الفصل الثالث عشر | البقاء للأضعف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "أستغفر الله 

والحمد لله

ولا إله إلا الله

 والله أكبر".

إفصاح آخر "إذا شعرت بالحاجة إلى يد دافئة فأمسك بيدك الأخرى، فلن يُهزم شخص يؤمن بنفسه" جبران خليل جبران

مساحة لذكر الله

************************** 

الفصل الثالث عشر



كل خطوة، كل حكاية، كل مكان أتجه إليه، يذكرني أن هذا العالم لا يشبه شيء في عالمي الطبيعي! لا شيء مماثل.

كل شيء يصرخ 'أنا ملئ بالسحر'.

عندما عبرت ذلك الباب خلف واندر ارتفع حاجباي في دهشة عندما وجدت نفسي داخل نفق صخري ممتد أمامي، على جدرانه مشاعل قديمة كانت تشتعل بها النيران ما إن تعبر بجانبها وتنطفئ عندما تتخطاها!

لمَ يوجد باب مؤدي إلى نفق غريب داخل المنزل؟

تبعت واندر في دهشة بينما التفت للمكان من حولي أحاول اكتشاف إلى أين نذهب.

نهاية النفق لم تكن بعيدة، حيث كانت هناك بعض درجات السلالم في نهايتها باب خشبي صغير تسلل الضوء من خلال تشققاته. صعدت واندر تلك الدرجات قبل أن تقوم بفتح الباب وتعبر من خلاله.

تبعتها بسرعة لأجد نفسي داخل زقاق جانبي قديم وفارغ من البشر، بينما الضوء الذي تخلل الباب لم يكن سوى أشعة الشمس!

بحق الإله، أين نحن؟

كانت واندر مدركة لمقدار التشوش الذي أعيشه الآن، ولم تتمكن حتى من إخفاء استمتاعها برؤية نظراتي الشاردة التي تتحرك من مكان لآخر بفضول وفاهي المفتوح ببلاهة.

لحقت بها أنا ويوجين لخارج الزقاق لنصطدم بالكثير من الأصوات المختلفة والروائح المختلطة للتوابل الفاخرة والأطعمة التي تتحدث رائحتها عن جودتها المذهلة، روائح الكثير من العطور ومستحضرات التجميل، الكثير من الألوان للكثير من الأقمشة والحرير.

ساحة ضخمة مزدحمة بالكثير من الأشخاص المختلفين في الأشكال و متشابهين في الهيئة، فساتين ضخمة، عربات فاخرة، حرس مسلحين استعدادًا لذبح من يتجرأ على أذية أسيادهم.

"إنها ساحة ميلا للمتاجر المختلفة والفاخرة، هنا حيث يمكنك التسوق براحة وشراء أكثر المواد الفاخرة ذات الجودة العالية بمبالغ خيالية". تحدثت واندر بنبرة استعراضية لم تخلُ من السخرية الحادة والواضحة من الطبقة الإرستقراطية هنا.

بينما أتابع بذهول الأشكال المختلفة للفساتين الضخمة والأسلحة الغريبة اصطدمت عيني بشيء صغير، هيئة صغيرة جدًا تجنبها الجميع، كان من الواضح الانزعاج على الكثير من الأشخاص ما إن تلاحظ الجسد الصغير للصبي الواقف في منتصف الساحة بنظرات مندهشة وبلهاء مماثلة تمامًا لخاصتي.

كان من الواضح أن هذا الصغير لا ينتمي إلى هنا بأي شكل، ملابسه الرثة ووجهه المتسخ بالغبار. على الرغم من براءة نظرته وجمال عينيه الزرقاء الصافية ونعومة خصلات شعره الشقراء المبعثرة بإهمال، إلا أن ذلك على ما يبدو لم يشفع له، فظلت نظرات التقزز تلاحقه من السيدات المهذبات التي تفوح منهن رائحة الثراء والراحة.

بدا الصغير تائهًا ومذهولًا وهو ينظر حوله، لم يلحظ أن المارة يتجنبون النظر له أو المرور بجواره وكأنه عدوى تشكلت كطفل في الثالثة!

لثلاث دقائق لم يحاول أحد الوقوف وسؤال الصبي عن والديه أو مساعدته، وقد فاض بي الكيل عندما زمجر أحد الحرس في وجه الصغير ودفعه بخفة بعيدًا عن طريق سيدته التي بالكاد ترى الطريق بسبب ضخامة فستانها.

تحركت من مكاني عازمة مساعدة المسكين لكني توقفت عندما لاحظت امرأة هرولت نحوه من اللا مكان، وبسرعة التقطت جسده بنظرة من الخوف والقلق، همست ببعض كلمات العتاب -ربما- لطفلها قبل أن تتحرك بسرعة بعيدًا عن الطريق نحو رجل وصبي بدا في الثانية عشر.

كان من الواضح أنها عائلة، عائلة حيث ينتمي هذا الطفل، فالملابس الرثة التي تهالكت لكثرة غسلها كانت صفة واضحة في الأفراد الأربعة، بالإضافة لبعض الصفات الأخرى التي تشير إلى عائلة من الطبقة الكادحة.

شيء فشيء عيني بدأت تلتقط بعض الهيئات المشابهة لهذه العائلة، الملابس البسيطة والوجوه القلقة، كانت تسير بسرعة بعيدًا عن الطرقات وكأنها لم تجد جحرا يُخبئها عن هذه الساحة التي تفوح برائحة المال.

"إنهم من الحدود". التفت نحو واندر التي قالت بينما كانت تنظر نحوهم كما أفعل ثم أردفت " إنه المكان الذي أنتمي له أيضًا". ابتسمت بينما أمسكت بيدي حتى لا نضيع وقالت "إنهم ليسوا قلة كما يبدو لكِ".

لاحظت نظرات الاستغراب على وجه يوجين أيضًا ولكنه تبعنا دون تعليق. كانت وجهتنا أحد الأزقة الصغيرة والتي قادتنا في النهاية إلى سلم حجري ضخم متجه إلى الأسفل.

هبطنا الدرجات بحذر، وكلما هبطنا أكثر انخفضت أصوات المتسوقين داخل ساحة ميلا وتبدلت بأصوات أخرى أكثر علوا وعشوائية صادرة من تحت الأرض!

توقفت في صدمة أنظر لمئات الأشخاص الذي يتجولون براحة أكثر، متاجر مصطفة على الجوانب، وعلى عكس السطح كانت الرائحة هنا تعبر عن المكان أكثر. رائحة طعام الباعة المتجولين المختلط بالزيت رديء الجودة، الرطوبة ورائحة العرق المختلطة بعطور رخيصة!

كان الباعة والمتسوقون أكثر بساطة، ثياب عادية، تغلبها الألوان الداكنة والغير ملفتة، لا وجود لمئات الحرس ولا لرؤوس مرفوعة بخيلاء تمشي في المكان.

"هذه هي ساحة ميلا التحتية، حيث يقضي سكان الحدود صباحهم". ساحة ميلا التحتية! 

ربتت واندر على كتفي وتمتمت "يبدو أنكِ بدأتِ تدركين نوعًا ما ما يحدث". كل ما أدركته أن هناك أشخاص يملكون الحق في المشي فوق سطح الأرض وآخرون عليهم البقاء تحتها!

انتقلت واندر من بائع لآخر تتفحص بضاعتهم وتلقي التحية عليهم وفيما يبدو أنهم يعرفون بعضهم منذ وقت طويل. "أخبريني يا جلنار..." قالت فجأة بينما تتفحص ثمرة غريبة الشكل والرائحة "في موطنك، هل يتم تصنيف الأشخاص بشكل عام؟"

تصنيف؟ بحق الله نحن ملوك التصنيف، أحضر مجموعتين في غرفة واحدة وسيأخذ أحدهم المبادرة في تصنيفهم إلى فئات مختلفة تعتمد على العرق والديانة والثقافة ولن ينتهي الأمر، فكل فئة ستبقى تصنف نفسها للأفضل والأسوأ.

لم أتمكن من منع النفسي من الضحك بسخرية وبينما نظرت نحوي واندر باستغراب يوجين رماني بنظرة متفهمة لسبب ضحكي.

"واندر، يتم تصنيفنا طيلة حياتنا، لذلك عليكِ أن تكوني محددة بشكل عام" ضحكت واندر وقالت "يبدو أن الوضع لديكم أسوأ مما ظننت، لكنني قصدت تصنيفا يضع الأشخاص في ترتيب معين، بحيث يتم تحديد الأقوى والأضعف من خلاله؟"

المال!

لم أكن في حاجة للتفكير في الإجابة لأنها واضحة كوضوح الشمس في يوم حار. مهما كان لونك أو عرقك أو انتماءك الديني، إن كنت تملك المال فأنت الأقوى!

"في الواقع... نعم، يتم تصنيف الفئات الاجتماعية بقدر المال الذي يملكونه، بشكل عام ثلاث طبقات، طبقة الأغنياء، تليها الطبقة المتوسطة، ثم الطبقة الكادحة أو الفقيرة".

أومأت بشيء من الفهم وتمتمت "المال".

التفتت ونظرت نحوي وقالت بجدية "هنا في الإلترانيوس يتم تقسيمنا إلى خمس طبقات اجتماعية عليكِ معرفتها جيدًا، جلنار".

رفعت خمسة أصابع وبدأت تثني كل واحد بينما تعددهم.

" الأسرة الملكية
العائلات النبيلة
الوسطاء
العامة
سكان الحدود".

خمس فئات! ألا يبدو هذا كثيرًا؟

"هؤلاء الأشخاص حقًا معقدون". تمتم يوجين وهو يكرر أسماء الفئات باستغراب.

"كل فئة يتحدث اسمها عنها جلنار، الأسمى والأعلى هم الأسرة الملكية، وهي الأسرة التي يحق لها دخول الأرض الملكية دون إذن وكل من يملك صلة دم بالملك الحاكم أو عائلته، هذه الطبقة الأقوى والتي يحق لها إصدار القرارات المختلفة والسمع والطاعة لها واجبة على الجميع. تحكم الأسرة المالكة أراضي الإلترانيوس بالكامل ولكنهم يملكون شخصيًا خمسين بالمئة من الأراضي لهم وحدهم".

لا أظن أنني سأتورط بشكل من الأشكال معهم، يبدون شيئا خطيرا وأنا أريد حياتي!

"يأتي بعدهم في الترتيب العائلات النبيلة، وهي التي تحكم ما يقارب النصف الآخر من الأراضي في المملكة، إنهم خمس عائلات نبيلة من ضمنهم عائلة كليسثسنيس التي سبق وقابلتِ رئيستها السيدة كليسثينيس، وكل عائلة تمتلك أراضٍ خاصة بها وتعتمد مساحة الأرض على قوة العائلة، فكلما كانت العائلة أقوى كان بإمكانها الاستحواذ على مساحة أكبر من الأراضي. السيدات في ساحة ميلا هن أفراد نبيلة من عائلات مختلفة ويمكنك التعرف عليهن فورًا لهيئتهن الفاخرة".

 لما أشعر أن مصطلح -نبيل- يجلب قشعريرة من نوع سيء؟ لا يروقون لي إطلاقًا، لم أكن من محبي النبلاء في الحكايات والأفلام في الأرض، لذلك من الطبيعي الشعور بشيء سيء بخصوصهم.

"يليهم الوسطاء، وهم قلة في عددهم يعيشون على أرض خاصة بهم، شأنهم الوحيد هو دراسة العناصر والهبات، وكلما قدموا معرفتهم للعائلات المالكة والنبيلة يتم مكافئتهم جيدًا بالمال والسلطة. طالما ظل الوسيط يعطي كل ما يعزز قوة النبيل أو أحد أفراد العائلة الملكية ولا يتدخلون في شؤون الحرب وغيرها، ازداد ذكاء وتم ملاحظته، سيتم اختباره وضمه للوسطاء إن أراد".

قاطعت واندر حديثها لتحيي أحد النساء اللاتي وقفن ما إن رأوها ليسألوا عن حالها وما شابه.

بالطبع أخذت نصيبي من النظرات الفضولية لكن فضلت واندر تجنب الحديث عني بسبب عدم الراحة الواضحة على تعبيري.

لا أحب الغرباء، وهذه أسوأ فترة في حياتي حيث أكون محاطة بغرباء مجانين وفضوليين.

ما إن تخطينا الصحبة الصغيرة من النسوة تذمرت واندر "إنهن فضوليات كالجحيم". 

اتجهت نحو أحد الباعة بينما تابعت الشرح دون الحاجة للنظر نحوي.

"يلي النبلاء في المكانة العامة، ولا تدعي كون طبقاتهم متتالية يجعلك تظنين أنهم قريبون من النبلاء، على الإطلاق، الفرق بين النبلاء والعامة فرق كبير، ولكنه كافٍ لجعل تبادل الاحترام بين الطرفين شيء شبه متبادل. العامة أشخاص تمكنهم قوتهم من العمل بشكل أفضل وجني مال أكثر، بعض العامة يمكنه الترقي لمكانة نبيل إذا ما اختارته أحد العائلات للانضمام لها، سواء لشرف الخدمة العسكرية، أو في حالات نادرة جدًا الزواج بنبيل. يعيش أغلب العامة على أراضي النبلاء السكنية لأن بمقدورهم دفع تكاليف المعيشة هناك".

تركت البائع الذي كان يحاول بكل الطرق عرض صفقة جيدة على مشترية بجوارنا وتابعت السير لأتبعها كطفل خائف من أن يتوه وسط هذا الحشد.

"وفي النهاية عزيزتي تأتي الطبقة السفلية، أو كما نقول: سكان الحدود... إنهم ما ترينهم حولك الآن، إنهم الأضعف في هذه المملكة، قوتهم لا تكفي ليعملوا بأعمال تكسبهم المال الجيد، لذلك أغلبهم يعملون بأعمال بسيطة بالكاد تغطي تكاليف معيشتهم، يعيشون على الحدود والتي هي أراضٍ تابعة للعائلة الملكية لذلك العيش عليها لا يكلف الكثير كأراضي النبلاء، لأنه كما أظن، على الملك منح مكان ليعيش عليه جمع شعبه".

كانت آخر جملة ساخرة بشكل واضح، ثم ختمت قائلة "وهكذا، كلما كانت قوتك أكبر كلما ازددتِ ثراءً، وكلما ولدتِ بقوة ضعيفة، ستكونين مضطرة للعيش بصعوبة".

استغرقت دقيقة وعيني تنظر لوجه كل شخص حولنا "هل يقسمونكم على حسب قواكم!" صرختي التهكمية كان واضحة كفاية لتجذب بعض النظرات الفضولية والمستغربة حولي؟

رمقتني واندر بنظرة مشابهة تمامًا لخاصة أمي التي كانت ترمق بها لوش إذا ما تسبب في فضيحة، زممت شفتي وهمست بسرعة "أعتذر".

نقلت الثمرة الغريبة الزرقاء من يد لأخرى تقوم بمعاينتها قبل أن تدفع ثمنها وتتحرك للكشك التالي. تبعتها بخطوات سريعة بينما تهكمت بانزعاج "أنتم تولدون بهذه القوة! ليس وكأن الخيار يعود لكم؟ كيف يمكن تحديد باقي حياتك حسب شيء ولدت به؟"

ابتسمت بتفهم وقالت "ألا يولد بعضكم فقراء، هل اختار أن يكون فقيرا؟" صمت لثواني أفكر في الأمر قبل أن أتمتم بعدم اقتناع "لكن ما زال... يمكن للفقير العمل إذا وجد فرصة ثم ينجح ليصبح غني". هزت رأسها وفهمت من تعبيرها أنني لم أعي الأمر بعد.

"عزيزتي، نعم، قد يحاول البعض العمل والنجاح لكنه قد لا ينجح، لأنه ولد بينما لا يرى الإمكانيات التي قد تمكنه من النجاح، هل يتوفر التعليم لجميع الفقراء في وطنك؟ هل يتوفر لهم الغذاء الجيد والماء والمنزل؟ نعم، قد يتوفر للبعض، ولكن ليس الجميع. ألا تظنين أن الجميع يحاول أن يكون أقوى؟ إنهم يفعلون جلنار، لكن لا ينجح الجميع في هذا".

التفتت لتنظر نحوي وتقول "لنتحدث على الصعيد العالمي، إن كانت هناك خمسة ممالك في وطنك على القدر ذاته من الثراء والمال، ما الذي قد يميز مملكة عن الأخرى؟ كيف سيتم ترتيب هذه الممالك؟"

فكرت لثواني قبل أن أنظر ليوجين إن كان يملك فكرة ليرفع كتفيه بلا اهتمام ويقول "لست محبًا للسياسة، جلنار".

ابتسمت عندما وجدت الإجابة وقلت "القوة العسكرية، المملكة التي تحظى بأكبر قوة عسكرية ستكون هي الأولى على الترتيب، لكن..." توقفت لثواني أفكر وظلت واندر تنظر نحوي بابتسامة بسيطة.

"لكن ستحتاج إلى مال أكثر لتحصل على قوة عسكرية كبيرة، أعني ما زال الأمر يعتمد على المال أيضًا ربما؟ و..."

توقفت عندما لاحظت تعبير واندر التي تبدو وكأنها حصلت على مرادها. ضيقت كلتي عيني وسألت بانزعاج "ماذا؟" 

ضحكت ثم قالت "لماذا لم تفكري أن الخمس ممالك ستكون فقط متساوية في القوة؟ لقد حاولتِ أنتِ أيضًا وضعهم داخل قوالب وتصنيفهم، حتى مع تساوي ثرواتهم، أتفهمين مقصدي الآن؟ نحن مخلوقون لنقوم بتصنيف بعضنا البعض، مهما بدونا متساوين سنجد سببًا لنقوم بتصنيف أنفسنا، سنجد شيئا يجعل شخصًا أفضل من الآخر، من معه ثروة أكبر، قوة أكبر، لون بشرة أفضل، من قامته أطول، وأن كان الجميع متشابهون سنبدأ بتصنيف من يملك خنصرا أطول من الآخر".

تابعت سيرها بينما ظللت في مكاني أحاول استيعاب كم هي محقة. "لقد نالت منكِ". سخر يوجين لأومئ بهزيمة "لقد فعلت".

توقفنا أمام بائع ما -أظنه لبعض البهارات والتوابل- وطلبت واندر كميات مختلفة من أصناف مختلفة "إذًا إذا كان سكان الحدود يعيشون على الحدود، وهذه الأرض ملك للنبلاء، ما الذي يفعله سكان الحدود هنا؟"

سألتها بينما أراقب البائع الذي ناولها كيسا كبيرا يحتوي على علب صغيرة وقال "عشرون كورينت". أخرجت واندر ما أظن أنه العملة المتداولة هنا وناولتها للرجل.

"هذا ما أريد الوصول إليه منذ البداية، أتذكرين أخ الملك؟ الشرير لوكيان الذي تم نفيه منذ سنوات طويلة؟" أومأت بنعم بينما نتحرك للبائع التالي "حسنًا... لقد عاد هو وشعبه، وقد تمكن من الاستيلاء على بعض حدود المملكة حيث يعيش هؤلاء الأشخاص".

توقفت عن المشي وتركت لنفسي فرصة لاستيعاب ما قالته للتو "أتقولين أن قوة كارثية قد عادت؟" صحت بفزع لتومئ ببساطة.

"تبًا، هذه الأغراض تصبح أثقل، علي وضعها في المنزل لن أتمكن من حملها طيلة الطريق".

قالت بينما تضع مشترياتها أرضًا، أقحمت كف يدها في جيبها وأخرجت ما يشبه الكرة الصغيرة اللامعة. أسقطتها أرضًا لتعود الكرة وترتد للأعلى وتتحول إلى بوابة سحرية تطل على المطبخ. حقًا علي محاولة الاعتياد على هذه الأشياء الغريبة حتى لا أفقد صوابي.

ما إن مررت واندر يدها بالأغراض خلال البوابة لتضعها فوق المطبخ أغلقت لوحدها لتلتقط واندر الكرة الصغيرة وتعيدها لجيبها. 

"إنها المكاشورت، يمكنك نقل أي شيء لأي مكان من خلالها، لكنها لا تنقل الكائنات الحية". شرحت واندر عندما لاحظت تعبير وجهي الذي يحاول إخفاء فضوله.

"ماذا سيحدث إذا مر كائن حي؟" سأل يوجين سؤال منطقي في الواقع، لذلك كررت السؤال على واندر لتجيب "سيكون هذا سيئا جدًا، إنها مصممة لنقل الأغراض المصنوعة من جزيئات مصمتة، إن حاولتِ نقل كائن حي من خلالها فسيجد جسده في أقصى الشرق ورأسه في أقصى الغرب. إنها أداة جيدة لكن تقل جودتها كلما قل سعرها، وكلما كانت بسعر أعلى تمكنتِ من نقل أغراض تفوق حجمك مرتين لأماكن بعيدة جدًا".

"لمَ لا نلقي المدعو أتريوس داخلها؟" اقتراح يوجين دفعني للضحك، تخيل رأسه في مكان وقدمه في مكان، إلهي! سيكون هذا انتقامًا ممتعًا. "أفترض إذا أن الكورينت هي عملة هذا المكان؟" تساءل يوجين، رفعت كتفي قبل أن أهمس نحوه "يبدو ذلك".

"ماذا كنا نقول؟" تمتمت واندر قبل أن يرتفع حاجبيها متذكرة.

 "أوه! نعم، عودة لوكيان. لقد عاد منذ ما يقارب المائة يوم تقريبًا. عندما عاد للمرة الأولى ظن الجميع أنه سيهاجم مركز المملكة، أي قصر الملك، فهو يحتوي على المعابر الزمنية والمكانية بين الكواكب مما سيمكن هذا الشيطان المجنون من الوصول لجميع الكواكب، وهذا بالفعل ما كان سيحدث! فقد بدأ الجميع بالهروب إلى مخارج المملكة".

توقفت لثوانٍ وقد بدت وكأنها تنظر لوجهي لكن كان من الواضح أنها تتذكر تلك الليلة...

"لقد كانت ليلة مرعبة، ظلّ كل من بإمكانه القتال للدفاع عن المملكة، وهرب الباقون. أحد قادة الجيوش المسمى بالسيد فولدماين استطاع إيقاف رجال لوكيان عن السيطرة على القصر وبذل أقصى ما يملك ليحمي أراضي الملك، وبالفعل تراجعت جيوش لوكيان إلى حدود المملكة". حاولت قدر الإمكان تكوين صورة للأحداث التي كانت تحكيها واندر.

"لحظة... ألم تقولي أن السكان كانوا يهربون إلى مخارج المملكة؟ أي حدودها! إذا توجه جنود لوكيان إلى هناك إذا..." سكتت هي لثوانٍ وقد بهت وجهها كشخص يعيش تلك اللحظات مجددًا، تنهيدة ثقيلة أزاحتها عن صدرها وأومأت برأسها.

 "بالضبط، لقد كان خطئًا كبيرًا... خلال دقائق تحول كل شيء إلى مذبحة. ما زال يمكنني سماع صُراخ النساء، رائحة اللحم المحترق، وعويل الأطفال، كانت حقًا مأساة. أفراد العائلات النبيلة تكفل بحمايتها جنودهم وحرسهم وظل سكان الحدود والعامة بلا حماية من نساء وأطفال، قتل جنود لوكيان ما قتلوا، وأسروا منهم ما أسروا".

شعرت بمذاق طعام الفطور يرتفع إلى حلقي مجددًا، التعبير على وجه واندر كان كافيًا بشرح ليلة الرعب تلك، تعابير جميع الموجودين في المكان تحمل فزعًا وحزنًا مخبئا، فقط إن نظرت إليهم للمرة الثانية تستطيع رؤية أن ما عاشوه ترك أثرًا عميقًا في قلوب كل واحد منهم. صورة ما عادت لذهني لتلك المرأة بين القضبان وابنتها المريضة! جميع المساجين أسفل الأرض! إنهم من سكان الحدود...

إنهم أكثر من عانى، أكثر من تألم وأكبر الخاسرين هنا، ولكن في النهاية كل ما تمكنت هذه المملكة اللعينة من فعله هي وضعهم أسفل الأرض حتى لا يختلطوا بأبناء العائلات النبيلة!

"إلهي، جلنار... لم أكن أعلم أن بإمكانك إظهار تعبير ساخط مثل هذا!" ربتت واندر على كتفي وقالت :

"لا تقلقي، هؤلاء الأشخاص يتم الاعتناء بهم من قبل ابنة الملك، لقد خصصت جزء من الأراضي السكنية النبيلة ليتمكنوا من البقاء فيها وقد خفضت تكاليف المعيشة لأكثر بكثير من النصف، ويجب أن تعلمي أن هذه الخطوة لم تكن بالبسيطة أو السهلة أو حتى المتوقعة، عائلات النبلاء قد ثارت ضد جلالتها بشدة ولكنها تمسكت بقرارها، لذلك إرضاءً للطرفين مؤقتًا وافقت على جعل سوق أفراد الحدود تحت الأرض، لا يمكنكِ الاستهانة بضغط النبلاء، تذكري أنهم يملكون تقريبا نصف أراضي المملكة، بينما جلالة الأميرة تقف في وجههم لوحدها".

لم أعد قادرة على تمييز الجيد من السيء، لكن... أنا متأكدة من شيء واحد... العائلات النبيلة هم الأفظع. شيء ما قفز لرأسي لذلك سألت واندر عنه "ابنة الملك؟ هل مات الملك؟" هزت رأسها بلا "لقد تم أسره من قبل أقوى رجال لوكيان، كانوا ثلاثة وقد أطاحوا كتيبتين من أقوى الجنود الذين حاولوا منعهم". إذا لا يعرف أحد إن كان حيا أم ميت، فقد تم أسره، هذا يفسر الضغط على ابنته. 

أمسكت واندر بقماش وردي قبل أن تثبته فوق كتفي وكانت تبدوا وكأنها تقيس طوله أو ربما شيء آخر، لا أعلم. "سيكون قماشًا جيدًا لفستان". تمتمت وهي تقلبه بين يديها، قاطعت أفكارها بسرعة "بالنسبة للفساتين، أردت محادثتك عنها، ألا يمكنني ارتداء سروال وقميص فقط؟" عقدت حاجبيها وهي تنظر نحوي "سروال وقميص!" كررت بتعجب لأومئ بنعم.

"سروال وقميص على فتاة؟ لم أسمع بفكرة مجنونة كهذه من قبل" التفت بفزع للصوت الذي صدح على مقربة من يميني. امرأة طويلة القامة ممتلئة الجسد نوعًا ما وقفت تتفحصني بنظرات فضولية، لملمت خصلات شعرها الأبيض للأعلى قبل أن تثبته بقلم رصاص كان في جيب فستانها البنفسجي، عدلت إطار نظراتها الصغيرة فوق أرنبة أنفها وانحنت نحوي وهي تهمهم بشيء لنفسها.

"واندر، لم أراك تتسكعين مع فتاة ما هنا من قبل سوى تلك الحمقاء عاشقة الخمور! من هي هذه الجميلة التي تكره الفساتين؟" 

قهقهت واندر ثم قالت "مونيكا، هذه جلنار روسيل. جلنار، مونيكا آشر" أشارت بيديها بيننا كتقديم لأومئ بصمت كـ مرحبًا. "إنها خجولة". همست واندر ولكن كان همسًا مسموعًا في الواقع!

"أوه! أليس هذا غريبًا؟ خجولة ولكن لا تمانع ارتداء ملابس الرجال، أنتِ استثنائية". اتبعت جملتها بضحكة صاخبة "فـ… في الواقع، إنها تصلح للجنسين". قلت بتردد في الدخول لهذا النقاش مع هذه المرأة.

حاجبيها ارتفعا في فضول "ماذا؟" سألت لأكرر "السراويل، إنها تصلح للجنسين، كما أنها أكثر راحة في الحركة".

ابتسامة غامضة ارتسمت على وجهها وتمتمت "حسنًا، هذا رأي مثير للاهتمام لا نسمعه كثيرًا في هذه المملكة". التفتت نحو واندر ونكزت ذراعها قائلة "تستمرين بجلب عملاء مثيرين للاهتمام لي واندر". قهقهت واندر والتفتت نحوي قائلة "مونيكا الأفضل عندما نتحدث عن تصميم الملابس سواء للراجل أو النساء، من الرائع أننا نملك مصممة بارعة مثلها". أثنت واندر لتعود ضحكة مونيكا الصاخبة في الصدوح قبل أن تقول وهي تلوح بيدها نحو واندر "لا تبالغي، لست بهذه الروعة".

وضعت على وجهي ابتسامة صغيرة، فلا أريد أن أبدو فظة، لكنها لم تكن تبالي بابتسامتي على ما يبدو لأنها سحبت ذراعي خلفها إلى داخل المتجر وقالت " انظري لكل هذه الفساتين، ستجدين ما يناسبك يا صغيرتي، سواء كان لونًا أو حجمًا أو تصميم. لم تخبريني ماذا تقربين لواندر؟" اتسعت عيناي قبل أن أحول أنظاري لواندر مستنجدة.

"إنها قريبتي من جهة أخت زوجة ابن عمي الثالث".

ساد صمت في المكان قبل أن ينفجر يوجين في الضحك، التفت نحو مونيكا أنظر إليها بحذر، عقدت حاجبيها وكأن أنظمة عقلها توقفت عن العمل فجأة قبل أن ترفع حاجبًا وتقول "هذه قرابة بعيدة جدًا، من الجيد أنكم ما زلت على تواصل". زفرت براحة كما فعلت واندر.

"إلهي، لا أصدق أنها صدقت هذا، أعني أخت زوجة ابن عمي! بحق الله إن كنا سنتحدث عن عائلة الملكة إليزابيث مع كامل احترامي لن يكون الأمر بهذا التعقيد". دحرجت عيني نحو يوجين، ألا يمكنه التوقف عن السخرية ويكون ممتنًا لأننا لسنا في ورطة! 

انتهي بي الأمر مع ثلاثة فساتين بسيطة، واثنين من ملابس النوم، ويبدو أنني سأنسى القميص والسروال لفترة، الرحمة...

"عندما نعود للمنزل سأبدأ بتحضير الغداء، لابد أنهم سيعودون جياعا كالوحوش". تمتمت واندر وكأنها تراجع خططها جيدًا.

 التفتت تنظر نحوي في النهاية وقالت "لابد أن الأمر واضح لكِ الآن جلنار، حياتنا فوضى كاملة، أعلم أن الفرسان قد يتصرفون كملاعين أحيانًا، لكن أريد منكِ عذرهم. نصف حدود المملكة تم الاستيلاء عليها، وقريبًا سيزحف جنود الإريبوس نحو أراضي النبلاء حيث يعيش العامة، وهذا ما يحاولون إيقافه، لقد تم اختيار الفرسان فجأة، وقد حدثت فوضى عندما تم الإعلان عن المختارين، فكما ترين، لا يظن الجميع أنهم قادرون على حماية أنفسهم ليحموا مملكة كاملة، يتم الضغط عليهم من قبل العائلة المالكة ويواجهون كراهية النبلاء والشعب كله وتوقعاتهم السيئة، إنهم يتحملون الكثير".

هذا سيء جدًا يا رجل "لمَ يكرههم النبلاء والشعب؟ كما فهمت، هؤلاء هم منقذيهم!".

زفرت واندر بشفقة وأومأت بتفهم "هذا صحيح، هذا ما كان يجب أن يحدث، لكن الفرسان هذه المرة لم يكونوا عند حسن توقعات الجميع، فكما ترين، أولًا توقع الجميع عشرة فرسان، والآن هناك أحد عشرة وأنتِ الثانية عشر، والرب يعلم ماذا سيحدث إن شاع عن وجودك. الكثير من الفرسان لا يبدون وكأنهم قادرون على القتال، المسكين رومياس على سبيل المثال، المسكين... إنه أضعف شخص في سلالته. ثم الساحرات، إنهن فقط... فوضى متحركة جلنار، فلم تكن ممن يقال عليهن 'أفضل المحاربات'، وفارس العمالقة، إنه... إنه صغير جدًا على هذه الحرب... 

وطبعًا لدينا الرائع جدًا السيد كراهية أتريوس، أكثر من جن الناس له عندما عرفوا بوجوده ضمن الفرسان، فبعيدًا عن طبيعته المجنونة والعنيفة، لقد عرض على الرجل أن ينضم للحرس الملكي وهذا أعظم شرف قد يحظى به مواطن، ولكنه رفض بلا اهتمام وأكمل تناول مشروبه".

أفلت ضحكة ساخرة وتمتمت "ليس من الصعب تخيل هذا". ضحكت واندر وأومأت موافقة "ثم إن أتريوس تم اختياره بعد أوكتيفيان، ووجود فارسين من نفس المملكة لم يحدث أبدًا من قبل". 

"إنهم يحاولون جلنار، بأقصى ما يمكنهم إنهم يحاولون، على الرغم من أن لا أحد يتطلع إليهم والجميع مجبر على تقبلهم لأنهم الأمل الأخير، ولكن كل ما يهتم هؤلاء الفرسان به هو إنقاذ أرواح الأبرياء من هذه الكارثة. لا تنتظري منهم تقبلك أو مساعدتك على التأقلم، عليكِ فعل ذلك بنفسك، إثبات نفسك بقدراتك الخاصة. نعم، أنتِ أكثر واحدة فيهم تحتمل صدمة وتشوش كبير، لكنهم أيضًا خائفون من ذلك الحمل الذي أُلقي به فوق أعناقهم دون أي مقدمات".

مع صمت واندر لاحت صورة جميع أولئك الأشخاص من سكان الحدود يائسين لا يتوقعون أن شخص قد يمد لهم يد العون، حتى تلك السيدة في السجن كانت تستنجد بالفرسان كأمل أخير وكأنها لا تتوقع الكثير. اللعنة! كيف يمكنهم توقع الكثير وهناك شخص كأتريوس بين الفرسان… لا! كيف يتوقعون الكثير وهناك شخص مثلي بين الفرسان وكل ما أبرع به النحيب والفزع؟ 

أنا لا أتوقع الكثير مني، أنا لا أتوقع أي شيء من نفسي على أي حال... بحق الإله لنكن واقعيين، لم أتمكن من الدفاع عن نفسي ضد مراهقين فشلة عندما بدأوا في التنمر علي، واستمر الأمر حتى الجامعة، لقد كنت في حاجة لمن يقوم بإنقاذي، والآن...

الآن هناك أيادٍ بائسة تمتد لتستنجد بأشخاص مثلي ومثل أتريوس! لم أستطع إنقاذ نفسي والآن علي إنقاذ أرواح شعب كامل!

من قام باختيار شخص مثلي؟ لمَ تم اختيار شخص مثلي بحق الله؟ إنه خطأ.

"جلنـار". جفلت ليد يوجين الباهتة التي تلوح أمام وجهي "أنتِ تخيفينني، أنادي باسمك منذ الأزل، ما نوع هذه النظرات على وجهك؟" هززت رأسي وتمتمت بـ "لا شيء مهم". التفت حولي بحثًا عن واندر، ويبدو أن يوجين لاحظ ذلك ليقول "إنها هناك". أشار بإصبعه نحو واندر التي تقف على بعد خطوات أمام ما يشبه... متجرا للأسلحة!

يقف قبالتها رجل ذو بنية قوية يبدو في الخمسينات من العمر ولكنه في صحة أفضل من شاب في العشرين! تسلل الشيب لبعض خصلاته السوداء كما تسللت بعض التجاعيد لجبهته كلما عقد حاجبيه أو رفعهما. كان الطرفان مستمتعان بمحادثة ودية على ما يبدو، بدت واندر بمزاج جيد جدًا وهذا أراحني فكل ذلك الحديث عما حدث لأرضها بالتأكيد جعلها مكتئبة نوعًا ما حتى وإن حاولت إخفاء ذلك.

أجفلت عندما لاحظت أن كليهما نظر نحوي في ذات الوقت، وهذا يعني أن هناك حديث يدور حولي. "اقتربي أيتها الشابة، لن أتناولكِ على الغداء". صدحت قهقهة بسيطة منه كما فعلت واندر لأعقد حاجبَي بانزعاج وأتقدم نحوهما. "لست خائفة، كنت شاردة". تمتمت لتتسع ابتسامة الرجل "لماذا؟ ألا أبدو مخيفًا لكِ؟" ثبت نظرته الحادة نحوي ولكن ما زال شاربه يرتفع بابتسامة ذات مغزى. 

"لا أظن، سيدي. تبدو كأي شخص عادي". في الواقع بدا عملاقًا بالنسبة لشخص 'عادي' وربما لكنت توجست خيفة منه إن كان هو أول من التقيت به، لكن... يا رجل! لقد قُذِفت من فوق منحدر إلى الموت، أنت تبدو لطيفًا مقارنة بهذا. 

اتسعت ابتسامته "طفلة مثيرة للاهتمام. آنسة واندر، إن شعرت قريبتكِ بالملل من البقاء في المنزل يمكنك القدوم وجلبها معك لورشتي، الأشخاص أمثالها يجعلون الوقت يمضي بسرعة!" هل دعا واندر بآنسة للتو؟ وهل قال يمكنك القدوم وجلبها معك؟ هذا الرجل يتودد لواندر بشكل ظريف جدًا.

حاولت كبح ابتسامتي قدر الإمكان لقفزي لهذا الاستنتاج، ثم... لم يخبرني أحدهم أن الوقت يمر بسرعة بوجودي لأني مثيرة للاهتمام! الجميع يظن أنني مملة، لذلك هذا الشخص إما أنه كاذب فقط ليتودد لواندر، أو أنه بشكل غريب يمتلك ذوقا غريبا ليثير اهتمامه.

"هناك شخص يجدك ممتعة، هذه معجزة". دحرجت عينَي قبل أن أهمس "أنت كنت تجدني ممتعة عندما كنت أركض خلف تلك الألغاز". أصدر صوتا ساخرًا قبل أن يبرر "أنا شبح غير مرئي لأحد غيرك، ضعي ظروفي في الحسبان". تجاهلته قبل أن أنتبه لما يقوله كل من واندر والرجل العملاق أو الحداد كما أظن. 

"لم أقابل هؤلاء الفرسان من قبل سوى ذلك المجنون بفأسيه، لكن لا تدعيهم يرهقوكِ بالعمل". حمدًا لله، لست الوحيدة التي تظن أن أتريوس مجنون بفأسين.

ضحكت واندر وقد استعملت بعض العبارات دفاعًا عن الفرسان بينما راقبها هذا الرجل باستمتاع.

التفت الحداد نحوي وضرب صدره برفق "أنا جان جولدامون رويال يمكنني القول بثقة أنني أفضل صانع أسلحة في المنطقة". عرف بنفسه لأومئ كترحيب. "أنا جلنار". وبالطبع اكتفيت بشيء بسيط بدون تكلف لتتسع ابتسامته مجددًا "تعجبني قريبتك واندر". قهقهت واندر وهي تربت على كتفي "جولدامون قد تفوق على جميع تجار الأسلحة وصانعيها، رغم أن النبلاء والعائلة الملكية لا يَقتَنون من تجارة سكان الحدود لكن جولدامون كسر القاعدة،  فكان أول من امتلك موهبة خاصة في صناعة وتركيب أي تصميم سلاح قد يقدم له، وشيئا فشيئًا وجد النبلاء أنهم مضطرون لشراء أسلحته، فقد كانت بالفعل الأفضل". 

كان واندر تتحدث بكل فخر وبأعين لامعة بينما كتف جولدامون يديه وهو ينظر نحوها بابتسامة بسيطة. عضضت شفتي في تردد قبل أن أطلق سؤالي "إن كانت تجارتك رابحة لهذا الحد، لما تعمل في ورشة حدادة هنا؟ أعني أليس من الأفضل بيعها في الأعلى، يمكنك الحصول على ورشة أكبر... ربما!".

توجهت عينيه نحو ورشته ثم أخذت تتجول حوله ينظر لوجوه الجميع ليهز رأسه للجانبين "لا يمكنني... لا أريد إن صح المعنى. لقد عشت حياتي بسيطًا بين هؤلاء البسطاء، لن أتركهم للصعود لطبقة مصطنعة. ربما نبدو بائسين بالنسبة لهم لكننا الأكثر راحة، تلك الورشة الصغيرة هي من صَنَعتني وأنا من صنعتها، لذلك لا يسعني الابتعاد عنها أو استبدالها، هذا ما أنتمي إليه. قد تسعى الطبقة العليا دائمًا لما هو أفضل، لكن أيتها الشابة، فالتعلمي جيدًا ان الاكتفاء والرضا هو 'الأفضل' الذي يحاول هؤلاء المتصنعون البحث عنه، عندما تبدئين في الاعتزاز بما لديك لن تغريك أبدًا تلك العروض المبهرجة".

ربما يبدو من الوهلة الأولى كرجل يثرثر بمقطع نصي لأحد الأفلام الدرامية، لكن هذا الرجل يعرف ما يقول جيدًا، بل يعني كل كلمة وكأنه عايشها! مهما حاولت إنكار ما قال وإقناع نفسك بأنها ترهات، شيء ما بداخلك يتحرك حماسًا مع كل كلمة نطقها للتو.

"هذا الرجل يعجبني". صاح يوجين قبل أن يلتفت للحشد صارخًا "أيها الملاعين! أنا أنتمي للبشر، هل تفهمون؟ ربما شبح، لكني كنت بشريًا يومًا ما". هززت رأسي بيأس، هذا تطبيق سريع حرفيًا، كما أن لا أحد يسمعك حتى. 

بقت عيني معلقة على السيد جولدامون بينما يتجاذب أطراف الحديث مع واندر ويدفعها للضحك باستمتاع. حاولت ترتيب كل ما سمعته اليوم، لست متأكدة إن كنت قادرة يومًا على فهم ما يحاول هؤلاء الأشخاص إيصاله لي، لكني متأكدة أنهم أكثر قوة مما يبدون.

لقد مروا بالكثير، وما زالوا يمرون بالمزيد، ومع ذلك إنهم متمسكون بروتينهم العادي ويبذلون جهدهم للبقاء على قيد الحياة.

رفعت عيني حولي نحو وجه كل شخص منهم أحاول التخمين من فقد عزيزًا ومن يفتقد المنزل منهم! ومن عايش ليلة الرعب تلك! من فُزع بطرق الجنود على منزله وهم يصرخون بإخلاء المنازل؟ من يشعر بالغضب كون طبقته هي المتضرر الوحيد...

كنت أشعر أنني أكبر مظلومة فقد سُحبت رغمًا عني داخل فوضى ما كنت لأختارها، منبوذة لذنب لم أقترفه أو حتى لسبب غير عقلاني! لكن واللعنة ليس وكأن الكون يدور حولي وينتظر مني النهوض أو الموت! هناك ملايين يشعرون وكأن الكون يدور حولهم ولكنه لا يدور حول أحد. 

نحن فقط نعطي أهمية زائدة لأنفسنا ونظل نائمين فوق ظهورنا نحلم بأن الكون قد توقف من أجلنا ويساعدنا على النهوض. لم أعرف لمن كانت الابتسامة الساخرة على وجهي موجهة، أكانت لي أم لهم؟ أم للفرسان أم لأتريوس؟ لم أعد أفهم نفسي نوعًا ما، لكن هناك ما أنا متأكدة منه...

الحياة أكبر من التنمر ومن المشاكل المالية، أكبر من الوظيفة ومن المستقبل العملي والعاطفي، سواء شئت أم لا، علي إدراك ذلك، علي التوقف عن النحيب وسؤال ذات السؤال كل مرة... لما أنا؟ 

لقد كانت أنا وحسب، علي التعامل مع هذه الحقيقة، إما أن أتأقلم مع هذه الفوضى وأحاربها للعودة أو ألتصق بمؤخرتي فوق كرسي ما وأشاهد ما يحدث بصمت ودون محاولة، وأظن أنني اكتفيت من المشاهدة. 

خرجت من دوامة الأفكار تلك عندما ودعت واندر السيد جولدامون وربتت على كتفي لنتحرك.

التفت نحو السيد جولدامون الذي كتف ذراعيه واكتفى بمراقبة ظهورنا وهي تبتعد ثم قلت "لقد قلت أنه لا بأس بالمجيء إلى ورشتك من حين لآخر، هل كنت تعني كلامك؟" استطعت تخمين أن واندر قد توقفت وهي توجه نظرات مستفهمة نحوي "ما الذي تحاولين فعله؟" تجاهلت سؤال يوجين وثبت نظري نحو السيد الذي ظل يحدق نحوي بصمت وكأنه ينتظر مني التراجع في أي لحظة! 

"نعم، لقد قصدتها بالكامل، لا أعلم لماذا لكن... أشعر بأنكِ أشبه بصندوق مفاجآت، وأنا رجل يحب المفاجآت". لم أكبح ابتسامتي هذه المرة ورفعت كتفَي لأقول "حسنا، بما أنك قلتها، قد تجدني هنا في وقت ما". رفع حاجبيه الكثيفين قبل أن يفتح ذراعيه ضاحكًا ويقول "أهلًا بكِ داخل ورشة جولدامون للحدادة أيتها الشابة". أومأت برأسي كشكر ثم التفت نحو واندر التي ظلت تبدل أنظارها بيننا بعدم فهم قبل أن ترفع كتفيها بيأس وتأخذ خطوتها وهي تدندن بشيء ما. 

تبعت واندر دون النظر خلفي بينما تعج رأسي بالكثير من الأفكار. "ماذا تنوين بحق الله!؟" لم يكن سؤال يوجين ذا نبرة متخوفة أكثر مما كانت مستمتعة. "صدقني أنا لا أعرف، لكني أشعر وكأن إبقاء مؤخرتي داخل المنزل سيكون مملًا". 

ضحك وتمتم "أنتِ بالفعل صندوق مفاجآت".


********************************

هالوووووووووووو

اخباركم؟؟؟ ان شاء الله طيبين

سوري الفصل اتاخر حبتين بس لان مشغوله شوية 

فصل النهردة يبان قصير -هو مش يبان هو قصير-

بس ده لان فصل بكره هيكون 11 الف كلمه ان شاء الله

وحدة من الشخصيات الي بحبها كمان ظهرت 

الحداد الحكيم الرهيب الفخم الضخم الحنون الشديد 

جولداااموووون

احيانًا بحس اني بتحمس لرجوع الشخصيات اكتر منكم مش عارفه ليه 

شكرا لانتظاركم الفصل 

لوف يووو 

بااااااي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

44 تعليقات

  1. love 💋❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  2. حبييييت، أنتظر الفصل ألي يظهر فيه حبيبي بأسرع وقتتت 🥹🤍

    ردحذف
  3. كنت يائست ان الفصل مش هينزل انهارده بس اهلاااا بالجمال ✨♥️

    ردحذف
  4. اول مره اكتب وانا من القرا الجدد ف بليز نزلي فصول كتير مو قادره لهل حماس❣

    ردحذف
  5. يومي بقى عبارة عن انتظار فصل توبازيوس الجديد😂❤️❤️❤️

    ردحذف
  6. متحمسه لفصل بكرة وحشني الفرسان🥹

    ردحذف
  7. حاااان وقت مفاجاءات جلنار احب البارات القادمه متحمسسسسسه

    ردحذف
  8. جولداموووون 😭😭😭 الحداد الحنووون الهوتييي😭😭😭

    ردحذف
  9. إشتقنا لجولدامون الفخم

    ردحذف
  10. مرحبا ب جولدامون اخيرا 😭♥️

    ردحذف
  11. اخخخيييرا شايبنااا رجععععععععععععععع

    ردحذف
  12. حبييييت ❤️❤️❤️❤️منتظرين الفصل الجديد❤️❤️🔥🔥🔥

    ردحذف
  13. حماااس حبيبتي إسراء
    +قارئة جديدة

    ردحذف
  14. حماس مليون صراحة انا من وقت ما ظهر اسم جولدامون بديت اتذكر الأحداث الرهيبة متحمسة لتكملة ما تتأخري علينا

    ردحذف
  15. مينفعش كذا خمسة ولا ستة فصول كل أربع دقائق؟
    بجد الحماس وجعني جسدياً!!!

    ردحذف
  16. حبييت الحداد، عسوول،

    ردحذف
  17. حد غيري متخيل جولدامون كأنه ذا روك؟ XDXDXD

    ردحذف
  18. حماس بتبدي فصولي المفضلة اللي مليانه الغاز وضحك 😭😭😭

    ردحذف
  19. شكرا على التنزيل المستمر جدا متحمسه للفصول القادمه🤍🤍🤍

    ردحذف
  20. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  21. اذكر فيه شخصيه اسمه برايف قولولي صح ولا😭😭😭😭

    ردحذف
    الردود
    1. قصدك الشبح إليف اما برايف هو جد هارليك الأكبر العملاق الي كان مع الملك جولدامون

      حذف
    2. شكرا ع التذكير ،أنا بجد شكلي فاقده الذاكره😭

      حذف
  22. أشعر بقشعريرة اسرااااء انا ابكي من الفرح

    ردحذف
  23. مونيكا و جولدامون حبايب قلبي 😭😭😭

    ردحذف
  24. و اخيرا ظهرت السوق اللي هيحصل فيها واحد من اجمد مشاهد الرواية و اقربهم الي قلبي 😭😭

    ردحذف
  25. حمااااااس متى ينزل فصل جديد

    ردحذف
  26. ياالله شكد متحمسه مع اني متذكره بعض الأحداث متحمسه للفصل ٧٠ متى يجي😭😭

    ردحذف
    الردود
    1. وانا مش مصدقة وينتا يبين ماضي اتريوس ونقرأ بارتات جديدة 😭😭

      حذف
  27. وبكذا اكون وصلت لاخر تحديث، مقدرر حماس ابغى اعرف وش بتسوي جلناارر مقدر اتحمل😭😭

    ردحذف
  28. حماسي وصل لعنان السماء
    في انتظار الفصل القادم

    ردحذف
  29. امتى الفصل الجديد

    ردحذف
  30. امتى الفصل الجديد هعيططط

    ردحذف
  31. ياااااااااااااااااااااي 😭😭😭 بداية التعارف اللطيف 😭 اخييرا

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال