الفصل الثاني عشر | أصل الحكاية

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "الحمد لله حين تبكي وحين تحزن وحين تسعد وحين تضحك، الحمد لله في كل حين"

إفصاح آخر:" حين سألوني عنك 

أخبرتهم: هو رجل؛ ونسيت أننا في حفل تنكر "

مساحة لذكر الله 

**************************************************

 الفصل الثاني عشر

"حسنًا إذًا، لنبدأ من البداية، النقطة التي بدأ عندها كل شيء، لابد أنكِ سمعتِ مصطلح 'التوبازيوس' من قبل". أومأت قبل أن أقول "أنا أسمعها طيلة الوقت في الواقع". ابتسمت مستمتعة بدور المرشد التاريخي وقالت "إذا دعيني أعرفكِ على التوبازيوس". 

بسطت يدها عند بداية الخريطة قبل أن تمررها فوق الورقة بالكامل، خلفت حركة يدها تحرك جميع الخطوط المتشابكة والرسوم التي ملأت الخريطة لقارات مختلفة لتختفي وتتحول الخريطة للون أبيض وكأنها جديدة. 

"يا رجل، هذا الفيلم الوثائقي سيكون الأفضل". لم أكن لأخالف يوجين الرأي، عيني كانت متعلقة بالورقة باندهاش من سحر هذا المكان. 

نقرت واندر بإصبعها في منتصف الورقة لتظهر نقطة صفراء مشعة وترتفع لأعلى طافية فوق الورقة، وأنا أعنيها حرفيًا لقد طفى الضوء الأصفر أمام عينَي وكأنها صورة مجسمة لجهاز الهولوجرام "هذا هو التوبازيوس، جلنار". قالت واندر مشيرة للضوء الطافي. "نقطة صفراء مشعة؟ أتمزحين؟" سخر يوجين رافعًا أحد حاجبيه. 

"التوبازيوس ليس شخصًا أو مخلوقا، إنه قوة، قوة أكبر من أي قوة قد خُلقت في الكون، وجودها يحافظ على اتزان كل بعد وكل أرض وكوكب، تحافظ على الأبعاد منفصلة وتعطي كل بعد ما يحتاج من الطاقة حتى لا يتدمر، كنتِ تظنين أنكم المخلوقات الوحيدة في هذا الكون جلنار، لكنك مخطئة، هناك مخلوقات قد تفوق تصورك، ليس فقط المجرات الموجودة حول بعضها لكن هناك أبعاد تختفي داخل بعضها البعض، بينهم حاجز لا يمكنكِ رؤيته، تحافظ التوبازيوس على وجودها".  

أخذت نفسًا قبل أن تكمل منتشية بنظرات الفضول التي لم أحاول إخفاءها.

"يمكنك فهم هذه الحياة أو تقسيمها على أنها كون كبير، فراغ سرمدي، يحتوي على مجرات لا يمكن حصرها، كل مجرة تحوي نظاما فلكيا، كواكب تدور حول شموس وأقمار تدور حول كواكب، وكل كوكب منهم تتداخل فيه العديد من الأبعاد بأعداد لا نهاية لها، كل كوكب يملك ملايين الأبعاد، بعضها قد انتهت الحياة فيها وتسبح في اللا شيء، وبعضها يعيش داخله كائنات مثلي ومثلك تتنفس وتعيش. هناك جلنار في أكثر من مليون بعد على كوكب الأرض، واحدة عجوز وأخرى طفلة، قد تكونين ملكة في بُعد وسجينة في آخر".

صمتت قليلًا وكأنها تعطيني وقتًا لهضم المعلومات التي تلقيتها للتو قبل أن تردف " لكن لن أشغلك كثيرًا بأمر الأبعاد؛ فلا نملك أي مشاكل من تلك الناحية، لكن سأتحدث عن المجرات جلنار. كوكبكم الأرض موجود داخل مجرة تسمى بدرب التبانة، صحيح؟" أومأت بالموافقة. قبضت واندر يدها قبل أن تبسطها لتظهر دوامة تستمر في التحرك تشبه المجرة بالفعل بينما تتصل بالضوء الأصفر أو التوبازيوس بخيط فضي رفيع، انسدلت من مجرة درب التبانة سبع كواكب تعرفت عليهم بسرعة. 

"حسنًا، عدد المجرات في الكون لا يمكن إحصاءه حتى الآن، لكن مجرتكم ليست الوحيدة التي تتواجد فيها الحياة، على بعد سنين ضوئية هناك مجرة أخرى، مجرة تدعى آرسزلا، هذه المجرة تحتوي على عشرة كواكب مختلفة جميعها تحتوي على كائنات حية ونظام بيئي متفوق. 

"مجرة آرسزلا كانت تحتوي في زمنٍ قديم على اثني عشر كوكب، ليس عشرًا فقط. جميع تلك الكواكب كانت تعيش في اتزان، وقد منحت التوبازيوس كل كوكب قوة وميزة تجعل هذا الكوكب مختلف عن الآخر. كان السفر عبر الكواكب سهلًا عبر هذه المعابر الفضية التي تربط جميع هذه الكواكب ببعضها البعض عبر نظام متشابك ومعقد ولكنه قوي". 

لوحت بيدها في الهواء لتتحرك الكواكب التي كانت تدور حول بعضها فاتخذت شكلا دائري، مرصوصة بجوار بعضها اثني عشر دائرة، على كل دائرة رمز مختلف.

"بداية، الإلترانيوس... الكوكب الذي وجدتِ نفسك على أرضه، يصنف شعب الإلترانيوس على أنه أقوى الشعوب من حيث القوة والذكاء، الإلترانيوس كانت وما زالت الأفضل من حيث القوة العسكرية و التقدم العلمي، امتاز شعب الإلترانيوس بالقدرة على التحكم بعناصر الطبيعة الأربعة 'الأرض، النار، الماء، والهواء' تحت شروط معينة، ولكن تمكن شعب الإلترانيوس من تطوير هذه الهبة وجعلها أقوى بكثير مما كانت عليه، لذلك إن كنا سنمثل هذه الكواكب كهرم تسلسلي، فالإلترانيوس هي على قمة هذا الهرم".

دائرة كانت ترمز للإلترانيوس وتحمل رمزا للعناصر الأربعة مجتمعة أصبحت أكبر حجمًا وتقدمت عن البقية لتستقر أسفل التوبازيوس تمامًا.

"لكن لم نكن بلا منازع، فقد كانت الساحرات يتمتعن بذكاء حاد جعلهن الأفضل في مجال القوى والطبيعة، باستعمال السحر تمكنّ من التحكم بالطبيعة من حولهن، وسخرن هذا السحر لخدمة كوكبهن، لذلك لم يستغرق منهن الأمر طويلًا حتى برز كوكب الماجي عسكريًا وعلميًا، فكلما تقدمت الساحرة في العمر على عكس الإلترانيوسي فهي تصبح أكثر قوة وخبرة" الماجي ألا يعني الماجيك (السحر) ؟ 

توسعت دائرة الساحرات والتي كانت تحمل رمزًا لكتاب ما مفتوح ويد مبسوطة فوقه، وتحركت حتى أصبحت أسفل إلترانيوس وبقي العشر دوائر متراصة أسفلهن.

"بالتأكيد كانت الأغلبية تتنافس في القوة وفي التقدم، وهنا ظهر من قد ينافس الماجي وساحراته، لقد كانوا الإريبوس". تنهيدة تسللت من بين شفتيها وكأنها تذكر شيئا لا تريد ذكره، الإريبوس! سمعت الاسم سابقًا. 

"الإريبوس كانوا شعبًا قويا استغل قدراته بشكل لا يصدق، كانوا يتقدمون بسرعة تكاد تجاري سرعة الإلترانيوسيين حتى أصبحوا متساويين مع الساحرات في القوة". تحركت دائرة سوداء بلا أي رمز بسرعة وأصبحت تجاور دائرة الساحرات أسفل الإلترانيوس. 

"وما هي قدرات الإريبوسيين؟". سألت لتضع يدها أمام ضوء الشمس الصادر من النافذة وتقول "على حد علمي: الظل والظلام. إنهما متضادان نوعًا ما؛ فلا ظل بلا ضوء ولا ظلام إذا وجد الضوء، لذلك قوة كهذه كان من الصعب منافستها. كنا نطلق عليهم الشعب المظلم، فلا شمس تشرق على كوكبهم إلا مرتين في العام، أجسادهم تتحمل البقاء بلا ضوء وصيف مما يجعلهم قادرين على تحمل درجات الحرارة المنخفضة والضغط مهما كان". 

"تلاهم المستذئبون. يعتبر المستذئبون من أقوى أنواع المخلوقات الحية، بل إنهم قادرون على التنافس في المركز الثاني في هذا الهرم، لكن بقاءهم في المركز الثالث كان بسبب العداوة بين صنف المستذئب والليكان، لولا تلك التفرقة بينهم لتمكنوا من تصدر القائمة، ثم... المجنحون، قوتهم تتمركز حول أجنحتهم دائمًا. تمتاز أجنحتهم بقوة عضلية ومتانة تفوق أي جسد محارب قوي، طول الجناح الواحد قد يعادل طول شخص بالغ، ويمكنها حمل وزن يفوق وزن صاحبها بضعفين، ميزتها ليست في الطيران فقط! بإمكان تلك الأجنحة التحول إلى أي معدن أو مادة لمسها صاحب الجناحين سابقًا، مما يجعلها سلاحًا فتاكًا، فالريش قد يصبح خناجر حادة، ومهما حاولتِ قطع تلك الأجنحة فهي تنمو مجددًا، وهذا جعلهم في المركز الثالث متنافسين مع المستذئبين".

رومياس وأغدراسيل! نعم، يمكنني تخيل أغدراسيل كمحارب قوي، فجسده مبني بشكل قوي وطوله يجعل من السهل تصور شكله كمحارب، ولكن رومياس بدا نوعًا ما... ضعيف بعض الشيء! 

"كان هناك شعب آخر يساويهم قوة، المتنكرون أو (ذو المئة وجه) موطن جوزفين". ارتفع حاجباي بصدمة وتبادلت مع يوجين النظرات المستنكرة ذاتها، ويبدو أن واندر قرأت وجهي لتبتسم وتقول:

"ربما هم أكثر كوكب يفتقر للقوة الهجومية، مما يجعل منه عدوًا سهل، لكن يمتاز المتنكرون بميزة جعلت منهم أكثر خطورة من أي سكان كوكب آخر، ذكاءهم وطرقهم الخداعية كانت تمثل رعب لباقي الملوك، فلا أحد يمكنه أن يعرف سرك كالمتنكرين".

الثلاث دوائر التي تحركت متراصة بجوار بعضها أسفل الساحرات والإريبوسيين.

"ما هي قوتهم بالضبط؟" قصدت في سؤالي جوزفين وشعبه لكن اكتفت واندر بابتسامة وقالت "دعيه يفاجئك".

رفعت كتفَي باستسلام على الرغم من فضولي الذي كاد يخنقني.

"لم تكن جميع الشعوب تهوى التنافس وإبراز قوتها، كان هناك من يحب معاهدات السلام وكسب ود الآخرين قبل قتالهم. وعلى الرغم من ميزتهم القوية؛ لم يكونوا مهتمين بهرم القوة هذا، كل ما يهتمون به هي الكائنات الحية من حولهم، فبإمكانهم ترويضها والتحكم بها والتحدث معها، لذلك كانوا أفضل كتجّار لا محاربين، فكانوا يروضون الكائنات الخطرة ويقومون ببيعها للكواكب الأخرى".

هناك أشخاص يتحدثون مع الحيوانات! كل شيء حولي في هذا المكان أغرب من الخيال حقًا. استمعت إلى واندر وهي تكمل...

"تليهم كان العباقرة، الشعب الأكثر ذكاء، أجسادهم لا تصلح كمحاربين ولكن حدة ذكائهم كفيلة بتدمير شعوب كاملة بينما هم يشاهدون بصمت، لكن هناك من قال مرة 'من الذكاء التفكير في السلام قبل شن الحرب' وهذا شعار العباقرة، لم يروا فائدة من الحرب وإثبات قوتهم لذلك اكتفوا بتقديم المشورات للملوك مقابل بقائهم سالمين".

أذكياء، تجنبوا الحرب دون خسائر.

"وهناك العمالقة. اسمهم عنوان لقدراتهم، إنهم طبيعيون مثلنا ولكن بإمكانهم التحول لعمالقة ضخام، وعندما يحدث هذا يدمرون كل شيء من حولهم، وهذه هي سلبية ميزتهم، عندما يتحول العملاق لعملاق يفقد عقله تمامًا، يجن جنونه ويدمر كل شيء حوله، لذلك لن تري عملاقا يتحول في حياتك، وإن حدث يفضل أن تهربي لأنه لن يفرق بين الجيد والسيء". 

شيء آخر أصلي حتى لا أقابله.

لم تتوقف واندر واسترسلت بحماسة قائلة "ثم هناك شعب صانعوا الأدوات، يمكن تصنيفهم على أنهم الكوكب الأكثر ثراء بين الجميع، كما يشير اسمهم فهم يصنعون كل شيء يمكن تخيله، أي مادة من حولهم يمكن تحويلها لآلة أو سلاح أو وسيلة للحياة، تجميع وتلحيم القطع وتشغيلها فقط بسحر أيديهم. يمكنهم صنع كل شيء ولو كان معقدًا وغالبًا ما يتعاونون مع العباقرة، فالعباقرة يرسمون الشيء المراد صنعه وهم يصنعونه ويقومون ببيعه وتقاسم الأرباح".

الأمر كالتجارة على الأرض لكنها بشكل أفضل بكثير.

"ثم... الأموات". ارتفع حاجبي وكررت بنوع من الاستنكار "الأموات!"

أومأت بنعم ثم أردفت "الأموات، لا يمكن وصفهم بالقوة أو حتى الحياة، إنهم نوعًا ما من أضعف المخلوقات، وعلى الرغم من ذلك إنهم الكوكب الوحيد الذي لن تتمكن من الفوز عليه إن حاولت محاربته. تلك الميزة التي يتمناها الجميع ولن يحصلوا عليها". صمتت قليلًا ثم تابعت "لأنهم لا يموتون".

حسنًا، ألا يبدو هذا مبالغة نوعًا ما!

"ماذا تعنين بلا يموتون؟ كل شيء مقدر له الموت سيدة واندر!" ضحكت بينما تحرك رأسها "قبل أن أفسر لكِ لنتفق أنني واندر لا السيدة واندر، تجعلني أشعر وكأني كبيرة في السن". كدت أقول شيئًا لكنها أكملت "و... نعم، كل شيء مقدر له الموت إلا إذا كان ميتًا في الأصل". 

العقدة بين حاجبي أصبحت أضيق وأنا أحاول استنتاج شيء مما تقول، أموات ولكن أحياء! هذا يبدو كـ "تعنين كالزومبي؟"

هذه المرة كان دورها في وضع ملامح التساؤل مما وضح أن هذا المصطلح غير معروف لديهم لأشرح بشكل مختصر "لدينا فكرة على الأرض عن أشياء تسمى الزومبي، يعودون للحياة بعد الموت كجسد ميت وعقل مسموم بلا مشاعر أو ذكريات، فقط مخلوقات متعطشة لتناول اللحم البشري، نستخدمها كثيرًا في أفلام السينما". ارتفع حاجبها قبل أن تقول "تسمونهم زومبي؟" 

أومأت قائلة "أصل الكلمة يعود إلى ديانة يؤمن بها الناس في غرب أفريقيا، سحرة الفودو، وهي تعني الكسل بالنسبة إلى خلوهم من الحياة لذلك تم تسميتهم بهذا الاسم، لكن بالنسبة لنا تبدو فقط كنوع من أنواع الحكايات الخرافية والتي يستعملها المؤلفون كثيرًا". هزت رأسها في تفهم.

"حسنًا، الزومبي الذي أتحدث عنهم مختلفون قليلًا عن خيال المؤلف الخاص بكم. تركيبة أجسادهم ما زالت معقدة حتى لأكثر علماءنا ذكاء. الخلايا المختصة بالألم شبه ميتة في أجسادهم إن لم تكن ميتة بالفعل، تلك الخلايا العصبية الموجودة في أجساد الجميع مختلفة في أجساد الأموات، لذلك مهما قطعت أطرافهم أو حاولتِ تعذيبهم لن يشعروا بالألم كالبقية، والأكثر دهشة أن الطرف الذي قمتِ بقطعه يتجدد لطرف جديد أكثر صحة من المبتور، وإن قمتِ حتى بقطع أجسادهم لنصفين سيموت أحد الأطراف وينمو الطرف الآخر مجددًا.

لكن هذا لا يعني أنهم سيبقون أحياء للأبد، فهم يموتون، لكن بطريقة واحدة... التقدم في العمر، هناك من تجاوز أعمارهم الخمسمئة ثم ماتوا، وهناك من يموت بعد المئة، لذلك إن أردتِ من أحدهم الموت انتظري حتى يكبر في العمر ويموت بشكل طبيعي. قد تبدو ميزة قوية جدًا، بل ومباركة، لكنها أيضًا سلاح ذو حدين، فقد تبدو كنقمة، ألا تشعر بالألم الجسدي هو شيء مؤذي، كما أن طبيعتهم جعلتهم عرضة للتجارب لمئات السنين لمختلف الأسباب، منها تجربة تأثير سلاح ما، ومن هذه التجارب محاولة تفكيك جسدهم لمعرفة سرهم، ولكن التعقيد في بناء أجسادهم جعل من المستحيل معرفة السر وراء تجددهم".

حسنًا، هذا قاسٍ نوعًا ما. نعم، فكرة وجود شخص لا يتألم ولا يموت بسبب الرصاص قد تدفعك لتجربة مسدس أو سلاح على هذا الشخص، لكن التفكير فيه ككائن حي يتنفس مثلي يجعل هذا صعبًا. 

"في الواقع لقد أخبرك أغدراسيل عن أحدهم... زوندي! أتتذكرين الذي قام المجنون أتريوس بقطع رأسه ليتأكد من صحة الأحاديث التي تقال عنهم؟" شعرت بالفطور الذي تناولته قبل ساعة يرتفع إلى حلقي، ما لعنة هذا المجنون؟ هل قطع رأس أحد الفرسان فقط ليثبت نظرية ما؟ حقا! فقط ليتأكد أمسك فأسًا وقطع رأس شخصًا يتنفس. 

"هل بقي يمشي بلا رأس حتى نمت له واحدة جديدة؟" ارتفعت عيناي بسرعة إلى يوجين عندما طرح سؤاله، حقًا؟ هذا ما خطر في عقلك أيها الغبي! "ماذا؟ من المثير رؤية شخص يمشي بلا رأس. كيف كان يأكل؟ يتنفس؟ غريب حقًا". حسنًا، إن فكرت في الأمر فهو مثير للريبة فعلًا، لكن إن رأيت جسدا مقطوع الرأس في ذات المنزل معي قد أموت جراء نوبة فزع. 

"لا بأس، زوندي بخير، فقد نمت له رأس أخرى، كما أنه لطيف جدًا ليحقد على أتريوس. ستحبينه عندما تلتقين به". حاولت تمالك نفسي والصراخ باستنكار 'نمت رأس أخرى!' قبل أن أومئ بصمت. 

"وهكذا أصبحنا نملك أحد عشر كوكبا، ترتيبهم كان هرميًا من أكثرهم قوة لأقلهم قوة". قالت مشيرة نحو الدوائر التي تدور حول نفسها كصورة ضوئية، كان ترتيبها فعلًا هرميًا.

 

التوبازيوس 

 إلترانيوس 

 الماجي - إريبوس

المستذئبون - المجنحون - المتنكرون

 متحكمو الكائنات - العباقرة - صانعو الأدوات - الأموات - العمالقة 

 

أحد عشر كوكبًا. عقدت حاجبَي قبل أن أنقل بصري لدائرة واحدة بقيت في النهاية وحدها. "ماذا عن هذه؟" أشرت نحوها لتزم واندر شفتيها وكأنها غير راغبة في التحدث عن الأخيرة أو لا تريد قول ما ستقول لي خصيصًا. 

"هذه... الأخيرة. إنها كوكبكم، الأرض". اتسعت عيناي قبل أن أنظر نحوها بصدمة "الأرض! أهي ضمن المجموعة؟" أومأت بنعم، وتركت لي فرصة للتفكير. أعدت أنظاري نحو الدوائر المصطفة ثم إلى الأخيرة الوحيدة "ولمَ هي بعيدة عن الهرم؟" زمت شفتيها وكأنها تفكر فيما ستقول بحرص. 

"كوكبكم هو الكوكب الوحيد الذي ستسمعين الكثير من القيل والقال عنه، كقصص الجدات قديمًا، شيء يحكى للصغار حتى يتعظوا من الجشع والخيانة. أكثر الأقوال انتشارًا أن شعب الأرض كان يطمع في قوة لا نهاية لها، أرادوا أن يعتلوا قمة الهرم لذلك أعلنوا الحرب على الجميع، ولذلك كعقوبة لهم تم نفي كوكبهم وحولتهم التوبازيوس إلى كائنات لا تقوى على التفكير أو حتى الحرب، نزعت منهم قوة التفكير والرغبة". 

حسنًا، هذه إهانة... إهانة على مدى عشر كواكب. ربما الجزء الخاص بالسلام قد أصدقه، فنعم، نحن مجانين بما يسمى بالحروب، لكن الباقي هو هراء. "آسف على إحباط أسطورتكم، يبدو أن التوبازيوس لا يكرهنا لهذا الحد، فأنا لا أزال ذكيًا رغم أني شبح ميت". سخر يوجين وكأن واندر قد تسمعه. 

كان السخط ربما واضحًا على وجهي مما دفع واندر للابتسام ومواساتي قائلة "كانت ولا تزال أسطورة، فالأغلبية لا يصدق بوجود كوكب آخر لذلك لا تأخذي الأمر بجدية، في الواقع..."

سكتت والتردد كان جلي على وجهها، مترددة في إخباري بما تريد لكنها قررت في النهاية وقالت:

"هناك أسطورة أخرى قديمة تناقلها أشخاص بهمس، أسطورة لم يحب الآخرون تداولها، لأنها تشوه الواقع الذي تم رسمه لهم منذ زمن طويل". صمتت ثم نظرت نحو الدائرة التي تمثل كوكب الأرض وقالت:

"قبل زمن طويل، قبل أن أولد أنا وأنتِ، عندما كان أجداد أجدادنا يحكمون هذه الكواكب؛ كان كوكبكم أحد الكواكب داخل هرم القوة هذا، بل إنكم كنتم تنافسون الماجي والإريبوس والإلترانيوس. نعم، لا أحد يصدق هذه الأسطورة فعليًا لكنها موجودة لكن من الصعب إثبتها. كنتم من أقوى الأقوياء، لكن يبدوا أن حكماء كوكبكم طفح بهم الكيل من حرب القوى هذه لإثبات ما يسمى بالفرد الأقوى، أرادوا إيقاف الحروب الدائمة والسباق الذي لا ينتهي، لذلك عرضوا وثيقة تنص على دعوة الكواكب للسلام فيما بينهم والعيش بتناغم حيث يستفيد كل كوكب من الآخر، وهذا زرع الغضب في قلوب باقي الملوك واعتبروه ضعفا من حكمائكم فقررتم نفي أنفسكم وتحطيم الجسر الواصل بينكم وبين الكواكب الأخرى وتم محو كل ماله علاقة بكم وبجنسكم".

واو، هذا كثيرٌ جدًا علي لأصدقه. "هناك أساطير كثيرة، جلنار. هناك من يقول أنكم خنتم الإلترانيوس فقامت هي بقطع معبر الزمن عنكم، وهناك من يقول أنه بينما كانت جميع الشعوب تتنافس مجتمعة على من هو الأقوى انشغلتم أنتم في الحرب بين بني جنسكم كالحمقى -لا إساءة- وقمتم بتدمير أرضكم بأيديكم مما جعلكم فريسة سهلة لباقي الشعوب، وحتى تنقذوا أنفسكم من الإبادة دمرتم المعبر الزمني الخاص بكم؛ فلا يمكن لأحد الوصول لكم ولا يمكنكم الوصول لأحد... تختلف الأقاويل عنكم جلنار، لكن جميعها تتفق أن معبر الزمن بينكم وبين باقي الكواكب قد تم تدميره بالكامل. نسى الناس بشأنكم وأنتم نسيتم كل شيء عنا، وهكذا أصبحنا أساطير في أرضكم وأنتم أصبحت أسطورة مستحيلة في كواكبنا".

نظرت نحو الدائرة الصغيرة التي تحمل رمزًا لنبتة صغيرة وكأنها بدأت في النمو للتو تلتف حول نفسها بعيدًا عن الجميع. "ألم نكن نملك أي قوة قديمًا قبل أن ينقطع عنا معبر الزمن ذاك؟" رفعت عينَي ليوجين وفي الواقع سؤاله في محله، لذلك نظرت لواندر وأعدت السؤال على مسامعها لتجيب "لا... حسب ما قرأت فلم يكن هناك ما يميزكم عن أي كوكب، كنتم بلا أي قوة، وهذه الحقيقة كانت تبطل الأسطورة التي تنص على أنكم تنافستم مع أقوى الكواكب".

أومأت بتفهم. رغم أن كل ما حدث كان في زمن بعيد من المستحيل أن أعرف عنه شيء لكن شيئا ما جعلني أشعر بغيظ، أن يتم استبعادنا بهذه الطريقة، نبذنا وإلقائنا بعيدًا ونشر الأكاذيب عن جنسنا، شيء ما داخلي كان يجعل شعور الغضب ينمو رغم أن لا شيء سيتغير على أي حال. 

"وهكذا أصبحنا أحد عشر كوكبًا ولم يعد هناك وجود لرقم اثني عشر، لكن كانت الحرب بين الكواكب ما زالت قائمة في محاولة لإثبات شيء أحمق، شيء لا يمكن أن يستفيد منه شخص، فقد كنا نفقد أرواحًا بأعداد مهولة وخسائر ضخمة". 

تحولت الصورة أمامنا إلى ست دوائر منبسطة كأنها أراضٍ يقف فوق كل منهم مجموعة مما يبدو أنهم جنود مستعدون للحرب. كانوا الإلترانيوسيين، الساحرات، الإريبوسيين، المجنحيين، المستذئبين والمتنكرين. وبعيدًا كان هناك أربع دوائر، ثلاث منهم كان يخرج منها مجموعة من الرجال يحملون أدوات وأسلحة يلقون بها عند الستة دوائر ويعودون مجددًا بصناعة المزيد وإلقائها عند المحاربين.

وظل الكوكبان الأخيران يشاهدون فقط ما يحدث، حيث بقيت مجموعة منهم يأكلون ما يشبه الوجبات السريعة ويشاهدون هذه الحرب. "هؤلاء الستة ظلوا يتحاربون، وكان العباقرة وصانعو الأدوات ومتحكمو الحيوانات يحمون أنفسهم بالاتفاق مع المحاربين بأن يمولوا لهم ما يحتاجون للحرب. وهؤلاء المتفرجون، إنهم الأموات والعمالقة، لا يحملون همَّ الحرب، فهم لا يموتون مهما حاولوا القضاء عليهم ولا أحد سيستفيد من عملاق قد يقتلك أنت عوضًا من أن يدافع عنك، كانوا ينتظرون فوز الأقوى الذي سيحكمهم لاحقًا فظلوا فقط يشاهدون البقية وهم يدمرون أنفسهم".

تحركت الست مجموعات إلى المنتصف، كل مجموعة تحارب بقوة بعضهم يسقط ميتًا وبعضهم يستمر في القتال، وما زالت الثلاث مجموعات الأخرى تمدهم بأسلحة ومخلوقات غريبة شرسة ليحاربوا بها. "أعجبني الأموات والعمالقة كثيرًا! يا رجل،لا يحملون همّ الحرب والموت، بدأت أحبهم". تحركت عيناي إلى الأموات والعمالقة بعد تعليق يوجين، وحقا ما زالوا كما هم لا يمسهم أحد ولا يمسون أحدا. 

"استمرت هذه الحرب لمدة طويلة، مدة أنهكت كل من شارك فيها، تكبد الجميع خسائر ضخمة من الأرواح والأموال، ولم تكن هناك إشارة لأن هذه الحرب ستتوقف، حتى ظهر هو! الروح المجيدة لمملكة الإلترانيوس".

عقدت حاجبي وتبادلت نظرة سريعة غلفتها الاستغراب مع يوجين قبل أن يتساءل كلانا في الوقت ذاته "الروح المجيدة؟"

أومأت واندر مع تعبير وابتسامة فخورة، وأكاد أجزم أنها كادت تضرب بقبضتها على صدرها في انتماء شديد وتغني نشيد الوطن.

نبرتها أصبحت أكثر حماسًا وهي تتحدث عن ذلك الشخص.

"لقد كان محاربًا قويًا، كان يتصدر الصفوف الأولى بين الجنود، بإمكانه المقاتلة كمائة جندي على الساحة. لم يكن يملك المال أو السلطة، لكنه كان يملك روحًا لا يُخلق مثلها سوى مرة كل آلاف السنين. مندفعًا وشجاعًا، كان يدافع عن مملكته بكل قوته. لقد كان يدعى بـ جولديان باتريس ".

اسم مميز، لكن يبدو كبطل رمزي هنا بما أن الحماسة أخذت واندر بهذا الشكل.

"وكيف أوقف هذا الفارس الحرب؟" سألتها باهتمام مستمتعة بهذه القصة كثيرًا.

"لقد تكبد أيضًا إحدى خسائرها". أجابت واندر وهي تهز رأسها في شيء من الحزن، واستكملت "لم يكن السيد جولديان يقاتل وحده، كان يقاتل جنبًا إلى جنب مع فلذة كبده وابنه الوحيد، لكن لم يُكتب للشاب أن يرى نهاية الحرب، بل كُتب له أن يكون أحد أسباب انتهائها".

بدأت أفهم ما ترمي له واندر الآن، الرجل المسكين.

قرأت واندر الفهم على وجهي لتومئ بأسف "مع الأسف، لقد خسر ابنه الوحيد أمام عينيه، لم يقوَ على فعل شيء وهو الرجل الذي كانت الجيوش تتحاكى بقوته، كان عاجزًا تمامًا أمام موت ابنه الوحيد، ومن هنا تحولت مشاعر الشجاعة والاندفاع لهذا الرجل لسخط وحزن شديدين. لم يرفع السيف بعدها لمعارك متتالية وظل غارقًا بين أفكاره حتى أدرك الأمر.

عندما شعر فجأة أن الحرب بدأت عندما كان ابنه ما زال صبيًا لم يبلغ الرشد ولم تنتهي، وقد مات ابنه وهو شاب في منتصف العمر! أدرك أنهم انغمسوا في القتال لدرجة أنستهم لما بدأ القتال من الأساس! وهنا كانت يقظة جولديان باتريس.

بدأ جولديان مقاومته ضد الحرب ودعوته للسلام، ترك سيفه ودرعه وأخذ ينادي في كل مقهى وحانة، حديثه المحفز عن السلام وعن الاستغناء عن جبروت الملوك الذي لم يذق الآخرين منه سوى كؤوس من الفقدان والحسرة جمع الناس من حوله. كان الكل قد ذاق كأسًا مشابه لما ذاق جولديان، من خسر أخًا وصديقًا وعائلة ومنزلًا، من خسر تجارة ومن خسر موطن، الغضب والحزن واليأس جمع الناس من حوله، لهجته التي كانت تملأ الناس بأمل أن يعيشوا مستقبلًا بلا سيوف ولا خوف من الموت كانت تجعل الآخرين يتمسكون بجولديان، ومن هنا بدأت المقاومة".

هذه الحكاية تصبح أكثر إثارة!

"بدأ جولديان لأول مرة بإنشاء مقاومة ضد الحرب، ليس فقط الشعب من انضم له، بل إن أعدادًا ليست بقليلة من المحاربين الذين سأموا الدماء انضموا له. قوة غير عادية من الأشخاص التفت حول جولديان ومن ضمنهم رجل مميز جدًا كان أحد الأسباب الأولى في إيقاف الحرب يسمى بـ هوملك باترخ، كان إريبوسي ذو شأن ونفوذ، يملك المال والسلطة لكنه كان رجلًا ذا تفكير عقلاني. في إحدى الليالي كان يجلس في إحدى الحانات التي يتردد عليها جولديان والتي أصبحت أحد المقرات الرئيسية لتجمع المقاومة، كان قد سمع عن مقاومة تبدأ بسبب محارب إلترانيوسي وهذا ما أثار فضوله ليذهب حيث هذا المحارب، في ذلك اليوم بدأت صداقة قوية بين إلترانيوسي وإريبوسي، الصداقة بين جولديان وهوملك.

أظهر هوملك استعداده الكامل لتمويل جميع ما تحتاج له المقاومة، كان مشجعًا كبيرًا للسلام، وبدأ هو وجولديان معًا بالتخطيط لقلب الطاولة بالكامل".

بينما كان الجميع منشغلًا في الحرب كان على دائرة الإلترانيوس رجلًا قوي البنية ذا لحية كثيفة شقراء وشعر طويل، كان يقف فوق طاولة وحوله القليل من الناس ينظرون نحوه في دهشة، كان يبدو غاضبًا ولكن في نفس الوقت تشعر أنه ممتلئ بالحماس. وعلى دائرة الإريبوس تحرك رجل هزيل البنية بشعر أسود ولحية خفيفة، كان ينظر إلى جولديان من بعيد نظرة ذات معنى، ثم قفز نحو دائرة الإلترانيوس واتجه نحو جولديان، تقابل كل منهما ثم تصافحا بشكل خشن نوعًا ما.

"كانت هذه هي البداية الفعلية للمقاومة، الاتفاق بين الرجلين أظهر تغيرًا ملموسًا على الجميع. بتخطيط من جولديان وتنفيذ من هوملك تمكن الاثنان من التوسع ونشر فكرة السلام، ليس فقط داخل مملكتيهما، بل في كل مملكة كانت هناك أخبار تنتشر وهمسات داخل الآذان عن رغبة الشعب في إيقاف الحرب، وهكذا أصبح للمقاومة قاعدة سرية في الست ممالك التي تحارب بعضها البعض حيث يجتمع المقاومون كل ليلة لنقل الأخبار والخطط التي ستوقف هذه الحرب، وكانت أول خطوة هي ضم الثلاث ممالك التي تمول هذه الحرب".

"توجه الرجلان للاتفاق مع الممالك الثلاث، قوبلوا بالرفض في البداية، فكل ملك كان يخشى على شعبه ومملكته من أن يتم توريطهم في الحرب عوضًا عن تجنبها، ولكن مع الكثير من النقاشات والمفاوضات أقنع الرجلان الملوك الثلاثة بأنهم بالفعل صنعوا جيشًا من المقاومة، جيش من ست ممالك مختلفة ولكن هذه المرة متحدين، جيش كهذا قادر على هزيمة أي جيش منفرد آخر.

لطالما تمييز جولديان بقوته في الإقناع وكلماته التي تدفع الحماس داخل المرء، تمكن من جعلهم يؤمنون أن اتحادهم سيجعلهم أكثر قوة. الخطة كانت إيقاف الملوك الثلاثة تمويلهم للست ممالك التي تحارب بعضها، وعوضًا عن ذلك تحويل هذا التمويل إلى جيش المقاومة، وبهذا سيستحيل على أي جيش هزيمة المقاومة التي تتكون من محاربين مختلفين وتمويل ضخم من ثلاثة ملوك". 

تحرك الرجلان وتوقفوا عند الثلاث ممالك التي تقوم بتمويل الجيوش المحاربة، قابلوا حكامهم وقاموا بمصافحتهم ثم وضعوا جيشًا كاملًا عند الثلاث، وهكذا كان هناك جيشًا من الشعب يحمي العباقرة ومتحكمي الكائنات وصانعي الأدوات. 

تم إيقاف التمويل عن الجيوش وتوقفت المجموعات التي كانت تركض بين دوائرهم ودوائر الكواكب الأخرى لتلقي بما يصنعون وجلسوا وهم يتنفسون براحة أخيرًا.

"ذكاء جولديان كان واضحًا في كل خطوة يخطيها، لم يترك طرفًا دون الاستفادة منه لإنهاء هذه الحرب نهائيًا، لذلك كانت خطوته التالية هي المملكتين اللتين شاهدتا في صمت، كانت الفكرة في إقناعهما أن السلام سيفيد المملكتين أيضًا وأن مشاركتهما في الخطة سيجلب لهم المنفعة، فاتحاد الملوك سيساهم في التجارة والزراعة أيضا، لذلك دعاهما لتكونا مساهمتين في هذا السلام، وبهذا تمكن من إقناع المملكتين بالانضمام لتنتشر الأخبار بانضمام آخر مملكتين للمقاومة". 

وبالفعل اتفق جولديان مع المجموعة التي كانت تكتفي بالمشاهدة ووضعوا أيضًا جيوشًا للمقاومة على أراضيهم، وهكذا أصبح يمتلك جيشًا ضخمًا من المقاومين على إحدى عشرة مملكة، عبقري بالفعل. 

"مع انتشار هذه الأخبار تضاعفت أعداد الجنود الهاربة من الحرب والمنظمة للمقاومة، ولم يتوقف الأمر هنا فحسب، بل إن بعض القيادات في الجيوش صنعت مجموعات مختلفة من المقاومة داخل الجيش ذاته، كان الأمر ينتشر بشكل لم يتخيله أحد وهذا قلب الموازين، المشكلة الوحيدة هي أن كلا الرجلين أرادا إنهاء الأمر دون إراقة قطرة دم واحدة، فكانت آخر الحلول التي أرادوها هي فعلًا الحرب ضد الحرب إن ظل الملوك على موقفهم، ولكن جولديان وجد حيلة ذكية أخرى، فكان الغرض منها تخويف الملوك، ولذلك بدأت أكبر إشاعة في التاريخ".

ابتسمت واندر بخبث وكأنها هي من صنعت تلك الإشاعة. "احتاج جولديان لشيء صغير يثير الفزع داخل الملوك لدرجة تمنعهم من المقاومة والقتال ضد السلام، لذلك بدأ ينشر إشاعة تنص على أن جيش المقاومة تمكن من التحكم في جنون العمالقة وضمهم لصفهم، يمكنك تخيل قوة جيش يملك عملاقا واحدا في صفه، ما بالك بجيش من العمالقة القادرة على تدمير مدن في دقائق؟ 

كانت واندر تتحدث بينما يحدث ما تتكلم عنه أمام عيني بشكل كرتوني بسيط حيث أرسل جولديان وهوملك رسائل لستة ملوك، رسالة بسيطة بدون أي مطالب صعبة...

إما السلام أو الحرب.

تحرك معظم الأشخاص داخل الجيوش المحاربة وهربوا راكضين إلى جيوش المقاومة، وكان الملوك الستة يتحركون في عصبية وتوتر، ثم دخل فتى إلى كل منهم وهمس بشيء في آذانهم. خبر أثار الفزع داخلهم، ذلك كان خبر نجاح المقاومة في التحكم في همجية العمالقة وانضمامهم للمقاومة، أرسل كل ملك لتحقق من الخبر وبسبب انتشار المقاومة بشكل كبير في كل مكان فقد نشرت كل قاعدة الخبر في مملكتها حتى أصبح الشيء الوحيد الذي يتحدث عنه الناس.

ونجح الأمر في النهاية!

استسلم الملوك رافعين رايات بيضاء بشكل هزلي أمامي لتنتشر الاحتفالات في كل مكان ومدينة.

"الأمر أشبه بالحلم الذي تحقق أخيرًا، ورغم انتظارهم لسنوات حتى يتحقق إلا أنهم نجحوا في جعله حقيقة بالفعل. أفواج من المحاربين عادت أخيرًا إلى منازلها وأوطانها، ولكن كان اسم كل من جولديان وهوملك يتردد بين الجميع كأبطال، الأبطال الحقيقون اللذين حافظوا على أرواح الكثيرين عوضًا عن إزهاقها دون أدنى حاجة لرفع السلاح".

جميع الجيوش الصغيرة تحركت متفرقة وعادت كل مجموعة لمملكتها تحتفل مع عائلتها وتقفز راقصة بسعادة، وعندما تابعت تحركات هذه المجسمات الصغيرة لاحظت أن الاحتفالات تحولت لمجموعة ضخمة من الناس متجهة إلى قصر الملك والذي بدا خائفًا وغاضبًا، تابعت باهتمام ما يحدث حيث حملوا كرسي الملك وألقوا الملك من فوقه خارج القصر، وفي المقابل حُمل جولديان على أكتاف جموع من الناس ليضعوه فوق الكرسي بدلًا من الملك القديم. 

تركتني واندر أشاهد بنفسي ما يحدث قبل أن تبدأ في الشرح مجددًا "كما لاحظتِ، شعب الإلترانيوس قرروا في التمرد واستغلال ضعف القوة الحاكمة في هذا الوقت وخرجوا في جموع كبيرة نحو القصر الملكي، والمثير للدهشة أن حرس القصر سمحوا لهم بالدخول دون أدنى مقاومة. تم طرد الملك السابق وعائلته من القصر بناء على رغبة الشعب ورشح الجميع جولديان كملك عليهم ولم يكن أمام مجلس الدولة إلا الموافقة إخمادًا لغضبهم".

أشارت واندر نحو بقعة مملكة الإريبوس وقالت:

"في المقابل ملك الإريبوس كان يتحلى ببعض الضمير، فقط خيم الحزن على القصر وظل ساخطًا على نفسه لأنه لم يرَ مطالب شعبه وانقاد مع الكبرياء والغرور لإثبات أنهم المملكة الأقوى، ولهذا السبب قرر بنفسه دعوة هوملك للقصر والتنازل عن الملك بشكل تام ورشح هوملك بدلًا منه، وبعد موافقة الشعب وهتافهم باسم هوملك في كل شارع تولى هوملك حكم الإريبوس.

التغيير في المملكتين كان كفيلًا بإشعال فتيل التمرد في باقي الممالك، فتم أيضًا إزاحة ملك المجنحين عن منصبة وملك المتنكرين كذلك، وبعض التغييرات التي شملت جميع الممالك تقريبًا، وهكذا صنعوا السلام فيما بينهم.

اجتمع جميع الملوك بعدها لصنع معاهدة بينهم تنص على الكثير من القوانين الجديدة التي تمنع عدائهم وتضمن حق الجميع، وأهم قرار في هذه المعاهدة كان منع الحرب منعًا باتًا ومهما كانت المشكلة فسيجتمع الملوك لتشاور في حل المشكلة، وإن قررت إحدى الممالك إقامة حرب على أخرى فيحق لباقي الممالك التكاتف معًا ضد المملكة المعادية لمنعها من الحرب وحتى لو بالقوة وهذه هي الحالة الوحيدة التي يسمح بها بالقتال.

وهكذا كان هذا السلام السبيل للكثير من التغيرات في صالح جميع الممالك، ومن أهم تلك التغيرات هو سهولة التنقل بين الممالك -الكواكب- فسابقًا بسبب العداء الكبير بين الملوك منع ملك الإلترانيوس استخدام أكبر معبر في المجرة وهو المعبر الذي يتصل بكل الممالك داخل القصر العظيم، لذلك كان على الفرد دفع الكثير فقط للسفر من مملكة لأخرى، لأنه مضطر لاستخدام المعابر الطويلة والتي سيضطر من خلالها للعبور من خلال مملكتين أو ثلاث حتى يصل لمقصده.

فأصبحت الإلترانيوس السبيل الأكبر للعبور بين الكواكب، فمن خلالها يمكن لأي شخص العبور بين أي مملكة من خلال التواجد في نقطة العبور فحسب بينما يتولى أخوان يسميان بـ حاروتين و فولمارين بنقل مئات المسافرين يوميًا ، وذلك لقدرتهم العظيمة على رؤية جميع المعابر الخفية والتحكم بها من خلال معرفة الممرات في القصر العظيم".

سأعترف أنني لم أفهم نصف ما قالته سوى أن التنقل بين الممالك أصبح أسهل، ليس إلا!

"ألم يكن بإمكانها اختصار كل هذا بقول أن التنقل أصبح أسهل!" استنكر يوجين لأبتسم، فكرت في الأمر قبلك.

تحركت دائرة الإلترانيوس إلى المنتصف وخرج منها خيوط متشابكة فضية تتصل بجميع الكواكب وصرح ضخم تم بناؤه يقف داخله رجلان يتحكمان به، ومن السهل التخمين أنهما الأخوان. 

حركت واندر يدها فوق الخريطة لتزيح كل الرسوم المجسمة التي كانت تمثل كل ما روته قبل قليل، لذلك كدت أقول 'أهذا كل شيء؟!' لكنها زمت شفتيها لثواني قبل أن تزفر قائلة:

"ثم حدث ما تسبب في هذه الفوضى التي نعيشها الآن". استمعت بحذر لما سترويه تاليًا فهذا سيكون الأهم كما فهمت.

"السلام استمر على الممالك لوقت طويل، طويل جدًا ولم تشهد هذه الأراضي أي حروب أو مشاكل ضخمة قد تسبب أي خسائر، وفي هذه الفترة رزق جولديان بابن آخر، ابن سماه نورمي وقد كان الشيء الوحيد الذي يفتخر به، وعاش نورمي باعتباره وريث العرش بعد أبيه جولديان.

وهذا ما حدث بالفعل، عندما توفي جولديان بعد أن عاش حياة طويلة سعيدة وصحية، كان وقت نرومي قد جاء لتولي الحكم، وبعد توليه الحكم بسنين قليلة توفي ملك الإريبوس وصديق جولديان الملك هوملك باترخ".

هذا يعني أن المملكتين دخلتا في فترة حكم جديدة! مثير للاهتمام.

"هوملك كان يملك ابنين، فارق العمر بينهما لم يكن كبيرًا، وكان من المفترض أن يكون الوريث هو الابن البكر لهوملك، لوكيان، لكن ما حدث هو أن الملك هوملك قبل أن يتوفى سلم الحكم للابن الثاني والذي يدعى مالكي، وهذا لم يكن خبرا مفاجئا جدًا للإريبوسيين فقد كان الابن الثاني مالكي الأنسب لتولي الحكم أكثر من شقيقه الأكبر، فقد كان دبلوماسي وشديد الاهتمام بالمملكة وبالشؤون السياسية أكثر من لوكيان.

كما أن نورمي ومالكي كانا أصدقاء منذ الطفولة؛ مما يعني أن السلام بين المملكتين سيدوم".

بدأت الصورة تتضح قليلًا عمّا سيحدث، صراع على العرش بين أخوين، سيناريو سيدوم للأبد مهما كان الزمان والمكان.

"كما أرى من تعبير وجهك فقد بدأتِ فهم ما سيحدث، بالضبط. لوكيان لم يكن راضيًا عن إخراجه من الصورة بهذه الطريقة، بل سيكون من الأدق أن نقول إنه كان ساخطًا على كل من والده وأخيه الأصغر. في نظره منذ أن كان صبي، كرسي الحكم كان من نصيبه بل وحقه الشرعي، فكانت تنحيته بهذه الطريقة إهانة وسرقة لحقه المكتسب بأسبقية الولادة.

لكن لوكيان لم يكن ذلك النوع من الرجال الذي سيقيم انقلابا دمويا ليحصل على العرش، لا، فقد كان أكثر ذكاء وخبثا، أراد تولي الحكم برضى من شعب الإريبوس وأراد إنهاء وجود أخيه الأصغر بشكل نهائي حتى لا يشكل تهديدًا على حكمه، ولذلك كان على لوكيان جعل أخيه مالكي الرجل الشرير في الحكاية.

بدأ شيئا فشيئا بزراعة الكراهية داخل قلب أخيه اتجاه نورمي ملك الإلترانيوس وصديق طفولته، الكثير من الأفكار المسمومة كان يبثها داخل رأس أخيه بكل شكل من الأشكال، في كل مرة كان يصنع الموقف المثالي ليدفع أخيه لتصديق أن نورمي يستصغر الإريبوس ويستغل مالكي لمصلحته الشخصية.

خططه كانت تعتمد على اندفاع أخيه مالكي، فقد أراد منه أن يعلن الحرب ضد الإلترانيوس، وبهذا سيكون الشخص الذي يخرق معاهدة السلام بين الممالك مما يمنح الإذن لباقي الممالك في قتال مالكي في المقابل ونزعه عن الحكم، وهنا سيأتي دور لوكيان الذي سيضحي بحياته وسيتحمل مسؤولية الإريبوس ليعيد السلام بين المملكتين مصلحًا ما أفسده أخيه الأصغر الأحمق، وبهذا سيصبح هو بطل الشعب الجديد. 

كانت الحكاية محبوكة بمثالية داخل رأسه، ولكن عندما تظن أن خطتك مثالية فبالتأكيد هناك شيء خاطئ بها وهذا ما حدث بالفعل، عندما ارتفعت الكراهية بين مالكي ونورمي لدرجة كبيرة حدثت مشادة كبيرة داخل قصر الإلترانيوس بين الاثنين، مشادة انتهت بشكل مأساوي عندما فقد نورمي السيطرة على أعصابه وسحب سيفه ليذبح ملك الإريبوس مالكي وصديق طفولته.

لم تكن ردة فعل نورمي مخطط لها من قبل لوكيان على الإطلاق، والأدهى من هذا أن في ذات اليوم أحد جواسيس الإلترانيوس تمكن من اكتشاف خطط لوكيان كاملة ولكن كان اكتشافه متأخرًا، متأخرًا جدًا!

تمكن نورمي من إخفاء جثة مالكي لفترة لكنه كان يعرف أن ما اقترفه كفيل بإنهاء مملكته، كان يعلم أنها مسألة وقت قبل أن يتم سحب عنقه للمقصلة أو سيرى الإلترانيوس تحترق من نافذة غرفته.

 قرر نورمي تسليم نفسه للحكم بعد أن غرق في الندم لقتل صديقه الوحيد، ولكن في ذلك اليوم تمكن الجاسوس من العودة لسيده بأخبار أثارت دهشته، مخطط لوكيان بالكامل أصاب نورمي بالغضب، السخط والانهيار، لذلك قرر أنه لن يسقط وحده، وإن كان سينال العقاب فسينال لوكيان كأسًا من ذات العقاب.

لكن ليتبع طريق والده التي تحرم إراقة الدماء، أثار الاعتراف بما اقترف على خوض حربٍ ضد لوكيان، ولذلك قرر أن يجمع الملوك ليعترف بذنبه وذنب لوكيان ولينال الاثنان عقابهما".

إلهي، هذا حقًا تراجيدي!

"لكن لوكيان كان يتميز بالذكاء بالفعل، لذلك عندما أوصل جواسيسه خطة نورمي بالاعتراف قرر أن عليه إلقاء واحدة من أقوى أوراقه فوق الطاولة، ورقة كان يخطط لها منذ وقت طويل وانتظر لسنين حتى يستعملها في الوقت المناسب.

منذ تولي أخيه الأصغر الحكم خطط لكل شيء ومن تلك الخطط كان تورتسيان".

من هذا أيضًا؟ لما تزداد القصة تعقيدًا؟ "أي نوع من الأسماء هو هذا؟" يوجين تمتم باستنكار وحاول نطق الاسم بفشل.

"تورتسيان كان الأمير الذي لم يتولَّ الحكم أبدًا، كان ابن الملك المنقلب عليه، أتتذكرين عندما أخبرتك أن بعد نهاية الحرب تم إلقاء الملك وعائله خارج القصر الملكي من قبل قوات التمرد في المملكة؟ كان لديه ابن يدعى تورتسيان والذي من المفترض أنه كان ولي العهد.

لوكيان تمكن من البحث عنه وضمه لخططه، تمكن تورتسيان من إخفاء نسبه بفضل مساعدة من لوكيان، بل وغير اسمه وأقنع الجميع أنه أحد أقرباء جولديان ملك الحرب ولكنهم أقرباء من صلة بعيدة، توغل هو وأفراد من العائلة الملكية السابقة إلى القصر الملكي حتى استطاعوا تولي مناصب مهمة داخل القصر.

لذلك رأى لوكيان أن الوقت مناسب لاستخدام تورتسيان وأقنعه بقتل نورمي حتى يتمكن من تولي الحكم، وستكون حجته لقتل ملك الإلترانيوس أنه كان شاهدًا على قتل نورمي ملك الإلترانيوس لمالكي ملك الإريبوس، وأنه بينما حاول منع ملكه اضطر لاستخدام القوة وقتله عن طريق الخطأ، وسيكون لوكيان موجود كشاهد.

وبالفعل نفذ لوكيان خططه وتم اغتيال نورمي من قبل تورتسيان".

من المحزن رؤية نسل العائلة التي منعت الحرب وجلبت السلام تموت بهذه الطريقة.

"لكن لا تبدو أي من تلك الحجج التي سيبرر بها تروتسيان قتل نورمي مقنعة، أعني في النهاية الملوك ليسوا أغبياء؟"

قلت متسائلة لتبتسم واندر وتومئ موافقة وأجابت "وهذا ما فكر به تورتسيان، في الواقع لقد كان مؤمنًا أنه مجرد بيدق في لعبة لوكيان لذلك قرر أن يسبقه ويغدر به قبل أن يفعل لوكيان، في اللحظة التي قتل فيها تورتسيان نورمي تصرف بشكل مختلف وصرخ في الحرس ليقبضوا على قاتل الملك.

نعم، لفق التهمة تمامًا للوكيان، فعندما دخل الحرس كان تورتسيان ممسكًا بصدر الملك ويحاول انعاشه ولوكيان يقف في منتصف الغرفة وقد جمدته الصدمة.

تم القبض عليه بتهمة قتل الملك ولم يصدقه أحد، فالقاتل دائمًا سيكذب ليبرئ نفسه. أمام محكمة الملوك قدم تورتسيان شهادته وقد سرد كل خطط لوكيان قائلًا أن بسبب طمعه في الحكم أوقع بين أخيه وحاكم الإلترانيوس ليقتل أحدهما الآخر، ولاحقًا قتل لوكيان ملك الإلترانيوس بسبب اكتشافه لخططه وفي تلك اللحظة دلف تورتسيان للغرفة وشهد على جريمة القتل.

جريمة كهذه تعني النفي للموت، بل إن تورتسيان قد لفق الشهود الذين أكدوا كل ما قاله بأحداث وهمية وهذا يعني أن مصير لوكيان الوحيد كان الموت.

لوكيان لم يكن رجلا ضعيفًا، وعلى عكس ما كان يظهر منذ سنين أنه أمير بقوة ضعيفة كان لوكيان قوي بشكل مكنه من الهرب من أكثر السجون خطرا في العالم، نعم لوكيان هرب قبل أن يتم النطق بالحكم عليه وعاد إلى مملكته الإريبوس".

بدأت أشعر أنني أحتاج لكوب من القهوة للاستماع لباقي القصة.

"مصيره كان الموت، لذلك كان رجلا لا يملك شيئا ليخسره، عند عودته جمع الشعب في أكبر ساحات مملكته وخرج في خطاب قوي ومؤثر، مغزى الخطاب أن أحد أفراد العائلة الملكية في الإلترانيوس قد قتل ملكهم مالكي وقتل ملك الإلترانيوس نورمي طمعًا في الحكم، بل تجرأ ولفق التهمة لشقيق الملك، صرخ بأعلى صوته في شعبه مثيرًا غضبهم، الإلترانيوس تنوي القضاء على الإريبوس والاستيلاء عليها، لا عزاء لمن لا يحترم ملكنا.

جملته ترددت وكانت هذه بداية حرب بين الإريبوس والإلترانيوس.

ولأن لوكيان كان يعرف أن بإعلانه الحرب على الإلترانيوس يعني إعلان الحرب على جميع الممالك التي عاهدت السلام بينها فقد عَلِمَ أن فوزهم مستحيل، بل إنهم فقط سيذهبون للموت بأرجلهم، ولذلك قرر أن يقوم بأكثر شيء محرم بين جميع الكواكب...

وضع لوكيان يده على أكثر وأقوى سحر ظلمة في العالم... سحر محرم لا يمكن لأحد حيازته إلا بإبرام صفقة مع كيان شيطاني ملعون.

القوة التي كانت بين يديه كفيلة بإنشاء الدمار بين العوالم، لم يتردد لحظة ونشر السحر في مملكته بالكامل مانحًا جميع سكانها قوة لا مثيل لها، قوة جعلت منهم كائنات متعطشة للخراب والدماء، لا يمكن إيقافها أو قتلها بسهولة.

جنود الظلام أصبحوا قادرين على مجابهة جيوش كاملة مهما بلغت قوتها، كانت جيوش الإلترانيوس تُهزم في ساعات قليلة، وحتى مع تعاون الممالك، لم تتمكن أي قوة حربية من الوقف في مواجهة تلك القوة المتعطشة للدماء".

كانت واندر تسرد بينما يتجسد الموقف أمامي، حروب مرعبة كانت تحدث، ولكن سرعة نهايتها كانت مفزعة! ما إن تلتحم أي قوة عسكرية مع قوات الإريبوس كانوا يتحولون تمامًا إلى غبار أسود أشبه بأرواح لا يمكن المساس بها، وكل ما تحتاجه هو أن تمر من خلال جسد أي شخص ليتحول إلى تراب أسود اللون في ثوانٍ معدودة.

"كانت قوتهم أشبه بكارثة كادت تدمر الطاقة الروحية التي تجعل الكواكب متماسكة، بل مع كل معركة ينتصرون فيها تزداد وحشيتهم وقوتهم مما أثار الفزع في قلوب الشعوب كلها، حتى جاء اليوم الذي تدخلت فيه قوة التوبازيوس لإنهاء هذا الخراب.

لكبح جموح شعب الإريبوس الذي حال إلى وحوش دموية منحت التوبازيوس قوة عظيمة لعشرة أشخاص من عشرة كواكب لهزيمة الشر الأسود الذي نشر اليأس في العالم...

العشرة أشخاص تميزوا بعلامات مختلفة تدل على قوة كل منهم، وهكذا خرج فرسان التوبازيوس إلى النور ليكتب التاريخ عن الحماة المختارين من كل كوكب.

ما إن اتحد هؤلاء العشرة ظهر الأمل من جديد، بدأت المعارك تنتهي بهزيمة الإريبوس شيئا فشيئا وبدأت الفوضى تصبح أقل فأقل".

راقبت باهتمام حركات المجسمات الصغيرة فوق الخريطة حيث خرج عشرة أشخاص من عشرة ممالك مختلفة، اجتمعوا وبدأوا شيئا فشيئا بتقليص الدمار والفوضى الناتجة عن الحرب.

اجتمعوا معًا حول كوكب الإريبوس وقاموا فجأة بإحكام سلاسل من الحديد عليها لتلوح فتاة منهم بيدها مسببة ثقب أسود مرعب في الظهور، ليتم إلقاء مملكة الإريبوس داخل هذا الثقب وينغلق على نفسه مجددًا!

رفعت عيني نحو واندر ونظرات التعجب تملأ وجهي ممّا حدث لتفسر بكل اهتمام.

"على الرغم من أن قوة الفرسان العشر كانت لا مثيل لها، إلا أن السحر الذي استعان به لوكيان كان قويا، وقد ازداد قوة في كل معركة خاضها، لذلك كان من الصعب على الفرسان قتله وإعادة هذه القوة الشيطانية حيث جاءت، لم يكن هناك حل سوى نفي كوكب الإريبوس بالكامل".

خانتني تعبير وجهي حيث ظهرت الصدمة بالكامل عليها وصحت "نفوا الكوكب بالكامل؟" أومأت واندر وشرحت "لقد كان سكان الكوكب جميعًا ممسوسين بسحر أسود، لم يكونوا قادرين على التمييز بين الصحيح والخاطئ، لذلك لم يكن هناك حل آخر. تم نفي كوكبهم إلى بُعد آخر، بُعد مدمر لا حياة عليه، ببساطة حكم عليهم بالموت". 

جميع الصور المجسمة أمامي بدأت تتلاشى لضوء أبيض قبل أن تختفي تمامًا وتعود الخريطة كما كانت، ورقة عادية مليئة بالرسوم التي توضح الاتجاهات والطرق والمدن.

إلهي! هذه كانت نهاية تراجيدية حقًا! حكم، طمع، خيانة، قتل وسحر أسود، ما خطب هؤلاء الأشخاص بحق الله؟

حمدًا لله أن الأمر حدث منذ وقت طويل وقد تم نفي هؤلاء الإريبوس أو أيًا يكن!

لحظة! بالتفكير في الأمر... شعرت فجأة بأطرافي تتجمد بينما أستعيد بعض الصور من اليوم الماضي، الإريبوس! عندما ساعدني بورالدو تحت الماء أتذكر جيدًا أنه قال إن علي الحذر من جنود الـ... الإريبوس!

كنت خائفة من السؤال لكني سألت على أي حال حتى لا أُجن "واندر، من المفترض أن هؤلاء المجانين قد تم نفيهم صحيح؟ إذًا... الجنود الذين طاردوني في ذلك السجن عندما وجدت نفسي هنا لأول مرة، من يكونون؟"

اتسعت أعين يوجين وكأنه أدرك الأمر لتوه وصرخ "اللعنة! ألم تطلق تلك السمكة عليهم اسم الإريبوس؟"

تسللت تنهيدة صغيرة من بين شفتيها وهي تومئ برأسها في شيء من البؤس، بدأت في طوي الورقة الكبيرة فوق الطاولة وقالت "لقد سردت لكِ ما حدث في الماضي، دعيني إذًا أخبركِ بما يحدث في الحاضر".

تحركت تخبئ الخريطة في أحد أدراج المكتبة الصغيرة في غرفة الجلوس ثم التفتت لتحضر شيئا ما من المطبخ وقالت "اتبعيني". لم تكن في حاجة لطلب فأنا كنت أتبعها تلقائيًا.

"إلى أين؟" سألت بينما أراقبها تتجه إلى أحد الأبواب التي بشكل غريب لا أتذكر رؤيتها هنا أمس أو حتى هذا الصباح عندما كنا نتناول الفطور.

"للتسوق، ألن يكون من الأفضل سرد الحكاية في جو مختلف عن هذا المنزل؟" ابتسمت باستمتاع لتفتح الباب وتعبر من خلاله.

"لكن باب الخروج من هنـ..." أشرت نحو الباب الذي خرج منه الجميع لكنها كانت قد سبقتني.

زفرت مستسلمة لأتبعها خلال الباب إلى حيث يعلم الإله.

*******************************************************

هالوووووووووووو

الفصل ده يعتبر من اكتر الفصول الي جابتلي صداع

تقريبا 7000 كلمه ومعقد ومحتاج تركيز واكتر من مره كنت اكتب اسم الممالك غلط او الخبط اسماء الشخصيات فركزوا فيه عشان الله يعينكم 

اظن جزء كبير من العالم الي داخلينه بقى واضح وتاريخه كمان واضح 

او يمكن لا 

الله اعلم 

كنت حابه انزل فصل كمان بس للاسف عندي مشروع للجامعه فبحاول اقسم وقتي بينهم 

اهم حاجه بحاول يفضل النشر يومي 

انجويييي

لوف يو 

باييي