الفصل الثالث والخمسون | ترابط

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم والبخل ، وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات".

إفصاح آخر "نحن ضحايا أنفسنا، الآخرون مجرد حجة". بثينة العيسى

مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل الثالث والخمسون 



الكثير من الحقائق كانت تضربني دائمًا منذ اللحظة التي جئت فيها إلى هذا المكان.

أشياء لم أكن أدركها وأشياء لم أتصور وجودها يومًا، جميعها كانت أساطير بالنسبة لي، قصصًا خيالية تسردها الأمهات لأطفالهم، قصصًا أشبه بقصص الرسوم المتحركة.

لكن كان الأمر دائمًا لا بأس به بالنسبة لي، ربما لأنني وجدت نفسي بين تلك الفوضى فجأة وكنت مجبرة على تصديقها حتى أتمكن من البقاء على قيد الحياة.

كان الأمر على ما يرام لأنه لم يكن يتعلق بي يومًا، الممالك، القوة غير الطبيعية، الحرب وحتى الأجنحة والسحر، كانت تلك الأشياء موجودة ولكنها لم تكن ذات علاقةٍ شخصية بي.

لم يكن أيٌ من هذا متصلًا بي، فجأةً أصبحت أنا الفتاة التي عليها قيادة فريقٍ كامل والدفاع عن الممالك ولكن لا بأس، فقد تقبلت الأمر، التغيرات تحدث في حياتنا جميعًا ولكن تختلف حدة وثقل تلك التغيرات، وتغيراتي كانت ثقيلةً نوعًا ما.

ولكن ما أنا على وشك معرفته كان كفيلًا بتغير كل معرفتي بهذا الكون، بهذه الحياة، على وشك ضرب كل معرفتي عرض الحائط

وفي كل مرةٍ أظن أن هذا الكون قطعةٌ صغيرة ويصبح بسيطًا تعلمت عنه أكثر، واكتشفت أن هذه ما هي إلا كذبة.

هذا الكون أكثر تعقيدًا من أن نفهمه يومًا، الروح، الجسد، الماديات واللا ماديات.

نحن لا نعرف شيئًا عن هذا الكون ومهما ازدادت معرفتنا لن نفهم يومًا كل شيء، بل من المستحيل مهما طال عمرك أن تعرف كل شيءٍ عن هذا المحيط الذي نعيش داخله.

تلك العلاقات الصغيرة، تلك الترابطات التي لن تراها ولن تكتشف وجودها يومًا إلا إن حالفك الحظ، كل الصلات بين الحاضر والماضي والمستقبل

تلك الأشياء أكبر وأعظم من أن تفهمها عقولنا التي لم تُهيأ لاستيعاب هذه الأمور.

في ذلك الظلام، بجوار البحيرة تحت ضوء القمر كنت متجمدةً بمكاني بينما أحدق في تلك السيدة الغريبة، كان كل شيءٍ حولها يصرخ بالغرابة، وجودها وحدها ليلًا داخل جزيرة الفرسان!

حقيقة أن جسدها باردٌ وكأنها نسمة هواءٍ باردة، وتلك الهيئة، الهيئة التي تشع حولها كضوءٍ للمكان!

لكن كل هذا لم يثر دهشتي بالقدر ذاته عندما نطقت اسم أتريوس للتو

أصبحت أكثر شبهًا بالأسماك بينما أفتح وأغلق فمي ولا أجد ما يمكنني قوله حتى، لم أكن أعرف ما يجب علي أن أفعل، من هذه؟ وما علاقتها بأتريوس؟

"أعلم أنكِ مشوشة، لا بأس، صغيرتي" قالت بهدوءٍ وتركت يدي لتخطو بهدوء من حولي وتقول: "لقد ظننت أن مقابلة فتاةٍ مثلك مجددًا شيءٌ مستحيل، لقد انتظرت منكِ أن تتغيري حتى مع تقدم عمرك، لكنك لم تفعلي يومًا، ما زلتِ تمتلكين القلب ذاته".

التفت أنظر نحوها عندما التفتت من حولي وقلت: "أنا لا أعرف من أنتِ أ..." توقفت عندما اختفت من خلفي، التفت لأجدها واقفةً أمامي مما أثار فزعي ودفعني لأخذ خطوات للخلف، لكني تابعت: "ما علاقتكِ بأتريوس؟".

ابتسمت ونظرت لكفيها قبل أن تقول: "أنتِ مشوشةٌ بالكامل، ليس فقط بسببي، بل بسبب أتريوس، بسبب حقيقته".

اتسعت عيني بفزع، إنها تعرف من يكون أتريوس حقًا!

"وبالرغم من عدم فهمكِ لحقيقته لم تتخلي عن حبه" رفعت حاجبًا نحوها وقلت: "أنا أحبه، لكنه لم يقل صراحةً أنه يحبني في الواقع؛ لذلك أنا فقط لم أتخلَ عن مشاعري الخاصة".

ضحكت بنعومةٍ وبدت ساحرةً جدًا في هذه اللحظة وقالت: "أنتم الفتيات دائمًا ما تردن الصراحة، ألم تشعري به؟". ما الذي يفترض أن يعنيه هذا؟ عندما رأت تعبيري تنهدت وقالت: "أنه غارق تمامًا بكِ، ربما أكثر مما تفعلين أنتِ".

حاولت منع الابتسامة الساخرة عن وجهي، لكن لم أتمكن من ذلك، ربما أتريوس يكن لي بعض المشاعر، هذا واضح، ولكن لا يمكنني تسمية هذه المشاعر بأي شيءٍ بعد، لقد قلت له صراحةً أنني أحبه، ولكن قدر مشاعره لي

لا أعلم بعد، وما زال من الصعب تخيل أتريوس يكن مشاعر قوية لأحدهم.

"أنتِ فقط لا تعرفينه جيدًا" قالت تلك المرأة منتزعةً أفكاري بعيدًا وأردفت: "ربما لأنكِ لم تري أتريوس القديم يومًا لم تتمكني بعد من رؤية مدى حبه لكِ".

اقتربت مني أكثر وتابعت: "لقد أراكِ الكثير من شخصيته، الكثير مما لم يره أحدٌ من قبل على الإطلاق سوى واندر" بهتت تعابيرها فجأة ونظرت لوجهي، ولكنها بدت وكأنها تنظر لشيءٍ آخر، ذكريات أخرى.

"لم يبتسم له الحظ يومًا" تمتمت ورفعت عينها لعيني ووضعت ابتسامةً حزينة، ثم قالت: "حتى اليوم الذي رآكِ فيه لم يبتسم له الحظ، ولكن وجودكِ جعل كل شيءٍ مختلف".

عندما شعرت أنني أسمع كفايتي من الألغاز اللغوية نظرت لها بنفاد صبرٍ وقلت: "أنا لا أعرف ما هي هويتكِ بالضبط، أنتِ لستِ مثلنا، جسدك كالثلج وظهرتِ فجأةً هنا، لمَ أتحدث معكِ بينما لا أعرف ما هي هويتك حتى؟".

لم تقل شيئًا وظلت تحدق بوجهي مما دفعني لقول: "لا تبقي هنا كثيرًا، مخلوقات الغابة ليست شيئًا يمكن اللعب معه" والتفت بنية الذهاب، لكني توقفت عندما أمسكت برسغي وجذبتني للالتفات نحوها.

"أعتذر، قد يكون هذا مؤلمًا لوهلة"

ما أن أنهت جملتها حتى وضعت إبهام يدها على مقدمة رأسي وضغطت بقوةٍ دفعتني للصياح متألمة: "هاي! مهلًا، لـ...".

اتسعت عيناي بفزعٍ عندما شعرت بالأرض من تحتي تُسحب وكأنها سجاد يسحبه شخصٌ ما.

تمسكت بذراعها بقوةٍ بسبب الدوار الذي ضرب رأسي وأغمضت عيني بقوةٍ في محاولة الحفاظ على اتزاني وعدم تقيؤ كل شيءٍ تناولته.

لم أدرك أنني متمسكةٌ بها بقوة إلا عندما قالت بصوتها الناعم: "لا بأس، يمكنك الاسترخاء الآن".

ببطءٍ فتحت عيني وتركت ذراعها لأترنح لثوانٍ في مكاني وأخذ نفسًا كنت قد حبسته تلقائيًا. "ما الذي فعلته بي للتو؟" قلت من بين أسناني ونظرت نحوها بحدةٍ لتقابلني بابتسامةٍ صغيرة وتقول: "اتبعيني".

عقدت حاجبي ونظرت حولي بسرعةٍ لأتجمد حيث أنا، ما اللعنة؟

للتو كان الوقت منتصف الليل، ولكن الشمس الآن تضيء السماء! ولا يبدو المكان هنا كغابة! تحركت بسرعةٍ أتبعها بينما أنظر للأشخاص الذين يسيرون من حولنا وكأنهم لا يروننا حتى!

"أين نحن؟" سألت بينما أحاول مجاراة سرعتها في المشي. "أظن أن السؤال الصحيح متى، وليس أين" قالت ضاحكة، ولكني لم أفهم شيئًا على الإطلاق.

بينما أتبعها بخطواتي شيءٌ ما جذب انتباهي؛ مما دفعني للتوقف فجأة والنظر نحوه.

إعلان ضخم يحلق في السماء ليراه الجميع، أمرٌ ملكي بتسليم جميع الإريبوسيين لأقرب دائرة حرس أو التبليغ على الفور عند رؤية أحدهم والكثير من (اخدم مملكتك) و (معًا ضد العدو).

أين أنا بحق خالق الجحيم؟

الأشخاص الذين يمارسون حياتهم بطبيعية لم يبدوا مهتمين بالإعلان كثيرًا وبعضهم فقط يقف لينظر له لثوانٍ ويكمل طريقه، كان من الواضح أننا في إحدى مقاطعات الحدود بسبب الملابس البسيطة وعدم التكلف المعتاد في طرقات النبلاء.

التفت أنظر لتلك المرأة الغريبة قبل أن أفقد أثرها وركضت بسرعةٍ لألحق بها.

كان الجميع يبدو متناغمًا، يلقون التحية ويسيرون من خلالنا كأننا أشباح، هذا ليس العالم الواقعي الذي أعرفه، هذا بديهي، لكن أين أنا بالضبط؟

توقفت المرأة فجأةً أمام أحد المنازل الموجودة في حي يبدو سكنيًا مليئًا بالمنازل البسيطة والعشب الأخضر يلتف من حول كل منزل.

"لمَ توقفنا؟" همست بسؤالي وكأن شخصًا آخر سيسمعنا، لم تجب، لكنها ظلت تنظر للمنزل بابتسامةٍ هادئة وعينٍ شاردة.

ثوانٍ من الانتظار وفُتح باب المنزل بعدها لتظهر سيدةٌ ترتدي ثوبًا مكونًا من قميصٍ أبيض وتنورة خضراء اللون، مريلة بيضاء عقدتها حول خصرها وجمعت شعرها الذهبي للأعلى.

كانت تقف موجهةً ظهرها لنا وقد ضمت يدها فوق صدرها تهز قدمها بعصبية واضحة.

"عزيزتي، أرجوكِ التوقف عن توقع الأسوأ" صوتٌ قوي صحبه خروج رجلٍ طويل الجسد خلفها، شعره بني اللون تبعثر بفعل الرياح المفاجئة ليرفعه للأعلى مظهرًا عينًا زرقاء شبيهةً بالسماء.

فكه العريض وذقنه شبه الحليقة وشفتاه الحادتان، كانت كلها تكون صورةً وسيمة وتشبه شخصًا دفع قلبي للانقباض فجأة.

"أنا لا أتوقع، كريستوفر! أنا أتلو عليك حقائق ما سيحدث إن لم نفعل شيئًا ما" هتفت المرأة في حدة والتفتت تنظر نحوه ليسقط فكي أرضًا.

بدلت عيني بين المرأة التي تتجادل مع الرجل الغريب وبين المرأة الواقفة بجواري، إنهما الشخص ذاته، الفرق فقط أن الواقفة بجواري أكثر شحوبًا و تضيء بهالةٍ غريبة.

"هل تنوين إخباري لما هناك نسخة منك تقف أمامي الآن؟"

نظرت نحوي بطرف عينها وقالت: "لمَ لا ترين بنفسك عوضًا عن إخبارك؟".

حسنًا، هذا رد أكثر من كافي لجعلي أصمت وأشاهد هذين الشخصين يتشاجران حول شيءٍ لا أفهمه.

"أعرف أنكِ خائفة، إنه طبيعي، آديت لكن وجودنا هنا هو الأفضل، هؤلاء الأشخاص يحبوننا، يثقون بنا كما نثق نحن بهم، ليس عليكِ القلق... من أجل صغيرنا!"

الرجل احتضن وجه المرأة -أو آديت- بهدوءٍ وقبل رأسها قبل أن يحتضن جسدها لتقول بصوتٍ أكثر هدوءً: "لا أعلم، كريستوفر لم أعد أعلم إن كان ما نفعله هو الأفضل لطفلنا أم لا، إنه هادئ جدًا، وأصبح أكثر هدوءً وصمتًا منذ أن سمع ما يُقال على الشاشات".

ابتسم كريستوفر وقال: "سيكون رجلًا جذابا كوالده". رفعت حاجبًا وضربت صدره قائلة: "أهذا كل ما يسعك التفكير فيه الآن؟". ضحك بصخبٍ وقال مقتبسًا جملتها: "أنا فقط أتلو الحقائق، آديت".

لم تتمكن من تمالك ابتسامتها التي تحولت لضحكةٍ لتقبل وجنته وتغمغم: "متفاخر".

كاد كريستوفر أن يقول جملةً ما، لكنه توقف عندما نظر للخلف حيث منزلهما وقال: "انظروا من قرر الاستيقاظ أخيرًا". التفتت آديت لتتسع ابتسامتها وتملأ وجهها بالكامل وتنحني على ركبتيها وتفتح ذراعيها قائلة: "صغيري أنار المكان باستيقاظه".

من خلف الباب خرج طفلٌ ذو قامةٍ قصيرة يمشي بخطواتٍ متثاقلة، فرك عينيه بنعاسٍ وتمتم: "لم أعد طفلًا، أمي".

شعرت بجسدي يتجمد، وكأن أحدهم سكب ماءً مثلج على رأسي، ذلك الصبي الصغير إنه الصبي ذاته الذي ظهر في أحلامي!

ما اللعنة التي تحدث؟

لكن شيئًا آخر حوله دفعني للشعور بالقلق، وكأن القادم لن يعجبني.

"ماذا يحدث؟" تمتمت في قلق، لكن لم تجبني المرأة بجواري بأي كلمةٍ وشاهدت بهدوء.

"لمَ لا يتم تدليلي كما تفعلين معه؟" غمغم كريستوفر لتنكز ذراعه وتقول: "توقف عن كونك طفلًا". انحنى وأمسك بطفلهما الصغير ليحمله بين يده ويقول: "آت الصغير ما زال يشعر بالنعاس؟".

دحرج الصبي عينه ودفع جسد والده لينزله أرضًا ويقول: "لست صغيرًا واسمي ليس آت، بل أتريوس، انطقه بشكلٍ صحيح".

حسنًا... هذا يكفي، ما الذي يحدث؟ لمَ... لمَ قال للتو أنه... أتريوس؟

"هل ستخبرينني بحق خالق الجحيم ما يحدث؟" صحت عندما شعرت أن هذا الأمر يفوق تحملي ونظرت للمرأة أو شبيهة آديت بجواري لتضع يدها على كتفي وتقول: "تحلي بالصبر، صغيرتي، ألم تتساءلي سابقًا من يكون أتريوس؟ سأريك من يكون بعينيك".

هذا هذا الصبي هو أتريوس!

هذه ذكريات أتريوس!

إن كان هذا الصبي هو أتريوس؛ إذًا لمَ كان يظهر في أحلامي؟ هذا الشعور المزعج، الشعور الذي يخبرك أنك على أعتاب حقائق لن تكون سعيدًا بمعرفتها

إنه يملأني الآن.

اختلف المكان من حولنا وتحركت النسخة الغريبة من آديت لأتبعها، توقف كلانا أمام سوقٍ كبيرة مليئة بالأشخاص الذي يعملون بنشاط ويتبادلون التحيات.

التفت عندما سمعت شخصًا يحي كريستوفر لأراه يسير خلفي بينما بجواره يسير بهدوء وبتعبير فضولي ينظر حوله في كل مكانٍ الصبي الصغير أو... أتريوس الصغير.

كان الجميع يبدو سعيدًا بوجود كريستوفر، يرحبون بوجوده ويعاملونه بود.

وقف أمام أحد المخابز وأخذ يتحدث مع صاحبه بوجهٍ بشوش قبل أن يبتاع بعض الخبز لأتريوس الصغير.

شخصٌ ما اخترق جسدي مندفعًا نحو كريستوفر، لم أسمع ما قاله، لكن تعبير الرعب الذي اعترى الرجل كان يوضح أنه أمرٌ سيء.

أمسك بطفله وحمله بسرعةٍ وهرول بعيدًا ليفتح أحد الموجودين ورشته الصغيرة ويخبئ كريستوفر داخلها، ثم يغلق الباب الصغير مجددًا ويبدأ في العمل وكأن شيئًا لم يحدث.

المكان بأكمله صمت عندما انتشرت فجأةً مجموعةٌ كبيرة من الحرس وأحاطوا المكان لحراسة شخصٍ كان يتقدمهم.

رجلٌ ذو ملامح جامدة، عينٌ ذات نظرةٍ قاسية غير مهتمة سوى بما يريده صاحبها، تعبيره كان صارمًا يثير الفزع.

"الجميع عليهم الاستماع جيدًا لما سأقوله"

صدح صوته الخشن في المكان بالكامل بينما يتحرك حول المكان ينظر لعين كل شخصٍ بجرأة. "على الجميع أن يفهم ما سأقوله حتى لا يتوسل لحياته لاحقًا!" صاح بينما يده أخذت مكانها على مقدمة سيفه.

وقف في منتصف السوق وقال بأعلى صوته: "أي شخصٍ يحاول التستر على إيربوسي لعين سيتم اعتباره خائنًا للملكة، وسيتم إعدامه أمام الجميع". التفت ليحرص على أنه نظر للجميع وأردف: "من تحاولون التستر عليهم هم أعداء هذه المملكة، هؤلاء الوحوش استخدموا سحرًا ملعونًا وهم الآن يقتلون أبناء هذه المملكة من الجنود على الحدود".

عندما تأكد من أن رسالته وصلت للجميع التفت بنية الذهاب، ولكنه قال قبل أن يخرج من السوق: "قوموا بتثمين حياتكم، أنتم أم إريبوسي عدو لعين مليء بالظلام سيقتلكم عندما تحين الفرصة".

وبهذه الجملة الختامية انسحب من السوق وخلفه جنوده لتعود الحركة لطبيعتها وكأن شيئًا لم يحدث.

بعد تأكد أحد الصبية من مغادرة الحرس نهائيًا ركض نحو صاحب الورشة وأخبره بأنهم ذهبوا ليطرق الباب الصغير ويخرج كريستوفر الذي كان يحتضن صغيره بقوةٍ لحمايته.

"شكرًا لك يا رجل، أنا مدينٌ لك" شكره كريستوفر ليربت الرجل على ظهره ويقول: "ليكن الله في عونك يا أخي".

تعابير كريستوفر فقط لثانيةٍ بدت كئيبة، كئيبةً جدًا، لكنه محاها بسرعةٍ مذهلة واضعًا ابتسامة كبيرة على وجهه ونظر لأتريوس الصغير قائلًا: "أرأيت؟ لا داعٍ للقلق، والدك هنا دائمًا لحمايتك، كما أن هؤلاء الأشخاص سيحمونك كذلك".

نظر أتريوس الصغير لكريستوفر بتعبير متضايقة وقال: "إنهم يريدون قتلنا، أبي!". تجمد كريستوفر لثوانٍ، لكنه وضعه وانحنى ليصبح في قامة طفله وقال بجدية:

"نحن لا نؤذي أحدًا أبدًا، أتريوس. الرجل الحقيقي يعرف كيف ومتى يرفع قبضته، لن نحاول أذية أحدٍ أبدًا؛ لذلك هم لن يؤذوننا في المقابل، سنحب الجميع كما سيفعلون أيضًا معنا، عليك الثقة بهم، أتريوس عش من أجل أن تكون أفضل، لا لتؤذي الآخرين لتشعر نفسك بأنك أفضل منهم"

أومأ أتريوس بتفهمٍ ونظر للأشخاص من حوله الذين يذهبون ويجيئون ولم يقل شيئًا آخر.

"كان ذلك وقت عصيبًا لهم" التفت لشبح آديت بجواري عندما نطقت جملتها، ثم تابعت: "كإريبوسي يعيش في مملكة الإلترانيوس عندما قامت الحرب كانوا يعيشون في خوف، ولكن كريستوفر فعل كل ما يستطيع، كل ما يمكنه حتى يعطي الأمان لعائلته، لقد كان شخصًا بسيطًا، شخصًا يثق في الجميع، لقد كان يملك قلبًا ناصعًا صافيًا، لم يمكنه من رؤية البشاعة التي تسكن في قلوب الآخرين".

لا يعجبني هذا، كل هذا لا يعجبني، أشعر أنني على وشك معرفة أشياء سيئة، سيئةٍ جدًا.

يبدو فجأةً وكأننا تقدمنا عدة أيام لأجد نفسي أمام منزل كريستوفر وآديت مجددًا.

كان كريستوفر يقف خارجًا يقوم بقطع بعض قطع الحطب مع رجلٍ آخر، بينما يجلس أتريوس الصغير يراقبهما ويحاول الاقتراب كل مرةٍ من فأس والده الثاني ببطءٍ وحذر حتى لا يلاحظ والده ذلك، لكنه كان ينسحب بسرعةٍ عندما يلاحظه كريستوفر فيشير له بتحذيرٍ حتى لا يقترب من الفأس.

الفأسان!

إنهما الفأسان ذاتهما اللتان لا يفارقا ظهر أتريوس!

خرجت آديت من المنزل وأعطت كلًا من الرجلين كأسًا من المشروب البارد وتذمرت من أصواتهما العالية بينما يمزحان.

تلك الأجواء الودية والجميلة تبددت بالكامل في ثانية، كنت أعلم أن هذه اللحظة سيكون انقلاب الأمور للسوء، وهذا كان مرسومًا على وجه شبح آديت بجواري.

صبي ركض بسرعةٍ حتى وصل إلى باحة منزل كريستوفر صارخًا، "الحرس، الحرس الملكي قادم بقيادة القائد!".

كان الصبي يلهث، تعبًا ورعبًا مما قد يحدث

بينما شعرت بقلبي يكاد يتوقف من الفزع بالرغم من معرفتي أن لا شيء يمكنني فعله سوى المشاهدة.

الملامح المبتسمة اختلفت بسرعةٍ وتبدلت لأخرى خائفة، مرتجفة.

انطلقت آديت بسرعةٍ وحملت أتريوس الذي لم يكن غبيًا حتى لا يفهم ما يجري، دفع كريستوفر الرجل الذي كان يشاركه قبل قليل في قطع الحطب وصرخ في وجهه أن يذهب بسرعةٍ حتى لا يراهما الجنود معًا.

انطلقت بسرعةٍ تلقائيًا خلف آديت وأتريوس إلى داخل المنزل متناسيةً أنها مجرد ذكرى، شريط لا يمكن تغييره.

استقبلتني صالةٌ بسيطة ذات أثاث لطيف وهادئ، التفت ابحث عنهما لأهرول لحيث سمعت صوت ضجيجٍ صغير قادم من الغرفة على يميني.

توقفت أمام باب الغرفة وأنا أرى آديت ذات التعبير الفزع الذي حاولت إخفاءه بابتسامةٍ كاذبة مرتجفة ممسكة بأتريوس تخبئه داخل خزانة صغيرة أسفل أحد الصناديق الضخمة.

أمسكت بيديه بقوة وقالت: "صغيري، عليك أن تعدني، مهما حدث، مهما حدث ستغلق عينيك الجميلتين ولن تفتحهما حتى أخبرك، ستغلق أذنيك وستردد أغنيتنا الصغيرة، اتفقنا؟".

نظر أتريوس لعين والدته بتعبيرٍ جامد، ولكن ما لبث حتى امتلأت عيناه بالدموع وقال: "اختبئي معي". ارتجفت شفتيها، ولكنها تمالكت نفسها ومسحت دموعه قائلة: "هذا مخبؤك أنت، صغيري، كما اعتدنا عند اللعب، والدتك ستذهب لمخبئها الخاص، اتفقنا؟".

يده المرتجفة الصغيرة تمسكت بها وقال: "إذًا ليختبئ أبي معي". اخفضت رأسها لوهلةٍ في محاولة لإخفاء خوفها عنه لترفع رأسها مجددًا بابتسامةٍ كبيرة وقالت: "سيختبئ والدك معي، وعندما أنادي باسمك ستأتي للبحث عنا".

نظر لوجه والدته بينما يحاول كتم شهقاته، يعلم أنها خائفة، لقد لاحظ ارتجاف يدها، تقوس شفتيها، عينها اللامعة بالدموع، كان يعرف أنها خائفة.

"أرجوك"

خرجت من بين شفتيه بيأس لتنفجر باكيه وتحتضنه بقوةٍ بين ذراعيها وتهمس: "سأكون دائمًا هنا من أجلك، صغيري، لن أبتعد عنك". العديد من القبلات طبعتها على وجهه ورأسه قبل أن تحتضن وجهه الباكي بين يدها المرتعشتين وتقول: "لا تمت، أتريوس لا تستلم، تذكر من أنت، أنت ابن كريستوفر فلورمان، والدك أفضل صيادٍ عرفته الإريبوس ووالدتك أفضل امرأةٍ يمكنها قتل الجهل بالعلم، وأنت أنت هو نعمتنا".

حاولت أخذ أنفاسها وأبعدت يده المتمسكة بملابسها بقوةٍ لتهمس في أذنه بهدوء: "أغلق عينيك، صغيري".

انصاع لأوامرها لتمسك بكفيه وتضعهما على أذنيه وتقول: "أبدأ الغناء".

بصوت باكٍ وهادئ بدأ في غناء تهويدةٍ ذات لحن لطيف يثير الهدوء والسعادة، تهويدة لم تزد الأمر إلا سوءً.

لقد وقفت هناك أراقب آديت وهي تنظر لصغيرها بتمعنٍ قبل أن تغلق باب الخزانة عليه بهدوء وتنهض واقفة.

عضضت شفتي بقوة أمنع نفسي من البكاء وعيني متعلقة بالخزانة.

"كانت قوية" همس شبح آديت من خلفي جعلني التفت قائلة: "لا أريد معرفة ما سيحدث بعد هذا، أرجوك". نظرت لعيني بنظرةٍ هادئة، قوية وقالت: "عليكِ ذلك، إن كنتِ حقًا تحبينه فستفعلين".

لأنني أحبه، أنا لا أستطيع!

لا يمكنني تحمل فكرة أنه كان صغيرًا جدًا ليعايش كل هذه اللحظات، ولم يكن هناك أحد بجواره.

التفت عندما لاحظت خروج آديت من الغرفة حيث صالة الاستقبال ليقابلها كريستوفر الذي قال بسرعة: "أتريوس؟". أومأت برأسها كإجابةٍ بأنها تولت الأمر.

نظر حيث الغرفة التي يختبئ فيها أتريوس لثوانٍ، تلك كانت نظراته الأخيرة لطفله، كان يعلم ذلك وكان واضحًا في عينه.

نظر لآديت وقال: "اذهبي، يمكنك الذهاب من النافذة وأخذ أتريوس بينما أتحدث معهم". لم تتأثر تعبيرها ولو لثانيةٍ وظلت تنظر له بثبات وكأنها ترسم ملامحه في ذهنها.

"آديت، من أجل أتريوس اهربي! إنهم في الخارج لا يمكننا الذهاب جميعًا" صاح في وجهها منفعلًا، لكنها أمسكت بيديه ونظرت لعينه قائلة: "عندما تعاهدت على مشاركتك الحياة والموت لم أكن أنطق ببعض الطقوس أمام رابط الدماء المقدس، لقد كنت أعنيها، كريستوفر فلورمان".

ارتسم الرجاء على وجهه وهمس: "لا تفعلي، أرجوكِ، تخلي عن عنادك فقط الآن وافعلي ما أقوله". ابتسمت في وجهه بينما تنهمر دموعها على وجنتيها وقالت: "إن تخليت عنه فأنا أتخلى عنك، وعندما أخبرتني أنك تحبني أخبرتك أنني سألتصق بك لآخر لحظةٍ لك".

 ضحكت بينما الدموع تجري فوق وجنتيها وقالت باسمة: "وها هي ذا آخر لحظة".

أغمض عينيه بينما أصوات صرخات الجنود في الخارج تتحارب لتصل لمسامعهما، أسند رأسه ضد رأسها وقال: "ماذا عن أتريوس؟". احتضنت وجنتيه قائلة: "إنه قوي، أقوى من كلينا، سينجو. إنه ناجٍ، كريستوفر، لقد بُورك طفلنا بالنجاة".

لم تكن تملك أي نيةٍ لتركه والذهاب.

وعندما فهم كريستوفر هذا احتضن جسدها وقبل رأسها قبل أن ينظر لعينها للمرة الأخيرة ويدفعها برفقٍ خلفه في اللحظة التي تحطم فيها باب المنزل.

أردت إغماض عيني في هذه اللحظة، أردت إغلاق أذني والغناء كما فعل أتريوس في هذه اللحظة، لكنني لم أستطع، بين كل دقيقةٍ وأخرى كانت عيناي تملأها الدموع، ولكني لم أقوَ على إبعادهما، لم أقوَ على النظر بعيدًا عن كريستوفر وآديت.

الجنود أحاطوا المكان بالكامل بعد فتح الباب وكل شخصٍ فيهم استحضر عنصرًا تحسبًا لإن حاول أحد الزوجين الهجوم.

قائدهم الذي تقدمهم في السوق سابقًا دخل للمنزل، صوت حذائه الضخم كسر الصمت الذي خيم على الأجواء.

جميع سكان الحي اجتمعوا لينظروا لما سيحدث ولم يقوَ أحدهم على الدفاع عن الزوجين.

توقف قائدهم وجهًا لوجه مع كريستوفر الذي نظر له بثباتٍ وقال: "لا نريد أذية أحد". رفع يده كعلامةٍ بلسلام، كعلامةٍ على أنه لا ينوي أي شرٍ لأي شخص.

ابتسامةٌ ساخرة ارتسمت على وجه الرجل قبل أن يصيب فك كريستوفر بلكمةٍ حطمت بعض أسنانه.

"هؤلاء من تخفونهم، إنهم أعداء، أيها الحمقى! وحوش ستبلعكم!" صرخ محدّثًا الجمع حول المنزل الذي حضر للمشاهدة بصمت.

كتم كريستوفر غيظه واستقام مجددًا، ثم نظر لعين قائد الحرس بجرأةٍ وقال: "لا نريد أذية أحدهم، ولم يعرف أحدهم أننا إريبوسيين، فقط دعنا نعد لوطننا بهدوء".

تحرك نحوه قائد الحرس بتعبيرٍ بارد مشمئز وقال: "الوطن! تقصد عش اللعنات الذي صنعه ملككم القذر؟". وقف في وجه كريستوفر ونطق هامسًا بشفةٍ ارتفعت بتقزز: "على جثتي".

ثبت كريستوفر دون حراك وأعاد جملته قائلًا: "لا نريد أذية أحدٍ ولا ننوي أذية أحد، لم يساعدنا أحد ولم يعرفوا أننا من الإريبوس".

كان من الواضح على تعبير ذلك الرجل أنه يفقد صبره، لا يواجه أي عدائيةٍ من كريستوفر تدفعه لقتله دفاعًا عن نفسه والجميع يشهد على ذلك.

"لا تتحدث إلا عندما آمرك بذلك!" صاح في وجهه قبل أن يركل ركبتيه ليقع جالسًا عليهما فوق الأرضية بصمت.

"لم نرفع سلاحًا عليكم يومًا، ما الذي تريده منا؟ فقط اتركنا في سلام!" انفجرت آديت بقوةٍ وتحدٍ تنظر لعينيه بعد اكتفائها من إذلال زوجها علنًا.

ارتفعت عينا الرجل نحوها قبل أن ترتسم ابتسامةٌ أثارت الفزع داخلي، الفكرة الشيطانية التي لمعت داخل رأسه كنت أعرفها جيدًا.

"لا، لا لا، تبًا، لا" همست وأنا أراقب خطواته تقترب من آديت ببطءٍ واستمتاع بينما كانت ثابتةً مكانها برأسٍ مرفوع تنظر لعينه بكراهية.

وقف أمام وجهها بصمتٍ قبل أن يرفع يده لترتطم بوجنتها ويتردد صدى الصفعة في المكان لتسقط أرضًا.

في هذه الثانية وثب كريستوفر على قدميه في ثورةٍ محت كل أثرٍ للرجل المسالم داخله، كاد الحرس ينطلقون لإيقافه، لكن أشارةً شبه ظاهرة من يد قائدهم منعتهم.

تبًا، تبًا تبًا

الغضب في عينين كريستوفر كان قد أعماه عن مخطط اللعين الواقف أمامه.

عروق كريستوفر برزت في سوادٍ واضح وعينه تحولت للون أسود بالكامل، تعبيرٌ شرس ارتسم على وجهه. "كيف تجرؤ؟" صوته صرخ بنبرةٍ أثارت الفزع وانطلق نحو الرجل الذي وقف مكانه دون حراك، وما أن هاجمه كريستوفر حتى استل سيفه في اللحظة ذاتها.

حدث كل شيءٍ بسرعة، بسرعةٍ أجفلت جسدي وشعرت وكأن عيني تأبى الانصياع لإرادتي، أردت إغلاقها، أردت النظر بعيدًا، ولكن يبدو أن عقلي كان يملك خططًا أخرى

خططًا دفعتني لرؤية مشهد ذبح كريستوفر فلورمان وتناثر دماءه النقية في أرجاء المكان، خططًا دفعتني لسماع صراخ آديت فلورمان الغاضب، الحزين والمُعذب، وهي ترى جثة زوجها تقع هامدةً على الأرضية.

بقدر رغبتي في إغلاق عيني، إبعاد نظري، لم أفعل، لأن رغبتي في حفظ ذلك المشهد داخل رأسي كانت قد انتصرت، حفظ وجه ذلك الرجل، رغبتي في الأخذ بثأر أشخاص لا ذنب لهم

الأخذ بثأر عائلة فلورمان.

"هذه هي حقيقتهم، إنهم وحوش، مظلمون، وجميعكم ستموتون إن أغضبتموهم فقط" صرخ مشيرًا بقدمه لجثة كريستوفر مستمتعًا بالفزع على وجوههم؛ فقد رأوا وجهًا غاضبًا للإريبوس.

ارتجف جسدي بقوة وأنا أتابع ما يحدث بعد ذلك، انتفاض جسد آديت وإمساكها بفأس زوجها بقوةٍ فاقت قوة ألف رجلٍ وهجومها على قائد الحرس.

الغضب في عينها وصرختها، القوة التي اندفعت داخلها في تلك اللحظة، تحول عينها للأسود بالكامل والعروق التي برزت في جسدها

كانت تمتلك قوة الإريبوس، لكنها لم تحاول أذية أحدهم بها.

لم تتمكن من إصابة جسد قائد الحرس الذي تصدى لها وألقى الفأس بعيدًا قبل أن يجذب جسدها نحوه ويخترق سيفه الملطخ بدماء كريستوفر معدتها بقوةٍ دفعتها لبصق الدماء.

نظرت لعيني قائد الحرس في آخر لحظاتها وهمست، همست بحقدٍ وبغضب:

"سترى الفزع بعينيك، يومًا ما... ستعرف شعور الخوف"

أخرج سيفه من أحشائها لتسقط على ركبتيها تحاول التقاط أنفاسها، عينها الدامعة نظرت لجميع الأشخاص المجتمعين في الخارج يشاهدون مقتلهما بصمت، بنحيبٍ خافت، جارتها، صديقاتها، كانوا يبكون بصمت، أغلقوا أعينهم والتفتوا ينظرون بعيدًا، يمنعون أنفسهم من رؤية آخر نظراتها.

سقطت جثتها أرضًا وعينها تنظر لوجه زوجها الذي غاب أثر الحياة عنه ودماءه سالت على الأرضية مختلطةً بدمائها.

عينها اتجهت ببطءٍ حيث الغرفة الشبه مغلقة، حيث تركت صغيرها هناك، يدها اليمنى تمسكت بيد زوجها الباردة واليد يسرى امتدت حيث الغرفة التي تركت جزءً منها داخلها... وكأنها تمسك به، تلمسه للمرة الأخيرة

وفي تلك اللحظة فارقت روحها جسدها واختفى أي أثرٍ للحياة داخل عينيها.

رؤيتي أصبحت ضبابية لأسمح لنفسي بإغلاقها أخيرًا.

خرج الحرس، وخرج قائدهم بعد أن نظف سيفه من دمائهم بلا مبالاة.

ابتعد المتفرجون كلٌ لبيته ولم يجرؤ أحدٌ على محاولة دفنهما حتى.

تحركت نحو جثتيهما وجلست على ركبتي أمامهما، لم أتمكن من منع نفسي من النحيب بهدوءٍ وعيني معلقة بهما، لم يحاولا أذية أحد، وضعا ثقتهما في الجميع، لم يرتكبا أي ذنب!

"لقد تم التبليغ عنهما…"

صوت شبح آديت الهادئ كسر الصمت المخيم على المكان والذي خيم معه الظلام، أردفت وهي تدور حول الجثتين: "بائع الخضروات كانت تثقله الديون بشدة، رأت زوجته إعلانًا على تقديم مكافئاتٍ لمن يسلم إريبوسي أو يبلغ عنه، أقنعت زوجها بتسليم كلٍ من آديت وكريستوفر؛ فهما لن يدفعا ديونهما…".

جلست بجواري، ثم استأنفت: "جلس بائع الخضروات بهدوءٍ في منزله ذلك اليوم، ينتظر مكافأته بعد قتلهما، لكنه لم ينل شيئًا، لم ينل سوى الكراهية والبغض من باقي السكان، لكن لا الكراهية أو البغض أعاد الزوجين للحياة".

أناملها لمست وجنة كريستوفر وقالت: "لقد ولدت أنا ذلك اليوم، جلنار، أنا لست آديت، أنا أثرها". رفعت نظري نحوها بهدوءٍ أتذكر ما قاله الحكيم الأكبر عن الأثر الذي يتركه الشخص من خلفه.

"لم تكن آديت تملك قوةً كبيرة أو عظيمة لتترك أثرًا بعد موتها، ولكنها كانت تملك رغبة، رغبةً قوية لا يمكن مضاهاتها، رغبةً في حماية الجزء الصغير الذي تركته منها خلفها"

ارتفعت عيني نحو الغرفة التي تسلل منها صوت غناءٍ لتهويدةٍ خافتة لم يتوقف يرافقه نحيبٌ طفولي خافت. "تركت آديت الحياة، ولكنها لم تستطع منع تعلقها الجنوني بطفلها أتريوس، وهنا تمكنت في هذه اللحظة من تركي خلفها أنا أثر آديت في هذا الكون، وواجبي الذي وجدت لأجله هو أن أحيط أتريوس فلورمان صغير آديت وكريستوفر حتى أتأكد من أنه يعيش في أمان".

نهضت بتثاقل دون الرد أو محاولة قول شيءٍ لأثر أديت.

اتجهت للغرفة التي خبأت آديت أتريوس داخلها وعبرت من خلال الباب قبل أن أقف قبالة الخزانة الصغيرة التي ما زال يجلس داخلها دون أن يحاول الخروج.

انحنيت لأجلس أمامها بصمت، حاولت فتحها، لكن يدي فقط مرت من خلالها، لم أتمكن من لمسها.

أردت فعل شيءٍ ما، قول شيءٍ ما أو حتى النظر إليه، لكني لم أسمع صوته. انتظرت خروجه، لكنه لم يفعل. كان ينتظر مناداة آديت ليخرج من الخزانة، لكنها لن تفعل.

التفت عندما سمعت صوت باب المنزل يُفتح ببطءٍ شديد، نهضت من مكاني وخرجت حيث ما زال يقف أثر أديت بجوار صاحبته، ولكنها تنظر للشخص الذي تجرأ على دخول المكان المليء برائحة الدماء والموت.

التفت أنظر حيث تنظر هي لتقع عيني على رجلٍ وقف بصمت ينظر للجثتين، رجلٍ ذي لحية كثيفة وعينٍ هادئة تثير الراحة بمن ينظر لها، كان يملك قامةً متوسطة الطويل وجسدًا ممتلئًا بشكلٍ بسيط.

تذكرت أنني رأيت هذا الشخص سابقًا، كان ذلك الخباز الذي تحدث مع كريستوفر سابقًا في السوق!

تحرك الرجل بخطواتٍ سريعة بلا ضوضاء إلى داخل إحدى الغرف وأحضر ملائتين حملهما فوق كتفه، انحنى على ركبتيه ينظر للزوجين اللذين ينظر كلٌ منهما للآخر بعينٍ لم تُغلق وكأنها متمسكةٌ بالحياة للاطمئنان على أتريوس الذي يجهل ما سيواجهه وحده.

حرك الخباز يده ليغلق عين كريستوفر، ثم آديت، ويغطي جسديهما بالملاءة ويجلس فوق رأسيهما على ركبتيه، نزع قبعته قماشية من فوق رأسه وأمسك بها احترامًا لهما وقال: "آسف، آسفٌ لكوننا جبناء... أنا آسفٌ لأننا جميعًا أردنا الصراخ، ولكننا آثرنا السكوت، آسف لكون هذه الحياة لا تستحقكما، أتمنى أن ترقدا بسلام".

نظر للزوجين بهدوء قبل أن تبدأ الملاءة بالتحرك ببطءٍ والجثتين تحتها بدأتا التحول لرماد، رماد تناثر حيث كانا نائمين بعيدًا عن هذا العالم.

عندما لامس هذا الرماد الأرضية تفتحت ورودٌ صغيرة سوداء اللون ببطء، ليبعد الخباز الملاءة ويبتسم ابتسامةً تشرح الألم الذي يشعر به.

جلست هيئة أثر آديت بجواري ولمست أطراف الورود السوداء الصغيرة بأناملها وقالت: "شعب الإريبوس عندما يموتون إما أن تبقى جثثهم حتى تتحول إلى جذورٍ ميتة وجافة، وإما رماد موتهم يعطي الحياة لهذه النباتات الصغيرة، فقط إن ودع أحدهم الروحين بصدق، بحبٍ ومودة حقيقة يمكن لجسديهما التحلل بسلام".

ارتفعت عين آديت الأثر للخباز وابتسمت قائلة: "هناك دائمًا بذرةٌ صالحة بين مئات البذور الفاسدة".

نهض الخباز على قدميه والتفت حوله وبدأ البحث، لم يكن من الصعب تخمين أنه يبحث عن أتريوس؛ فقد كان يعرف أن هذه العائلة مكونةٌ من ثلاثة أفراد.

لم يطل بحثه حتى وجد الخزانة الصغيرة، تجمد عندما فتحها؛ فلم يتوقع أنه سيجد أتريوس هنا.

كان مغمض العينين، يديه الصغيرة ثابتةٌ بقوةٍ فوق أذنيه، وجهه قد امتلأ بالدموع وشفتيه ما زالت تتحرك وتتمتم بالتهويدة وقد غفى من شدة الخوف والإرهاق.

نزع الخباز معطفه وحمل أتريوس النائم بهدوءٍ فوق كتفه ووضع المعطف فوقه ليغطي جسده الصغير.

خرج من الغرفة ومنها إلى باب الخروج

توقف ونظر خلفه للمنزل وكأنه يودعه للمرة الأخيرة عوضًا عن الزوجين وتمتم: "لا تقلقَا، إنه معي الآن، يمكنكما الراحة".

ابتسم ابتسامةً صغيرة ونظر لأتريوس الذي لم يشعر بحركته وقد أنهكه التعب والبكاء.

خرج من المنزل وأغلق بابه للأبد.

وقفت هناك وحدي داخل الظلام الذي ابتلع المنزل، جميع الأفكار تتضارب بشكلٍ يثير الفزع داخل رأسي.

لقد ذُبح والداه على مسمعٍ منه، فقط في خلال دقيقةٍ تبدل يومه بالكامل، لقد كان صغيرًا، صغيرًا جدًا ليتحمل أمرًا كهذا في حياته.

ارتفعت عيني الممتلئة بالدموع لأثر والدة أتريوس، آديت التي تقدمت ممسكةً بيدي وهي تضع ابتسامةً مواسية، من يفترض به أن يواسي من؟

"لم تنتهِ القصة هنا، تلك كانت بداية الأمر، جلنار" قالت قبل أن تسحبني من يدي لنخرج من خلال الجدار، ولكن لم أجد نفسي أقف داخل حديقة المنزل، بل وجدت نفسي واقفةً في منزلٍ بسيط آخر، أضواءه تثير الدفء داخل الروح.

كان منزلًا ذا طابعٍ هادئ، مدفأة صغيرة حجرية موجودة أمام أرائك ذات لونٍ أزرق باهت، سجادة في منتصف الأرضية وصور تتحرك وحدها معلقةٌ على الجدار مع بعض التحف البسيطة والسحرية التي تتحرك دون أن يلمسها أحد.

هناك في منتصف المكان كان يواجهنا الخباز بظهره، في حين أن أتريوس الصغير نائمٌ فوق إحدى الأرائك المريحة أمام المدفأة.

"هل جننت، إدنالور؟ كيف بإمكانك الذهاب إلى هناك؟" صوت امرأةٍ علا فجأةً ليأمرها الخباز بالصمت هامسًا: "ستوقظينه، اهدئي قليلًا". لم أستطع رؤية المرأة التي تقف قبالته لقصر قامتها أمامه، لكن صوتها الهامس كان واضحًا بسبب هدوء المكان.

"لقد كان الإله لطيفًا بنا ولم يقم الحرس بقتل الجميع لتسترهم على الزوجين، وأنت تريد أن نبقي طفلًا إريبوسي معنا؟"

صمت الخباز لثوانٍ ونظر لأتريوس قبل أن يقول: "انظري له! لقد رأى والديه يُذبحان اليوم، كان يختبئ في خزانةٍ وقد غط في النوم لشدة بكائه، هل يمكنك تخيل ما مر به؟ لقد ظل اليوم بالكامل داخل الخزانة مختبئًا وإن نظر للخارج لثوانٍ سيرى جثتي والديه، لقد ظل مع جثتين طيلة اليوم، إنه فقط... طفل".

سكتت المرأة وأظن أنها نظرت لأتريوس في تلك اللحظة.

تحركت بهدوءٍ لأرى هذا النقاش بشكل أفضل، كانت امرأةً قصيرة ذات جسدٍ صغير وضئيل بعض الشيء، وجهها بدى غاضبًا، ولكن في الوقت ذاته بدت وكأنها تنازع نفسها، وكأن حربًا نفسية تدور داخلها.

وجهها بدى مألوفًا لدرجة مخيفة، لكن لم أتمكن من التخمين أو ربما حدث الكثير لدرجةٍ جعلتني غير قادرة على تذكر أي شيءٍ أو حتى فهمه.

عضت المرأة شفتها وبدلت عينها بين أتريوس وزوجها بقلقٍ ليتقدم ممسكًا بكفيها ويقول: "لا تقلقِي، سنخبئه جيدًا، لن يعرف أحدٌ أننا نعتني به، ربما لم نرزق بطفلٍ فقط لهذه الغاية، أن نعتني بهذا الصغير، لا تقولي لي أنكِ خائفةٌ لكونه إيربوسي؛ فهذا مستحيل".

دحرجت المرأة عينيها وقالت: "لا أخاف الإريبوس ولا أراهم وحوشًا، تلك شائعاتٌ يروج لها الحمقى أتباع الملك، لكنني قلقة من معرفة الجنود لهذا الأمر، سيقتلونك، إدنالور". ابتسم واقترب منها ليضع يده فوق وجنتها ويقول: "لم أعلم أنكِ تخشين علي".

رفعت حاجبًا وقرصت ذراعه بقوةٍ ليقفز بعيدًا وتقول: "أنا فقط لن أتمكن من إدارة المخبز وحدي". ضيق عينيه وهو يمسح ذراعه بألمٍ وقال: "أعلم أنكِ تريدين الاعتناء به، فقط توقفي عن مقاومة نفسك".

زمت شفتيها ونظرت لأتريوس مجددًا قبل أن تخطو نحوه وتجلس على ركبتيها أمامه، تأملت وجهه ببطءٍ بنظرة امتلأت بالعاطفة، لا الخوف، ومسحت بعض الدموع العالقة على وجنته لترسم ابتسامةً صغيرة لم تتمكن من منعها.

لحظة

لحظة، أنا أعرف من هذه! أنا أعرف هذه المرأة... هذا مستحيل!

"واندر!"

صرخت من هول الصدمة دون أن أتحكم بنفسي وأنا أشعر بقلبي يقفز من مكانه وكأنهم سيسمعونني، هيئة أثر آديت ابتسمت وأومأت برأسها دون تعقيب.

واندر التي أعرفها ممتلئةٌ بعض الشيء عن هذه المرأة، أما واندر الجالسة أمامي الآن أصغر سنًا وأقل امتلاءً، بل تكاد تختفي بين ملابسها ولكنها تحمل التعبير ذاته

النظرة ذاتها التي ترمق بها أتريوس حتى الآن، تلك العاطفة وتلك الابتسامة

تلك هي واندر!

التفتت نحو زوجها وقد محت كل تعبيرٍ يدل على حبها لأتريوس من النظرة الأولى وقالت: "سأضعه في الغرفة الصغيرة في الأعلى؛ فقد نظفتها أنفًا عندما طلبت مني ذلك وصباحًا سأقرر إن كان علينا الاعتناء به أم لا".

نظر لها الخباز بسعادةٍ أومأ دون اعتراض وطبع قبلةً على وجنتها قائلًا: "أنا متأكدٌ من أنكِ ستختارين الخيار الصحيح".

حملت واندر أتريوس ببطءٍ وهدوء ونظرت لوجهه لثوانٍ قبل أن تتنهد وتذهب نحو الدرج متجهةً للأعلى ليطفئ الخباز المدفئة والأنوار ويصعد معها.

صعدت خلفهما بسرعة، ولكن ما أن وصلت للأعلى حتى وجد الضوء يملأ المكان وكأن الشمس أشرقت في ثوانٍ، لم أعد أتعجب من طريقة تنقلنا بين الأيام والساعات، كل ما يهمني هو معرفة ما سيحدث لاحقًا لأتريوس فقط.

وقفت أمام غرفةٍ كان بابها مفتوحًا بينما كان إدنالور الخباز واقفًا ينظر بحذرٍ ويبدو أنه تورط في شيءٍ سيء للغاية، يداه ممتدتان للأمام وهو يحاول تهدئة أحدهم.

قبالته كان يقف أتريوس الذي كان يمسك بسكينٍ كبيرة يوجهها إلى إدنالور زوج واندر، عاقد حاجبيه وبعينٍ غاضبة ممتلئة بالدموع لوح بيدٍ مرتجفة بالسكين في وجه إدنالور الذي صاح قائلًا: "اهدأ قليلًا، اترك هذه السكين، إنها حادة".

لم يقل أتريوس شيئًل وظل مشيرًا بالسكين نحو الخباز بشراسة.

فجأة شخصٌ ما عبر من خلالي مثيرًا فزعي؛ فلم اعتد هذا بعد.

كانت واندر التي جاءت مسرعةً لصياح زوجها المرتعب، ارتفع حاجبها وهي ترى أتريوس ممسكًا بالسكينة وعينه تبدلت بينهما قبل أن يلوح ناحية واندر بتهديد.

امتدت ذراع إدنالور ليضعها حمايةً لواندر ويقول: "لا تقلقي يا زوجتي، سأتولى الأمر، هذه السكين حادة، ابتعدي قبل أن تتأذي".

لم يبدُ على واندر الخوف أو التأثر، نظرت لزوجها بمللٍ قبل أن تزيح ذراعه وتتقدم نحو أتريوس الذي خرجت منه صرخة تهديدٍ عندما اقتربت منه، تلك الصرخة الصغيرة والمبحوحة لم تكن لتخيف قطًا حتى!

جلست واندر على ركبتيها أمامه بنظرة تحدٍ وقالت: "يمكنك إصابتي، لن أتحرك، أعدك". 

اتسعت عينا أتريوس وتراجع للخلف وصرخ مجددًا دون أن يقول شيئًا مفهومًا، لكن ظلت واندر تنظر له دون أن ترمش أو تفزع.

ارتجف جسده وأخذ خطوةً للأمام نحوها ليخيفها بالسكين، لكن لم يحصل ما أراد وظلت جالسةً أمامه لمدة دقيقتين بصمت، كلٌ منهما ينظر للآخر بينما يبدل أدنالور عينه بينهما بحذرٍ خوفًا من أن يصيب أتريوس واندر بأذى.

لاحظ أتريوس أنها لم تحاول أذيته، لم تخف من وجوده ولم تحاول أخذ السكين، كانت مستسلمةً لما سيفعل ولم يكن طفلٌ في عمره ليحاول طعنها أبدًا.

في النهاية سقطت السكين من يده لترتطم بالأرضية، ابتعد ليجلس في زاوية الغرفة دون أن يضيف أي شيء، فقط اتجه ليجلس هناك محتضنًا جسده الصغير ينظر لكفيه بصمت.

في كل ثانيةٍ تمتلئ عيناه بالدموع، وقبل أن تسقط على خديه يقوم بمسحها بذراعه بسرعة.

تقدمت واندر ببطءٍ نحوه لينكمش أكثر على نفسه وينظر لها بكرهٍ وحقد شديدين، تنهدت ونهضت من مكانها وخرجت من الغرفة قبل أن تعود وفي يدها صينيةٌ مليئة بالطعام، ثم قالت دون النظر لأتريوس: "سأترك هذه هنا، لا أشعر بالجوع على أي حال، هيا لنذهب للسوق، إدنالور".

اتسعت عينا الخباز ونظر لوجه زوجته هامسًا: "أتمزحين؟". رمقته بغضبٍ ليبتلع وينسحب للخارج بهدوء معها، أغلقت الباب خلفها.

ظل أتريوس جالسًا لساعاتٍ مكانه دون حركة، بعد مرور وقتٍ نظر للطعام، لكنه التفت بعيدًا ووضع رأسه بين قدميه وكأنه يمنع نفسه من النظر له.

في رأسه كان يرى جميع السكان خونه وجميعهم واشون للحرس

لكنه كان طفلًا، تغلب الجوع على الكراهية ليتحرك ببطءٍ نحو الطعام وهو يتفقد الباب بعينه، أخذ فطيرتين فقط لتناولهما وعاد حيث كان يجلس، حتى ذهب في النوم مجددًا.

"لقد كان عنيدًا جدًا، ظل على حاله تلك لمدة أسبوعٍ كامل، لا يقترب من الطعام إلا عند مغادرة الزوجين الغرفة ويتناول القليل فقط ليسكت جوعه، ثم يظل جالسًا في تلك الزاوية حتى يغلبه النوم"

قالت آديت ونظرت للنافذة حيث تبدل ضوء النهار بالليل بسرعة.

أتريوس كان محتضنًا جسده في الزاوية وقد سقط رأسه على كتفه، حاجبيه منعقدين بقوةٍ ويئن وكأنه يتألم، كان يعاني من كابوسٍ سيء.

انفتح باب الغرفة ودلفت واندر بهدوء حتى لا تقوم بإيقاظه، وقفت أمام جسده الصغير ومسحت على رأسه قبل أن تحمله لتضعه فوق السرير.

تمسك بها بقوةٍ وقد بدأ أنين بكائه يعلو.

ظلت تقبل رأسه وتمسح وجنتيه برقةٍ قبل أن تنام بجواره على السرير وتحتضن جسده حتى هدأ.

اتسعت ابتسامتها وظلت تحرك شعره بهدوءٍ وهي تتأمل وجهه، دلف زوجها للغرفة على أطراف أصابعه لتمزق الابتسامة وجهه.

لاحظته واندر لتشير على شفتيها حتى لا يصدر صوتًا.

أومأ وتقدم نحو السرير ليأخذ مكانًا مقابل واندر حتى يصبح أتريوس بينهما. "سيصيبه الفزع إذا استيقظ ووجد نفسه بيننا" همست واندر ليمسح إدنالور على رأسه ويهمس: "خمس دقائق فقط وسنتركه". لم تقوَ واندر على الرفض لأنها أرادت البقاء بجواره

لكن الخمس دقائق تحولت لساعاتٍ عندما غط الاثنان في نومٍ عميق وكلاهما يحتضن أتريوس الصغير.

الوقت تبدل بسرعةٍ لصباح اليوم التالي ليستيقظ أتريوس ويفرك عينيه وهو ينظر حوله، اتسعت عيناه بفزعٍ عندما لاحظ الشخصين النائمين بجواره وكاد يقفز من مكانه إلى خارج الغرفة بالكامل، لكنه تجمد لثوانٍ عندما لاحظ أن واندر ممسكةٌ بكف يده اليمنى برقة.

راقب وجهها النائم لوهلةٍ قبل أن يعود ببطء وينام مجددًا، ولكنه أخذ ينظر لهما كل دقيقةٍ دون أن يصدر صوتًا.

وقفت آديت أمامهما وقالت: "لقد شعر أنهما بالفعل لا ينويان أذيته، ولا يخافانه أو يظنانه وحشًا كما صرخ قائد الحرس، إن كانا يحذران منه لما نام بجواره براحة، منذ ذلك اليوم بدأ أتريوس يعتاد عليهما، لكنه كان صبيًا صامتًا، لم يكن يتحدث كثيرًا في البداية، لكنه أصبح يبتسم مع الوقت لهما، ثم أصبح أكثر جرأةً وأصبح يطلب ما يريده منهما، كان الزوجين أكثر شبهًا بأبويه، يحبان بعضهما بشدة، إدنالور كان رجلًا صاحب روحٍ مرحة محبة للمساعدة وواندر كانت امرأةً حذرة كثيرًا ما توبخ زوجها، لكنها لا تتمكن من إخفاء نظرات الحب عندما تنظر إليه".

ما كانت آديت تسرده كان يحدث من حولنا كمقتطفاتٍ سريعة، ظل الزوجان يخبئان أتريوس في منزلهما ويحضران كل ما يحتاجه، لم يعرف بأمره سوى شخصٍ واحد، امرأة عجوز كانت تجول المنازل لبيع بعض الزهور كل أسبوعٍ رأته صدفة، وشرح لها الزوجان وطلبا منها إخفاء الأمر ولم تعترض أو تشعر بأي قلق، بل أهدت أتريوس زهرةً صفراء كاعتذارٍ منها لسكوت الأهالي كلها عن مقتل والديه.

ولكن لا يمكن لكل شيءٍ أن يظل على حاله، لقد قالت آديت أن تلك كانت بداية القصة، ولم تبالغ في قولها.

في أحد الأيام تفاجأ الزوجين بطرقٍ قوي ومفزعٍ على باب منزلهما، وعندما فتح إدنالور الباب وجد في وجهه العجوز التي اعتادت بيع الأزهار والورود في حالٍ يرثى لها؛ فقد كانت تلهث وملابسها وشعرها مبعثران...

بدت المسكينة وكأنها ركضت مسافةً لا تليق بعمرها.

"سيدة آشيا، إلهى! تفضلي واجلسي قليلًا، ماذا حدث لك؟" صاح إدنالور بذهولٍ وهو يحاول مساعدتها على الوقوف، لكنها دفعته بقوةٍ وصاحت في وجهه قائلة: "اهربا، خبئا الصبي بسرعة، لقد عرف الجنود!".

تجمدت الدماء في عروق واندر التي استمعت لما قالته العجوز، أما إدنالرو نظر لها بصمتٍ وكأنه يحاول فهم ما قالته لتصرخ: "اركض، أيها الأحمق! خبئ الصبي، إنهم في الطريق إلى هنا، امرأةٌ رأت الصبي في منزلكما وبلغت عن الأمر خوفًا على أطفالها!".

أجفل إدنالور عندما سحبت واندر قميصه بقوةٍ وقالت: "استفق، أيها الغبي!". كان أتريوس واقفًا في الداخل يراقب الأمر بهدوءٍ ظاهري، لكن يده المنقبضة وتنفسه السريع كان يفصح عن فزعه وهلعه في هذه اللحظة.

"استمع لي جيدًا، خذ أتريوس وخبئه جيدًا وأنا سأقوم بإضاعة وقتهم هنا، أسمعتني؟" قالت واندر وهي تهز كتفيه ليصيح إدنالور: "مستحيل! لن أتركك هنا وحدك، هل جننت؟ سنجد حلًا لهذا معًا".

جمعت قبضتها وضربت صدره بغضبٍ وقالت: "هل ترى هذا مشهدًا رومنسيًا؟ هذه حياة طفلنا، أيها الأحمق! لن يتمكنوا من إيذائي بلا دليل، خذ أتريوس ولا تعد إلا عندما تتأكد من أنه سليم وأنه في مكانٍ آمن، وإلا لن أسامحك طيلة حياتي، إدنالور".

نظر لعينيها بقلق، ولكنه كان يعرف كم أن واندر امرأةٌ صلبة وقوية، ربما أقوى منه هو نفسيًا؛ لذلك أومأ قبل أن يقبل رأسها ويندفع نحو أتريوس ويحمله قائلًا: "علينا الاختباء يا صغيري".

وضع معطفه فوق أتريوس حتى لا يراه أحدهم، ولكنه توقف عندما طلب منه أتريوس ذلك، يد أتريوس امتدت نحو واندر وأمسك بكف يدها ليقول: "عديني بأنهم إن حاولوا قتلك ستخبرينهم أين أنا".

تجمد الزوجان للجملة التي خرجت من فم طفلٍ صغير لترتجف شفتا واندر وتقبل رأسه برقةٍ وتقول:"أعدك بأنني لن أترك أي أذى يمسك، صغيري، لن يمسك ضررٌ ما دمت أنا وإدنالور حولك".

امتلأت عيناه بالدموع في تلك اللحظة ولم يستطع قول شيءٍ آخر، فهذا كان مشابهًا لما قالته والدته قبل موتها مباشرة.

ركض إدنالور خارج المنزل وظلت واندر بنظرة ملأها العزم والشجاعة، اتجهت نحو مطبخها بعد أن شكرت العجوز وطلبت منها البقاء إن أرادت.

ظللت أنظر حيث خرج إدنالرو وحيث ذهبت واندر، لا أعلم مع من أبقى، لكني أيقنت أنني سأذهب أينما ذهب أتريوس؛ فتلك قصته.

انطلقت خلف إدنالرو وأتريوس تاركةً واندر في منزلها.

لم أعلم أين ينوي إدنالرو تخبئة أتريوس، لكنه ظل يعبر الكثير من الأماكن الضيقة وبين الأزقة الموجودة، كان يركض وكأن حياته تعتمد على ذلك

لم يمضِ الكثير من الوقت حتى توقف مكانه وهو يرى مراكب الحرس تمر من أمامه ليغير طريقه بسرعة.

خرج من المقاطعة وعبر غابةً خالية من البشر ركضًا على أقدامه بينما يهمس بين كل دقيقةٍ وأخرى: "لن يصيبك أذى، لن يؤذيك أحدٌ وأنا معك".

ما أن خرج من الغابة حتى توقف مكانه وهو ينظر حوله.

المكان بالكامل محاطٌ بجنودٍ مشهرين أسلحتهم في وجه إدنالور.

التفت للخلف بسرعة في نية الهرب، لكنه وجد في وجهه شخصًا أردت تقطيعه أربًا، رئيس الحرس كان يقف وجهًا لوجهٍ مع إدنالور بابتسامةٍ باردة مجردة من أي معنى للرحمة.

تمسك إدنالور بأتريوس جيدًا ونظر بابتسامةٍ بلهاء لرئيس الحرس وقال: "أوه، سيدي، لم أكن أظن أنك ستعاني كل هذا فقط لإمساك خبازٍ مثلي".

ارتفع حاجب رئيس الحرس وقال: "هذه هي مشكلتكم، أيها الحمقى، ضعفكم صور لكم أن بمقدرتكم فعل ما تريدون فقط لأنكم المستضعفون، ولأن الجميع عليه الشعور بالشفقة عليكم".

نظرته أصبحت أكثر برودًا وشرًا وقال: "سلم الصبي، أيها اللعين قبل أن تقتل نفسك". تنهد إدنالور وقال: "في الواقع لا أظن أنني خططت لإعطاء صغيري لك".

ابتسامةٌ واسعة ارتسمت على وجه رئيس الحرس، واحدةٌ ساخرة تدل على أن صاحبها سمع أكثر شيءٍ مضحك ومثيرٍ للسخرية في حياته. "صغيرك! هل تظن أنه طفلٌ طبيعي؟ أنت تحمل وحشًا، أيها الأحمق! صغيرك؟ ربما أنت متوهمٌ أو ما شابه"

اختفى أثر الفكاهة على وجهه وقال: "سلم الصبي".

أخذ إدنالور خطوةً للخلف وما زال يرسم ابتسامته المعتادة، وهمس في أذن أتريوس بـ: "اهرب".

بسرعةٍ لم يلاحظها أحد وضع أتريوس أرضًا قبل أن يلكم وجه رئيس الحرس بأقوى ما يملك ليتراجع الأخير خطوات للخلف؛ فكونه لم يتوقع لكمةً قادمة لم يجعل له فرصةً ليجهز نفسه لتفاديها.

"اركض الآن!"

صرخ إدنالور في وجه أتريوس الذي التفت بسرعة مستغلًا انشغال الحرس بحماية قائدهم وركض، ركض للنجاة بحياته

لكنه لم يتمكن حتى من دخول الغابة؛ فقد تجمد جسده في مكانه عندما سمع صوتًا ظل يلازمه في كوابيسه، كان ذلك صوت السيف ينغرز داخل أحشاء أحدهم.

لم يكن الوحيد الذي تجمد؛ فقد شعرت بكل شعرةٍ في جسدي تقف من الفزع، من بشاعة ما يحدث، لم يتردد الوغد اللعين بسحب سيفه وغرزه مباشرةً داخل قلب إدنالور بدون مقدمات.

الرجل سقط على ركبتيه ورفع عينه الدامية نحو أتريوس وحرك شفتيه قائلًا: "انجُ".

لم يقوَ أتريوس على الحراك، فقد ظل واقفًا في مكانه بعينٍ متسعة ينظر نحو إدنالور الذي وافته المنية.

لقد مات شخصٌ آخر في سبيل حمايته

لقد قتل ذلك اللعين شخصًا آخر عزيزًا على أتريوس.

تقدم نحو أتريوس وأعاد سيفه داخل خمده وقال بنبرةٍ لم تحمل أي ذرة أسى: "كان دفاعًا عن النفس". كانت جملته موجهةً للجنود حوله دون أي محاولةٍ للتبرير، وكأنه يعطيهم بعض الأوامر.

عينه تنظر لعيني أتريوس وكأنه وحش، وحشٌ يجب ذبحه، ولكن عين أتريوس معلقةٌ بجثة إدنالور.

"انظر لما فعلت" قال الرجل وجلس على ركبةٍ واحدة ينظر لأتريوس وكرر مجددًا: "انظر لما فعلته، لقد تسببت في موتهم جميعًا".

ارتفعت عينا أتريوس نحو ذلك الرجل، تلك النظرة لن أنساها أبدًا، تلك النظر لم تكن لطفلٍ صغير على الإطلاق؛ فقد جسدت نظرته آخر لعنةٍ ألقتها آديت عليه عندما قالت أنه سيرى الفزع بعينيه، لم تكذب؛ فقد شعر به ذلك الرجل وهو يرى نظرة أتريوس التي تحمل داخلها كل أنواع التوعد، نظرةً لوحشٍ حقيقي.

يده ارتطمت بوجنة أتريوس قبل أن يصرخ بشكلٍ هستيري: "بمن تحدق بهذه العينان، أيها الحقير؟". تحرك وسحبه من شعره قبل أن يلقي به بجوار جثة إدنالور وقال: "لقد قتلت الرجل الذي حاول حمايتك، ماذا ستقول لزوجته التي حاولت الكذب من أجلك، أيها الوحش اللعين؟".

تلوثت يدي أتريوس ووجهه بدماء إدنالور المنسابة فوق الأرضية لينظر لهما بصمتٍ ويرفع عينه بذات النظرة نحو قائد الحرس.

جز الأخير على أسنانه بغضبٍ ورفعه من ملابسه ليثني يديه ويصرخ بجنوده: "ضعوا السلاسل في يدي وقدمي هذا الوحش!".

التردد كان واضحًا في أعين البعض؛ ففي النهاية لم يكن إلا طفلًا، لم يحاول المقاومة حتى، ولكن هدوء ذلك الطفل كان مفزعًا لدرجةٍ أثبتت ما كان يقوله قائدهم عن كونه وحشًا

لذلك تقدموا ليوثقوا يديه خلف ظهره وتلتف السلاسل حول قدمه ليقوموا بسحبه.

لم يأخذهم قائد الحرس اللعين إلى السجن أو غيره، بل قام بجر أتريوس خلفه نحو مكانٍ معين وعينه ممتلئةٌ بالخبث.

وجد أتريوس نفسه فجأةً أمام منزل واندر، المكان الأخير الذي أراد التواجد إليه.

خرجت واندر من المنزل بفزعٍ وهي ترى الجنود هناك، وأتريوس فوق الأرضية على ركبتيه، عينه لم ترتفع عن الأرض.

"أتريوس!" هتفت بذهولٍ ليتقدم قائد الحرس ويقول: "أليس هذا هو الوحش الذي حاولتِ أنتِ وزوجك حمايته؟". بدأ الأشخاص يتجمعون حول المنزل ويخرجون من منازلهم لمراقبة ما سيحدث دون تدخلٍ حتى.

لم تهتم واندر بما يقوله رئيس الحرس وصاحت: "اتركه، أيها الوغد! إنه مجرد طفل!".

ارتفع حاجب قائد الحرس وأمسك برقبة واندر وهمس داخل أذنها: "ذلك الطفل قتل زوجك". اتسعت عيناها ونظرت لأتريوس الذي لم يظهر على وجهه سوى تعبيرٍ بارد ووجهٍ ملوث بالدماء.

"إنه ملعون، أنتِ تقومين بحماية طفلٍ ملعون"

قال لها ودفعها بعيدًا، ثم اتجه ناحية أتريوس وسحب شعره بقوةٍ صارخًا للجميع: "هذا الطفل الإريبوسي قتل من حاول حمايته، لقد تسبب في مقتل الرجل الذي حاول تخبئته منا نحن من نحاول حمايتكم! الإريبوس لا يملكون أطفالًا طبيعيين، إنهم لعنة! سيقتلونكم ما أن تحاولوا الاقتراب منهم، تلك السيدة ظنت أنها قادرة على القيام بشيءٍ جيد وحماية طفل، لكنها الآن فقدت زوجها، لأنها وقفت في الصف الخطأ".

كانت واندر تنظر حيث أتريوس الذي لم يبدِ أي رد فعل وبدا مستسلمًا تمامًا، لم ينظر لعين واندر، فقد كان يظن أنه بالفعل تسبب في مقتل إدنالور، أنه مذنبٌ وقاتل.

تحركت واندر التي أغرقت الدموع وجهها بخطواتٍ سريعة لتسحب سيف أحد الجنود الذي حاول منعها، لكن إشارة قائد الحرس التي أمرته بالعكس دفعته للتوقف.

ابتسم قائد الحرس وهو يرى واندر ممسكةً بالسيف الحاد وعينها معلقةٌ بأتريوس، كانت تتنفس بسرعة، يدها تقبض على السيف ولم تتردد ولم يتحرك أتريوس في محاولةٍ للهروب حتى، فقد ظل ينظر للأرض بصمت.

أصبحت خطوات واندر أسرع قبل أن تتحول إلى ركضٍ سريع وتلوح بالسيف بسرعة، وفي مشهد لم يتوقعه أحد

أصاب السيف وجه قائد الحرس بجرحٍ طولي سيء سيترك أثرًا ليس لطيفًا ليمتلئ وجهه بالدماء.

ألقت السيف وسط الصراخ وركض الجنود بسرعةٍ لحماية قائدهم، سقطت فوق ركبتها واحتضنت جسد أتريوس بأقوى ما تملك وهمست في أذنه: "اهرب، لا تستلم، إياك والموت، اهرب، أتريوس ولا تعد، هذا المكان مليء بالشر، وسيصبح أسوأ، اهرب... من أجل كريستوفر وآديت، اهرب من أجل إدنالور، لا تمت من أجلي، ابقَ على قيد الحياة، باسم جميع من ماتوا، أتريوس، لا تمت، أنت مميز، لست طفلًا عاديًا، أنت مميز، أتريوس، أنت الوحيد القادر على الصراخ في وجه هذا الظلام، إياك والموت، أعلم أنك لم تقتل إدنالور، إنه ليس ذنبك، لم يكن ذنبك، لقد مات لأجلك، لأنه يحبك كما أفعل...".

نظرت في عينه بنظرةٍ دامعة قوية وغاضبة وأمسكت بكتفه بقوةٍ وصرخت عندما سحبها الجنود بقوةٍ بعيدًا عنه: "لا تمت، إياك والموت!".

ألقى بها الجنود بعيدًا فوق الأرضية وسط نظرات أتريوس المتسعة والمذهولة، لم تتهمه، لم تلقِ اللوم عليه إنها لا تكرهه!

تقدم قائد الحرس الذي أغرقت الدماء النصف الأيمن من وجهه وسحب سيفه من غمده صارخًا: "أيتها العاهرة، ستلقين مصير زوجك!".

هوى بالسيف على رقبة واندر التي أغمضت عينيها بقوةٍ وصلّت في تلك اللحظة لسلامة أتريوس.

أغمضت عيني منفعلةً على الرغم من معرفتي أن واندر ستنجو بشكلٍ ما، لكن كانت هي خاصةً الشخص الذي كان من المستحيل النظر لموته.

عندما لم يحدث شيء، فتحت عيني أنظر لما يحدث لأجد قائد الحرس نفسه ينظر ليده بفزعٍ وقد تحول سيفه إلى رماد.

لم يكن سيفه الوحيد الذي تحول إلى رماد، عندما نظر حوله رأى جنوده بالكامل تتحول جلودهم إلى اللون الأسود قبل أن يبتلعهم الظلام بالكامل ويتحول كلٌ منهم إلى رمادٍ في ثوانٍ بلا مقدمات.

الهدوء خيم على المكان وكأن الصدمة ضربت الجميع وأنا من ضمنهم.

نظر قائد الحرس ليديه ليرى عروقه تتحول للأسود بالكامل، وشيئًا فشيئًا ترتفع إلى وجهه، التفت ببطء ونظر خلفه بفزع، بخوفٍ ورعب كما وصفته آديت قبل موتها تمامًا.

التفت أنظر للخلف لأرى ما ينظر له الجميع

كان أتريوس يقف على قدميه وقد أحيلت السلاسل التي كانت تقيده إلى رماد، عروقه بالكامل سوداء وهالةٌ مظلمة تثير الفزع حوله، شعره غطى عينه في تلك اللحظة، ولكن ما أن رفع رأسه لينظر لرئيس الحرس حتى أصبحت واضحة

كانت قاتمة، سوداء بالكامل، ولكنها أشبه بعيني شيطان يمكنه قتلك دون أن يحرك أصبعًا واحدًا.

عينيه كانت تنزف الدماء السوداء على طول وجنتيه

كيف يمكن لهذا الكم من الفزع أن ينشره طفلٌ واحد؟

"إن حاولت قتلها سأقتلك في المقابل" بنبرةٍ باردة لا يبدو وكأن طفلًا قالها، وجه جملته لرئيس الحرس الذي تجمد في مكانه.

لم يرَ في حياته إريبوسي يمكنه قتل عشرين جنديًا دون لمسهم، في الواقع لم أرَ أنا أيضًا شيئًا كهذا في خلال أي معركة.

"سأفعل ما تريده ولن أقتلك إن تركتها"

قال بنبرةٍ نهائية لا مجال لتراجع فيها ليجد قائد الحرس نفسه يومئ دون أن يرفض.

الظلام انسحب تدريجًا من جسد قائد الحرس وعاد أتريوس لحالته الطبيعية ونظر لواندر التي حركت رأسها رافضةً هذا الاتفاق.

تحرك قائد الحرس بصمتٍ مصطحبًا أتريوس معه عندما تأكد من أنه لن يحاول أذيته طالما تلك المرأة بخير، لكن أتريوس وقف في مكانه ونظر لعيني قائد الحرس قائلًا: "إن حاولت مسها بأذى بعد قتلي فستموت مباشرةً، إنها محمية".

كانت تلك رسالةً لجميع الواقفين، لا قائد الحرس فقط، قبل أن يتحرك معه بصمتٍ دون أي مقاومة.

"كان من المفترض إعدام أتريوس علنًا، كما يحدث مع أي إريبوسي يتم الإمساك به" قالت آديت وانتقلت بكلتينا إلى مكانٍ أشبه بالصحراء الخالية.

كان هناك في منتصف الليل يقف ستة أشخاص…

قائد الحرس، ورجلٌ آخر يبدو كجندي، ومعهم ثلاث نساء، وسادسهم كان أتريوس المقيد جيدًا.

"لم يشعر قائد الحرس بأن قتل أتريوس كافٍ" قالت آديت وهي تلتف حول المجموعة وأضافت: "كان يريد لهذا الصبي أن يتعذب قبل موته بأبشع الطرق، أراد منه أن يعاني كما قتل رجاله وجعله مقيدًا كالضعيف أمام الجميع".

تحركت إحدى النساء وأبعدت القائد والجندي وأتريوس بعيدًا، الثلاث فتيات أمسكن بأيدي بعضهم وبدأن في تلاوة تعويذةٍ هزت أرجاء المكان.

فجأةً دب هواء قوي عصف بالمكان من حولهم وبدأت بوابةٌ ضخمة تفتح، الساحرات بدأن يشعرن بألمٍ يغزوا أجسادهن، ولكنهن تابعن الصراخ بالتعويذة دون توقف.

"بسرعة، ألقه في الداخل!" صرخت إحداهن ليمسك القائد بأتريوس ويلقي بجسده داخل البوابة التي انفتحت، أمسك بفأسين كانا يعودان لكريستوفر وقال: "لك طلبك الأخير، أيها الشيطان اللعين! مت في الداخل وتعفن للأبد!".

ألقى بالفأسين بجوار أتريوس قبل أن تغلق البوابة وهو في الداخل.

لم أفهم ما يحدث، أين حبس أتريوس بالضبط؟

إحدى الفتيات أخذت من قائد الحرس كيسًا مليئًا بالمال وابتعدت مع ساحراتها لتذهب، ولكن ما لبثت حتى اخترقت قلوبهن جمعيًا جذوع شجرٍ قاسية.

حرك قائد الحرس يده ليقلي بأجسادهم بعيدًا وينظر للجندي الذي معه "احرق جثثهن، وإن أخبرت أحدًا بهذا ستكون مكانهن". أومأ الجندي وهو يحاول إخفاء الفزع الذي أصابه.

"ماذا يحدث بحق خالق الجحيم؟" سألت لتتنهد آديت وتقول: "لقد استأجر ثلاث ساحرات، لكنهن كن ساحرات يتعاملن مع تعاويذ محرمة، مع كتب اللعنات، إنهن ساحرات الظلام، طلب منهن شيئًا ممنوعًا، بل محرمًا في عالم الإلترانيوس دون إذن ملكي وهو فتح بوابةٍ لمنفى".

هل قالت لتو

"مــمنفى؟"

كررت الكلمة في محاولةٍ لاستيعابها لتومئ قائلة: "أجل، منفى. من الصعب فتح بوابةٍ لمنفى إلا بمساعدة ساحرات بشكلٍ غير قانوني، أراد التأكد من أن أتريوس سيموت وحده بشكلٍ غير طبيعي، لقد رأى أن قطع رأسه سيكون موتًا رحيمًا؛ لذلك إلقاؤه في المنفى كان أفضل فكرة له".

نظرت آديت للجثث الثلاث التي بدأ الجندي إحراقها وقالت: "لم يرد أي شهودٍ على فعلته؛ فقتل الساحرات ولاحقًا سيقتل هذا الجندي الأحمق".

أمسكت بيدي وسحبتني لأجدنا داخل مكانٍ متجمد، وكأننا انتقلنا لأكثر الأماكن بردًا في العالم

"المنفى أسوأ مكانٍ قد يتواجد فيه أي كائنٍ حي على الإطلاق، إنه مكان من الصعب العودة منه، من الصعب النجاة داخله، مليء بالوحوش التي لم يسمع أحدهم عنها إطلاقا، لا وجود للطعام أو الماء بالطرق السهلة، طرق الموت في المنفى لا حصر لها، قد يتم التهامك، أو تموت جوعًا وعطشًا، أو تموت لشدة البرد أو الحرارة، لا حصر للموت داخل المنفى، قد يصيبك الجنون واليأس وتقتل نفسك في النهاية، ستعيش عذابًا نفسيًا وجسديًا لا يمكن تحمله، الوقت لا يسير حسب أي قانون في المنفى، قد يزداد عمرك بسرعةٍ مقارنة بالأشخاص الموجودين في وطنك، وقد يزداد بشكلٍ أبطأ بكثير، في النهاية الشخص الذي يُلقى في المنفى تصيبه أضرار لا حصر لها"

لقد ألقى طفلًا في المنفى، مع فأسين فقط!

أي لعنةٍ واجهها أتريوس طيلة حياته؟

لم أكن بحاجةٍ للانتظار حتى أصل إلى إجابة؛ فقد رأيت ما حدث، ظل يسير، ويسير بلا نهاية، كان المكان يبدو وكأنه صفحة بيضاء لا نهاية لها، يعصف الهواء بشدةٍ فيتوقف عن السير ويحتضن جسده ويبكي بقوة، يصرخ بألمٍ أحيانًا حتى يختفي صوته.

مر الوقت بسرعةٍ بالنسبة لي، ولكن بالنسبة له كان يمر ببطء، أيام بلا ماء أو طعام دفعته للسقوط وقد انهار جسده الصغير.

ارتجف جسدي بشدةٍ عندما حاولت تخمين شدة الجوع والخوف التي أصابته وقتها، تحركت آديت نحو جسده الصغير الملقى، يكاد الثلج يخفيه، وجلست عند رأسه لتمسح عليه بهدوء وتغني تهويدة والدته التي اعتاد أن يغنيها.

بدأ يفتح عينه ببطءٍ وينظر حوله قبل أن يرى من بعيدٍ كوخًا صغيرًا متهالكًا، ربط الفأسين حول ظهره وحاول النهوض ليصل لذلك الكوخ، لم تحمله قدماه إلا لمسافةٍ صغيرة ليحاول الزحف والوصول إلى هناك.

راقبته آديت بحزنٍ وقالت: "لم أملك ما يمكن فعله سوى دفع روحه للبقاء، كنت الشعور الذي يدفعه للمتابعة، أنا لست آديت، أنا أثرها فحسب، لكنني كنت أمنحه الشعور الذي اعتاد أن يشعر به في وجود والدته".

لقد تذكرت الآن، بداية أحلامي، الفتى الصغير الملقى بين أحضان الثلوج، لقد كان أتريوس! أنا أقف حيث كنت في الحلم سابقًا!

قرأت آديت الإدراك على وجهي لتقول: "ما رأيته في حلمك كانت صورًا من ذاكرتي الصغيرة، أردت منك التذكر بطريقةٍ ما ولم أتمكن من الوصول لكِ إلا في أحلامك". التفت نحوها وصحت: "أتذكر ماذا؟ ما الذي علي تذكره؟".

لم تبدِ رد فعل وقالت: "أنا هنا معك لأريك كل شيء، حتى تتذكري".

التفتت تنظر لجسد أتريوس الذي اندفع من خلال الباب المتهالك وسحب نفسه للداخل بسرعةٍ ما أن شعر بفرق الحرارة بين خارج الكوخ وداخله.

كان يرتجف بشدةٍ وكأنه سيفارق الحياة، شفتاه زرقاوتان واحمرار عينه كان مرعبًا، احتضن نفسه فوق الأرضية وأسنانه ظلت تصطك ببعضها البعض.

لمدةٍ طويلة ظل ملقى فوق الأرضية يحاول تلمس الدفء الذي فقده جسده، عندما هدأ ارتجافه نهض ببطءٍ وبحث حوله عن طعام.

كان الكوخ متهالكًا وفارغًا من أي شيء، عندما دخل المطبخ وبحث بأرجائه لم يجد ما يمكنه أن يسد جوعه، ولكن تعبيره تغير عندما فتح أحد الأدراج ليجد علبةً قديمة وممتلئة.

تجمد جسده عندما تسلل صوت زمجرةٍ من خلفه.

التفت نحو الصوت كما فعل أتريوس ليرى كلانا مخلوقًا قبيحًا، أشبه بالذئاب ولكنه أكثر بشاعة، أسنانه أكثر حدةٍ وضخامة وقد لوثتها دماءٌ جافة، إحدى عينيه كانت متعفنة وأنيابه يمكنها ذبح عنقك في ثوانٍ، وقد بدا متلهفًا لوجبةٍ بعد وقت طويل من الجوع.

في تلك اللحظة أردت أن أفعل شيئًا، أي شيءٍ يمكن فعله، لكن لم أستطع، أن تكون مجرد مشاهد للأحداث هو أصعب شيءٍ يمكن تجربته في حياتك، ألا تتمكن من القتال للحفاظ على حياة شخصٍ تحبه، أعلم أن هذه ليست سوى ذكريات، ولكن شعور أنها حقيقيةٌ كان يدفعني للجنون.

قبضت يدي بقوة أمنع نفسي من محاولة قتل ذلك الشيء فمحاولاتي ستكون بلا جدوى، ووقفت أشاهد ما سيفعله طفلٌ صغير في مواجهة شيء كهذا.

الفزع ارتسم على وجهه وسقطت العلبة من يده لتتدحرج فوق الأرضية كاسرةً الصمت في المكان، الآن فقط عرفت شعور أثر آديت عندما أُجبرت على مراقبة موقفٍ كهذا عاجزةً عن المساعدة.

لم يترك ذلك الوحش فرصةً لأتريوس للركض أو الاختباء لأنه قفز منقضًا على جسده، صرخ أتريوس بقوةٍ ووضع كلتا ذراعيه أمام وجهه يحميه من أنياب ومخالب ذلك الشيء.

عويل وبكاء وصراخ ملأ المكان شعرت معهم بأن أنفاسي تضيق وأغمضت عيني في انتظار نهاية هذا القتال، كل مرةٍ تزداد صرخاته وعويله وهو يحاول الاستنجاد بأي شخصٍ تكون علامة على إصابةٍ جديدة أصابت جسده.

ظل جسدي يرتجف بشدة وأنا أسمع صراخه والعجز يقيدني؛ لذلك أغلقت أذني بينما أتمسك بآخر شعرةٍ من العقلانية حتى لا أصاب بالجنون.

مر وقت قبل أن يهدأ ذلك الوحش لأفتح عيني، كان أتريوس واقفًا فوق رأس المخلوق الذي غُرز الفأس داخله، نزع أتريوس الفأس بصعوبةٍ ورفعه ليهوي به مجددًا على رقبة ذلك المخلوق لتتناثر الدماء في المكان بشكلٍ أكثر بشاعة.

كان يبكي بهستيرية بينما تلطخه الدماء بالكامل، بعضها دماؤه وبعضها دماء جثة المخلوق الميت بجواره، ألقى أتريوس بالفأس وحاول التوقف عن البكاء واتجه نحو العلبة التي وقعت منه أرضًا في السابق وقام بفتحها ليجلس فوق الأرضية ويأكل ما فيها بينما اختلطت دموعه بدمائه.

كيف يمكن لطفلٍ تحمل واقعٍ كهذا؟ كيف يمكنه أن يظل سليمًا عقليًا بعد شيءٍ كهذا؟ ما مقدار القوة التي يملكها أتريوس وهو في هذا العمر حتى لا يفقد صوابه؟

ما أن انتهى من تناول كامل ما في العلبة نهض وجر الفأس معه قبل أن يضعه فوق ظهره ويمسك بقماشةٍ بالية يمسح بها وجهه الملطخ بالدماء ويقوم بربط ذراعه بها بشكلٍ سيء وغير متقن في محاولةٍ لإيقاف نزيفه.

"ظل على هذه الحال لأسابيع، أحيانًا ينهكه التعب فيسقط نائمًا لأيام، وأحيانا يظل سائرًا بلا هوادةٍ حتى يجد مكان يمكنه إيجاد بعض الطعام فيه"

كان ما ترويه آديت يظهر أمامي، ولكن بشكلٍ شبيه بالمقتطفات، أصبح أتريوس أكثر نحولًا وضعفًا، نظرته اختفت منها الحياة والهالات السوداء كانت تزداد بشكلٍ مخيف ومثيرٍ للحزن.

"هناك نوعان من الأشخاص عندما يواجهون الموت، بعضهم يستسلم وبعضهم يتعلم لينجوا، أتريوس تعلم الكثير وحده، في خلال سنةٍ أصبح يعرف أنه عليه أن يصبح الصياد، لا الفريسة، وعوضًا عن ترك نفسه للجوع يمكنه اصطياد الوحوش التي تطارده وتناولها على النيران التي تعلم كيفية إشعالها"

بالفعل كان أتريوس قد تحول لطفلٍ أكثر وحشية، يمزق بالفأس كل ما يعترض طريقه، بأظافره وأسنانه كان يترك فريسته هامدةً بلا حراكٍ مهما كبر حجمها.

"الفأس كان أثقل أحيانًا من وزنه وكان يعيق صيده؛ لذلك بدأ يتعلم، يتعلم كيف يسخر القوة داخل جسده لقتل فرائسه دون أن يحولهم لرماد، كيف يتحكم بثباته وقت الخوف، فشل في الكثير من الأحيان، كان صغيرًا جدًا، لكنه لم يستسلم، ولكن سببه للبقاء على قيد الحياة كان يتغير، أراد أن يتحدى فرائسه ليصبح صيادًا أفضل، مع هذا العالم القاسي كان يتناسى من هو ومن يكون ليتحول لوحشٍ حقيقي"

أتريوس بالفعل بدأ يتحول لشيءٍ آخر، لصبي ذي نظرةٍ قاتلة، لا روح فيها، الدماء تغطيه ورائحة الموت تفوح منه.

أصبح الظلام يحيط به، هالةٌ مرعبة كانت تتكون حوله تخيف أي وحشٍ يحاول التفكير به كفريسة، عروقه بدأت تتحول مع الوقت للونٍ أسود قاتم، البياض داخل عينه بدأ يختفي ليحول لسوادٍ كامل.

جسده بدأ ينمو، ولكنه ما زال طفلًا، لكنه أكثر طفلٍ لا تريد مواجهته.

لم يتوقف عن السير، فقط يرتاح لأيامٍ ويتابع مجددًا السير، شيئًا فشيئًا المكان المتجمد والبارد بدأ يتغير ليجد نفسه داخل مدينةٍ متهالكة، لا حياة فيها، فقط تسكنها الشياطين التي تترقب بحذرٍ لتناول وجبة ما.

لم يبالِ ولم يشعر بالخوف، تنقل من منزلٍ لآخر وأخذ ما يحتاجه من ملابس وطعام، ارتاح وأكمل مسيرته لأيام، قطع المسافة كاملةً ليخرج من المدينة لمكانٍ مختلف، صحراء قاحلة شمسها ساطعة وحارة على جسده المعتاد على البرودة.

"لم تكن مسيرته تلك أيام، لقد كانت شهورًا وربما سنين، أحيانًا يكبر في العمر وأحيانًا يتوقف نموه، المنفى مكانٌ لا يخضع لأي قوانين، إنه مكون من عدة أماكن مهجورة ومتروكة للموت، لقد ظل مدةً طويلة بلا رفيق، بلا أشخاص يتحدث إليهم، فقط هو والدماء وذكريات تزيده حقدًا وكرهًا، تحوله لشخصٍ أسوأ من الشيطان بذاته"

بدا أتريوس كشخصٍ يعاني أكثر تحت الحرارة، ما زلت أتذكر أن الضوء هو نقطة ضعف الإريبوس، وشخص كأتريوس أصبح الظلام جزءً منه كان هذا أكثر تعذيبًا له.

ظل يسير لمدة أيامٍ بلا ماء أو طعام ولم يظهر أمامه أي صيد، سرعته أصبحت أبطأ، وشيئًا فشيئًا سقط تحت أشعة الشمس فاقدًا الوعي.

"فقد وعيه لأيام، لم يكن يعلم أن واحةً على مسافة قريبة كانت هناك، ظللت أحاول الغناء له، أمده بأي طاقة، لكنه كان قد بدأ نسيان الجزء الجيد من والدته، ذكرياته الجيدة معها كان تُمحى من ذاكرته ولم يكن لوجودي معنى؛ لذلك أدركت أنه إن كان علي إنقاذه من ذلك الثقب المظلم الذي يُسحب داخله، علي إيجاد شخصٍ يمكنه معالجته، يمكنه مصاحبته، شخص نقي لا يتلطخ قلبه بالسواد"

نظرت نحو أتريوس الذي أصبحت شفتاه جافتين وبشرته محمرة بشكلٍ سيء ويتنفس بصعوبة كبيرة واستمعت لما تقوله آديت.

"جسدي لا تحكمه قوانين المكان ولا الزمان، لأن لا جسد لي، فأنا مجرد كيان، يمكنني الذهاب حيثما أريد والشعور بكل شيءٍ ذي كيان روحي، لكني مرتبطة عاطفيًا بالمكان الذي يتواجد به أتريوس ولا يمكنني مغادرته لوقتٍ طويل إلا إذا تأكدت من أنه وجد الاستقرار والأمان للأبد؛ لذلك..."

أخذت نفسًا ونظرت نحوي قائلة: "بحثت، ظللت أبحث كثيرًا عن شيءٍ أو شخص يمكنه أن يساعد أتريوس، أيام كنت أبحث فيها في الكون بأكمله وأعود بلا نتيجة أشاهده يموت ببطء، يستعيد بعضًا من وعيه ليلًا ويفقده صباحًا، ولكن في أحد الليالي شيءٌ قوي جذبني، مكانٌ لم أذهب له من قبل لأنه كان بعيدًا وغير ظاهرٍ إلا إذا بحثت عنه جيدًا، كان ذلك الكوكب جديدًا، لم أره من قبل، ولكن روحًا ما كانت قوية، نقاؤها كان واضحًا، كانت تشع بشكلٍ مختلف عن أي روح رأيتها سابقًا، وكأنها محضرةٌ من قبل للحركة بحرية في كل مكان".

تابعت بتركيزٍ ما ستقوله، أحاول الوصول إلى نتيجة، نتيجة تربطني بكل هذا!

"اتبعت ذلك الشعور بلهفةٍ حتى وجدت نفسي هناك" قالت وأشارت خلفي لألتفت بسرعة حيث أشارت

وجدت نفسي أقف أمام باب، بنفسجي اللون يحوي الكثير من النقوش البيضاء، عقدت حاجبي بتعجبٍ من هذا المكان لأعبر من خلال الباب.

لوهلةٍ تجمد جسدي والكثير من المشاعر التي كنت نسيتها عادت دفعةً واحدة عندما ضربتني حقيقةٌ واحدة ما أن نظرت للغرفة

تلك كانت غرفتي! الغرفة التي كبرت فيها وترعرعت، المكان حيث كنت أجمع جميع الأحاجي الصغيرة والأدلة التي كان يتركها لي والدي كلعبةٍ بيننا، المكان الذي امتلأ بكتبٍ لقصص الخيال والرسوم لأبطال خارقين وقوةٍ غير طبيعية.

أتذكرها جيدًا، دائمًا ما كانت الألوان مبعثرةً على طرف المكتب وبعضها منتشرٌ فوق الأرضية، الأوراق مبعثرة، والأدلة الصغيرة التي يتركها والدي موجودةٌ ومجمعة في صندوقٍ كبير في الزاوية وعليه جملةٌ باللون الأحمر كبيرة وواضحة وموجهة للوش بالأخص (ممنوع اللمس).

التفت حيث كان سريرًا بجوار النافذة الكبيرة، كان غريبًا... أن ترى نفسك ولكن وأنت أصغر نائمٌ في هدوء، كان أغرب شيءٍ يمكن أن يمر في حياتي.

وقفت آديت بجواري تنظر لـ... لذاتي الصغيرة النائمة بعمق وقالت: "كنتِ أنتِ مصدر هذا الشعور والضوء، لكن لم يكن هذا الجسد، بل هذا".

أشارت حيث سقف الغرفة لأرفع رأسي للأعلى، اتسعت عيناي بصدمةٍ عندما رأيت هيئتي تطفو على علوٍ من جسدي، عيناي مفتوحتان وأنظر للغرفة بابتسامةٍ ضخمة.

"هل ستشرحين بحق الإله ما هذا؟" هتفت لتبتسم وتقول: "إنه انفصالٌ روحي، كل جسدٍ تنفصل روحه عنه عندما يدخل في حالة النوم، ولكن الشخص لا يدرك هذا، بعض الأشخاص يعيشون حياتهم لدراسة هذه الحالة والوصول لها، لأنه إذا أدركت أنك منفصلٌ عن جسدك وأنك كيان روحي لا أكثر سترى كل شيءٍ في هذا العالم وستذهب لكل مكانٍ تريده دون أن يقيدك جسدك المادي".

رفعت حاجبي وصحت: "تقصدين أنني قمت بالإسقاط النجمي عندما كنت طفلة؟". أومأت آديت وقالت: "لم تدركي هذا، لكن روحك كانت مجهزةً منذ أن كنتِ رضيعةً لهذا، قوتها كانت كبيرةً وكانت روحك تعرف طريق العودة دائمًا لجسدك دون أن تضيع في هذا الكون، كنتِ تتحركين في العالم بالكامل ولكن عندما تستيقظين كان كل هذا يبدو لكِ كحلم".

لحظة...

أنا أتذكر!

أمسكت برأسي بينما الكثير من الذكريات الضائعة كانت تندفع لرأسي، أنا أتذكر، أنا أتذكر كل شيء...

لقد اعتدت على قول الكثير من قصصٍ لم يصدقها والدي، قصص عن باريس التي لم نذهب لها يوما، زيارتي للقطب الشمالي، الحيتان التي تمكنت من السباحة معها وحتى النجوم التي تمكنت من رؤيتها عن قرب.

كنت أظنها أحلامًا وكان والدي يظنان أنني فتاةٌ ذات خيالٍ كبير وواسع تستمع بنسج القصص

كنت أخبرهم عن الكثير، وكنت أخبرهم أيضًا عنه!

عن الصبي ذي العينين الزرقاوتين!

أنا أتذكر

أجفلت عندما لمست يد آديت كتفي وقالت: "اهدئي، أعلم أن من الصعب إدراك كل شيءٍ في وقت واحد، ولكن عليكِ معرفة الحقيقة، لم يحدث شيءٌ بالصدفة أبدًا، لقد سحبتكِ معي في ذلك اليوم حيث كان أتريوس، أردت منه أن يتمسك بالحياة، بالشخص الجيد الذي هو عليه".

تحركت آديت نحو طيفي الصغير الذي كانت تنظر حولها بحماسٍ وفضول طفولي كبير.

ابتسمت آديت نحو طيفي ومدت يدها نحوه، الطيف شعر بالاستغراب بالداية لهيئة آديت، لكنه في النهاية وضع كفه الصغير في يد آديت وبانسيابيةٍ تبعها لخارج المنزل بالكامل.

ركضت خلفهما بسرعةٍ مخترقة جدار المنزل لأجد قدمي استقرت مجددًا فوق الأرض الصحراوية حيث كان أتريوس فوق الأرضية، عيناه ترمشان ليفتحهما وينظر حوله لتعود عينه ثابتةً على السماء ينتظر فقدانه الوعي مجددًا

لكن هذه المرة رأسٌ صغير غطى السماء وحجب الرؤية عنه، كان ذلك طيفي!

وقف طيفي هناك بجوار جسده وانحنيت أنظر لوجهه قبل أن أنكز وجنته قائلة: "هل أنت حي، أيها الصغير؟". يدي الصغيرة لم تتمكن من لمسه لأنها مرت من خلاله لأتذمر قائلة: "أكره عندما لا أتمكن من لمس الأشياء".

لا منطق فيما يحدث، أني أشاهد نسخةً صغيرة مني أمام نسخةٍ صغيرة من أتريوس، إني أشاهد أحد أحلامي عندما كنت طفلةً صغيرة، ولكن الآن أدرك أنه لم يكن حلمًا، بل حقيقية، لقد تقابلت أنا وأتريوس قبل سنوات عديدة وكلانا لم يدرك هذا!

أتريوس ظل لفترةٍ ينظر لوجه جلنار الصغيرة أو... وجهي بمعنى أكثر دقةً وغرابة، بدا وكأنه لا يدرك حقيقة وجود كائنٍ حي يمكنه التحدث مثله في المنفى.

ولكن عندما حدقت في وجهه وانحنيت عند رأسه منادية: "أنت! هل يصلك أي إرسال هناك؟". قفز من مكانه وكأن القوة دبت في جسده وأمسك بالفأس ورفعه ولوح به دون أي تردد

اللعنة، إن كنت انتقلت جسديًا لكنت ميتة!

الفأس مر من خلالي لأنفجر ضاحكةً وأقول في محاولة لإغاظته: "أيها الأحمق، لا يمكنك لمسي!". التفت أدور حوله وسط نظراته الباردة والتي تبدلت بين الفأس الممتلئ بالدماء في يده وطيفي الذي لم يتأثر.

"لا أريد التفاخر، ولكن حاولت سمكة قرشٍ تناولي من قبل ولم تتمكن من ذلك لأنني مررت من خلالها" قلت متفاخرةً وأنا أنظر نحوه بطرف يعني، ولكن ما أن التفت حتى حاول مجددًا قسم جسدي بالفأس.

تنهد بيأس وتمتمت: "صبي أحمق".

تركته وأخذت خطواتي الصغيرة تتفحص المكان، ووقف أتريوس خلفي قبل أن يحاول استخدام قوة الظلام لقتلي، ولكن مرت من خلالي وكأني غير موجودة.

في النهاية ربما اعتقد أن طيفي من اختلاق عقله وأنه جُن أخيرًا؛ لذلك استسلم وألقى بجسده مجددًا فوق الأرض يحدق في السماء.

في تلك الأثناء تركته محلقةً بعيدًا عنه أنظر في المكان بالكامل قبل أن أعود لجسده الملقى وأقول: "أيها الأحمق، أعرف شيئًا ستهتم به، ولكن عليك أن تكون تابعي حتى أخبرك به".

هل كنت بهذه الحقارة وأنا صغيرة؟

لم ينظر أتريوس نحو طيفي حتى لأقتحم مجال رؤيته وأقول: "ستموت على هذا المنوال، شفتاك جافتان تمامًا وتبدو في حاجةٍ للماء" رفع عينه نحوي بكسلٍ ولم يهتم.

رفعت كتفي الصغير والتفت قائلة بعدم اهتمام: "أردت إخبارك بمكان بئر ماءٍ بارد، ولكن... يبدو أنك غير مهتم".

أكملت سيري بعيدًا عنه متجاهلةً وجوده ولم أتوقف إلا عندما خرج صوته الضعيف والمبحوح لأول مرةٍ قائلًا: "أين؟"

اتسعت ابتسامتي الماكرة والتفت نحوه قائلة: "ستكون تابعي!". رفع حاجبًا قبل أن يدير وجهه للجهة الأخرى متجاهلًا طلبي.

هل كان كلانا بهذا العند؟

"تعفن من العطش إذًا" قلت مغتاظةً والتفت بنية الذهاب وتركه، ولكن لم أتمكن من ذلك لأنني ظللت أراقبه من مسافةٍ بعيدة، وعندما لاحظت أنه بالفعل غير مهتمٍ بالموت أو الحياة اتجهت نحوه أكتم غيظي وقلت: "أيها الأحمق، إنه هناك باتجاه تلك النجمة الشمالية!".

مددت لساني في النهاية وحلقت مبتعدةً بنية العودة حيث منزلي.

ظل أتريوس مكانه نائمًا على ظهره لدقيقةٍ قبل أن ينهض راكضًا حيث أشرت له ليجد بالفعل بئرًا وبجوارها بعض النخيل.

"وهذا ما حدث" قالت آديت وهي تراقب جسد أتريوس الذي أخذ يشرب المياه بشراهةٍ وتابعت: "كنتِ تذهبين وتعودين وحدك، لقد كنتِ تشعرين بالفضول حول من يكون أتريوس ولما هو وحده في هذا المكان، ظللتِ تعودين وتزعجينه بالكثير من الأسئلة، تخبرينه بحكاياتك رغم تجاهله؛ فقد كان يظنك صنع عقله الذي أهلكته الوحدة، أحيانا كان يزداد عمر أتريوس سنواتٍ بسبب المنطقة التي يمر بها بينما تلك السنوات بالنسبة لكِ تكون كليلةٍ واحدة فقط، وأحيانًا يتوقف عمره في أماكن مختلفة".

إذًا تلك الأحلام التي تراودني عن الصبي والفتاة الصغيران لم تكن مختلقة، لقد كانت ذاكرتي تحاول إعادة كل شيء.

تذكرت كل ما حدث سابقًا عندما كنت طفلة، لقد تحولت أحلامي كلها فجأة لتتمحور حول صبي صغيرٍ يسير دون توقف في أماكن مختلفة، لقد كان صديقي الذي أردت النوم دائمًا لرؤيته

أخبرت الجميع عنه، رسمته في أوراقي وكتبت عنه في مذكراتي حتى لا أنسى من يكون، أصبحت أذهب للنوم مبكرًا دون أي اعتراضٍ على والدي فقط لرؤيته، بل أنني كنت أنام ساعاتٍ في النهار حتى أستطيع البقاء معه.

ظن والدي أنني أصبحت أبالغ كثيرًا وأنني ربما سأصاب بمرض التوحد أو شيء أسوأ، ظنوا انني أتعرض للتنمر؛ لذلك أختبئ داخل أحلامي وظنوا أنني أعاني من هلوسات أو أنني تعلقت بإحدى الشخصيات الخيالية بشكلٍ مرضي

الآن فقط تذكرت، لقد تواصلوا مع طبيبٍ نفسي والذي تحدث معي واثبت أن لا شيء خطير وجدي وأقنعني أن كل ما يحدث هو من اختلاق عقلي لأنني أملك خيالًا خصبًا وواسعًا نتيجة القصص التي كنت أقرأها كثيرًا منذ عمرٍ صغير.

أمر والدي بالتخلص من كل ما هو متعلق بذلك الصبي بعد سنةٍ من الحديث عنه والهوس به، أمي تخلصت من جميع رسوماتي وجميع مذكراتي التي تحتوي على صوره واسمه وكل شيءٍ عنه، لم يبقَ أي أثر لأتريوس في غرفتي وبدأت في تسجيلي بنوادٍ صيفية وتعليمية لإشغالي.

ظنوا أن بقائي مع أشخاص من أقراني أفضل من بقائي بين الألغاز والكتب، ولكنهم وأنا لم نعلم أن أتريوس كان حقيقة، كان يعاني وكان وجودي حوله هو الشيء الوحيد الذي جعله يتمسك بآخر شعرةٍ من العقلانية.

أمامي كان شريط أحلامي يُعاد، ولكن كصورةٍ أكثر واقعية، كنت أظهر له من وقتٍ لآخر، كان يتجاهلني في البداية ولأني كنت الطفلة المزعجة والعنيدة التي كنت عليها كنت أثرثر وأثرثر بلا توقف غير مكترثةٍ لحقيقة أنه يتجاهلني.

كنت أسأل الكثير ولم يكن يجيب، لم أعرف اسمه إلا بعد أسبوعين من مشاهدته يسير وحده، وحينها ظللت أكرر ملحةً لمعرفة اسمه حتى فاض به الكيل وصرخ في وجهي باسمه ظنًا منه أنه أخافني، لكن ابتسامتي اتسعت يومها وقلت بكل صدق: "وأنا شارلوك".

كنت مصدقةً منذ صغري أنني النسخة الحية من شارلوك هولمز لشدة حبي له؛ لذلك عندما يسأل أحد عن اسمي أقول بكل صدقٍ وحماس أنني شارلوك.

الأمر ظل يحدث لوقتٍ طويل، كان أتريوس يصبح أكبر بسرعة؛ لذلك بدأت بمناداته بالعجوز، وقد أصبح ذلك الطفل الخالي من المشاعر شيئًا فشيئًا صبيًا يبتسم عند ظهور صحبته الوحيدة في هذا المكان.

سألته كثيرًا لما يسير وإلى أين يتجه وكان يجيب بأنه عائدٌ للمنزل.

أتريوس لم يفقد عقله في النهاية، أصبح يتحدث معي، يخبرني بعض الحكايات عن الممالك التي يحمل أصحابها قوةً سحرية وكنت أستمتع كثيرًا بهذا.

توقفت عن إخبار عائلتي عنه لأنهم يغضبون عند ذكر الأمر واكتفيت بالتظاهر أن الفتى الذي يسير بلا توقف لم يعد يظهر في أحلامي.

ابتسمت آديت وهي تراقب كل هذا يحدث معي وقالت: "لم أعد خائفةً على أتريوس؛ فهو قادرٌ على حماية نفسه وأنتِ قادرةٌ على إبقاءه متزنًا كل هذا الوقت. لم يتوقف أتريوس عن المسير، المنفى قد يكون من الصعب العودة منه، لكنه ليس مستحيلًا، ولكن في حالة أتريوس كان أمامه العمر بطوله للعودة، حتى ذلك اليوم الذي لم تتمكني أنتِ من الذهاب إليه فيه".

عقدت جبيني باستغرابٍ ونظرت للمكان الغريب الذي نحن فيه.

كان حقلًا فارغًا يضيئه قرص القمر ولا يوجد به شيءٌ سوى كوخ بسيط بجواره شجرة ضخمة أوراقها كانت صفراء بشكلٍ فاقع ويثير التعجب.

أتريوس الذي أصبح مراهقًا ثبت الحقيبة التي صنعها فوق ظهره وأمسك بفأسي والده وتحرك بحذرٍ نحو الكوخ.

كان فارغًا من الداخل، ولكن المدفأة كانت مشتعلة!

تحرك بحذرٍ وتوقف عندما لمح المخبوزات الموجودة فوق الطاولة ليندفع نحوها ويأخذ اثنين في فمه في تلذذ؛ فربما هذه مرته الأولى منذ وقتٍ طويل في تذوق شيءٍ منزلي الصنع.

حشى فمه بثالثةٍ ورابعةٍ وأخذ الباقي في حقيبته وكاد يخرج، ولكنه تجمد ما أن وقعت عينه على كعكةٍ مخبوزة.

"إنه يوم حظي"

همس وتحرك نحوها، وقبل أن يأخذ قطعةً توقف وانجذبت عينه نحو شيءٍ مشع، علبة زجاجية كانت تحوي مخلوقًا صغيرًا ذا عينٍ واسعة بريئة وجلد بنفسجي اللون وأربع قوائم صغيره، كان في حجم الأصبع تقريبًا.

توقف المخلوق الصغير مستندًا على الزجاج ينظر لأتريوس ببراءةٍ شديدة وهو يطرق بيده على الزجاج حتى يخرجه أتريوس.

كاد أتريوس يرفع غطاء العلبة، لكنه التفت بسرعةٍ ملوحًا بالفأس ما أن كسر الصمت جملة "لو كنت مكانك لما فعلتها، أيها الصبي".

امرأةٌ عجوز تحركت نحو الكرسي القابع أمام المدفأة وجلست هناك ليحلق كتابٌ نحوها وتتقلب صفحاته دون حاجةٍ لتحرك العجوز يدها.

"هل أنت جائع؟ يمكنك الجلوس وتناول البعض بشكلٍ لائق عوضًا عن حشره بفيهك بهمجية" قالت دون أن تنظر إليه قبل أن تغمغم: "لم أحظَ برفقةٍ منذ وقت طويل".

ظل أتريوس يبدل نظره بينها والباب يريد الخروج من المكان وفي الوقت ذاته يحمي نفسه من أي هجومٍ مفاجئ.

"لا أحب تناول المراهقين على العشاء إن كان هذا ما يجول في ذهنك، أيها الفتى" قالت وهي تنظر نحوه بسخريةٍ قبل أن تنظر لكتابها مغمغة: "هذا مثير للاهتمام، لم أحصل على واحد منذ... أوه، حسنًا!".

"ما الذي تفعله عجوزٌ مثلك في هذا المكان؟" سأل أتريوس وما زال يضع مسافةً حذرة بينهما، تجمدت العجوز والتفتت نحوه بنظرةٍ ساخطة قائلة: "راقب فمك، أيها الشقي! تحدث بتهذيب، من التي تلقبها بالعجوز؟ يمكنني تحطيم هذه العظام الرقيقة في ثوانٍ".

نهضت من مكانها متجهةً نحوه ليأخذ خطواتٍ للخلف وتتحول عينه لأسود قاتم مستعدًا لتحويلها لرماد، لكنها تجاوزت جسده بلا مبالاةٍ وأخذت بعض البسكويت الخاص بها وعادت للكرسي.

"أتظن أن قوة الظلام تلك ستُخيفُني، أيها الأحمق؟ لقد رأيت ما هو أقبح وأكثر بشاعةً من لعنة أصابت إريبوسي صغير"

اتسعت عينا أتريوس وأصبح أكثر حذرًا وهو يقول: "من أنتِ بحق خالق الجحيم؟". رفعت حاجبًا وتمتمت: "طفلٌ وقح".

تنهدت العجوز ووضعت الكتاب جانبًا ونظرت لأتريوس قائلة: "لمَ لا تجلس قليلًا؟ لا يمكنني التصديق فقط أن طفلٌ مثلك نجا طيلة هذا الوقت في المنفى، أراهن على أنك لم تحظَ برفقةٍ لوقت طويل".

عقد حاجبيه وقال: "هناك شارلـ..." توقف فجأةً عندما كاد يخبرها عني وتراجع قائلًا: "هذا ليس من شأنك".

قهقهت العجوز وقالت: "يا لك من فتى سيء، ألم يجد والداك الوقت لتعليمك بعض الأدب". انخفض كتفيه لثوانٍ وقال: "لقد قتلوا".

ابتسمت العجوز وقالت: "أكانوا أشرار؟". نظر لها بغضبٍ صارخًا: "لم يقوموا بأذية أحدٍ قط!". رفعت يدها بسرعة "اهدأ، لقد كان سؤالًا اعتياديًا، أتعرف، أيها الصبي؟ من الجيد موت الأشخاص الجيدين؛ فهذه الأيام مجنونة، لا مكان فيها سوى للشياطين".

أخذت قضمةً من البسكويت وأردفت: "ما لا أفهمه... كيف وصل طفلٌ مثلك للمنفى؟". كتف أتريوس ذراعيه وطرح السؤال ذاته: "ما لا أفهمه؛ كيف وصلت عجوزٌ مثلك للمنفى؟".

"ذلك الأحمق ما زال يدعوني العجوز" بصقت بعصبيه وزفرت: "لم أكن عجوزًا عندما جئت لهنا، أيها الشقي، لكن المنفى لا تربطه قواعد الزمن والعمر، من المفترض أن أظل شابةً للأبد، لكن يبدو أن هذا لم يحدث".

تحرك أتريوس وجلس أخيرًا على إحدى الأرائك وقال: "الساحرات فقط من يبقين شاباتٍ حتى موتهن". تنهدت العجوز "وماذا تظنني؟ أنا ساحرةٌ يا غبي".

"وما الذي تفعله ساحرةٌ في المنفى؟"

"تقضي عقوبتها الأبدية"

"ولمَ تم عقابك؟"

"لمَ تم رميك في المنفى وأنت طفل؟"

صمت أتريوس ونظر لها لثوانٍ قبل أن يقول: "أجيبي سؤالي وسأجيب سؤالك". ضيقت عينها عليه وهسهست: "أيها المتلاعبحسنًا، لقد فعلت شيئًا سيئًا لم يكن يجب علي فعله وتم حبسي هنا في المنفى، إنه دورك".

"ما الشيء السيء الذي قمتِ به؟" سأل أتريوس بفضولٍ لتشير له بتحذير قائلة: "عليك أن تجيب سؤالي أولًا، أيها المتذاكي".

نظر لها بعدم رضا، ولكنه لم يتمكن من الاعتراض، نظر بعيدًا يتذكر ما حدث منذ وقتٍ طويل وقال: "الشخص الذي قتل والدي قام بإلقائي هنا".

"ولمَ لم يقتلك مثلهما؟" سألت العجوز ليرفع حاجبًا ويقول: "أجيبي سؤالي لأجيب عن خاصتك".

انفجرت العجوز في الضحك وقالت: "أيها المتحذلق".

تنهدت في النهاية وعرضت عليه بعض البسكويت ليرفض بلا مبالاة.

ظلت تحدق به لفترةٍ قبل أن تقول: "لمَ لا نتوقف عن السؤال عن الماضي؟ شيءٌ واحد فقط لست متأكدة منه، لمَ تسير؟ لا تتوقف عن السير داخل المنفى في أمل العودة للمنزل؟ لمَ تظن أنك قادر على العودة؟ إنه المنفى يا فتى، أتظن أنه سهل؟ يمكنك فقط اختيار بقعةٍ هنا وجعلها منزلك الجديد!".

"كيف تعرفين أنى كنت أسير لوقتٍ طويل؟" سأل بشكٍ لتضحك وتقول: "ربما كبرت في السن، ولكني ما زلت أمهر الساحرات، أنا أرى ما أريد رؤيته، أيها الفتى".

زفر أتريوس وقال: "المنفى ليس منزلًا، هناك منزلٌ حقيقي ينتظرني ووعدٌ قطعته علي العودة من أجله".

حل الصمت بينهما تفحصت فيه العجوز وجه أتريوس بدقةٍ وبنظرة مختلفة.

"إذا تريد العود للانتقام من قاتل والديك؟ أهذا هو الوعد؟"

نظر لها أتريوس لمدةٍ بصمت ونظر بعيدًا وحرك رأسه للجانبين نافيًا "رغبة الانتقام تقتل المرء ببطء، ربما إن رأيت ذلك الرجل أمامي ما تواريت عن ذبحه، لكني لن أفني عمري في البحث عنه، ربما قد مات بالفعل، هناك شخصٌ يستحق أن أكون حوله، شخصٌ علي حمايته ليعيش بسلام".

كنت أعلم أنه يقصد واندر بحديثه، هي الشخص الوحيد الذي ينتظره.

ابتسامةٌ لم أفهم معناها ارتسمت على وجه العجوز وقالت: "ما رأيك إن كان بمقدورك إنقاذ بني جنسك؟ وإيقاف هذه اللعنة؟".

لم ينظر نحوها وقال: "لا أهتم، لا أحد يمكنه إنقاذ بني جنسنا، الظلام يأكلنا من الداخل، أنا من الظلام، مثلهم تمامًا".

أومأت العجوز "أعرف هذا؛ لذلك ستحتاج قليلًا من المساعدة، شخص مضيء، شخص يحمل النور لبني جنسك، ولكن شخصًا كهذا سيحتاجك بجواره، أتعلم، أيها الفتى؟".

نهضت من مكانها وابتسامةٌ غامضةٌ تتسع على وجهها حتى وقفت أمام اتريوس وقالت بعينٍ بدأ لونها يتغير لتتحول لأخرى بيضاء بالكامل:

"لم تولد لتكون شخصًا عابرًا في هذه الحياة، أتريوس كريستوفر فلورمان، أنت الخلاص، أنت الجسر الواصل بين الشر والخير، الظلام والنور، الحياة والموت، من رحم المعاناة تولد الحياة، من رحم الموت ولدت أنت، وقدرك سيكون طريقًا مليئًا بالدماء، بالموت، بالوحدة، ولكنك ستقابلها يومًا ما، أقدراكما متشابكةٌ معًا، مهما كنتما بعيدان، ستلتقيان، المخلصان للتوبازيوس…"

كان أتريوس يشعر بالفزع، الفزع الشديد وهو يشعر بجسده متجمدٌ في مكانه والعجوز أمامه ممسكةٌ برأسه تضغط بإبهامها على جبهته.

اتسعت عينه لتصبح بيضاء بالكامل، وحينها فقط تلك العجوز أصبحت امرأةً شابة ذات شعرٍ فحمي وبشرةٍ بيضاء، أمسكت بوجنة أتريوس وقالت: "سأعطيك ما يساعدك، لنقل أنه تكفيرٌ عن ذنبي، أنا آسفةٌ، أيها الفتى، لقد أخذت قرارًا سيئًا، لقد صنعت لعنة، لعنةً سيئة ومؤذية وقدري هو البقاء هنا وحيدةً أكفر عن هذا الذنب، أنا أعتذر لأجل المعاناة، الموت، والظلام، السحر الأسود الذي أغرقت مملكتم به، أنا أعتذر... ولكن عليك قتله، أتريوس، على أحدكما قتل لوكيان ملك الظلام للأبد...".

ما اللعنة؟

ما الذي يحدث؟

أغمض أتريوس عينه وصرخ بقوةٍ ممسكًا برأسه، وما أن فتحها وجد نفسه يجلس على الأرض بجوار الشجرة الضخمة في ذلك الحقل ولا أثر للمنزل أو الساحرة.

لقد رأيت للتو الساحرة التي ساعدت لوكيان في صنع السحر الأسود الذي يتلبس أجساد الإريبوسين!

"لقد كانت تتحدث عنكِ"

التفت نحو آديت التي قالت ببساطة، ثم أردفت: "أدركت هذا عند سماعي لهذه المحادثة للمرة الأولى، قدركِ وأتريوس مرتبطان معًا، أنتِ النور وهو الظلام، كلاكما معًا مرتبطان منذ وقتٍ بعيد".

تراجعت للخلف أحاول فهم كل ما يحدث وتقبله، هذا ثقيل... كيف لي استيعاب كل هذا؟

"ألم تكوني قادرةً على إظهار الحقيقة لي على أجزاء؟ فقط لإعطائي استراحةً لاستيعاب الأمر؟" قلت ساخرة لتبتسم وتقول: "يمكنك تحمل الأمر، أنتِ أقوى مما تظنين" لمَ لا يتوقف الجميع عن قول هذا؟

نظر كلانا لأتريوس الذي نهض وهو ينظر حوله بتعجب قبل أن ينظر ليده ليرى علامتين وكأنهما لحرق، إحداهما أشبه بالنبتة والأخرى للهواء، تلك كانت علامة العناصر.

اختفت بعد ثوانٍ من على يده وما زال يحاول هو استيعاب ما حدث معه.

"تلك الساحرة أعطت أتريوس أكثر مما يمكن تخيله، لقد منحته قوة التحكم في عنصرين، وبهذا لن يُكشف أمره إن عاد للإلترانيوس، وليس هذا وحسب، لقد منحته كرةً زجاجية سحرية، تلك الكرة أرشدته لأقصر الطرق للخروج من المنفى، للعودة"

عقدت حاجبي بعدم فهمٍ وقلت: "إن كانت الساحرة تملك بالفعل شيئًا يساعدها على الخروج من المنفى لمَ لم تستعمله؟".

نظرت نحوي آديت وقالت: "كانت تشعر بالذنب، قررت عقاب نفسها بالبقاء في المنفى، وربما كانت قد اكتفت من العيش بين أشخاصٍ يستحوذ عليهم جنون السلطة؛ لذلك قررت أن العيش وحيدة هو أفضل حل".

من تلك الساحرة التي تملك قوةً بهذا الحجم وقادرة على إعطاء شخصٍ ما قدرة التحكم في عنصرين؟

هناك الكثير غير واضحٍ حول تلك العجوز.

في الواقع هناك الكثير غير واضحٍ حول هذا الأمر كله، يبدو الأمر وكأنه حدث في أزمنةٍ متقاربة، كل شيءٍ يبدو مشوشًا إن تحدثنا عن الخط الزمني للأحداث!

أتريوس أكمل مسيرته، ولكن هذه المرة مع عنصرين قويين، الأرض والهواء!

لم يجد تفسيرًا حتميًا لوجود تلك الساحرة، ولكنه وضع كامل تركيزه في صقل قدراته، المنفى كان المكان المناسب تمامًا لإطلاق كامن قوتك دون الخوف من أحد.

أتريوس كان مدرب نفسه، أتريوس لم يحتج إلا لوحوشٍ غاضبة وفقدان الخوف من الموت، لم يكن يخشى أن يموت؛ ولذلك لم يكن يخشى شيئًا.

أن تقاتل أمام شخصٍ لا يخاف شيئًا حتى الموت يجعلك ميتًا لا محالة.

ظهوري لأتريوس استمر لوقتٍ طويل، أحاديثنا أصبحت معتادة، لم يكن هناك وقتٌ معين لظهوري، أتواجد فجأةً وأعود فجأة.

كنت أخبره بكل شيءٍ كطبيعة الطفلة الثرثارة بداخلي وكان يستمع ويستمتع بالأمر.

لقد ظللت الفتاة الصغيرة ذاتها بينما أصبح أتريوس أكبر، وأكبر... من صغيرٍ إلى صبي، ومن صبي إلى مراهق، قامته ازادت طولًا وجسده أصبح أكبر وأكثر شدةً وصلابة ووجه أصبح أكثر نضجًا، وكنت أنا الطفلة ذاتها

أصبحت أناديه بالعجوز لسرعة نضجه، وكان هو يضحك في كل مرة!

تغيرت تصرفاته، ولكنها أصبحت ودودة! لم يكن يغضب أو يزمجر أو يتجاهلني عندما أظهر، ظل يعاملني كطفلةٍ وظللت أعامله كصديقي الخيالي الوحيد.

ولكن شيئًا فشيئًا بدأ ظهوري يصبح أقل، لم أعد أتواجد كثيرًا وأصبحت أجد صعوبةً في العودة لأتريوس لتفسر آديت قائلة: "مهمتك قد أوشكت على نهايتها، جلنار، في هذا الوقت كان أتريوس قد اقترب، اقترب كثيرًا من العودة للإلترانيوس بفضل البوصلة التي منحته إياها الساحرة، وكلما اقترب أصبح من الصعب على روحك العثور عليه، لا أعلم السبب تحديدًا، لكن أنتِ أيضًا على الطرف الآخر كنتِ تكبرين، وعندما يكبر الأطفال تصبح الأحلام مجرد خيالاتٍ ووهم لا وجود له".

الآن فقط عرفت لما نسيت أتريوس، لقد كبر أتريوس، وأنا كبرت، اختفى من أحلامي كما اختفى من واقعي وأوراقي ورسومي، وبقي في ذاكرتي كذكرى ظننتها ملفقةً من خيال طفلة صغيرة.

في أحلامي الغريبة كنت أرى نفسي وأتريوس، كنت أرى ذكرياتٍ لم تختفِ تمامًا وكانت تتنازع لتعود على السطح مجددًا، ما السبب؟

ربما لأنني مرتبطةٌ بهذا العالم، لأنني وضعت قدمي على أرضه بعد وقتٍ طويل، ربما لأنني رأيت أتريوس مجددًا بعد هذا الوقت، وربما شيءٌ آخر لا تفسير له.

كل ما أعلمه أن أتريوس عاد، ولكن هذه المرة كإلترانيوسي يحمل عنصرين، لا كإريبوسي يحمل الظلام داخله.

هكذا وقف أتريوس أمام مدخل الإلترانيوس يحمل حقيبةً بالية ويرتدي ثيابًا مصنوعة من جلود الوحوش القوية، وعلى ظهره فأسان ملوثتان بالدماء الجافة، يرتدي تعبيرًا جامدًا لا يحمل أي معنى للاشتياق أو راحة العودة للوطن.

ربما لأن هذا ليس وطنه الحقيقي، لأنه لا ينتمي لهذا المكان، المكان الذي سالت عليه دماء كل شخصٍ حاول حمايته

لكنه الآن ليس في حاجةٍ للحماية، ليس في حاجةٍ للتضحية، لم يعد الطفل الضعيف، لقد عاد من الموت.

كان يسير بين سكان الحدود بلا تعبير، بلا اهتمام، وكانوا يبتعدون عنه بدورهم؛ فشخصٌ بهذه التعبير وهذه الدماء التي تلطخه لن يكون من اللطيف الوقوف في طريقه.

لم يتوقف إلا عندما أوقفته طفلةٌ صغيرة، بملابس باليةٍ وبجسد ملوث بالغبار، ولكنها أمسكت بمجموعةٍ من الأزهار البيضاء تحاول بيعها مقابل بعض الطعام.

الجوع كان أقوى من خوفها، أو ربما لم تكن خائفةً من أتريوس كالبقية، مدت ذراعها الصغيرة بزهرةٍ واحدة وابتسامةٍ رسمتها.

حدق بها أتريوس لوهلةٍ قبل أن يضع يده داخل جيبه ويخرج حجارةً بنفسجية اللون، كنت أعلم أنها شيءٌ غالٍ، لا يمكن إيجاده بسهولة إلا إن كنت قادرًا على مواجهة وحوشٍ خطرة لاستخلاص أحجار كهذه.

أمسكت بالحجر بعينٍ متسعة ليتفادى أتريوس جسدها الصغير ويذهب، لكنها أوقفته عندما سحبت ملابسه ومجددًا رفعت يدها بالزهرة كمقابل.

أخذ منها الزهرة لتصرخ شاكرةً وتركض بعيدًا مخبئةً الحجر في ملابسها.

نظر أتريوس للزهرة التي فجأة بدأت تتحول للونٍ أسود قاتم لتصبح أكثر جمالًا، ابتسم وأكمل مسيرته داخل المكان.

ابتسمت عندما تذكرت هذه الزهرة، تلك التي يحتفظ بها تينر جام، إنها الزهرة ذاتها.

وقف أمام منزلٍ معين، منزل واندر قديمًا، لا يعلم إن كانت موجودة أم لا، ولكن كل شيءٍ كان كما هو، الحديقة الصغيرة والباب الخشبي والمنزل الصغير البسيط.

باب المنزل تحرك لتخرج من خلفه امرأةٌ أمسكت بإناءٍ من الماء كانت ستضعه خارجًا للمخلوقات الصغيرة التي تلهو في الحديقة، لكنها تجمدت ما أن لمحت أتريوس.

كانت تلك واندر التي أعرفها، جسدها المكتنز، وتجاعيد عينها وتعبيرها المريح المبتسم دائمًا

سقط الإناء من يدها لتريق الماء فوق الحشائش الصغيرة.

كان من الصعب تصديق أنه عاد بعد تلك المدة، أي مدة؟ لا أحد يعلم بالضبط كم استغرق، بل أنا شخصيًا لا أعلم قوانينًا للوقت هنا.

عندما احتضنت جسده بحرارةٍ كانت تكرر مرارًا أنها لم تصدق يومًا أنه مات، أنها ظلت تؤمن بأنه سيعود يومًا وها قد عاد.

"انتظرته واندر كثيرًا، كانت الشخص الوحيد الذي لم يحكم عليه، لم تخشَ منه، ولم تلمه يومًا على ذنبٍ لم يقترفه، في ذلك اليوم رأيت أتريوس يبتسم للمرة الأولى لشخصٍ غيرك" قالت آديت وهي تراقب واندر المتمسكة بجسد أتريوس الذي أصبح أكثر طولًا منها.

المنزل بدأ يتحول لصورةٍ ضبابية، المكان كله كان يفعل قبل أن تمسك آديت بيدي ويُسحب جسدانا فجأةً للخلف.

أخذت نفسًا قويًا بينما تراجع جسدي ليقع فوق الأرض الرطبة.

عدت حيث كنا، البركة والسماء المظلمة وأشجار الغابة الصامتة، نظرت لآديت الواقفة أمامي والتي انحنت بدورها تمد لي يد المساعدة للنهوض.

"أتريوس تمكن من العيش هنا بصفته إلترانيوسي، مع استخدامه لعنصرين كان الأمر أكثر من مقنعٍ لصنع أوراقٍ وسجلات له كشخص كان مفقودًا في الحرب وعاد، عندما عاد أتريوس ظل بجوار واندر، حتى..."

صمتت لثوانٍ ونظرت لعيني، لكنها ابتسمت وقالت: "حتى ظننت أنه سيفعل للأبد، لكن هناك أشياء لا بد لكِ من معرفتها وحدك، لا يمكنني البوح بها بنفسي".

عقدت حاجبي باستغراب وسألت بسرعة: "ماذا تقصدين؟ ما الذي حدث؟". ابتسمت ابتسامةً لعوب وقالت: "أنا هنا فقط لأريك من أي معاناةٍ وجد أتريوس، لأنك الوحيدة بعد واندر التي استحقت أن تعرف، إن تركت الأمر لأتريوس لما أخبرك، لما أخذ خطوةً للأمام، لكنك مختلفةٌ عنه، أنتِ قادرةٌ على أخذ تلك الخطوة، وحينها لن يضع نفسه للأبد معزولًا خلف جداره الوهمي".

التفتت لتذهب ولكنها قالت: "اعتني به جيدًا، جلنار، ربما يبدو أحمق ذا رأسٍ صلب، لكنه ما زال أتريوس، الطفل الذي اختبأ داخل الخزانة بينما يستمع لنهاية كل من يحب".

ركضت خلفها بسرعةٍ صارخة: "لحظةٌ واحدة، حتى ماذا؟ لقد كدتِ تقولين شيئًا آخر!".

لكنها لم تجب، اختفت فجأةً كما ظهرت فجأة، أعلم أنها موجودة حولنا، ولكنها لن تظهر نفسها!

ظللت هناك تحت ضوء القمر أحدق في البركة الساكنة، كل ما حدث كان يعود ويذهب دون توقف داخل رأسي كل شيء، أشعر أنني في حاجة لأيام لاستيعاب كل ما رأيته.

أتريوس لم يكن يومًا الفارس الثاني للإلترانيوس

لقد كان دومًا فارس الإريبوس!

بعض النقاط بدأت تتصل ببعضها، لكني لا أجد نقطة بدايةٍ أو نهاية، كاريان، أتريوس، التوبازيوس

لمَ قد تختار التوبازيوس فارسًا للمملكة التي نحاربها؟ إلا إذا كانت تحتاج إلى فارس.

ما الذي يحدث بالضبط على أرض الإريبوس؟

هل يعرف أتريوس شيئًا عن الأمر؟

بدأت أشعر بالغباء الشديد والتفكير بدأ يؤلم رأسي.

شيءٌ واحد أصبح أكثر وضوحًا مما سبق، أتريوس لم ولن يكون الشخص السيء أبدًا، ربما شخص آخر كان ليتحول لأسوأ شخصٍ في العالم بعد تعرضه لحياةٍ كتلك، بعد بقائه في المنفى لزمنٍ طويل لا يمكن حتى حسابه

لكنه لم يفعل!

قرار العودة للمنزل وأخذ مشروبٍ دافئ لعلي أريح رأسي النوم كان جميلًا، بقائي في حالة التفكير تلك ستقتلني يومًا ما.

ولذلك عدت أدراجي للمنزل، ولكن لم أتمكن من التخلص من تلك الأفكار طيلة الطريق، بقائي وحدي سيثير جنوني، أين يوجين عندما أحتاجه؟

لا بد من أن الأحمق نائم في غرفتي وقد نسى تمامًا أنني كنت معه.

لاحظت أن الأضواء بالكامل مغلقه مما يعني أن الجميع نائمٌ في هذا الوقت.

كدت أدلف للمنزل، ولكن توقفت عندما لاحظت الجسد الواقف بجوار الشجرة الضخمة يوجه ظهره لي بينما عينه تحدق بالنجوم التي زينت السماء.

وقفت أحدق بظهر أتريوس مع ابتسامةٍ ممتنة، ممتنة لوجود شخصٍ مثله في حياتي، ممتنة لبقائه نقيًا رغم الحياة التي يعيشها، ممتنة لأنه ما زال يبتسم لي الابتسامة ذاتها التي كان يبتسمها لجلنار الصغيرة، ممتنة لكل شيءٍ غير قابل للتفسير قد جمعنا يومًا ما بشكلٍ لا يصدق.

التفت نحوي ما أن شعر بوجود شخص خلفه. "لم تنامي بعد؟" تساءل لأتحرك وأقف بجواره أحدق بالنجوم. "ما رأيك؟" سخرت ليبتسم وما زالت عينيه معلقة بالسماء، نظرت لوجهه بينما أتذكر كل شيءٍ عرفته عن أتريوس، كان عليه أن يعاني كثيرًا، كان من الممكن أن يصبح أسوأ شخصٍ قد تعرفه في حياتك، لكنه لم يكن!

إن فكرت في الأمر أظن أنه أكثر الأشخاص جدارةً بلقب فارس التوبازيوس، لا يمكن لشخصٍ عادي أن يظل على جانب النور بعد أن ولد في الظلام ومن رحم المعاناة.

"إلامَ تنظرين؟" سأل باسمًا ولم يكلف نفسه بالنظر نحوي. "أنظر لك" قلت بصراحةٍ لتزداد ابتسامته وينظر نحوي ويربت على رأسي قائلًا: "اذهبي للنوم، ينتظرنا الكثير غدًا".

التفت بعد جملته متجهًا للمنزل وراقبته لثوانٍ يبتعد عني

"أتريوس!"

توقف قبل أن يلتفت باستغراب.

ابتسمت وقلت: "ممتنةٌ لوجودك في حياتي".

تجمد لوهلةٍ وكأنه يدرك جملتي قبل أن يبتسم في المقابل ويقول: "وحتى وإن كنت شخصًا آخر مختلفًا عما تظنين؟". رفعت كتفي وقلت: "حتى وإن أصبحت وحشًا، لا أخاف الوحوش على الإطلاق".

"حتى وإن كنت شخصًا سيئًا؟"

قال لأتحرك نحوه قائلة: "لا يمكن لشخصٍ مثلك أن يكون سيئًا، هذا شيء أنا على يقينٍ منه". تفايدته متجهةً للمنزل، لكنه احتضن جسدي فجأة، يده التفت حول خصري بينما ظهري التصق بصدره وقد أسند رأسه على كتفي.

"كيف يمكن لثقتك أن تكون نهائيةً بهذا الشكل؟" صوته الهامس والهادئ كان لطيفًا، قادرًا على جعلي أتناسى كل التعقيدات التي أفكر فيها.

"لا أعلم، لكنني أشعر بالأمر فقط، ربما أنت خائف، ربما تجاربك السابقة لم تكن لطيفةً عليك؛ لذلك يصعب عليك الثقة، لكن..."

أبعدت ذراعه بهدوء والتفت انظر لوجهه قائلة:

"أنا أثق عوضًا عنك، حتى تتمكن من تقبل أنني أحبك مهما كنت ومهما ستكون"


*********************************************

هاااااي

اتفضلو شوية مناديل امسحوا دموعكم

وبكده اقدر اقول تعاااادل الطرفيييين

معدش فيه قارئ قديم وجديد 

كده كل الفصول الي نزلت قبل كده على الوات نزلت هنا خلاص 

ومن الاسبوع الجي هتبدأ الفصول الجديده تنزللللل

اولًا عايزه اوضح كام حاجه بس

الناس الي فهمت من كلامي الفصل الي فات انه مفييييش رومانسة او هتنعدم او حسيت كانهم فهموا ان هلغي العلاقات بين الابطال تمامًا..

العلاقات شيء أساسي ومحوري ولولها مكنش هيكون فيه تطور للشخصيات والرومانسية اللطيفة الهادية هتفضل موجوده

الفكره ان تركيييييز الاحداث هيكون على الحرب والي بيحصل لان فيه حاجات كتييييير هتبدأ تطلع للسطح وحاجات بحضرلها من الفصول الاولى لازم تبدأ تظهر

فقصدي ان الروايه مش هتقلب رومانسية يعني تصنيفها الاساسي فانتازيا لكن مازال تصنيف ثانوي لها هو الرومانسية مش هتنعدم يعني 

مش عشان لغيت كام مشهد بين الأبطال يبقى خلاص مفيش رومانسيه😂

ده اولا 

ثانيا في مشاهد ناس كتير نبهتني انا محذفتهاش قصد، الروايه ملفاتها اتحذفت كتير وفي ملفات كنت كتباها وقبل ما انزل على الوات كنت بعدل على الفصل في مسوده الوات وبضيف وبحذف عشان كده النسخة النهائية مكنتش معايا

فيمكن كام مشهد وقعوا في النص مش عن قصد

عشان بس محدش يحسب اني حاذفه بقصد 

وثالثا الناس الي بتسأل ليه بطول في التدقيق طالما كنت مدققه الروايه قبل كده

فالي محدش يعرفه قبل كده الروايه بعد ما اتدققت نص الفصول الي الاخيره اتحذفت بسبب مشكله في اللاب فرجعت اراجع عليها تاني

بسسسسسس

طيب المهم بقى 

الفصول الجديده 

نظام التنزيل بفكر اخليه يومين في الاسبوع أحد و خميس 

وده عشاني وعشانكم، بحيث يكون معايا وقت اكتب فصول اكتر والتنزيل يفضل مستمر ميقفش

وكمان لان الفاينل داخل ومش حابه اهمل مذاكرتي زي الميد ترم 

عكيت في مواد والله 😑

ده غير في ورايا مشروع تبع الجامعه 

فهحاول اخلي التنزيل فصلين في الاسبوع 

بس هاخد رأيكم الاول فقولولي رأيكم سواء في التعليقات او في الانستا او الفيس.

لوف يو 

باااي


 

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

58 تعليقات

  1. صدقيني حتى لو مرة بالأسبوع و احنا راضيين 😭😭❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  2. لا مش مستعدة للفصول الجديدة لأ🙃🚶🏻‍♀️🚶🏻‍♀️

    ردحذف
    الردود
    1. ممكن تقوليلي وين الاقي باقي الفصول ؟؟؟

      حذف
  3. اخر فصل ان شاء الله ونكمل وين ما توقفنا

    ردحذف
  4. حتى لو هتنزلي مرة في الأسبوع المهم تستمري😩
    ايه رأيك الفصل الجديد ينزل يوم عيد ميلادك، ونحتفل كلنا😂❤️
    كل عام وأنتِ بصحة وسلامة يا كاتبتنا الحلوة💖

    ردحذف
  5. ❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  6. اسرااااء بحبك يبنت😭😭😭

    ردحذف
  7. ياي الفصل نازل بدري هالمره حبيت بقراءه قبل انام بحبك اسراء🥺🍓

    ردحذف
  8. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  9. أنا بجد عايزه اعيط والله 😭😭

    ردحذف
  10. ربنا يعينك يارب ويقويكي حتى لو فصل واحد انا راضيه بيه 😍❤️

    ردحذف
  11. عالعموم فصلين في الاسبوع حلوين بس يعني يبقي معادهم ثابت

    ردحذف
  12. خليها ٣ فصول ارجوك والله مش قادرة ما افكر فيها ب نهاري دي أصبحت جزء مني

    ردحذف
  13. صيااااح وعياااط وهلاهل 💜

    ردحذف
  14. حرام ما اقدر بعد اتشمت بالقراء الجدد

    ردحذف
  15. حلو اووى فصلين ف الاسبوع هيديكي فرصة تذاكرى براحتك ومتهمليش مذاكرتك ونفسك و ممكن تخلي يوم واحد مفيش مشكلة هننتظر🫶🥹

    ردحذف
  16. اخيرا بقينا صفحه بيضا ي اصدقائى القدام
    متحمسه للجاى 😭😭😔♥️♥️♥️ + يومين حلو عشان بردو دراستك مهمه طبعا

    ردحذف
  17. ايوه يومين حلو
    المهم اي حاجه

    ردحذف
  18. عادي ي حبيبتي اللي يريحك تعمليه
    ان شاءالله بالتوفيق في امتحاناتك ❤️❤️

    ردحذف
  19. هل يمكم 3 في الأسبوع 😏 راحة ليك ولينا 🌸

    ردحذف
  20. فصلين بالاسبوع حلو ولو يكون عندك وقت يعني مثلا ما تكوني مشغوله ممكن تنزلي فصل زياده يعني لأنو نحب روايتك كلش و بصراحه ك قارئه قديمه انا متعلقه ب الروايه و الابطال وبيوم اللي ماكو فصول يكون يوم مو حلو

    ردحذف
  21. لم اقرأ الفصل بعد ولكن اشعر بالرهبه ولا اعلم لماذا يبدو ان كونه اخر الفصول اللي اعرفها يجعلني اشعر بالرهبه لما هو قادم..
    اسراء لا تقتلينا في الفصول القادم🙂🙂💔

    ردحذف
  22. مش قادره اتقبل اني الفصل الجاي هصير انسان عادي ومقدر اشوف نفسي على القراء القدام واحرق عليهم🌞💔+ فصلين بالاسبوع حلوين جدا

    ردحذف
  23. مش قادرة اتخيل انه قاعدين بنعيط على شخصيّة برواية🥹🥹

    ردحذف
  24. حاسة اني مش متقبلة اننا هنبقى زي القراء الجداد لاااااا 😂😂😂😂😂

    ردحذف
  25. ياللهول بجد انا مش متخيلة اننا خلاص هنشوف احداث جديدة و بعدين فصلين حلوين اوي حد طايل 😭

    ردحذف
  26. اتريوس هو شخصيتي المفضلة في الرواية اتمني علي الاققل تبقي نهايته عادلة مع جلنار😭😭💖💖💖

    ردحذف
  27. اتمني تشرحي ليه الاريبوس كانوا عايشين في الالترانيوس عشان السؤال مدمر قصة اتريوس في دماغي

    ردحذف
    الردود
    1. عادي يعني زي مافي ناس تعيش فبلد غير بلدها الاصلي هم كانو عايشين بالالترانيوس

      حذف
  28. لما كان ينزل بارت بين يوم ويوم كنت اقول لنفسى كل ماحاجة تحبطنى خلص بكرة ان شاء الله بارت وبتتجدد طاقتك وتعيشى مع ابطالك...بس اوك حتى لو مرتين بالأسبوع موافقين ...انتظرنا سنوات مابننتظرها ايام🖤🤍

    ردحذف
  29. بنتمنى فعلا تثبتي الايام اللي اقترحتيها ومتتاخريش بليز 🥺

    ردحذف
  30. ليش عندي احساس انو جنار راح تدرب اتريوس على قدرت الظلام يعني الأدوار بتتقلب وبيبقي اتريوس تحت رحمت جلنار الفكره لوحدها حمستمي

    ردحذف
  31. انا فاكرة ان لسه فيه تكمله وان الفصل الجديد مش هيكون جديد
    لسه فاكرة إن أديت رجعت تاني وحكتلها ايه الي حصل بعد ما أتريوس وصل لواندر وازاي وصلوا لحد هنا
    ولا انا الي بختلق حوارات

    ردحذف
    الردود
    1. انا كمان لان اظن الفصول اللي كانت بتنتشر في الموقع لسه جايه في الطريق

      حذف
    2. طب الحمدلله مش لوحدي

      حذف
    3. الحمد لله امتياز عن القراء الحاليين احنا لسه مش صفحه بيضا😂😂

      حذف
  32. متشوقين للفصل الجديد جداااا♥️♥️♥️

    ردحذف
  33. احكي عن شو ولا عن شو... بس أهم حاجة اهتمي بدراستك أولا بعدها الرواية وحتى لو فصل في الاسبوع معلش المهم يكون رائع وطويل ومدقق لغويا ❤❤.
    ثم يجمااااال أتريوس حبيبي من عند رب العالمين! 😭...
    ثم أحيه، دحين رح نخسر امتيازاتنا كقراء قدماء ونبقى نصيح زي الجدد عادي، مش مصدقة 😂.

    ايش فيه كمان؟ أظن دا كلشي 💖

    ردحذف
  34. انا مع فكرت اليومين في الاسبوع مع اني بحب الرواية و متحمسة للاحداث جدا مع ذلك هيبقى ظلم ليها موت لو جرينا في الاحداث و الفصول نزلت بسرعة هحس انها مخدتش وقتها و انها اتظلمت خالص فبجد هكون ممتنة جدا لو ادتيها وقتها حتى رغم اني قارئة قديمة و كنت مستنياها من ست سنين بردو بس ما ابغاها تتظلم و متخدش وقتها

    ردحذف
  35. ي اسراء مو قلتي الاحد والخميس عدا الاخد مانزل الفصل😅 ولا قصدك من الاسبوع الجاي؟

    ردحذف
  36. قاعدة عم بستنى البارت أحر من الجمر😭😭😭😭

    ردحذف
  37. متشوقة للبارت الجديد كل يوم ادخل المدونة على أمل الاقيه نزل

    ردحذف
  38. لذياده الحماس البارت هينزل النهرده 😭😭😭💃🏻

    ردحذف
  39. متى رح ينزل البارت؟؟ الي اسبوع بدخل شي عشرين مره باليوم بنتظره🥲🥺🥺🥺

    ردحذف
  40. وين البارت 😭😭😭😭😭 من لما دخل يوم الخميس وانا ادخل كل دقيقة اشوف وينه 😭 ذا اليوم اطول من اربعة السنين الى راحت 😭

    ردحذف
  41. ما توقعت اني راح ابكي منجد😞😞💔💔💔

    ردحذف
  42. مافي كلمات توصف شعوري حاليا او توصف الفصل.. بكتفي بالصمت هالمرة

    ردحذف
  43. هانت يشباب شكلها هتنزلها يوم الحد

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال