الفصل الحادي عشر| عدائي

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "غارقون في نعمك يا الله فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا"

إفصاح آخر "يبدو أن تحرير العقل العربي أصعب من تحرير فلسطين" محمد الماغوط

مساحة لذكر الله

******************************** 

الفصل الحادي عشر


 

"لا أستطيع أن أفهم لما ذلك اللعين يجلس بيننا بعد فعلته بحق الله!" 

"في الواقع أيها الطفل؛ أنت داخل منزلي، مما يسمح لي بركل مؤخرتك خارجًا".

"اسمه منزلنا، مـنـزلـنـا اللعين، لذلك أنت لن تركل أحدا للخارج ولا يحق لك إخراج صوتك بينما يحق له هو ركلك وإشباعك ضربًا".

"ماذا عن... ركل كليكما للخارج وتعليق رأسيكما مقطوعتين أمام باب منزلنا اللعين، ما رأيك أن نبدأ الآن؟" 

"بحق الله! فليحتفظ كلٌّ بتعليقه لنفسه، ولنتوقف عن الجدال كحفنة من الأطفال الأغبياء". 

لم أدرك ماذا يحدث، كنت مغمضة عينَي لكن الكثير من الحركات والأصوات الشبه بعيدة تسللت لأذني. كنت مشوشة بشكل كبير وذلك جعل من الصعب التفكير في أي شيء مما سمعته أو حتى أين أنا؟ ماذا حدث؟ وغيرها الكثير من الأسئلة التي لا أستطيع الإجابة عليها. 

كنت شبه مستيقظة لكن أكسل من أن أفتح عينَي، السرير كان دافئ وناعم جدًا وإغراء البقاء داخل أغطيته أقوى حتى من دفعي لفتح عينَي والنهوض لاكتشاف ماذا يحدث. 

أو هذا ما اعتقدت حتى اندفعت إلى رأسي ذكرى أشبه بالحلم، لم يكن حلم لأنه كان حقيقيا! حقيقيًا جدًا لينخدع عقلي به كحلم. سقوط جسدي من فوق ذلك المنحدر والموت! في الواقع لا أتذكر لحظة الموت لكن لحظة السقوط كانت تُعاد مرارًا وتكرارًا داخل عقلي كشريط فيلم سيء يأبى التوقف.

وما جعل جسدي يقفز من مكانه هو ذلك الصوت، رغم أنها كانت جملة واحدة إلا أنها كفيلة بجعل صوته مميزًا داخل رأسي ويتكرر كل مرة أرى سقوطي فيها.

 'وجودك كعدمه، لا فائدة منه'. صوته كان عميقًا، ثابت بشكل مخيف وقوي كالنظرة في عينيه. ما أفزعني في هذه اللحظة أن ذلك الصوت كنت قد سمعته منذ لحظات! إنه هنا! 

كان هذا الاستنتاج الذي دار داخل رأسي في ثوانٍ قليلة كفيل بجعل جسدي يقفز جالسًا، لم يكن خيارًا صحيحا لأن في اللحظة التي ارتفع جسدي بسرعة وقوة ضرب رأسي ألم أقوى بمائة مرة، كان ألمًا قوي جعل تأوهات عالية تخرج من فمي. أمسكت رأسي وضغطت عليه لعل الألم يصبح أخف ولو بمقدار ضعيف.

 فقط الآن أدركت مدى جمال المسكنات ومدى افتقادي لها، بقيت ساكنة لعدة دقائق حتى يختفي الألم، وعندما رفعت رأسي وفتحت عينَي رأيته، كان يقف بجوار السرير ونظرات القلق والندم تغرق عينيه ورغم أن هناك جزء بسيط داخلي يصرخ أن ما حدث كان بسببه، لم أستطع فعل شيء سوى الابتسام نحوه للراحة التي اجتاحتني عندما رأيته، على الأقل أحدنا بخير! 

"هل أنتِ بخير؟" التردد في صوته جعلني أعرف أنه يشعر بأن لا يحق له التحدث معي، أردت إجابته لكن حلقي كان جافًا ويؤلمني بشدة ككل شيء آخر في جسدي؛ لذلك لم أجبه.

"أنا آسف، أنا حقا آسف. لا أعلم ما حدث كان يجب أن أكون بجانبك وأتوقف عن كوني الأحمق الذي أنا عليه، إن كنتِ تريدين ذهابي سأفعل.. في الواقع لن أفعل، لن أتركك حتى لا تتعرضي للأذى مجددًا، أعني وكأني أستطيع فعل شيء، لكن... يمكنكِ ألا تتحدثي معي كما تريدين، يحق لكِ ذلك ســ..." 

أشرت بيدي كعلامة ليصمت، بحق الله حلق جاف لا يعني أني لا أريد التحدث، كما أن رأسي يطرق بألم لعين ويوجين يتحدث بسرعة تحتاج لتركيز لفهمها.

أشرت على حلقي ليعقد حاجبية قبل أن تتسع عينيه بفهم "هناك ماء هنا". قال مشيرًا على طاولة صغيرة بجوار السرير عليها كوب خشبي مليء بالماء، التقطته بسرعة وشربته خلال ثانية. 

"بخير الآن؟" سأل مجددًا لأومئ بنعم، لكن قبل أن أتحدث معه صوت من خارج الغرفة جعل جسدي يتجمد وأعاد كل شيء حدث في الغابة لتسقط الكأس من يدي فوق الأرضية مسببة ضجة عالية. جفل جسدي بقوة للضوضاء، أردت لو أختبئ أسفل الأغطية ما إن هدأت أصواتهم خارج الغرفة تزامنًا مع صوت سقوط الكأس. 

نظرت للكأس الفارغ الذي تدحرج فوق الأرضية حتى اصطدم بالباب الخشبي، كان هذا قبل أن يُفتح الباب بقوة قاذفًا الكأس إلى زاوية الغرفة. أخذت نفسًا عميقًا قبل أن أرفع عيني لبورالدو الذي توقف أمام الباب لثانية مصدومًا قبل أن يتنهد براحة ويتجه نحوي بسرعة. 

"هل أنتِ بخير؟ تشعرين بأي ألم؟ لا أعرف عن أجساد البشر شيئًا، هل يضركم السقوط؟ تشعرين بمرض أو ألم أو..." صمت عندما وضع مونغستا يده فوق كتفه ليزفر. نظرت ليوجين ثم أعدت نظراتي نحوهما "هل فقدتِ الذاكرة؟" سأل بحذر ولو كنت في حال أفضل لانفجرت ضحكًا، لكن اكتفيت بابتسامة وحركت رأسي بلا. 

"تبًا! فقدتِ النطق؟" سأل بصدمة وخوف لأتنهد بتعب وأغمض عينَي، إن كان هناك من هو مغفل أكثر من يوجين وديفيد فهو بورالدو، يذكرني بلوش أحيانًا، لو عرف كل منهما الآخر سيكونان أفضل أصدقاء. 

"أنا بخير تمامًا". قلت بصوت منخفض نسبيًا لأن رأسي بدأت تؤلمني مجددًا، تنهد بورالدو بشبه راحة.

"إلهي، أيتها الطفلة المسكينة! في ماذا أذنبتِ ليحدث معكِ كل هذا؟ انظري إليك وقد اختفت ألوان وجهكِ، هل تشعرين بألم في مكان ما؟ لمَ دخلتِ تلك الغابة، وكأن المصائب تنقصك يا صغيرتي". وكأن الصوت العالي أيضا ينقصني! اشتد ألم رأسي والدوار كذلك، رفعت عينَي لصاحبة الصوت وكانت السيدة واندر بأعينها القلقة، جلست على حافة السرير قبل أن تضع كف يدها فوق جبهتي تقيس حرارة جسدي ربما! "هل تشعرين بألم في رأسك؟" سألت لأومئ بخفة. 

مسحت على شعري عدة مرات وهي تنظر نحوي بأسى، تذكرني بأمي عندما أمرض أو... أنا فقط أتذكر عائلتي في كل التفاصيل، الصغيرة منها والكبيرة. 

تحركت عيناي نحو الهيئة التي توقفت جوار الباب، كان شابًا أراه للمرة الأولى، كان طوله يقارب ستة أقدام، وظل يحدق نحوي بعينين عسليتين واسعتين، كان يمكنك أن ترى النسبة الذهبية بامتياز في ملامح وجهه، الشفتين الحادتين والأنف المستقيم الصغير، أما شعره فقد طابق لون عينيه بدرجة أغمق. 

لاحظ تحديقي به ليبتسم ونظرة 'أمسكت بك' على عينيه. حولت نظري عنه بسرعة لسيدة واندر، لكن... توقفت لثانية عندما التقطت عيني هيئة ثالثة. بتردد أعدت عينَي نحو الباب خلف ذلك الشاب لتتوقف عليه! يقف بكل هدوء مكتف ذراعيه فوق صدره وفوق ظهره فأسان أتذكرهما جيدًا، ولا شيء أرسل رعشة إلى جسدي إلا تلكا العينان الجامدة. 

لم يكن ينظر نحوي حتى لكن ما إن وقعت عينيه علي كل شيء بدأ يتكرر داخل رأسي. تلك النظرة التي لم تتغير، النظرة الخالية والجامدة من أي مشاعر التي وجهها نحوي عندما ترك يدي. لم أشعر بنفسي وأنا أتراجع بسرعة لزاوية السرير إلا عندما رسم ابتسامة ساخرة على وجهه وعندما نظرت نحوي السيدة واندر بتعجب قبل أن تلتفت لما أنظر إليه.

كان قد دلف الغرفة وإحدى يديه تتحرك نحو فأسه الأيمن، -او هكذا بدا لي- وما زالت نظرته تحرقني حتى اقترب نحو السرير. انكمشت بسرعة ولم أستطع منع ارتجاف جسدي. كان مرعبًا! أن ترى الشخص الذي تركك تموت يقف أمامك بكل برود دون أن يظهر ولو نظرة ندم، بل كان يسخر من حالك. غصة قوية تكونت داخل حلقي وغشاوة من الدموع تكونت على عيني حاولت منعها بقوة لكن لم أستطع. 

أردت بشدة فعل شيء، إلقاء شيء ثقيل على وجهه لمحو هذه الابتسامة الساخرة السخيفة، الصراخ وسبه، ولكني اكتشفت أني أجبن من هذا.

"اخرج". صوت بورالدو الحاد وهو يقف في طريقه أدخل بعض الراحة لقلبي، فقط القليل جدًا منها. "هل سآخذ الأوامر منك؟" صوته كان كفيلًا بجعل كل الدموع التي أحاول منعها تسقط وشهقة خرجت لكني كتمتها بقوة، لم أكن خائفة هكذا في حياتي إلا مرة واحدة ظننت أنها لن تُعاد مجددًا. 

"أنا على بعد شعرة من تحطيم وجهك، اخرج". هدد بورالدو من بين أسنانه لكن ما إن تقدم الآخر نصف خطوة انكمش بورالدو لثانية وقد أخفى الأمر بسرعة حتى لا يلاحظه أحد، إنه خائف منه ويحاول التماسك. 

"هذا يكفي!" نهضت السيدة واندر بغضب قبل أن تدفع صدره "اخرج من هنا، أتريوس. ألا ترى أنك تسبب رعبا للمسكينة، تحملت حماقتك بما فيه الكفاية لكن أن تلقي بها من فوق المنحدر! هذا أصبح جنون، ماذا سيصبح رد فعل الشعب عندما يعرفون أن الفارس الذي يجب أن يحميهم قد ألقى بجسد فتاة لأنه يرى أن ’لا فائدة من وجودها’؟".

كان من المفترض أن حديث السيدة واندر قد ساعدني قليلًا في الشعور بالرضا لكن كل ما كنت أشعر به هو أنني أريد العودة، لا يهم من هو ومن يقف في صفي ومن لا يفعل، أنا فقط أريد العودة للمنزل. 

"أخبريني إذا برد فعل الشعب عندما يعرفون أن من ألقيت بجسدها بشرية!" مر صمت مرعب في الغرفة بعد جملته الهادئة، شيء ما في هذا الصمت جعل شعور المظلوم يكبر داخلي، هل يسمح بقتل البشر للجميع؟ فقط لأني بشرية؟ ألا يعني هذا أي شيء؟ أن تقتل شخصًا يتنفس كما تتنفس ويشعر ويمتلك عائلة، ذكريات، حياة، لا يعني أي ذنب؟

"حينها لن يكون هذا من شأنك". صوت مونغستا يتدخل للمحادثة أول مرة يصدح في المكان، وقف في وجه ذلك الرجل وقال بنبرة نهائية لا نقاش فيها "لا أملك الوقت أو الرغبة في التعامل مع مخلوق همجي مثلك، لذلك أخرج من هنا".

"أريد رؤيتك تدفعني لفعلها". رد بتحدٍ وهو يقف في وجه مونغستا بلا خوف، ألا يوجد من يكبحه؟

"توقف، أتريوس. هذا يكفي، إلى الخارج الآن". تدخلت واندر بصرامة وغضب وهي تدفع صدره ولا أعلم كيف تجرأت على ذلك.

ضممت ركبتي نحو صدري بقوة بينما أضع رأسي بينهما "توقفوا عن التعامل وكأنكم تهتمون، إنها مجرد عرقلة في الطريق؛ لم تستطع حتى الدفاع عن نفسها أمام حيوان التركادو وكل ما فعلته هو الركض، إنه أضعف مخلوق قد تقابله في الغابة! لذا أخبريني إن كانت ستفيد في شيء ما سوى موتها؟" 

مجرد تحدثه عني وكأني شيء يسهل التخلص منه…  وكأن قرار حياتي لا يحق لي طلبه جعل صدري يؤلمني! شعرت بالقرف من نفسي، فأنا حتى لا أستطيع الشعور بالغضب! فقط الرعب والظلم ورغبة قوية في إغماض عيني وفتحها لأجد نفسي أنهض من فوق سريري وما هذا إلا كابوس آخر.

"قولوا ما تريدون لكنها لن تتحمل أسبوعين هنا". بعد أن بصق كلماته بسخرية سمعت صوت خطواته قبل أن يغلق الباب بقوة جعلت جسدي يجفل. 

أسبوعان! لا أريد البقاء هنا لساعة أخرى وهو يقول أسبوعين! فكرة سوداء في عقلي جعلت البؤس الذي أنا فيه يزداد، ماذا إن لم يوافقوا على إعادتي؟ أو الأسوأ! ماذا إن لم تكن هناك طريقة لإعادتي؟ هل سأبقى هنا لأسبوعين؟ وربما أكثر من ذلك، ما الذي ورطت نفسي فيه؟

"ايها اللعين". صرخ يوجين بقوة جعلتني أجفل مجددًا وأرفع عيني نحوه. كان يحدق نحو الباب بغضب لم أره سابقًا وضغط بشدة على قبضتيه، أحدنا غاضب على الأقل! 

"هذا الرجل..." تمتمت السيدة واندر بيأس قبل أن تتجه نحوي وتلف يدها حولي "لا تدعي ما يقوله يؤثر بكِ، أتريوس رجل أحمق بقلب منتهي الصلاحية منذ سنوات، الأمر لا يعنيكِ وحدك هو قد يفعل ما فعله مع أي شخص لذلك لا تأخذي أيا مما سيقوله على محمل شخصي". 

قلب منتهي الصلاحية! إنه بلا قلب، لا يمتلك واحدًا، هذا تمامًا ما هو عليه.

"واندر محقة أيتها البشرية الصغيرة، لا تأخذيه على محمل شخصي. لقد قام بقطع رأس زوندي عندما رآه أول مرة". قـ...قام بماذا؟ لاحظ الشاب الذي تحدث للمرة الأولى نظرات الفزع ليمحو بسرعة ابتسامته الفكاهية "لا تقلقي، زوندي بخير تمامًا، إنه يتجدد! أراد أتريوس فقط اختبار نظرية ما إن كان سيموت بقطع رأسه أم لا". هل... هل قطع رأس شخص ما فقط ليتأكد من نظريته! ماذا إن مات؟ ماذا إن كانت نظريته خاطئة؟ 

"أغدراسيل، أنت تزيد الوضع سوءً". سمعت همس السيدة واندر، يبدو أن ملامح الفزع كانت واضحة على وجهي بشكل كبير "لمَ لا ننسَ أمر أتريوس؟ انظري، هذا هو أغدراسيل، الرجل الذي أنقذك". نظرت للسيدة بتعجب قبل أن أعيد نظراتي للشاب الذي كان يبتسم بتورط منذ قليل بسبب ما قاله. 

لم أفكر في الأمر حتى الآن، كان يفترض بي أن أكون ميتة! ماذا حدث؟ "من حسن حظكِ أن أغدراسيل كان يأخذ جولة فوق الغابة محلقًا وحينها رأى ما يحدث، استطاع التقاط جسدكِ قبل أن يصل للأرض، كنتِ فاقدة للوعي ويبدو أن جسدك كان منهكا، فقد بقيتِ خمس ساعات غاطةً في النوم". واو، خمس ساعات... توقفت قليلًا قبل أن أعقد حاجبَي أحاول فهم كيف أنقذني بالضبط! 

"يحلق!". قلت بتعجب "أوه! أنتِ لا تعرفين أن أغدراسيل من المجنحين؟" من ماذا؟ لاحظ الجميع نظرات التعجب ليبتسم أغدراسيل ذاك ويأخذ خطوتين نحو السرير "واندر، إنها لا تعرف شيء عن عالمنا بعد!" صفعت السيدة واندر جبهتها وهي تتمتم "نسيت".

"حسنا، لأعرف نفسي بطريقة صحيحة. أنا أغدراسيل مانديار، لست إنترانيوسي، فأنا من عالم آخر... تبسيطًا للأمر أنا من كوكب يسمى شعبه بالمجنحين أو البيغاسوف ، وهذا لأننا نمتلك أجنحة ضخمة وقوية على ظهورنا مما يساعدنا على الطيران، وهذا ما ساعدني في التقاط جسدك عندما سقطتِ". أومأت بتفهم رغم أني فرغت فاهي، مجرد تخيل أن هذا الشخص يمتلك أجنحة يشعرني بالدهشة. 

"هل تريدين رؤيتها؟" سأل بأعين لامعة وكأنه متحمس لذلك أكثر مني ووجدت نفسي أومئ بسرعة، ابتسم قبل أن يأخذ نفسًا. "توقف! أقسم أني سأقص أجنحتك بعد أن أنتف ريشها إن أخرجتها هنا". صرخت السيدة واندر به لتظهر ملامح الإحباط على وجهه. "لقد نظفت الغرفة هذا الصباح لا أريد المزيد من الريش في المكان كما... ألا تملك عقلًا يحسب المساحة؟ إن أخرجت أجنحتك داخل الغرفة ستدمر المكان ولن تستطيع فردها بالكامل".

حسنًا، السيدة واندر حقًا تذكرني بأمي الآن. " الأنسة متعبة الآن، وفر استعراض أجنحتك للغد". قالت وهي تدفعه للخارج "حسنًا حسنًا، سأخرج". تذمر قبل أن يتجه لباب الغرفة ليفتحه وقبل أن يخرج توقف لثانية قبل أن يلتفت مجددًا "لكني لم أعرف اسمك بعد أيتها البشرية الصغيرة!" التفتت نحوي السيدة واندر أيضًا وكأنها تتساءل عن الأمر، حتى بورالدو و مونغستا!

ألم أخبرهم من قبل! "جلنار، اسمي جلنار روسيل". أومأ أغدراسيل بابتسامة قبل أن يقول "تصبحين على خير، جلنار". ثم خرج من الغرفة. ظل بورالدو يتمتم باسمي خمس مرات وكأنه يجرب نطقه، مما جعلني أكاد أضحك. "سأترككِ لترتاحي قليلًا، لا أظن أنه كان يومًا سهلًا. إذا احتجتِ لشيء يمكنكِ مناداتي". قالت السيدة واندر بلطف قبل أن تنهض وتخرج هي الأخرى. 

نظرت نحو بورالدو ومونغستا، لن يتركاني هنا، صحيح؟ "هل جميع أسماء البشر غريبة كجلنار؟" نظرت لبورالدو قبل أن أهز رأسي بلا "في الواقع أسمائكم تبدو غريبة بالنسبة لي. بورالدو، أميراديل، أغدراسيل، جميعها تبدو أسماء من عصر قديم". زم شفتيه قبل أن يتمتم "بورالدو ليس غريبًا". 

التفت إلى مونغستا الذي كان صامتًا ومستغرقًا في التفكير، ولا أحتاج لذكاء حتى أستنتج أن ما يفكر به له علاقة بي. لاحظ تحديقي نحوه ليتنهد قبل أن يجلس على طرف السرير وينظر بعيدًا وكأنه يراجع إذا ما كان عليه إخباري أم لا. "ما الأمر؟" التفت نحوي قبل أن يأخذ نفسًا، ولا أنكر رغم الفضول الذي يعتريني لأعرف ما سيقول فقد كنت خائفة! أشعر أن ما سيقوله لن يعجبني البتة.

"لا أعرف كيف يجب أن أخبركِ بهذا لكن..." صمت في تردد لأتنهد وقبل أن أفتح فمي فكرت أن علي توقع الأسوأ، أسوأ الأسوأ ثم قلت "كن مباشرًا، أرجوك. لا أريد سوى شيء صريح". لست متأكدة حقًا إن كنت أريد منه أن يكون مباشرًا، فأنا خائفة ومئات الأفكار السوداوية تعصف في رأسي.

"لا أظن أنه يمكنكِ العودة للوطن في أي وقت قريب". توقعت ما هو أسوأ ولكن رغم هذا شعرت بصدري يضيق بقوة وأكاد أنفجر بكاءً لكني تماسكت. "لم يوافقوا على إعادتي؟" خرج سؤالي مهتزًا بصوت باكٍ ليزفر مونغستا ويهز رأسه بلا. "حسنا، هذا جيد". قال يوجين وهو يستند على حافة السرير.

"إنهم لا يعرفون طريقة لإعادتك". عضضت على شفتي أمنع نفسي من البكاء بقوة. "حسنًا، هذا غير جيد!" تمتم يوجين وهو يحرك شعره بضيق. 

"هذا يعني... لن أستطيع العودة؟" تحشرج صوتي في منتصف الجملة لا إراديًا. "لسنا متأكدين من هذا أيضًا، هناك الكثير من الفرضيات، لكن أكثرها عقلانية هي..." توقف قبل يبلل شفتيه ويسترسل "ربما يمكنكِ العودة فقط إذا أتممتِ ما جئتِ لأجله". عقدت حاجبي باستغراب "أتمّ ماذا؟" تنهدت قبل أن يجيب "مهمتك... مهمة الفرسان. لا أعلم كيف حدث هذا بالضبط لكن... جلنار أنتِ أحد الفرسان الأحد عشر، أنتِ الفارس الثاني عشر".

الفارس الـ ماذا؟ 

بقيت الجملة تتردد كثيرًا داخل رأسي، لا أعرف كم مر من الوقت على ذهاب مونغستا وبورالدو وبقائي داخل هذه الغرفة فوق السرير بلا حركة، فقط بقيت هنا أفكر في الكثير من الأشياء. لم يفسر أحدهم لي شيئًا وكل ما أعرفه أني من هنا علي التصرف وحدي!

أراد بورالدو البقاء حتى الصباح ولكن كان على مونغستا رفض الأمر، لم يرَ فائدة من وجودهم معي بعد الآن، قال إن من عليه تفسير الأمر لي ليس هو...

في نظره أنا الآن بين الأشخاص الذين يجب أن أكون معهم وعلي الشعور بالأمان! لا أعلم عن أي أمان يتحدث وفكرة أن هناك شخص حاول قتلي قبل ساعات يعيش في ذات المكان الذي أنا فيه، وقد يفتح الباب في أي لحظة ويقطع رأسي. 

كلاهما ذهب في النهاية، على الأقل كنت قد اعتدت البقاء حول بورالدو، ولكن الآن أشعر أني وحدي تمامًا.

تجولت عيناي للمرة الخمسين داخل الغرفة التي كانت جميلة بالمناسبة! السرير الذي أنام عليه كان ناعمًا ودافئا والأغطية لها رائحة عطرة، كانت تحتوي على نافذة واحدة متوسطة الحجم أُسدلت عليها ستائر بلون بنفسجي قاتم وقماش ناعم، وبجوار سريري كانت مرآة متوسطة الحجم وضعت على طاولة عليها بعض الأدوات الخاصة بالشعر والتجميل. 

حتى أن للغرفة حمامًا خاصًا، بجوار بابه مرآة بحجم شخص بالغ ومكتب من الخشب مع كرسي في الزاوية، وخزانة ملابس من خشب ناعم وسجاد من الفرو توسطت الغرفة البسيطة. 

كان يجب علي أن أكون سعيدة! أشعر بالراحة ربما لأن لدي كل ما أحتاجه! لكن على عكس ذلك كنت خائفة، كل ما حولي يدل على أنني سأبقى لفترة أطول هنا، ربما فترة بلا عودة. رغبة كبيرة في البكاء لا تختفي، أريد فقط البكاء حتى أشعر بالتعب، أريد حقًا العودة لمنزلي، لعائلتي.

لم أدرك أنني بدأت في البكاء حتى أقترب يوجين بنظرات مواسية نحوي "آسف لأني لا أستطيع فعل شيء". أحمق، لمَ يعتذر؟ ليس وكأن هو من سبب هذا! أردت قول شيء لكن شهقة وراء الأخرى منعت ذلك، كل ما فعلته هو النزول أسفل الأغطية والبكاء بينما أحاول كتم صوتي خلال الوسادة. 

لا أعرف كيف مضت هذه الليلة، كان من المفترض أن أغرق في النوم بعد الأحداث المتعبة والبكاء الذي أجهد جسدي، لكن لم أستطع، حتى بعد ما أغلقت أنوار الغرفة ظللت أسفل الأغطية أتمسك بها أبكي ثم أتوقف في محاولة لتمالك نفسي ويعود عقلي للتفكير في المزيد من التوقعات السيئة فأعود للبكاء. 

كانت حلقة لا تنتهي، هذا دون ذكر الرعب الذي تملكني من فكرة أن ذلك الرجل قادر على قتلي بأي طريقة بينما أنا نائمة، لذلك ظللت مستيقظة وأنظاري تحدق بالباب الخشبي أنتظر أن يُفتح ويدخل بيده فأس بابتسامة شيطانية ويقسم رأسي لنصفين. 

يوجين ظل يطفو في الهواء بجوار الباب وقد استغرق في النوم! رغم أنه لا يشعر بالنعاس أبدًا على حد قوله، لكن يمكنه النوم متى أراد والاستيقاظ متى يريد. 

وبقيت أنا طيلة الليل تعصف الأفكار السوداء برأسي حتى ظهور ضوء الشمس، ظننت أنني قد أذهب في النوم في أي لحظة لكن جسدي كان يقظًا. لطالما كان من الصعب علي النوم في مكان غريب، لذلك ساعدني الأمر في البقاء مستيقظة ولكنه كان سيئا على عقلي. 

فكرت كثيرًا في النهوض بما أن أشعة الشمس كانت تتسلل من بين الستارة لكن لم أكن أريد أبدًا إلقاء نظرة خارج الغرفة، فكرة أن فأسا ما قد يقذف تجاهي جعلتني أبقى داخل السرير. 

لم يطل انتظاري طويًلا لأن باب الغرفة فتح وحده، ولا إراديًا ضممت الغطاء لجسدي وأغمضت عيني متظاهرة بالنوم، دعوت مائة مرة خلال ثانية ألا يقتلني أيًا يكن الشخص الذي قد دخل. 

صوت خطوات اقتربت نحو سريري قبل أن تتوقف ثم تلتفت، تنهدت براحة ظنًا أن صاحب الخطوات سيخرج، لكن عكس هذا صوت الستائر وهي تفتح كان ما سمعته عوضًا عن صوت إغلاق الباب قبل أن ينعكس النور داخل الغرفة ويضيئها بالكامل. 

"إنه الصباح! هيا صغيرتي، عليكِ النهوض". لا أستطيع إنكار الراحة التي تسللت إلى قلبي ما إن سمعت صوت السيدة واندر "ماذا كان اسمكِ مجددًا؟" تمتمت في تفكير.

"جلنار".

تبًا، لأنني الحمقاء التي أنا عليها صحت باسمي بكل سهولة، ولا أظن أنه يمكنني إقناعها أنني كنت أتحدث بينما أنا نائمة. "أوه! أنتِ مستيقظة! لا يستطيع الجميع النهوض في هذا الوقت وحدهم بنشاط. حمدًا لله، نمتلك فردًا نشيطًا". نعم، إلا إن لم ينم هذا الفرد طيلة الليل! 

نهضت جالسة بينما أنظم شعري المتطاير في جميع الجهات "الفطور سيـ... يا إلهي! ماذا..." صاحت بصدمة ما إن نظرت لي قبل أن تتنهد بأسى وتتجه نحوي، جلست على طرف السرير توجه نظرات تعاطفها لي، أرجوكِ لا أحتاج شيئًا كالشفقة. "أنا لا أشفق عليكِ!" دافعت ويبدو أنني تمتمت بما أفكر.

ئفاجأت عندما احتضنت جسدي بخفة وبدأت تحرك يدها على ظهري "أعلم أنه من الصعب الابتعاد عن المنزل والوطن بهذه الصورة المفاجئة، لا أعلم شيئًا عن حياة البشر لكن أعرف أن كل شيء هنا سيبدو جديدًا وغريبًا وربما مخيفا لكِ، رغم هذا ستجدين أشخاصًا بجواركِ، حتى إن لم يقولوا الأمر بشكل صريح لكنهم سيعتنون بكِ جيدًا، يمكنكِ اعتباري صديقة أو والدة لكِ، جلنار، فقط خلال هذه الفترة". 

إنها لطيفة... لطيفة جدًا وربما تظن أنها تواسيني لكنها أراحتني نوعًا ما "لكني أريد العودة، لا أعرف ما دوري هنا بالضبط؟ هناك أشخاص يتحولون لسمك أسفل الماء وآخرون يمتلكون أجنحة وبعضهم يتحكم بالهواء والنار... جميعها أشياء غير عقلانية بالنسبة لي، لمَ أنا هنا؟ لا أمتلك شيئًا مما يمتلكون! لا قوى خارقة أو حتى شيء ما يجعلني قادرة على الحفاظ على حياتي، أنا حتى لا أفهم ماذا يحدث!" 

كان من الصعب شرح كل مخاوفي وأسئلتي دفعة واحدة، بدا حديثي غير مترابط حتى لكنها ابتسمت وهي تربت على كتفي "لن تختاركِ التوبازيوس عبثًا، كل شيء سيحل وكلها ستتضح، وكما وجدتِ طريقكِ إلى هنا بشكل غامض ستكونين قادرة على العودة إلى الوطن بشكل ما لذلك تصالحي مع واقعكِ قليًلا حتى تجدي حلًا لكل ما تريدين، لكن..."

توقفت قبل أن تنهض وتسحب ذراعي تدفعني للنهوض "لن تحلي هذه المشاكل بهذا الشكل الفوضوي، ستأخذين حمامًا ثم تملئين معدتكِ وبعدها سنرى البقية. دفعت جسدي بخفة نحو الحمام قبل أن تتذمر "علي إيقاظ البقية سأستغرق ساعات لينهض رومياس، ألهمني الصبر يا إلهي". لم أستطع حبس ضحكة صغيرة لتصفع كتفي بغيظ "نعم، معاناتي الصباحية كوميدية جدًا". اعتذرت لكن ما زالت ابتسامة صغيرة على وجهي، حتى تذمرها يشبه أمي. 

أغلقت باب الحمام قبل أن أتنهد. حسنًا، أملك شخصًا كالسيدة واندر ليدعمني وهذا يبث قليلًا من الراحة.

التفت أنظر للحمام الذي كان بحجم غرفتي نفسها! لكن لم يبدو كأي حمام عادي أو حتى بدائي! مصنوع من رخام بلون الكراميل، على يمين الباب كان هناك حوض متصل بالجدار بدون أي أنابيب تصريف! أو حتى خلاط مياه فقط حوض وهناك مرآة معلقة أمامه. 

أما على اليسار فكان حوض استحمام كبير ربما يكفي شخصين، لكن لم يكن هناك خلاط أيضًا يملؤه بالماء! وفي الزاوية كان مقعد مشابه نوعًا ما لمقعد الحمامات الطبيعي الخاص بقضاء الحاجة، على الأقل شيء ما طبيعي هنا!

رائع! ماذا أفعل الآن؟ "جلنار" صوت طرق على الباب جعلني أجفل، اتجهت للباب قبل أن أفتحه وكانت السيدة واندر خلفه. "أعتذر نسيت مجددًا إخباركِ كيف تستعملين الحمام، لا أعرف إن كان الأمر مشابه لدى البشر..." دخلت قبل أن تشير نحو حوض الاستحمام "هذا خاص بـ..." قاطعتها "الاستحمام وهذا خاص بغسل اليدين وما شابه وهذا لقضاء الحاجة". اتسعت ابتسامتها "إذا تمتلكون حمامًا مشابهًا!" أومأت لها بنعم "لكن كيف يعمل الماء بالضبط؟".

اتجهت لحوض الاستحمام لأتبعها، توقفت قبل أن تشير للجدار نحو فتحة صغيرة داخله "من هنا يمكنكِ ملء الماء". عقدت حاجبي "كيف بالضبط؟" اتسعت ابتسامتها قبل أن تقول "شاهدي، سيعجبك هذا كثيرًا". وضعت يدها على تلك الفجوة الصغيرة قبل أن تسحبها بسرعة، ظننت أن الماء سيخرج فقط لكن اتسعت عيناي عندما خرج ما يشبه فقاعتين كبيرتين من الماء وظلتا تطفوان أمام الحائط.

نظرت نحوي السيدة واندر لتشرح "إحداهما باردة والأخرى ساخنة، جربي لمس كل منهما". قالت بحماس لأقترب قبل أن ألمس الأولى بطرف إصبعي وأبتعدت خوفًا من أن تنفجر، لكن ظلت كما هي. كانت المياه باردة، لم أدرك أنني أبتسم بحماس وأنا ألمس الأخرى التي كانت ساخنة بالفعل. "إذا أردتِ ملئ الحوض بالماء البارد اقبضي على الباردة بيدك والأمر نفسه للساخن... هيا، جربي!" أخذت نفسًا وكأنني سأفكك قنبلة ما قبل أن أقبض على الباردة. 

عادت الأخرى الساخنة إلى الفجوة وحدها وكأن شخصًا ما يحركها، والفقاعة الأخرى اختفت بين يدي. "انظري هنا". أشارت للحوض لأنظر نحوه، كان يمتلئ لوحده بالماء البارد فعلًا من خلال رشاشات على الجانبين ينبثق منها الماء "إن أردتِ إيقافه عند حد ما اسحبي هذا الزر للأعلى؛ ستغلق رشاشات الماء، وإذا أردتِ إفراغ الحوض اسحبي الزر للأسفل؛ وسيسحب المصرف الماء". قالت مشيرة إلى زر بني اللون على طرف الحوض.

"ماذا إذا أردت الماء مختلط؟" أستحم بماء دافئ، من الصعب وضع جسدي داخل ماء ساخن بالكامل! "ضعي يدك أمام الفجوة مجددًا". قالت لأفعل ثم أسحبها كما فعلت لتظهر فقاعتين من الماء مجددًا. "اقبضي بخفة على الباردة واسحبيها للأسفل". قالت لأفعل قبل أن أبعد يدي وهذه المرة لم تختفِ، بل تحولت لفقاعة ثالثة من الماء البارد. "افعلي الأمر ذاته للساخن وضعيه مع البارد". قالت لأفعل الأمر ذاته.

كانت الثالثة بالفعل خليط بين البارد والساخن "يمكنكِ تكرار الأمر حتى تصلي للحرارة المناسبة، ثم اقبضي عليها ليمتلئ الحوض". قالت ببساطة لتتسع ابتسامتي، قد أقضي اليوم هنا بطوله ألعب بهذا! "وإذا أردتِ فتح الرشاشات العلوية لغسل جسدك فقط مرري يدك أمامها واسحبيها ببطء أو بسرعة لتتحكمي في شدة تدفق الماء". قالت مشيرة على رشاشات ثبتت على علو في الجدار لم ألحظها. 

أومأت بتفهم "سأترك لكِ ملابس جديدة على السرير، استمتعي بحمامكِ لكن لا تتأخري على الفطور". اومأت مجددًا لتتجه للخارج وتغلق الباب خلفها.

حسنًا، قولوا ما تريدون لكن في هذه اللحظة نظرت نحو الحوض بحماس طفولي متناسية كل ما مررت به، الأمر مسلٍ جدًا وخيالي نوعًا ما، كما أنه مريح. سحبت الزر على طرف الحوض ليفرغ الماء منه ببساطة، فركت يدي ببعضها وكأنني سأقوم بعمل شرير قبل أن أضعها أمام الفجوة وأسحبها بسرعة، وحدث الأمر مجددًا. قهقهت بحماس قبل أن أبدأ بخلط المياه الباردة والساخنة ثم قبضت على الفقاعة الثالثة ليبدأ الحوض في الامتلاء مجددًا.

تركته يمتلئ قبل أن أتجه للمرآة المعلقة، تجمدت لثانية وعرفت سبب نظرة التعاطف على وجه السيدة واندر، أبدو كمتعاطية! أعين دموية منتفخة وشعر مبعثر، هالات سوداء، وبشرة شاحبة، لن أتعجب إن وجدت بعض الشيب في شعري بسبب الرعب الذي تعرضت له! 

نظرت للحوض أمامي وذات الفجوة موجودة في الجدار، فضلت الماء البارد هذه المرة، لكن أوقفت امتلاء الحوض وبحثت بعيني عن رشاش للمياه، كان هناك واحدا أمام عيني أسفل الفجوة الخاصة باختيار حرارة الماء، وضعت يدي أمامها قبل أن أسحبها بسرعة متوسطة، وبالفعل فتح الماء وتدفق بسرعة متوسطة.

غسلت وجهي عدة مرات أحاول أن أبدو بشكل أفضل نوعًا ما، لم يتحسن احمرار عيني كثيرا، لكن الماء البارد جعلني أشعر بشعور أفضل.

اتجهت لحوض الاستحمام الذي امتلأ، أوقفت الماء وقبل أن أنزع ملابسي أفزعني صوت السيدة واندر من خلف الباب مجددًا وهي تقول "نسيت إخبارك، هناك معطرات يمكنكِ وضعها في الماء ستساعدك كثيرًا في إرخاء جسدك، والعبوة الوردية خاصة لغسل الشعر، هناك ثلاث، اختاري الرائحة التي تفضلين، والخاص بالجسد في الدرج السفلي. ستجدينها كلها في الخزانة فوق حوض الاستحمام". 

"حسنا! شكرًا لكِ". صحت قائلة لأسمع خطواتها تبتعد. التفت نحو حوض الاستحمام أنظر فوقه باحثة عن خزانة، لكن لا شيء سوى جدار من الرخام! اتجهت أتحسس الجدار بيدي باحثة عن إي خزانة خفية، فأصبحت الآن أتوقع أي شيء غريب هنا.

لم أصدق أنني كنت على حق عندما لمست حواف في الجدار. كانت قطعة الرخام غير ثابتة، وما إن دفعتها حتى انفتحت كاشفة عن خزانة صغيرة مكونة من رفان، الأول كان مليئًا بقطع أشبه بالصابون الجامد والتي تبدو كالمعطرات التي قالت عنها السيدة واندر، وست عبوات لغسل الشعر كل اثنين برائحة مختلفة، والدرج السفلي احتوى على ما أظن أنه منظف جسد! أخذت أحد المعطرات قبل أن أضعها في الماء بحذر، في ثانيتين كانت قد انفجرت صانعة الكثير من فقاعات الصابون، أظن أنني سآخذ كامل وقتي في الاستحمام. 

ساعدني الأمر كثيرًا في تمالك نفسي نوعًا ما، أدركت أنني أمام ثلاثة خيارات، إما أن كل ما يحدث هو حقيقي مائة في المائة وأن عالمنا أكبر مما كنت أتصور، أو أنني نائمة في غرفتي حتى الآن وهذا مجرد حلم واقعي بشكل مريب، أو أنني في إحدى المصحات النفسية وكل هذا من صنع عقل مريض! 

وإن كنت سأختار؛ فأفضل الأولى أو الثانية على أن أكون مجنونة في مصحة عقلية. حاولت تجميع الكثير من الأشياء، مما أوضح الكثير من التساؤلات المشوشة داخل عقلي، وعندما بدأت تذكر تسلسل الأحداث منذ البداية شيء ما قفز إلى عقلي كنت قد تناسيته.

حقيبتي التي كانت على ظهري حتى وقوعي من فوق المنحدر... أين هي؟ شيء ما يخبرني أن يوجين كان محقًا في إخفاء الكتاب عنهم، وأظن أن علي إلقاء نظرة على الكتاب مجددًا، فهو بداية كل هذه الجلبة. 

أنهيت حمامي ولففت جسدي بالمنشفة الكبيرة المعلقة قبل أن أخرج إلى الغرفة وأنا أحاول التفكير في أين قد تكون حقيبتي؟ "أوه، كل يوم يزيد إصراري أنني أكثر شبح شاب محظوظ في العالم" لم أتمالك نفسي عندما صرخت بفزع متناسية أن يوجين داخل غرفتي. 

"أيها الغبي المنحرف، أغمض عينيك!" صحت بينما أُلقي أقرب شيء من يدي نحوه لكنها فقط مرت خلاله.

"حقا؟ تخرجين بالمنشفة أمامي ثم ترمين حذائك نحوي! عذرًا، لست المخطئ هنا". 

"هل سنتناقش في هذا الآن؟"

"يمكننا المناقشة طيلة اليوم!"

"يوجين أمامك ثلاث ثوانٍ للخروج من هنا".

"رائع، ثانيتين للتحديق وثانية للخروج من الغرفة، أنتِ سخية!" 

"يوجين!" صحت بغضب ليقهقه وهو يلتفت متجهًا للباب "لا تغضبي، لا يوجد شيء يستحق المشاهدة على أي حال". ما... ما لعنته هذا الصباح؟ مر جسده من خلال الباب لأصيح ساخرة "هذا وقح جدًا أيها النبيل". مر رأسه فجأة من خلال الباب "منذ متى أصبحت الحقيقة وقاحة؟" أمسكت بالحذاء الآخر قبل أن ألقيه تجاه الباب. 

ظريف جدًا. 

زفرت قبل أن أنظر نحو السرير الذي رتبته السيدة واندر سابقًا بينما ملابس جديدة وضعت فوقه. أمسكت بالفستان البسيط أبيض اللون من الستان. تنهيدة تسللت من بين شفتَي، لا أتذكر متى آخر مرة ارتديت فيها فستانًا، لا أحب ارتدائهم! يجب أن أحدث السيدة واندر عن هذا، لكن أولا علي تناول شيء ما وإلا قد أفقد الوعي من شدة الجوع.

ارتديت ملابسي قبل أن أتجه إلى المرآة وأجمع شعري للخلف وأثبته بدبوس للشعر، ارتديت حذائي قبل أن أقف أمام المرآة بطولي تقريبًا، رائع! فستان خفيف وحذاء رياضي أزرق، تنسيق مثالي للأزياء!

التفت نحو الباب بلا اهتمام للنظر مجددًا إلى كيف أبدو قبل أن آخذ نفسًا وأفتحه، وجدت يوجين يقف بجوار الباب منتظرًا خروجي ظننته سيبدأ بتفحص المكان! "انتهيتِ؟" دحرجت عيناي قبل أن أسخر "لا ما زلت في الداخل لكني ألقي نظرة". رفع حاجبًا نحوي قائلًا "هل هذا أنا أم أنكِ تزدادين وقاحة مع الأيام؟" 

"لا هذا ولا ذاك، أنت أحمق بأسئلة غبية". تجاوزته قبل أن أنظر حولي "إنه رواق! دائري مع ثلاثة أبواب أخرى لم أحاول دخولها، شبه مظلم لأنه يحتوي على ثلاث نوافذ فقط، والسلم على بُعد باب من اليمين". نظرت نحوه بصدمة "ماذا؟ أخذت جولة استكشافية سريعة لكن لم أنظر للطابق السفلي بعد". أعلم أنني قلتها من قبل لكن... من الرائع وجود شبح لا يراه أحدهم، إنه يضع نقطة في صالحك. 

اتجهت نحو السلم الذي قال عنه يوجين ليتبعني "لم أركِ ترتدين فستانًا من قبل، وعلي القول أنكِ حمقاء لعدم فعلكِ، ذلك تبدين جميلةَ". مديحه سبب ابتسامة على وجهي لم أستطع منعها "لا أفضل الفساتين". أجبت ببساطة رافعة كتفي. 

ما زلت أتذكر أن الأشخاص في صغري اعتادوا وصفي بالذكورية بسبب أنني كنت الأخت الصغرى لفتى أكبر منها، وعندما حاولت ارتداء فستان لمرة حصلت على نظرات ساخرة من الأطفال، لذلك توقفت عن ارتدائهم. كانت أيامًا جيدة.

توقفت لثانية عندما نزلت أول درجتين بينما أصوات لأشخاص آخرين تسللت لأذني. عاد التوتر مجددًا وبدأ قلبي ينبض بعنف داخل صدري، هناك آخرون وربما هو منهم! ينتظرني أسفل السلم مع فأسين سيلقي أحدهما نحوي.

"جلنار". فزعت عندما فرقع يوجين أصبعيه أمام وجهي. "ستكونين بخير". صمت قليلًا قبل أن يتمتم "فلنأمل هذا". حقا أنت تساعد كثيرًا، يوجين! 

"ربما ليست فكرة جيدة، سأعود لغرفتي!" كدت ألتفت لكن توقف يوجين أمامي بسرعة "ستهربين كثيرًا لكنه لن يفيد، جلنار! واجهي الأمر مهما كان، هذا المكان لا يمكنك العودة منه. إلى متى ستظلين داخل تلك الغرفة؟" إنه محق... مجددا هو محق، لكن من السهل قول هذا وأنت شبح لن يحاول أحدٌ قتلك! 

أخذت نفسًا عميقًا وأوهمت نفسي أن كل شيء سيكون بخير، ذلك المجنح أنقذني بالأمس ولم يتركني أموت، مما يعني أن الجميع لا يهوى قتلي. أخذت خطواتي للأسفل وحاولت قدر الإمكان وضع ملامح جامدة، ولكن أظن أني كنت أشبه بشخص يحبس أنفاسه حتى لا ينفجر في البكاء.

توقفت عندما أصبح الطابق السفلي على مرأى من نظري يمكنني رؤية الأرائك التي كنت أجلس عليها أمس مع مونغستا وبورالدو اللذين ذهبا، وعلى الجانب الأيمن كانت طاولة كبيرة يبدو أنها للطعام لأن بجوارها كان مطبخًا يطل عليها.

ثلاثة أشخاص كانوا على تلك الطاولة. بإمكاني رؤية ذلك المجنح غاضبًا وهو يتجادل في شيء ما مع رجل يجلس مقابله والذي يبدو هادئا ومستمتعا عكس المجنح، والشخص الأخير كان يجلس موجهًا ظهره للسلم لذلك من الصعب رؤية وجه. السيدة واندر كانت تقف داخل مطبخها وتبدو مشغولة تمامًا في الأطباق التي تضعها على الطاولة.

لم أدرك أنني أطلت التحديق حتى همس يوجين في أذني "لديكِ معجب مهتم في التحديق نحوك". لم أدرك ما كان يقصده حتى وقعت عيناي على شاب عاري الصدر يضع قميصه على كتفه وشيء أشبه بالتفاح داخل فمه بينما توقف أمام السلم بلا حراك يحدق نحوي بصدمة. 

"مرحبًا". أردت قولها بصوت عالٍ وطبيعي، لكنها خرجت أشبه بالهمس الحذر.

سقط ما في فمه على الأرض قبل أن تعلق قطعة مما يأكل داخل حلقه ويبدأ في السعال بقوة، اختناقه أمامي دفع جسدي للنزول بسرعة نحوه قبل أن أضرب بقبضتي على ظهره عدة مرات محاولة مساعدته. 

أصبح سعاله أخف نوعًا ما ليرفع عينيه الزرقاء القاتمة نحوي، كانتا دامعتين بسبب اختناقه. ظل يحدق نحوي مجددًا "هل أنت بخير؟" سألت بترقب لتتسع عينيه وكأنه أدرك شيئا ما ليقفز بسرعة بعيدًا عني "وانـــدر! لمَ نمتلك فتاة جميلة في منزلنا بحق الله؟" صاح وهو يأخذ خطوة أخرى للخلف ويحدق نحوي وكأني مفجرات قد تنفجر في وجهه؟ 

لا أعلم بما علي أن أشعر! الامتنان لوصفه لي بالجميلة، أم الإهانة لأنه قفز بعيدًا وكأنني مصابة بالجرب؟

"أيها الأحمق، هل هكذا تقول صباح الخير لأنسة؟" اتجهت السيدة واندر نحوه قبل أن تصفع رأسه ليبدل أنظاره بيننا "لقد هبطت السلالم من الدور العلوي! لماذا هناك فتاة في الدور العلوي؟" كان يبدو هلعًا نوعًا ما. "عليكِ أن تكوني سعيدة أحدهم يخافك هنا!" سخر يوجين ضاحكًا لأهمس له بـاصمت. 

"بالتأكيد ستهبط من الأعلى، غرفتها في الطابق الثاني يا أحمق". وقف المجنح ذاك فجأة متجهًا نحونا واستطعت رؤية كل من الرجلين الآخرين يحدقان نحوي "هناك فتاة واحدة أعرفها تمتلك غرفة في الدور الثاني... في المنزل كله، وهي حاليًا ليست هنا". قال بسرعة وهو ينظر نحوي بتوتر. 

"رومياس لقد جاءت في الأمس عندما كنت خارج المنزل، أليس كذلك جوزنار؟" ابتسم المجنح ذلك نحوي "جلنار، اسمي جلنار". صححت له ليتمتم بـ "آسف، نسيت".

"رومياس، قدم نفسك بشكل لائق، وارتدِ قميصك!" أنبت السيدة واندر لينظر رومياس ذاك إلى صدره قبل أن تعود أنظاره نحوي ويحمر وجهه …  خجلًا على ما أعتقد! 

سحب قميصه من على كتفه بسرعة وكأنه أدرك أخيرًا أنه عاري الصدر قبل أن يقوم بإغلاق أزراره "أعتذر عن وقاحتي، أنا..." كان من الصعب سماع باقي كلامه لأنه أشبه بتمتمة منخفضة، ألم يكن صوته عالٍ قبل قليل؟ "رومياس، أنا هنا بجوارك ولم أسمع شيء!" سخرت السيدة واندر ليحاول تنظيف حلقه مطأطأً رأسه يحرك شعره الأسود بتوتر.

"دعي هذه المهمة لي". قال المجنح متجهًا نحوه ثم أحاط كتف رومياس بذراعه "هذا رومياس، الفرد السادس باختيار التوبازيوس. إنه أحد الأفراد في القوة الهجومية داخل الفريق، لقد كان الأوميغا في قطيعه وكان من المفاجئ اختياره من قبل التوبازيوس". أنهى المجنح كلامه بتربيته على كتف رومياس الذي بدا قصير القامة مقارنة بالمجنح، ما يقارب الخمسة أقدام ونصف.

أومأ نحوي بسرعة كترحيب "الأوميغا؟" بدا المصطلح مألوفًا جدًا علي لذلك لم أمنع تساؤلي. "نعم، في عالم رومياس الأفراد يقسمون داخل مجموعات تسمى بالقطيع، وهناك مراتب في كل قطيع ألـ..." 

"ألفا، بيتا، غاما، أوميغا. إنه مستذئب؟" قاطعته ليومئ برأسه. نظرت نحو رومياس بتفاجئ!

إنه مستذئب! يمكنه التحول لذئب؟ تمامًا كالأساطير. "لكن... كيف عرفتِ؟" سأل المجنح "لدينا أسطورة كاملة عنهم". اتسعت أعين رومياس قبل أن يسأل "لديكم؟ أين؟" أوه، هو لا يعلم أنني بشرية. "سأعرفكِ بالبقية، ثم يمكنكم طرح الأسئلة على الفطور". 

ابتسم المجنح نحوي وأشار برأسه يشجعني على التوجه نحو طاولة الطعام.

أشار على الرجل الذي كان يوجه ظهره لي مسبقًا "هذا أوكتيفيان، إنه إلترانيوسي أفضل الأفراد في القوة الهجومية داخل الفريق وأحد أفضل جنود الملك، بلغ عدد انتصاراته مائتين وأربعة وستين انتصارًا. إنه المختار الأول من قبل التوبازيوس". 

بدا على أوكتيفيان عدم المبالاة ولم ترتسم نظرة فخر واحدة على وجهه، فقط نظر نحوي بطرف عين. كان يمتلك عينين بندقية وشعر بني اللون مع لحية قصيرة، وجرح من مقدمة رأسه حتى حاجه الأيمين بطول الإنشين تقريبًا. 

"كيف يمكنه أن يمتلك جرحًا كهذا ويظل وسيمًا؟" سؤال وجيه، لكن لا أظن أن من الذكاء أن أسأله يوجين. 

"أما هذا الأحمق هنا فهـ..." تابع المجنح مشيرًا للرجل الذي كان يجلس قبالته ويجادله سابقًا لكنه قاطعه "إنه غيور، أنستي، لا أكثر". دحرج المجنح عينيه قبل أن يكمل "أما الأحمق الذي من المستحيل أن تشعر حتى الحشرة التي بلا أهمية بالغيرة منه؛ فهو جوزفين، بلا أي قوة هجومية وبلا أي فائدة تذكر، وكل ما عليه فعله هو التحرك في كل مكان ليصنع المشاكل لغيره". كان الغضب في نبرة المجنح موجهًا نحو جوزفين. 

نهض جوزفين وهو يعيد شعره الأشقر الذي لامس عنقه للخلف بشيء من الخيلاء، ووجه نظرته الرمادية نحوي قبل أن يقول "كما قلت أنستي، أغدراسيل يعاني نوبة من الغضب والغيرة مني، لذلك دعيني أعرف عن نفسي. أنا جوزفين، المختار السابع من التوبازيوس، الأفضل في التخطيط ومعرفة نقاط قوة وضعف الخصم لأنني أحد أفضل المتخفين في وطني".

متخفٍ! "تقصد جاسوس؟" تساءلت ليرفع حاجبيه وتتسع ابتسامته " جاسوس! أعجبني المصطلح، يا لكِ من شخص ذكي، آنستي، عكس بعض العقول هنا". كانت الإهانة الأخيرة موجهة لأغدراسيل الذي أستطيع تذكر اسمه أخيرًا بفضل جوزفين.

"لقد عرفتها على الجميع لكن... لم نستطع أن نعرف من الأنسة المجهولة". تحدث أوكتيفيان أخيرًا ليصمت الجميع ناظرًا نحوي. "هذا صحيح، لم أعلم أن هناك أنسة ذكية ستزورنا. هل هي إحدى النبيلات؟" تساءل جوزفين لأحبس أنفاسي، لا أحب أبدًا اللحظة المتبوعة بالكشف عن هويتي، وكأن المصائب لن تنفك بعد قول كلمة 'بشرية'.

"لا أعلم هل أنتم أغبياء أم أغبياء، فلا نبيلة ستبقى هنا لليلة كاملة. لما لا تعرفين عن نفسك؟" نظر نحوي مشجعًا بينما أنا هززت رأسي بلا.

"هيا جلنار! قولي مرحبًا، أنا بشرية، هل من آخرون يودون قطع رقبتي أو قتلي أو إلقائي من فوق المنحدر حتى أرتاح وترتاحوا جميعًا؟" أصبحت على يقين أن يوجين يجد متعة عارمة في السخرية من وضعي مهما كان صعبًا. 

أخذت نفسًا متجاهلة أفكاري السوداء... ويوجين. "أنا جلنار". كان هذا بسيطًا، بسيطًا جدًا لدرجة جعلت جميعهم ينظرون نحوي، كان بإمكاني سماع كلمة 'حقًا؟' الساخرة على الرغم من عدم نطقهم بها.

لذلك ظننت إضافة شيء ما سيكون جيدًا. "أنا جلنار روسيل". والآن معهم نصف اسمي، رائع! صحيح؟ 

تبادلوا النظرات فيما بينهم "شكرًا، لقد أشبعتِ فضولنا حقًا، يا لكِ من شخص يمتلك معلومات وفيرة". سخر أوكتيفيان، وهذا أثبت أحد توقعاتي بأن هذا الرجل يملك مزاجا حادًا.

دحرج أغدراسيل عينيه "جلنار، لا بأس يمكنكِ إخبارهم". همس لأنظر نحوه بترجي، شخص ما سيحاول قتلي بكل تأكيد بعد نطق الكلمة السرية القاتلة.

"صدقوني لا داعي للشعور بالفضول، إنها لا شيء". 

تجمد جسدي ما إن سمعت صوته من خلف ظهري ولم أدرك أنني قبضت على ذراع أغدراسيل بقوة، إنه يقف خلفي مستعد لقتلي. تبًا، أعيدوني للغرفة. 

"أتريوس، لا أظن أن وجودكم في المكان ذاته مفيد". شكرت أغدراسيل داخليًا على جملته الصائبة مائة في المائة. "بحق الله ماذا يملك هذا اللعين ضدك؟" صاح يوجين وهو ينظر خلفي بحقد، ولم أجرؤ على الالتفات. 

رائحة تربة رطبة مع القليل من العطر الرجالي كانت تقترب مني، كانت الرائحة بالتأكيد تعود له، فقد ملأت المكان ما إن سمعت صوته. لذلك لا إراديًا انكمشت بجوار أغدراسيل، لكن ذلك لم يمنعه من لف يده حول كتفي بقسوة. كان بجواري تمامًا ولم أتجرأ على النظر نحوه.

"إن كنتم تشعرون بالفضول؛ دعوني أعرفكم على الفرد الثاني عشر الغبي والأخير في هذا الفريق، مجرد فتاة مثيرة للشفقة وضعها القدر في الطريق، ولا أعلم إن كان هذا عقاب لنا أم لها، في كلتا الحالتين، إنها البشرية التي إما ستُقتل أو ستَقتل نفسها خلال أيام".

لم أهتم بكل الألقاب التي أطلقها نحوي والتي كان نصفها حقيقيا، فأنا بجوار هؤلاء الرفاق بلا قوة، لكن كل ما أريده أن يبتعد عني تمامًا. سحب أغدراسيل ذراعي ليبتعد جسدي خلفه أخيرًا قبل أن يقف في وجه ذلك الرجل "أتريوس، أي كلمة في جملة 'لا- تبقَ- معها- في- غرفة- واحدة' لا تفهمه أيها اللعين؟" ضغط على كل كلمة يقولها وبدا وكأنه يتمالك أعصابه. 

" دعني أرى... ما رأيك في لتحترق- في- الجحيم- أنا- لا-أهتم؟" كانت حركة جسد أغدراسيل عدائية وكان يحاول التماسك ويبدو أن جوزفين لاحظ ذلك لأنه التف حول الطاولة متجه نحو الرجلين قائلًا :

 "أعتذر عن مقاطعة مسابقة التحديق، لكن أنا أستمتع بهذا الفطور ولا أريد أن يتم إفساده. يمكنكما التوجه للخارج وتحطيم وجوه بعضكما في الحديقة". حسنًا، هذا لا يهدأ الوضع في الحقيقة. 

لم يعره أي من الرجلين اهتماما، لذلك تراجعت خطوتين بينما لا يلاحظني أحدهم وقررت الانسحاب من هنا، لكن توقفت عندما لاحظت نظرات أوكتيفيان المستمتعة نحوي. "حسنًا، هذا يكفي لا شجار على الفطور، الجميع سيجلس وسنتناول الفطور كأفراد عاقلين دون شجار أو محاولة لقتل بعضنا بعضًا، لمرة في حياتكم!" صاحت السيدة واندر بنفاذ صبر ليتجه جوزفين إلى مقعده بكل سرور. 

"أغدراسيل!" تنهد أغدراسيل قبل أن يلتف ويأخذ كرسي ويجلس. "الجميع، رومياس!" هرول رومياس بصمت نحو المائدة وملامحه كانت تصرخ 'ما ذنبي؟'.

"هل علي مناداة اسمك أيضًا، سيد أتريوس فلورمان؟" بما أن أغدراسيل الذي كان يقف كالحاجز بيننا قد جلس فأصبح الآن بإمكانه النظر نحوي بسخرية واضحة. "أشعر بالشبع". أجاب وما زال ينظر نحوي. "هل يبدو أنني سألتك؟ لا، لم أفعل، لأنني قلت الجميع سيجلس على مائدة الفطور اللعينة، أتريوس! لذلك ضع نظراتك الأشبه بنظرات قاتل ينوي قتل الجميع جانبًا واجلس الآن". 

دحرج عينيه قبل أن يلتفت للسيدة واندر وبدا وكأنه سيقول شيئا ما، لكن نظرات السيدة واندر كانت توحي بأنها غير مستعدة للنقاش أبدًا ليزفر ويتخذ مقعدًا على المائدة. واو، لقد استمع لها للتو! علي إعادة حساباتي فيمن هو أكثر خطورة بينهما. 

اتجهت السيدة واندر لتجلس على رأس المائدة بابتسامة لطيفة وكأنها لم تهدد الجميع من ثوانٍ، وكادت تقول شيئا ما لكنها توقفت قبل أن تنظر نحوي "جلنار، هيا عزيزتي، لم تأكلي شيئًا منذ الأمس". 

هل تمازحني؟ لن أجلس على نفس المائدة مع شخص حاول قتلي! "لا أشعر بالجوع، سأبقى في غرفتي". كان صوتي منخفضا لدرجة جعلتني أشك إن كان علي إعادة كلامي بصوت أعلى لتسمعني.

"لن تفعلِ جلنار، ستبقين وتتناولي الفطور مع الجميع الآن". أردت إيجاد عذر "لا تحاولي، البحث عن أعذار لن ينفع معها". همس جوزفين لأتنهد وأتقدم بخطوات بطيئة وأجلس على أحد المقاعد الفارغة.

"هل تمازحينني؟" نظرت السيدة واندر نحوي قائلة بتعجب؛ بينما حاول جوزفين كتم ضحكته وابتسم أغدراسيل بصمت. "ماذا؟" تمتمت لتتنهد السيدة واندر "لن يأكلك أحدهم، جلنار. أنت تجلسين على بعد ثلاثة مقاعد من الجميع وكأنكِ منبوذة! تقدمي هنا، هناك كرسي بجوار رومياس، اجلسي عليه". أشارت على كرسي فارغ بين رومياس وجوزفين. 

بصق رومياس العصير الذي كان يرتشفه بتفاجؤ قبل أن يسعل، ما مشكلته؟ "لمَ لا تجلس بجوار..." صمت يبحث بعينه قبل أن يقول بسرعة "أغدرسيـ..." صمت عندما لاحظ أوكتيفيان الذي يجلس على يمين أغدراسيل، وعلى اليسار على بعد كرسيين كان... أتريوس أو المجنون بالقتل. 

"رومياس لا يمانع جلوسك بجوارنا بكل تأكيد". دعا جوزفين لأتنهد وأنهض جالسة على المقعد وسطهما ليبعد رومياس مقعده عني. رائع، فليخبره أحدهم أنني لن أصيبه بعدوى ما. 

وضعت السيدة واندر أمامي كأس من العصير الذي لم أعرف ما هو. "إنه مزيج من التوت البري". أومأت برأسي لأغدراسيل دون أن أتساءل عن إن كان هو نفس التوت البري الذي أعرفه واكتفيت بالنظر كل ثانية نحو المجنون اللعين حتى لا يقتلني على غفلة. 

"إذا... أنتِ هي البشرية التي أثارت كل هذه الفوضى". نظرت نحو جوزفين متسائلة "فوضى؟". حولت أنظاري إلى الطبق أمامي الذي احتوى على شيء أشبه بالفطيرة الصغيرة "أوه! بالطبع، تفاجأ الجميع عندما علمنا أن ما زال هناك فرد ناقص من الفريق وأنه من البشر و... تعلمين، لابد أنكِ لاحظتِ أن وجود جنسكم هو شيء..." صمت وكأنه يحاول إيجاد الكلمة المناسبة "شيء مقزز، غريب، لا يجب عليه أن يكون حقيقي". قال أتريوس بسخرية دون النظر نحونا. 

"ما مشكلته مع البشر؟ هل تزوجت حبيبته من بشري، أو خانته زوجته مع بشري؟ ما رأيك سنقوم بنسف جنس كامل من أجل جلالة الفارس ذي الفأسين لأنه لا يحب البشر!" مع كل كلمة كان يقولها يوجين كان يحاول أن ينكز رأس أتريوس بإصبعه، وهذا كان سيضحكني إن كان شخصًا آخر، لكني شعرت أن أتريوس سيرى يوجين في أي لحظة وسيقطع عنقه بطريقة ما! 

"لا تستمعي له، إنه معقد تجاه الجميع". همس جوزفين بجوار أذني. التفت أنظر لأغدراسيل أحاول معرفة كيف يأكلون هذه... الفطيرة على ما أظن. كان فقط يقطعها بالسكين ويأكلها بالشوكة!

لحظة... أيمتلكون سكينًا وشوكة؟ والآن فقط انتبهت للسكين والشوكة بجوار طبقي. 

نظرت بطرف عيني نحو رومياس، كان يستعمل يديه ويتناول طعامه في شيء من الفوضوية. "تفاجأ الجميع حرفيًا من وجود بشر وأن أحدهم تم اختياره كفرد من التوبازيوس". وضعت القطعة التي غرست الشوكة بها في فمي قبل أن أنظر نحوه "كيف تعرفون أنكم مختارون؟" سألت ليبتسم "علامات!" أجاب وأردت الاستفسار، لكن طعم ذلك الشيء كان رائعا كاللعنة، رغم أني لم أعرف مما يتكون لكن أخذت قضمة وراء الأخرى دون أن أشعر بذلك. 

"جميعنا نمتلك علامة على أجسادنا في أماكن مختلفة، وهي ترمز بأن التوبازيوس قد اختارك". فسر أغدراسيل بدون الحاجة لأسأل، لحظة! أذلك يعني أنني أمتلك علامة؟ 

توقفت عن المضغ قبل أن أنظر لهم بتعجب، التفت أغدراسيل موجهًا ظهره نحوي قبل أن يزيح قميصه عن مقدمة ظهره لتضح علامة سوداء أشبه بالوشم على شكل أجنحة، لم أستطع حتى إخفاء نظرات الإعجاب فقد كان رائعًا. 

"نقطة قوتي تتمركز حول أجنحتي؛ لذلك هذا هو رمزي". وضَّح لأومئ بينما أنظر نحو الرمز بفضول. "لدي واحد أيضًا!" قال جوزفين لألتفت نحوه كان قد رفع قميصه مشيرًا على الجانب الأيمن من معدته كان رمزًا لـ... لحظة أهذا! "إنه رمز المسرح!". 

"رمز ماذا؟" سأل جوزفين لأوضح "نرمز للمسارح بهذين القناعين، أحدهما الباكي ويمثل المأساة أو التراجيديا، والآخر ضاحك يمثل الكوميديا واللهو". رفعت عينَي نحوه قبل أن أقول "إذا تستخدم الأقنعة للتخفي أو التمثيل؟" 

ابتسامة جانبية رسمت على شفتيه قبل أن يقول "شيء مشابه، لكنه أكثر واقعية، ذكريني أن أُريكِ لاحقًا". قال قبل أن يغمز لأومئ نحوه وما زلت أتساءل عما يفعل وما هي قوته بالضبط! 

"رومياس، لما لا تري جلنار رمزك؟" قال أغدراسيل ليتوقف رومياس عن المضغ ويحول أنظاره نحونا وكأس العصير النصف فارغ بين يديه، أعاد أنظاره نحوي قبل أن يبعدها بسرعة، رائع شخص أخر يكرهني "لا بأس يمكنني رؤيتها لاحقًا". أخرجت نفسي من هذا الوضع الغريب "قالت انها لا تريد". تمتم رومياس قبل أن يعود لتناول طعامه. 

"أوكتيفيان يمتلك علامة رائعة". قال جوزفين ليتوقف أوكتيفيان عن الأكل قبل أن ينظر نحوي. "أتريدين رؤيتها؟" لم تعجبني نبرة السؤال أو ربما أنا أصبحت أتوجس من كل شيء. "أمزح". قال بنصف ابتسامة ولكن لم تبدُ كمزحة لي.

بسط يديه وفتح قبضته وفي باطن يده كانت علامة... إنها علامتان! لكنهما مندمجتان معًا. "الماء والنار!" تمتمت ليرفع عينه نحوي وقد ارتفع إحدى حاجبيه "لستِ حمقاء كما يظن الجميع!" لا أعرف إن كان إطراء أم سخرية، لكني اكتفيت بالصمت. 

"لقد اكتفيت من هذا السخف". تمتم أتريوس فجأة ناهضًا "إن كنتم ترون أننا نمتلك وقتًا لمجالسة الأطفال فأعتذر على مقاطعة وقتكم وأفكاركم في كيف نعامل الأميرة الصغيرة الجديدة لأن كارثة على الوشك قتلنا جميعًا ونحن متأخرون مائة سنة ضوئية لذلك إن كنتم ترون أنه يجب حماية هذا الشعب عليكم التحرك والتدرب كفرسان حقيقيون". نهض مخرجًا فأسيه وهو يركل الكرسي بقدمه. 

"على الأقل ليسوا ملاعين حاولوا قتلي لوجهة نظر سخيفة". لم أدرك أن تمتمتي كانت مسموعة حتى توقف هو عن السير والتفت نحوي، في الواقع التفت الجميع نحوي، وهنا أردت صفع نفسي مائة واثنين وستين مرة على غبائي، فلترقد روحي في سلام. 

اتجه نحوي بخطوات واسعة وهو يلتفت حول المائدة وهنا عرفت أن نهاية رحلتي قد حانت، في ثانية كان الكرسي الخاص بي قد أُزيح بعيدًا عن المائدة قبل أن أفزع من وجهه القريب كفاية من وجهي. يده قد وضعها على ظهر الكرسي وقد أماله للخلف، قد يسقط إن تركه في أي ثانية. 

كان وجهه قريبًا جدًا... قربه جعل لون عينيه الزجاجية واضحًا وسهل التمييز، ذقنه القصيرة وخصلات شعره الشقراء التي تصل لكتفه وقع بعضها على جبهته، فكه الحاد وحاجباه الكثيفان المنعقدان، جميع تلك التفاصيل نجح هو في جعلي أكرهها، وأكره أي شخص يشبهه في تفاصيل وجهه. 

"إن كنتِ تظنين أن هؤلاء الأشخاص قادرين على حمايتك فصدقيني لا أهتم بأحدهم، يمكنني قتلهم في ثانية ونحر عنقك في الثانية التالية، لذلك طالما أحاول تحمل وجودك ضعي لسانك اللعين داخل فمك حتى يحصل أحد هذه الأشياء: إما أن أقتلك أو تموتين أو نموت جميعًا، هل هذا مفهوم؟"

صوته كان شبه مسموع للبقية لكنه واضح جدًا لي. تلك البحة في صوته والنبرة الثقيلة، كرهتها بحق.

أردت فعل الكثير من الأشياء في هذه اللحظة، العديد منها، كركل ما بين قدميه أو البصق على وجهه أو صفعه أو حتى إمساك شعره بين يدي حتى يتقطع تمامًا، لكن كل ما فعلته هو أنني أومأت بصمت لأن هذه كانت أقصر الطرق لجعله يبتعد عني. 

ظننته سيبتعد، لكنه توقف لثانية وانتقلت نظرته لجانب عنقي، وفقط لجزء من الثانية كانت هناك نظرة على وجهه مختلفة عن نظرة 'أنا أريد قتلك' لكن أعاد نظرته المعتادة قبل أن يترك الكرسي ويبتعد، كاد يسقط الكرسي وأسقط معه لكن ذراع جوزفين امتدت لتمسك به بسرعة وتعيده لمكانه. 

ما إن خرج من المكان وأغلق الباب خلفه بقوة زفر أغدراسيل بغضب واستطعت رؤية يد السيدة واندر التي امتدت فوق يده تمسك به حتى لا يقوم بالقتال على ما أعتقد. "هذا اللعين مريضٌ نفسي". صاح يوجين وهو يركل الطاولة لكن فقط مرت قدمه من خلالها ليزداد غضبا، ليتني أستطيع التعبير عن غضبي مثله. 

"لا تأخذي ما يقول بشكل جدي، إنه يكره الجميع هنا والأمر متبادل، لذلك لا ضغينة شخصية نحوك، أنتِ فقط جديدة". لا أظن أن ما قاله أغدراسيل صحيحًا حتى! ربما جزء منه صحيح، فهو يبدو كشخص يكره الجميع، لكن أنا بصفة خاصة يود لو يقتلني إن سُمح له، وهذا واضح من النظرة التي كانت على وجوههم عندما اقترب مني.

بدا الجميع متأهب لإلقاء أنفسهم نحوه إن سحب فأسه حتى لا توسخ دمائي المكان. 

"إنه ليس مخطئا بشكل كامل، فقط إن نظرنا للأمر بعقلانية فإنها غير مفيدة. لا شيء تستطيع فعله سوى الهرب، حتى أن طفلا في العاشرة سيكون أسرع منها، وجودها هنا سيقتلنا قبل أن يقتلها، لا إهانة". أشار أوكتيفيان نحوي في النهاية بكف يده. 

عندما لاحظ نظرات العتاب من الموجودين أردف بنبرة محايدة وهادئة "إذًا أخبريني، ما الشيء الفريد الذي يمتلكه البشر؟".

في الواقع، لاشيء!... لذلك لم أكن غاضبة! ما قاله صحيح، أطفالهم هنا يستخدمون الماء والنار والهواء في القتال، وآخر يمتلك أجنحة، وهناك المستذئب الذي قد يقتلع رأسي لو وجه ضربة جدية نحوي، الجندي الذي فاقت انتصاراته المئتين، والذكي المتخفي، وهناك المزيد من هذا، وأنا كل ما أستطيع فعله البقاء صامتة حتى لا أموت. إن نظرنا للأمر بعقلانية فهو محق تمامًا. 

"أوه، حقًا أيها القوي، لا يولد الجميع بسيف بين يديه كما أنها أذكى من عقلك الهمجي". لم أفهم سبب غضب يوجين تمامًا الرجل فقط قال الحقيقة بلا مجاملة لا طائل منها. "إنه محق". تمتمت نحو يوجين الذي حول أنظاره الغاضبة نحوي بتفاجؤ.

"جلنار، الأمر أنه لا..." قاطعت أغدراسيل "حقًا... لا بأس! الأمر لا يضايقني، السيد أوكتيفيان محق، إن كنت أريد أن أكون مفيدة يجب أن أبقى بعيدًا حتى لا أعرقل طريقكم".

ابتسم أوكتيفيان قبل أن يقول "يبدو أن البشر ليسوا بهذا الغباء الذي يشاع عنهم، تبدين كفتاة تفكر جيدًا بعقلها، من الأفضل أن تبقي مع واندر، ستساعدكِ في فهم كل شيء". أومأت له لينهض متجهًا للخارج، ربت جوزفين على كتفي قبل أن ينهض ويتبعه رومياس للخارج. "إن احتجتِ لشيء ما فقط أخبريني أو أخبري واندر". قال أغدراسيل لأشكره ويتبع الجميع للخارج. 

أوكتيفيان توقف عند الباب بينما يسحب أحد السيوف الموجودة على المكتبة الغريبة، التفت نحوي وقال "يمكنك مناداةِ بأوكتيفيان بلا تكلف كما الجميع" ثم خرج.

تقدم جيد... على ما أظن!

يبدو أنه لم يكن يأخذني من البداية على محمل الجد، لكنه شخص حاد، يحترم التفكير العقلاني غير المندفع، على عكس أغدراسيل الذي يبدو أن المشاعر تحكمه أكثر.

ما إن حل الصمت بخروج الجميع من المكان وجدت نفسي أتنفس براحة أخيرًا "هل أنتِ بخير مع هذا؟" التفت تجاه السيدة واندر التي وضعت ملامح غير راضية البتة.

"لا بأس... حقا! سأقتل نفسي إن تدخلت في أمر كالقتال، بالكاد أفهم ما يحدث". نهضت من مكانها قبل أن تبدأ في جمع الأطباق من الطاولة "لا أصدق أنهم يصفون فارسة بلا فائدة". تمتمت السيدة واندر بانزعاج وهي تتجه لتضع الأطباق في المغسلة. 

نظرت نحو يوجين الذي كان ينظر نحوي منذ خمس دقائق فاغرا فاهه وحاجباه مرفوعان بشكل مبالغ فيه. "ماذا؟" همست نحوه ليطلقه قهقه ساخرة "لا بأس! هذا هو كل ما تملكينه؟ لا بأس؟ لقد أهانوكِ بشكل واضح وأنتِ تقولين لا بأس! بحق الله هل تمزحين معي؟ أنتِ حتى لستِ غاضبة. ما لعنتكِ بحق، جلنار؟" صرخ في نهاية الجملة بانفعال بينما يوجه قبضته نحو الطاولة لكنها فقط اخترقتها ليصرخ بـ "تبًا!" 

"لنواجه الأمر، أنا حتى لا أملك القوة لصفع أحدهم. ذلك المخلوق في الغابة، إنهم يقولون إنه أضعف المخلوقات، هل تعلم كيف كانت حالتي عندما رأيته؟ لقد شعرت وكأني أواجه الموت، إنه أضعف المخلوقات يوجين، ماذا إن واجهت شيء أقوى بقليل؟ ربما ما كنت أتحدث معك الآن". همست بحدة، بدأ يبحث عن شيء ما لقوله لكن انتهى به الأمر يصرخ بإحباط.

"أعلم أن الأمر يبدو غريبًا ومخيفًا عليكِ، لكن لا أظن أن بقائكِ هكذا هو الصواب". عادت السيدة واندر لتقف بجواري مكتفة ذراعيها وما زالت النظرة غير الراضية على وجهها، عندما وجدت أنني لا أنوي موافقتها الرأي تنهدت قبل أن تلقي بجسدها فوق الكرسي بجواري "بالتأكيد تملكين شيئًا ما قد يساعدك". تمتمت في تفكير ليتخذ يوجين كرسيا بجوارها ويجلس فوقه وهو يفكر. 

نظرت إلى كليهما بدهشة أعني... أنا حتى لا أهتم، أريد العودة للمنزل فحسب! لمَ كل هذه الجلبة؟ "وجدتها!" صاحت السيدة واندر واقفة وقد انشرحت ملامح وجهها بسعادة. "ماذا وجدتِ؟" نهض يوجين صائحًا وهو ينظر نحوها بلهفة، هل حقًا سأقضي وقتي مع هذا الثنائي؟!

"انهضي جلنار. هيا، بسرعة!" سحبت ذراعي ودفعتني للوقوف "بالتأكيد لن تستطيعي فعل شيء لأنك لا تعرفين شيئًا". قالت بينما تتحرك في الأرجاء تبحث عن شيء ما "ماذا تقصدين؟" خرج سؤالي تزامنا مع يوجين في نفس الوقت. "أعني أنه عليكِ التعلم جلنار، عليكِ معرفة أين أنتِ، من ستواجهين وكيف؟ لا يمكنك صنع محارب من عقل جاهل، وأنا سأخبركِ كل ما تحتاجين معرفته" تنهدت بيأس هذا لا فائدة منه. 

"جلنار، خذي الأمر كنزهة في متحف تاريخي، فقط استمعي إلي و… أوه، ها أنت ذا، لقد وجدتك". نهضت من فوق الأرضية ممسكة بورقة كبيرة مطوية، ثم أردفت "كنت أقول فقط استمعي لما أقول، أعدك أن الأمر سيكون ممتعًا". عقدت حاجبَي بعدم اقتناع قبل أن التفت إلى يوجين الذي كان يضع أكبر ابتسامة بلهاء على وجهه، لا فائدة من إقناع كليهما. "حسنا، حسنا". زفرت باستسلام قبل أن أردف "سأستمع إليكِ، سعيدة الآن؟" أومأت بسرعة وسعادة، حقا ميؤوس من كليهما.

تحركت السيدة واندر تجاه الطاولة قبل أن تقوم بفرد الورقة المطوية بطول الطاولة لتظهر خريطة، لا أعرف أي نوع من الخرائط هذه، لقد كانت معقدة بشكل غريب. "هذه الرسوم ستخبركِ كل شيء تحتاجين معرفته قبل الحرب". قالت بنبرة افتتاحية وكأنها على وشك بدء فقرة ما!

*****************************************

هالو

اخباركم؟ 

فصل النهرده مش طويل اوي بس الفصل الي بعده تقريبا اطول بكتير وهحاول انزله بكره بردو

الشخصيات الاساسيه كلها بدات تظهر فركزوا معاها

الفصل الجي يدوخ شويه عشان هنشرح فيه حاجات كتير 

فاستعدو 

انجوي

بااي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

25 تعليقات

  1. اسراء ما شاء الله اللهم بارك انت بتبهريني اتاري الايام تغير بجد اميرة المواعيد بتاعتنا كبرتتت و صارت قد مواعيدها 😂😂😂

    ردحذف
  2. الفصل يجنن عاشت ايدج بس كلش قصير واحداثه قليلة ، احنه صح جاي نضغط عليج بس اعذرينا انتظرنا سنين 😂♥️

    ردحذف
  3. وجاي احاول احفظ اسماءهم رغم همه هواي ، رومياس و جوزفين واوكتيفيان واغدراسيل و اتريوس و ثونار و زوندي وجلنار وبعد كم واحد ؟ 🙈😂

    ردحذف
    الردود
    1. تينر جام و لافيان و ارتيانو و الطف واحد هارليك و بهذا جمعنا ال12 فارس

      حذف
  4. شكرا على الفصل ❤️❤️❤️❤️❤️😘 كان جميل مثل العادة و اخيرا نجلس تلى طاولة الفرسان و قريبا التاريخ و المكتبة😭✨✨

    ردحذف
  5. يهبلل الفصل 🥹❤

    ردحذف
  6. فقره الالغاز قربت تانى 🥺♥️♥️♥️😭

    ردحذف
  7. انا متحمسه اوييييي 😂😭😜💕

    ردحذف
  8. شكرا على الفصلين بيوم واحد حماس متزايد ❤️💟

    ردحذف
  9. حماااااس من تاني ❤️❤️🔥🔥

    ردحذف
  10. قمه في فخامه 😩❤❤

    ردحذف
  11. الفصل الثالث والسادس والسابع والثامن مش عارفة الاقيهم ممكن رابطهم؟

    ردحذف
  12. مع أني قرأت الرواية من قبل لكن حماسي شديد لاعادة قراءة الاحداث القادمة وأشد لمعرفة مصير جلنار(بعد الاحدلث اللي نعرفها قبل ) 🥰🥰🥰

    ردحذف
  13. رومياااااااس حبيب قلبي اللي اشتقتله 😭😭😭

    ردحذف
  14. كنت في قمة الحزن علشان اول لقاء لرومياس و جلنار ما كان كامل في التطبيق اللي كان مجمع الفصول بس هلأ شفته كامل 😭😭😭😭

    ردحذف
  15. رحمت جلنار حقيقي اول ايامها جحيم بس مصيره يتعدل بس الصبر 😭😭😭😭

    ردحذف
  16. مشكلة!... في كل فقرة أضغط على الكلام لحتى أكتب تعليق بعدين أتذكر إني موش في وات 🙂💔

    ردحذف
  17. البنت صعبانة عليا بجد😭😭

    ردحذف
  18. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  19. اوكيييييي💥💥💥💥💥💥 متحمسة

    ردحذف
  20. اغدراسيل الحب ظهررر❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال