الفصل الخامس | تشابك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ♥"

إفصاح أخر:" أختر الصمت كفضيلة، لأنك بفضلة تسمع اخطاء الأخرين وتتجنب الوقوع فيها" ليوناردو دافنشي

 مساحة لذكر الله

***************************************************

 الفصل الخامس



أحيانًا يختلط علينا الواقع بالحلم، في بعض الأحيان نتذكر ذكرى بعيدة لكن نصبح غير متأكدين إن كانت حقًا ذكرى قد وقعت في وقت ما أو أنه مجرد حلم واقعي واختلط الأمر على عقلك.

أحيانًا، تغفو داخل الصف متمنيًا أن تحدث معجزة ما وينتهي اليوم الدراسي الذي قد بدء للتو، وفجأة ترى الأستاذ يقول يمكن للجميع العودة للمنزل لا دراسة اليوم، وما إن تفتح عينيك ومشاعر الفرح تكاد تنفجر داخلك تكتشف أنه حلم وأن الأستاذ مازال صوته يرن داخل أذنك بمعادلات الرياضيات المزعجة.

جميعنا تقريبًا مررنا بالكثير من الحالات المشابهة باختلاط الحلم بالحقيقة لكن... هذا مختلف.. مختلف بشكل مخيف، مخيف لدرجة تجعلني أرتعش لفكرة أني أرى شخصًا لا يراه غيري! من حق الجميع أن يظنوا أنني مجنونة لأنني بدأت الاعتقاد بذلك أيضًا.

فقط قبل قليل كنت أقف كالبلهاء أشير نحو اللاشيء! الطلاب ظنوا أنني جننت والنصف الآخر مع الأستاذ ظنوا أنني أريد إضافة بعض المزاح التافه للمحاضرة المملة.

لذلك لم أجد سوى أن أعتذر بصدق للأستاذ وأكذب قائلة أنني كنت أمزح، لكن ملامح وجهي لم تكن تمزح! ولم يظهر الأسف على وجهي الجامد.

لقد كنت ارتجف، فعليًا. يداي ترتجفان بشدة، لا أعلم إن كان الأستاذ قرر تجاهلي أو فقط ظنني أريد المزاح لكنه التفت لباقي الطلاب وأكمل شرحه.

رغم أن بعض الأشخاص مازالوا ينظرون نحوي ويتهامسون فيما بينهم لكن الموقف المحرج قد انتهى، وذلك الخيال لم ينته، أيّن يكن الشيء بجانبي هو مازال هناك بجواري يبحلق في وجهي مع ابتسامة عريضة، أنا لا أختلق وهمًا. لأنه من المستحيل للوهم أن يكون بهذا الوضوح هذا ليس فلمًا كرتونيًا، هناك شيء يجلس بجواري غير مرئي للجميع سواي.

ما الذي أقوله؟ شيء غير مرئي؟ أنا لا أؤمن بالأشباح لأنها غير موجودة، ما الذي أتفوه به؟

لابد أنني أهلكت نفسي كثيرًا، قلة النوم، التفكير الزائد، إنها تلك الألغاز اللعينة، لقد شُتِتَ عقلي وبدأت أهلوس مع تأثير الدوار والنعاس. كل ما أحتاج له هو قسط من النوم.

أقنعت نفسي أن تجاهل تلك الهلوسات سيجعلها تختفي، لكن لقد كان ذلك صعبًا كالجحيم، أربعين دقيقة كاملة جلست فيها وحولي شيء يطفو حرفيًا في الهواء وفي كل مكان!

يقفز فوق الطاولة، يحرك يده أمام وجهي، يصرخ بجوار أذني، يغني ويردد اسمي، يرقص ويحاول جذب انتباهي بكل طريقة يستطيع.

لقد بقيت جامدة، أنا حتى لا أشعر بأطرافي، لم أحرك عيني لثانية بعيدًا عن اللوح أمامي، لم أجرء على النظر نحوه لثانية. ولكني كنت على الحافة، حافة الصراخ والانهيار العصبي هنا والآن.

فقط إن فتحت فمي بكلمة واحدة سأصرخ وسأشتم بشكل سيء جدًا.

" ستتحولين لتمثال بكل تأكيد إن بقيتِ جامدة بهذا الشكل". وهم... ما هو إلا وهم، إن تصرفتِ على هذا الأساس فسيختفي "كل هذا الحديث عن أمراض القلب جعلني أشعر بأنني مصاب بأحدها، بينما قلبي لا ينبض حتى". انفجر في الضحك بعد جملته السخيفة، أيظن أمراض القلب شيء يمكن الاستهزاء به!

"أفهمتِ المزحة؟ أمراض القلب، وأنا لا أملك نبضًا، إنها مضحكة كيف لكِ ألا تبتسمي حتى!".

ربما لأنها سخيفة جدًا!

لا تتفاعلي مع جلنار، لا أحد يتفاعل مع اللاشيء.

اختفى من أمامي لأزفر بارتياح لكني ما لبثت حتى أجفلت بسبب خروج رأسه أمامي من خلال الطاولة الخشبية بابتسامة ضخمة "لما لا نهرب من هنا؟ سيكون هذا ممتعًا جدًا". لما لا ننهي حياتك الدراسية؟ هل هذا الشيء غبي؟

"تبًا، أنت مملة كيف تتحملين نفسك؟".

 لا أحد هنا! فقط أنا والأستاذ والطلاب ولا أحد آخر لا أحد آخــ...

" حسنًا سنتوقف هنا لليوم، لا تنسوا أريد أن يسلم الجميع تقريره الأسبوع المقبل".

لأول مرة في حياتي أشعر بهذا القدر من السعادة لانتهاء محاضرةً ما، فقط سماع الأستاذ يقول فلنتوقف هنا لليوم وأصوات الأحاديث الجانبية تتصاعد مع نهاية المحاضرة؛ جعلني أطلق أكبر ابتسامة سعادة قد رسمتها يومًا.

 لقد تم أُطلاق سراحي، سينتهي كل هذا. الآن يمكنني الذهاب للمنزل، للسرير، إلى النوم.

نهضت بسرعة ووضعت جميع حاجياتي داخل الحقيبة بشكل فوضوي وركضت للخارج "على مهلك المنزل لن يذهب لأي مكان". تجـــاهليـــه إنه ليس هنا إنه... "ما اللعنة؟". صحت عندما التفت لأجده يطفو في الهواء بجانبي وكأنه نائم براحة على ظهره ويديه متشابكتان خلف رأسه وينظر للسقف بابتسامة، التفت نحوي لتتسع ابتسامته "أنتِ تنظرين نحوي أخيرًا". التفت للجهة الأخرى وأكملت طريقي بسرعة متجاهلة صوته وهو ينادي اسمي.

تجاهل جسمٍ ما بحجم شخصٍ بالغ يطفوا حولك في الهواء، شيءٌ صعبٌ خاصةً الخوف الذي يتسلل إلى قلبي عندما تخطر على بالي فكرة أنه ليس هلوسة لقلة النوم لكن شيء حقيقي، حاولت إلقاء الأفكار المخيفة بعيدًا والاستمرار في التجاهل.

"جلنار". تجمدت عندما ركض نحوي المتملق مشيرًا بيده، فكرة الالتفات للجهة الأخرى والركض كانت مغرية، لكن ذلك الخيال يطفوا خلفي وهذا جعلني أتسمر في مكاني حتى توقف أمامي المتملق مع ابتسامة كبيرة على وجهه "لم تهربي اليوم؟" سأل بتعجب لأقابله بالصمت. لتتقلص ابتسامته قليلًا "هل مازلتِ تشعرين بالاضطراب بسبب قلة النوم؟ تعلمين أظن أن بعض العصائر الباردة قد تكون مفيدة أكثر من القهوة، حتى لا تفقدي الوعي".

 لما عليه أن يكون بهذا اللطف؟ لم أعتقد أن يكون المتملق يومًا بهذا الاهتمام! بدأت أشعر بالقليل من الذنب اتجاهه، أعني أنظروا إنه مهتم وأنا أهرب بعيدًا فقط بسبب الفتاتان اللتان تنمرتا عليّ في المكتبة! نظر بعيدًا قبل أن يفرك يديه ببعضهما ويحرك خصلات شعره، حركة جسده! إنه متوتر!

"آسف" اتسعت عيناي متفاجئة لنبرته الجدية واستطعت تمييز الأعين الفضولية والمترصدة من حولنا، أحد ما سيوصل الأخبار لفريونكا وصديقتيها.

"ما كان عليّ توريطك مع الفتيات من حولي، لو لم أجلس معكِ في ذلك الوقت وأكذب عليهن، كانت المشاكل ستظل بعيدة عنكِ، لقد كان تصرف غير ناضج وأحمق مني". هل حقًا يعتذر مني؟ المتملق! ماذا يحدث للعالم؟

"أوه الفتى العاطفي الجذاب، لحظة سأجلب الفُشار وبعض المناديل تحسبًا للدموع وسأشاهد نسخة حية من أفلام هوليود الرومانسية". تبًا لك وللنوم وللهلوسة، لا أحد يتحدث هنا سوى المتملق، لن أشتت تركيزي.

"أعلم أنكِ غاضبة مني وتستمرين في تغيير اتجاهك كلما رأيتني، وذلك يزعجني لسببٍ ما. لذلك توقفي عن فعل هذا، توقفي عن تجنبي". لماذا قد يشكل الأمر فرقًا بالنسبة له؟ ظننت أنه فقط يملئ وقت فراغه!

"هذا رومانسي جدًا، يا رجل أخرج خاتم الزواج الآن وأركع على ركبتيك وأخبرها أنك تريد أن تكمل حياتك معها".

عوضًا عن التركيز مع المتملق كل ما رأيته ذلك الطيف يقف أمام المتملق مواجهًا لي ويجلس على ركبتيه قائلًا: "هذا سيكون رومانسي صحيح؟" أغمضت عيناي قبل أن أرفعها نحو المتملق الذي ابتسم نحوي قائلًا "سامحتني؟" سأل بنظرة حذرة لكن قبل أن أنطق بشيء كان ذلك الطيف واقفًا أمام وجهه قائلا "هل تتزوجينني؟"

أيها الغبي، توقف واذهب للجحيم "هيا جلنار تزوجيه، تــزوجـــيه". ما لعنته مع الزواج؟ جلنار ركزي مع المتملق فقط "تزوجيه". تبًا أشعر بألم رأسي يصبح أكثر شدة "جلنار، تزوجي الفتى ذو العضلات". هذا كثير على أعصابي، ضغطت على أسناني بعصبيه وقبضت يدي، تمالكي أعصابك "جلنار، تزوجيه".

"جلنار، هل نحن جيدان الآن؟"

"اللـــــعنة، هــــذا يــــكفــــي". تنفست بقوه بينما أنظر بغضب نحو الشيء الشبه مرئي اللعين الذي نظر نحوي بعينين متسعة قبل أن يلتفت للخلف قائلًا "أوبس!" عقدت حاجباي لكن فهمت ما يرمي إليه لأنه ما ان ابتعد رأيت وجهه المتملق.

أتعلمون إن كان يمتلك وجهًا غاضبًا ربما لكان شعوري أقل من السيء بقليل، لكن نظرة الصدمة على وجهه التي تبدلت إلى إحراجٍ شديد حطمت داخلي شيئًا ما، الجميع كان حرفيًا ينظر نحوه في انتظار ردة فعله، لقد حاول الاعتذار لي أمام الجميع وأنا فقط... صرخت في وجهه... أمام الجميع.

نظر لوجهي لبرهة قبل أن ينظر لأي شيء حولي ما عداي، كان هذا فوق طاقتي للتحمل، امتلأت عيناي بالدموع وقضمت شفتي في محاولة في منع نفسي عن البكاء، لقد سببت احراجه أمام الجميع.

" أ- أنـ- أنا". أردت التبرير بشيءٍ ما رغم صوتي المختنق، أردت قول شيءٍ واحدٍ على الأقل، لكن كل ما فعلته هو تخطي جسده والركض خارجًا بسرعة، هو حتى لم ينادِ اسمي ككل مرة.

 ابتعدت عن الجامعة قدر الإمكان، أردت الذهاب إلى غرفتي والانفراد أسفل أغطية فراشي وحدي، لا بأس كل شيء سيكون بخير، فقط سأحتاج إلى النوم وبعدها سأحل كل شيء.

دخلت إلى المنزل الفارغ، ومازالت نظرة المتملق لا تغادر عقلي، التفت لأغلق باب المنزل لكني توقفت عندما رأيته يقف هناك أمام الباب، ذلك الطيف الغبي الأخرق ينظر نحوي بهدوء أتمنى أن تكون سعيدًا الآن، رغم أنه شيء لا وجود له، شيء قد أختلقه عقلي المتعب لكنني نظرت نحوه بكل ذرة غضب، قبل أن أغلق الباب بقوة. أنا الآن أوجه غضبي لعقلي، رائع مرحبًا بالاختلال العقلي.

صعدت لغرفتي وألقيت الحقيبة بإهمال، رميت جسدي فوق السرير بتعب، أشعر بالكسل حتى لأغير ملابسي وضعت الأغطية فوقي قبل أن أغلق عيني كان الطيف الأخرق يقف عند باب الغرفة ينظر نحوي دون أي حركة، لا بأس ما إن افتح عيناي سيكون قد اختفى وسيعود كل شيء لمجراه الطبيعي.

 لم أدرك أنني كنت أفكر مجددًا في المتملق حتى أغلقت عيناي وذهبت في نوم عميق، هذه المرة نوم بدون أي أحلام مزعجة أو غريبةٍ حتى.

...

رنة هاتفي، بدت بعيدة نوعًا ما ومنخفضة لكنها كانت كفيلة لإيقاظي أو ربما ساعات النوم كان كافية لجسدي وأكثر، بنعاس حاولت البحث عن الهاتف الذي لم يتوقف عن الرنين بجوار السرير لكنه لم يكن هناك، تذكرت انني لم أُخرج أي شيء من حقيبتي الملقية على الأرض.

مدت يدي بخمول لأسحب الحقيبة من فوق الأرضية الباردة وأخرج الهاتف الذي كاد يعمي عيني بسبب إضاءته، أجبت دون النظر إلى اسم المتصل لا أملك أرقام على هاتفي سوى أمي وأخوتي وبعض مدرسي الجامعة فحسب

"لما لا تجيبي على هاتفك من المرة الأولى؟ هل عليّ أن أقوم بالاتصال مئة مرة حتى تسمعي صوت هاتفك وتجيبين؟ وأين الغبيان الأخريان؟ لما لا يجيبان؟ هل قمت بابتياع هذه الهواتف لكم من أجل أن تتجاهلوا اتصالاتي؟"

لم أكن في حاجة لنظر لاسم المتصل لأعرف أنها أمي "كنت نائمة". أجبت بصوت ناعس لأتلقى الصمت قبل أن تجيب "منذ متى تنامين في هذا الوقت؟" دلكت رأسي الذي ضربه ألمٌ قوي ما إن حاولت النهوض وأجبت بصوت شبه مسموع "فقط أردت النوم، كيف هي رحلتك؟" سألت بما أنها لم تتصل أمس ربما اتصلت على لوش أولًا.

"أحاول الانتهاء من العمل هنا بسرعة حتى أعود". أجابت بتنهد، مددت يدي أقوم بتشغيل الإضاءة الصفراء بجوار سريري "لا تجهدي نفسك وخذي وقتك كل شيء بخير هنا". قلت حتى تتوقف عن القلق، في الحقيقة لم أرَ أيًا من لوش ولوريندا سوى فجر اليوم لدقيقتين وطيلة اليوم أحبس نفسي داخل غرفتي لكن المنزل نظيف والوجبات السريعة موجودة إنهما بخير على الأرجح.

"جلنار، هل أنتِ بخير؟" تجمدت بسبب نبرتها الجادة قبل أن أرسم ابتسامة كاذبة وكأنها تراني وقلت بصوت حاولت جعله ضاحكًا "لا، من سيبقى مع هذين الهمجيين وسيكون بخير". صمتت أمي لثواني قبل أن تقول "تعلمين أن بإمكانك إخباري بأي شيء يزعجك صغيرتي صحيح؟" ابتسامتي سقطت تدريجيًا وأردت فقط قول كل شيء يحدث معي لها.

أخذت نفسًا وقلت مبتسمة "كل شيء على ما يرام، فقط عودي بسرعة لأننا نشتاق لطعامك". ضحك كلانا وقد تحسن مزاجي قليلًا.

لا أحب كيف تحمل كل المسؤولية على كتفها، أن تكون أمًا أرملة فهي دائمًا تشعر أنها مدينه لنا، لذلك لا بأس بتحمل مشاكلي لوحدي، سيكون كل شيء بخير.

"لا تقلقِ أمي، سأعتني بالأحمقين هنا جيدًا، أنهي عملك براحة بال". كان يمكنني رؤية ابتسامتها من هنا بينما تقول "شكرًا لكِ صغيرتي، أنتِ الأفضل".

 بعد وداعٍ صغير أنهيت المكالمة مع أمي ونظرت للجدار بفراغ.

أسقطت الهاتف بجواري قبل أن تسقط الابتسامة المصطنعة من على وجهي، فقط مجرد التفكير بالجهد الذي تبذله أمي وكل ذلك التعب رغم ابتسامتها، يجب أن أضحك وابتسم لأخبرها أن كل شيء بخير، لا يجب أن أُحَمِلها بمشاكلي أيضًا.

أخوتي يكفيان وعملها يكفيها، لست صغيرة، سأتحمل مشاكلي وحدي، لحظة بالحديث عن المشاكل؟

قفزت فوق السرير لأفتح اضاءة الغرفة كاملة تفحصت عيناي كل شبر فيها، فارغة.. ركضت نحو الأسفل بسرعة مسحت المنزل كله، لا وجود لطيفٍ غريب.

لقد اختفى!

لقد كانت مجرد هلوسة، ركضت نحو غُرَف أخوتي أبحث داخلها متجاهلة نظراتهما المتعجبة نحوي، لا أحد.

عدت لغرفتي بابتسامة كبيرة قبل ان ألقي بنفسي فوق السرير، "لقد كانت هلوسة، مجرد هلوسة!" صرخت بسعادة قبل أن أنهض فوق السرير وأقفز بسعادة، لقد كانت من صنع عقلي لأنني لم أحظ بنوم كافي حمدًا لله " لما تبدين بهذه السعادة؟"

ضحكت قبل أن أقول "لأن الهلوسة قد اختفت لا وجود لطيف وسيم مزعج بعد الان". ضحكت بسعادة قبل أن اتوقف عن القفز وأنظر إلى لو.. هذا ليس لوش!

"لا أعلم إن كان علي أن أكون سعيدًا لكلمة وسيم أو غاضبٍ من كلمة مزعج؟" هذا مستحيل! " لقد حظيت بقسط كافي من النوم، لماذا مازلت هنا؟" جلست فوق السرير بصدمة، إنه هلوسة لماذا إذا مازال موجود؟

"ما علاقة النوم بي؟" سأل بتعجب لكني تجاهلته أنظر نحو يدي، وفجأة عادت لذاكرتي كل ما حدث اليوم منذ بداية إحراجي نفسي أمام جميع التلاميذ والأستاذ بسببه حتى صراخي على المتملق أمام الجميع بسببه أيضًا، أصبحت الرؤية مشوشة والدموع أصبحت تملأ عيني، لقد صرخت على شخص حاول الاعتذار مني وتركته خلفي وتجاهلته فقط لأتخلص من طيف غبي والنوم.

"جلنار، هل تريدين سيقان الدجاج مع الجــ..". توقف اخي عن الحديث ما إن رفعت رأسي نحوه "هل أنتِ بخير؟" سأل وقد تغيرت نظرته إلى أخرى جدية.

هل أنا كذلك؟ لقد قلت أن كل شيء سيكون بخير لكن لا شيء يتحسن "هل تبكين؟" سأل متفاجئًا بسبب الدموع التي سالت فوق خدي واحدة خلف الأخرى، وكأنني أعطيت لنفسي البطاقة الخضراء، انفجرت في البكاء بقوة، لم اعد أتحمل فقط أردت البكاء لحظي السيء.

توقعت من أخي أن يغلق باب غرفتي ويذهب أو حتى ان يقف دون أن يفعل شيء لكنه فاجئني عندما تقدم نحوي قبل أن يجلس بجواري ويحتضن جسدي نحوه، لذلك بكائي قد ازداد بينما هو فقط يحتضنني بصمت ويربت على كتفي، أخبرته بكل شيء، هو لم يفهم كلمة مما قلت لأنني كنت أبكي أكثر مما كنت أتحدث، لكنه لم يوقفني ولم يسألني عن أي شيء فقط ظل يستمع لحديثي غير المفهوم.

ربما هذا كان كل ما أحتاج إليه، شخص يستمع دون أن يعلق فقط يستمع حتى أستطيع إخراج جميع تلك الأفكار الفوضوية خارج رأسي ثم اقوم بإعادة ترتيبها مجددًا، عندما هدأت قليلًا شعرت بقليل من الراحة، ناولني لوش منديلًا آخر يليه كأس ماء، لا أتذكر آخر مرة كان لوش مراعيًا هكذا؟

"والآن هل هدئتِ؟" سأل لأومئ بنعم بينما أمسح أنفي ووجهي "بما أنكِ هدئتِ هل يمكنني أن أسأل شيئًا؟" عقدت حاجباي قبل أن أومئ مجددًا بتعجب "هل أنتِ تبكين بسبب رجل؟" نظرت نحوه بعدم فهم لمدة ليقول: "إن كان رجلًا فسأجعله يبتلع أسنانه اليوم".

في الواقع أخي كان جديًا، جديًا جدًا بالنسبة لشخص قد أخذ حياته بالكامل على شكل مزحة، لكنني ضحكت، لا أعلم هل ضحكت لأنني ظننت أن جدية لوش المفاجئة مضحكة أم لأنني تخيلته يخنق المتملق وأنا سبب المشكلة، أم ربما... ربما أنني قد نسيت كيف يكون شعور الأمان، أن أحدهم يقف خلف ظهرك وهو مستعد أن يحميكِ من أي خطر حولكِ؟

نظر نحوي بيأس "انا جاد، لا أمزح". توقفت عن الضحك لكن ابتسامتي لم تختفِ "لحظة، لا تقولي لي...!" نظرت نحوه مجددًا ليحرك شعره ببعض الإحراج قائلًا: "هل أنا ولوريندا سبب بكائك؟ أعني أنتِ تتحملين المسؤولية فجأة وفقط أنا-- أنا عديم المسؤولية ولوريندا أيضًا. هل حملّناكِ فوق طاقتكِ؟  أ-أنا آسف تعلمين لقد حاولت تنظيف المكان غالبًا لأنكِ بدوتِ منهكة، ولم أحضر أي من أصدقائي للمنزل و-".

صمت قليلًا قبل أن يقول بصوتٍ أعلى "حتى لوريندا، حاولت ألا تخرج كثيرًا مع صديقتها حتى لا تشعرِ بالقلق وتنتبه لدراستها، هل أزعجناكِ ربما فعلنا شيئًا لم نقصد فعله؟ تعلمين ليس ذنبكِ أنكِ تملكين أخوين احمقين. آسف إن كنا-" قاطعته بسرعة "أنتما رائعان".

بينما كنت منشغلة بنفسي، ظننت أن الأمور بخير فقط لأنه أول يومان من ذهاب أمي، لم ألحظ حتى الجهد الذي بذلاه حتى لا أشعر بالضغط، كنت أظن أنني الوحيدة المراعية. لكني أنانية جدًا لم أنظر لهما حتى، لقد حاولا أمس الطرق على غرفتي أكثر من مرة لأتناول الطعام حتى أنهما نظفا المنزل وكل ما فعلته هو إغلاق غرفتي وحبس نفسي والتذمر كطفلة.

"أنتما أفضل أخوين قد أحصل عليهما". قلت مجددًا مع ابتسامة امتنان نحو لوش "أنا لم أشعر بأي ضغط أبدًا وأنتما لم تقترفان أي خطأ". عقد حاجبيه قبل أن يقول: "إذا يمكنني أن أقول أن السبب رجلٌ لعين؟" ضحكت بخفة قبل أن أومئ. أنا بالفعل أبكي بسبب المتملق، لكن لأنني المخطئة وليس هو "أخبريني فقط باسمه، لن يتنفس لساعة أخرى".

 واو هذا عدائي جدًا، إنه يبدو غاضبًا "أنا المخطئة وليس هو". قلت ليرفع حاجبًا نحوي "هذا ليس مبررًا، وحتى وإن كنتِ المخطئة، من واللعنة يظن نفسه حتى يجعلكِ تبكين؟"

توقف قبل أن ينظر نحوي بصدمة " لحظة تملكين حبيبًا؟ منذ متى؟ لما لم تخبريني؟" دحرجت عيناي قبل أن أصفع رأسه بخفة "هو ليس حبيب، زميل". قلت لينظر نحوي بشك "مستحيل أن تبكِ بسبب 'زميل' ". قال وهو ينصص كلمة زميل بأصابعه "إما إنه حبيب أو صديق". قال لأزفر "حسنًا ربما صديق". قلت ليبتسم برضى أكثر "وماذا حدث مع هذا الصديق؟" سأل لأزم شفتاي وأضم قدماي لصدري بينما نظرة الإحراج التي رسمها المتملق تعود لعقلي.

"لقد حاول الاعتذار"؟ قلت وأنا أنظر بعيدًا " لقد كان يحاول التحدث معي لكن أنا.". صمت للحظة ليبتسم لوش ويكمل عني ويقول "ولكنكِ كنتِ تهربين منه". أومئت ونظرت للوش قائلة: "لذلك حاول الاعتذار مني أمام الجميع، لكني فقط صرخت عليه".

قلت وأنا أشعر أنني سأبكي مجددًا وضعت رأسي بين يدي قبل أن أبدأ بتأنيب نفسي مجددًا "أنا فظيعة، لقد صرخت عليه أمام الجميع رغم انه فقط كان يعتذر بأدب، ثم دون أن أفسر تركته مع ذلك الموقف المحرج الذي وضعته فيه وذهبت بعيدًا". شعرت بيد لوش توضع فوق كتفي قبل أن أرفع رأسي نحوه.

فورًا حاوطتني ابتسامته الدافئة "ولما صرختِ عليه؟" سأل لتنتقل عيناي بنظرةٍ سريعةٍ نحو زاوية الغرفة، حيث يقف السبب الأول الذي جعلني أصرخ على المتملق وأنفجر بالبكاء وأشعر بالضغط. حيث يقف ذلك الشبح ناظرًا نحو كل من أخي وأنا بهدوء وملامح غير مقروءة، لا يمكنني إخبارك لوش بالسبب لأنه في الثانية التالية التي أخبره أنني أردت أن أصرخ على شبحٍ مزعج وليس المتملق، سيتركني ويخرج من الغرفة.

" لقد كنت متعبة ولم أحصل على نومٍ كافي، لذلك صرخت في لحظة دون أن أدرك أنه يحاول الاعتذار إليّ". بررت بكذبة ليزم شفتيه بتفكير قبل أن يعيد النظر نحوي ويسأل "هل حاول في المقابل إحراجك أمام الجميع، أو قام باللحاق بكِ غاضبًا؟"

بالتفكير في الأمر، المتملق هو ملك المواقف المحرجة، يستطيع بوقاحته جعل أي أحد في موقف محرج خلال ثانية، كان يمكنه في لحظة صراخي عليه أن يردها حتى لا يتعرض للإحراج ويقلب الطاولة ضدي.

هو أيضًا لم يلحق بي كالعادة ليصرخ عليّ غاضبًا أو أن يشعرني ولو بقليل أنه غاضب، لماذا لم يفعل؟ " إنه متفهم، كما أنه لم يرد جرحك وإحراجك أمام الجميع رغم أنكِ فعلتِ ذلك، أنتِ صديقة مهمة له". شكرًا وكأنني أحتاج لسببٍ إضافيٍ ليكبر شعور الذنب بداخلي.

لاحظ لوش ملامح وجهي التي تبدلت فورًا ليربت فوق رأسي " ليس عليكِ الشعور بالذنب، كل ما عليكِ فعله هو الاعتذار له وتوضيح سبب صراخك في وجهه أنا متأكد أنه سيسامحكِ". إجابة لوش جعلت ذلك الشعور الكئيب الذي يقبض على قلبي يختفي تدريجيًا "وإن لم يسامحكِ يمكنك إخباري وقبضتي ستجبره على مسامحتكِ" قال ببساطة لأدحرج عيناي مع ابتسامة صغيرة.

هل كان الأمر بسيطًا لهذه الدرجة؟ هل أنا فقط من كانت تعقد الأمور؟ ربما لأن عقلي كان يضج بالكثير من الأفكار دفعة واحدة لم أستطع إيجاد الحل وحدي، كان عليّ تصفية عقلي بهدوء أولًا.

"فكري في الاعتذار منه غدًا وأنا متأكد أن كل شيء سيكون بخير". قال لأومئ بعزم "أوه تجتمعان بدوني، خونة". التفت كِلانا نحو لوريندا التي تقف عند الباب، التي جمعت شعرها الطويل بشكل مهمل وترتدي نظارة النظر خاصتها التي لا ترتديها إلا للدراسة، لحظة هل كانت تدرس؟

"واو أنفك ووجنتيك حمراوين بالكامل هذا إن تغاضينا عن عينيكِ أيضًا، ماذا يحدث؟" قالت وهي تقترب نحونا "هل كنتِ تدرسين؟" سألت بينما التف حول سؤالها دون إجابة، توترت بينما نظرت بعيدًا

"الأمر فقط أن أمي ليست هنا حتى تذكرني بأنه عليّ الانتهاء من واجباتي... فقط تعلمين، أنتِ أيضًا تحتاجين وقتكِ للدراسة. أن تشغلي نفسكِ بتذكيري بالدراسة- تعلمين ذلك فقط سيكون غير مريح و-".

تذكرت ما قاله لوش، كلاهما يبذل جهده، لوريندا من الصعب أن تعترف كلوش لذلك أخرجت صيحة يأسٍ وهي تقول " فقط أنهي واجبي، هل هناك خطب في هذا؟" نعم هكذا تعود للوريندا التي أعرفها.

ضحك كل منا لتدحرج عينيها، نكش لوش شعرها بلطف لتتذمر وهي تحاول ألا تضحك" فقط لا تشغلي بالكِ كثيرًا بنا أنتِ لست والدتنا، كُلًا منا بالغ ويمكنه الاعتماد على نفسه". قالت بسرعة ووجهها يكتسيه الحمرة، تبدو لطيفة الآن، سحبت ذراعها لأحتضن جسدها بخفة وأنا أضحك لتحاول الإفلات بتذمر لكنها تمنع ضحكتها من الإفلات، ضحك لوش قبل أن يلف ذراعيه حول كل منّا يضغط جسدينا نحوه.

وكأن الضغط والثقل على كتفاي قد اختفيا، كلاهما قاما بالتخفيف عني بدون أن يدركا، ظننت أن لا أحد يهتم ولا أحد يستطيع فهمي وقمت بوضع كل الخطأ عليهم، كيف لهما أن يعرفا ما أمر به ما لم أظهر أنني بحاجة إليهم؟ هم أيضًا يمتلكون مشاكلهم، هل يجب عليهم أيضًا معرفة المشاعر الخفية؟ لقد تعلمت ان لا ألوم أحدهم على عدم الاهتمام ما لم أظهر أنني أحتاج له.

لا إراديًا انتقلت عيناي لزاوية الغرفة حيث يقف ذلك الشيء، لكنه اختفى؟ ليس موجود؟ هذا غريب! ابتعد كل من لوش ولوريندا قبل أن تتذمر لوريندا من عاطفتنا المفاجئة وتذهب وهي تحاول تعديل شعرها، نهض لوش قبل أن يقول "سأطلب بعض الدجاج والبيرة، هل تريدين البعض؟" ابتسمت قبل أن أومئ بنعم ليبتسم ويخرج يبحث عن هاتفه ليطلب الطعام.

تنهدت براحة، فقط أشعر بأن كل شيء سيكون بخير فجأة. يمكنني إصلاح كل شيء غدًا، نهضت متجهة إلى المرحاض، نظرت للمرأة لقد كان أنفي وعيناي محمرتان حتى وجنتاي كانتا كذلك كما قالت لوريندا، غسلت وجهي بالماء أكثر من مرة، ثم رفعت رأسي للمرآه مجددًا.

 صرخة فزع خرجت من شفتاي عندما رأيته يقف خلفي مستندًا على الحائط ويديه متكتفتان فوق صدره، ينظر نحوي بشبه ابتسامة، بسرعة نظرت بعيدًا بينما عاد قلبي ينبض بقوة، ما هو هذا الشيء؟ أنا أشعر بالخوف لمجرد وقوفنا في المكان ذاته دون وجود أحدٍ آخر معنا.

هل هو شيطان ما وقد تلبس جسدي؟ " أنا لست بشيطانٍ بالمناسبة". اتسعت عيناي قبل أن ألتفت نحوه وأصيح "هل تقرأ الأفكار أيضًا؟" اتسعت عيناه بصدمة، بالتفكير في الأمر أنا لم أتحدث معه بعد تلك المرة في المحاضرة عندما ظننته طالب، انفجر ضاحكًا في الثانية التالية ممسكًا بمعدته "أنتِ مضحكة جدًا!" قال بنفس مقطوع قبل أن يتوقف عن الضحك ويترك ابتسامة واسعة على وجهه.

 تجاهليه فحسب، ربما هو شبح ما، هل عليّ طلب المساعدة من قسيس أو أحد ما؟ تبًا، لا تفكري هو يقرأ أفكاركِ، زممت شفتاي وحاولت بشدة السيطرة على أفكاري "لا تقلقي يا ذات الخيال الواسع، أنا لا أقرءُ الأفكار، الأمر فقط أنه من الطبيعي أن يفكر الإنسان بهذه الأشياء عندما يوضع في موقف كموقفكِ" بالرغم أنني لا أنظر إليه لكنني تنهد براحة، أكره أن يتلصص أحدهم على أفكاري، ما بالكِ أن يعرفها كلها.

"كل ما تقومين به هو تجاهلي لكن رغم ذلك تعابيركِ تتفاعل جدًا مع ما أقول، ألا ترين أن خطتكِ في تجاهلي فشلت؟ لذلك تحدثي معي بشكل طبيعي لأنني أعلم أنكِ تستطيعين رؤيتي".

لا أريد، أعلم أنني فشلت بجدارة في التظاهر لكن من الصعب التظاهر أنك لا ترى شيئًا بحجم إنسان يخرج من كل مكان فجأة، لكن مازالت لا أريد التحدث معه، فقط حينها سأكون قد جننت رسميًا "جلنار لقد وصل الطعام". صُرَاخ لوش قطع الصمت، في هذه اللحظة، هذا ما كنت أحتاجه شخصٌ ما يخرجني من هذا الموقف الغبي مع شيءٍ شبه مرئي.

 تجاهلت وجوده مجددًا متجهة إلى غرفة المعيشة لأسمع تنهده من خلفي " تعلمين أنني لن أستسلم، أنتِ الشخص الوحيد القادر على رؤيتي، سأظل أتبعكِ وحسب حتى تقرري متى علينا التحدث". هل أنا فقط من تمتلك إحساس أن هذا الشيء لزجٌ وصبور لدرجة غير معقولة؟

قضيت باقي اليوم مع كل من لوش ولوريندا بمشاهدة أحد أفلام الأكشن الكوميدي وتناول الدجاج والبيرة التي لم تقترب منها لوريندا رغم توسلاتها اللانهائية، مازالت تحت السن المسموح به لتناول الكحوليات.

لا تنظروا بهذه الطريقة، أنا لا أشرب الكحوليات إنها مخففة بشكل كبير لذلك نسبة الكحول شبه معدومة بها.

بعد انتهاء هذا التجمع اللطيف نهض كل من الاثنين للنوم بما أن النعاس غلبهما، ولكنني قضيت أغلب يومي نائمة لذلك بقيت أنظف المكان وبعض الرعب كان يحوم حولي، فذلك الشبح مازال هناك مستلقي فوق الأريكة يراقبني بصمت، كان الأمر أفضل عند وجود أحدهم حولي.

لكن الآن أنا وروح مخيفة والليل الهادئ، لحظة! ألا يبدو الأمر كفلم رعب مبتذل؟

"كِلَانا يشعر بالملل، لما لا نتحدث؟"

أغمضت عيناي في محاولة لضبط نفسي والاستمرار في تجاهله "حسنًا يمكنك فقط الاستماع لي، لا يجب أن تتحدثي!" قال لأدحرج عيناي متى سيعرف أنه مزعج؟

"لديكِ عائلة لطيفة، تعلمين!" حسنًا ربما هم أحيانًا مزعجين لكنهم يظلون الأفضل في حياتي "لا أتذكر إن كنت أملك عائلة أو لا، عندما رأيتكم معًا تمنيت وجود عائلة بلطف عائلتكِ لكن أدركت أنني لا أملك واحدة".

توقفت لوهلة عن جمع علب البيرة، حسنًا هذا نوعًا ما قاسي، أردف بعدها " لذلك، ربما سأكون شاكرًا إن كنت أملك واحدة، لا يهم إن كانت لطيفة أو لا لكن، عائلة تكفي".

ألم يكن يملك عائلةً في الماضي؟ لحظة! هل كان بشريًا أصلًا ثم مات؟ أم أنه خُلق هكذا مجرد شبح بلا عائلة؟ في الواقع كلا الأمرين قاسٍ جدًا.

"لكن، أنا راضٍ نوعًا ما، ليس من السهل أن تجد نفسك فجأة تتجول بين الآخرين ولا أحد يراك أو يسمعك أو حتى يتصرف وكأنك موجود، كان صعبًا، رغم أن الجميع حولي لكني شعرت أنني وحدي بلا أحد فقط أنا وأشخاص لا يسمعون صوتي ولا يرونني، كنت يائس لكن..". توقف قبل أن يكمل

" قررت أن هذه نعمة، سأفعل كل شيء أريده فلا أحد يراني، يمكنني التجول بحرية، حتى أنه يمكنني الطفو في الهواء، يمكنني أصرخ دون أن إزعاج أحدهم الركض بحرية كالمجنون في الأماكن العامة الدخول للأماكن الممنوعة، كالخاصة بالموظفين فقط والمناطق الحكومية".

هذا يبدو ممتعًا نوعًا ما، لكن يبدو أنه كان بشريًا في السابق، فقط من طريقة حديثه عن الأمور الممنوعة علينا نحن البشر يبدو أنه كان بشريًا لا شبحًا "تعلمين قررت الطفو حول العالم، خططت لكل شيء حتى.. ". توقف للحظات قبل أن يقهقه بخفة ويقول: "حتى ظهرتِ أنتِ".

حسنًا يكفي إلى هنا لا أريد معرفة البقية، حتى ظهرت أنا وأصبحت حياتي مأساة بسببك.

تحركت بعيدًا نحو غرفتي، لدي تقرير عليّ إكماله وتسليمه غدًا للبرفسور، يكفينا استماعًا للأرواح "أنتِ لا تريدين الاستماع للجزء الخاص بكِ من القصة!" نبرة الاستمتاع واضحة في صوته مما استفزني كثيرًا، لكني تجاهلت الأمر "حسنًا حسنًا، لا بأس هل ستذهبين للنوم؟ تعلمين من الممل أن أبقى مستيقظًا وحدي" ألا تنام الأرواح؟ لا اعلم لم أكن مقتنعة كثيرًا أن الأرواح تتجول بعد موتها، لقد رفضت الفكرة تمامًا لأنها وبكل وضوح لا تمتلك أي منطقية، ما الفائدة أن تتجول الروح في الأرض بعد الموت؟

 لكن هذا المزعج بدأ يزعزع أفكاري الآن، قرأت الكثير عن الأرواح المتجولة بعد الموت، بعضهم قالوا إنها تتذكر كل ما حدث في حياتها والبعض الآخر نفوا الأمر وقالوا إنها فقط تتذكر آخر لحظة في حياتها وأن بقائها على الأرض هو فقط بسبب مشاعر قوية ورغبة كبيرة في عدم الذهاب.

 ربما مشاعر كرهٍ لأحدهم أو الرغبة في الانتقام من شخص ما، أو مشاعر محبة لشخص ما كالأم لأولادها أو حتى عشيقان، الأمر متعلق بالمشاعر، رغم هذا لست مقتنعة كثيرًا بالأمر، عندما تموت لا يهم أي شيء آخر على الأرض لأنك قد مت أنت ذاهب لشيء جديد... حياة جديدة، لما على روحك الانتظار على الأرض؟

 ما الفائدة من الموت وفقدان جسدك إذًا؟

 أنا فقط لم أجد الأمر مقنعًا أبدًا لذلك أنا أمام استنتاجين..

 إما أن هذا الشخص روح وأنا كنت مخطئة بطريقةٍ ما، أو أنني جننت وبدأت أرى أشياء لدرجة حقيقية وهي غير موجودة في الواقع.

 بالرغم أن الافتراض الأول سيثبت أنني مخطئة وأن الأمر مرعب، فقط روح ميتة تتجول حولك هذا مفزع، لكنه أفضل بكثير من الافتراض الثاني! من سيريد أن يثبت لنفسه أنه قد جن؟ لا أريد أن ينتهي بي الأمر داخل أحد المصحات النفسية.

 ظللت أنهي تقريري وهو فقط يطفو في الأرجاء ويدندن بألحان غريبة، الأمر لم يزعجني كثيرًا، لم أشعر بالوحدة كما يحدث غالبًا، لكنه مازال غير طبيعيٍ بالمرة.

 حاولت تمديد عضلات ذراعي وأنا أتثاءب، لقد انتهيت أخيرًا نظرت نحو ساعة هاتفي، إنها الواحدة بعد منتصف الليل، نهضت من فوق المكتب مباشرة نحو فراشي المريح، سأستيقظ في التاسعة صباحًا لذلك من الأفضل ألا أبقى مستيقظة وإلا سيكون الأمر كارثيًا مجددًا.

 توقفت لوهلة وأرسلت نظرة سريعة نحوه، يمكننا التغاضي عن اليوم كله لكن أن يراقبني أحدهم ويبقى حولي بينما أنا نائمة ليس مريحًا أبدًا، ربما حتى لن أستطيع النوم، كان واقفًا أمام النافذة المغلقة ينظر للخارج، اللعنة لا أريد التحدث معه.

 التفت نحوي لأبعد عيناي بسرعة ويمكنني التخمين أنه يمتلك ذلك التعبير الذي يقول - لقد أمسكتك متلبسة –

 والآن ماذا؟

 لن أذهب للنوم وهنالك رجل في غرفتي! حتى وإن كان روحًا يظل هذا محرجًا وغير مريح على الإطلاق.

 "أوه، آسف تريدين النوم؟" حمدًا لله حتى الأرواح يمكنها الملاحظة "لكنك لم تطلبي مني الخروج، ربما لا بأس معكِ في بقائي". تبًا لك "لا بأس معكِ أن تنامي وهناك رجل داخل غرفتكِ صحيح في الُنهاية أنا لست بشري". إنه يدفعني للتحدث، لن أفعل أبدًا.

 "رائع يبدو أنكِ ستقضين باقي الليل مستيقظة معي" أنا أُجاهد حتى لا أغلق عيناي الآن أيها الأحمق، نهضت من مكاني قبل أن أفتح باب غرفتي دون النظر نحوه، نعم يا غبي هذا معناه 'أذهب للخارج'.

 "أوه الباب يبدو جميلًا، أعجبني لونه أيضًا" ذلك الفاسق، إنه يتعمد التظاهر بالغباء.

 استنشقت نفسًا بغضب وجلست بجوار الباب، لن أتزحزح حتى يخرج، إن كان عنيدًا فأنا سيدة العناد "هل حقًا ستبقين هكذا طيلة الليل؟" تثاءبت لمجرد التفكير بالبقاء مستيقظة، لكنني لن استسلم أنا لن أنظر نحوه حتى "أنتِ لن تتحملي لنصف ساعة". قال مجددًا لكنني تجاهلته.

"تبًا". هسهس قبل أن يتنهد ويتحرك نحو الباب، لذلك فورًا ابتعدت عن الباب، لا أحبذ فكرة البقاء على مقربة منه "أنا لست عدوى مميتة". قال بانزعاج قبل أن يخرج وأدفع الباب بأطراف قدمي ليُغلق "بالمناسبة يمكنني العبور من خلال الباب دون الحاجة لفتحه". صرخ من الخارج بتذمر، لا يمكنني الإنكار أنني حاولت عدم الابتسام، أنه ظريف نوعًا ما.

حسنًا كنت قلقة بسبب تلك الجملة، ولكن سلب النوم كل إرادتي وأفكاري.

 ...


 على غير العادة استيقظت في اليوم التالي بنشاط، ربما فكرة أنني سأكون قادرة على حل الخلاف مع المتملق تجعلني نشيطة نوعًا ما، لكني لا أزال أشعر ببعض التوتر، ماذا إن رفض؟ ماذا لو لم يوافق على التحدث معي؟

 حاولت بجهد نفض تلك الأفكار بعيدًا، حصلت على جملة تشجيعية من أخي لوش عندما لاحظ شرودي المبالغ به قبل أن أنطلق إلى الجامعة.

 وبالحديث عن يوم أمس تلك الروح كانت تركض في الحديقة خلف أحد الفراشات كالأحمق، لكنه ما إن رآني أخرج، التفت نحوي وركض وهو يصرخ: "صباح الخير". تجاهلته كالعادة وأخذت خطواتي إلى الجامعة، إنها العاشرة والربع تقريبًا لدي محاضرة في الحادية عشر تمامًا، أملك وقتًا طويل للاعتذار.

 "إذا، ستقومين بالاعتذار من ذلك الفتى؟" أوه، أحذر من كان السبب في الخلاف منذ البداية؟

 "شقيقكِ رغم أنه يبدو كالأبله لكنه يقدم نصائح جيدة". إنه محق نوعًا ما لكن تظل حماقة لوش جزءً من شخصيته التي أحبها "على كلٍ، أنا آسف!" توقفت لوهله، لما يعتذر؟ زفرت مدحرجة عيني قبل أن أكمل طريقي وهو يسير بجواري.

 "تعلمين! أمس صرختِ على صديقكِ ذاك بسببي، لقد كنت سعيدًا نوعًا ما لأنكِ كنتِ قادرة على رؤيتي والتحدث معي، ولذلك لقد فقدت السيطرة على أفعالي قليلًا".

 عندما أضع نفسي في حذائه، نوعًا يبدو وكأنه معذور على أفعاله، ألن يكون من الصعب العيش بينما لا يراك أحد؟

 على الرغم من أنني أحيانًا كثيرة تمنيت ألا يراني الآخرون، فقط كما لا أراهم لكن اكتشفت أنه كلما عاملت الآخرون على أنهم غير مرئيين ستزداد رغبتهم في تحويل حياتك لجحيم حتى تعترف بوجودهم.

 ما إن خطت قدمي داخل الساحة الخارجية لقسمي، استطعت التقاط الكثير من الهمسات من حولي والنظرات المتطفلة، بالطبع! لا يمكن للجميع فقط الاهتمام بحياته الخاصة، يظن الآخرون أن من حقهم أيضًا الاهتمام بحياة الآخرين أكثر من حياتهم.

 ركزي جلنار، كل ما عليكِ فعله إيجاد المتملق، الاعتذار، وكل شيء سيعود لنصبه الصحيح.

 "أنتِ تمزحين، صحيح؟ لن تذهبي للاعتذار من شخص بيدين فارغة، هدية اعتذار ربما ستظهر كم تحاولين بجد، صحيح؟" توقفت لوهلة، هدية اعتذار! لما لم أفكر بهذا من قبل؟ لكنني لا يمكنني التفكير في شيء مناسب الآن، أنا حتى لا اعلم ما الذي يفضله المتملق غير المواعدة؟

 "لا تعقدي الأمر، نحن الذكور في العادة لا نفكر في هدايا مكلفة، فقط شيء بسيط لكن ذو معنى". قال مجددًا لأعقد حاجبي، شيء بسيط، ما الذي قد يكون.. لحظة لقد عرفت.

 ابتسمت بشدة قبل أن التفت للجهة الأخرى وأركض بسرعة للجهة المعاكسة، وضعت المال داخل الآلة وأمسكت بالكأسين ووضعتهما داخل الحامل الذي يتسع لهما واتجهت إلى مبنى الجامعة "واو كأسين من الكاكاو! هذا شيء لطيف ومناسب للأجواء الباردة". قال مصفقًا لأبتسم لتفكيري، ربما هذا الشيء الوحيد المشترك بيني وبين المتملق، الكاكاو الساخن، لاحظت دائما أنه يملك كوب للكاكاو أينما ذهب، ويبدو سعيدًا جدًا عندما يشرب كأس منها.

 لا يمكنني لومه أنه أفضل مشروب لي، ظننت أنني سأتوقف عن حبه ما إن أصبح أكبر عمرًا لكنني لم أتوقف أبدًا عن حب الكاكاو.

 التوجه إلى خزانته ستكون فكرة جيدة ربما يكون هناك..

 "هل سمعتي؟ لقد صرخت إحداهن في وجه ديفيد يوم أمس". أحد الهمسات بجواري كانت مسموعة "ألهذا يبدو منزعجًا اليوم؟" منزعج؟ وكأنني أحتاج لشيء أخر ليجعلني أشعر بالتوتر "هل رأيتِ وجهه؟ كيف يمكنها الصراخ عليه؟ فقط إن عرفت من تكون لصفعتها لحماقتها". لا أريد الاستماع لباقي المحادثة حفاظًا على شجاعتي المتبقية.

 ليس فقط المتملق هو الغاضب لكن معجباته غاضبات ولا أحد يلومهن، نظرت إلى الكأسين ونوعًا ما شعرت أن ذلك التفاؤل يختفِ ويستبدل بالخوف "ما الذي تفعلينه بوقوفك كالحمقاء؟" رمشت عندما وقف أمامي الروح الغريبة مع نظرةٍ غاضبة "لقد ابتعت كوب من الكاكاو له أيضًا، هل ستسلمين بسبب محادثة حمقاء؟".

 التفتُ بعيدًا عنه، لا أريد النظر نحوه " إن لم تذهبي للاعتذار الآن سأقوم بإزعاجك لبقية اليوم". هل يقوم بتشجعي الآن؟ أخبرتكم أن جزءً منه ظريف، ربما عليّ التوقف عن تجــ... لا إنسي هذه الفكرة حاليًا جلنار.

 أخذت نفسًا قبل أن أضع نظرة واثقة وأرفع رأسي، سأعتذر منه، قَبِلَ أم لا سأعتذر اليوم من المتملق، والآن سأجده وسأعتذر "أنت لا تبدو بخير اليوم؟ ديفيد، هل علينا تخطي المحاضرة والذهاب لمكان ما؟" أتعلمون انسوا كل الحديث عن الشجاعة وغيره، فقط سماع إحداهن تتحدث معه جعلني أقفز خلف أحد الخزائن وأشعر بالفزع.

 "لا أملك رغبة في هذا". صوته كان أهدأ من المعتاد، لطالما كان عاليًا ونشيطًا "لا تحاول صنع ابتسامة لا تريد وضعها". هذه المرة كان دانيال يمازحه، لكن لم أسمع ردًا، نظرت لجواري لأجد خمسة أجساد تمر من أمامي، المتملق ودانيال، و... فيريونكا وصديقتيها.

 هذا مستحيل، أن أعتذر أمامهن سيتم سحقي بكل تأكيد "إنه هناك! اذهبِ للاعتذار". صوت الروح ذاك باغتني فجأة "ماذا؟ هل أنتِ خائفة منهن؟ إذا ستدعينه يذهب دون اعتذار؟ هو الشخص الوحيد الذي دافع عنكِ أمامهن ولكنك الآن خائفة من الاعتذار؟ هل أنت جــ..". لم أستطع تحمل المزيد لذلك دون أن أدرك كنت قد خرجت من خلف الخزائن.

نظرت نحوهم، نحو ظهورهم إذا صح المعنى "آ..آسفة" توقفت لثواني قبل أن أرفع رأسي لأجد فقط تلك الروح تنظر نحوي بتعابير -هل تمزحين – على وجهه.

 ماذا؟ "أنا بالكاد سمعت صوتكِ وأنا أقف بجواركِ، إنه يبتعد فقط ناديه". صرخ في وجهي بغضب لأغمض عيناي وأشعر بالبرودة داخل جسدي قبل أن أصرخ "ديفيـــد!" وكأن قلبي قفز من مكانه، مع الصمت المفاجئ الذي احتل الرواق.

 ربما بالغت في الأمر لأن صوتي كان عاليًا جدًا، لكن تعلمون تلك العبارة التي تقول 'إما الآن وإما فلا' هذا ما أشعر به، إما الاعتذار الآن وإما لن أستطيع فعلها لاحقًا.

 الخمسة في الأمام توقفوا قبل أن يلتفت جميعهم نحوي، تعلمون ظننت أن عيناي ستقع على ملامح فريونكا وصديقتيها بالأخص أوليفيا لأنها الأكثر تمسكًا بالمتملق، لكن عيناي فقط سقطت نحو تعبير المتملق المصدومة وهو ينظر نحوي، هل يمكنني التراجع عن الأمر والتحول لشيء كصخرةٍ مثلًا؟

 "أوه! لا أصدق درجة وقاحتك". هذه المرة صدرت من أوليفيا وهي تنظر نحوي بأكثر نظرةٍ متقززة وغاضبة "كيف تجرئين على إظهار وجهك مجددًا بعد ما-". لم أرد سماع المزيد، لا أعلم لما لكن لم أهتم كثيرًا بالقدر الذي كنت لا أريد رؤية تلك النظرة على وجه المتملق مجددًا بسببي. لذلك قاطعتها قبل أن أخفض رأسي وأصيح بصوت عالي "آسفة". يمكنني الجزم أن تعابير أوليفيا تغيرت للغضب مئةً في المئة لكنني أكملت دون إعارة أحدهم الانتباه...

 "لقد كنت تحاول الاعتذار مني بصدق في الأمس، كوني متعبة لا يبرر صراخي في وجهك على الإطلاق ديفيد، أنا أعتذر".

 ربما قد يرى البعض أنه من المحرج الاعتذار بهذه الطريقة الطفولية أمام الجميع لكنه قد حاول الاعتذار أمس أمام الجميع وأنا صرخت عليه أمام الجميع ألا يستحق اعتذرًا يشهد الجميع عليه أيضًا؟

 "إن لم ترد مسامحتي لا بأس! فقط، لا تزعج نفسك بسبـ-". لا أعلم فكرة ألا يبتسم هذا الأخرق في وجهي مجددًا، أن يتوقف عن تتبعي وإزعاجي جعلتني أشعر بالاختناق، لقد كان الفتى الوحيد الذي تصرفت أمامه وتحدثت بأريحية دون أن أعرف حتى.

 هذه الفكرة... جعلتني أشعر بالوحدة!

 صوت خطوات أحدهم يقترب مني جعلني أُوقِن أن أوليفيا ستدفعني في أي ثانية لكن زوج الأحذية الصبيانية جعلني أنظر للأعلى بسرعة، فقط المتملق يقف أمامي مع أوسع ابتسامة قد تراها يومًا "هل على الشعور بالإحباط في كل مرة، حتى تنادي باسمي؟"

 لحظة! ماذا قال للتو؟ "لا أعرف لما أشعر بالسعادة، لأن شخص ما نطق باسمي للمرة الأولى". قال وهو يرفع كتفيه وابتسامة واسعة متحمسة ارتسمت على وجهه "ألست غاضباً؟" لقد كان السؤال الأول الذي قفز لرأسي.

 "لا، كنت محبطًا في الواقع. لقد كنتِ منزعجة من تصرفاتي الصبيانية حتى فقدتي أعصابكِ بسببي، معرفة أنني كنت فقط أزعجك بينما أحظى بوقتٍ ممتع جعلتني محبطًا". قال لأعقد حاجبي "لقد صرخت عليك أمام الجميع! ألم تنزعج مني؟" سألت مجددًا ليحرك رأسه نافيًا "هذا الفتى تصرخ عليه ما يفوق العشر فتيات في الشهر أمام جميع البشر عندما ينفصل عنهن، إنه معتاد على الأمر". في هذه المرة تدخل دانيال وهو يحاوط كتفي المتملق الذي ضحك بإحراج.

 طيلة هذا الوقت هو كان محبطًا من نفسه وليس مني؟ "هل تمزحان؟ ديفيد لقد صرخت في وجهك بلا سبب، ألا تظن أنك تعطيها قيمة أكبر مما يجب؟" قالت أوليفيا بغضب، وأنا التي كنت أتساءل متى ستتدخل في هذا النقاش، انحنى نحوي المتملق قبل أن يهمس " لنهرب!"

أمسك ذراعي قبل أن يسحبني ويركض "م- مهلًا! الكــ- كاو.". لم أستطع حتى إكمال ما أقوله لأننا كنا نركض بعيدًا وصراخ أوليفيا باسم ديفيد خلفنا كان يبتعد.

 توقفنا أخيرًا خارج المبنى بينما كلانا يلتقط أنفاسه والمتملق يكاد يفقد أنفاسه من الضحك "أنت... لما عليك سحب الآخرين والركض فجأة؟" قلت بأنفاس متقطعة "هل تأذيتِ؟" سأل لأحرك رأسي بلا لكني رفعت الحامل الكرتوني الذي يحتوي على كأسي الكاكاو الذي كان مبلل بسبب انسكاب نصفه "لقد انسكب نصفه لقد أردت إعطائك واحدٍ بصدق". حدثت نفسي بتذمر

 "هل هذا كاكاو؟" التفت له لقد كان ينظر بتفاجؤ نحو الكأسين ونحوي، نظفت حلقي قبل أن أنظر بعيدًا "إنه ليس بالشيء الكبير... أعني فقط أنت تحب شربه كثيرًا لذلك ... على كلٍ لقد انسكب نصفه". حاولت ألا اتلعثم في حديثي، هذا محرج جدًا. 

" كيف لاحظتي أنني أحبه؟" سأل لأدحرج عيناي "السؤال الأصح ’ كيف لم تلاحظي أنني أحبه؟’ أنت تمسك كأس الكاكاو معك طيلة اليوم". قلت ليقهقه قبل أن يسحب الكأس النصف مبتل.

 " لما تضحك؟" سألت ليجلس فوق أحد المقاعد ويقول "فقط لم تفكر أي فتاة قضيت معها وقتًا من قبل في شراء هذا لي، لأنهن وجدن الأمر 'طفولي' وافترضن أنني ربما أسخر منهن أو لم تلاحظ إحداهن أنني أحبه حتى، لا أعلم لكن من الغريب ألا أحد إبتاع لي كأسًا ماعدا دانيال، أنتِ الفتاة الأولى"؟ قال رافعًا كتفيه.

 كيف لم تلاحظ إحداهن هذا؟ أعني يبدو سعيدًا جدًا عندما يشرب كوب الكاكاو؟ "لقد سُكب نصفه". قلت بإحباط عندما أمسك الكأس "مازلت أملك باقي النصف الآخر، كما أنكِ من ابتعته، لا يمكنني رميه لأن نصفه انسكب!" قال قبل ان يرتشف البعض ويقهقه بسعادة، إنه فقط كالطفل، وهذا يجعلني ابتسم براحة.

 أخذت مكانًا بجواره ممسكة بكأسي أيضًا " من الغريب ألا أحد هنا". قلت ليومئ "هذا المكان خلف المبنى الجامعي لا أحد يأتي هنا غالبًا. إنه مكاني السري، المجيء هنا دون وجود أحدهم مفضلٌ لدي". تذكرت سطح المبنى، المكان الهادئ، والذي أحب الانفراد هناك بنفسي، شيء آخر نشترك فيه! اكتشاف هذا الجانب الهادئ والطفولي من شخصيته ممتع.

 " هل تمتلكين مكانًا سري تفضلينه؟" سأل فجأة لأبتسم نحوه وأشير بسبابتي نحو شفتي "هذا سر". قلت لتتسع عينيه "لقد أخبرتكِ عن مكاني! عليكِ فعل المثل هذا ليس عدلًا". قهقهت على تذمره الطفولي "لم أجبرك على إخباري". قلت لينظر نحوي بتذمر "لستِ عادلة". تمتم لأقهقه إنه كالطفل حقًا.

 ألقيت نظرة على ساعة يدي، تبقت فقط خمس دقائق لمحاضرتي، أنهيت كأسي بسرعة قبل أن أنهض وأنظر نحو المتملق "لدي محاضرة الآن، يجب عليّ الذهاب". نظر نحوي بأعين متسعة وشفتان مقوستان للأسفل وقال "ألا يمكنكِ إمضاء المزيد من الوقت معي؟" رفعت حاجبًا ليتنهد "حسنًا حسنًا، اذهبي". قال باستسلام لأقف أمامه وأرفع يدي نحوه "هل نحن جيدان الآن؟" قلت ليضحك قبل أن يصافح يدي "أنتِ تسرقين جملتي من وقت سابق". دحرجت عيناي قبل أن اقهقه.

 "لم أسامحك تمامًا يجب عليكِ شراء وجبة لي في وقت لاحق". قال وهو ينهض واقفًا "ألم تقل إنك لم تكن غاضبًا مني؟" سألت ليطرف بعينه عدة مرات قبل أن يقول " ذلك.. أعني قلت ذلك لكن ...تعلمين انتِ مدينة لي بوجبة وحسب والآن اذهبِ لمحاضرتك". قال بسرعة في نهاية الجملة وهو يدفعني نحو الداخل.

 ضحكت قبل أن أسرع بخطواتي إلى قاعة المحاضرة، شعرت وكأن اليوم أفضل بكثير وبمئة مرة من أمس إنه الشعور بالسلام على الأغلب، الأمر فقط أنني ربما وضعت حكمًا مسبقًا عليه! لم يكن بذلك السوء... في الواقع، عندما أكون معه يمكنني التصرف على سجيتي دون قلق!

 إيقان هذا دفعني للابتسام بينما أسير نحو قاعة المحاضرة.

 يمكنكم قول إن نسبة النظرات الموجه نحوي في القسم قد ارتفعت للضعف، وأصبحت الهمسات اليوم مختلفة، عوضًا عن سماع اسمي مع لفظ ساخر، أصبحت أسمع اسمي مقترنًا باسم المتملق.

 دخلت للمحاضرة ولكن كان عقلي شاردًا نوعًا ما.

 أكره القيل والقال، يزعجني كثيرًا هذا الأمر، لذلك تساءلت إن كان المتملق سينزعج من الأمر أيضًا خاصة أنني جلبت الكثير من الانتباه بصراخي أمام الجميع وكأنني أنوي التقدم للزواج، ضحكة خرجت بدون قصد عندما ارتسمت في عقلي صورة مضحكة لي وأنا اتقدم للزواج من المتملق.

 إلهي سيكون هذا حدث العام بكل تأكيد ربما لأعوام تالية ستظل لحظة ًمحفورة في الأذهان، أعدت تركيزي نحو ما يقوله البرفسور لقد أصبحت أشرد خلال المحاضرات في الأيام القليلة الماضية، ولكن الأمر على عكس ما توقعت لم يشكل مشكلة كبيرة لي.

 حاولت تمديد عضلات ذراعي ما إن انتهت المحاضرة، الامتحانات الشهرية تقترب يجب أن أضع كامل تركيزي على الدراسة أكثر من هذا حتى لا ينخفض معدلي هذه السنة، لطالما كنت في المركز الأول وسأحافظ عليه طيلة فترة دراستي.

 "إنها الفتاة صاحبة النظارات هناك". همّس أحدهم من حولي جعلني أنتبه للكثير من الأشخاص الذي يلقون نظرات فضولية نحوي.

 "أنتِ، صديقة ديفيد؟" رفعت نظري نحو الجسد الواقف أمام، تبًا، شعرت بعرق بارد يغزو جسدي بينما انظر لمارفن بورينج، صانع المشاكل الأكبر في قسمنا.

 مع وجهه الجاد حاجبيه المنعقدين ونظرته الحادة وجسده العريض، يمكنك أن تعلم فورًا أنه ليس من الذكي أن تجعل من هذا الشخص عدوك، لكن أن يقوم بالتحدث معي بشكلٍ خاص هذا جعلني فزعة "أنا لا أهتم أو شيء من هذا القبيل، لكن هذا الفتى لعوب وأحمق ومؤذي، إن كان يعبث حولك فابتعدي عنه".

 لم أتمكن من مقاومة رفع إحدى حاجباي معلنة عن وضوح استغرابي، هذه المحادثة ماكنت لتحدث حتى في أحلامي!

 "لست مهتمًا مجددًا لكن في ذلك الوقت، لقد عدلتي البحث الكارثي الخاص بي لقد كدت أحصل على D لكن بسبب مساعدتك حصلت على A لأول مرة، أنا أخبرتك أنني مدين لك، لذلك إن أزعجك الأحمق يمكنك إخباري وسأقوم بلكمه، هكذا نصبح متعادلين". قال رافعًا كتفيه في النهاية.

 أما زال يتذكر هذا! لقد كان الأمر في بداية العام، كُلِفَ الجميع ببحث في مادة صعبة وكان بحثه كارثيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لم أتحمل الصمت والنظر له من بعيد، لذلك عرضت مساعدته في بحثه، تفاجئ وقتها من أنني لم أكن خائفة منه، بينما كل ما كنت أفكر به هو ’ اللعنة، هذا الفتى قد انتهت مسيرته الأكاديمية’

"حسنًا يمكنني أن أعلم لما ينظر نحوكِ رجل كديفيد". التفت للشخص الذي استند على الطاولة يلقي نظرة متفحصة على وجهي مع ابتسامة مستمتعة "أعني، أنظر معي أن أبعدنا النظارات وقمنا بتصفيف الشعر جيدًا، تغير بعض الملابس المملة وبعض ... لا، لا تحتاجين إلى حمرة للوجه تمتلكين نمشًا جذابًا، ربما لو تركتِ شعركِ بحرية أكثر ستكونين أجمل، ذلك الخبيث ديفيد، إنه يعلم كيف يصطاد".

طرفت عدة مرات نحو الفتى ذو الوجه الطفولي والقامة القصيرة، هل هو متأكد من اختيار تخصص الطب؟ ربما كان عليه اختيار شيء كالتصميم والتجميل لا أعلم؟

"توقفا عن إزعاجها". صوت أعرفه جيدًا أمسك بكل من كتفي مارفن والفتى الآخر لتدفعهما بعيدًا "أنتِ، ألا تلقين التحية أبدًا؟" ابتسمت نحو ألسكا قبل أن أعتذر لأنني لا أرها كثيرًا.

"لقد غيرتِ لون شعرك للبنفسجي!" لاحظت بدهشة لتضحك قبل أن تومئ، لكن نظرة غضبٍ رُسمت على وجهها قبل أن تنظر لمارفن والفتى الآخر قائلة: "لقد لاحظت الأمر من المرة الأولى، لقد استغرقتما يومان حتى تلاحظا أنني غيرت لون شعري أيها الغبيان". ضحك الفتى صاحب القامة الأقصر قائلًا "لقد لاحظت لكنني أحب رؤية وجهك الغاضب". صفعت ألسكا كتفه بقوة ليتأوه بألم بينما مارفن ظل ضيفًا صامتًا للمحادثة.

يمكنني أن أرى أن هذه المجموعة غريبة تمامًا! ألسكا جوبز وحُبها الكبير للوشوم وصبغات الشعر وطلاء الأظافر الأسود والحلقات الكثيرة، ومن جهة أخرى مارفن بورينج العنيف والصامت غالبًا لكنه يتماشى معهم بشكل غريب وفي النهاية الفتى مع الوجه الطفولي والابتسامة المرحة وملاحظته الشديدة لمميزات الجميع.

 كل فرد له شخصية مختلفة لكنهم منسجمون بشكل لا يصدق، في النهاية استأذنت منهم للعودة للمنزل قبل أن تسرق ألسكا هاتفي وتحفظ رقمها في هاتفي، لقد كان الجو لطيفًا رغم أنهم من الأشخاص الذين يتجنبهم الأغلبية، لأن الأغلبية ستنظر نحو مظهرك الخارجي وستحكم عليك من خلاله.

 حملت حقيبتي فوق كتفي متجهة إلى أحد المقاهي، الدراسة خارج المنزل تكون مريحة أحيانًا، ومازال الوقت مبكرًا، حسنًا أشعر بأن حملًا ثقيلًا زال عن كتفي، لوش ولوريندا يتحملان المسؤولية جيدًا، وقد أصلحت الأمر بيني وبين المتملق بشكل جيد فقط تبقى...

 أخذت نفسًا قبل أن أتوقف عن المشي فجأة والتفت للخلف بسرعة، نظرت مباشرة نحو عينيه التي اتسعت بصدمة قبل أن أتمتم بحدة

"روحًا كنت أم شبحًا.. نحتاج للتحدث".



**************************************************

هالوووووووووو

الفصل كان المفروض هينزل امبارح بليل لكن اللاب قرر انه حابب يحدث في الوقت الي حابه انزل فيه

قولوا مش مقصوده 😒

المهممممم

التنزيل الفترة دي هيكون اسرع حبتين بما ان الحمد لله بدأت افضى ويكون عندي وقت

مشاكل المدونة ان شاء الله هحاول احلها كلها عشان الكل يقدر يوصلها وهبدا اركز عليها اكتر

الفصل مش محتاجه اقول كل مره بقرأه بحس بذات الحماس بسبب شخصية يوجين

انجوييي

باااااااااااي


Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

25 تعليقات

  1. مش متعودة عالدلع دا والله

    ردحذف
  2. انا طماعه وابي بارت ثالث

    ردحذف
  3. استمتاع لا نهائي لدرجه حسيته قصير 😭♥

    ردحذف
  4. 😍❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  5. 😘❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  6. شكرا اسرااء ❤️❤️❤️❤️❤️🥺

    ردحذف
  7. احبك اسراء❤️❤️❤️✨

    ردحذف
  8. لاشئ بس أنا بعيد الرواية للمرة الخامسة بنفس الحماس 🙂

    ردحذف
  9. ايوة كدا دلعني 🤣🤣

    ردحذف
  10. اشتقت للروايه دى جد 🥲❤️

    ردحذف
  11. دموعي ساحت، الحمدلله نسيت الرواية كلها وبشوفها كأنها أول مرة فعلًا 😔

    ردحذف
  12. اول شي شكرا على البارت الجميل مادري ليش حسيته قصير مع اني اقرا الروايه او البارت ذا للمره العاشره لكن احس اني اقراه للمره الاولى😍

    ردحذف
  13. انا مش قادرة امسك نفسي عن الفصول اكترررر 😭

    ردحذف
  14. البني ادم محتاج يوجين في حياته ...

    ردحذف
  15. لاحظت في كثير اشياء متغيره بس ماتأثر بالأحداث و الروايه 👏👏🖤
    ألسكا و مورفين صار الهم اسم عائله حلوووو حبيييت 😂🖤
    شكراً ع الاستمرار ي حلوه

    ردحذف
  16. اول ظهور ليوجين حقيقي كان مستفز مووت لدرجة اعصابي فلتت عليه رغم اني بحبه بس بجد عصبني بس في الاخر هو كتكت و عسول خالص و السكا و مارفين في قلبي كمان عساسيل خالص بحب نوع الاشخاص دول و صداقتهم و روكي بردو عسل ثلاثي متناقد بس روح العيلة محوطاهم

    ردحذف
  17. شبح كنت ام روح ، بدي اعرف هاي الرواية كانت وين عني 😭😭💔ابداااااع

    ردحذف
  18. نفسسس حماااس اوول مرة اقراءها فييهاا 😭😭😭😭😭 يوجييييين وظهوووررره ومصاييبه بللشت

    ردحذف
  19. اول مرة اركز بعلاقه ديفيد وجلنار، الان كيف بقدر اتخطاها الله يسامحك ي اسراء😢😢

    ردحذف
  20. لوش ييججنننن اموت على العلاقات الأخوية نقطة ضعفي33>>

    وديفيد؟ 😔 لطيف بشكل غير متوقع 🥹
    الشخص الصح بالوقت الغلط
    يمكن كانوا بيكونوا حلوين مع بعض لو كان بوقت ثاني

    حماس اخيرا بنشوف سالفة الشبح الحلو 🌷 (اسوي نفسي مااعرفه ولا كاني اعيدها)

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال