الفصل العاشر | خيوط القدر

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهم اجعلنا في العشر الأواخر من رمضان ممن غفرت لهم ورضيت عنهم وحرمتهم على النار وكتبت لهم الجنة "

إفصاح آخر "الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يَخجَل لأنه الوحيد الذي يفعل ما يُخجِل" الكاتب مارك توين

مساحة لذكر الله

*************************************

الفصل العاشر

 


قرأت ذات مرة في أحد الكتب التي أصبح عنوانها مبهمًا في عقلي ...

يمكنك وضع صخرة في أي مكان في هذا العالم، ثم اذهب إلى أعلى المرتفعات وأبعدها عن الأرض ودحرج كرة خرزية صغيرة...

ذلك الاحتمال المستحيل في اصطدام كرة الخرز بالصخرة هو تمامًا ما يسمى بالقدر.

فرصة لقائنا كانت كتصادم كرة الخرز والصخرة، فرصة لقاءٍ غير ممكنة في مكان مستحيل.

كنتَ غريبًا ومخيفًا، لقد كنتَ رجلًا ملأته الكراهية حتى فاضت تلك المشاعر من عينيك، تلك العينان الأشبه بعدسة زجاجية حملت لون السماء وكل ألوان الحقد داخلها، العينان اللتان كانتا الواصل الوحيد بين جميع أحلامي الغريبة.

لقد كنت أنت بحد ذاتك كالحلم، أو ربما كالكابوس... ذلك الكابوس الذي أمسك بكف يدي من فوق سفح ذلك المنحدر وعلى بعد ثانية واحدة من إلقاء جسدي وإزهاق روحي.

خلقت أهوالًا من الرعب داخل قلبي، أعلن عقلي أنك عدو.

وحِبَال القدر التي سُحِبت حتى نتلاقى سأبقى ألعنها حتى أغمض عينَي بعيدًا عنك.

سيبقى صوتك الأشج يرن داخل عقلي، وجملتك المهلكة سأسمعها كثيرًا...

"وجودكِ كعدمه؛ بلا فائدة".

 قبل أن تفلت يدي تَاركًا جسدي يهوي نحو الموت... هل كنت تعلم حينها أنك كنت تقتل روحًا بكل برود؟



- قبل ساعات…-


عندما تحدث الكثير من الأمور الغير منطقية بسرعة كبيرة يصبح العقل مشوشًا غير قادر على استيعاب ما حدث بصورة صحيحة.

لكن بينما أنا هنا أجلس داخل هذه المركبة وصوت جريان الرياح أسفلها يكسر الصمت مسببا شعورًا من الراحة بدأ عقلي يسترجع الأحداث شيئًا فشيئًا، أصبح عقلي مشغولًا بحقيقة ما يحدث حولي متناسيًا أن هذه المركبة البسيطة تطير بنا فوق السحاب.

منذ بداية ما حدث، عندما سقطت إلى السماء ومنها إلى هنا... لا، ليست هذه البداية! تلك المطرقة والبرق يضرب المكان، الأرض التي تحطمت إلى أجزاء. لقد وقعت في جوف الأرض، كيف أصبحت فجأة أهوي من السماء؟ ثم تلك المياه التي احتضنت جسدي...

لحظة، المياه! لقد كنت قادرة على الغوص داخل المياه؟ أنا لا أستطيع السباحة ، لكن! لقد استطعت فعلها عندما رأيت ذلك الضوء الذي قادني لتلك الزنزانة!

رعشة مرت بجسدي بينما شعرت بالمرارة في حلقي وأنا أتذكرها... تلك المرأة و طفلتها المريضة، جميع أولئك السجناء.

أطفال، نساء وشيوخ، جميعهم محتجزون داخل ذلك المكان القذر الذي احتوته الرطوبة الخانقة. لم أكن قادرة على تحمل دقائق هناك، كيف يمكن لطفلة صغيرة أن تفعل؟

نظرت إلى يدي المرتعشتين وحاولت بقوة ألا أجهش في البكاء. توسلاتها ما زالت تتردد داخل عقلي صوت أنين ابنتها وتوسلاتهم جميعًا أصبحت تتردد مرارا وتكرارا.

أغمضت عيناي بقوة في محاولة شبه فاشلة لتهدئة أعصابي؛ فأنا على حافة الانهيار.

ماذا سيحدث الآن؟ شقيقتي؟ وأخي لوش؟ كيف سيتصرفان؟ ماذا ستفعل أمي حينما تعرف أنّي مفقودة؟ ستلوم نفسها بكل تأكيد، سيشعرون بالضياع، لن يتمكن أحد من إيجادي. هذا المكان! أنا على يقين أن لا أحد سيتمكن من إيجاده.

أنا حتى أصبحت غير متأكدة إن ما كنت موجودة داخل مانشستر... داخل الأرض! أنا هنا مع أشخاص تتحول أرجلهم لذيول في الماء تماما كالأساطير، وشبح ميت، ومركبة تحلق في الهواء... ألا يكفي كل هذا ليؤكد لي أنني في مكان مختلف عن عالمنا الطبيعي؟

"جلنار! هل أنتِ بخير؟". جفلت لصوت يوجين الذي قطع انغماسي داخل زوبعة الأفكار اللامتناهية، تنهدت بتعب وحاولت تدليك مقدمة رأسي لعل الألم يصبح أخف، كيف يمكنني أن أكون بخير بحق الله؟ عالمي العادي ينهار... عقلي أنا ينهار.

أومأت نحوه مع شبح ابتسامة في محاولة لطمأنته، أخذت نفسَا عميقًا قبل أن أعيد تكرار الجملة ذاتها على نفسي.. اهدئي، لا بأس، كل شيء بخير، كل شيء سيكون بخير.

التفت نحو الزجاج بجانبي انظر إلى مشهد لا أظن أنني سأكون قادرة على مشاهدة مثله من طائراتنا العادية.

السحاب يحيطنا من كل جهة تمامًا كما لو أننا نحلق داخل عالم من القطن الناعم، أخذت أتجول بأنظاري داخل المركبة المريحة وأتساءل كيف يمكنها التحليق؟ ربما مروحيات في مكان ما!

أملت جسدي نحو اليمين آخذ نظرة على المقاعد في المقدمة؛ مقعد السائق بالأخص، كيف يقودها؟ لا يوجد أي مقود أو مكابح؟

"كيف تقود هذه المركبة؟ كيف تحلق؟ أي مراوح أو... لا أعلم، محركات نفاثة؟" التفت نحو بورالدو الذي كان يبدو كشخص متلهف لكسر حاجز الصمت الذي يغلف الجميع.

"رغم أنني لم أفهم تمامًا ما تعنين، لكن مونغستا هو السيرين الوحيد الذي مُنح الهبات كباقي سكان إلترانيوس لذلك هو قادر على تحريك مركبة الطاقة".

نظرت نحو بورالدو بأكبر نظرة بلهاء، تمنيت لو لم أسأل في الواقع "أوه، أنتِ لا تعلمين ما هي الهبات؟ ألم تمنح التوبازيوس البشر الهبات؟" مــ...ماذا؟

"إلهي، ألهذه الدرجة أنتم فظيعون؟ حتى التوبازيوس تخلت عنكم!" نظرت ليوجين لكنه ظل عاقدًا حاجبيه وكأنه يفكر في شيء آخر.  "حسنا، باختصار الهبات هي طـ..."

"هذا يكفي بورالدو".

جفل الجميع لصوت أميراديل الحاد "إنها بشرية ولسنا في حاجة لشرح شيء عنا أو عن عالمنا لها، ستعود لوطنها وكأن شيء لم يحدث". قد يبدو الآن أميراديل ذاك وقحًا، طريقة حديثه وصرامته، ولكن بعد التفكير في الأمر، إنه محق! ربما من الأفضل ألا أعلم شيء له علاقة بهذا المكان، مكاني ليس هنا وكل هذه الظواهر الغير طبيعية لا علاقة لها بي. يبدو حقيرًا لكنه محق بالفعل، سأعود لعالمي وكأن شيء لم يحدث.

صمت بورالدو بعدها لكن نظرة متكهربة أضحت واضحة في وجهه، تصرف أخيه كان محرجًا ومزعج حقًا، لكن شيء ما قفز لعقلي فجأة... التوبازيوس؟

هذا الاسم، لقد سمعته من قبل! اتسعت عيناي بصدمة "جلنار، التوبازيوس". نظرت نحو يوجين الذي اعتلت عينيه نظرة جدية، الآن فهمت ما كان يفكر به. "الكتاب". همست بإدراك قبل أن أنظر للحقيبة التي أحتضنها.

"لا تفعلي!" صاح يوجين لأنظر نحوه بطرف عيني. "لا تخرجي الكتاب هنا، لا أظن أن هذه فكرة سديدة. هؤلاء الأشخاص يأخذون حذرهم منا لسبب جلنار، علينا فعل المثل". أعدت أنظاري للحقيبة لأبعد يداي عن السحّاب وأحتضنها بقلق.

"إلهي، نحن داخل أرض النبلاء سينتهي أمرنا إن عرف أحدهم أن بشرية ًمعنا". انتحب بورالدو بقلق محدقًا إلى النافذة جواره، التفت نحو النافذة أنظر لأرض النبلاء تلك لتتسع عيناي بصدمة.

انحبست انفاسي بينما المشهد ضرب عقلي بقوة، هذا أشبه بالمستحيل، هذا أشبه بالــ .. "الجنة!" تمتم يوجين الذي كان ينظر نحو الزجاج بصدمة مماثلة.

قلبي أخذ يدق بعنف داخل صدري وشعور غريب كالخيال تملك جسدي وكأنني داخل حلم... حتى أفلام الفانتازيا لا يمكنها صنع شيء بهذه البراعة... أفلام الفانتازيا! هه، إنها لا شيء بجوار ما أراه الآن.

التصق وجهي بالزجاج وعيناي أصبحت تتجول بين كل شيء أراه حولي، المركبات التي تطوف حولنا في الهواء ذات أشكال متعددة ومختلفة الألوان، الكثير من القصور التي تبدو شاهقة الارتفاع، المنازل الصغيرة نسبيًا، الأشجار والأنهار التي تحيط بالمكان، اللون الأخضر والأزرق كان كلمسة أضافت سحرًا خاصًا للمكان من الأعلى.

الشمس التي عكست أشعتها على مياه الأنهار المنسابة من خلال أبراج تلك القصور الشاهقة جعلت قطراته تتلألأ وكأنها حبات من الألماس.

الأشخاص يبدون كجموع النمل من هذا العلو، الكثير من المشاعر تفجرت داخل صدري وكأني أرى آية من آيات جمال هذا الكون... الكثير من الأحاسيس تغمرني، من دهشة لقلق، حتى الراحة والتوتر، جميع التناقضات أصبحت تتولد داخلي وتكاد تجعل قلبي يتوقف.

"سنهبط هنا، يمنع على المركبات الاقتراب من الأرض الملكية". صرّح مونغستا بينما بدأت مقدمة السفينة بأخذ مسارها للأسفل.

ظلت عيناي متعلقة بكل حركة من حولي وأصبح جسدي يرتجف لا إراديًا والتوتر يسري مسرى الدم داخل جسدي. ارتعشت أنفاسي عندما هبطت المركبة فوق سطح الأرض أخيرًا وانفتح سقف المركبة من فوقنا وترجل كل من مونغستا وأميراديل.

حاولت تنظيم أنفاسي والسيطرة على ارتجاف قدمي حتى أستطيع النزول. "هيا، جلنار". لم أنتبه حتى ليوجين الذي ترجل من المركبة واقفًا أمامي مع ابتسامة هادئة مشجعة.

شبح ميت أو لا، وجود يوجين من حولي أصبح شيء سأشكر الإله من أجله كل يوم. قفزت نحو الخارج وأنا أنظر حولي متفحصة المكان.

الكثير من المركبات التي أخذت موقفًا تمامًا أشبه بمواقف السيارات المعتادة. ارتفعت عيناي للأعلى لتتسع بدهشة، فوقنا أشبه بطبقة زجاجية وردية اللون، إنه سقف ولكنه شفاف بالكامل ومن خلاله تظهر الكثير من أرضيات مركبات ضخمة الحجم.

"هذا موقف للمركبات الأكبر حجمًا، وهي خاصة بنقل العديد من الأفراد أو الأغراض الكبيرة" وضح بورالدو الذي وقف بجواري.

في الواقع لا أستطيع معرفة كيف تبدو فأنا فقط أرى سطحها السفلي من هنا. "هيا" التفت الجميع لمونغستا الذي انطلق أمامنا لنتبعه جميعًا.

"أليس علينا شراء ملابس أخرى لها أنها تبدو.... مختلفة؟" نظرت نحو أميراديل قبل أن أعيد نظري إلى ملابسي.

ما قصده بمختلفة؟ "لا، لن نضيع المزيد من الوقت، كما أن اختلاف الأزياء ليس مقلقًا يأتينا أشخاص من تسعة أكوان أخرى وكل منهم يختلف ملابسهم عن الآخر". بلهجة جامدة أجاب مونغستا دون النظر إلى أميراديل الذي أخذ خطواته خلف مونغستا وبقيت أنا وبورالدو ويوجين خلفهم.

توقف مونغستا فجأة قبل أن يلتفت ويتقدم نحوي بخطوات واسعة "مهما حدث وإن كانت السيوف ستقطع رقبتك؛ لا تلفظي كلمة بشرية... أنتِ من حدود إلترانيوس وواحدة من السيرين هل هذا مفهوم؟" ابتلعت وأنا أومئ بصمت، لا أحب تلك اللهجة الباردة. "وإياكِ الابتعاد عني أو عن أحد الأخوين، ستظل روحك داخل جسدك إن بقيتي معنا". أومأت مجددًا ليلقي نظرة أخيرة نحوي قبل أن يلتفت ويتبعه الجميع.

"هِبَتُك؟" توقف الجميع أمام ما يشبه المخرج بينما رجل وقف هناك مع زي غريب أشبه بالقميص وسترة من الجينز وسروال فضفاض، أخذ مونغستا خطوة نحوه قبل أن يقول " الرياح". وضع الرجل يده تقريبا أمام صدر مونغستا وخلال ثانية كان تيار من الهواء متجمعًا حول يد الرجل.

كان هذا أشبه بالخيال وكأنه فقط جمع تيار من جسد مونغستا، قبض الرجل يده لتتلاشى تيارات الهواء. نظر نحونا في تساؤل ليتسلل الخوف داخلي. "إنهم معي... سيرين". أعاد الرجل نظراته نحو مونغستا قبل أن ترتسم شبح ابتسامة على وجهه "أنت هو السيد إلبيوس مونغستا! سمعت عنك الكثير يمكن المرور بالتأكيد، مرحبا بك".

ابتعد الرجل وأفسح الطريق ليمر مونغستا وقد أبدى ترحيبًا وديًا به بينما نتبعه نحن، جذب بورالدو يدي يجعلني أقف على الجهة الأخرى منه حتى لا أمر بجوار ذلك الرجل، نظرت نحوه بتساؤل ليهمس بعد أن ابتعدنا عن المخرج "سنأخذ حذرنا فحسب".

تنهدت قبل أن أعيد أنظاري أمامي... توقفت لوهلة كما توقف بورالدو بجواري وقد تجمدت تماما مما أرى، لا يوجد الكثير من البشر، لكن... هذا خيالي...

فتيات يرتدين بعض الفساتين الأشبه بفساتين العصر الفيكتوري، الوردي والأبيض وحتى الأزرق. يجاور كل واحدة منهن ما يبدو كالخادم أو الحارس مع بذلة غريبة الشكل، والأغرب هو أن بعضهن يسرن بينما بعض الأكياس -كأكياس التسوق- تطفوا بجوارهن بلا أي حبال أو... لا أعلم، هذا حقا مذهل!

"إنهن بنات العائلات النبيلة، يرافقهن الخدم المخصصين بهن، إنهم أشبه بحراس لهن، حتى لا يتعرض لهن أحد، خصوصا مع قرار استضافة سكان الحدود التي هوجمت أرضهم، فلا أحد يثق بسلامة النبيلات". لم أفهم سوى أنهن بنات عائلات نبيلة وشكرا.

"لا تتوقفوا". أمر مونغستا ليتحرك كلانا. "هناك أمر غريب". نظرت ليوجين باستغراب لكن انجذبت عيناي إلي المبنى ذو التصميم الحلزوني الشاهق على الجهة اليمنى. "علامتهم، إنها مختلفة تمامًا لكن مازالت الألوان شبيهة بالأحمر والأزرق".

أعدت أنظاري ليوجين محاولة ألا يتشتت انتباهي بالمنظر حولي. "تتذكرين؟ أخبرتك سابقًا أن الأشخاص يحملون علامات على صدورهم أشبه باليين واليانج وتختلف حسب شخصية الشخص؛ سواء أكانت حمراء أو زرقاء". أومأت دون النظر نحوه بشكل واضح ليكمل "هنا الأشخاص يحملون علامات مختلفة، أتتذكرين العلامات التي كانت حول المطرقة؟" عقدت حاجبَي أحاول التذكر ليسترسل في حديثه.

" قطرة، شعلة، تيار، وورقة شجر... ماء، نار، هواء، وأرض. إنها العلامات ذاتها على صدورهم، جلنار. لكن ما زالت ألوانها مماثلة لألوان العلامات التي كانت على صدور البشر، حمراء وزرقاء".

ما الذي يمكن أن يعنيه هذا؟ رياح... مونغستا، ما علامة مونغستا؟ فهم يوجين ما أرمي إليه عندما تحولت أنظاري لمونغستا "احزري ما علامته!" بابتسامة جانبية قال فأومأت بفهم "هواء". تمتمت في اللحظة ذاتها الذي قالها يوجين.

إنه يتحكم بالرياح، أهذا ما كان يعنيه بورالدو بالهبات؟! هل الهبات هي عناصر الطبيعة؟ إذا كان مونغستا يحمل علامة الرياح ويتحكم بها إذا من يحمل علامة النار يتحكم بالنار، ومن يحمل الماء يتحكم بها، والأمر ذاته للأرض!

نظرت إلى يوجين قبل أن أشير برأسي لبورالدو وأميراديل "لا يحملون علامات مماثلة، علامتهم أشبه بذيل حورية... سيرين". بدأ الأمر يصبح مشوقًا حقًا.

أخذ مونغستا منعطفًا خلف أحد البنايات الشبه لولبية قبل أن تقابلنا أرض فارغة بلا أي مباني عالية، تقدم مونغستا بخطواته، وعلى بعد سبعين ياردة توقفنا أمام اللا شيء. نظرت نحوهم في انتظار حدوث شيء ما قبل أن أتبادل النظرات مع يوجين.

صوت أشبه بانسكاب المياه جذب نظري مجددًا للأمام. المساحة الواسعة أمامنا تلاشت كصورة ثلاثية الأبعاد مطبوعة على سِتار لكن ذلك لم يكن ستار لقد كان حاجزًا ضخمًا من المياه التي انشقت كانشقاق البحر لموسى لتكشف طريقًا آخر أمامنا.

تقدم مونغستا ليعبر وتبعناه بينما انظر نحو المياه الطافية على الجانبين دون أن تسقط قطرة واحدة منها "إنه سراب". همس بورالدوا الذي مر بجواري وسحبني معه حتى لا أتوقف محدقة بدهشة مثيرة للشك.

"ألبيوس مونغستا! يا إلهي، هل رضيت السماء عنا أخيرًا؟" تقدم رجلٌ نحونا وصاح بصوته العالي الثقيل بلهجة ساخرة قبل أن يتوقف قِبالة مونغستا بابتسامة ساخرة ونظرة استصغار "ماذا حدث لكل كبرياء السيرين الوحيد الذي امتلك هبات التوبازيوس؟ ظننت أن قدمك لن تطأ أراضي النبلاء". أكمل ساخرًا بينما ظل مونغستا صامتًا بنظرة جامدة.

"هل انتهيت؟" بصق مونغستا ببرود وكانت إجابته الغير مبالية بمثابة صفعة مهينة للرجل أمامه والذي لم يمتلك تحكمًا كامل بملامح وجهه المنفعلة.

تفحصته بعين فضولية من بداية رأسه وخصلاته الشقراء التي تعدى طولها تقريبا رقبته ببضع إنشات نزولًا إلى عينيه الزرقاء الجاحظة ولحيته المهذبة، ثم جسده الضخم الذي قد يصل طوله لستة أقدام ونصف تقريبا مرتديًا زيًا أشبه بزي الفارس الحديدي، درع يلتف حول صدره وذراعيه عند الأكتاف وركبتيه أيضًا.

"أي رياحٍ حملت سكان الماء إلى هنا؟" تحولت السخرية إلى جدية وهو يتفحصنا بعينيه بدا كل من الأخوين منزعجين ويحاولان قدر الإمكان عدم إنشاء تواصل بصري معه، عكسي تمامًا أنا التي ظللت أتفحصه من رأسه لأخمص قدميه كالحمقاء.

"سمعت الكثير عن نساء السيرين وجمالهن، لكن يبدوا أنها كذبة". اتسعت عيناي عندما تحدث وعينيه تتفحصني بالكامل، هذه وقاحة! نبلاء؟ لا أرى أي نبل هنا، لكن يفضل أن أحتفظ بتذمري داخل عقلي.

سحبني بورالدو خلفه في حركة مفاجئة ووجه نظرة عدائية نحو الرجل الذي تقدم خطوتين نحوي، ولكن يد مونغستا التي امسكت بصدر الرجل ونظر نحوه نظرة جانبية مخيفة أوقفته " لا يحق لك الاقتراب من سكان الماء، فلوريان ألفن". حسم مونغستا الموقف قاطعًا النظرات العدوانية بين بورالدو والرجل الوقح.

تنهد الرجل ضاحكًا قبل أن يعود بخطواته للخلف ويواجه مونغستا "عليك تحذير أطفالك من الاشتباك مع من هم أكبر مكانة، لا يوجد مياه للأسماك الصغيرة عندما تدفن تحت التراب".

قبضة بورالدو اشتدت حول ذراعي وزمجرة خافتة صدرت من حنجرته وأكاد أقسم أنه سيقدم على فعل أحمق، لذلك أسرعت ممسكة بقبضته الملتفة حول ذراعي ليلقي نظرة نحوي، فزعت نوعًا ما من عينيه التي تحولت بالكامل لعينين سمكة قرش غاضبة، لكنني تمالكت ملامحي الخائفة وحركت رأسي بـ لا.

أخذ نفسًا قبل أن يغمض عينيه وتعود لطبيعتها لأتنهد براحة. أخيرًا ابتعد الرجل الذي اتفق الجميع هنا على كراهيته، حتى يوجين الذي ظل يحدق في وجهه عن قرب بكل ذرة حقد. تابع مونغستا السير وحاولت قدر الإمكان تجاهل نظرات فلوريان ذاك الذي سببت ابتسامته الخبيثة قشعريرة غير مريحة. 

"لعين". شتم يوجين قبل أن يبتسم بخبث ويركض ليعبر من خلال جسد فلورينا ذاك، الرجل توقف وقد ارتجف جسده لثواني ونظر حوله باستغراب وحذر مما دفعني لمحاولة كتم ضحكتي بقوة.

"اهدأ يا رجل، إنها مجرد قشعريرة". سخر يوجين وغمز نحوي، ولكنني تمالكت شعوري بالانتصار عندما لاحظت نظرات مونغستا الذي بدلها بين تصرف فلوريان الغريب ووجهي.

نظرت إلى وجهتنا وكان المكان أشبه بمنطقة خضراء واسعة ، وعلى بعد عشرون قدم كان هناك قصر شاهق الارتفاع من الرخام الأبيض وبرجه الشاهق انسابت منه المياه الساقطة للأسفل، هل نحن حقًا سندخل إلى هناك؟

"إنه قصر عائلة كليسثينيس، أكره العائلات النبيلة لكن هم أفضلهم". وضّح بورالدو عندما لاحظ نظراتي المندهشة للقصر. "هل يأخذ هذا الفتى دور المرشد السياحي؟" سخر يوجين لأبتسم وأحاول ألا أضحك.

توقفنا أمام بوابة من النحاس ضخمة قبل أن تنفتح وحدها، تخطينا البوابة إلى الداخل وكانت الساحة أشبه بأحد حدائق الجنة. العشب الأخضر على الجانبين والشجيرات الصغيرة، وهناك حوضان للأسماك على كل جهة، لكن شيء ما صغير كان يركض بين الأعشاب.

توقفت أدقق بعيني في محاولة لمعرفة نوع الحيوان؛ ربما قطة أو فأر ما.

ركلة أصابت قدمي لأقفز بعيدًا ممسكة بقدمي بألم، بحق الله ما الذي؟... صوت أشبه بالصفير الخافت جذب نظري للأسفل لأصرخ بفزع وأركض مبتعدة خلف بورالدو الذي توقف فجأة لصوت صراخي، حسنا، لقد توقف الجميع، ليس بورالدو فقط. "هناك شيطان هنا !!ما هذا بحق الله؟" صرخت بخوف بينما أنظر حيث يقف ذلك الكائن الغريب.

لقد كان بحجم سنجاب تقريبًا. إلهي، ما هذا الشيء؟ انفجر بورالدو ضحكًا بينما ظل يوجين يلتف حوله بحذر. "ما هذا الكائن؟" نظرت ليوجين الذي اقترب منه يتفحصه "لا داعي للخوف، إنه أحد النيوفيتو، إنهم ظريفين". نظرت نحو بورالدو بغضب "ظريف! لقد ركل قدمي!" قهقه مقتربًا من ذلك الشيء "لأنكِ حدقتِ به، لا يحب الغرباء الذين يحدقون به وبأصدقائه. يبدو أنه قائد المجموعة هنا".

انحنى على ركبتيه قبل أن يربت على رأسه الصغير نسبيًا مقارنة بحجم جسده، كما أنه يملك أذنا أشبه بأذن القطة لكن طويلة، وشعر زغبي يغطي جسده مع يدين وقدمين أشبه بالكنغر، لذلك ركلني بقوة رغم صغر حجمه.

صفر مجددا بينما حرك فمه الصغير وأنفه بطريقة... حسنًا، ظريفة، وانطلق عائدًا بين الأعشاب. "إنهم يعتنون بالحدائق، يأكلون الأعشاب الضارة والحشرات المضرة. إنهم مفيدون ومن نوعية ممتازة". قال أميراديل هذه المرة قبل أن يلتفت ليلحق بمونغستا.

ألقيت نظرة أخيرة نحو تلك الكائنات قبل أن ألحق بهم.

"يا فتاة، حتى البستاني هنا غريب". ضحكت بخفة على اندهاش يوجين وهو يحدق حوله. مررنا خلال بوابة ضخمة وأصبحنا داخل قاعة شاسعة الطول والمساحة من الرخام والسيراميك الذي يبدو مكلفًا جدًا، النوافذ الضخمة أحاطت المكان وسمحت لنور الشمس أن يعكس أشعته على القاعة الذهبية فيزيد لمعانها لمعانًا.

وعلى بعد عشرين خطوة من المدخل سلم رخامي طويل، زخارف ذهبية زينت درجاته وفي المنتصف سجاد ذو لون أزرق باهت بسط على طول السلم.

بعيدًا عن السلم كان يمكنك أن تلاحظ أن إحدى النافذات مميزة عن أصحابها بطولها الذي يماثل طول الحائط وعلى جانبيها تمثالان كبيران من النحاس، وأمامها كانت هناك كرة بلورية ضخمة الحجم قد يساوي وزنها ضعف وزن شخصين بالغين؛ كانت تطفوا على بعد سنتيمترات تكاد تكون ملحوظة عن الأرضية.

"عفوًا!" صوت صدح ليتبعه صدى في المكان الواسع... يبدو أن لدينا من يُضيفنا هنا!

التفت كل منا إلى الفتاة التي هبطت السلالم الكبيرة بفستان رمادي بسيط التصميم وخصلات بنية اللون جمعتها لأعلى مظهرة وجهها الدائري "لا يمكنكم دخول المكان بهذه..." 

 قطاعها مونغستا " ألبيوس مونغستا، أحد السيرين من الحدود. أنا هنا لرؤية سيدة عائلة كليسثينيس النبيلة في شأن خاص". 

 توقفت الفتاة أمام مونغستا بحاجبين معقودين "هل تظن أن الجميع يحق له الدخول معرفًا بنفسه وكأنه شيء ما داخل قصر عائلة كليسثينيش؟ هل تريد أن يفصل رأسك عن جسدك أنت وزملائك؟ كما..." 

 توقفت فجأة قبل أن تتسع عينيها وتلتفت بسرعة نحو السلالم منحنية على ركبتيها "سيدة كليسثينيس!" قالت بنبرة هادئة تدل على الاحترام. 

نظرت نحو السلالم لألمح ظلًا يتحرك قبل أن تظهر امرأة بفستانها الكبير الذهبي، اتسعت عيناي بصدمة فما أراه أشبه بحورية جمال! 

خصلاتها الشقراء الأشبه بخيوط أشعة الشمس جُمعت للأعلى بعناية، وتساقطت معظم الخصلات الحريرية بجوار أذنها. عينان عسليتان حادتان ونظرة تشعرك بأنك مجرد من كل شيء، وكأنها تعرف وترى كل ما بداخلك. الأنف المستقيم والشفتان الصغيرتان الحادتان اللتا رسمتا بإتقان. الفك البارز والعنق النحيل. 

خطواتها الرزينة المتبوعة بخادمتين ارتدتا فساتانين بسيطين مشابهين لتصميم فستان الفتاة التي انحنت للتو، وخلفهم رجل ببذلة فارس يبدو كحارس لها.

 توقفت على بعد خطوات منا "ليس من أدب عائلة كليسثينيس إبقاء ضيوفنا على المداخل". 

صوتها دفع شعور من الرهبة والدفء في الوقت ذاته معاتبًا التي على ما يبدو أنها الخادمة. إنها تبدو حقا كامرأة لا يجب أن تعبث معها، حتى وإن كان هذا آخر فعل في حياتك.

 "لأول مرة أكون سعيدا لأني شبح بهذا القدر، يمكنني تأمل تحفة الإله هذه دون أن ترمقني بنظرات نارية". رميت نظرة نحو يوجين الذي يكاد اللعاب يسيل من بين شفتيه لأتنهد بشفقة على حاله. 

 "سيدة كليسثينيس.." ظلت عيني مونغستا جامدة على الجمال الحي أمامنا، أما أميراديل وبورالدو كل منهما أحنى رأسه بصمت... 

بقيت أتفحص الجميع بصمت قبل أن تصدم عيناها العسلية بعيني، تجمد جسدي لوهلة وشعرت حقًا أنني أقدمت على فعل شنيع، أبعدت نظري عنها نحو مونغسنا الذي ابتسم ابتسامة جانبية ساخرة دون النظر نحوي. ماذا! هل علي الانحناء أم... أنا مشوشة.

"انحني أيتها الحمقاء". همس بورالدو جاذبا سترتي الصوفية وأنا ما زلت أحدق به كالبلهاء. "كيف تجرئين؟" صوت صدح جعل جسدي يجفل بخوف لأتفت نحوه. توقفت عن التنفس عندما وقعت عيني على السيف الممتد نحو عنقي وإن دفع أحدهم هذا اللعين بالخطأ سأصبح في خبر كان!

ابتلعت وانحبس صوتي بينما بدت رؤيتي مشوشة بسبب دموعي التي أعلنت عن أن لا حرج من الخوف والسيف يشير لعنقي "كاليسفار، أنزل سيفك". صوت المرأة كان كلحن النجاة في هذه اللحظة.

"ولكن يا أختاه، إنها تتصرف بوقاحة في حضوركِ. من تظن نفسها؟" لا أعلم أين الوقاحة فأنا لم أقل شيء حتى، ولكني مستعدة للاعتذار إن كان هذا سيجعلك تبعد سيفك الغبي عني. 

 "كاليسفار". جاء صوتها هادئًا مجددًا لكن حاسمًا ليبتعد حد السيف عن عنقي وآخذ خطوة للخلف أحاول التنفس. "ما بال الجميع يحاولون القضاء على عنقك؟ أولا مونغستا، والآن سياف مجنون؟ أخبريني، ما سر عنقك؟" 

 ألقيت نظرة نارية نحو يوجين، لكن لم تكن مخيفة كما أردت بسبب الدموع التي ملأت عيناي. أشعر بأني سأسقط في أية لحظة. 

"أرجو من ضيوف عائلتنا أن يتبعوني". ألقت نظرة أخيرة نحوي قبل أن تبدأ في السير. "كاليسفار أنت أيضًا... وأنتم يمكنكم الانتظار هنا". وجهت كلامها للشاب الذي لا يزال يرمقني بحقد واضح ثم التفتت لخدَمها  ليومئ كل منهم بصمت ويتوقفوا بمكانهم.

 تحرك الجميع بينما سحب بورالدو ذراعي وهو يهمس بـ مجنونة ونظرات كاليسفار ذاك تتبعنا بشك.

 إنها ثاني محاولة لقتلي اليوم وهذا يجعلني أفكر إن كنت سأعود سالمة حقا للمنزل، فيبدو أن الجميع يبغض الغرباء. 

 تبعنا تلك السيدة التي ظل أخوها المجنون بجوارها ويلقي علينا نظراته كل دقيقة. "يبدو أن الجميع مولع بأخذ حياتك". نظرت نحو مونغستا الذي ما زالت الابتسامة الساخرة على وجهه. نعم، مضحك جدًا، أنت أول هؤلاء. 

 تجاهلته بينما أحاول الاحتفاظ بدموعي التي تكاد تنفجر في أية لحظة. 

دلفنا إلى مكان أشبه بغرفة ضيافة، نافذة واحدة فقط بطول الحائط عن يمين الباب الضخم الذي أُغلق لوحده ما إن دخلنا. بعض اللوحات التي عُلقت بحجم الحائط؛ واحدة منها كانت ضخمة وتحمل صورة لعائلة من ستة أفراد.

بعض التحف كان عجيبة بشكل خاطف للأنفاس، منها ما يحلق وحده دون أي خيوط؛ كمجسم النجوم الذي أخذ يدور ببطء وحده داخل صندوق مكشوف، والدلاء التي كان الماء يستمر في السقوط منها إلى طبق دون أن يمتلئ أو ينسكب، وكأنه فقط يختفي. 

الكثير من الأشياء التي تبدو وكأنها خرجت من عالم سحري. "تفضلوا بالجلوس". التصقت ببورالدو بينما أعبر بجوار ذلك المجنون ويوجين انفجر من الضحك، جلسنا على أرائك ناعمة حوافها كان من الخشب الصلب، أظن أنه من خشب السنديان، هذا المكان بالكامل أغلى من ثروة مانشستر. 

جلست السيدة على إحدى الأرائك أمامنا وفستانها أخذ حيزا لشخصين إضافيين! كيف تتحمل التحرك بهذا الفستان؟ 

 بجوارها جلس الشاب الذي يبدو شقيقيها؛ فالشبه بينهما واضح، الشعر الأشقر والعيون العسلية الحادة والفك القوي، لكن نسخة أكثر ذكورية. خطر ببالي؛ إن جاء شاب كهذا إلى الجامعة لكانت فيريونكا فقدت صوابها بالكامل، لكنت أنا فقدت صوابي أيضًا لكن هذا اللعين أشهر سيفه في وجهي.

 وما زال يرمقني بنظرات شك وأنا أحاول تجنبه قدر الإمكان.

"سيد إلبيوس مونغستا، ظننت أننا لن نراك في أرض النبلاء مجددًا، الأمر أشبه بحدوث معجزة!" نظرت نحو مونغستا الذي ما زالت نظراته الباردة والجامدة كما هي.

يمكنني تخمين لما لا يريد دخول أرض النبلاء، من يريد دخولها يا حفنة المجانين وأنتم تشهرون سيوفكم في وجه الزائر؟

دحرجت عينَي بغضب قبل أن ألقي نظرة نحو المجنون لكن نظرته التي ازدادت حدة نحوي جعلتني أبتلع غضبي وأحتفظ بـأنظاري وأفكاري لنفسي. 

"ما كنت لأضع قدمي هنا مجددًا سيدة كليسثينيس، لكن..." توقف مونغستا ويبدو أنه لا يعرف كيف يقول -هناك بشرية معنا-.

 بالحديث عن البشر، أين يوجين؟ التفت حولي لأتنهد بيأس. 

 إنه يفحص المكان زاويةً زاوية، حسنا، أتمنى لو كنت شبحًا الآن لا أحمل همَّ موتي لأنني سأكون ميتة. أعدت أنظاري نحو من أجلس حولهم لكن تجمدت عندما أدركت أن الجميع يمر بلحظة صمت وأعينهم نحوي... ماذا؟ ماذا قالوا؟ 

 ابتلعت قبل أن أنكمش على نفسي داخل تلك الأريكة، لعلها تبتلع جسدي. "مونغستا يكسر كلمته بسبب... فتاة!" نظرت نحو السيدة التي ابتسمت بشيء من الفكاهة والسخرية ويبدو خبر أن تلك 'الفتاة' هي بشرية لم يذع بعد "تقصدين بسبب وقحة يا أختاه، الفتيات لا يتصرفن بوقاحة حتى وإن كُن من سكان الحدود".

من هي الوقحة يا مجنون؟ أكنت من أشهرت سيفي في وجهك بلا سبب أيها الطفل المتفاخر؟ كم أريد البصق بوجهك وسيفك لكن... لنجعل كل هذا فقط داخل عقلي وأحتفظ بصمتي وكأنه روحي.

"أنظري إليها، ما نوع هذه الملابس بحق الله؟ أي نوع من الفتيات يرتدي سروال؟ و... أي نوع من القمصان هو هذا؟"

"هذه سترة بحق الخالق! وما العيب في ارتداء السروال؟ أليس أفضل من فستان يبلغ وزنه ضعف وزني؟" 

للمرة الأولى خرج صوتي ويصمت الجميع، تبا! حقا جلنار؟ انفعلتِ عندما تحدث عن الملابس؟ أخذت نفسًا وكدت أقول 'أعتذر، أنا مجنونة، لا تبالي بي' ولكنني أيقنت أن أيًا يكن ما سيخرج من فمي سيجلب لي الموت، لذلك تراجعت قبل أن أنظر بعيدًا عنهم. 

"من أين أتيتِ؟" اتسعت عيناي قبل أن أنظر نحو السيدة بحذر ثم أحول أنظاري إلى مونغستا، هل أكذب أم ماذا؟ لقد أخبرني ألا أفصح عن هويتي حتى وإن وضع السيف على رقبتي لذلك...

 "أنا من الحد..."

 "إنها بشرية". 

 شعرت بالهواء توقف داخل حلقي لأسعل بقوة لجملة مونغستا الصريحة الواضحة والمباشرة، لا مجال للخداع. ألم يقل ألا أخبر أحد وكأن كلمة بشرية قنبلة موقوتة؟ لم يبدو أنني الوحيدة التي تفاجأت بالخبر؛ فحتى الأخوين بورالدو وأميراديل لم يتوقع أحدهم شيء مماثل.

 "واو، هذا صريح كاللعنة". عاد يوجين ليستند على ذراع الأريكة "أنظري إلى النظرة على وجوههم إنها فقط... إلهي! لا أستطيع تمالك ضحكتي". انفجر ضحكًا لِألتفت إلى السيدة وشقيقها... حسنا، نظرتهم الخالية وكأن عقلهم أصبح فارغا فجأة مضحكة بالفعل، لكن فكرة عنقي تحت التهديد لم تساعدني على الضحك كثيرًا.

 "هل تظن أننا أغبياء مجانين؟" انفعل الشاب واقفًا مشيرًا لمونغستا الذي ظلت أنظاره ثابتة على السيدة الجميلة "لم أعتد حس الفكاهة منك من قبل، سيد ألبيوس مونغستا". قالت بهدوء لكن دون أن تكلف نفسها برسم ابتسامة. 

"هل أبدو كشخص سيقطع المسافة من الحدود حتى هنا وأدخل أرض النبلاء بعد هذا الوقت لأُلقي النكات؟" نبرة الجدية في صوته لم تترك مجال للنقاش وظللت أنا في المنتصف أبدل نظراتي بينهم؛ أنتظر جملة درامية كـ 'اقــتلــوها' أو 'انــحروا رقبتها' أو شيء مشابه بنبرة غاضبة من أحد الأطراف. 

"يمكن لمتحكم العناصر أن يصنع العناصر، ويستطيع شاب من عائلة ملكية تزوج فتاة من الحدود... هل يبدو لك أيًا من هذه الجمل منطقية، سيد مونغستا؟ لا، إنها غير ممكنة، مستحيلة، لن تحدث، والأمر مماثل هنا! لا وجود للبشر، إنها أسطورة ترويها الجدات وقد أصبحت قديمة". 

 ظل الشاب منفعلًا وصوته يعلو في غضب وهو غير راضٍ البتة عما يحدث.

 "على أحدهم أن يعلم هذا الفتى دروس التحكم في النفس، إن كان الغضب نارًا لاحترقنا جميعا الآن". في الواقع لا أستطيع التخيل إن كان الجميع يمكنه سماع يوجين هل كانت رقبته ستظل في مكانها؟ 

"كالسيفار". وبخت السيدة أخاها وهي تسحب ذراعه لِيعاود الجلوس بجوارها. " إن كان السيد ألبيوس مونغستا مصرًا على حديثه..." توقفت لثانية قبل أن تردف "أحضروا الآنسة مرسيليا". اتسعت أعين شقيقها كالسيفار قبل أن يبتسم بانتصار. 

مرت دقيقة قبل أن يطرق الباب ثم يفتح وحده "سيدتي، الآنسة مرسيليا هنا". لحظة ماذا؟ "كيف عرفوا أنها أرادت حضور تلك الفتاة؟ لا أحد غيرنا في الغرفة! هل هناك كاميرات تنصت؟ هذا اختراق للخصوصية". تقريبا أتفق مع يوجين، لكن نقطة الخصوصية! نحن في قصرهم أيها الغبي. 

"طلبتني، أختاه!" التفت الجميع نحو الصوت الهادئ. إلهي، وكأن حفرة الجمال انفجرت في المكان، فتاة أخرى بفستان فيكتوري وردي، خصلات شقراء لكن وجهها كان صغيرًا ذو فك دائري عكس وجه السيدة وأخيها ذي الفك الحاد، ملامح طفولية بالكامل مع لؤلؤية عينيها الرمادية، هل هي شقيقتهم؟ 

"المزيد من تحف الجمال الإلهية! يبدو أنني أكثر شبح شاب محظوظ". تجاهلت يوجين الذي يرقص فرحًا وهو يحدق بها، أريد حقًا شتمه وكأننا في الموقف المناسب لهذا.

"تعالي مرسيليا". تقدمت الفتاة بخطوات بطيئة نحو السيدة، لكن كاليسفار أوقفها ممسكًا كتفيها "أختي، تمتلكين موهبة عائلة كليسثينينس، يمكنك معرفة الحقيقة دائمًا، انظري لذلك العجوز هنا، إنه يكذب، صحيح؟" بدت الفتاة مصدومة نوعًا ما من انفعال شقيقها وعادت السيدة توبخ كالسيفار على تصرفه الصبياني، إنه حقا صبياني. 

 التفتت الفتاة نحو مونغستا الذي حدق فيها بهدوء قبل أن تتسع عيناها بصدمة "سيد إلبيوس مونغستا!" نوعٌ من الصدمة المختلطة بالتوتر كان في نبرة صوتها قبل أن تبتسم ولكن بشكل بسيط. 

"لم أكن أظن أني سأراك هنا مجددا!" ابتسم مونغستا ابتسامة جانبية وكاد يقول شيء لكن قاطعه كاليسفار "انتظري حتى تعرفي سبب مجيئه".

"الآنسة مرسيليا! يبدو أنني محظوظ جدا اليوم". تمتم بورالدو مائلًا نحوي، نظرت ليوجين بابتسامة، يبدو أن وضع الشباب هنا مشابه جدا، سواءً كنت شبحا أو سمكة! 

"تقدمي واجلسي، أختي". عرض كاليسفار مكانه فجلست الفتاة بجوار شقيقتها مقابلةً لمونغستا. "ماذا يحدث؟" ألقت سؤالها وعينيها متعلقة بمونغستا قبل أن تلتفت للسيدة "أعني لا أمانع إطلاقًا وجود السيد إلبيوس بيننا لكن...؟" لحظة واحدة! هذه الفتاة... ابتسمت بخفة وحاولت إخفاء تلك الابتسامة. 

 هذه الفتاة تبدو معجبة بمونغستا حقا! غير متوقع، أعني توترها ما إن رأته، الابتسامة التي حاولت إخفاءها، جلوسها أمامه وميلان جسدها نحوه ونظرتها التي تنتظر حديثه، حركات يدها الكثيرة رغم أنها قالت جملة بسيطة، حتى عندما تحدثت عن وجوده اختصت حديثها بنفسها 'لم أكن أظن أني سأراك' و 'لا أمانع وجودك' لم تقم بالجمع، إنها تختصه لنفسه.  تبا يا رجل الفتاة معجبة بالكامل، جسدها يفضحها حتمًا. 

"ما السبب خلف الابتسامة؟" رفعت كتفَي ليوجين ومنعت ابتسامتي من الظهور. ركزي جلنار، وتوقفي عن تحليل الآخرين.

"إنه هنا بسبب فتاة". قالت السيدة لتصمت مرسيليا وتنظر بصدمة لشقيقتها "فـ...فتاة؟" التفت تنظر نحونا تبحث عن تلك 'الفتاة' قبل أن تقع عيناها علي بنظرة متفاجئة قبل أن تتحول في ثانية لنظرة متفحصة وشبه منزعجة. ابتلعت وعدت أنكمش خلف بورالدو، لا يعجبني هذا.

"ومن أنتِ؟"

نبرتها العدوانية كانت كفيلة بجعلي أوقن أنني في مشكلة إن ظنت أنني أُنافسها. "سيرين؟ لما قد يأتي السيد من أجل فتاة من السيرين الـ..."

" لقد حاول قتلي!" 

عَضضت شفتي بندم، لقد خرجت تلقائيًا! أردت فقط إيضاح أن العلاقة بيني وبين مونغستا ليست بتلك الودية.

يبدو أن أحدًا لم يتوقع أن هذا قادم، حتى مونغستا نفسه، جميعهم حرفيا نظروا نحوي بعدم استيعاب. "لا أعلم كيف تفعلينها، إذهال الجميع بعد صمت طويل. أرفع قبعتي الشبحية لكِ". تبا لك ولقبعتك، يوجين! ساعدني قليلا. 

قهقه مكتومة خرجت من مونغستا الذي أخفض رأسه محاولًا إخفاء ضحكته، والسيدة حاولت التحكم في اتساع ابتسامتها، لكن كلًا من كاليسفار ومرسيليا لم يستقبل ما قلت وظلت أناظرهم تتبدل بيني وبين مونغستا. 

 "هل سيقتلونني؟" تمتمت نحو بورالدوا الذي يكافح حتى لا يملأ المكان بضحكاته.

 "أنتم مجانين بالكامل! مرسيليا، انظري لعيني العجوز وأثبتي أنه مخادع. هذا بدأ يصبح مشوش جدا." قال كاليسفار بنفاد صبر. "مخادع؟... في ماذا؟" وضعت السيدة يدها على كتف مرسيليا قبل أن تقول "ليس السيد مونغستا. مرسيليا، انظري إليها وأخبريني إن كانت تكذب". تحولت أنظار الجميع نحوي قبل أن تعقد مرسيليا حاجبيها "وماذا أسألها بالضبط، أختاه؟"

نظرت السيدة نحوي نظرة جامدة "هل أنتِ بشرية؟" كان السؤال صادمًا على مرسيليا التي حدقت بِبلاهة في كل منا. 

"لكن أختاه هـ..."

"فقط افعلي ما آمرك به". أنهت النقاش لتبتلع الفتاة وتنظر نحوي بتشوش قبل أن تثبت عينيها بنظرة حادة وتطلق السؤال نحوي ولأول مرة أشعر بالتوتر لهذا الحد. "أيتها الآنسة، هل...هل أنتِ بشرية؟" صمت لثانية وكأنني أحدد مصيري بإجابتي. 

أخذت نفسا قبل أن أقولها بثبات " بكل تأكيد، أنا بشرية". حل الصمت قبل أن تتحول عين مرسيليا إلى الأزرق بالكامل مما أفزعني. "لا تبعدي عينيكِ عنها". بحدة قالت السيدة لأثبت أنظاري لعينيها الخالية.

عادت فجأة لطبيعتها لكنها ظلت في صمت كامل فقط تحدق نحوي وكأنني شيء مستحيل. "مرسيليا!" نادت السيدة لكن نهضت مرسيليا وما زالت أنظارها متعلقة نحوي قبل أن تعود خطوتين للخلف. "هذا مستحيل!" تمتمت وهي تهز رأسها بصدمة قبل أن تردف بأعين متسعة "كيف؟ لا يمكن... هذا غير منطقي!"

هز كاليسفار جسدها قائلًا بإصرار "إنها تكذب، صحيح؟" نظرت نحو شقيقها قبل أن تنقل أنظارها نحوي ثم تعود بأنظار تائهة نحو شقيقها "مرسيليا، أهي تكذب؟" هذه المرة انفعلت السيدة لأول مرة واقفة تنظر لشقيقتها.

نظرت مرسيليا للسيدة بصدمة قبل أن تقول "أختي! لقد قيل لنا أن لا وجود للبشر؟ لما... لما إجابتها صادقة إذًا؟" 

دقائق من الصمت حلت بالمكان وأنظارهم جميعًا اتجهت نحوي، إن قام أحدهم بإيقاع دبوس سنسمع صداه في المكان "لا يعجبني هذا الصمت". أتفق مع يوجين، هذا سيء، أشبه بصمت ما قبل العاصفة.

"مارسيليا، ربما أنتِ متعبة أو هناك خطب ما... أعني هذا مـ..." 

"كاليسفار، إنها لا تكذب. هذه الفتاة بشرية". قاطعته بانفعال وعينيها تائهة بيننا. "فلنتوقف عن تكذيب الحقيقية، السيد مونغستا يمتلك الموهبة التي تجعله قادرًا على التعرف عن الوطن الحقيقي لأي كائن ما كان، والآنسة مرسيليا لا تخطئ موهبتها أبدًا في معرفة الصادق من الكاذب، هذه الفتاة هنا بشرية، إنها حتى لا تعلم ما هي الهِبات!"

نظر الجميع لبورالدو ولم يحاول أحد معارضته، فيبدو أن حديثه غير قابل للنفي. "كيف؟" تمتم كاليسفار وهو ينظر نحوي بصدمة "هذا مستحيل، أختي. البشر غير حقيقيين أعني..." توقف قبل أن يتجه نحوي ويسحب ذراعي بقوة مجبرًا إياي على النهوض "إنها لا تبدو حتى كما قالت الأساطير عنهم". تبًا، قبضته قوية وذراعي بدأت تؤلمني. 

"يمكنك إيضاح وجهة نظرك بهدوء أيها الغبي". صاح يوجين لكن لا أحد يسمعه. "ما الخدعة التي تقومين بها؟ كيف استطعتِ خداع شخصين من مستخدمي المواهب؟" نظر نحوي بغضب ولكن حقا ذراعي بدأت تتخدر لذلك حاولت حبس رغبتي في الصراخ في وجهه. 

"كاليسفار!" صاحت مرسيليا، لكن ذلك اللعين يأبى ترك ذراعي. "هذا يكفي!" صاح مونغستا قبل أن يمسك بذراعي الحرة ويسحبني بعيدا عن كاليسفار خلف ظهره قبل أن يواجه كاليسفار بأعين غاضبة.

 "لقد جاءت معي وإن تجرأت على وضع يدك مجددًا عليها لن أتردد في فصل رأسك عن جسدك". كان تهديدًا صريحًا جعل كاليسفار يشعر بالإهانة ويهم بسحب سيفه لكن صوتها القوي أوقف الطرفان " هذا يكفي!" عم الصمت بعد جملتها العالية ونبرتها الجامدة والقاسية. 

وقفت سيدة عائلة كليسثينيس بطريقة درامية وبنظرات حادة نحو شقيقها الذي تراجع خطوتين للوراء، ثم قال "أعتذر عن وقاحتي". كان كشخص مجبورًا على الاعتذار أو هو حقًا مجبور على الاعتذار. "سيد مونغستا، أعتذر أيضًا بالنيابة عنه". أبعد مونغستا نظرته عن كاليسفار قبل أن يوجهها للسيدة "أنا وأنتِ وجميع قادة العوائل النبيلة الخمس نعلم أن البشر موجودون، لذلك لا أظن أن المبالغة في الصدمة أمر ضروري".

الأخوين نظرا لمونغستا كما فعل كاليسفار ومرسيليا للسيدة التي تنهدت ناظرة نحوي "لكن من المستحيل للبشر الوصول إلى هنا، أو إلى أي عالم آخر سيد مونغستا، لذلك كيف تمكنت من الوصول إلى هنا؟" نظر مونغستا نحوي وكأنه ينتظر إجابة مني ولكني أشحت بنظري بعيدًا بسرعة وأطبقت شفتي بتوتر "لا تخبريهم". نظرت ليوجين بطرف عيني ليردف "فقط قولي لا أتذكر، لسنا متأكدين حتى إن كان هؤلاء الأشخاص يهتمون لحياتك". 

في الوقت الحالي ما يقوله يوجين يبدو الأكثر عقلانية، لذلك رددت بصوت شبه مسموع بـ "لا... لا أتذكر". ليتنهد الطرفان وكأن الأمر ميئوس منه. "أختاه، هل حقا كان البشر موجودين طيلة هذه المدة؟ هل كنتِ تعلمين بذلك؟" أردفت مرسيليا بعد حديث أخيها قائلة "جميع القادة يعلمون! لمَ أمر كهذا مخفي عنا؟"

زفرت السيدة لتنظر بجدية لأخويها "أمر كهذا سيبقى بيننا فقط، ممنوع التحدث عن البشر خارج هذه الغرفة مع أي كائن ما كان وأنتما..." التفت نحو الأخوين أميراديل وبورالدو "الأمر نفسه معكما، لا يجب أبدًا أن يعلم أحد أن البشر موجودون".

"لمَ يبدو الأمر خطيرًا؟" نظرت ليوجين وأريد بشدة تأييد كلامه "سيد مونغستا... لا أظن أننا الوحيدون الذين نعلم عن أمر البشرية". عقد مونغستا حاجبيه واتجهت الأنظار إلى السيدة كليسثنيس التي نظرت بعيدًا وكأنها تتذكر شيء ما. "ماذا تقصدين؟" التفت نحوه بنظرة منزعجة "الفرسان..." اتسعت أعين الجميع وكأن هذا آخر ما توقعوا سماعه. 

"إنهم يعلمون. لقد سمعتهم يتحدثون عن زائر، لكن لم أعلم أن الزائر هو بشرية!" ثانيتان من الصمت قبل أن يقطعها كاليسفار قائلًا "الفرسان! فرسان التوبازيوس؟ كيف يمكنهم نقل بشريــ... لا، لماذا قد يجلبون بشرية إلى عالمنا؟" 

"لا أعلم شيء، ولكن الفرسان لا يمكنهم نقل البشر هذا مستحيل". نظرت ليوجين الذي بادلني النظرات ذاتها "الفرسان!" تمتمت وكأني سمعتها من قبل لكن أين؟ "جلنار... هل تعرفين شيئا عن هذا؟" تذكري جلنار، تذكري.

 لمحة من تلك الذكرى قفزت لرأسي، تلك السيدة داخل السجن لقد أخبرتني بشيء مشابه شيء مثل 'اهربي وأخبري الفرسان أن يسرعوا'. 

"جلنار!" نظرت ليوجين قبل أن أقول "عندما وجدت نفسي في ذلك السجن تحت الأرض، تلك السيدة أخبرتني أن أهرب وأخبر الفرسان أن يسرعوا، يوجين". عقد حاجبيه " وأيضــ..."

"مع من تتحدثين؟" نظرت نحو أميراديل قبل أن أحول نظري للجميع، نظرات التعجب والاستغراب وصمت يسود المكان. تبًا، علي إيجاد عذر ما "لقد كنت أتحدث مع نفسي، لقد تذكرت شيء ما". 

"شيء ما؟" نظرت للسيدة لأقول "أنه عن... الفرسان، عندما استيقظت داخل ذلك السجن أخبرني أحد السجناء أن أجد الفرسان وأخبرهم أن يسرعوا، لذلك..." رفعت كتفَي في النهاية لتتنهد.

"يجب أن نأخذها للفرسان". اقترحت مرسيليا لتومئ السيدة بالموافقة متجاهلين تمامًا ما قلت. نظرت لمونغستا تنتظر رده، زفر وقال "أنتما الاثنان ارجعا، سأتولى الأمور من هنا". نظر الأخوين لبعضهما ليومئ أميراديل موافقًا، لكن توقف بورالدو دون أن يتبع أخاه "لن أعود! بحق الله، أنا من أنقذها كما..." توقف قليلًا يبحث عن عذرٍ ما قبل أن يتجه نحوي ويقول "قد تسبب مشكلة، لذلك سأضع عيني عليها". 

هل أنا طفلة تُصطحب للتسوق؟ "بورالدو، إنها لا تحتاج لرعاية". عقد حاجبيه بضيق وانزعاج ،يبدو أنه حقًا يريد الذهاب، إنه يذكرني به... ديفيد، شخصيتهما متشابه نوعًا ما. "أظن أنني سأشعر بالذعر إن لم يكن بورالدو في الجوار". قلت ولم أكن أكذب نوعًا ما، أعني أنا مذعورة به أو بدونه لكن هو الشخص الوحيد الذي يتعامل بأريحية معي.

"رأيتم! إنها تحتاج وجودي". لم أدرك أنني أبتسم بينما أنظر نحوه متذكرة ديفيد، عودي لرشدك جلنار، فلنضع تركيزنا الكامل على العودة إلى المنزل. 

زفر مونغستا قبل أن يرفع كتفيه باستسلام لتتسع ابتسامة بورالدو "سيد كيلانيو، سيساعدك أحد الحراس في العودة سالمًا، كاليسفار تأكد أن السيد غادر القصر بأمان". قالت السيدة موجهة حديثها لأميراديل، جفلت من نظرات كاليسفار المثبتة نحوي قبل أن يومئ بصمت ويبدو كشخص غارق في التفكير. 

"هل يمكنني المجيء؟" نظرت السيدة نحو مرسيليا لوهلة "عليكِ البقاء هنا وتغطية غيابي، مرسيليا. لا يجب على أحد أن يشعر بوجود شيء غريب أبدًا". أومأت مرسيليا بابتسامة ثم انتقلت بنظرها لمونغستا الذي كان منغمس في أفكاره لتتنهد بخفة، تبدو كشخص يريد حفظ صورته في عقلها وكأنها لن تراه مجددًا.

من الجميل رؤية مشاعر كهذه، لذلك لم أدرك أنني كنت أبتسم بينما أراقب تعبيرها، نظراتنا تلاقت فجأة لتتسع عينها وتتحول وجنتيها للون أحمر، في حركة مرتبكة خرجت من المكان متجنبة النظر نحوي.

لا يمكنني لومها حتى وإن كانوا يلقبون مونغستا بالعجوز، لكنه جسد صلب وبشرة قمحية بشعر أسود و عينين حادتين شبه صفراويتين، حاجبين كثيفين ولا ننسى الغمازة على خده الأيسر، فقط الهالة من حوله تخبرك أنه حتى وإن بدا كشاب في نهاية الثلاثينيات فهو أكبر من ذلك بكثير. 

"تعرفين مكان الفرسان؟" أومأت السيدة لسؤال مونغستا قبل أن تتحرك بنا إلى باب خلفي في المكان لنخرج لحديقة تشبه التي مررنا بها لكن مساحتها أوسع، توقفت قبل أن تضم يديها وتضعها فوق فهمها وتهمس بشيء ما ثم بسطتها ونفخت فيها، ما إن فعلت حتى ضربت نسمة من الرياح المكان ولا أعلم إن كان للأمر علاقة بما فعلت أم لا! 

 "لا أحد يمكنه استخدام الرياح في التواصل بهذه السهولة، إنها ليست سيدة العائلة من أجل لا شيء". همس بورالدو وعينيه تلمعان وأنا ما زلت لا أفهم شيئا مما حدث "أوه، دعيني أشرح لكِ بشكل مختصر. السيدة تمتلك هبتان، منهما هبة الرياح، لذلك يمكنها إرسال موجات صوتها من خلال الرياح، تعلمين، يحتاج الصوت لمادة حتى ينتقل من خلالهـ..." قاطعته بنفاذ صبر. 

"أعرف أن الصوت ينتقل خلال الاهتزازات، وهو أبطأ خلال انتقاله في الهواء لأن جزيئاته متباعدة وتحتاج وقتًا حتى يصطدم كل جزيء بالآخر وينتقل الصوت لنا. أنا لست غبية، بورالدو. لنتفق أن الأساطير التي اعتدت سماعها عن البشر ليست صحيحة بالكامل". نظر نحوي بفاه منفرج قبل أن يعقد حاجبيه ويهمس "لم أكن أعرف هذه المعلومة، كدت فقط أقول أن الصوت ينتقل خلال الهواء". حاول محو تعبيره وأردف.

"حسنا، بما أنكِ تعرفين كيفية انتقال الصوت؛ السيدة كليسثينيس يمكنها جمع الهواء بين كفيها وحجز موجات صوتها ثم ترسلها لشخص معين وحده من يستطيع سماعها". اتسعت عيني بتفاجؤ وقلت "إذًا بإمكانها حجز موجات صوتها فقط بين مجموعة معينة من جزيئات الهواء والتحكم في تلك الجزيئات لتحفظ تردد الصوت ولا تنتقل إلا للشخص المطلوب؟"

إلهي، هذا حقا... معجزة! أن تتحكم بجزيئات الهواء بهذا الشكل وتحفظ تردد صوتك وتوجه مجموعة من الجزيئات لشخص معين "كـ...كيف؟" نظرت نحوهم وكانوا جميعًا يحدقون بوجهي باستغراب.

"كيف تعرفين خصائص الهواء؟" سألت سيدة العائلة لأجيب بتوتر "لأن المكان الذي أعيش فيه يحتوي على الهواء أيضًا!"

ارتفع حجابها وبدا وكأن هناك شيئا آخر أرادت قوله، ولكنها فقط فضلت الصمت.

"إذًا إن كان الشخص يمتلك هبة التحكم في الأرض يمكنه نقل الصوت أسرع!" توقف وهلة ونظر نحوي باستغراب "كيف عرفتِ؟" دحرجت عينَي قبل أن أقول "جزيئات المادة الصلبة متلاصقة لذلك يسهل انتقال موجات الصوت خلالها مما يوصل الصوت أسرع من الهـ..." قاطعني "لا أقصد هذا... كيف تعلمين أنه يمكن التحكم في الأرض، لم أخبرك بهذا من قبل". 

لمحت يوجين يصفع جبهته بطرف عيني، تبًا. "ذلك...لقد استنتجته، أ...أعني قفزت الفكرة لعقلي فجأة، لا أعرف إن كنتم تستطيعون التحكم بالأرض أو لا". ابتلعت وحاولت وضع نظرة بريئة ليرفع هو كتفيه بلا مبالاة. 

تنهدت براحة، علي أخذ حذري هنا، ولكن نظرة مونغستا والسيدة نحوي كانت غير مريحة، علي التحكم فيما يخرج من فمي. 

ما الذي ننتظره على أي حال؟ لم تمر دقيقة قبل أن أحصل على إجابة سؤالي حيث أن مركبة طائرة بدأت بالهبوط أمامنا مماثلة لخاصة مونغستا لكن أكبر وأكثر فخامة، الحواف الذهبية والمساحة الواسعة، المركبة كانت من الزجاج المظلل بالكامل لذلك يمكنني توقع أنني سأرى كل شيء بشكل أوضح. رغم أنى لا أفهم حتى الآن آلية عمل هذه المركبات لكن تبدو هذه باهظة أكثر من جميع المركبات التي رأيتها في ذلك الموقف.

الآن عرفت لمن كانت الرسالة الهوائية مرسلة، لقد كانت لسائقها الخاص. 

استقرت فوق سطح الأرض قبل أن ينفتح الزجاج كباب متجر التسوق الذي يُفتح تلقائيًا، وسلم صغير من ثلاث درجات استقر على الأرض، تقدمت السيدة وصعدت للمركبة قبل أن يتبعها مونغستا ثم أنا وبورالدو، ويسبقنا جميعًا يوجين الأبله الذي يركض بحماس ويقفز بين خطواته كفتاة مراهقة حصلت على اعترافها الأول. 

ظللت أشعر بالضغط طيلة فترة تحليق المركبة رغم المنظر الساحر، لكن شيئا ما يخبرني أن هؤلاء الفرسان لن يكونوا مستعدين لاستقبالي... إنهم يعلمون عني ومن أين أتيت، كيف؟ لماذا؟ ما المقصد من وجودي؟ وهل هم أشخاص جيدون حتى؟ 

العديد والعديد من الأسئلة تجوب عقلي كعاصفة لا تنوي الهدوء، وغريزتي تخبرني أن ما واجهته ليس إلا تمهيد أو ربما ما قبل التمهيد. غير مرتاحة كون الأمر يسير بسلاسة حتى الآن. نحن هنا نتحدث عن شيء خارق للطبيعة، الأمر لا يبدو وكأني في نزهة وسأعود للمنزل! 

"سيدتي، لقد وصلنا". أخرجني صوت السائق من الانغماس أكثر في أفكاري السوداوية. أخذت نفسًا ثم زفرته، لا داعي للهلع، لنكن إيجابيين قليلًا، ما مدى سوء الأمر؟ 

لم أتخيل كم قد يكون الأمر سيء قبل أن أنظر إلى وجه بورالدو الذي اختفى لونه واصفر برعب، بدا كشخص يكتم أنفاسه ويحافظ على هدوئه بكل ذرة تحكم يملكها، وفي الواقع النظر إلى حالته هذه لم تضعني في أفضل حالات الهدوء التي أحاول الوصول إليها. 

"بورالدو". همست وأنا أهز كتفه ليجفل بفزع قبل أن ينظر نحوي ويحاول قدر الإمكان الابتسام لكن بدت كأبشع ابتسامة إجبارية قد أراها في حياتي "توقف عن وضع الابتسامة المريبة، تبدو مخيفًا". همست ليتنهد مزيحا ابتسامة الجوكر المخيفة من على وجهه. 

"أخبرني أن هذا الرعب لا علاقة له بالمكان والأشخاص الذين نحن ذاهبون إليهم الآن!" عض شفتيه قبل أن يميل بجسده نحوي ويقول "لا يجب أن أخبرك بهذا لكن... يقولون أن فرسان هذا العصر هم الأغرب والأكثر عشوائية على الإطلاق، في الواقع لولا أن التوبازيوس قد اختارتهم لكان الجميع فقد الثقة في النجاة". 

رائع، حقا رائع، ما زالت الكثير من المصطلحات في حديث بورالدو غير مفهومة، لكن يمكن لطفل أن يعرف أن الفرسان لن يهتموا بحياة بشرية يظن الجميع أن مجتمعها لا وجود له. طالما ما زلت قادرة على التنفس سأصلي للرب أن يحفظ روحي مما هو قادم.

استقرت المركبة على الأرض أخيرا قبل أن تُفتح أبوابها وتخرج السيدة منها، يساعدها السائق الذي قفز من مكانه قبل خروجها، تبعهم مونغستا ويوجين وبورالدو. مد السائق يده نحوي كنوع من البرتوكولات النبيلة لأي آنسة، لذلك وضعت يدي في يده رغم أن الأمر لا يستحق على كل حال. 

حدق الرجل النحيف في هيأتي بتعجب، نعم، لا فساتين بوزن إضافي، أفضل النظرات الفضولية عن السير بفستان ينافس وزني.

انحنى السائق باحترام وصمت ثم توقف بجوار المركبة بلا حراك. نظرت حولي إلى المكان، كان يبدو كأرض منبسطة فارغة من الأشجار ولها خط سير واحد نحو الشرق الذي اتخذته السيدة بخطوات رزينة واثقة. بدا المكان شيئًا فشيئًا، تحاوطه الأشجار من الجانبين لكن ما زال الطريق أمامنا ممهدا بالإسمنت الناعم.

حاولت قدر الإمكان تجاهل الأصوات الصادرة من الأشجار، فهي غريبة تمامًا عن أصوات الحيوانات التي قد أسمعها في الغابة الطبيعية. كانت الأشجار مختلفة نوعًا ما، لكنها ضخمة جدًا وأعلى بكثير من الأشجار الطبيعية، كانت جذورها تختلف من واحدة لأخرى، فبعضها كان ضخمًا قد يزيد قطره عن الخمسين وبعضها كان نحيفًا جدًا قد يكسر بقبضة يد.

المكان كان هادئا، بعض الصفير الأشبه بزقزقة لكن أحدّ أعطى المكان أجواء الغابة اللطيفة، لكن لا أفضل أبدًا استكشافها مهما بدا الأمر مغريًا. لقد تم ركلي من قبل بستاني أشبه بكنغر وقطة، فماذا عن غابة لا يعتني بها أحد؟ 

"إلهي، نحن حقًا في مقرهم". جذبتني تمتمة بورالدو ونظرته القلقة الموجهة للمسار أمامنا التفت بسرعة لتتباطأ خطواتي وتتسع عيني بذهول، لم يكن المكان خياليًا كالمدينة التي كنت فيها لكن كان هذا المنزل ضخمًا وغريبا بشكل معقد.

بدا الأمر وكأنك أمسكت الكثير والكثير من المنازل الصغيرة وألصقتها بمبنى كبير ضخم، لا نمط معين ولا يمكنك رسم تخطيط هندسي لهذا المبنى الغريب! لم أستطع تحليل طريقة البناء حتى، هناك الكثير من الجدران البارزة نحو الخارج وأخرى غائرة، كما أن الواجهة تمتلك ما يفوق العشرة نوافذ وخمسة أبواب، اثنان منهم موجود أعلى البناية بدون سلالم، من سيخرج من باب كهذا؟ سيموت لا محالة! 

"أسرعي". جفلت ليوجين قبل أن أومئ، ليس من الحكمة الضياع عن المجموعة هنا.

كانت هناك ست مداخن تقريبًا... أم أنها سبعة؟ لا أستطيع رؤيتها بوضوح. كان المبنى بالأسود القاتم لكن حواف النوافذ والأبواب كانت ذهبية اللون  "ماهي كمية السحر المستعملة في هذا المكان؟" تمتم بورالدو فاغرًا فاهه. "هذا ما يحدث عندما يجتمع أحد عشر فارسًا من عشر عوالم". سخر مونغستا وظلت السيدة على صمتها. 

"يبدو التصميم كفوضى لا أُسس له". أومأت موافقة يوجين. "من قد يضع أبوابًا مكان النوافذ؟" همست "أشخاص يرغبون بقتلك؟" قهقه لأنظر نحوه بسخط ليرفع يديه أمام صدره مستسلمًا. "حقير". تمتمت بانزعاج قبل أن أسرع بخطواتي. 

توقفنا أمام باب يتسع حجمه لشخصين تقريبًا، كادت السيدة أن تطرق لكن صوت انفجار ضخم جعل كل من بورالدوا ويوجين وأنا نقفز بفزع وظل مونغستا والسيدة كما هما ثابتان. "لنهرب! لقد كان الصوت من داخل المنزل. أرجوكم، دعونا نهرب قبل فوات الــ... تبًا!" هسهس بورالدو بألم عندما صفع مونغستا مؤخرة رأسه وألقى نحوه نظرة ساخرة "لا بأس أيتها الأميرة، أنتِ من طلبتِ المجئ!" زفر بورالدو بحدة لسخرية مونغستا. "سنقتل بكل تأكيد". تمتم وهو ينقل وزنه من قدم لأخرى بتوتر. 

نظرت للأعلى حيث المداخن، وكان أحدها يخرج دخانًا أسود كثيف عكس بقيتهم! هل لهذا علاقة بصوت الانفجار السابق؟ "للمرة الأولى أتفق مع السمكة الشابة، أظن أن علينا الهروب". ألقيت نظرة نحو يوجين قبل أن أهز رأسي بيأس. أنا بالكاد تحملني قدماي لكن... هل أملك حتى خيار الهروب أيها الغبي؟ 

عادت السيدة بأنظارها نحو الباب الخشبي ثم طرقت عدة طرقات وتوقفت تنتظر أي إجابة. ثانية، ثانيتان، ثلاث... لا إجابة! أعادت طرقاتها مجددًا وكالسابق لا شيء، بدأ الانزعاج يظهر على وجهها وكادت تطرق مجددًا، لكن يبدو أن مونغستا ضاق ذرعًا ليتقدم ويطرق الباب بقوة أشبه باقتحام قوات الإف بي آي على منزل إرهابي! 

كانت طرقته القوية أشبه بأصوات انفجارات متتابعة وكأنه سيكسر الباب بعد ثانية. توقف عن الطرق والجميع ظل ينظر نحوه بصدمة لكنه حافظ على نظرته الجامدة كالعادة، وعندما طال الأمر أغمض عينيه وكأنه يحافظ على غضبه وكاد يطرق مجددًا أو ربما يكسر الباب هذه المرة، لكن منعته السيدة بسرعة قائلة "توقف!" 

نظر نحوها لتشير للباب "هناك صوت خطوات". صمت الجميع واسترقوا السمع، بالفعل كان هناك صوت خطوات ثم ضجة خفيفة وكأن أحدهم اصطدم بشيء ما، قبل أن يتوقف صوت الخطوات يليه صوت دوران القفل داخل الباب، وهنا بالأخص شعور راودني بأن ألتفت وأتجاهل الجميع وأترك سيقاني تسابق الرياح. 

في اللحظة التالية ربما مع فتح الباب سيظهر شيء يفجرنا جميعًا. كانت يدي ترتعشان وعدت خطوة للخلف كنوع من حماية النفس. انفتح الباب وأمسكت بقميص بورالدو بخوف. الكثير من الدخان الأسود فجأة خرج من خلف الباب، وظل شخص يتحرك داخله جعل الشعر أعلى رقبتي ينتصب. هناك شيء ما داخل هذا الدخان الكثيف، وهو ليس بشيء جيد!

بدأ يظهر نوعًا ما، وتأهب جسدي للركض بأقصى سرعة في حالة ظهور ذلك الشيء، ويبدو أن بورالدو فعل الشيء ذاته ممسكًا بمعصمي متأهبًا للهروب. 

بدأ الدخان يخف أكثر قبل أن يظهر جسده الكبير، صوت حشرجة كان القشة التي قسمت ظهر البعير؛ ليسحبني بورالدو خلفه وينطلق كل منا بعيدًا عن هنا.

"أوه! يا إلهي العزيز، لدينا زوار هنا. انظروا لهذه الفوضى! أعتذر حقًا، لم أعلم بمجئ أحدهم". توقف كل مني أنا وبورالدو عن الركض وتجمدت أجسادنا... هذه لا تبدو أبدًا كنبرة وحش سيلتهمنا؟

التفت كل منا ببطء لتتسع عيناي بصدمة، هذا هو من أهرب منه؟ لقد كانت سيدة في أواخر الأربعينات بجسد قصير وممتلئ ووجه دائري مع وجنتين ممتلئتين محمرتين وشعر بني اللون، بعض الدخان الأسود ترك أثرًا على جبهتها وفستانها الأزرق البسيط ومئزرها أصبح ملوثًا بالسواد.

وهنا تمامًا انفجر يوجين في الضحك وكأن هذه هي أكبر نكتة قد يقدمها العالم لشبح ميت، كان بالكاد يتنفس من كثرة الضحك بينما التفت الجميع نحوي أنا وبورالدو المتجمدين بنظرات جاحظة وأفواه فاغرة وقد اختفت ألوان الحياة من وجه كلينا!

"إلهي، هذا... هذا لا... تبا، لا أستطيع التوقف!" وقع أرضًا من كثرة الضحك ممسكًا بمعدته. نظرت نحو بورالدو الذي بادلني النظرات لأبتعد عنه ويترك هو معصمي بسرعة، اللعنة هذا محرج "احذري، جلنار! ستقتلك السيدة اللطيفة بمئزرها المتسخ". سخر يوجين قبل أن ينفجر ضحكا مجددًا.

"أيها الشابان! لمَ تقفان بعيدًا؟ تفضلا". دعت السيدة بلباقة ولطف وابتسامة واسعة "احذري، السيدات السمينات قد يقتلنك بلطافتهن". سخر مجددًا وهو بالكاد يتنفس من كثرة الضحك.

ألقيت نحوه نظرة ساخطة قبل أن أتماسك وأتقدم بصمت نحو مونغستا والسيدة اللذين يتمالكان أنفسهم حتى لا ينفجرا في الضحك أيضًا. "لقد كان إجراء وقائي". تمتم بورالدو بانزعاج لنظرات مونغستا الساخرة، حركت السيدة السمينة يدها في الهواء تبعد الدخان عن المكان قبل أن تفتح الباب باتساع وتترك لنا المجال للدخول.

تحركنا للداخل جميعًا، بدا المكان أوسع مائة مرة مما كنت أظن في الخارج لكنه ليس مكلفًا كما بدت قصور النبلاء، في الواقع كان بسيطًا نوعًا ما، الأرضية من الخشب العادي والجدران لم تكتظ باللوحات الفنية غالية الثمن.

 كان هناك ما يشبه الساعة، لكن هناك أربعة عقارب وما يفوق العشرين رقمًا، وهناك لوحتان ذاتا حجم متوسط تحتويان على صور لمناظر طبيعية. توقفت لوهلة وأنا أنظر إلى ما يشبه أرفف المكتبة، لكن لم تكن الكتب هي التي تملأ الأرفف! كانت أسلحة أشبه بالسيوف والخناجر والكثير من الأدوات الحادة القادرة على فصل رأسي عن جسدي في ثانية.

توقفت عن تفحص المكان قبل أن أجد منشار كهربائي فوق رأسي! 

اتجهنا نحو الأرائك في منتصف المكان، يتوسطها على الأرض سجاد من الفرو الناعم وفوقه طاولة خشبية وضعت مزهرية عليها، كانت مجموعة من ورودها ذابلة بشكل مريع والآخر متفتح بلا أي مشاكل! جلست السيدة أمامنا وهي تمسح كفي يدها في مئزرها المتسخ مسبقًا والابتسامة لا تفارق وجهها.

"إنه ليوم جميل لنحصل فيه على زوار، يا لها من سعادة. يمكنني أن أحزر أنكم من العائلات النبيلة أو..." صمتت قليلًا تنظر نحونا ثم تصحح "أو السيدة كليسثينيس على الأقل". أشارت للسيدة كليسثينيس التي أعطتها ابتسامة رسمية جافة.

"وأنت! أنت هو السيد إلبيوس مونغستا بالتأكيد، جميع سكان الحدود يعرفونك جيدًا". قالت بابتسامة أوسع "إذا أنتِ من الحدود؟" أومأت موافقة لسؤال مونغستا "نعم، أنا كذلك، أنا من أرض جولد. أدعى مابيلين، واندر مابيلين". 

بعيدًا عن جو التعارف الغريب، كان هناك شيء آخر يجول داخل رأسي، هذا المكان! يبدو مألوفا بشكل يثير القشعريرة! وكأنني كنت هنا سابقًا، أعلم أن هذا مستحيل، لكن كل شيء هنا في هذا المكان بالأخص أشعر أنني رأيته، الأرائك، الأرضية، حتى أنني أكاد أجزم أن على بعد عشر خطوات خلفي هناك باب خشبي.

ولكن عندما استدرت للنظر خلفي لم أجد شيئا سوى جدارا عاديا!

تبا، عقلي بدأ يفقد اتزانه. أعدت أنظاري لهم وكان حوار التعارف البسيط في نهايته لأن السيدة كليسثينيس أنهته بسؤالها "أين الفرسان؟" 

"الفرسان!َ" أعادت السيدة واندر الكلمة بتعجب قبل أن تصمت وتفكر قليلًا "ليس الجميع هنا، أغلبهم قد خرج للتدريب، كما أن ليس جميع الفرسان على أرض الإلترانيوس.." سكتت لثانية ثم أتبعت "بعد". عقدت السيدة كليسثينيس حاجبيها "ليسوا جميعا هنا؟ تعنين أنهم ما زالوا في أوطانهم؟" أومأت السيدة واندر ببساطة لتقف السيدة كليسثينيس بغضب "كيف يمكنهم هذا! هل تبدو الأوضاع لهم هنا كمزحة؟" اتسعت أعين السيدة واندر وهي تقف "اهدئي سيدة كليسثينيش، الفرسان يعرفون ما يفعلونه جيدًا" تبا، ها نحن ذا. 

ألم نكن هنا لأنه يجب أن أعود للوطن؟ ماذا حدث؟ زفرت بتعب قبل أن أبحث بعيني عن يوجين لكنه لم يكن هنا! اللعنة أين ذهب؟ أخبرته أن المكان غير آمن، من يعلم من أيضًا قد يتمكن من رؤيته، ذلك الأحمق.

"يوجين!" همست بحدة لكن لا فائدة، نهضت مستغلة انشغال الجميع بغضب السيدة كليسثينيس قبل أن أزحف على يدَي وقدمَي حتى لا يراني أحدهم "يوجين أيها الغبي". همست مجددًا لكنه لم يجب. 

لا بد أنه خرج من المكان! نظرت لباب الخروج قبل أن أعيد أنظاري نحوهم... حسنا، سأخرج بسرعة، سأنظر إن كان في الخارج أم لا ثم سأعود لن يشعر أحد بشيء. 

أخذت نفسًا عميقًا قبل أن أتمتم "هذا جنون!" زحفت بسرعة نحو الباب قبل أن أفتحه وأخرج من المكان. زفرت براحة، لم يمسكني أحدهم. نهضت وأنا أنفض ملابسي قبل أن أنظر من حولي باحثة عن الأحمق بعيني "يوجين". ناديت بصوت عالٍ لكن لا رد، لعنته بين أنفاسي، كأنه طفل يحتاج لرعاية.

ابتعدت قليلًا عن المنزل وأنا أنادي اسمه قبل أن تلتقط عيناي حركة بين الأشجار على يساري، تجمدت لثانية قبل أن ألتفت وأنادي باسم يوجين مجددًا. "إن كنت تمزح فهذه أسخف مزحة". صحت بغضب لكن جسد ما تحرك بين الأشجار، تظن أنك قادرًا على خداعي؟ ابتسمت بسخرية قبل أن أتجه نحو الأشجار وأنظر خلفها بسرعة، لكن لم يكن موجودا! على بعد خطوات كانت الحركة ذاتها، زفرت بملل قبل أن أركض بسرعة نحو الأشجار وأصرخ..

"أمسكتك!" 

ركلت الأرض بغضب عندما لم يكن هنا، بحق الله، هذا يكفي. حركة على بعد خطوات جذبت نظري لأدحرج عينَي وأنا أتجه نحوه "يوجين هذا يكفي حقًا، نحن لا نلعب اختبئ وابحث". أبعدت الأشجار لكنه لم يكن هنا "سأعود، إن حدث لك شيء فأنا لست مسـ..." علقت الكلمات في حلقي وتجمد جسدي في ثانية، عندما أدركت أن يوجين شبح، والأشباح غير قادرة على تحريك أغصان الأشجار.

ببطء وأنا أشعر بجسدي بارد كالجليد؛ استدرت أنظر لمصدر صوت الخطوات التي تسحق الحشائش خلفي. عيني وقعت على الهيئة الواقفة والتي بدأت تشهر أنيابها، لم أكن مدركة ما اللعنة التي تقف أمامي، لكن عقلي صرخ بأنه قد يكون أي شيء إلا مخلوق ودود.

شُللت لثانية وتوقفت أنفاسي داخل صدري، الشيء الواقف أمامي أشبه بأفعى المامبا السوداء، ضخمة يصل طولها لستة أمتار ونصف، لكن بأربع قوائم تقف عليها. عيناها السوداء تحدق نحوي بجمود وقد فتحت فمها كاشفة عن أنياب ولسان أشبه بخاصة الأفعى تمامًا لكنه كان مليئا باللُعاب ويبدو أنه متلهف لوجبة ظهرت كهدية من السماء.

تراجعت خطوتين بحذر، حاولت التفكير في شيء ما، أي شيء، لكن يبدو أن عقلي كان في صدمة هو الآخر لذلك بدون مقدمات فعلت ما صرخت به غرائز النجاة 'اركضي!'. لم أحتج لأن يكرر الأمر مرتين داخل عقلي لأني خلال ثانية كنت قد التفت وأطلقت سراح ساقي لتسابق الريح.

كان الأمر مفزعًا، أطرافي باردة بشكل مخيف، كنت على حافة البكاء. حاولت وضع كامل تركيزي على الهروب والنجاة. صوت تصادم الأقدام بالأرض خلفي جعلني أدرك أن ذلك الشيء يقترب بسرعة. 

لا تنظري للخلف، لا تنظري للخلف، نظرة واحدة كفيلة بإنهاء حياتك. كانت أنفاسي تحارب لتمد جسدي بالقوة، لم أكن أبذل الجهد في تنظيمها، فقط الركض بأسرع ما يمكن.

صوت وقع الأقدام أصبح أخف، كانت تلك اللحظة عندما شعرت ببعض الأمل، القليل جدا جدا من الأمل يلامسني، وجسدي كان كل عضلة به تصرخ بالتعب وكأن مجموعة من الأفيال قد دهسته ما إن أبطأت قليلًا؛ حتى لمحته بين الأشجار يجاورني تقريبًا في الركض. لم يكن واضحًا، لكن هيئته وهو يركض كانت تجاورني تقريبًا، لذلك تناسيت كل شيء عن التعب والأمل وضغطت على جسدي ليسرع في الركض. 

سمعت كثيرًا عن الطاقة المفاجئة التي تصيب الجسد عندما يبلغ حده ويظن أن لا مفر، لكن... أين هي بحق الله؟ أنا أحارب للحفاظ على سرعتي هنا وبدأت أشعر بأن صدري يضيق مع كل نفس آخذه، ألهث بحدة بينما أحارب لتستمر قدمي في التحرك. 

بدأت الأشجار تقل فجأة من حولي وكانت الرؤية أسهل، وعلى بعد خطوات كانت الأشجار قد انتهت. بدأت أركض فوق مساحة خالية من الأشجار. لا تتوقفي! هكذا بقيت أتمتم بين أنفاسي لكن يبدو أن للقدر خطة أخرى، لأنه خلال ثانية كنت أحارب للتوقف عن الركض.

في الثانية الأخيرة كنت تمالكت نفسي وأنا أنظر للمنحدر الضخم، أنا أقف على حافة منحدر قد يقتلني إن سقطت من هنا! 

أصبحت أنفاسي مسموعة ونبض قلبي كان من السهل لأذني التقاطه بقوة وبضعف نبضه الطبيعي وكأنه سيتوقف خلال أي ثانية. 

التفت بسرعة وأخذت عدة خطوات نحو المكان الذي كنت أهرب منه لتوقفني حركة بين الأشجار وهنا أيقنت أنني أمتلك خيارين، إما أن يلتهمني حيوان غريب كوجبة الغداء أو يهوي جسدي من فوق المنحدر اللعين، وفي كلتا الحالتين أنا ميتة. 

ذلك الشيء كان يقترب ببطء بين الأشجار وكأنه يسخر من المجهود الذي بذلته بلا فائدة! تراجعت خطوتين للخلف أنظر بحذر نحو الحركة بين الأشجار، وفي هذه اللحظة جميع الصلوات التي حفظتها في حياتي المكونة من واحد وعشرين سنة كنت أتلوها الآن.

تغلبت الدموع علي وبدأت في الانهمار بينما شهقاتي ترتفع من بين أنفاسي. لن أستطيع رؤية والدتي وأخوتي مجددًا، لن أعود للمنزل ولن أرتاح فوق فراشي مجددًا. لم أكن أريد الموت بهذه الطريقة أبدًا، حتى أن جسدي لن يدفن. جميع الفرص التي فوتها في حياتي كنت أندم عليها في هذه اللحظة. 

لم يكن بيني وبين حافة المنحدر سوى نصف خطوة، التفت للخلف أنظر للعلو الضخم بين الحافة والأرض، أنا حتى لا أستطيع رؤية الأرض من هنا! لا توجد وسيلة لتضمن سقوطا آمنا.

في الثانية التي التفت فيها مجددًا للأمام شيء ما قفز بسرعة من بين الأشجار، لم أتوقع حدوث هذا وتراجع جسدي بفزع، لتتعثر قدم بالأخرى وخلال ثانية لم أستطع الإدراك فيها كان جسدي قد فقد توازنه بالكامل ليسقط من فوق الحافة.

أغلقت عيني بسرعة وانتظرت لجسدي الارتطام بقوة والتفتت لأجزاء، لكن لم يحدث أي من هذا، لأن يدا ما كانت تمسك بذراعي وتمنع سقوط جسدي الذي تعلق في الهواء. 

في هذه اللحظة تمامًا لم أعلم أنها كانت البداية وأن القدر يحَبك لعبته، يسحب الخيوط ثم يُرخيها، يعقدها بمهارة ثم يحُل عقدة أخرى. 

لقد كنت أحب القراءة لكن لم أكن أُؤمن كثيرًا بما أقرأ.

أتذكر أنه ذات مرة في أحد الكتب التي أصبح عنوانها مبهمًا في عقلي… قرأت أنه يمكنك وضع صخرة في أي مكان في هذا العالم، ثم اذهب إلى أعلى المرتفعات وأبعدها عن الأرض ودحرج كرة خرزية صغيرة... ذلك الاحتمال المستحيل في اصطدام كرة الخرز بالصخرة هو تمامًا ما يسمى بالقدر. 

بدا الأمر سخيفًا، لا يمكن لكرة الخرز والصخرة أن يلتقيا مهما كانت الاحتمالات، حتى وإن كان ذلك القدر! كان إيماني أحمقًا، ربما لأني لم أعرف ما يعنيه القدر! لكن الآن أغرق في السخرية من نفسي، كيف لا أفعل؟

فرصة لقائنا كانت كتصادم كرة الخرز والصخرة، فرصة لقاءٍ غير ممكنة في مكان مستحيل كان القدر قد رسمها. 

كنتَ غريبًا ومخيفًا، لقد كنتَ رجلًا ملأته الكراهية حتى فاضت تلك المشاعر من مجرد نظرة واحدة لعينيك، تلكا العينان الأشبه بعدسة زجاجية حملت لون السماء وكل ألوان الحقد داخلها، إنهما ذاتا العينين اللتا كانتا الواصل الوحيد بين جميع أحلامي الغريبة قبل المجيء لهنا.

لقد كنت أنت بحد ذاتك كالحلم، أو ربما كالكابوس... ذلك الكابوس الذي أمسك بكف يدي من فوق سفح ذلك المنحدر، وعندما ظننت أني نجوت، لم أكن أعلم أنك على بعد ثانية واحدة من إلقاء جسدي وإزهاق روحي.

خلقت أهوالًا من الرعب داخل قلبي وأعلن عقلي أنك العدو... 

وحِبَال القدر التي سُحِبت حتى نتلاقى؛ سأبقى ألعنها حتى أغمض عيناي بعيدًا عنك.

سيبقى صوتك الأشج يرن داخل عقلي، وجملتك المهلكة التي لم أعلم سببها سأسمعها كثيرًا "وجودكِ كعدمه، بلا فائدة". قبل أن تفلت يدي تَاركًا جسدي يهوي نحو الموت...

 لم أصدق أنك أفلتني بعد أن فجرت أمل النجاة داخلي. وفي اللحظة التي اندفعت الدماء بها إلى عقلي وبدأت أفقد الوعي تردد سؤال ما داخلي! 

هل كنت تعلم حينها أنك كنت تقتل روحًا بكل برود؟


*******************************

هالووووووووووووو

هاقد حضر... هاقد جاء 

رحبوا وهللو وصفروا واحتفلوا لان تسجيل الدخول الاسطوري لشخصية الاسطورية وصل 

الناس الي انتظرت البطل لمدة 10 فصول

اتفضلو 

بطلنا 😂😂

فصل النهردة راجعتوا كله وقرأته كله عكس بقية الفصول الي قبله الي كنت بس بنسقها وانزلها
لان اكتر فصل بحبه وبتحمس له هو وفصل ظهور يوجين 

اتمنى تستقبلوا الشخصية دي بكل دفئ وحب واحترام لو سمحتم 

هحاول بكره انزل الفصل 11 عشان الحماس وكده 

لوف يووو
بااييي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

46 تعليقات

  1. اخييييراااااا😍❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  2. وصلنا لعبارتي المفضلة المتعلقة بالقدر😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭

    ردحذف
  3. اوووووه حبيت و الله من قلبي حبييييت😭❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  4. شكرا على التحديث حبيبتي اسراء عن جد كل مرة تحدثي هرمونات السعادة تزيد و الجو يصبح حلو و جميل❤️✨✨

    ردحذف
  5. من قوةةة لحماس مدرب كيف بلش اقرااا😭😭

    ردحذف
  6. اخيراااا حبيبنا رجع

    ردحذف
  7. اخيرااااااا😭😭😭😭♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️

    ردحذف
  8. اخييييييييرررااااا، ياربيييييييي اشتقت لههههه 😭😭😭😭😭😭

    وانا في لحظة منزل الفرسان متت ضحك مثل يوجين على أستعداد جلنار و بورالدو على الهروب، كما اني تذكرت أنمي بلاك كلوفر لأن تصميم منزل الفرسان مشابه شويية 😭😭😂😂😂

    ردحذف
  9. كل محتويات الفصل كما عهدناااه، يجنن وياربي، تحفةةةةة؛ ااااااااا، الحماس في قلبي متقددددددددد(مشتعل) 😭😭😭
    احس كأن قلبي ما يصبر لبكرا 😭😭😭😭😭😂

    شكرا على مجهودك يا حلوة يا إسراء، بجد بجد، حبيت الفصل، كأني اقراه للمرة الأولى مع اني قارية الرواية من ٤ سنوات ونفس الحماس والضحك وكل شيء، اااااااا، شعوري هو هو نفسه 🥺🥺🥺🥺🥺♥️♥️♥️♥️♥️♥️😭😭😭😭

    ردحذف
  10. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  11. اخيررررررررراً ظهر الاسطورة ❤️‍🔥❤️‍🔥❤️‍🔥
    يمههه الحمااس راح يبدي 🔥🔥🔥🔥🔥
    شكراً إسراء حبيبتي 🫶🫀🩶🩶🩶

    ردحذف
  12. حرفيا الفصل دا يتبروز

    ردحذف
  13. يوووهه اتذكر اني كرهته كره العمى اول مره قرأت الرواية لكن ناو ووللكككممم ترتوسي منور الحته والله🎉🎉🎉🎉

    ردحذف
  14. يااا الله 🤭🔥🔥🔥

    ردحذف
  15. اخيرررررا حبيب قلبي ظهر ❤️❤️❤️❤️😂لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة ❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  16. ااااااااااااااااااااا اشتتقتلو😭😭

    ردحذف
  17. بس انتبهي وقت تحكي عن القدر وهيك لانو ما بصير نحكي عنو كأنو الخالق والي بيده كل شي

    ردحذف
  18. حاسه انى عايزة اعيط؟ مشاعر مختلطه بين الدفئ و الحنين و السعاده و الحماس و بين ست سنين اتغيرت فيهم ملامح و افكار بس لسه حماسي زى ما هو من ست سنين و كأنى رجعت بالزمن

    ردحذف
  19. واحيراااااااً حبيب القلب قد ضهر 😭💕

    ردحذف
  20. متحمسة للفصل اللجايي 😭

    ردحذف
  21. يا سلام حبيب الملاييين شرفنا

    ردحذف
  22. وجبال القدر التي سحبت حتى نتلاقى،سأبقى العنها حتى اغمض عيني بعيدا عنك

    ردحذف
  23. وين باقي فصول الرواية مش ظاهرين عندي؟

    ردحذف
  24. اتريوووووس وحشتني يا اخي😭

    ردحذف
  25. حبيب القلب قد ضهر❤❤😩😩

    ردحذف
  26. جاء اخيرا قاتل قلوب العذارى😭❤️‍🩹😂

    ردحذف
  27. ي مرحبتين بحبيب الملايين 😭❤️❤️❤️

    ردحذف
  28. اول ظهور ناري ممكن حد يظهره في الاكوان كلها حبيب و مكروه الملايين وصل يا رجالة حقيقي مش فاكرة مشاعري اتجاه اتريوس اول مرة قرأت الرواية بس اعتقد اني مكرهتوش و كنت مبهورة بيه جدا لانه كان غير عن اي بطل رواية قرأتها قبل كده المهم ان سواء اي حد كرهه او حبه في بداية ظهوره فهو غصب عنه هيحبه بعد كده لما يعرفوه ع حقيقته القمر، كل الحب لاتريوس حقيقي

    ردحذف
  29. منزل الفرسان مثل ما كنت مذكرته من زمان رجعتلي الذاكره😭+ الظهور المشهور اخخخ💕

    ردحذف
  30. اوييليي مين هذا الشخص شكله مهم بس ليش تركههااا ككذذاا!! جلنار بنتي خايفه عليها 😞

    ردحذف
  31. صببرر هذا البطلل!!!! 😭😭😭😭😭

    ردحذف
  32. ❤️🫶🏻❤️🫶🏻❤️🫶🏻

    ردحذف
  33. اتريووووس وصل واخيييرا 😭😭

    ردحذف
  34. هو البطل ؟🙄🥲
    لااااااا أنا بدي ديفيد 😔

    ردحذف
  35. مع كامل احترامي لرواية و كاتبة بس بطل هنا حقير بما تحمله الكلمة من معنى

    ردحذف
  36. اكثر فصل احبو ❤️❤️❤️

    ردحذف
  37. اتريوس 😭😭😭😭😭 كراش الطفولة ظهر اخيرا 😭🎊

    ردحذف
  38. اععععععععتتن❤️‍🔥❤️‍🔥❤️‍🔥❤️‍🔥😭❤️‍🔥❤️‍🔥❤️‍🔥😭😭❤️‍🔥😭❤️‍🔥😭😭❤️‍🔥❤️‍🔥تفكرت الثيران السوداء و المنزل ديالهم الغريب ،😂

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال