الفصل الثامن والعشرون | عبيد ونبيل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "يا حيُّ يا قيُّومُ، برَحمتِكَ أستَغيثُ، أصلِح لي شأني كُلَّهُ، ولا تَكِلني إلى نَفسي طرفةَ عينٍ.".

إفصاح آخر "السمعة أكثر الخدع زيفا وبطلانا، فهي كثيرا ما تكتسب دون وجه حق وتُفقد دون وجه حق". شكسبير

 مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل الثامن والعشرون



"ما خطبك، أتريوس؟" 

جفل جسده وقد انتشله صوت واندر من آلاف الأفكار التي تملأ عقله، تنهد قبل أن يُجيب بشبه همس "لا شيء". تركت واندر ما كانت تشغل يدها به وتحركت ناحية البار الذي يجلس عنده أتريوس ووقفت مقابلةً له "بعيدًا عن أنك حطمت المائدة والفطور وأني أملك الكثير من الحقد ناحيتك أنت وأغدراسيل، لكن لنؤجل هذا لوقتٍ لاحق، تبدو شاردًا على غير العادة".

رفع نظره ناحية واندر وقال "هل أبدو كذلك؟" أومأت برأسها وقالت "منذ أن عدت أنت وجلنار، كلاكما يتصرف بغرابة وبهدوء مبالغ فيه. أعرفك أفضل من كف يدي، أتريوس. ماذا فعلت للفتاة؟ أو السؤال الأصح ماذا فعلت هي بك؟" .

لم يقاوم الابتسامة التي ارتسمت على شفتيه وقال "تشاجرنا" رمقته بطرف عينها "كاذب". نظر بعيدًا عنها ولم يحاول إيجاد حجة أخرى.

"أتريوس، انظر إلي، ماذا حدث بينكما؟" تنهد ووضع رأسه فوق الطاولة وتمتم "ربما هي ليست سيئةً كما كنت أظن" كاد حاجبا واندر يلتصقان بمقدمة رأسها لشدة دهشتها وما لبثت حتى رسمت ابتسامة ذات معنى على ثغرها وقالت " توقف عن الكذب على نفسك، منذ يومها الأول وأنت تعلم جيدًا أنها ليست سيئة، محاولتك الشديدة لإبعادها عنك وحدها تثبت هذا، لكن أن تعترف بشفتيك بهذا الأمر! ما زالت تستطيع إدهاشي بعد هذا العمر".

رفع رأسه وأسند ذقنه للطاولة ونظر ناحية واندر وقال "إنها تتعلم بسرعة… بسرعةٍ لم ألحظها على شخص من قبل، فقط يوم أمس كانت بالكاد تستطيع استعمال قبضتها، واليوم ما زلت أشعر ببعض الألم بسبب لكمتها". 

صمت قليلًا قبل أن يضع أصابعه بين خصلات شعره ويحركها بضيق "إنها تجعلني مشوش، الأمر وكأنها تقرأني... بل كأنها ترى أفكاري، إنها ترى أشياء لا أعرفها عن نفسي. مهما فعلت تظل تردد أنها لن تكرهني، أيوجد شخص عنيد بهذا الشكل؟ ثم اليوم... عندما نظرت نحوي تلك النظرة، لقد كانت مرتعبةً، واندر… عندما يحصل الشخص على قوة غير طبيعية ما سيشغل عقله أنه... شيء مذهل؟ أو كيف سيستخدمها في صالحه، ولكنها كانت خائفةً من كونها مجبرة على القتل! أهناك شخص قد يفكر بهذه الطريقة؟ و… هي لم تبعدني يومًا ومهما حاولت رمقي بنظراتها لا يمكنني رؤية كره حقيقي فيها، وكأنها غير قابلةٍ لحمل مشاعر الكراهية... مهما فعلت وأذيتها سأجدها تعود مجددًا، ستتشاجر معي ثم ستعاملني بشكل طبيعي ثم ستنظر نحوي بتلك العين وتلك النظرة ثم... اللعنة، واندر! أنا لا أفهمها".

ضرب رأسه بالبار بقوة وكتم صيحة يأس أراد الصراخ بها، ظلت واندر تنظر نحوه بابتسامة بسيطة قبل أن تضع يدها فوق رأسه وتمسح عليه وتقول بنبرة هادئة "لمَ لا تترك لها ولنفسك فرصة؟ توقف عن إبعادها! توقف عن معاملتها بجفاء كما تعامل الجميع، لا بأس إن اقتربت من شخصٍ ما قليلًا، لربما ستكون صديقة جيدة". 

رفع رأسه ونظر نحوها لتردف "لا أقول لك أن تحضر لها زهورًا كل صباح وأن تحكي لها حكاية قبل النوم، لكن توقف عن وضع قناع الحقارة معها، ألا تظن أنها تستحق ذلك؟".

زفر بضيق وقال بنبرة هادئة "أتتذكرين آخر مرة أدخلت شخصًا ما لحياتي ما قد حدث؟" عقدت حاجبيها لتلك الذكرى ورفعت رأسه قبل أن تضع كفها فوق وجنته وتقول "جلنار مختلفة، إنهما مختلفتان اختلاف الليل عن النهار أتريوس، وأنت لاحظت ذلك منذ اللحظة الأولى، كما أني أقول أن تجعلها صديقة ليس إلا، لن تموت إن جربت، جلنار لن تؤذيك".

"ماذا إن أذيتها أنا؟" 

نظرت لعينه وآلمها قلبها وهي ترى نظرة الخوف الذي يحاول تخبئتها بصعوبة "لن تفعل، أنا أثق بأنك لن تفعل". 

 

....

 

"انظري لعينَي هذا الشبح الميت وتحدثي بصراحة". 

دحرجت جلنار عينيها وقالت "ماذا تريد مني أن أقول، يوجين؟" وقف أمامها مكتفًا ذراعيه وبنظرة حادة قال "منذ متى أنتِ في علاقة معه؟ منذ متى تمثلون على الجميع حتى لا يشك أحد في أمركم؟ كيف أخفيتِ الأمر عني؟ لمَ لم تـ...".

"على رسلك قليلًا يا رجل! لقد قمت ببناء فيلم داخل عقلك في دقائق، عن أي علاقة تتحدث؟ لا شيء بيننا" اقترب منها وأصبح وجهه يقابل وجهها ونظر لعينيها لمدةٍ قبل يبتعد ويهمس "تبًا، لم ترمش حتى، إما أنها كاذبة ماهرة أو أنها لا تكذب". 

نظر ناحيتها مجددًا وأشار بإصبعه "لمَ كنتِ تحتضنينه إذًا؟" رفعت كتفها لوهلة ونظرت بعيدًا وهي تتذكر ما حدث قبل أن تقول بتردد "لا يمكن شرح الأمر بهذه البساطة، أعني… تعلم عندما تنجرف فجأة في لحظة وتفعل الكثير من الأشياء بلا تفكير؟ من الصعب تفسير الأمر بالكلمات، يوجين… لكن أتريوس ليس سيئا".

صاح "أها، هذه هي إذًا، أنتِ تحبينه؟" ارتفع حاجباها وقالت "من أين لك بهذا الاستنتاج بحق الله؟" زفرت وأغلقت عينيها قبل أن تدلك ما بين حاجبيها في محاولة تجنب صداع الرأس، فتحت عينها ونظرت ناحية يوجين وحاولت مجددًا بهدوء "يوجين، لا شيء بيننا... حرفيًا، منذ البداية وأنا لا أكره أتريوس ولكن لا يعني هذا أنني واقعة له، إنه في المنتصف، كشخص عادي يمكنه أن يكون صديقًا مع الأيام".

"الأصدقاء لا يرمون بعضهم من فوق المنحدرات ولا يصرخون في وجوه بعضهم كلما تقابلوا" قال بسرعة وكتف ذراعيه مجددًا "لم أكن أعرفه حينها، كما أن هذا هو سلوك أتريوس العدائي. يوجين، أرجوك تفهم الأمر، إنه يشبهني تمامًا وكأني أنظر إلى ما كنت أخشاه وأحاول إنكاره في ذاتي، أتذكر؟ تلك الفتاة التي تسمح للجميع بالتنمر والتعدي عليها؟ التي تتظاهر باللا مبالاة وتهرب من الجميع، أنا أقنع نفسي بأنني لا أهتم ولكني خائفة... كنت خائفة من أن يؤذيني أيًا يكن من سأقترب منه أو سيقترب مني" صمتت لوهلة ولعقت شفتيها وهي تنظر حولها بتردد.

"عندما يكون الأذى من شخص قريب منك يكون قاتلًا! كنت خائفة من أن أدع شخصًا يقترب مني ويؤذيني؛ لذلك أبعدت الجميع خشية من إيذاء نفسي ولكني كنت أموت يوميًا وأنا أنتظر شخصًا قد يتمسك بي كما فعلت ألسكا وكما فعل ديفيد"

أخذت نفسًا ونظرت لعين يوجين وقالت "الفرق بيننا أنني كنت أفضل إيذاء نفسي والابتعاد عن الجميع، وأتريوس يبعد الجميع بسلوكه العدائي، يدفعك لكراهيته، إنه يشعر بالأمان طالما أنك تكرهه لأنه لن يتورط معك! لكنه يقتل نفسه يوميًا… هل حاول أحدهم يومًا التحدث مع أتريوس على أنه شخص طبيعي بلا خوف أو حقد أو كره؟".

جلس يوجين ونظر لجلنار دون أي تعليق هجومي.

"أتريوس ليس سيئًا، أتريوس هو أنا، ولكنه أكثر عنفًا وخوفًا من الجميع، لا أحد يدري ما مر به وما يمر به، لا أحد يدري ما الذي حدث ليجعل منه هذا الشخص العدائي الذي نراه، يوجين. توقف عن الفزع، أنا حذرة فيما أفعل. لا شيء خاص بيننا، كل ما في الأمر أنني لا أمانع في أن أكون صديقة"

ظل يوجين ينظر ناحيتها لوهلة قبل أن يتنهد ويقول بهدوء "عندما تتحدثين عن الأمر من هذه الجهة فهو يبدو عقلانيًا نوعًا ما، ولكنكما كنتما تصرخان على بعضكما وفجأة ولا أعلم كيف؛ تبدوان بهذا القرب، هذا فقط غريب". 

أومأت جلنار وقالت "عندما يمتلئ بالون بالهواء لدرجة تدفعه للانفجار ماذا سيحدث عندما يجد منفسًا له؟ لا أحد حاول التحدث مع أتريوس من قبل، الجميع متعب والجميع يجد شخصا يربت على كتفه عدا هو، حتى واندر منشغلة بيننا، لفعلت الشيء ذاته إن كنت أنا مكانه".

زم شفتيه وزفر قبل أن يومئ بشبه اقتناع "ماذا عن الآن؟ ستتصرفان وكأن شيئًا لم يكن؟ أم أن الوضع سيكون غريبًا بينكما، أم أنه سيتغير بالفعل؟" نظرت جلنار بعيدًا قبل أن تغطي وجهها بكف يدها وتقول "لا أعلم، هذا محرج جدًا، خاصة أننا نتحدث عن شخص كل ما كان بيننا هو تبادل النظرات الحاقدة، أعني أن لا شيء بيننا بالطبع ولكن النظر لوجهه سيكون محرجًا، أنا فقط سأحاول الاعتماد على رد فعله وسأتصرف بطبيعية". 

ضحك يوجين وقال "الأحداث تصبح أكثر متعة، ولكن رغم ذلك خذي حذرك، ما زلت أظن أن هذا الرجل يخفي الكثير" أبعدت يدها ونظر ليوجين وقالت بامتنان "شكرًا لاعتنائك بي، يوجين" اتسعت ابتسامته وقال "أي شيء من أجل ابنة التوبازيوس". 

عقدت حاجبيها وكأنها تذكرت شيئا مهمًا وقالت "بالحديث عن هذا، لقد حدث أمر غريب اليوم يجب أن أخبرك به، ولكن أولًا علي لقاء أغدراسيل، تكاد الشمس تغرب، ثم علي التحدث مع رومياس، لا يمكنني تأجيل أمره لمدة أطول، وعلي الذهاب للسوق اليوم؛ فقد وعدت مونيكا بأنني سأطلب بعض الملابس، وعلي المرور على جولدامون؛ فلم أره من فترة، ولا ننسى هارليك، يجب أن أبحث في أمره، لابد وأن له حل ما".

كانت تعد تلك المهام على أصابعها ليقول يوجين "يمكنكِ اعتباري السكرتير الخاص بك لمدة، سوف نقوم بترتيب كل تلك الأمور ونفعلها واحدة تلو الأخرى" ابتسمت ليوجين ونهضت قائلة "سأذهب، لا أريد من أغدراسيل أن ينتظر" أومأ وقال "أتريدين مني المجيء؟" رفعت كتفها وقالت "أتريد ذلك؟" زم شفتيه وقال "لا، سأبقى، لن يسر الرجل إن علم أن هناك شبح يتلصص عليه" ضحكت وقالت "أنت تتلصص على الجميع، يوجين" دحرج عينيه وقال "حسنًا، توفيرًا للوقت سأحاول التحدث مع أمين المكتبة ذاك، علنا نساعد شبكة الراديو المتحركة تلك" نظرت نحوه بلوم وقالت "توقف عن السخرية من هارليك، إنه لطيف".

تحركت جلنار مسرعة حتى لا ينتظر أغدراسيل كثيرًا، عندما هبطت السلالم توقفت تنظر بحرص إن كان أحدهم هنا، خاصة أتريوس ولكن ما إن وجدت المكان فارغ ركضت للخارج بسرعة والتفت حول المنزل للقاء أغدراسيل.

لمحت هيئته واقفة وقد استند على جدار المنزل ويركل الأرض بقدمه بخفة، اتسعت ابتسامتها ولوحت له بعدما نادت باسمه، رفع رأسه بسرعة وابتسم براحة ما إن لمحها تقترب منه.

"أعتذر إن كنت قد تأخرت" قالت ليرفع كتفه ويقول "ظننتكِ لن تأتي" حركت رأسها بسرعة نافية وقالت "ما كنت لأفعل" نظر نحوها لفترة والابتسامة لا تفارق وجهه قبل أن ينظر للسماء ويتمتم "لم يفت الوقت بعد" عقدت هي حاجبيها وقالت "ماذا أردت مني أن أرى؟" التفت ناظرًا لها وتحرك قبل أن يقف أمامها وقال "كدت أقتلكِ اليوم لذلك سأقوم بتعويضك".

لم تفهم ما يقصد ولكنه لم يوضح أكثر، اقترب منها ووضع يدًا خلف كتفيها والأخرى أسفل ساقيها وحملها لتصرخ بفزع متمسكة به "ماذا تفعل؟" سألت ضاحكة وهي تنظر لوجهه ليفرد جناحيه ويقول مازحًا "أحاول إبهارك، تمسكي جيدًا".

تمسكت بقميصه جيدًا حتى لا تقع بينما حرك جناحيه ليرتفع عن الأرضية بسرعة، أصدرت صرخة يتخللها بعض الضحكات أجبرته على الابتسام "لن تقتلني وتضع جثتي في مكان ما، صحيح؟" تظاهر بالتفكير قبل أن يقول "تبدو فكرة مثيرة" ضربت كتفه قبل أن تنظر للعلو الذي يحلق فوقه وتُتَمتم "سأموت إن وقعت من هنا". 

"لن أفلتكِ، لا تقلقي"

لم تنتظر جلنار طويلًا رغم أنها لم تكن تمانع التحليق مع أغدراسيل أبدًا، عندما أبطأ من سرعة تحليقه نظرت لأسفل لترى ما سيهبط فوقه، كان جبلًا غلبه اللون الأخضر على علو شاهق، وقف فوق سطح مستوي وتركها لتقف بينما أمسكت به بقوة خوفًا من الوقوع.

نظرت نحوه وقالت "ماذا نفعل هنا؟" ظل يحدق في السماء لمدة وهو يتمتم "اقتربت" لم تفهم ما يرمي إليه ولكن ابتسامته اتسعت فجأة والتفت ناظرًا خلفها، تحرك وأمسك بكتفيها وأدارها وقال "هذا ما أردت منكِ رؤيته" التفت تنظر لما ينظر له لتتسع عيناها بصدمة.

كان منظرًا تراه للمرة الأولى في حياتها كلها، الشمس التي كانت الغيوم تبتلعها لتغرب ينطفئ نورها شيئا فشيئا، وعلى الجانب الآخر كان القمران شبه الشفافين على وشك الصعود وانتصاف السماء، أن تجتمع الشمس مع قمرين! كان هذا المشهد كفيلًا بإدماع عينها.

ظلت تراقب غروب الشمس وبروز القمرين بصمت دون ترك أي تعليق بينما ظل هو منشغلًا بمراقبة ملامح وجهها وتعبيراته التي أدخلت الراحة لقلبه؛ فقد أعجبها المنظر وربما جعلها سعيدة أيضًا. كان يأمل أن تنسى كل شيء خاص بالتدريب والحرب وكل ذلك الضغط الذي أصابها فجأة ويبدو أنه نجح في ذلك.

غربت الشمس وبرز القمران في السماء ليهمس بجوار أذنها "انظري، هناك مشهد آخر" أشار لأسفل لتنظر ناحية ما يشير إليه، كانت السُحب تنقشع مظهرة خلفها مركز الإلترانيوس. كان المكان مظلمًا بالكامل قبل أن تبدأ أنوار المباني تُضاء وتنتشر الأنوار في الشوارع بالتتابع لتقهقه بدهشة وهي تراقب تتابع إضاءات الطرق.

"هذا... هذا كان مذهلًا" تمتمت قبل أن تُبعد عينيها عن المملكة وتنظر ناحية أغدراسيل بامتنان "أنت لا تعلم كم احتجت لشيء كهذا" ابتسم وربت على رأسها كعادة اكتسبها مع الوقت وقال "في كل مرة تحتاجين فيها إلى فاصل بين كل تلك الضغوط أخبريني؛ سأمنحكِ واحدًا" نظرت نحوه لمدة قبل أن تحتضنه بقوة وهي تقهقه وقالت "أنا محظوظة بوجودك ضمن الفريق".

تجمد لثانية وشعر بقلبه يضرب بقوة وتنفسه يتوقف، ارتبك ولم يدرِ إن كان يجب عليه مبادلتها أم فقط البقاء كما هو، ولكنه لم يحارب إغراء ضم جسدها بين ذراعيه ولو لدقيقة؛ لذلك لف ذراعًا حول خصرها وربت بالأخرى فوق ظهرها وقال "سأكون دائمًا بجانبكِ".

ابتعدت عنه ونظرت لعينه وهي تحاول قول كلمات شكر أخرى له لكنها لم تجد شيئا مناسبًا لذلك قالت "لا يمكنني سوى التحديق بك كالبلهاء، أنا لا يمكنني شكرك بشكل مناسب حتى" أمسك بيدها ونظر نحوها بجدية وقال "أعتذر حقًا، ما فعلت اليوم كان شيئًا أحمق، لكنت قتلت نفسي تأنيبًا إن أصابكِ أذى بسببي، لكن كل مرة أرى معاملته لكِ بتلك الطريقة يغضبني الأمر بشدة".

نظرت نحوه لمدة قبل أن تقول بجدية "لمَ لا تحاول فهم أتريوس لمرة؟" عقد حاجبيه وقال "لم أفهم" نظرت بعيدًا عنه بتردد قبل أن تقول "أنه ليس سيئا كما تظن، أكاد أقسم أنكما ستكونان صديقين جيدين، فقط إن تفاهمتما" رمقها بنظر تبدو كـ 'أهذه مزحة؟' قبل أن يقول "أنا وهو؟ صديقان؟ جلنار، العالم ليس ورديًا كما يبدو لك" دحرجت عينيها ورفعت كتفيها قائلة "كما تريد، ولكن عليكما التوقف عن محاولة قتل بعضكما في كل مرة، تعلم أننا فريق، كيف سنقتل عدوًا بينما نحن أعداء لبعضنا البعض؟".

نظر نحوها لوهلة قبل أن يتمتم "تبًا، أنتِ محقة". 

اتسعت ابتسامتها وقالت "سأحادث أتريوس أيضًا بهذا الشأن ولكنك الأكثر عقلانية بينكما؛ لذلك أريد منك أن تتفهم وتحاول بجدية أن تنسجما معًا، حتى كمقاتلين لا زميلين. كلاكما يحتاج الآخر، أنتما من أقوى الفرسان بيننا وكل واحد منكما يغطي ثغرة الآخر في القتال لذلك لا أطلب ذلك فقط كصديقة؛ أطلبها كقائدة كليكما، كابنة التوبازيوس، حاول بجهد معه. صدقني أتريوس لا يكرهكم كما تظن".

لم يقاوم الابتسامة وهو يسمعها تتحدث بتلك الطريقة وللمرة الأولى لا تنكر ذاتها لذلك وجد نفسه يومئ تلقائيًا وقال "أمركِ أيتها القائدة" ابتسمت بينما هناك شعور قليل بالسعادة لسماعه يناديها بذلك اللقب.

أعادها أغدراسيل للمنزل مجددًا وعندما وقف كلاهما خلف المنزل نظرت جلنار للسماء وتمتمت "سأتأخر بالذهاب للسوق" نظر ناحيتها أغدراسيل وقال "السوق! أتريدين الذهاب للسوق الآن؟" أومأت برأسها وقالت "لدي بعض الأشياء لفعلها هناك" نظر للسماء المظلمة قبل أن يقول "سأوصلك" نظرت نحوه ضاحكة وقالت "ثم ماذا؟ ستعمل بدوام جزئي عندي كسائق؟" ضحك وقال "إن كنت سأعمل عند سيدة جميلة مثلكِ فلن أتذمر".

"إن كنت يومًا في جامعتي حيث أدرس، مع ملامحك المثالية تلك ولسانك المعسول صدقني لكنت محور اهتمام الفتيات منذ اللحظة الأولى" تظاهر بالتكبر وقال "لا أملك شكًا في هذا لكني سأكون أكثر رضى إن كنتِ واحدة منهن" ضحكت بصوت عالٍ وهي تتذكر تجنبها لجميع الأولاد في الجامعة.

"أنا منذهل، صباحًا مع أتريوس وليلًا مع أغدراسيل، إن كنت لا أعرفكِ مسبقًا لقلت أنكِ لعوبة من الدرجة الأولى" التفتت تنظر ليوجين الذي يسير نحوها وكادت ترد ولكن صوت أغدراسيل نبهها "أهناك شيء ما؟" قال ناظرًا إلى المكان الذي تنظر نحوه.

"لا شيء، ظننتني سمعت صوتًا ليس إلا" وقف يوجين بجوارها وقال "أوه، بالطبع يا عبقرية، كان ذلك صوتي" عضت شفتيها وحاولت الحفاظ على ابتسامتها كما هي دون أن تنظر ليوجين.

"هيا لنوصلكِ للسوق قبل أن يتأخر الوقت" أومأت ليحملها مجددًا ويفرد جناحيه، صفر يوجين قبل أن يُصفق ويقول "مارلين مونرو ما كانت لتتمكن من منافستك، من قال أن الشكل يهم" أخذت جلنار نفسًا وأرادت أن تنظر نحوه بحدة لتلك الإهانة ولكنها ستفضح وجوده أمام أغدراسيل.

كانت تلك مرتها الأولى في رؤية السوق من مسافة عالية عن الأرض وعندما هبط بها أغدراسيل أمام السُلم الخاص بسوق سكان الحدود قال "أتريدين مني أن آتي معكِ؟" حركت رأسها للجانبين وقالت "لا بأس، أحفظ المكان جيدًا" نظر للسلالم خلفها بقلق قبل أن يقول "سأنتظركِ لإعادتكِ إذًا" رفضت مجددًا وقالت "يمكنني العودة، ليست مرتي الأولى، أغدراسيل… كما أن هناك ما هو أهم ليشغل وقتك". 

"لا أظن أن هناك ما هو أهم" تمتم بصوت لم تسمعه جلنار قبل أن يعاود النظر ناحيتها بقلق ويقول "متأكدة؟" أومأت ودفعت كتفه قائلة "لا تضيع وقتك ووقتي، هيا" استسلم في النهاية ولكنه أخبرها أنها إن تأخرت سيعود لأخذها.

عندما ابتعد عن المكان التفتت تنظر ليوجين الذي كان ينظر نحوها منذ البداية كشخص ينتظر هذه اللحظة "أخبريني الآن يا ذكية، كيف ستعودين مجددًا؟" طرفت قبل أن تقول "كما نفعل عادةً" أومأ وكأنه يتحدث مع طفل لا يمكنه التفكير "وكيف كنا نعود عادةً؟" كادت تشتمه ولكنها توقفت ونظرت بعيدًا لتفكر قبل أن تعيد عينيها ليوجين "تبًا، كان هارليك من يعيدنا" أومأ مع ابتسامة كبيرة تدل على غبائها لتصفع رأسها وتلتفت تنظر حيث اختفى أغدراسيل وكأنه قد يعود.

"أتعلم ماذا! لنترك الأمر كما هو وليحدث ما سيحدث، لمَ علينا القلق؟" رفع كتفه وقال "إن كانت تلك جلنار التي تعيش في مانشستر لماتت فزعًا هاهنا" قلدته بسخرية قبل أن تمر من خلال جسده وتهبط السلالم للسوق.

ما إن رأتها مونيكا حتى انطلقت تعصر جسدها في عناق قوي ثم أغرقتها بسيل من التأنيب كعادتها لأن جلنار لا تأتي للسوق كثيرًا.

تحدثت كل منهما قليلًا بينما أعطت جلنار المزيد من تصاميم الملابس لمونيكا وفاجأتها الأخرى أن بعض الزبائن طلبوا تصاميم مشابهة عندما رأوا الملابس التي تخيطها لجلنار، ظل يوجين يتذمر قائلًا أن ثرثرة النساء لا تستهويه وظل يحاول إزعاج جلنار في كل ثانية.

ما إن خرجت من عند مونيكا حتى مرت على جولدامون الذي كانت ورشته ممتلئة بالزبائن كالعادة، تحركت بينهم بصعوبة حتى وصلت للفتى الذي يقف ويتعامل مع الزبائن وما إن رأى جلنار اتسعت ابتسامته وقد اعتاد حضورها الورشة مع هارليك. بحث بعينه عن الفتى قصير القامة وعندما لم يجده، سأل جلنار "ذو الشعر الأزرق لم يأتِ؟" حركت جلنار رأسها كإجابة ليومئ ويفسح لها الطريق لتدخل للورشة.

ابتسمت ما إن رأت جولدامون يعمل على سيف غريب الشكل وقالت "مشغول جدًا لتستقبلني؟" التفت متفاجئًا بوجودها قبل أن ترتسم ابتسامة ضخمة على وجهه يترك ما يشغل يده وينهض متجهًا لجلنار، ربت على ظهرها بخفة وقال "ظننتكِ نسيتِ طريقكِ إلى السوق" حولت عينيها إلى الورشة وقالت "لا يمكنني نسيان هذا المكان ولكن كنت مشغولة" أومأ بتفهم وقال "لابد أن الاعتناء بالفرسان لهو شيء صعب" دحرجت عينيها وتمتمت "لا تملك أي فكرة!".

لطالما فكرت جلنار بإخبار جولدامون عن حقيقتها؛ فهو أكثر الرجال عقلانية وإن وقعت في ورطة ما لن تتردد أبدًا في إخباره وطلب المساعدة منه ولكنها تمتنع كل مرة عندما تظهر فكرة داخل عقلها، لربما معرفته بهويتها سيسبب له مشاكل طائلة، فحتى العائلات النبيلة لا تعرف بوجود بشرية سوى أفراد عائلة كليسثينيس، ثم تتراجع عن الفكرة.

"لقد تغيرتِ" 

نظرت نحوه عندما قال فجأة، عاد ليكمل ما يعمل ولم ينظر إليها "ماذا تقصد؟" سألت ليضحك لوهلة قبل أن يلقي نظرة ناحيتها ويقول "أتذكر الفتاة التي جاءت مع واندر أول مرة، بدت كطفل ضائع بين الحشود ولكن الآن! نظرتك أصبحت أكثر ثباتًا" نفخ على السيف بين يده وأكمل "حركتكِ أكثر ثقة، وطريقتكِ أكثر حذرًا" وضع السيف داخل المياه ليبرد قبل أن ينظر نحوها ويقول "تبدين كمقاتلة". 

تجمدت لثانية بينما راقب يوجين الوضع باهتمام. "ربما استطاع الفرسان التأثير علي قليلًا" قالت وقد زيفت ضحكة سيئة، أخرج السيف ووضعه فوق الطاولة المعدنية وهمهم كرد.

التفت ثلاثتهم نحو طاولة الدفع التي تطل على السوق عندما سمعوا أصوات ضجيج عالية وبدت حركة الزبائن غريبة وأكثر توترًا.

نهض جولدامون ليتفحص الأمر وتبعته جلنار ومعها يوجين. خرج ثلاثتهم ليلاحظوا حركة غير طبيعية؛ فالبعض كان يحاول أن يجمع بضائعه ويغلق دكانه، والبعض الآخر كان يهرول لخارج السوق ولكن توقف كل شخص في مكانه عندما صدح صوت جهوري في المكان يأمر الجميع بالوقوف في مكانه.

تفاجأت جلنار باليد التي أمسكت معصمها وعندما التفتت لم تكن تلك سوى مونيكا التي كان القلق باديًا على وجهها "تعالي معي بسرعة لندخل لمكان ما قبـ..." توقفت وقد وقعت عيناها على شيء ما كان يتقدم وسط الزحام لتلعن تحت أنفاسها وتهمس "فات الأوان". 

لم تفهم جلنار ما يجري من حولها لذلك نظرت لومنيكا وسألت "ماذا يحدث؟ لمَ كل هذا التوتر؟" كان وجه مونيكا القلق يدل على شيء سيء، كانت نظرتها غير ثابتة بين وجه جلنار وبين الحشد الذي بدأ يتراجع شيئًا فشيئا. بدأت حركة الجميع تهدأ وهم واقفون ينظرون لذات المكان بقلق ورعب، وربما مزيجًا من الكره كان في نظرات البعض.

"ما الذي يفعلونه هنا؟" قال جولدامون من بين أسنانه بغيظ وهو يقبض كفه بقوة "استمعي إلي، مهما حدث لا تفعلي شيئًأ غبيًا ونفذي ما يطلبوه منكِ. جولدامون! لا تكن كالثور العنيد وتسبب المشاكل لنفسك، دعنا ننفذ أيًا يكن ما سيقولونه ليذهبوا عنا بسلام" قالت مونيكا بسرعة وهي تبدل عينيها بينهما ولكن لم ينظر نحوها جولدامون وظلت عيناه تحمل نظرة تشع بالحقد والكره ناحية ما لا تراه جلنار.

"هل سيخبرني أحدكم ما يحدث هنا؟" فزعت مونيكا من علو صوت جلنار التي ملت من حالة الجهل الذي يبدو أن لا أحد غيرها يعيشها.

"اخفضي صوتك، إنهم أفراد العائلة النبيلة، وجودهم بيننا لا يبشر بخير، فقط نفذي ما يفعله الجميع"

وقفت جلنار على أطراف أصابعها تحاول النظر لما ينظر الجميع حتى تمكنت من رؤيتهم أخيرًا، أربعة رجال يتقدمون ناحيتهم بينما يبتعد الناس عن طريقهم دون أن يجرؤ أحد على النظر في أعينهم، كان يتوسطهم شاب في مقتبل العمر بدا كرئيس العصابة أو القائد بينهم، وهناك اثنان يسيرون من خلفه، وواحد من أمامه يدفع أجساد الناس بقسوة عن طريق الفتى، الأمر أشبه بملك يمشي بين رعيته والجميع يخشاه.

"إنه ابن عائلة ألفن الأوسط، ذلك الفتى أكثر خبثًا من شقيقة الأكبر فلوريان ألفن، ماذا يفعل هنا؟ إلهي، دع هذه الليلة تمر على خير" صلت مونيكا بخوف بينما ارتسم الاستنكار على وجه جلنار؛ فما تراه أشبه بفيلم من العصور الوسطى؟

اتسعت عيناها وهي تتذكر الاسم الذي نطقته مونيكا، ألفن؟ فلوريان ألفن! ظلت تردد الاسم وفي كل مرة ترتسم صورة لرجل ذي شعر أشقر طويل ونظرات تحتقر الجميع، انه ذات الشخص الذي جاء مرة لمنزل الفرسان وهاجم كل من جوزفين ورومياس وهي، ولولا وجود أتريوس لقتلهم ربما.

صدح ذات الصوت الجهوري والخشن وهو يأمر الجميع بأن يخرسوا، وخلال دقيقة كان الصمت يحتل المكان ويمكن لجلنار أن تشعر بكف مونيكا التي تمسك بمعصمها باردةً كالثلج.

كان يمكنها أن ترى الأربعة رجال من هنا بشكل واضح، الشخص الذي يصرخ في الجميع ليصمتوا كان ضخم الجثة ذو ملامح قاسية ونظرة منخفضة، ينظر للجميع وكأنهم لا شيء سوى عبيد مسخرين لخدمته، الاثنين في الخلف بدا عليهما الاستمتاع والحماس لما سيحدث وقد ارتسمت ابتسامة خبيثة على وجه كليهما، كان هناك تشابه كبير بينهما وكأنهما توأم أو أنهما كانا كذلك بالفعل.

الشخص الذي من الواضح أنه شقيق فلوريان الأصغر كان يملك هالة من البرود والنرجسية، لم يكن ينظر لوجه أحد السكان حتى وبدا عليه الملل. شعر أشقر قصير وحريري وعينان زرقاوان غامقتان، كان وسيمًا للحد الذي يخبرك أنه من العائلة المالكة لا النبيلة ولكن تلك الهالة من حوله غطت على وسامته وقتلت أي ذرة إعجاب قد تكنها جلنار لشكله.

"فلينحني الجميع على ركبته أمام ابن عائلة هاووس ألفن، الابن الثاني من السلالة النبيلة ذات الدم النقي، السيد بنجامين خوليو هاووس  ألفن" لم يتردد أحدهم ولو لوهلة وهبط الموجودون جميعًا على ركَبِهم بدون اعتراض.

كانت جلنار مذهولة مما ترى وقد كان وجه يوجين مشابهًا تمامًا لوجه جلنار في هذه اللحظة، كل من في السوق انحنى عدا شخصين، أحدهما كان حدادًا عنيدًا يأبى الانصياع لهذا النظام والأخرى كانت في صدمة ولم يستوعب عقلها ما يحدث.

أجفلت بسبب يد مونيكا التي كانت تسحب يدها بقوة وتهمس "انحني أيتها المجنونة، أتريدين الموت؟"  نظرت ناحية مونيكا ببلاهة ولكن لم تترك لها مونيكا فرصة وسحبت يدها بقوة لتقع أرضًا وهي مجبرة.

"ألم تسمع ما أمرت به أيها الحداد؟" قال ذلك الرجل وهو يقف قِبالة جولدامون الذي لم تنخفض نظرته لثانية، رغم أن كِلَا الرجلين بدا ذا جسم ضخم إلا أن ذلك الرجل بدا في نصف حجم جولدامون، فقد كان الحداد طويل القامة بجوار عرض جسده.

"ألا ترى أني لم أنفذ ما تفوهت به؟" بدا الجميع قلقًا، بل وبعض النساء بالكاد تحاول منع نفسها من البكاء فزعًا. "كيف تجرؤ أيها اللعين؟" صرخ الآخر بهمجية وقد رفع قبضته في وجه جولدامون ولكن الآخر أمسك بها دون تحريك جسده وطحنها بيده ليقع أرضًا على ركبته وهو يصرخ بألم.

صوت السيف وهو يُسحب من غمده جذب انتباه الجميع، أحد التوأمين كان ممسكًا بفتى في الثانية عشر ربما وقد وضع حد السيف على رقبته "انحنِ بهدوء أيها اللعين، أتريد أن تُحمل بذنب المسكين؟" لم يكن يبالي ببكاء الفتى ولا محاولة الأم وهي تترجاه ليترك صغيرها وقد ركلها بقوة ما إن أقبلت لتقبل قدمه، كل ذلك على مرأى من عين جلنار التي كانت في صدمة مما ترى. مشهد كهذا رأته آخر مرة في فيلم تاريخي عن سنوات الاستعباد، ولكن ما تراه الآن لهو جنون بالنسبة لها.

كان يمكنها الشعور بمقدار الغضب الذي يشعر به جولدامون، كان من الصعب أن ترى رجلًا في كبريائه ينحني على ركبتيه مجبرًا وهذا قد أكد لها أن ذلك الرجل لا يُهدد فقط، بل أنه قد يُقبل على نحر الفتى!

نهض الضخم الآخر وحرك قبضته في محاولة لإزاحة الألم عنها قبل أن ينظر لجولدامون ويلكمه بقوة، كان الجميع يدرك أن جولدامون قادرٌ على قتله بيدين عاريتين، ولكن نحيب الصبي ووالدته كان كالأغلال التي تمنعه؛ لذلك قبض فكه ومسح الدماء عن شفتيه وحاول التحكم في أعصابه.

"ما لعنة هؤلاء المرضى؟" بدا وكأن يوجين يصرخ نيابة عن الجميع هنا، كان الصوت الوحيد الذي ظل يصرخ وهو يشتمهم ولكن لا أحد يسمعه سوى فتاة كانت ترتجف غضبًا.

"أين هو اللقيط المسمى بتراميون؟" كان صوت بنجامين ذاك مناسبًا تمامًا لهيئته الباردة، صوتًا خاليًا من أي نبرة تحمل معنى التعاطف.

لم يتحرك أحد ولم يجب أحد؛ لذلك تحرك أحد التوأمين بين الحشد وقد ركل البعض بقدمه قبل أن يمسك بفتاة شابة وقد جر جسدها وهو يسحب شعرها، علا صوت بكائها ونحيب والدتها التي حاولت الإمساك بقدم ابنتها لعلها تنجدها.

"أيها اللقيط! أتعرف ما الذي قد نفعله بشقيقتك الحسناء؟" صرخ أحد التوأمين ذو الشعر الأحمر.

اندفع شاب راكضًا من بين الجميع وقد حاول لكم الفتى الممسك بشقيقته ولكن كل ما حدث أنه تعثر ووقع أرضًا أمام قدم بنجامين لينفجر ثلاثتهم ضحكًا وترتسم ضحكة ساخرة على وجه بنجامين.

رمى الفتاة أرضًا لتسحبها والدتها بين ذراعيها بسرعة بينما حاول الفتى النهوض عن الأرض ولكن قدم بنجامين داست على رأسه وقد أجبرته على البقاء مستلقيًا في ذلك الوضع المخزي.

"أتظن أنه بإمكانك مساس أحد رجالي دون حساب؟" نطق ببرود وقد رفع قدمه عن رأس الفتى قبل أن يدوس عليه مجددًا بقوة ليرتطم أنف الفتى بالأرضية وتُكسر أنفه.

نهض جولدامون لا إراديًا بغضب ولكن صراخ الصبي الذي جرح السيف عنقه أجبره على البقاء أرضًا كما هو.

"دع والدتي وشقيقتي واقتلني إن أردت" قال الفتى المسكين بصوت يكاد يُسمع لينظر له بنجامين بهدوء ويتنهد وخلال ثانية ركل وجهه بقوة ليبصق الفتى الدم مع بعض الأسنان التي تحطمت "لا تخبرني بما علي فعله أيها اللقيط" نبرته الخالية كانت تضرب رأس جلنار وتزيد الغضب داخل صدرها.

"هذا كثير" تمتمت ولم يسمعها سوى يوجين الذي نظر نحوها وقال "أنا أخاف عليكِ وأحاول مساعدتكِ دائمًا، ولكن إن كان هناك شيء تفكرين في فعله مهما كان غبيًا فأنا أدعمك وبقوة" نظرت نحوه وقد امتلأت عينها بالغضب وعضت شفتيها وتحركت يدها تلمس المقبض المعدني في جيب بنطالها.

رفعت عينيها نحو ما يحدث وشعرت بأنفاسها تتوقف وهي ترى بنجامين ذاك يضع قدمه فوق حلق الفتى وقد حول يده بالكامل لشعلة من النيران.

في الثانية التي انخفض وقد قرر تشويه وجه الفتى نهضت هي بسرعة وسحبت مقبض المسدس من جيبها، فتحت صمام الأمان وضغطت الزناد بلا تردد.

أربع طلقات في ثانية لم تُخطئ فيها تصويب واحدة، أصابت يد الفتى الذي يضع حد السيف فوق رقبة الصبي وأصابت قدم توأمه ليقع أرضًا وهو يصرخ بألم وطلقتين أخيرتين في قدم الرجل الضخم لتستطيع إصابته قبل أن توجه فواهة المسدس ناحية رأس بنجامين الذي تجمد في مكانه وتصيح بصوت غاضب "أبعد يدك اللعينة عن الفتى!" 

"هذه هي فتاتي أيها الملاعين!" صرخ يوجين محاولًا إخراج بعض من شعور الغضب الذي يتملكه.         

كان الجميع في حالة من الذهول والفزع بسبب صوت الطلقات النارية المفاجئ. استقام بنجامين ببطء والتفت ناحية جلنار قبل أن تتفحص عينه رفاقه الواقعين أرضًا وكل واحد منهم يأن ويلعن بألم.

"أنت لا تريد من هذا أن يصيب رأسك! لن تتمكن من فتح عينيك مجددًا" جذبت انتباهه ليلتفت ناحيتها وقد بدل عينه بين وجهها وبين فواهة المسدس بين كفيها.

"من أنتِ؟" سأل ببرود وقد أطفأ شعلة النيران حول يده "لستُ الطرف المجبر على الرد هنا، خذ رفاقك الملاعين وارحل من هنا" بينما جلنار مشغولة مع بنجامين ذاك نهض الرجل الضخم وهو يقاوم ألم قدمه اليمنى وتهيأ لقتل جلنار، ولكن جولدامون لم يترك له فرصة وهو يلف ذراعه حول عنق الرجل ويجبره على البقاء فوق الأرض.

أطلق بنجامين ضحكة ساخرة وخالية من الفكاهة قبل أن يقول "لقد ظننا أن موهبتك في صناعة الأسلحة لن تشكل خطرًا علينا، لكن أن تبيع غريبةً سلاحًا أراه للمرة الأولى... هذا سيء" عضت جلنار بقوة على لسانها لكنها لم تستطع المقاومة وقالت "الشيء السيء هنا هو أنني سأضع طلقة في مؤخرتك إن لم تلتفت وتخرج من هنا".

الكثير من أصوات التعجب والتفاجؤ صدرت من الجميع وكل شخص فيهم كان يحاول إلقاء نظرة على وجهها عله يتعرف على تلك الفتاة التي إما أنها شجاعة بشكل كبير أو حمقاء تريد الموت.

زفرت جلنار وحاولت التفكير بعقلانية، النمط الهجومي مع الأشخاص أمثاله لا يجدي نفعًا غالبًا لذلك رفعت يديها كعلامة استسلام وقالت ضاحكة "اسمع يا هذا، لست عاشقة للعنف بتاتًا، دعنا نتحدث كبالغين. ألا تظن أن ما تفعله سيضر عائلتك؟ ألا يفترض أنكم العائلة النبيلة الأقوى؟ ماذا سيحدث إن علم أحدهم بما أحدثته من فوضى اليوم؟ خاصة العائلة الملكية؟ في خضم هذه الظروف يقوم ابن العائلة النبيلة بإثارة الفوضى بين الأشخاص الذين أحضرتهم الأميرة بنفسها لهنا... أتعرف ماذا سيقولون عنكم؟".

صمتت وهي ترى لمحة من الاهتمام الجاد في عينيه لتقول لنفسها 'بينغو، لقد أصبته' لذلك أكملت "سيُقال عنكم عائلة من الهمج. أي عصر تظن أنك فيه؟ لقد ولى عصر الاستعباد على ما أظن، أنا أعرف أخيك وأعرف أي نوع من الأشخاص الملاعين تكونون، أتريد أن يلوث اسم ألفن في ظروف كهذه؟ ومن أجل ماذا؟ أحد رجالك! أتهتم حتى بهم؟".

صمت مر بينهما كأنه دهر. كانت جلنار تلعب على الناحية النفسية وقد حاولت استعمال كل معرفتها السابقة بلغة الجسد حتى تعطي انطباع بالهدوء والثبات والخبث في حديثها ونبرتها ونظرتها وحتى طريقة وقوفها وإيماءات يدها ورأسها.

حاولت تذكر كل تكنيك يستعمله أتريوس ليظهر كالحقير البارد وكبحت ثورة الغضب التي كانت تصرخ داخلها بـ 'اطلقي النار على رأسه اللعين وخلصي المجرة منه!'

ارتسمت ابتسامة ذات معنى على وجه بنجامين وتقدم بجرأة ناحية جلنار قبل أن ينحني نصف انحناءة ويمد يده ناحيتها، بدلت عينها ببرود بين يده وعينه ليقول بنبرة لبقة "لا أضمر الشر صدقيني" إن لم تضع يدها في يده ستهتز صورة اللا مبالاة التي تضعها؛ لذلك وضعت يدها الحرة بكف يده والأخرى تمسك بالمسدس وتُصوبه ناحية رأسه.

قبل يدها بخفة قبل أن يستقيم بنظرة خبيثة ويقول "اعذريني، كان علي الملاحظة أنكِ لستِ من سكان الحدود منذ البداية، ألست محقًا؟" تملك جلنار شعورا بالقرف ورغبة في غسل يدها مليون مرة ووضع كيس ما حولها حتى لا تمس طعامها وملبسها باليد التي قبلها.

عندما لم تعطه جلنار إجابة وظلت تحدق به ببرود قال "المشكلة هي أنني لا يمكنني أن أحزر من أي قوم أنتِ، لدي شعور قوي بأن الأنسة ستفاجئني يومًا ما" ضحكت ساخرة وقالت "سأحرص على ألا أرى وجهك بيوم آخر ولو بالصدفة" اتسعت ابتسامته وقال بنبرة غريبة "أنتِ حقًا تعجبينني، كم أتمنى لو آخذكِ معي للقصر، فأتمكن من التعرف عليك بشكل أفضل" حاربت جلنار شعور الاشمئزاز والرغبة في التقيؤ بينما ظل يوجين يكرر بجوارها "ضعي الطلقة بين حاجبيه، ضعي الطلقة اللعينة بين حاجبيه!".

"أظنك ستعود خائب الأمل، فلا نية لي في مرافقتك". نظرت ناحية الجميع قبل أن تصيح بقسوة "فلينهض الجميع من على الأرضية حالًا!" كان هناك شيء ما يشفي غليلها في جعلهم واقفون في حضور شخص يظن أن الجميع يجب أن ينحني له.

بدا التردد على البعض ولكن ثلاثة أو أربعة منهم نهضوا على أقدامهم، تملكها الغضب لكمية الجبن التي تراها لذلك أطلقت طلقة في الهواء أفزعت الجميع وجعلت بنجامين يأخذ خطوة حذرة للخلف.

"الجميع على قدميه، الآن!" 

كانت نبرتها الآمرة لا تعطي مجالًا للنقاش أو التردد فبدأ كل منهم ينهض واقفًا حتى أصبح الجميع على قدميه. نظرت ناحية بنجامين وحاولت قدر الإمكان أن توحي له بأن هذا السلاح هو أبسط ما تملك وأنها أقوى من ذلك لدرجة تجعلها باردة في أجواء متوترة كهذه وقد نجحت في ذلك.

"سعيدون بزيارتك لتفقد أحاول الجميع ورحلة آمنة لمنزلك" قالت وهي تعيد تصويب المسدس لرأسه وتدعو الرب بأن ينسحب؛ فقد تذكرت الآن أن المسدس كان محشوًا بخمس طلقات، أربعٌ أطلقتهم على رجال بنجامين والخامسة كانت في الهواء للتو.

"لكني أصر على مجيئك معي" حاولت منع التوتر من أن يظهر عليها وتماسكت قائلة "أظهر رفضي لطلبك بكل وضوح" النظرة التي كان يرمقها بها جعلتها تعرف أن هذه لن تكون المرة الأخيرة التي تراه فيها.

"أمنحكِ فرصة أخيرة للمجيء مـ..."

"ظننت أن من أخلاق النبلاء أن ينحنوا معتذرين عند رفض أي سيدة لعرضهم" خانتها تعابير وجهها في اللحظة التي سمعت فيها صوته وهو يقترب ليقف خلفها، ظهرت الراحة على ملامحها وقد شعرت ببعض الأمان في هذه اللحظة.

تبدلت نظرة بنجامين لأخرى تكن حقدًا واضحًا حاول تخبئته بنظرة باردة وساخرة وقال "دائمًا ما تأتي للحفل متأخرًا. أنت محق، أعتذر أيتها الآنسة، أتمنى ألّا يكون لقائنا الأخير" كادت تبصق على وجهه ولكنها حافظت على هدوئها.

"سأحرص على إرسال سلامك لأخي الأكبر، أتريوس فلورمان" قال موجهًا حديثه للواقف خلف جلنار قبل أن يلتفت عائدًا من حيث جاء وقد تبعه رجاله الثلاثة بصعوبة وهم يرمقون الجميع بحقد واضح.

ظل الجميع يحدق نحو ظهور الرجال الأربعة حتى اختفت وابتعدوا عن مرمى أبصارهم. كان الجميع يحاول استيعاب ما حدث قبل قليل إن كان ذلك حقيقة أو مجرد حُلم! هناك من وقف في وجه أقوى العائلات النبيلة؟ كان الجميع يتبادل النظرات المذهولة قبل أن تتحول جميعها لجلنار.

في تلك اللحظة صاحت جلنار وهي تأخذ نفسًا عميقًا وصرخت "ابن العاهرة، من يظن نفسه بحق الله؟ عليك اللعنة يا شبيه هتلر!" 

انفجر يوجين ضحكًا في هذه اللحظة وهو يشعر أن العدالة أخذت مجراها مع أنه يؤمن أنه كان من الأفضل وضع الرصاصة في منتصف رأسه.

زاد الجميع حيرة ودهشة من تلك الفتاة الغريبة بينهم، تداركت جلنار مشاعر الغضب وركضت ناحية الفتى الملقى بين يدَي والدته وقد تلطخ وجهه بالدماء، أمسكت برأسه بحذر هي تعاين كمية الضرر التي سببها ذلك الشيطان قبل أن تنظر حولها وتقول "أحتاج مياهًا دافئة ومناشف وأدوات الإسعافات الأولية" ظل الجميع يحدق بها ويتبادلون النظرات دون أن يتحرك أحدهم.

"ماذا تنتظرون بحق الله؟ أن ينزف حتى الموت؟" صوت صراخها أفاق الجميع وقد أجفل بعضهم وبدأت الحركة تعود بينهم فقد ركض بعضهم في محاولة لتلبية طلباتها وظل البعض يشاهد ما يحدث وانحنى البعض يحاول الاطمئنان على الفتى.

كانت والدته تبدل أنظارها بين إصابة ولدها ووجه جلنار وهي تفتح فمها وتغلقه أكثر من مرة وبالكاد تجد كلمات تخرجها، تجاهلت جلنار جميع الحديث من حولها سواء أكان موجهًا لها أو عنها وحاولت بقدر الإمكان معالجة وجه المسكين.

أنهت محاولتها في إيقاف النزيف وإعادة أنفه لحاله مجددًا قبل أن تنظر لوالدته وتنصحها بأخذه لطبيب مختص لأن ما فعلته كان مؤقتًا حتى لا يزداد الضرر. عندما همت لتقف أمسكت المرأة ذراعها واحتضنت جسدها بقوة وهمست بجوار أذنها "لا أعلم من أنتِ ولما فعلتِ شيئًا جنونيًا كهذا ولكن أنا وابنتي وولدي مدنين لكِ بحياتنا" ربتت على ظهرها بخفة وتوتر وقالت "اعتني بهم جيدًا" قبل أن تبتعد عنها وتلتفت ناحية أتريوس.

"إما أنكِ مجنونة أو مجنونة" نظرت ناحية جولدامون القادم في تجاهها لتقول بصوت لا يسمعه سوى أتريوس "أيًا يكن ما ستفجره في وجهي قله عندما نكون وحدنا؛ فلا أحد يعلم أنني من الفرسان". 

تعدت جسده واتجهت لجولدامون الذي قال "أنتِ لستِ من سكان الحدود، أليس كذلك؟" نظرت نحوه لوهلة بصمت قبل أن تنظر بعيدًا وتحرك رأسها نافية "ولستِ قريبة واندر؟" حركت رأسها مجددًا بـلا "من تكونين بحق الإله؟" نظرت هذه المرة لعينيه وقالت "لا أعلم إن كان بإمكاني إخبارك، سيد جولدامون" أومأ بتفهم وقال "ألم أقل أنكِ صندوق من المفاجآت؟" لم تمتلك سوى أن تبتسم وتستأذن لتعود للمنزل.

منعتها مونيكا من التحرك وقد أمسكت كتفها وقالت "لا أحد يملك جنونًا يضاهي جنون ما فعلته اليوم أيتها الفتاة، لن يتوقف هذا اللعين عن اللحاق بكِ وتحويل حياتكِ إلى جحيم حي. اعتني بنفسكِ أرجوكِ، لا أعرف ما علي فعله في موقف مماثل ولكني سأقول أني لي الشرف بمعرفة مجنونة مثلك" اتسعت ابتسامتها وأمسكت بيد مونيكا وقالت "توقفي عن الانحناء بالمرة القادمة". 

أخذت خطوة للخلف وأومأت برأسها كوداع ولكن لم يمنحها أتريوس وقتًا للمزيد من الحديث لأنه أمسك بمعصمها وجرها خارج السوق، بينما تمر بالأشخاص الذي يحدقون بها، كان بعضهم يشكرها والبعض الآخر يهنئها على شجاعتها وآخرون يتجنبونها خوفًا من بطش العائلة النبيلة بهم.

ظل أتريوس يسحبها خلفه دون أن ينطق بكلمة وهو يشق طريقه بين الأشخاص حتى دخل إلى زقاق قديم وفتح بابًا متهالكًا في جداره ليظهر أحد الأنفاق السحرية التي تقود لمنزل الفرسان.

لمحت جلنار العقدة بين حاجبيه بسبب إضاءة المشاعل المنعكسة على وجهه ولكنها آثرت الصمت على التعليق.

وقف فجأة عن السير وترك معصمها قبل أن يمسح وجهه ويزفر ثم يقول "فيمَ كنتِ تفكرين؟" أخذت نفسًا وهي تستعد لشاجر آخر قادم بينما يوجين يقف كالمتفرج بينهما يراقب أين سيصل الحال بهذين الاثنين.

"ماذا تقصد؟" 

"أقصد الوقوف في وجه أحد النبلاء، ومن؟ اللعين بنجامين ألفن، ألم تجدي شخصًا غيره؟" 

أخذت عدة خطوات ووقفت أمام وجهه وقالت "ألم تكن لتفعل الشيء ذاته؟" نظر نحوها بغضب وقال "أنا وأنتِ شيئان مختلفان" ارتفع حاجباها وقالت "لا، لسنا كذلك. ربما أنت قادر على الدفاع عن نفسك جيدًا وتحمل قوة غير طبيعية ولكن إنسانيتي تدفعني لقتل نفسي على أن أقف كالمتفرجة أمام تلك المهزلة".

"اللعنة على إنسانيتكِ، جلنار! أتعرفين ما قد يفعل ذلك المخبول بكِ؟ لقد أصبتِ ثلاثة من أفضل رجاله" 

أخرجت ضحكة ساخرة وقالت "هل كنت لتبالي؟ ألم ترَ هؤلاء القوم؟ لقد كان يتم إذلالهم، أتعرف شعور أن ترغب في التحرك ولكنك المغلوب على أمره، عندما يكبلك الجُبن وأنت ترى عائلتك تموت أمام عينيك؟ أتعرف شعور أن تقف متفرجًا وغير قادرٍ حتى على الصراخ والاستنجاد بأحدهم؟".

"أعرفه جيدًا، جلنار!" صرخ بقوة في وجهها لتصرخ به في المقابل "إذًا لا تملك الحق للومي، لا تملك الحق لإخباري بأني كنت مخطئة؛ لأن هؤلاء الأشخاص احتاجوا لشخص واحد فقط ليعترض عما يحدث ويصرخ عوضًا عنهم!". 

انقبض فكه وحاول كتم غضبه لذلك كور قبضته لاكمًا الجدار بجواره لتترك أثرًا في الجدار.

"من طلب منكِ أن تكوني ذلك الشخص؟"

قال من بين أسنانه لتلوح بيدها بغيظ "لا أحد، ولا أريد من أحدهم أن يطلب ذلك! هؤلاء الأشخاص احتاجوا لأمل بسيط. ما رأيته اليوم كان من أقبح المشاهد في حياتي، أتريد مني أن أنتظر من شخصٍ أن يطلب مني أن أكون بطلة لعينة؟ أمتلك شيئًا لعينًا يسمى بكبرياء، لا يسمح لي بمشاهدة إذلالٍ كهذا والبقاء مختبئة كالجبناء، هناك شيء يسمى غضب". 

"أنتِ لا تعرفين هؤلاء الناس، لم تعيشي بينهم كما فعلت أنا، لا أحد منهم يعني شيئًا لكِ لتخاطري بحياتكِ على هذا النحو"

"بحق الله، أتريوس!" صاحت متذمرة وهي تسير خطوات بعيدًا عنه قبل أن تعود وتشير نحوه قائلة بغضب "لا يجب علي معرفتهم، لا يجب علي العيش بينهم، لقد رأيت رعبًا في عيني تلك المرأة لم أرَه من قبل وكان هذا كافيًا بالنسبة لي، لا أحتاج لأن أكون بينهم للدفاع عنهم، ألستَ منهم؟ أقل ما يمكنك فعله هو شكري! أعلم... أعلم ما فعلته كان اندفاعًا وجنونًا وانتحارًا ولكن ماذا تريد مني أن أفعل؟ أخبرني شيئًا واحدًا كان يجدر بي فعله عوضًا عما فعلت".

ظل يحدق بعينيها التي انعكس ضوء اللهب عليها فزاد بريقها الغاضب، كانت محقة لوهلة... لم يجد شيئًا كان يجدر بها فعله عوضًا عما فعلته، ورغم ذلك ما كان يجدر بها المخاطرة.

عندما طال صمته أنزلت أصبعها التي كانت توجهه نحو وجهه والتفتت لتتوجه ناحية الباب المقابل بصمت.

تحرك بسرعة بلا تفكير وأمسك بمعصم يدها ليديرها ناحيته، نظرت نحوه بملل وقالت "أهناك شيء آخر يجب أن يتم تأنيبي عليه؟" حرك رأسه للجهتين واقترب قبل أن يربت على رأسها ويقول: 

"أحسنتِ، كان جنونًا ستكون آثاره سيئة علينا ولكنك أظهرتِ شجاعة تليق بك"

تصنمت في مكانها وظلت تحدق به دون أن تطرف لثانية، ابتلع ونظر بعيدًا عنها وحاول إخفاء ارتباكه بنبرة باردة كعادته وقال "توقفي عن التحديق كالبلهاء، ليس الأمر وكـ...".

"قلها مجددًا" 

قاطعته بسرعة وهي تنظر نحوه برجاء وذهول، عقد حاجبيه وترك معصمها وقال "احلمي بذلك" ارتفع حاجباها وقالت "بحق الله لا تكن بغيضًا، قلها مرة واحدة، لن تؤذيك!" اقتربت منه بحماس ليدفع رأسها بإصبعه ويمر بجوارها متجاهلًا نظرتها.

"لا تذهب هكذا، أرجوك عدها مرة واحدة فقط… لا تقل الجملة كلها، قل الكلمة الأولى فقط، سأكون راضية بها، لا تكن سخيفًا" 

دخل للمنزل وقد تركها تتذمر خلفه ولم يستطع كبت الابتسامة التي ارتسمت على وجهه وهو يصعد لغرفته.

ما إن اختفى عن ناظريها قفزت ونظرت ليوجين قائلة "لقد سمعت ما قاله، صحيح؟" حدق يوجين بها ثم بالباب المفتوح حيث مر أتريوس منذ ثوانٍ وأعاد الكرة أكثر من مرة قبل أن ينظر لجلنار ويقول: 

"من هذا الرجل بحق الله؟"


***********************************

هالوووووووووو

الحدث الي 90 في الميه من القديمين مستنيونه اخيرا ظهر

بنجامين ألفن افتكروا الاسم كوييييس

الشخص ده هيأثر معانا بعدين 

او يمكن لا !!

الله اعلم

جلنار واتريوس عايشين حاله من الإنكار والاحراج والاستغراب بين بعض وانا الصراحه عيزاهم يرجعوا يتخانقوا تاني 

انا خدت اتفاق مع نفسي

العذاب الي هتعمله فيا الجامعه هطلعه على الشخصيات 

ولا عزاء لأحد 

فان شاء الله تنجوي بالفصول

لوف يو 

باي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

36 تعليقات

  1. فيييرست ❤️❤️❤️❤️ رمضان كريم

    ردحذف
  2. ❤️❤️❤️😍😍🦋🦋

    ردحذف
  3. ❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  4. الحماس ماله نهايه

    ردحذف
  5. احححح عنجد كفو يا بنتي اشفت غليلنا في عائلة الفن الأوغاد

    ردحذف
  6. لييه بجد بيخلص😭😭♥️

    ردحذف
  7. ياخي جلنااار كفووووو وربي فخرر
    +اتريوس المنقذ 🔥🔥
    الحين هذا البنجامين له فانز منجد🙂؟؟؟

    ردحذف
    الردود
    1. هههه يب اكيد انا وحدة من فانز بانجامين الفن الامر و ما فيه انه يحتاج بعض التعديل الذي ستتكفل به جلنار ليصبح شخص يخدم مملكته بعبقريته😌✨

      حذف
  8. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  9. اول شي رمضان كريم حلوتي سرو ثاااني شيييي لو تشوفيني شلون ركصت من شفتج منزلة بارت ياخي انت مصدر سعادتي وربي يعني انتي مصدر سعادة لشخص يومه صعب وجان كئيب وباجر عنده امتحان ويمر بضغوط لكن انتي تخففين علي اسرائي احبج ربي يوفقج ويسعدج بحق محمد وال محمد اتمنى تستمرين كليوم هيج وربي تسعديني متصدكين شكد ادعيلج بالتوفيق ياخي احبجججح اعشقججج اذوووب بيججج حلوتي انتي

    ردحذف
  10. هو انا الوحيده اللي لاحظت فرق السرد بعرف انك عنجد تعبتي وجد ذا شي تشكري عليه بس حاسه في فرق طبعا كل الطريقتين حلوه بس في البدايه حسيت غريب بس الحين تعودت يعني قبل كنتي تكتبي كأنك جلنار بس ذا الفصل كأنك الكاتبه هو انت عنجد الكاتبه بس ... مني عارفه اشرح بس على كل حال الله يعطيك العافية 🫡🫂

    ردحذف
    الردود
    1. صح معاك حق هاد البارت من وجهة نظر الكاتبة مو متل ما متعودين السرد يكون على لسان جلنار ، ممكن لانو البارت بدا بحوار بين اتريوس و واندر ثم انتقل لبين جلنار ويوجين ، على كل حال السرد رائع في الحالتين

      حذف
    2. أزال المؤلف هذا التعليق.

      حذف
  11. الفصلل ناااار اخخ كتير حلو
    حاسة انو بنجامين رح يصير معون آخر شي ويساعدها ضد النبلاء

    ردحذف
  12. بحب الحدث دا اوى بالذات لحظه صدمه بنجامين و المسدس بيتحرك و يثبت عليه 🥺😂😭♥️

    ردحذف
  13. انا حاسه انو البارت صغير 😭
    أو انا اللى مش بحس بالوقت

    ردحذف
  14. رمضان كريم ياقلبي
    بارت فوق الروعة والجمال بجد تسلم ايدك يا إسراء بس الفصول القادمة أروع

    ردحذف
  15. بعتقد حماس القراء القدامى اكثر من حماس المتابعين الجدد، بالرغم من انو عارفين الاحداث بس مرور وقت كتير عليها يخلينا نريد نتذكرها ونتحمس لوصول مشاهد محددة - صراحة كل لكل المشاهد- 😍😍😍😍

    ردحذف
  16. انا حرفيا معدتش قادرة اصبر اكتر 😫😫😫

    ردحذف
  17. اخيييراااااا ظهر زوجي حبيب قلبييييييي بينجامين 😭🦋

    ردحذف
  18. حمااااااااس 🔥🔥 والفصول القادمه بعد حماااس اكثر

    ردحذف
  19. وعععع جلنااار كفووووو 🤩 كل الوقت وانا اصيح من الحماس بالبارت 😭😭

    ردحذف
  20. هو أيوة متحمسين لظهور بينجامين بس أنا أنتظر الحلو الطفولي أبو عيون خضراء لمن يخترق بث الألتيرانوس 😔😔💜💜💜اسمه اللطيف حرق لذلك ننخرس وننتظر.
    +يجماعة حد غيري متأزم من مشاعر أغدراسيل، وربنا حزيينة عليه للأبد، خلي الحرب تكمل وهاتوه أنا احتاجه 😭😭💜💜

    ردحذف
  21. 😭😭اسراء لو تحاولين تخلين صور شوية للرواية تعزز خيالنا

    ردحذف
  22. حبيبي اغدراسيل تعال اني احبك😭😭😭😭😭😭😭

    ردحذف
  23. لا تعطي اغدراسيل امال زائفه 😔💔

    ردحذف
  24. في الصباح اتريوس و في المساء اغدراسيل، فتاة لعوب، ببكي يوجين جابها صح😭😭، و اخيرا اللقاء المنتظر و ظهور بنجامين، لحظة صراحة بحب بانجمين رغم انه حيوان و حقير و عاوز الحرق و بفرح لما بياخد على دماغه بس بردو بحبه بالنسبة للتوأم بقى فانا بحبهم رغم بردو انهم حقراء و عاوزين الحرق و الضرب و كل ما هو سئ بس بحبهم يجماعة يساهلوا علشان توأم و واحد شعره احمر و توأم كل الاسباب تؤدي الى حبهم😭😭، بالنسبة بقى للواد الرابع ابو جته ضخمة دا فدا بقى مش بحبه علشان يستاهل الحرق و الخنق و كل حاجة هم كلهم يستاهلوا بس دا معندوش حاجة تشفعله او انا عنصرية من الاخر، شكلي عامل ازاي و انا بعنصر على الواد😭😭، يلا مش مهم اتريوس في الاخر يخي بجد هتموت لو قلتلها احسنتِ تاني ما تبرد نارها و نارنا يا اخي مرة ببكي حقيقي😭😭، في انتظار لقاء بنجامين و جلنار التاني، بجدد حبي للرواية و البارت و اسراء بس كده 💕💕💕

    ردحذف
  25. رمضان كريم للجميع
    احداث هالفصل برز جلنار وكلنه متحمسين لظهور بنجامين رغم انه شرير بس كلنه نحب الاشرار 💜

    ردحذف
  26. نسونسرنطريهيرهرسهس الفصل رهيب رهيب رهيب!

    كل فصل اقراه اقول هذا فصلي المفضل! يجي الي بعده يقولي متأكدة؟
    -
    اممم حوار ونادر واتريوس بالبدايه ؟🤔 مين الي كان مدخلها لحياته؟ عن مين يتكلموننن الفضوولل يقتلل
    -
    "أتريوس، انظر إلي، ماذا حدث بينكما؟" _ واندر
    "انظري لعينَي هذا الشبح الميت وتحدثي بصراحة". _ يوجين
    مافي فرق 😭
    -
    اغدراسيل يججنننن😭!!💓 لما اخذ جلنار وطار فيها والمكان الي اخذها له ووصلها للسوق وكل شي يايي
    وحضنهم لطيفف 💗
    -
    "أنا منذهل، صباحًا مع أتريوس وليلًا مع أغدراسيل" يوججييينننن😭😭 قتلني ههههههه

    جلنار بلايرر بس مين يلومها؟ هذول اتريوس واغدراسيل محد يلومها افكورس!
    -
    يعععع بنجامين!! كريه غثيث غثيثثث! ادعم خطة يوجين بصراحة
    وادعم تصرف جلنار بكل جوارحي !

    وحبيت كيف انه صح انها تهورت بس برضو حسبت حساب حركاتها والكلام الي قالته وحاولت تكون عقلانيه فيه، حركات جسدها، نبرتها ونظراتها وكلشي، رهيببببهه!
    فخري فيها طلع برا الغلاف الجوي

    يوجين يجنن يوم صرخ ب "هذه فتاتي أيها الملاعين" 😭 يفهم

    بنجامين ناشب لجلنار يعمي فكها وخرر

    واتريووسس ما توقعت يطلعع بموتت جا في وقته حبيبي يا اني فرحتت بظهوره
    و بخصوص انها حست براحة وامان لما جا ووقف وراها!🥺 نششتشننش يحلوها
    -
    -
    صرخخختتت! قالها احسنتِ! اااااااااااااااااا😭😭😭😭😭😭😭😭 و "أظهرتِ شجاعة تليق بكِ" ماااققدددرررر! تحسه قايلها لي مو لها على فرحتي ههههه
    يجنن يجنن يجنننن
    وهي تلاحقه عشان يعيدها متتت يحلوهمم
    -
    ولا ما بنسى ابتسامته وهو طالع عالدرج 😞💓

    ردحذف
  27. البطل دائما يظهر في اللقطة الحاسمة 🤣 بس المرة ذي كانت بوووووووووووم 💥💥💥

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال