الفصل الواحد والثلاثين | مروضة التنين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهُمّ إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ، وأعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بكَ منَ الجُبنِ والبخلِ، وأعوذُ بكَ مِن غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ".

إفصاح آخر "الخوف لا يمنع من الموت، ولكنه يمنع من الحياة". نجيب محفوظ

 مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل الواحد الثلاثين


مددت جسدي أحاول تحريك عضلاته المتيبسة، أردت فتح عيني ولكن الأغطية الباردة كانت مريحة جدًا، هذا إن لم نتحدث عن الرائحة المنتشرة على الوسادة والأغطية وفي المكان كله.

عندما تكون في طور من الرغبة في النهوض ولكن النوم يسحبك بقوة يصبح كل شيء مختلط، حتى أنني أفكر بأشياء وعندما أستيقظ يصيح عقلي 'كيف فكرتِ بهذا بحق الله؟ هذا غريب ولا منطقي' لذلك الفكرة التي طرأت على عقلي كانت غير منطقية بالكامل. 

الرائحة بدت مألوفة بشكل غريب، بدت الفكرة غير منطقية على الإطلاق ولكن هذه ليست رائحتي على الإطلاق! بالرغم من هذا يبدو الأمر مستحيلًا. حاربت لفتح عيني والنظر للمكان، لكن كل ما استطعت رؤيته هو الظلام! 

فركت عيني ونهضت جالسة أنظر لما حولي... غرفتي أكثر ظلامًا من المعتاد! عدا من ضوء القمر الذي يتسلل من خلال النافذة التي بطول الحائط؛ إلا أن غرفتي لا تملك نافذة بهذا الحجم! نظرت حولي بفزع وتساءلت لوهلة، أين أنا بحق الله؟ 

صوت باب داخل الغرفة جذب انتباهي، ما إن فُتح حتى تسلل الضوء للغرفة مظهرًا بعض تفاصيلها، ذلك مرحاض! عقدت حاجبي ما إن رأيته يخرج من الداخل يرتدي قميصًا قطنيًا بلا أكمام بينما يجفف شعره بالمنشفة الصغيرة حول كتفه. 

"أتريوس!" التفت نحوي بتفاجؤ وصمت كلانا لمدة قبل أن يخرج نفسًا مرتاحًا ويتمتم "ظننت أنكِ لن تستيقظي أبدًا". نهضت واقفة قبل أن أشعر بالدوار يضرب رأسي؛ مما دفعني للجلوس مجددًا وأخذ نفسٍ أحاول دفع شعور الغثيان به. "منذ متى وأنا نائمة؟ لا، لحظة! متى نمت بحق الله؟" أبعد المنشفة عن كتفه وتحرك قبل أن يفتح الأنوار ويجيب "ذهبتِ للنوم في طريق العودة لهنا وبدوتِ كشخصٍ ميت لن يستيقظ حتى وإن انفجر مبنى بجانبه". 

نظرت للمكان من حولي، مكتب على يميني مع كرسي مريح ومرآة كبيرة وبعض الأسلحة في الزاوية مع فأسيه، وفي المقابل خزانة متوسطة الحجم وأريكة سوداء من الجلد تبدو مريحة، سريره كان أكبر ما في الغرفة، وهناك سجاد في المنتصف ناعم باللون الأسود… في الواقع كانت ألوان الغرفة تتراوح بين الأسود والذهبي.

"لمَ بحق الله غرفتك أكبر وأجمل من غرفتي؟" كتفت ذراعي ونظرت نحوه بحنق ليحدق نحوي لمدة قبل أن يقول "أتتحدثين بجدية أم أن هذا نوع من المزاح الذي لا أفهمه؟" أخرجت نفسًا ساخرة وقلت "هذا تمييز عنصري، تملك طابقًا بالكامل وأيضًا أجمل غرفة! هذا ليس عدلًا" رفع حاجبًا وتمتم "عليكِ رؤية غرفة زوندي إذًا" اتسعت عيني وصحت "غرفتي تبدو مملة!" أومأ وقال ساخرًا "أنتِ آخر الواصلين، بالإضافة... نحن هنا للدخول في حرب، لا مسابقة لديكور الغرف". 

رمقته بطرف عيني وتمتمت "ما كنت لتقول الشيء عينه إن أخذت أنت غرفتي" دحرج عينيه وألقى جسده فوق كرسي المكتب "كيف أدخلتني هنا؟ لمَ لست بغرفتي؟" بدأ بدفع قدمه ضد الأرض ليتحرك كرسيه ملتفتًا يمينًا ويسارا "الباب الرئيسي ليس المدخل الوحيد للمكان، ستتفاجئين من عدد الغرف والممرات السرية في هذا المنزل، أما بالنسبة لغرفتكِ فإن وضعتكِ هناك فالجميع سيتمكن من الدخول بينما أنتِ نائمة، أولهم واندر، وإن رأت الحال التي أنتِ عليها ستقتلنا" حسنًا، هذا منطقي! 

"منذ متى وأنا نائمة؟" رفع كتفه وقال "إنه منتصف الليل الآن، كنت قلقًا من اضطراري لاستعمال الأريكة إن ظللتِ نائمة" ابتسمت وقلت "هذا لطف وتهذيب منك" رفع حاجبًا وقال "لا تفهمي حديثي بشكل خاطئ، لم أكن لأنام على الأريكة، كنت سأحملكِ وأضعكِ عليها وأستخدم سريري". 

أخذت نفسًا وتمتمت "هذا هو أتريوس المعتاد" دلكت رقبتي ورفعت شعري للأعلى قبل أن أنظر له وأقول "أتملك ربطة للشعر؟" أومأ وفتح أحد أدراجه وناولني واحدة سوداء لأجمع شعري بها. "ألن تتساءل واندر أين أنا حتى هذه الساعة؟" أومأ وقال "اتفقت مع تلك الساحرة على إخبارها بأنها ستأخذكِ لمكان جيد للاستراحة، لكن عليكِ التعامل مع هذه المزعجة في الغد، لن تتوقف عن سؤالكِ عما حدث". 

تنهدت وألقيت جسدي بملل، يمكنني التعامل مع ثونار على أي حال. "أحتاج لحمام" قلت ليشير على حمامه قائلًا "خذي واحدًا واخرجي من غرفتي... أو خذيه في غرفتك" نهضت وقلت "قد تراني واندر، سآخذه هنا وسآخذ كل وقتي حتى أتمكن من مضايقتك" نهض من مكانه وألقى بجسده فوق السرير قبل أن يدفع جسدي بقدمه ويقول "حاولي إن استطعتِ". 

نهضت من فوق الأرضية وألقيت أحد وسائده فوق وجهه ليمسك بها ويضعها تحت رأسها ويتمتم بـ "شكرًا". نظرت لملابسي… قميصه إن كنا دقيقين "أحتاج لملابس" أصدر أنينًا منزعجًا وقال "خذي قميصًا وسروالًا من الخزانة وأحرقيهما لاحقًا مع هذا القميص، لا أريد استرجاعهم". 

نظرت نحوه بعدم تصديق قبل أن أركل جسده وأصيح به "عديم الإحساس" لم يجبني وأغمض عينه. تنهدت وأخذت أحد ملابسه وقبل أن أدخل للمرحاض صفق بيده لتنغلق الأضواء. 

تنهدت ما إن وضعت جسدي داخل المياه الفاترة، في كل مرة أظن أنني قضيت أكثر الأيام إرهاقًا يأتي اليوم الذي يليه ليثبت العكس. 

ما حدث اليوم كان غير متوقع، الذكريات التي مررت بها كنت أتجنبها طيلة التسع سنوات، لمَ أخبرت أتريوس حتى؟ لا أعلم! ولست نادمة وهذا هو الأغرب، ظننت أنني في حاجة لإخبار أحدهم حتى أتخطى الأمر، وبدا أتريوس شخصًا مناسبًا لسبب لا أعلمه أيضًا. 

إن فكرت بالأمر، لطالما تجنبت التفكير في حادث والدي وفي وفاته وفي كل شيء يخص تلك المرحلة، وظننت أنني بخير ولكن الأمر كان ينعكس علي بشكل سيء، كنت أعلم هذا وكنت أتجاهله لأن فكرة التفكير في الأمر والخوض فيه وحدها كانت ترعبني وتخيفني بشدة. 

عندما تحدثت عما يحدث معي لأول مرة لشخص ما بدا الأمر... أبسط مما كنت أتخيل! كان مؤلمًا ولكن ليس الألم الذي ظننت أنني سأوجهه، في الواقع أشعر بالراحة أكبر الآن، كون أن أتريوس لم يذكر أمر حديثي الصريح أراحني أيضًا؛ لذلك ربما ظننت أنه الشخص المناسب لإخباره. 

في النهاية… نجحت! تصالحت مع الأمر وأظن أنني اكتشفت كم أن تفكيري كان عاطفيًا وغبيًا، تمسكت بفكرة طفولية وحمقاء للغاية، لكن المجيء إلى هنا أجبرني على التخلي عن ذلك المبدأ وتلقائيًا كنت أقرب وأكثر اهتمامًا بالأشخاص الذين أعيش بينهم. 

ولكن في المقابل، هناك أشياء أهم قد حدثت، لقد امتصصت النيران بالكامل، لم أحترق ولم أمُت، أكان هذا شيئًا قادمًا على أي حال؟ 

رفعت يدي من بين المياه ونظرت نحوها أتذكر تلك الحرارة التي احتلت جسدي بشكل مزعج ولكن ليس مؤذيًا.

أيمكنني فعلها مجددًا؟ 

قبضت يدي وتذكرت أن متحكم النيران يحتاج لشرارة والمكان هنا ممتلئ بالمياه... لا ضرر من التجربة، بسطت يدي مجددًا وحاولت تذكر كل شيء شعرت به اليوم، الحرارة وشكل النيران، حولت كل هذا لصورة في عقلي للنيران تتشكل حول يدي. 

اتسعت ابتسامتي ما إن لاحظت لهبًا يصدر من يدي قبل أن يكبر ويتحول لشعلة حول يدي بالكامل، تبًا، أنا أتحكم بالنيران! هذا رائع.. قبضت يدي لتختفي النيران بسرعة ما إن أردت ذلك، اشتعلت مجددًا ما إن أردت اشتعالها… هذا مثير وحماسي. 

يجب أن أخبر يوجين، سيكون مصدومًا بالكامـ... لحظة، يوجين! اللعنة نسيت أمره بالكامل، هل يعرف بأني هنا حتى؟ أتمنى أنه أمضي اليوم بطوله مع كارولوس والذي بذكره أشعر بالذنب لتركه طيلة هذه المدة دون رؤيته. 

الكثير من الفوضى علي الاهتمام بها. 

نظرت لانعكاس النيران فوق سطح الماء، تحركت عيني نحو انعكاسي أنا... كنت طبيعية، أوردتي لم تشتعل ولم يتغير لون عيني، أظن أن لون العين قد يتغير إن استعملت قوة كبيرة وبانفعال أكبر.

ألقيت بكف يدي داخل المياه لتنطفئ النيران بالكامل.

ارتديت ملابسي قبل أن أجمع شعري بربطة أتريوس وأخرج من المرحاض، ملابسه كانت كالفوضى تمامًا، الحزام الجلدي هو ما يمنع السروال من الوقوع وقد طويت أطرافه مائة طوية حتى أتمكن من السير، بينما قميصه يصل لركبتي، أكمامه اضطررت أيضًا لطيها حتى أصبحت كف يدي ظاهرة. 

نظرت لنفسي في المرآة، أبدو كشخص قد يضحك يوجين عليه لقرن قادم، أردت وضع القميص داخل السروال ولكني كنت أكسل من أن أحاول؛ لذلك تركته كما هو وخرجت كطفلة في العاشرة ترتدي ثياب شخص راشد. 

الغرفة التي سادها الظلام أضاءت ما إن فتحت باب المرحاض، نقلت نظري للسرير حيث يستلقي أتريوس وقد احتضن الوسادة التي ألقيتها عليه سابقًا. "هل أنت نائم؟" همست لكن رد صوت أنفاسه المنتظمة علي، تحركت ناحية سريره وتوقفت أمامه، يمكنني قتله الآن ولن يعرف أحد! 

حسنًا، كانت مزحة، ولكني أخفت نفسي لثانية لأني بدوت كمخبول للتو. 

شخص غير مفهوم تمامًا، والأمر يروقني! لمَ؟ أعني لمَ بحق الله؟ انحنيت على ركبتي أنظر لوجهه الذي انعكس ضوء المرحاض كخط حاد على جانب وجهه، يتنفس بهدوء، ولكن ملامح وجهه غير واضحة بسبب خصلاته التي تبعثرت حوله. 

حركت يدي بتردد قبل أن أبعدها وأحدق بذلك الوجه، حاجباه المعقودان غالبًا كانا مرتخيين، وملامحه بدت أكثر راحة.

لقد قام بإلقائي للموت قبل أن أقول كلمة واحدة من قبل، ما خطبي الآن؟ لمَ أستمتع بالوجود معه؟ إنه يشبهني وهذا شيء لا يمكن إنكاره، ولكن ما زال هو من حاول قتلي. 

شيء ما يخبرني أنه كان يعرف بالفعل أن أغدراسيل في الجوار حينها، لكن ماذا إن لم يتمكن أغدراسيل من التقاط جسدي حينها، لمَ أضع الأعذار من أجله الآن؟ 

حركت أصابعي لا إراديًا ألمس ذقنه الخشن، لن يُسمح لي بفعل شيء كهذا إن كان مستيقظًا، يبدو الأمر ممتعًا، حسنًا، ممتعًا حتى وقعت عيني على شفتيه التي انفرجت ببطء قبل أن يقول "هل تحاولين التحرش بي؟".

تجمدت مكاني أحدق بعينه المغلقة والابتسامة المستمتعة على شفتيه "كان هناك شيء عالق هناك" قلت بسرعة قبل أن أنهض بشكل آلي وأركض لخارج الغرفة ممسكة بقلبي، اللعين هذا أخافني حد الموت. 

فتحت غرفتي ونظرت حولها أبحث عن يوجين بحذر لكن لم يكن هناك، زفرت براحة؛ فأنا لست مستعدة للعديد من المناوشات حول وجودي مع أتريوس.

"ألا تظنين أن الوقت ما زال مبكرًا للعودة الآن؟" صرخت بفزع والتفت أنظر ليوجين الذي خرج ببطء من خلال الحائط مكتفًا ذراعيه وينظر نحوي بمعنى 'أنتِ ميتة'. 

وضعت يدي ناحية قلبي وهدأت نفسي لثانية قبل أن أستقيم وأحاول وضع أكبر ملامح بريئة وأقول "كنت مع ثونار، تعلم، ظننتك تستمتع مع كارولوس لذلك..." أومأ وزم شفتيه وتحرك يلتف من حولي قبل أن يصرخ بدرامية "هذه الكذبة قد تنطلي على المرأة المسكينة واندر وليس على شبح ذكي مثلي! أظننتِ أنني لم أسمعهما يتفقان؟ لأنهما أحمقان ولم يلاحظا وجودي". 

عقدت حاجبي وقلت "ولكن لا أحد يستطيع رؤيـ..." قاطعني وهو يشير بسبابته في وجهي "لا تغيري الموضوع أيتها الشابة" رفعت يدي باستسلام وقلت "حسنًا، اهدأ سأخبرك أين كنت، لقد رأيتني أذهب مع أتريوس صباحًا" قال بانفعال درامي "ليس لطيلة اليوم" تنهدت وقلت "حدث حادث و..." قاطعني "أين كنتِ منذ أن عاد كلاكما؟".

التقطت شفتي بين أسناني انظر نحوه قبل أن أقول بسرعة "في غرفة أتريوس. لقد استطعت التحكم بالنار". 

طرف لمدة قبل أن يصرخ بفزع "غرفة من؟ أتريوس؟ أتمـ..." توقف لثانية قبل أن تتسع عيناه ويصرخ بصوت أعلى "تحكمتِ بالنيران، هذا رائع!" أومأت بابتسامة كبيرة وقلت محاولةً تغيير الموضوع "الأمر مذهل، ويمكنني فعلها وقتما أشاء، وأيضًا لون عيني يتغير، أليس مذهلًا؟".

أومأ بحماس وبسرعة وقال بحماس وهو يقفز "هذا حماسي، هذا حمـ... لحظة واحدة" نظرت نحوه بحذر، بدا مشوش قبل أن تتسع عيناه وينظر نحوي صارخًا وهو يشير بسبابته "أيتها الشريرة المضللة! لقد غيرتِ الموضوع تمامًا". 

وضعت يدي على أذني وقلت "أيمكنك التوقف عن الصراخ؟ الأمر أشبه وكأن شيئًا ما عالق في حلقك" رفع حاجبيه وقال "هناك شيء عالق في حلقي، أتعلمين ما هو؟" نظرت نحوه بحذر ليصيح "شعور الخيانة!" دحرجت عيني وقلت بملل "بحقك، يوجين! لمَ أشعر كما لو أننا نتواعد وقمت بخيانتك؟".

"هذا لا علاقة له بذاك، أنا الوصي الرسمي عليكِ وأنا قلت بكل وضوح ألّا أتريوس بعد الآن ثم... تقفزين إلى غرفته؟" رفعت كتفي وتمتمت "إلى سريره بشكل أدق" تجمدت ما إن أدركت هفوتي الحمقاء ونظرت نحوه بينما هو نظر نحوي بلا أي رد فعل، أعين متسعة ووجه متجمد. 

"يوجين" همست وأنا أحرك يدي أمام وجهه ليشهق بقوة وهو يضع يديه على خده "قمتِ بماذا؟" صرخ ويديه ترتجف بقوة "يوجين، توقف، لم أعنِ ما قـ...".

"قمتِ بماذا؟" صرخ مجددًا قبل أن يمسك رأسه ويلقي بجسده فوق الكرسي، أجل، يوجين الدرامي. "ماذا حدث لكِ بحق الله؟ ماذا أذنبت حتى أكون شبحًا لفتاة كهذه؟ ماذا بقي أيضًا لتفعليه؟ ستقولين لي أنه رآكِ بلا ملابس أيضًا؟" 

تذكرت ما حدث اليوم لأتمتم "حسنًا، شيء مشابه حدث" أجفلت عندما شهق بقوة مجددًا وهو ينظر نحوي بأعين دامعة، اللعنة، أنا أزيد الوضع سوءً. 

"اسمعني، يوجين، لم يحدث شيء، بحق الله لقد حملني لسريره لأنني كنت مرهقة". صفعت وجهي وأنا أدرك أنني أزيد الوضع سوءً أكثر فأكثر بسبب ملامح يوجين. أخذت نفسًا وجلست على طرف السرير وقبل أن أقول شيئًا أشار نحوي بيد مرتجفة وقال بصوت مبحوح "هذه ملابسه". نظرت نحو ملابسه التي أرتديها وأحاول التفسير "الأمر ليس كما يـ..." قاطعني "ترتدين ملابسه بكل فخر هذ..." كان هذا دوري لأصرخ "اصمت قليلًا ودعني أشرح الأمر، كلانا يزيد الوضع سوءً!" 

أجفل لصوتي المفاجئ ليومئ بطاعة لأتنهد وأدلك بين حاجبي وأحاول ترتيب الحديث. 

انتهى بي الأمر وأنا أحكي له كل ما حدث منذ أن خرجنا من متجر العجوز إلى الحريق، تجاهلت نوعًا ما جزء الحديث الصريح بيني وبين أتريوس وحكيت له قصة والدي كلها.

صمتنا في النهاية وراقبت رد فعله الهادئة "حسنًا، هذا يفسر الكثير" قال بهدوء فأومأت "آسف بشأن والدك" ابتسمت وقلت "لا بأس، الحديث عن الأمر دفعني للشعور بالراحة" بادلني الابتسامة قائلًا "يسعدني أن أكون أول من تحدثتِ معه عن هذا". 

صمت لثوانٍ ووضعت ابتسامة كاذبة "بالطبع، أنت هو الأول" تقنيًا لست كاذبة! إنه أول شبح أخبره بهذا، أتريوس أول شخص؛ لذلك أنا أقول الحقيقة نصفيًا. 

"لكن ما حدث اليوم كاد يقتلكِ، عليكِ أن تكوني حذرة" دحرجت عيني "ما يحدث من حولنا وما سيحدث يهدد حياتي طيلة اليوم، لا يمكنني الهرب من الأمر" تنهد وتمتم بأن هذا صحيح. صمت لثانية قبل أن يقفز فجأة بحماس وقال "أريني كيف تتحكمين بالنيران!" ابتسمت وقلت بخبث "متأكد؟ لا أشعر برغبة في ذ..." توقفت عن العبث ما إن نظر نحوي بحدة "أمرك" قلت بآلية ليبتسم ابتسامة جانبية. 

رفعت قبضتي قبل أن أشعلها أمامه لتتسع عيناه ويحدق بها لمدة وما إن فتح فمه أشرت نحوه وصحت "إياك والصراخ!" ظل فاهه مفتوحًا قبل أن يأخذ نفسًا ويكتمه لثانية قبل أن يطلقه "هذا... إلهي، إنه رائع" أومأت بابتسامة قبل أن أطفئ النار "تستطيعين التحكم بها بالكامل!" رفعت كتفي وقلت "يمكنني إشعالها و إطفائها، لا أعلم ما الذي يمكنني فعله بعد". 

"لنجرب غدًا" قلت بينما أتحرك لأنام وأدثر نفسي بالأغطية "ستنامين بملابسه؟" انتبهت لملابس أتريوس التي ما زلت أرتديها ورائحته التي التصقت بي الآن، صفقت لينطفئ الضوء وتمتمت بتعب "إنها مريحة" قبل أن أخلد للنوم.

....

 

هواء قوي وحار ضرب جسدي مما دفعني لفتح عيني، أغلقتها بسرعة ما إن شعرت بذرات التراب الناعم تقتحمها، فركت عيني بقوة وحاولت تغطية وجهي حتى لا أختنق بسبب الرياح الحارة المصاحبة بالغبار. 

نظرت من حولي حيث الثرى الذهبي يغطي المكان، الشمس ساطعة تنتصف السماء وتحرق كل ما تحتها، الهواء يضرب بين الفنية والأخرى محركًا ثرى الصحراء بنعومة، حلم آخر! من الغريب إدراك أنك في حلم بينما أنت تحلم. 

نظرت بعيدًا حيث لمحت واحة خضراء على مرمى النظر، حركت قدمي بصعوبة نحوها وتنفست الصعداء ما إن وصلت. الهواء الحار أصبح منعشًا مع منظر الماء الصافي، كدت أقترب إلّا أن عيني سقطت على جسد استند لجذع نخلة، شعر أشقر قصير مبعثر وجسد لصبي في الخامسة عشر تقريبًا. 

أخذت نفسًا مرتعش قبل أن أفتح فمي لقول شيء ما لكن قاطعني صوته عندما قال "أنتِ مجددًا" لم يكد يلتفت حتى صدر صوت انفجارٍ قوي. 

لم تكن واندر هي من طرقت غرفتي ودخلت لإيقاظي، ثونار قد اقتحمت غرفتي، ليس انفجار… لقد تم كسر باب الغرفة غالبًا.

استيقظت بهلع بسبب صراخها وقفزها فوق السرير "إلهي، أتتفقون جميعًا على قتلي؟" صحت وأنا أدفعها بقوة من فوقي، طرفت بعينها "لست الوحيدة إذًا" تمتمت بغباء لأزفر وأمسح على وجهي قبل أن أرفع شعري للأعلى وأحاول ترتيبه. 

"ما هذا؟" صاحت قبل أن تشهق بقوة كما فعل يوجين تمامًا وهي تشير بسبابتها نحوي، نحو ملابسي، ودون ترك أي فرصة لي حتى أجيب اقتربت نحوي لدرجة أن شعرة أصبحت تفرق بيننا ووضعت أكبر ابتسامة خبيثة على وجهها "أعلم لمن تعود هذه الملابس وهذه الرائحة" وقبل أن أفسر مجددًا فرقعت بأصابعها ليُسحب الغطاء عني من تلقاء نفسه وشيء ما دفعني بقوة لأجلس باعتدال وتحرك شعري لوحده ليجتمع بترتيب "لا تشغلي نفسكِ بشيء وأخبريني بما حدث بالتفصيل". 

انتقلت عيني نحو يوجين الذي استيقظ ويجلس طافيًا وهو يتذمر بسبب ثونار قبل أن تعود عيني نحوها "استطعت التحكم بالنيران" قلت اختصارًا لليوم بالكامل لتظهر الصدمة على وجهها قبل أن تتبدل لانزعاج "أوه، أجل، ظللت طيلة الليل أفكر فيما حدث بينكما وأنتِ فقط تعطيني هذا؟ تفاصيل أكثر، أرجوك". 

تنهدت وحككت رأسي بينما أتثاءب، حكيت لها الأمر بشكل مختصر، حادث الحريق والفتاة وكوني امتصصت النيران ولم أنحدر نحو موضوع والدي وحديثي مع أتريوس ولكني وصلت لكيف انتهى بي الأمر في غرفته.

"وماذا حدث في غرفته؟" نظرت نحوها بتعجب وقلت "ماذا يجب أن يحدث؟" همهمت لمدة وهي تبعد عينها عني لأصيح بيأس "لمَ جميعكم تملكون تلك الأفكار؟ أنا وأتريوس لا شيء خاصٌّ بيننا!" نفيت تمامًا لتتمتم "حتى الآن" حسنًا، هذا يكفي، ألقيت الوسادة نحو وجهها ونهضت للمرحاض. 

طويت ملابس أتريوس جانبًا حتى أعطيها لواندر لتغسلها لكن علي التفكير في كذبة مناسبة، لا أريد المزيد من تلك النظرات. 

كان الجميع مجتمعًا حول مائدة الإفطار وقد مضت مدة طويلة على ذلك. المدربون أصبحوا لا يتواجدون معنا كثيرًا؛ فقد تحسن الجميع بشكل ملحوظ ،أصبحت التدريبات أقل ولكن أكثر خطرًا كما أظن أنا، الحكيمة قررت أن اختباراتنا القادمة ستصبح أكثر غموضًا بلا مواعيد معينة وأظن أيضًا أن مكان الاختبار لن يكون هنا بعد الآن؛ لذلك علينا أن نكون متأهبين في أي لحظة. 

تحركت نحو المائدة بينما يوجين يتبعني بكسل، كدت أجلس ولكني توقفت وأنا أنظر ناحية مقعد أتريوس الفارغ "أين هو؟" نظر الجميع نحوي قبل أن تتجه أعينهم نحو كرسي أتريوس "ولمَ تهتمين؟" نظرت نحو أوكتيفيان "لأنه فرد من الفريق!" قلت وكأنه شيء بديهي "لكنه لا يهتم" قال لافيان لأدحرج عيني وأتنهد "أنا أهتم، من المفترض أنني المسؤولة عن هذا الفريق... منذ اليوم تعاملوا مع هذا". 

رأيت الصدمة على وجوه أغلبهم عدا ثونار التي تبتسم بخبث كالعادة وأغدراسيل التي ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهه دون النظر نحوي. "ماذا يحدث؟" نظرت لواندر وأشرت ناحية مقعد أتريوس "أين هو؟" دحرجت عينها وقالت "يأبى الاستيقاظ، بدا متعبًا لذلك…".

"أوه لا، سيدتي، لا أحد يظل نائمًا لهذا الوقت في فريقي، لا يحق له إيقاظي فجرًا ويظل هو نائمًا حتى الظهر" التفت بصرامة متجه للسلم "لا تنسي قبلة الصباح أيضًا". 

توقفت قبل أن التفت ناحية يوجين وأصرخ "احترق في الجحيم!" بدت الصدمة على وجوه الجميع "مع من تتـ..." قاطعت لافيان وما زلت أصرخ "أنا مجنونة، لا تناقشني فيما أفعل!" قبل أن آخذ طريقي للأعلى وضحكات يوجين تصل إلى أذني، هذا الشبح غير قابل للكسر. 

اتجهت لطابقه الخاص، وكم أكره أنه يملك طابقًا كامل لنفسه! المكان كان أكثر إضاءة في الصباح على غير العادة ليلًا، فتحت باب غرفته أنظر نحوها قبل أن تقع عيني على جسده فوق السرير، ينام بعشوائية والوسائد حوله في كل مكان، واحدة فوقه وواحدة تحت قدمه وأخرى بين ذراعيه، ولا يوجد وسادة تحت رأسه، على أحدهم إخباره ما وظيفة الوسائد الأساسية. 

اقتربت منه وانحنيت أنظر لوجهه، شفتاه منفرجتان وهو يتنفس بانتظام وكالعادة شعره مبعثر، هو ليس مستيقظًا كأمس، صحيح؟ "هذا لن ينطلي علي" لا رد "تظاهر بأنك نائم وأنا سأمسّ فأسك" تحركت نحو فأسيه ولكنه لم يتحرك... إنه نائم بالفعل! 

عدت بخطواتي نحوه "لن تبقى نائم للآن، استيقظ!" قلت بصوت عالي ولكنه لم يهتز حتى "أتريوس!" صرخت ولكنه ما زال نائمًا، ما خطب هذا الشخص؟ اقتربت أكثر وانحنيت أنكز كتفه بأصبعي وما زال كالأموات. 

"لن أدعك تنام براحة صدقني" قلت قبل أن أهز كتفه بقوة، وقبل أن ألاحظ حتى ما يحدث كانت قبضته قد التفت حول رسغي وسحبني بقوة لأقع فوق السرير بينما قفز هو بطريقة ما ليعتليني ويثبت كلتَي يدي وقدمي، طرفت أكثر من مرة أنظر لوجهه الذي تحول من مسالم لأكثر حدةٍ قبل أن تنتقل عيني لخصلاته التي تتساقط حول وجهه. 

"أقسم أنني لم أنوِ قتلك" قلت بنبرة مسالمة أحاول تجنب موتي أنا! عقد حاجبيه ونظر نحوي بتركيز قبل أن يزفر ويقول "هل أصبحت غرفتي منتجعًا لكِ أم أنني أضع لوحة على الباب تقول 'مرحبًا بالمزعجة في أي وقت'؟" دحرجت عيني وقلت "انظروا من يتحدث؟ يحق لك إزعاجي كل صباح بينما أنا لا!".

"أنا مدربكِ، خبر جديد!"

"أنا قائدتك، خبر أجدّ!" 

حدق بوجهي لمدة وتمتم "اللعنة، أنا أترك أثرًا سيئًا عليكِ بالفعل" أخرجت ضحكة مستفزة وقلت "احزر ماذا! التلميذ يتفوق على المعلم، حاول إخراسي الآن" رفع حاجبًا وقال "يمكنني إخراسك وجعلكِ تخرجين راكضة من هنا" ضحكت بسخرية وقلت "أجل، أراهن على ذلك" لن يستطيع هزمي. 

نظر نحوي لمدة قبل أن تُرسم ابتسامة صغيرة على شفتيه ويقترب أكثر مما دفعني للنظر لشفتيه، لا تنظري لها، لا تنظري واللعنة! تبًا، أنا أنظر مجددًا. 

"أتريوس" همست وأنا أحاول تخبئة ارتجاف صوتي، سقطت عيناه على شفتي بتلك النظرة الغبية الجذابة وانفرجت شفتيه وهو يقترب أكثر، إنه يخيفكِ... لا تقعِ في فخه، حتى وإن أصبح قريبًا لدرجة أن لون عينيه القاتم يصبح أكثر جاذبية. 

تمالكي نفسكِ أيتها الشابة. 

توقفت عن التنفس لوهلة ما إن شعرت بسخونة أنفاسه تلفح وجهي بهدوء وقد توقف لثانية ينظر لعيني بلا تعبير ساخر أو متردد، كان ينظر بجدية وبنظرة لم أرَها سابقًا وظننت أنني قادرة على التحديق بهذه النظرة والاستمتاع بذلك الخدر في كامل جسدي وتلك النبضات العالية، ولكن سقوط تلك النظرة نحو شفتَي مجددًا واقترابه لدرجة جعلتني متأكدة أنه لن يبتعد دفعتني للاستسلام… 

صرخت وأنا أغمض عيني بقوة "توقف، سأخرج سأخرج! أقسم بذلك، أقسم أنني سأخرج" 

فتحت عيني ما إن لاحظت توقف حركته، ظل جامدًا وهو ينظر نحو شفتي قبل أن ترتفع عينه نحو نظرتي المرتعبة، لا تنظر بهذه النظرة، أنا من سيقبلك حينها واللعنة! 

لاحظت فكه الذي انقبض لجزء من ثانية قبل أن يضع ابتسامة جانبية ويهمس "ألم أخبركِ؟ دقيقة لتخرجي من الغرفة، جلنار… دقيقة واحدة، إن لم تتحركي فصدقيني لن أمنع نفسي". 

سحبت نفسي من تحته ما إن حرر يدي وقدمي وقفزت بعيدًا عنه بمائة متر وتوقفت أمام الباب قبل أن ألتفت بوجه اختفى منه الألوان "لا تعد للنوم يـ..." ركضت للخارج دون أن أكمل ما أقول لأنه نظر نحوي وقفز من فوق سريره.

أسندت ظهري للحائط قبل أن أنحني فوق الأرضية ممسكةً بصدري، سيء! هذا سيء، إنه يعلم كيف يرعبني كاللعنة! تلك النظرة، كيف يقوم بفعلها بحق الله؟ لكن بالتفكير في الأمر يبدو جذابًا والـ... 

توقفي عن الابتسام كالحمقاء وابتعدي بعيدًا بقدر ما تستطيعين.

حاولت أن أعود للوضع الطبيعي وأتجه للأسفل. ما إن صدح صوت حذائي في المكان التفت الجميع نحوي وكأنني حدث العام، تجاهلتهم واتجهت لمقعدي. "ماذا حدث يا قائدة الفريق؟ لم تستطيعي إيقاظ فرد واحد؟ أنتِ قائدة متسيـ…" لم أترك للافيان فرصة ورميت شوكتي نحوه لتصيب ذراعه "جلنار، لا ترمي أدوات المائدة" أجفلت لقرصة واندر وتذمرت بصمت. 

"بعض الأشخاص يمكنهم أن يكونوا أطفالًا" التفت الجميع نحو أتريوس الذي يرمقني بسخرية ولكن لم أهتم لأني رمقت لافيان باستمتاع وهو يبدل أنظاره بيننا بصدمة. "القائدة يمكنها فعل كل ما تريد" قلت بنبرة منتصرة قبل أن أتجمد عندما مر من خلفي وهمس "أوه، حقًا!". 

أكرهك. 

الفطور كان صامتًا بطريقة لم أعتدها من قبل، الجميع يتناول من طبقه بهدوء مريب وظللت أتبادل النظرات مع هارليك ورومياس وكأن ثلاثتنا يتساءل عن هذا الوضع الغريب.

"أتعرفون، جميعًا؟" أخرج الجميع نفسًا ما إن تحدثت ثونار قاطعة هذا الصمت المزعج ونظر الجميع نحوها بامتنان عدا أوكتيفيان وأتريوس الذي ينصب اهتمامهما على طبق الفطائر. 

"جلنار أتقنت عنصرًا ما أخيرًا" 

نظروا نحوي بتفاجؤ "لحظة، حقًا؟" أومأت ناحية هارليك الذي قفز فوق كرسيه بحماس "أريد رؤية ذلك" صاح، لكني ابتسمت وقلت "خمنوا أي عنصر" لم تمر ثانية للتفكير لأن أحدهم قرر تحطيم المتعة في الأجواء وهو يقول "النار". 

التفت الجميع حرفيًا ناحية أتريوس الذي ما زال يأكل دون النظر نحوهم أو الاهتمام حتى "شكرًا لإفساد الأمـ…" توقف جوزفين في المنتصف ما إن رفع أتريوس نحوه نظرة بادرة ليحشر فمه بانزعاج وهو يتذمر.

"أنت تستمتع بهذا، أليس كذلك؟" قلت بانزعاج لتتسع ابتسامته ويقول بنبرة سعيدة "كثيرًا". 

دحرجت عيني ورفعت يدي قبل أن أشعل قبضتي في الهواء، نظر الجميع نحوها باندهاش وابتسامة كبيرة كانت على وجوه البعض قبل أن يصفق جوزفين وهارليك بتشجيع. 

"تتحكمين بها جيدًا" تفاجأت من مديح أوكتيفيان غير المتوقع، أعني أنه أفضل متحكم بالنيران؛ لذلك أشعر بالإطراء "هل أنا الوحيد الذي لاحظ شيئًا غريبًا أم أن جميعكم أغبياء؟" لست مضطرة لإخباركم أن هذا كان أرتيانو. 

"ماذا تعني؟" سأل تينر جام ليقول وهو ينظر نحوي بتركيز "هي لم تستخدم أي شرارة لإشعال النيران، إنها تشعلها بلا مصدر". 

صمت جال المائدة لأكثر من دقيقة قبل أن تتوجه الأنظار لي ببطء وأحدهم كان أتريوس الذي بدا أنه انتبه للأمر فقط الآن، حسنًا، أعترف، حتى أنا لم أنتبه… أرتيانو محق، بشأن غبائنا هذه المرة.

"ألم تفعلي هذا للتو بإحدى الكبسولات؟" سأل تينر جام لأهز رأسي للجهتين نافية "لم أحتج لها!" قلت وأنا أنظر ليدي وتحركت بتوتر في مقعدي "ما هي فرصة أن يشعل أحدهم النار بلا مصدر للنيران؟" سأل أتريوس بجدية هذه المرة موجهًا حديثه لأوكتيفيان الذي ظلت عينه ثابتة علي وأجاب... 

"صفر" 

"وها هي جلنار تبرع بشيء مخيف آخر" همس يوجين بجوار أذني باستمتاع "ماذا سيفعل هذا الحشد عندما يعلموا بأمر كارولوس؟" قبضت فكي بتوتر بينما تابع يوجين "ماذا إن علموا بشأني؟ أعني أن بقدراتي الجديدة فرصة اكتشاف وجودي عالية". 

عقدت حاجبي والتفت ناحيته وكدت أقول 'ماذا تقصد؟' ولكني تجمدت وتذكرت، نظر الجميع نحوي "إلى ماذا تنظرين؟" التفت ناحية زوندي وقلت "أظن أنني سمعت صوتًا ما في المطبخ". 

تنهدت وأعدت نظري نحوهم وصحت "توقفوا عن الصمت والتحديق بي، حسنًا! أنا في موقفكم تمامًا، لا أعلم ما يحدث ولما يحدث؛ لذلك فضلًا توقفوا عن إرعابي" ابتسم تينر جام وربت على ظهري بما أنه يجلس بجواري وقال "لا تقلقي، نعتذر لجعلك في هذا الموقف، ولكن ما يحدث لكِ يحدث للمرة الأولى منذ... لا أعلم، لا أحد ذكر شيئًا مماثلًا".

وافقه الغالبية مما دفعني لإسقاط رأسي فوق المائدة لترتطم بها بقوة وأتذمر بنبرة باكية دفعتهم للضحك وكسر هذا التوتر. 

أنهيت فطوري ونهضت نحو غرفتي وأنا أشير ليوجين بعيني وأهمس "اتبعني" تبعني بانصياع وملامح بريئة على وجهه، أغلقت باب الغرفة وكتفت ذراعي لصدري وقلت "أهناك ما نسيت إخباري به؟" تظاهر بالجهل وقال "مثل؟".

رمقته بحدةٍ ليقول بسرعة "حسنًا، توقفي كنتِ مشغولة بالفترة الأخيرة بتحسين نفسك لذلك فكرت كيف لي أن أكون رفيقكِ الحارس الخفي بينما كل ما أفعله هو السخرية من الجميع بالرغم من أن الأمر ممتع" منعت ابتسامتي بصعوبة ولكنه التقط رغبتي في ذلك "نقطة صحيحة، لكن لا أحد يدعمني معنويًا كما تفعل". 

زم شفتيه قبل أن يقول "لا أظن أن هذا سينفع إن هاجم شخص ما، سيتم قتلك بينما أنا أصرخ 'هيا، جلنار! تستطيعين فعلها'..." لم أكتم ضحكتي لطريقته الساخرة وهو يهز قبضته ببلاهة. "لذلك تحدثت مع أمين المكتبة المخيف ذاك" ارتفع حاجبي وقلت "كاليسيو؟" أومأ وقال "إنه يتمكن من رؤيتي داخل ذلك المكان المريب الذي وجدنا كتاب سندفال فيه؛ لذلك تحدثت معه هناك وأخبرني بعدة أشياء غامضة كعادته ولكنني استنتجت أنه بإمكاني فعل هذا…".

حرك يده نحو ملابس أتريوس المطوية على الكرسي ودفعها بيده لتقع "بحق! لقد طويت هذه الملابس صباحًا، علمك كاليسيو كيف تسقط الملابس؟". 

ظل يحدق نحوي بلا تعبير قبل أن يقترب ويقول "وبكل سرور علمني كيف أفعل هذا" صفع رأسي بقوة مما دفعني للابتعاد والمسح عليها "ما الذي تفـ..." توقفت لثانية وأدركت كم أنني بلا عقل وأنني استحققت تلك الصفعة. 

اتسعت عيني ونظرت نحوه صارخة "يمكنك لمس الأشياء!" رفع حاجبًا وقال ساخرًا "هل تظنين ذلك أيضًا؟" زفرت وقلت "أعتذر، لم أنتبه لما تقصد، لكن هذا... هذا رائع، يمكنني صفعك أخيرًا!" تحركت نحوه ولوحت بيدي لتهوي على وجهه، لكنها مرت من خلاله ببساطة. 

اتسعت ابتسامته وقال "هذا ليس كل شيء، يمكنني التحكم بذلك... متى يمكنني لمس الأشياء ومتى أمر من خلالها وحسب، أليس رائعًا؟ سأتمكن من ضربكِ ولكنكِ لن تفعلي، الأفضل... سأتمكن من إخافة الفرسان، هذا ممتع، لقد حركت ستائر غرفة زوندي في الأمس خمس مرات، عليكِ رؤية النظرة في عينيه". 

رفعت حاجبًا وكتفت ذراعي. "بالمناسبة؛ غرفته هي الأفضل" قال متذكرًا لأصيح متذمرة ورميت ذراعي في الهواء "أحب غرفتي" تمتمت بلا اقتناع حتى.

"لكن هذا مذهل، يوجين! يمكننا فعل الكثير بقدراتك" أومأ بفخر واعتزاز وهو ينفخ صدره بشكل مقصود "لا تغتر كثيرًا، ما زلت غير مرئي" دحرج عينيه وقال "لا تحاولي، الأمر مميز أكثر بكوني خفي" اللعين، إنه محق. 

"أتسمعين هذا؟" عقدت حاجبي ونظرت ليوجين ليقول "أنصتي! ألا تسمعين هذا الصوت؟ هناك ضجة في الأسفل" تحركت ناحية الباب وفتحته لأتمكن بالفعل من سماع ضجة عالية في الأسفل، تحركت بسرعة ناحية السلالم قبل أن أتوقف وأمسك بالدربزين لأنظر ناحية الضجة. 

كان الجميع متجمهر حول الباب لكن أتريوس وأوكتيفيان غير موجودين معهم، بينما هناك أربعة أشخاص يقفون عند الباب، اثنان منهم يرتديان دروعًا وملابس أشبه بملابس حرس النبلاء، واثنان آخران يرتديان بذلاتٍ رسمية بيضاء تزينت بخطوط ذهبية.

اتسعت عيني عندما لاحظت اتجاه الحارسين ناحية واندر التي تقف خلف الجميع بصمت وبوجه صارم، إن كان ما أفكر به هو ما يحدث فهؤلاء الملاعين ميتين لا محالة.

وجدت نفسي أندفع وأنا أستند على الدرابزين وأرفع كامل جسدي لأقفز من فوقه وأهبط بقوة على إحدى ركبتَي على الأرضية، فكرة سيئة! لقد تحطمت ركبتي للتو. 

محوت أي ملامح ألمٍ ونهضت على قدمي أنظر للرجال على الباب بينما صوت قفزي جلب انتباه الجميع "أبعد يدك عنها!" قلت بغضب وأنا أنظر ليد أحد الحارسين ممتدةً وممسكةً بمرفق واندر التي بدت متماسكة ولكنها مندهشة وهي تنظر نحوي. 

"من تـ..." قاطعته "أمامك فرصة حتى لا أشعر بالغضب، أبعد يدك" طرف بصدمة وقبل أن آخذ نفسًا آخر أشعلت يدي، بل ذراعي بأكملها اشتعلت ووجهت كل مشاعر الغضب والقوة نحو ذلك الحارس لتأخذ النيران شكل قذيفة نحوه ألقت بجسده بعيدًا ليحطم جدار المنزل. 

"أوه، أنا غاضبة بالفعل" 

تمتمت ورفعت عيني التي أصبحت متأكدة أنها تحولت للون قرمزي ومشتعل، تحرك الآخر بهجوم نحوي ولكن يد أحد الرجلين الذين يبدوان أكثر لباقة امتدت تمنعه من مهاجمتي. 

"معنا أمر من الوريث الشرعي لعائلة ألفن النبيلة بإحضار السيدة واندر باتريك مابيلين برفقة قريبتها من الحدود، مع الأسف لا نعلم اسمها لذلك علينا استجواب السيدة هنا، لا نود أذية أحد ولكنها متهمة مع قريبتها بتجاهل دعوة ملكية وهذه جريـ..." 

توقف ما إن وقفت أمام واندر في وجهه أرمقه ببرود "ثرثرتك المملة لا أهتم بسماعها، أنا من تجاهل الدعوة اللعينة وقد مزقتها وألقيت بها في القمامة، إن أردت إرسال التفاصيل للوريث التافه فها هي ذا" تنهدت ورفعت عيني ناحية عينيه الفيروزية وخصلاته الصفراء وقلت "أنا من يريدها سيدك الغبي، أنا هي قريبة واندر، لذلك بكل شفافية أخبره بالتالي 'إن أردت رؤيتي فحرك قدميك الكسولة إلى هنا وقابلني'!".

بدا الشخص الآخر ذو الشعر الأسود والأعين الغامقة مذهولًا بينما الثاني انقبضت ملامحه بغضب. "كيف تجرؤ نكرة مثلك على إهانة سيدي؟" صاح ذو الأعين الغامقة ونظر للآخر ينتظر منه أن يتحدث "اقبضا على كلتَيهما" قال مشيرًا لي ولواندر بعينه الفيروزية الباردة. 

لقد اكتفيت من الحديث السلمي.

تحرك الحارسان وأحدهما ينظر بحقد نحوي، كل ما فعلته هو أني أحرقته ليس إلا!

"لا أحد سيلمسها" قلت من بين أسناني أعترض طريقهما وعندما بدت اللا مبالاة عليهما وحاول أحدهما إمساك ذراعي أشعلتها بقوة ليبتعد بسرعة وركلت الآخر بقدمي التي اتجهت النيران نحوها بسهولة لتترك أثرًا على وجهه. 

ألقيت بكليهما للخلف ليحرك ذو الأعين الفيروزية يده لألحظ كبسولة كسرها بين أصابعه ليلتف الماء حول يده ويضربها نحوي، تماسكت وأنا أضع ذراعي كدفاع أمام وجهي وأشعر بلسعات لانطفاء النيران. تراجع جسدي لخلف ولكني حافظت على توازني حتى لا أسقط. 

"لا أعرف أي ساكن حدود يملك قدرات نيرانٍ مماثلة لخاصتكِ أيتها الطفلة، ولكني مللت من العبث، كلاكما نكرة إن أمركما سيدي فنفذوا بلا تفكير لأن هذا ما أنتم عليه، أتظنين أنه لا يمكننا التعامل مع أمثالك؟"

عضضت شفتي بغضب قبل أن أرفع عيني نحوه وهسهست "تعامل مع هذا إذًا". 

لم أدرك كيف فعلتها وما حدث تمامًا داخل عقلي، لكن كل ما أعرفه أني كنت ثائرة بشدة وكل ما فكرت به، أريد قتل هؤلاء الملاعين.

العديد من الجذور الضخمة ذات الأطراف الحادة خرجت من من بين الأرضية وقد حطمت ألواح الأرض الخشبية وتحركت نحو أربعتهم بسرعة يستحيل ملاحظتها لتقف أمام عنق كل واحد منهم تكاد تخترقه، الصادم ليس تمكني من استخدام عنصر الأرض... الصادم أن الجذور كانت تشتعل، أنا أستعمل عنصرين في الآن ذاته!

لم أترك دهشتي تظهر على وجهي ولم يكن من الصعب فعل هذا؛ فأنا كنت غاضبة كاللعنة وهذا كل ما ظهر على وجهي "خذ ملاعينك من هنا وعد من حيث أتيت، إن أراد لعينك الحديث معي فسيأتي إلى هنا وسيحشر غروره ذاك داخل حلقه، وسيتحدث فيما يريد حينها". 

ابتسمت بجانبية وأكاد أقسم أنها أحد ابتسامات أتريوس المعدية "اغرب عن وجهي؛ ففكرة إرسالك لسيدك أنت ورفاقك كقطع منفصلة أصبحت أجمل فجأة". 

تراجع ببطء وبحذر وأشار للحارسين بالابتعاد، لم يكن بحاجة لذلك لأنهما ركض بعيدًا عني. الشاب الذي يرافقه قال بلا إدراك "ما أنتِ بحق الله؟" ظل الثاني يحدق بعيني واستطعت رؤيته يبتلع بتوتر قبل أن يومئ باحترام ويقول "سأحرص على إيصال رسالتكِ لسيدي" قبل أن يختفي مع الثلاثة الآخرين. 

رد فعله والخوف والتردد في عينيه كان مرضيًا جدًا لي، ووجدت أن الغضب الذي كان يتحكم بي يختفي شيئًا فشيئًا ومعه اختفت النيران وتحولت الجذور إلى رماد. 

أخذت نفسًا والتفت أنظر للأرضية قبل أن أنظر لواندر برعب وقلت "أنا لم أدمر الأرضية". 

فركت يدي بتوتر ونظرت نحو الأرضية المتحطمة قبل أن أنقل نظري نحو وجوههم "إن حاول أحدكم لومي على مـ..." قاطعني تينر جام بابتسامة "لمَ تظنين ذلك؟" ارتفع حاجبي عندما تابع أغدراسيل "لقد منعتهم من أذية واندر، أتظنين أننا سنغضب؟".

زممت شفتي وعقدت حاجبي وأبعدت عيني عنهم "لكنكم ضد أسلوبي العنيف وما إلى ذلك" ضحك هارليك ونظر للافيان الذي تحدث "إن كان الأمر يخص واندر فجميعنا نتفق تمامًا على ما فعلته" زفرت واستقمت بظهري وكتفت ذراعي "لمَ لم يحاول أحدكم منعهم إذًا؟" التفت الجميع ناحية واندر التي ظلت صامتةً تراقبهم منذ البداية "سيدة المنزل منعتنا" قال جوزفين بغيظ مماثل لغيظي.

"واندر!" صحت بدهشة لتتنهد "كنت لأمنعكِ أيضًا، جلنار، ولكنكِ تدخلتِ بطريقة لم تسمح لأحدنا بتحريك إصبع" نهضت وقلت بحنق "لمَ بحق الله؟" أمسكت بذراعي وجذبتني لأجلس مجددًا "أنتِ تجلبين انتباهًا أنتِ في غنى عنه، جلنار. تذكري جيدًا أن الجميع يعرفكِ كقريبتي وكساكنة حدود بالكاد تمتلك قوةً ما، لا أحد يعلم بأنكِ فارسة وبشرية وهذا سيجلب ضررًا وفوضى أكبر في وقت كهذا".

قضمت شفتي بصمت. "ألا تظنين أنه الوقت حان ليتعاملوا مع هذا الأمر؟" نظرت ناحية أغدراسيل الذي عبث بشعره قبل أن ينظر لواندر.

"إنه محق، جلنار ليست فارسة وحسب، إنها ابنة التوبازيوس، تركها مختبئة وترك الحقيقة مخفية خوفًا من رد فعل الشعب هو ظلم بحقها! ظلم بحقنا جميعًا؛ فهي فرد منا" التفت ناحية زوندي الذي بدا عليه الضيق.

"إنهم محقون، واندر. إلى متى سنقوم بإخفائها؟ إنها أساس الفريق" هتفت ثونار مشاركة ليوافقها البقية ولم أملك سوى أن أبتسم ممتنة ناحيتهم ولكن واندر صفقت بيدها وقالت "إذًا هناك اتفاق كبير ضد سياستنا الحالية" أومأ الجميع بحركة واحدة "أنتم محقون، ولكنكم تناسيتم نقطة مهمة" تبادل الجميع النظرات بتعجب لتردف "لم تخفِ الحكيمة حقيقة وجود جلنار من أجل الفوضى التي قد تحدث فحسب، إن عرف الشعب أن هناك بشريةً بين الفرسان فسيفقد الغالبية إيمانهم الكامل بالتوبازيوس".

أخذت نفسًا وقالت "جميعنا يعرف جلنار جيدًا، وجميعنا نتفق على أنها ليست مجرد فارسة اُختيرت بالخطأ، لقد قطعت الشك باليقين أن أسطورة البشر ما هي إلا أكاذيب، لكن أتتذكرون جميعًا رد فعلكم ما إن اكتشفنا وجود بشرية بيننا؟ أنتم بأنفسكم شككتم بالتوبازيوس لأننا نملك تلك الصورة المحفوظة في عقولنا عن البشر، ولكن ما إن ظلت جلنار بيننا لمدة قصيرة اكتشفنا كم كنا حمقى وأنها تستحق لقبها كفارسة".

أومأ الجميع كموافقة بينما أرتيانو الوحيد الذي يبدو عالمًا بما تحاول واندر إيصاله "المملكة لا تملك الفرصة للبقاء مع جلنار لتتضح الصورة، إنما هم فقط يحكمون على ما يشاهدونه لمرة وما يُقال لهم، وجميعنا نعلم أن الفرسان يملكون أعداء يحاولون تشويه صورتهم أمام المملكة، ووجود جلنار فرصة لن يتهاونوا في استخدامها لصالحهم".

عقدت حاجبي وبدا الجميع مشوش، تنهد أرتيانو بيأس وقرر التدخل عوضًا عن واندر هذه المرة "الفرد العادي يملك عقلًا يرسم له صورة نمطية لكل شيء من حوله، كذلك سكان المملكة... أغلبهم يمتلك صورة نمطية عنا نحن وعن كم أن اختيارنا مشكوك فيه، صورة سيئة كفاية لكنهم يتركون فرصة لنا لخوفهم مما يحدث ورغبتهم في أن يتم حمايتهم، صورة الجميع النمطية عن البشر هي محض هراء لأن البشر غير موجودين بالنسبة لهم سوى في قصص الأطفال، وإن قلت كلمة بشري أول ما سيقفز لعقولهم مخلوقات بلهاء قضى الجنون عليها ولا يملكون الإرادة كما سمعوا منذ الصغر".

دحرجت عيني للفكرة البلهاء ولكن بالفعل الجميع مقتنع بها.

"إن خرجت وقلت أن هناك بشريٌّ بين الفرسان أول ما سيقفز لعقولهم صورة لأفراد مجانين لا يمكنهم حمل سيف حتى، مشاعر الفرد تتكون مع الزمان والبعض يحتاج لفترة حتى يمحي صورةً تكونت في عقله منذ الصغر ويضع مكانها صورة أخرى، وجود البشرية بيننا أقنعنا أن الأساطير كاذبة وأن البشر أفضل مما صوروا لنا، ولكن لن تعيش المملكة كلها مع الفارسة الثانية عشر حتى يقتنعوا بالأمر ذاته؛ لذلك من المرة الأولى على البشرية ترك انطباعٍ قوي يجبرهم على تغيير آراءهم. ربما جميعكم يمقت تصرف الحكيمة وطريقتها ولكن كل ما تفعله لسبب معين، هي لا تخطط لترك البشرية مخبئة، ولكنها لن تخاطر بكسر الثقة التي نحاول بنائها بيننا وبين المملكة؛ لهذا يتم تدريبنا جميعًا وتدريبها خاصةً بصورة مكثفة، الحكيمة متأكدة من قوة ابنة التوبازيوس، بل وأنها تعلم أن البشرية أقوى منا جميعًا، وإن لم تكن متأكدة من ذلك لما أضاعت الوقت في تدريبها وصقل مهاراتها، ولما أمرت الهمجي أتريوس خاصةً بتدريبها إلا وهي تعلم قوة تحملها وتأقلمها مع الوضع؛ لذلك هي متأكدة أن البشرية ستصل لتلك المرحلة التي ستجعل الجميع منذ المرة الأولى لا يؤمن فقط بنا وبابنة التوبازيوس، بل سيعطوننا الثقة الكاملة وسيهتفون بأسمائنا"

صمت الجميع لفترة وكأنهم أدركوا للتو عمق الأمر، ليس هم فقط! لقد كنت أنظر للأمر بسطحية كبيرة دون إدراك لعمق المسألة، نحن نتحدث عن شعب كامل وعن كواكب أخرى مهددة، إن قطعت شعرة الثقة الموجودة بينهم وبين الفرسان فنحن الخاسرون في هذه الحرب لا محالة.

دارت عين أرتيانو علينا جميعًا قبل أن يقول خاتمًا حديثه "الحكيمة لا تنوي تخبئتها، الحكيمة تعطيها الفرصة لتثبت نفسها لنفسها قبل أن تثبتها للجميع، وأظن أن جميعنا لاحظنا الفرق الواضح بين بدايتها ولما وصلت له" أنهى حديثه بنظرة ناحية الأرض المحطمة.

زفرت براحة ووضعت ابتسامة راضية وقلت "أظن أنني مقتنعة كفاية بهذا، ولكن لا تطلبوا مني التصرف كضعيفة أمام النبلاء! لن أتحمل تعجرف المزيد منهم" ضحك أرتيانو بسخرية وقال "أشعر برغبة في التقيؤ لقولي هذا ولكني أتفق معكِ، أغلبهم يتصرف كما يملي عليهم غرورهم، لا عقولهم" سأتجاهل شطره الأول وسأشعر بالرضى لأنه خاصةً يتفق معي.

"ما زلت لا أفهم لما تتركهم العائلة الملكية يعيثون فسادًا بين سكان الحدود، إلا إذا كانت العائلة الملكية أيضًا مماثلةً لهم" صحت باستنكار ليستقيم زوندي ويقول بنبرته الكسولة المعتادة "يمكنني أنا تفسير هذا" نظرت نحوه باهتمام ليردف:

"الحكم هنا يسير بطريقة وراثية، ومنذ زمن بعيد لم يحكم المملكة سوى من يحملون دماءً نقيةً ملكيةً ولكن لا يحترم الجميع تلك لطريقة؛ فالوريث الشرعي للملك هو ابنه البكر، وإن مات الابن البكر فيحكم الابن الثاني إن كان للملك ابن ثانٍ أو ابنة؛ وإلا فينتقل الحكم لشقيق الملك وإلى ما لا نهاية له. هناك ترتيب معين لانتقال الحكم، ولكن أحيانًا يكون الطمع في الحكم أقوى من رابطة الدم. قبل أن يتولى الملك الحالي الحكم حدثت أمور كثيرة لسنوات، خيانة وقتل ومحاولات لتسلق كرسي الحكم، قبل أن تحدث كل تلك الأحداث كانت العائلات النبيلة مكونة فقط من عائلتين شريفتين لا تملكان سوى نسبة لا تذكر من أراضي المملكة ويعيشون حياتهم لأجل العائلة الملكية وخدمة الشعب، ولكن بعض العائلات كانت تطمح لتصبح عائلة نبيلة وكانت مستعدة لفعل كل ما يمكنها فعله لتصبح في ذلك المنصب؛ لذلك استعان الخونة من العائلة الملكية بتلك العائلات ووعدوهم بأراضٍ ومساحاتٍ شاسعةٍ من المملكة وبلقب النبلاء إن ساعدوهم باغتيال الملك وابنه وقتها، وهذا ما حدث، وبذلك تغير كل شيء وأصبحت العائلات النبيلة الحالية هي الأسوأ، ولكن لا يمكن التخلص منهم بسهولة، فهم يملكون ثمانية وأربعين بالمائة من أراضي المملكة"

اتسعت عيني وصاح يوجين بصدمة "ثمانية وأربعون بالمائة!" تنهد أغدراسيل وقد تولى دفة الحديث بعد زوندي "العائلات النبيلة خمس عائلات، تعرفين اثنتين منهم، وهم عائلة كليسثينيس وعائلة ألفن، ثم هناك عائلة صاميومين وجلين ودول. تمتلك عائلة ألفن أكبر نسبة من بينهم وهي خمس عشر بالمائة من الأراضي، بينما يليها عائلة كليسثينيس بنسبة ثلاث عشر بالمائة، ثم جلين بنسبة أحد عشر ونصف بالمائة، وفي النهاية دول بنسبة ثمانٍ ونصف، لذلك تقريبًا هم يملكون نصف المملكة والعائلة الملكية تمتلك اثنين وخمسين بالمائة. نحن متأكدون من شيء واحد، هو أن عائلة كليسثنينيس هي العائلة النبيلة الوحيدة التي تعود أصولها لأوائل العائلات النبيلة، الشرفاء منهم".

زفرت وأنا أحاول ترتيب الأمور داخل عقلي ببطء "عندما استلم الملك سافيينج الحكم كان الأمر فوضويًا وسيئًا كفاية، كان يحاول بصعوبة ترتيب الأمور وإعادتها لنصبها، كان ينوي الاعتناء بسكان الحدود ووضعهم في أراضي مساوية لأراضي العامة، ولكن في هذه الأثناء انقلب كل شيء وظهر ملك الظلام وتم أسر الملك، وها هي العائلات النبيلة تأخذ الفرصة في فعل ما تريد، خاصة وأن ابنة الملك تحاول بصعوبة تدارك غياب والدها".

تنهد الجميع وأولهم واندر، فنحن نتحدث عن وطنها هنا، الأمر معقد حقًا. "كيف دخل الإيربوسيين للقصر الملكي وأسروا الملك في المقام الأول؟" رفع أغدراسيل كتفيه بجهل.

"هناك الكثير يحدث في الخفاء، نحن فقط نعيش هنا بعيدًا عن كل هذا في الفترة الحالية، ولكن ما يخيفني هو أننا قد نضطر للتعمق داخل قذارة الخونة" قال جوزفين باشمئزاز.

"أمامنا الكثير، ها" تمتم تينر جام بابتسامة منزعجة.

 

....

 

خرجت لاستنشاق الهواء بعد أن شعرت بالاختناق لكثرة ما سمعت من التعقيدات.

"ماذا يدور داخل رأسكِ؟" نظرت ليوجين بطرف عيني وأنا أسير بخطواتي لأتوغل في الغابة "الكثير! لدرجة أنني لا يمكنني التقاط فكرة معينة وإخبارك بها، أعني تلك الأميرة، أنا أشفق على حالها، إن كان الملك القوي لم يكن قادرًا على تسوية الأمور على الفور فما بالك بابنته؟ ثم هناك العائلات النبيلة، يمكنني فهم قلق واندر؛ فقد أظهرت شيئًا من قوتي أمام المبعوثين وهذا يجعل الأمور أكثر تعقيدًا، وشيء ما يؤرقني أكثر من كل هذا…".

رمقني يوجين بفضول عندما سكت بقلق لوهلة "هناك شيئان قد يسمحا للإيربوسيين بالتوغل داخل المملكة لدرجة أسر الملك: إما أن هناك الكثير من الخونة، أو أن الخونة قلة ولكنهم في مناصب تسمح لهم بالكثير وهذا أسوأ. حربنا لا تتضمن التلويح بالسيف وقطع الرقاب، إنها أكبر من ذلك، الخطب ليس في وجود مملكة الظلام، بل في مملكة الإلترانيوس بحد ذاتها".

غمغم وهو يومئ يوافقني الرأي. "أتعرفين ما حدث قبل قليل؟" طرفت بتعجب وقلت "ماذا؟" ابتسم وقال "عينكِ تغير لونها بالفعل، لكنها لم تكن فقط قرمزية، بل كانت مزيجًا بين القرمزي والأخضر القاتم" عقدت حاجبي بتعجب ولكنه أردف "هذا يعني أن عينكِ تتحول حسب العنصر الذي تستخدمينه، الأحمر للنار والأخضر للأرض" هذا مثير للاهتمام! "الأهم من هذا هو… أتتذكرين كيف فعلتِ ذلك هناك؟" قال قصدًا هجومي في المنزل لأحرك رأسي نافية "كل ما أستطيع التحكم به جيدًا النيران".

فرقعت أصابعي لتظهر شرارة بسيطة كما أردت "رأيت؟ أفعل ما أريد بها" زم شفتيه بتفكير "علينا إيجاد طريقة أسرع لأتحكم بالبقية جيدًا" قلت ليتنهد يوجين.

رعشة سريعة مرت على طول جذعي ما إن شعرت ببرودة غريبة في الجو، فركت ذراعي الأيسر في محاولة لتوليد بعض الدفء ولكن البرودة كانت تزداد بشكل غريب، التفت ليوجين ولكنه كان يسير بطبيعية؛ فهو لا يشعر على أي حال.

ارتجف جسدي وتنفست بقوة لتتشكل أنفاسي أمام عيني كبخار اختفى على الفور، ارتفعت عيني أنظر للشمس التي من المفترض أن تمد جسدي بالدفء، ولكن كل ما تمكنت من رؤيته هو الأشجار العالية التي غطت الشمس وظلمة غريبة كانت تغطيها.

توقفت ما إن تمكن مني شعور سيء وضاق صدري بخوف ونظرت حولي "جلنار!" لم ألتفت ليوجين الذي توقف يرمقني بتعجب. "ضباب!" همست وأنا أنظر للأفق بين الأشجار حيث تمكن الضباب من المكان "منذ متى يصيب المكان الضباب؟" أفصح يوجين عن السؤال الذي كان يدور في عقلي.

التفت بحذر ناحية يوجين وقلت "علينا العودة" عقد حاجبيه وبدا عليه التفاجؤ "لا يمكنني التحرك" همس وهو ثابت في مكانه مما سبب اتساع عيني "ماذا؟" أغمض عينيه بقوة ولكنه عاد القول "لا يمكنني الحركة".

"أليس التجول في الغابة وحيدًا أمرًا سيئًا؟"

التفت بسرعة ناحية الصوت لتقع عيني على هيئته الغريبة. خرج من بين الأشجار رجل ما بعينٍ بندقيةٍ غامقةٍ تلتمع تحت أهدابه الكثيفة ذات اللون الابيض الغريب، ابتسامة صغيرة تكونت على ثغره وفكه الحاد انقبض بشيءٍ من الاستمتاع، وأكثر ما يجذب العين كان شعره أبيض اللون كالثلج ويتساقط حول وجهه، كاد يغطي عينيه لولا أنه رفعه للخلف، يلتحف بالسواد من بداية القميص الأسود الحريري حتى معطفه الطويل وسرواله والحذاء العسكري ذا الرقبة الطويلة.

تقدم بخطوات صغيرة وما زالت ابتسامته ثابتة "من أنت؟" تنهد بملل وقال بشيء من الخمول "من أنا؟ من أكون؟ وما هي هويتنا؟ أليس هذا ما يشكل ما نحن عليه؟ لمَ لا تخبريني أنتِ أيتها الصغيرة، من تكونين؟".

احتضنت نفسي وأخذت خطوة بعيدة بحذر ولكن خطواته استمرت تقترب حتى التفت من حولي وهو ينظر للسماء الضبابية "تفتقدين للدفء؟" بدا صوته باردًا كتلك البرودة التي تتسلل ببطء مميت لجسدي وأطرافي "تفتقدين للوطن وللثقة كذلك" أكمل باستمتاع.

حركت قدمي لأبتعد عنه ولكنني لم أقدر على ذلك، كنت متجمدة بمكاني وكأن الشلل أصاب جسدي، أو أن الشلل تمكن مني بالفعل. شعرت بالذعر ،خاصةً مع أنفاسه الباردة التي ضربت رقبتي، الشعور بجسده حولي كان أمثل بالوقوف بجوار غرفة تبريد! كانت البرودة تنبعث منه بشكل مخيف.

ارتجف جسدي ما إن شعرت بأنامله المتجمدة تزيح شعري بعيدًا عن رقبتي قبل أن تتسلل ناحية علامتي وتقبض على رقبتي بخفة. "ألا تجدين الأمر ممتعًا؟ لقد كنتم تفعلون ما نريده تمامًا ولكنكِ ظهرتِ فجأةً وبدأتِ تفسدين الأمر أيتها الصغيرة… أتعرفين كم أن العبث مع المفسدين ممتع؟"

صررت على أسناني بقوة أحاول التحرك ولكني أشعر بجسدي مقيد وبقوة، ذقنه استقر فوق كتفي وشعرت بخصلات شعره تسقط لتلمس وجنتي. "أنتِ مليئة بالحياة" همس وارتفعت أنامله من رقبتي حتى وجنتي لأشعر بألم لعين يتبع أنامله وكأن يمزق جلد وجهي مع كل لمسة. "هل جميع البشر مماثلون أم أنها فقط أنتِ؟" همسه لم يكن موجهًا لي بل لنفسه.

"دعيني أخبركِ بسرٍّ صغيرٍ كنت أحتفظ به لنفسي" عادت أنامله نحو رقبتي لتضغط بقوة لأصدر أنينًا متألمًا "من بين جميع الكواكب؛ كوكب البشر هو أكثر ما أنا متحمس من أجله" زفر قبل أن تتحرك يده الأخرى لتمسد خصلات شعري ببطء "أتساءل إلى أي مدى ستصبح تلك الطاقة التي تجري داخل أوردتكِ خطرة؟ سيكون من الممل قتلك الآن؛ لذلك سأعبث قليلًا وسأراكِ لاحقًا".

لهثت ما إن شعرت بمقدرتي على تحريك أطرافي وقبل أن أقع على ركبتي أتنفس بقوة "من تكون واللعنة؟" صرخت بغضب وأنا أعتصر قبضتي، أحاول تمالك نفسي والتحكم بجسدي "همم، سؤال جيد... لا أعلم أيضًا عن هذا، لكنهم يقولون أني وليد الظلام" سمعت صوت خطواته تبتعد قبل أن يصيح "أرسلي سلامي للفرسان".

البرودة التي سيطرت على المكان بدأت تتحول لشيء من الدفء والضباب بدأ يخف حتى اختفى تمامًا، صاح يوجين ما إن استعاد تحكمه بجسده وركض ينحني نحوي صارخًا "هل أنتِ بخير؟" لهثت بسخرية وقلت "أتظن؟".

قضم شفتيه بغيظ وقال "من كان ذلك اللعين بحق الله؟" اعتدلت وأنا أسند ظهري لجذع الشجرة "وليد الظلام..." همست قبل أن أرفع عيني ناحية يوجين وأقول "لقد كان إيربوسي، وليس مجرد تابع أو جندي ضعيف، أكاد أجزم أنه أحد قادة هذه الحرب".

التمعت عينا يوجين بشيءٍ من القلق وامتدت يده نحو ذقني وأمال رأسي قبل أن يقول "أصابعه تركت أثرًا أسود اللون ولكنه يختفي، أتشعرين بالألم؟" تنفست براحة أحاول استعادة أعصابي "ليس كثيرًا، ولكني أشعر بغرابة لتمكنك من إمساكي بسهولة".

لم يرسم ابتسامة حتى ونهض وقد مد يده نحوي لأمسك بها ويسحبني للوقف "علينا العودة الآن" أومأت موافقة "لست معتادةً حقًا على إمكانيتك من لمسي" هتفت ضاحكة في محاولة لتلطيف الجو "اعتادي الأمر إذًا" قال بابتسامة، تسارعت خطواتنا في محاولة للوصول للمنزل بسرعة.

"هل علي إخبارهم؟" نظر نحوي يوجين عالمًا بمن أقصد "لا أظن ذلك، لسبب ما ذلك اللعين فعل ما فعله ليدفعكِ لإخبار الفرسان، أتتذكرين ما قال؟ أنهم يفعلون ما يريدون ولكنكِ تفسدين الأمر وهذا بسبب تصرفاتكِ الأخيرة في وجه النبلاء، أظن أنهم ينتظرون حربًا داخلية بين سكان الحدود والنبلاء".

ارتفع حاجباي وقلت "أنت محلل جيد". يوجين محق، لذلك أظن أنني سأحتفظ بزيارة هذا الشخص بيني وبين يوجين.

.... 

منذ تلك الحادثة مر يومان كانت الأجواء فيها مكفهرة بسبب غضب أتريوس مما حدث في غيابه وتطاول النبلاء لهذا الحد، أما أنا فظللت أعيش في قلق كان يخف يومًا بعد يوم ولكنه ما زال موجودًا بسبب حديث وليد الظلام ذاك.

استمرت تدريباتي مع أتريوس في محاولة للتحكم بعنصر الأرض بينما أتقنت استخدام النيران بالكامل، لم يصدر رد فعل قوي عندما عرف بأني استعملت عنصرين معًا فقط أومأ برأسه. كان في مزاجٍ سيء طيلة الوقت، ورغم ذلك نظر نحوي بطرف عينه وشكرني على حماية واندر.

يمكنني معذرته لغضبه؛ فواندر تبدو أقرب الأشخاص له، بل أحيانًا أشعر أنها الوحيدة التي تعرفه جيدًا في حياته، لكنه واللعنة ينفس عن مزاجه هذا في تدريبي والأمر مؤلم لجسدي والمحاولة حتى نهاية اليوم تفقدني صوابي.

لا أنكر أنني تحسنت بنسبة بسيطة في التحكم ببعض الجذور والأغصان، ولكن صلابة الأرض تجعل الأمر صعبًا.

ألقيت بجسدي فوق الأرض العشبية بينما وقعت عيني على يوجين الذي يتربع فوق شجرة ضخمة في المكان يراقبني باستمتاع "توقف عن وضع تلك الابتسامة" همست بغيظ قبل أن أعتدل جالسة أدلك كتفي بألم. "ما زلتِ تعانين؟" التفت أنظر لهارليك الذي قال ضاحكًا وهو يتقدم نحوي.

"إن جئت فقط للسخرية فسألكمك" هتفت بحنق ليمنع ضحكته ويجلس بجواري. "أين أتريوس؟" سأل وهو ينظر من حولنا يحاول التقاط هيئته بعينه الذهبية "ليس هنا، استدعته واندر لسبب ما" غمغم قبل أن ينظر حولنا مجددًا ويقول "هل يوجين هنا؟" أومأت ونظرت ناحيته "يعيش دور القرود فوق الأشجار" سخرت ليقهقه بينما أمسك يوجين بثمرة ورماها نحوي.

اتسعت عين هارليك بتفاجؤ وهتف "ما كان هذا؟" أمسكت بالثمرة أقضمها وقلت بفمٍ ممتلئ "يوجين تمكن من لمس الأشياء وإمساكها" نهض بحماس وقال "حقًا! هذا رائع، يمكنك إخافة من تريد بهذه الطريقة" صاح يوجين من فوق الشجرة "بدأت أحب تفكير هذا الفتى" دحرجت عيني وتمتمت "إنه لا يترك فرصة حتى يستغلها".

"بالمناسبة؛ لقد ذهبت لرؤية كارولوس بالأمس" عبست ونظرت لهارليك "تبًا، أنا الوحيدة التي لا تزوره، لا بد أنه غاضب مني" ضحك هارليك وداعب خصلاته الزرقاء قبل أن يقول "يبدو كسولًا نوعًا ما، ولكنه بخير، حاولت إخباره بأنكِ مشغولة ولكنه تجاهلني ببساطة".

ألقيت بجسدي بإحباط فوق الأرضية وقلت "إنه غاضب مني بكل تأكيد" صمت هارليك لوهلة وكان صوت حفيف الأشجار في هذا الصمت مريحًا ومحببًا للنفس.

"لمَ لا تذهبين لرؤيته اليوم؟" غمغمت بتذمر وقلت "لا يمكنني التملص من أتريوس، يملك عينين كالصقر، كما أن مزاجه متعكر جدًا وأي خطأ سيقوم باستغلاله ضدي ويصبح أكثر قسوة" ضربت الأرض بيدي وصحت بحنق. "أظنه قد يخرج اليوم مع أوكتيفيان ولافيان وأغدراسيل، يمكنكِ رؤيته حينها" نهضت وقد لمعت عيني وقلت "حقًا!" أومأ وقال "هذا ما سمعته".

عقدت العزم على رؤية كارولوس مع أول فرصة لاختفاء الطاغية أتريوس.

قررت العودة للمنزل لتناول شيء ما فالجوع تمكن مني بالكامل وظللت أتبادل الحديث المازح مع هارليك طيلة الطريق، توقف كلانا متجمدًا ما إن لاحظنا المراكب الفخمة الموجودة أمام المنزل، نظرت لهارليك ويوجين وبادلوني النظرات ذاتها.

تحركت بخطوات مهرولة نحو المنزل وأنا أشعر بالغضب يتجدد داخلي لولا يد هارليك الذي ركض وأسرع ممسكًا بيدي "لن تدلفي للداخل وتتركي غضبكِ يتمكن منكِ، حينها ستصبحين المخطئة؛ ليس إلا. أنتِ أذكى من الحديث الأهوج".

صررت على أسناني قبل أن أتنفس بعمق وأومئ لهارليك، إنه محق، لا يمكنني ترك لساني ينطلق بما أريد، خاصة وأن كل ما أريد التلفظ به ألفاظ نابية.

ترك رسغي ما إن اطمئن أنني لن أقوم بشيء أهوج ولن أطلق السباب ما إن أراهم، شيء ما في مجيئهم إلى هنا دفع نشوة انتصارٍ داخلي لأن الأمر انتهى بهم هنا دون أن نتحرك نحن.

وقفت أمام باب المنزل الشبه مفتوح ونظرت لهارليك الذي بدا متوترًا هو أيضًا ولكنه في النهاية تحرك دافعًا الباب ليدلف وينظر نحوي في انتظار دخولي. "ضعي أكثر تعبير لا مبالٍ على وجهك" قال يوجين كنصيحة لأبتسم وأنفذ ما قال.

دخل كلانا خلف هارليك لأتفاجأ بكمية الحراسة المنتشرة داخل المنزل بالكامل، بحق الله يبدو الأمر وكأننا إرهابيين!

زفرت والتفت ناحيتهم حيث أن الصمت جال ما إن دخلت بصحبة هارليك، كان الجميع حرفيًا موجود وأولهم أتريوس المبتسم بسخرة ويبدو أنه أثار حنق الأحمق المسمى بفلوريان، حيث الأخير يجلس بتعبير مقتضبة وهو يكور يديه في قبضة يكبح بها نفسه، وبجواره يجلس المدلل أخيه بنجامين وكلاهما يرتديان بذلة بيضاء زينت ياقتها بخطوط ذهبية وصدريهما مرصعان بالكثير من الشارات الذهبية اللامعة التي تدل على إنجازاتهما والألقاب التي يتميزان بها.

في المقابل جلست امرأة لم أرها منذ فترة طويلة، بجمالها الآخاذ وخصلاتها الشقراء التي جمعتها بطريقة جميلة وفستانها الضخم ذي التفاصيل الكثيرة.

كانت سيدة عائلة كليسثينيس تجلس بهدوء يجاورها شقيقها كاليسفار بتعابيره المتهجمة ناحية بنجامين المسترخي تمامًا، بجوار بنجامين على الجانب الآخر جلست فتاة أراها للمرة الأولى بشعر قصير يلامس كتفها أشقر اللون ولكن بدرجة غامقة وعين حادة رمادية، ترتدي فستانًا بدرجة غامقة من الأخضر عاري الكتفين.

نظرت لملابسي التي تتكون من سروالٍ تمزق من عند الركبة وقميصٍ متسخ وقد شمرت عن ساعدي سابقًا والحذاء الجلدي الأسود المتسخة بالطين… واو، الفروق ضخمة بالفعل.

لمحت ابتسامة بنجامين تتسع ما إن لمحني واقفة لأدحرج عيني وأكتم تذمرًا خافتًا بين شفتي. "جلنار، هل يمكنكِ الانضمام لنا؟" التفت الجميع مع جملة واندر ينظرون نحوي وأولهم سيدة العائلة التي لمحت اتساعًا طفيفًا في عينها ما إن وقعت علي. "أنتِ!" صاح كاليسفار بصدمة وهب واقفًا ما إن رآني، ولكنه ابتلع وعاد يجلس بهدوء ما إن رمقته شقيقته الكبرى بحدة.

"هذه هي؟" الصوت ذو البحة المميزة صدح باستنكار لألتفت ناحية الفتاة ذات الأعين الرمادية، رمقتني بنظرة استصغار من رأسي لأخمص قدمي قبل أن تخرج ضحكة ساخرة وتقول "كيف لجارية كهذه أن تتجرأ أمام اللورد بنجامين؟".

زفرت وشعرت بنفسي أبتسم عوضًا عن الغضب "إن كنتِ تظنين أن جارية هي إهانة فعذرًا، لا أظن أي نوع من أنواع العمل الشريف إهانة، إما بالنسبة للورد..." نطقتها بقوة ساخرة بينما أسند هو رأسه على كف يده باستمتاع "فصدقيني لن أتوارى عن الوقوف في وجه أيًا يكن من يظن أن له المقدرة على استعباد الآخرين".

عقدت حاجبيها وجمعت قبضتها وتحول صوتها لآخر حاد "كيف تجرئين على الرد؟" زفرت سيد العائلة وأنهت النقاش "هذا يكفي" صمت الجميع ونظروا نحوها "أنا هنا بأمر من الأميرة للحكم في هذا الأمر؛ فتركه قد يسبب المزيد من المشاكل".

"لا أعرف السبب لاجتماعنا وإضاعة الوقت بينما يمكننا زجها في السجن عقابًا" التفت نحو فلوريان الذي ينظر باحتقار حقيقي نحوي "لمَ لا تحاول إذًا؟" تفاجأ الجميع لنبرة أتريوس الحادة والنظرة الباردة التي وجهها نحوه، كاد فلوريان ينهض منفعلًا لولا واندر التي أمسكت بكتف أتريوس ليصمت.

تنهدت وظننت أنه من حقي التدخل في هذه الحالة "إن كنتم هنا لحساب المخطئ فدعونا نسرد الأحداث بالترتيب. نحن على مشارف حرب قد تنهي جيلًا كاملًا، ضغط كفاية على الأميرة وعلى أحوال المملكة، وعوضًا عن محاولة التكاتف يأتي مدلل العائلة النبيلة مثيرًا جلبةً بين سكان الحدود الذي ذاقوا الأمرين وتم وضعهم هنا تحت حماية الأميرة متفاخرًا ويحاول قتل فتى على مرأى من الجميع بحجة مساسه بأحد رجاله".

بدت الصدمة على وجه كل من كاليسفار وشقيقته، تجهم وجه فلوريان أكثر وعقد شقيقه حاجبيه وقبض فكه، استمتع الآن بقدر ما تريد.

استندت على الجدار بتعبير مستريح وأردفت "أتظنون حقًا أن سكان الحدود سيتقبلون الإهانة حتى نهاية العمر؟ حبًا بالله تحلوا ببعض الذكاء، ملك الظلام ينتظر الشرارة الأولى لحرب تقوم من الداخل وحينها كل ما عليه فعله هو النفخ في الرماد ووضع عرشه داخل القصر".

أصبت الهدف تمامًا وفجأة تحولت الأنظار من علي إلى بنجامين الذي ظل يحدق نحوي ببرود وتعبير غير مقروء. "الأهوج هنا يقوم بإشعال الفتيل ملبيًا رغبات ملك الإيربوس، وبعيدًا عن الحرب، هل سمع أحدكم من قبل عن الرحمة أم أنها كلمة تم محوها من قاموسكم؟".

صمت جال المكان قبل أن يهتف كاليسفار مستمتعًا بانقلاب الأوضاع "إنها محقة تمامًا، ذلك كان تصرفًا في غاية الحمق" زمجر فلوريان في وجه كاليسفار الذي رمقه بلا مبالاة "كلاكما تصرف بطريقة حمقاء، ما كان على اللورد ألفن محاولة التصرف كما يريد".

"لقد أصابت رجالي بأذى" زمجر بنجامين مما دفعني للابتسام "كم أنا سعيدة بذلك". رمقتني سيدة العائلة بطرف عينها وقالت بحدة "وأنتِ، إثارة ضجة كهذه بين الجميع والتعدي على رجال عائلة ألفن سيءٌ كفاية لإثارة الفوضى حول الأمر" أغمضت عيني بصبر وقلت "كيف لي أن أتصرف بينما يقف هو كطاغية يأمر الجميع بالانحناء ويجر فتاة بريئة وسط الجميع؟".

لاحظت عبوسًا على ملامحها ونظرة شبه كارهة ألقتها ناحية بنجامين ولكنها أخفتها بسرعة "كان عليكِ إخطار الأميرة بالأمر، وإن تفاقم الأمر كان التهديد بالسلاح دون إصابة أحدهم يكفي" ضحك فلوريان ساخرًا وقال "التهديد بالسلاح؟ ألن يثير هذا فوضى كافية؟".

حولت نظرها نحوه ببرود "ألم يسبب شقيقك اللورد فوضى كافية؟ تهديد السكان وجرهم وإجبارهم على الركوع والتعدي عليهم والشروع في قتل أحدهم" هتفت الفتاة ذات الفستان الأخضر "من الواضح انحيازكِ التام نحو تلك النكرة، هذا متوقع منكِ" تنهدت كأنها تعامل طفلة وقالت "أتظنين أن علينا إخطار الأميرة بالأمر إذًا؟".

بدا الجميع عالمًا بموقف الأميرة دون إخبارها وهذا كان واضحًا بسبب نظرة بنجامين الحادة ناحية الفتاة وقال بلباقة "أعتذر عن تصرف خطيبتي، إنها منفعلة بسبب الأحاديث المتداولة مؤخرًا" قضمت الأخرى شفتيها بصمت.

"لكن تجاهلكِ الدعوة الملكية هو شيء آخر" النبرة الحادة للسيدة كليسنيثيس دفعتني للاعتدال في وقفتي وقول "بالنظر في الأمر لم أرَ أنني مخطئة، كما أن خدمة الفرسان هنا تأخذ الوقت بالكامل، أيهما أهم يا ترى؟" لمحت ابتسامة مندهشة على وجه كاليسفار بينما تنهدت شقيقته بيأس.

"هذا يعني أنها لن تزج في السجن؟" صاحت خطيبة بنجامين والذي أرى أن كليهما لائق للآخر لحقارته "لن يزج أحدهم في السجن، آنسة فيوليت. نحن هنا لإنهاء هذا الخلاف بأكثر الطرق سلمية" تجهم وجهها وقبضت على فستانها بقوة ورمقتني باشمئزاز.

"لمَ هذا الانفعال جميعًا؟ لست هنا لسجنها على أي حال" التفت فيوليت نحو خطيبها ترمقه باستنكار واضح بينما هو وضع ابتسامة خبيثة على وجهه "بما أننا نتوصل لحل سلمي فلا بأس، أنا مستعدُ لترك ما حدث يمضي بسلام".

رمقه الجميع بشيء من الاستغراب، وبطرف عيني لمحت أتريوس يغمض عينه بصبر يكاد ينفد. "بما أننا أصدقاء يمكنني توجيه سؤال للأنسة..." نظر نحوي لفترة قبل أن يقول بنبرة متعجبة ومصطنعة "هذا صحيح، لا أحد منا يعرف من تكونين! وبأي اسم يجب أن نخاطبكِ" صمت قليلًا ونهض من مكانه متجهًا نحوي "أخبريني، من تكونين؟".

عقدت حاجبي وألقيت نظرة قلقة ليوجين الذي يراقب بوجه مكفهر. "إلى أين تريد الوصول بالضبط؟" تدخل أغدراسيل حانقًا مما سبب اتساع في ابتسامته "أريد فقط معرفة من أصدقائي هنا؟ أليس من الغريب أن لا سجلات باسمك! لا بطاقة تعريفية ولا معلومات شخصية على الشبكة، لا أحد يعرف من أنتِ ولم يرَكِ أحد، لستِ مسجلة ضمن من تم نقلهم إلى هنا، كل ما يتردد هو قريبة واندر من الحدود… من أنتِ بالضبط؟".

اتسعت ابتسامة أخيه وراقبت خطيبته الموقف بشيء من الاستغراب وأنا تمكن القلق مني، ولكني تماسكت ووضعت قناع البرود ذاته "ميؤوس منك، أحقًا تملك وقت الفراغ هذا في ظروف كهذه للبحث عني؟ تملك خطيبة، لمَ قد تكون مهتمًا جدًا بفتاة أخرى؟".

رسمت ابتسامة ماكرة وأنا أراقب خطيبته المنفعلة وقد عرفت كيف سأخرج نفسي من هذا المأزق بسهولة.

"ما الذي تقصدينه أيتها اللعينة؟" زمجرت وهي تقف على قدميها وتتقدم ناحيتنا وعبوسٌ تملك بنجامين، وقبل أن يفتح فمه ليقول شيء أكملت أنا أحاول إشعالها "لمَ تسأليني؟ خطيبكِ من دعاني في المقام الأول لمرافقته لقصره لغربته في التعرف علي بشكل أفضل" اقتبست حديثه سابقًا لتتسع عيناه فجأة قبل أن يتنهد ويرفع عينيه نحوي هامسًا "خبيثة".

"كيف تجرئين؟" صرخت الأخرى لأضحك وأزيد من حدة الموقف "سلي... خطيبكِ" ضغطت على الكلمة وانطلقت بخطوات بطيئة استفزها نحو الخارج ولحقتني ضحكات يوجين وهو يهز رأسه لفعلتي.

ما إن خرجت من المنزل تفاجأت بها تسحب قميصي لألتفت نحوها وترفع يدها بنية صفعي، أمسكت برسغها كرد فعل سريع وضغط عليه بقوة وقلت من بين أسناني "اسمعي أيتها المدللة، لا أهتم بمن تكونين وبمن يكون خطيبكِ، توقفي عن إزعاجي وخذي رجلكِ بعيدًا عنا، ضعي اهتمامكِ لتلك الأرواح التي تضيع هباء بينما تتذمرين لطعم الكعك السيء بكل صباح".

ألقيت يدها بجانبها وتركت جسدها الذي يرتجف غضبًا وتحركت مبتعدة "فقط... موتي" عقدت حاجبي بملل والتفت ناحيتها ولكني تفاجأت بقبضة تسحق معدتي وبجسدي يحلق لأقع على ظهري على بعد أمتار منها لأشعر بالألم يقسمني لنصفين، اللعينة استخدمت الهواء ضدي!

شعرت برأسي يدور بسبب ارتطامه بالأرضية ورؤيتي أصبحت مشوشة، حاولت النهوض لأجلس على الأقل، تأوهت للألم الذي ازاد يحطم ظهري. اتسعت عيني ما إن لمحتها تتحرك مسرعة نحوي وقد تحول ذراعها بالكامل لنيران تنوي تشويه وجهي بها، رفعت يدها متجاهلة زمجرة خطيبها الذي خرج من المنزل يلحق بها ويلحقه الجميع، ولكن لم يمنعها أحد وقد تكونت كرةٌ ضخمة من النيران ألقتها نحوي.

أغمضت عيني بقوة وحميت وجهي بذراعي في محاولة للحفاظ على ملامحي حتى لا تتشوه وانتظرت موجة من الحرارة لتحرق جسدي، لكن ما حدث هو أنني لم أُصب بشيء، بل على العكس، شيء ما ارتطم بالأرض بقوة تلا الارتطام زئيرٌ قويٌّ دفعني لإبعاد ذراعي عن وجهي والتحديق بهيئته السوداء الضخمة أمامي.

شعرت بقلبي يضرب بقوة داخل صدري وأسوأ السيناريوهات كانت تنعرض في ثانية، خاصة مع صراخ فيوليت الهلع وصوت الرجال المصدوم.

"كارولوس!"

صراخي باسمه لم يكن مسموعًا لزمجرته الغاضبة التي تصم الآذان، سيقتلونه!

نهضت على قدمي وحاربت الألم الذي ضرب ظهري ورأسي بشكل أقوى وركضت بسرعة وأنا أصرخ باسمه ليتوقف.

ما إن وقفت أمامه لأمنع أي أحد من إصابته استطعت رؤية فيوليت التي تزحف للخلف وقد اختفى اللون من وجهها وبنجامين الذي تجمد قبل أن يركض بسرعة يسحب جسدها بعيدًا قبل أن يتأهب للقتال، شقيقه أشهر سيفه بسرعة وكذلك أتريوس الذي أمسك بفأسه يجاوره أوكتيفيان وأغدراسيل ورومياس وكل من يستطيع القتال وحفنة كبيرة من الحرس الذي بدا الفزع على وجوههم وقد حاولوا التماسك لحماية أسيادهم

سيء، سيء جدًا…

"جلنار، ابتعدي من هناك!" صراخ أغدراسيل جذب انتباهي نحوه بينما تحرك أتريوس بلا تردد نحونا يحاول إنقاذي كما يبدو!

ما إن تحرك أتريوس تحرك البقية معه يستمدون الشجاعة منه رغم التردد الذي أبطأ بعضهم بحذر وهم يتبادلون الأنظار ويحاول إحاطة كارولوس.

في المقابل لم يبدِ كارولوس رغبة في التراجع وقد أخذ وضعيةً للهجوم وبدا مستعدًا لمحوهم، خاصة مع عينه التي تحولت للأسود وصغر بؤبؤها الأبيض. بدا الطرفان مستعدين للقضاء على بعضهماح مما دفعني للصراخ بقوة بطرف أتريوس ليتوقفوا.

"لا تقتربوا ولو خطوةً واحدة!" صرخت بصوت عالٍ أحاول تدارك الأمر "جلنار، لا تهلعي، لن ندع هذا شيئًا يؤذيكِ" هتف جوزفين الممسك بسيفه وبدت ثونار خلفه تحاول نطق تعويذة ما

 "واللعنة أنا لست خائفة! إن حاول أحدكم أذيته فأنا من سيركل مؤخرته".

بدت الدهشة على وجوههم ولكني التفت ناحية كارولوس بسرعة ما إن صك أسنانه مستعدًا لتمزيقهم وحرقهم بألسنة لهبه. "توقف أنت أيضًا!" صحت به ولكني استشعرت حذره وغضبه القوي، خاصة وأن عينه لا تنظر سوى لفيوليت وكأنها أول من سيفتك به.

"كارولوس، توقف الآن!" صحت بصرامة ولكنه بقي كما هو "كاورلوس، انظر إلي هنا!" ببطء تحركت عينه نحوي قبل أن تعود لفيوليت ولكني وقفت أمام وجهه أمنعه من النظر نحوها. "إنهم أصدقائي!" صحت به وتقدمت ليأخذ هو خطوة للخلف وما زالت أنيابه ومخالبه بارزة بترقب.

نظر نحوي وشعرت به يسخر مني مما دفعني للنظر ناحية فيوليت وبنجامين وفلوريان وهتفت "لا أمانع موت هؤلاء..." حينها بدا مستعدًا لمعاودة الهجوم ولكني أوقفته "ولكنهم لن يفعلوا؛ لذلك توقف" زمجر بغضب ولكن أخذت خطوة أخرى وقلت "اجلس بهدوء" بدل نظره بيني وبينهم لأقترب منه بشكل كبير وأربت على رأسه ليهدأ "لا بأس، سنذهب من هنا معًا" همست ومسحت عليه ليصدر خرخرة راضيةً بسبب مداعبة يدي لرأسه.

ظللت أمسح على رأسه والتفت أواجه نظراتهم المتسعة بصدمة حتى أن جوزفين أفلت سلاحه بصدمة ويكاد فكه يلامس الأرضية. "أخبرني أنك من تتحكم به" صدح صوت كاليسفار نحو تينر جام الذي ظلت عينه معلقة على يدي التي تمسح على رأس كارولوس وهتف "أتمزح! الملكة نفسها لم تقدر على ترويض واحد!".

المزيد من الفوضى التي لن تنتهي، الآن سيصدقون أنني فتاة من الحدود بالفعل.

وقعت عيني على السيدة كليسنيثيس التي حدقت بصدمة لكارولوس قبل أن تتحول نحوي باستنكار.

"من أنتِ بالضبط؟" تقدم بنجامين لتنقبض عضلات كارولوس ويزمجر مما دفعني للصراخ به "تحرك إن أردت الموت" ثبت بمكانه وتحركت أنا بسرعة أقفز فوق ظهر كارولوس، علي إبعاده من هنا إن أردت أن ينتهي الأمر بلا ضحايا.

وقعت عيني على أتريوس الذي وقف مكانه وعينه ثابتة علي بشيء من الدهشة قبل أن يعقد حاجبيه ويحرك شفتيه بجملة لم يفهمها غيري "سنتحدث عن هذا".

لم أتمالك ابتسامتي قبل أن أربت على كارولوس ليتحرك ويرمقهم جميعًا بنظرة شرسة قبل أن يفرد جناحيه ليرتفع عن الأرض وتصدر فيوليت صرخة هلعة وهي واقعة فوق الأرض، لمحت واندر تضع يدها فوق رأسها وقد تجمد جسدها بالكامل.

آخر من وقعت عيني عليه كان هارليك الذي يمنع نفسه بصعوبة من الضحك قبل أن يلوح لي.

أمامي الكثير لتفسيره.


*********************************************

اخباركم؟

اسفه على التأخير بس اليومين دول مشغوله شويه.

لكن الفصل 10000 كلمه وملياااااان احداث فاعتبروا تعويض وان شاء الله بحاول بكره انزل الفصل كمان 

مش عارفه اتكلم عن ايه ولا ايه مش حرماكم من حاجه ماشاء الله عليه 

مومنت موجود 

اكشن موجود

قتال موجود

ضحك موجود 

صدمات موجود

جلنار وهي بتقنع الفرسان ميقتلوش كارولوس : اركص تنين بالعالم، جددييدوووو، ركيصووو، يجننن، يهبللل خياااال

حاليًا مستنية قروب يجي يعجب برجل الجليد الي طلع بنص الغابه 

بعتذر مبدئيًا عن اي تأخير بس نقل الفصول من ملف الوورد للمدونه وترتيب تنسيقهم وتظبيطهم بياخد وقت والفتره دي رمضان واليوم مقلوب عندي وبين الدراسة والطبخ وتنظيم الحياة الي مش بتتنظم

بتقرأوا قرآن؟ 

وصلتوا لاي جزء؟

حاولوا تحافظوا على قراءتكم في الشهر ولا تنسونا من دعواتكم 

انجوي بالفصول 

لوف يو 

باي 

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

61 تعليقات

  1. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  2. الردود
    1. نفسي افهم شي انتو اللي بتكون كومنتاتكم قبل وقت تنزيل الفصل كيف هيك ؟! ولا انتم في بلد بعيدة اللساعة فيها غير ؟!

      حذف
  3. ❤️❤️❤️❤️😍😍😍

    ردحذف
  4. ياهووو نزل الفصل 🤧🤧💙💙

    ردحذف
  5. انا فخورة بيكي اوي يا اسراء والله♥️♥️ انا في الجزء الخامس للاسف النهاردة مقرأتش ، ادعيلي لو شوفتي تعليقي♥️

    ردحذف
  6. ده اللي كان نفسي فيييه الشابتر اللي مستنياه من أول الرواية ظهور كارولوسس

    ردحذف
  7. لا الفصل مش طويل زي ماقلتي 😭😭😭

    ردحذف
  8. حمااااااس 😍😍😍😍

    ردحذف
  9. ♥️♥️♥️♥️ 😭 بعشق ظهور كارولوس هنا اوى

    ردحذف
  10. وحشني مشهد حماية كارولوس ليها اوووووووووي♥️♥️♥️♥️♥️♥️

    ردحذف
  11. ولا مشهد اكتشاف موهبة يوجين 😂😂😂😂😂😂😂😂😂♥️

    ردحذف
  12. رأئع فصل اليوم رائع جدا اعجبني تسلسل الأحداث وشخصية جلنار الي اصبحت اقوى شيئا فشيئا والقادم احلى ❤❤❤👍👍👍

    ردحذف
  13. حبيت امدح اسراء على اختيار الصور الي بمقدمة الفصول دائما معبرة وجميلة 🌹🌹🌹🌹👌👌👌

    ردحذف
  14. بحب الفصل ده اوي 🖤🖤انا في جزء 8

    ردحذف
  15. اجمد فصل و تسجيل دخول حبيب الملايين 🔥🔥♥️

    ردحذف
  16. مع أني بعرف أحداث لي رح تصير بس حماس لي بيجيني كل ما أقرأ رواية عمايل مايتضاعف أكثر فأكثر😍😍😍❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  17. اوووو اول مره اقرأها و حاسه بكميه حماس و سعادة فوق الوصف 🥹🥹♥

    ردحذف
  18. واخيرا المشهد انتظرته 😭😭كارولوس حبيبي هو صدمتهم ضحكتني بس مومنتات غرفة نوم اتريوس 😂😂تضحك

    ردحذف
  19. وخيرا ظهور كارولوس للعلن 💜

    ردحذف
  20. فراشااااااااات في البطن
    ارجوكي لا تتأخري بتنزيل الفصول

    ردحذف
  21. احلى شي من اشوف اسراء منزلة فصللل ياخي سعااادة

    ردحذف
  22. شكراً سوسو ربي يوفقج ويسعدج بحق محمد وال محمد

    ردحذف
  23. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  24. الحماااس خلصت الفصلللل وربي كعدت اصرخ من الحماااس ياربييي

    ردحذف
  25. كارلوس العظييم ووصصااالللل
    احب الجزء الجاايي لمن تشرح لهم ياربي

    الله يتقبل منا في رمضان ويغفر لنا ولموتى المسلمين ياارب، مادري كيف بننتظر لبكرة الصراحة

    ردحذف
  26. الفصل يجنن و احلى شي بيه صدمه فيوليت وخوفها من كارولوس 😂 شكراً على الفصول الحلوه 💓

    ردحذف
  27. اااااااااعععععععع حمااسسسسس😭😭😭😭😭

    ردحذف
  28. حمااااااااااااااااااااااس 🔥🔥🔥🔥

    ردحذف
  29. اول اشي ما اتوقع انك تقرأي التعليقات 🫂بس حابة أشارك بإستنتاج طلع معي😭
    هسا باعتبار جلنار ابنة التوبازيوس بتوقع انها رح تمتلك كل القدرات يلي مع الفرسان الثانية بس بتكون متطورة زي انها قدرت تروض التنين وتتحكم بالأرض والنار ولسا رح تقدر تتحكم بالمي والرياح غير ذكائها وكثير من القدرات يلي لسا رح تطلع وبرأي اهم مهارة الها هي انها رح تقدر تروض حبيبنا وتخليه انسان مقبول اه صح هو مش انسان بس مش مشكلة مع الوقت اتمنى اني ما اطلع كلاون🫂

    ردحذف
  30. وليد الظلام للاسف وقعت في شباك حبه 😍😭💕

    ردحذف
  31. بنات تزعلوش مافي بارت … إسراء إذا بتقراي التعليق نزلي بكرا بارتين حبيبتي وانا بحبك

    ردحذف
  32. ببكي حاسه ان احنا بنجري في الرواية يعني كنا لسه في البداية و عايشين مومنتات ديفيد و جلنار و بووم بقينا عايشين مومنتات اترينار غير ظهور وليد الظلام بجد مش مستوعبة السرعة 😭😭😭، حقيقي بارت دسم و مليان بداية بمومنتات اترينار و بعدين تتطور يوجين، تحكم جلنار بعنصرين، و حمايتها لواندر، ظهور وليد الظلام، تاني لقاء ليها مع بنجامين، و في الاخر ظهور كارولوس، احداث نااار 😭💕🔥🔥

    ردحذف
  33. الجزء الوحيد تقريبا الي مزالت مذكرته ظهور كارلوس😭 + كلما اقرا الروايه تذكرني بألعاب السولز

    ردحذف
  34. الفصل يجنن

    سؤاااال.. مو المفروض جلنار متخاف من النار، لان جسمها يقدر ييمتص النار 🤔

    ردحذف
    الردود
    1. هي تخاف من النار قبل ماتعرف انها تتحكم فيها بسبب حادثة ابوها

      حذف
  35. فصل ااخر لو سمحت 🥺😂❤️❤️❤️ قصة هذي ادمااااان والله حبييت

    ردحذف
  36. يا ريت ترجعي تنزلي كل يوم خلي نبدا بالاجزاء الجديدة مقدرتش نصبر🥹

    ردحذف
  37. اخخخ الحماس وصل عندي الف لسا مش نايمه بس عشان اللحق الكاتبه 😭💜

    ردحذف
  38. ياخي كل بارت بتعلق بالرواية اكتر 😭💗💗💗

    ردحذف
  39. النهاية دماااااااااار بالمعنى الحرفي 🤣🤣🤣🤣🤣🥳🥳🥳

    ردحذف
  40. عرفوا بكارولوووسس!!! متتتتتت 😭😭
    ما اقدر حمااسسس ههههه

    يضحك يحسبونها خايفه منه وهي جالسه تحميه يحليلهم ههههههههه

    بس والله كفوو كارولوس اقوى تنين بالدنيا جا يدافع عنها اسطورتي والله

    ردات فعلهم قتلتني ما اقدر اننفسسس 😭😭😭😭😭
    وهارليك موودد يحاول يكتم ضحكته هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه

    وتستمر جلنار بانها تصدم الناس بقدراتها العجيبه في مكان عجيب اصلا🌹

    ردحذف
  41. ءء-- وليد الظلام--
    اوميقاد.. دخت ددخخخختتتت!!
    يمهه يجننن شعره وملابسه وعيونه وحركاته وكلامه عااااااا ييهههبببببلللل! معلش شكلي بخون تيم الفرسان وانتقل لتيم الايربوسيين وقعت لقائدهم🌹
    يعني مسويه شرير احلى من حياتي وانا مفروض اكرهه؟ ما اقدر ما اقدر

    ردحذف
  42. "لا أعرف السبب لاجتماعنا وإضاعة الوقت بينما يمكننا زجها في السجن عقابًا" _ فلوريان

    "لمَ لا تحاول إذًا؟" _ أتريوس

    يااه شوفوا اتريوس الجميل يدافع عن حبيبته🎀 (في عالمي الموازي)

    ردحذف
  43. ابتسمت بجانبية وأكاد أقسم أنها أحد ابتسامات أتريوس المعدية "اغرب عن وجهي؛ ففكرة إرسالك لسيدك أنت ورفاقك كقطع منفصلة أصبحت أجمل فجأة".

    الو جلنار نسخة أتريوس معانا؟
    والله مرات تصير تخوف كيف شخصيتها تقلب ١٨٠ درجة بثواني ههههههه

    ردحذف
  44. «تحرك الحارسان وأحدهما ينظر بحقد نحوي، كل ما فعلته هو أني أحرقته ليس إلا!»
    يووه شدعوة الحارس مره دلوع!! مين يزعل عشانه انحرق؟؟ تراكم اوفر سايز كانت تلعب معكم

    جلنار بي لايك: "أحرقته ليس إلا! 🥺🎀"

    ردحذف
  45. بموتت لما جت جلنار تصحي أتريوس الصبح هههههههههه عااااا حلوييننن بس أتريوس كلبب ويعزتي لجلنار

    "أنا مدربكِ، خبر جديد!"_ أتريوس
    "أنا قائدتك، خبر أجدّ!" _ جلنار
    قتلونيي 😭😭😭😭

    ردحذف
  46. توقفت قبل أن التفت ناحية يوجين وأصرخ "احترق في الجحيم!" بدت الصدمة على وجوه الجميع "مع من تتـ..." قاطعت لافيان وما زلت أصرخ "أنا مجنونة، لا تناقشني فيما أفعل!"

    اننهههرتتتت على هالمشهد فشلههه هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه

    ردحذف
  47. اقولها للمره المليار وببقى اقولها، ثونار تجنن مفضلتي ههههههه واقوى داعمه لكوبل أتينار 🎀

    ردحذف
  48. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  49. «شيء ما يخبرني أنه كان يعرف بالفعل أن أغدراسيل في الجوار حينها»
    قاعدة تحط له اعذار واضح من الحب 🌹🌹
    -
    حركت أصابعي لا إراديًا ألمس ذقنه الخشن
    "هل تحاولين التحرش بي؟".
    خرعني!! 💀 كلب ليش يسوي نفسه نايمم ههههههههههه
    -
    "كنت قلقًا من اضطراري لاستعمال الأريكة إن ظللتِ نائمة" "لا تفهمي حديثي بشكل خاطئ، لم أكن لأنام على الأريكة، كنت سأحملكِ وأضعكِ عليها وأستخدم سريري".
    😭😭😭؟
    ءء- طيب- لسه كنت بدي اقول انك جنتل مان وامدحك! خربتها علي

    ردحذف
  50. رده فعل يووججييننننن على ان جلنار كانت بغرفة اتريوسسس انكتممتتتت!!! 😭😭😭 درامي ورا كل كلمه من جلنار يقعد يصارخ هههههههههه صراخه اقدر اسمعه كويس باذني احسه كانه بنت هههههه
    والي يضحكني ويحببني فيه اكثر انه يشبهني وايد كلنا دراميين وبس نصارخ
    -
    "هذا لا علاقة له بذاك، أنا الوصي الرسمي عليكِ وأنا قلت بكل وضوح ألّا أتريوس بعد الآن ثم... تقفزين إلى غرفته؟"
    يتعامل كأنه ابوها منجد ههههههه يججنننن عشقييي

    "إلى سريره بشكل أدق" برو.. حبيبتي جلنار يعني خلصت الكلمات ؟ 💀💀💀💀
    ما الوم يوجين على ردات فعله وصراخه، فعليا ما بستغرب لو صابته جلطه حتى وهو شبح من وراها 😭

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال