعلو ويهبط بقوة. "المواطنين في هايبر وجولد" أدركت ما كان يقوله ذلك الإريبوسي، لقد خسرنا!

على الفور أصدرت صفيرًا عاليًا بعدما دفعت أتريوس بقوة عني وركضت نحو حافةٍ عاليةٍ عن الأرض، خلال دقائق زئير كارولوس ضرب المكان مسببًا فزعًا بين الجنود جسده. لم يكن مرئيًّا وسط ظلام السماء سوى تلك الخطوط البيضاء التي توهجت على جسده.

قفزت من حافة المكان والتقط جسدي كارولوس. "إلى هايبر بسرعة!" صحت به ليسرع في تحليقه نحو حدود هايبر.

كنت غاضبة، غاضبةً كالجحيم وصورة النبلاء وهم يحترقون كانت ترضي غضبي، كنت أنطلق بكارولوس بأقصى سرعة ممكنة.

"جلنار، لا!" صوت صرخة ثونار من خلفي دفعني للالتفات والنظر للخلف، نظرتها كانت فزعة وموجهة لشيءٍ آخر أمامي لم أتمكن من رؤيته بسبب الظلام الحالك.

لكن ما إن اقتربت كفاية أدركت أن الطريق لم يكن مظلمًا، هناك جدارٌ ضخمٌ أسود اللون يقف حائلًا بيني وبين هايبر.

كارولوس حاول التوقف مما أدى لهبوطنا السريع والخطر، فقدت السيطرة عليه لأترك اللجام بسرعة حتى لا يرتطم بالجدار، سقط هو فوق الأرضية بقوة وجسدي اندفع نحو الجدار.

ثونار في الثانية التي اصطدم جسدي فيها بالجدار المظلم صرخت بتعويذة ما، الجدار من خلفي انفجر بضوءٍ أصفر قبل أن يقع جسدي فوق الأرضية.

لم أدرك ما حدث إلا عندما نظرت للجدار، البقعة التي اصطدمت بها كانت صفراء، لكنها بدأت تعود للونٍ أسود داكنٍ وعفنٍ وعادت التعويذة مباشرة لتضرب صدر ثونار بقوة، شهقت وأمسكت بصدرها وعروقها تحولت للأسود قبل أن يختفي اللون و تهوي نحو الأرض بقوة.

"يوجين!" صرخت بصوت عالي وعلى الفور التقط يوجين جسدها ووضعها فوق الأرض ببطء، بشرتها كانت شاحبةً كالأموات، وأول ما قمت بفعله هو التحقق من نبضها.

أخذت نفسًا مرتاحًا عندما شعرت بنبضٍ خفيفٍ في وريدها وأسقطت رأسي أحاول إدراك ما حدث.

"هل أنتما بخير؟" صياح أغدراسيل تبعه الجميع دفعني لرفع رأسي والنظر نحوهم، ولكن قبل أن أجيب صوتٌ أجفل أجسادنا أوقفني.

صرخةٌ قوية من خلف الجدار تليها مئات الصرخات المشابهة جعلتني أفهم ما حدث.

لقد تم استدراج الوحدة التي كانت تدافع عن هايبر وجولد إلى قصر جلين، لأنهم يعرفون أن النبلاء أكثر غباءً وأنانيةً من أن يدركوا، قريتان كاملتان يتم محوهما في الداخل.

جدار من السواد يفصل بيننا وبينهم، وكل ما تمكنا من فعله هو الوقوف بأعين جاحظةٍ نحدق بالجدار بينما مئات الصرخات لكل من أهالي هايبر وجولد وبينيفيا تضرب أرجاء المكان.

انتهت معركة اليوم، والنتيجة كانت فقدان قريتين وإصابة أحد الفرسان…

لقد خسرنا!



*************************************************

هالوووووو

نهاية مأساوية لفصل طويل مليان أحداث

مش عارفه ليه بحس أنسب أغنية للفصل ده خصوصًا لنهايته هي skyfall

بحسها لايقه اوي

الفصل الي فات نسيت أرغي معاكم شويه من كتر استعجالي والناس الي خدت بالها دي ناس قمر والله

الفصل ده كان مصييييبة

لما جيت اراجعه دلوقتي اكتشفت ان في جزء كبيييير اوي فيه مكنش موجود واتحذف بالغلط والحمد لله ان النسخه القديمة اوي من الرواية عندي فراجعته من اول وبعته للمدققه من اول

قعدت بتاع تلت ساعه اشيك على الفصل وحاسه فيه حاجه ناقصة اتابي الفصل كله مش موجود

تقريبًا ده واحد من أطول الفصول في الروايه

ومن أكتر الفصول الي غيرت فيها شويه تفاصيل عن الأول لان في الاول حسيت بعض الارقام وسرعة بعض الاحداث مبالغ فيها واحنا بنتكلم عن معركة مش خناقة في ساحة مدرسه

الفصل الجي كمان نارر وغالبًا في كتير بيحبه

فصل روميااااس

متحمسه اوي أنزله.

مش بااااقي كتير على الفصول الجديده

ولو نظام التنزيل فضل زي ماهو من غير ما يعرقله موضوع امتحاناتي ودراستي فعلى الأغلب

على الأغلبببببببب

هعيد عليكم بفصل جديد

قولوا ان شاء الله بس

بسسسس

لوف يووو

باي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

36 تعليقات

  1. العد التنازلي للفصول الجديدة
    "ستة"

    ردحذف
    الردود
    1. احب فقرتك واقرأ التعليقات عشانها 🩷🩷

      حذف
  2. اسم الفصل يجنن 😭😭🩷🩷🩷🩷🩷🩷

    ردحذف
  3. ثالث تعليق❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  4. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  5. ليششش خلص الفصل حموت من القهرر 💔💔النبلاء الحقراااء ليششش

    ردحذف
  6. واخيرا فصل الحرب مع انو كان اكثر فصل محزن بس معلش المهم اقتربنا من الفصل 47

    ردحذف
  7. حمااااس البارت والله ما قادر أصدق انو في بارت نزل من غير ما اعرف يعني التعليق العاشر انا مو مشكله 💃💃

    ردحذف
  8. بدون مبالغه من اول ما نزل لهسا وانا بقرأ بالفصل ما ابغاه يخلص حماااااس اخيرا حسيت بأجواء الحرب ومتحمسه اكثر للفصول الجايه😭💞💞💞

    ردحذف
  9. يا بنات امتا الفصل لي بتخرب فيه جلنار حفل النبلاء

    ردحذف
    الردود
    1. بعد دا ببارت تقريبا او اتنين

      حذف
  10. انا. اتمنى لما ينزل اخر فصل اللي هو ٤٧ على حد قولك تنزليلنا معاه ال ٤٨ هدية لينا لانتظارنا ٣ سنين ونص على ما الفصل ينزل😂

    ردحذف
    الردود
    1. اخر فصل مش كان ال ٤٨ كان ال ٧٢

      حذف
  11. بعد قرأتي للفصل الغضب اعتراني من النبلاء لو بيد هم الان الا احرقهم بنار جلنار ..

    ردحذف
  12. الفصل كان ناااارر

    ردحذف
  13. النهاية عصبتني من النبلاء بس قوتهم شي ثاني

    ردحذف
  14. الغضب والغضب والغضب على النهاية المأساوية للسكان ، فعلا حقارة بعض الناس لا متناهية ، وأكيد الصاع حيترد صاعين 💪💪💪

    ردحذف
  15. الفصل جامد بصراحه
    الفشل و الحزن ضرورة عشان النصر يبقا ليه قيمه بعدين
    تحمست فجأة لما افتكرت جلنار عملت اى فى النبلاء بعدين+ شدى حيلك ي جولى بالله عليكى عايزة اعيد بفصل الجديد انا لسه اخر لحظات الفصل الاتنين و السبعون فى دماغى و عايزة اعرف اى بعدها 🥺🥺

    ردحذف
  16. حماااس حمااس اكسترا حمااس 😭🔥

    ردحذف
  17. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  18. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  19. الاضافة الجديدة حماااااس بجد وتحفة رجعتني لأجواء اني بقرا رواية جديدة ومش عارفة أحداثها .. حوار اوكتفيان واتربوس كان إضافة جامدة احلى من القديم بكتير ومزود السصبنس كدا وموضح خلاف جلنار واوكتفيان .. التفاصيل ولا غلطة بجد .. التفاصيل الجديدة ف المعركة بردو ولا غلطة بصراحة 🫂

    ردحذف
  20. الفصل نار وكولش متحمسة للفصول الجديدة انتظر ع احر من الجمر😍😍

    ردحذف
    الردود
    1. هل في فصل اليوم إن شاء الله

      حذف
  21. مفيش بارت هينزل انهارده؟؟؟؟؟ ارجوكي انا متحمسه

    ردحذف
  22. نااااار ناااااااار الفصل 😍😍

    ردحذف
  23. حماساساسااساساس

    ردحذف
  24. طبعا فصل الحرب كان من الفصول المنتظرة، بحبه جدا، طبعا النبلاء و افعالهم الحقيرة كانت غير متوقعه يعني مافيش حقارة بعد كده، الحديث بتاع اوكتفيان و اتريوس و التفصيل اللي انضافت عليه كانت حلوة حقيقي، بوحد صوتي مع صوت جلنار لحرق النبلاء، فرحانة جدا ان خلاص قربنا للفصول الجديدة علشان فضولي هيموتني للي هيحصل لجلنار و اتريوس و خاصة بعد ما عرفت الحقيقة😭😭، جست في النهاية احب اقولك اني بحبك و ربنا يوفقك يا جميل 💕💕

    ردحذف
  25. رحت سمعت الأغنية وياربي شكد توصف الأحداث + شبعت قهر على الي صار بالأخير

    ردحذف
  26. صارلي اكثر من ساعة اقرة بالفصول وبعدني ليهسة مامسوية سحور🌚👍🏻

    ردحذف
  27. والله لو بدالها لجانار كان حرقت قصر جيلين ولعنت امو ع ابوه الكلاب حرقولي دمي


    ويب حرفيا فصل رومياس من اكتر الفصول اللي بحبها ومعلقة ببالي
    🥺🥺♥

    ردحذف
  28. النبلاء 😭😭😭😭 حد نفسي تجيه افكار شيطانية عن قتلهم وساخهم وتعليقهم على ابواب القصر كذا يشوفهم الرايح والجاي لاجل يتعلم الدرس 😭😭😭 اذا ماخربوا شي في الحرب مايكونوا نبلاء اصلا ، كنت متاكدة وررربي منهم بيسووا شي لاجل قصر فاضي 😭😭

    ردحذف
  29. قد ايش اكره النبلاء المعفنين هذولا!!! بخاطري كلام كثير بس مو كانه في فايده منه اتمنى لو انهم كانوا بدل القريتين الي راحوا

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال