السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إفصاح: "اللهم يا باسط اليدين بالعطايا، سبحان من قسَّم الأرزاق ولم ينس أحداً، اجعل يدي عُليا بالإعطاء ولا تجعل يدي سفلى بالاستعطاء، إنك على كل شيء قدير".
إفصاح آخر "إن وسائل الإعلام هي اليد اليمنى للفوضى". دان بروان
مساحة لذكر الله
****************************************
الفصل الثاني الثلاثين
فوضى! الأمر كله آل إلى فوضى، وفي هذه اللحظة حاولت تذكر متى لم
يتحول كل شيء لفوضى هذه الأيام! لكن هذا مستوى آخر...
لم يمضِ يومان على تنبيه واندر لي بألا أكشف نفسي أمامهم وأن أكون أكثر حرصًا على هويتي لكن الفضل والشكر لكارولوس، لن يترك مجال للشك لأحد!
حلقنا مبتعدين عنهم بينما جاور كارولوس يوجين الذي ظل يمتدحه طيلة الوقت مما زاد من اعتزاز كارولوس بنفسه. "توقفا، لمَ أنتما سعيدان؟ لقد كدت تؤذي نفسك وتؤذي أشخاصًا أهتم لهم! وأنت، يوجين! كنت سأجن إن أصاب كارولوس أذى بسببي!" صمت كلاهما وتهربا من النظر نحوي.
هبط كارولوس عند ذلك الشاطئ الذي جئنا إليه من قبل مما دفعني للقفز من فوقه والتحرك لأقف أمامه وأكتف ذراعي "ما فعلته كان تهورًا، كان بإمكاني الاعتناء بنفسي".
قهقه يوجين وقال "إنه يخاصمكِ بكل وضوح، لم تحاولي زيارته ولو لمرة، والآن تقومين بتأنيبه لمحاولة إنقاذك" تحرك كارولوس يقف خلف يوجين وكأنه يتفق معه. "أنتما الاثنان! منذ متى تتفقان بحق الله؟" شبك يوجين يده خلف رأسه وقال "منذ أن قررتِ التخلي عن المسكين".
زفرت وتحركت نحو كاورلوس وبررت "أنا حقًا لم أقصد تجاهلك، لكن لم أملك فرصة لأتنفس وذلك اللعين يعرف ذلك، كما أني لست غاضبة لدفاعك عني، أنا غاضبة لأنك كدت تؤذي نفسك، أتعرف كم متحكم عناصر كان هناك؟ كما أن ثونار ساحرة وبقيتهم محاربين، أتظنني كنت لأكون راضيةً إن أصابك أذى بسببي؟".
أشاح وجهه واستلقى فوق الأرضية ينوي النوم. "لا تتصرف كطفل!" هتفت والتفت نحو وجهه ليشيح به للناحية الأخرى، جلست بإحباط وأسندت رأسي عليه "ماذا تريد مني أن أفعل لتعويضك؟".
تحرك بسرعة بعيدًا ليقع جسدي فوق الأرضية بما أني كنت أرمي بثقل جسدي عليه، تمتمت بتذمر وقذفت الرمال نحو يوجين ليتوقف عن الضحك.
"قولي الحقيقة فحسب" التفت بسرعة ناحية أغدراسيل وثونار الذين هبطا فوق الأرضية ونظرا لكارولوس الذي راقبهما بتكاسل ولكن بحذر.
"تروضين تنين شفق ولم تكلفي نفسك بإخباري؟" صاحت ثونار وهي تصفع ظهري بقوة "هذا أكثر شيء مدهش أراه في حياتي!".
أتبعت وهي تصرخ بحماس بينما تقفز مما دفع كارولوس لتحريك ذيله بسرعة لتتعثر به وتقع فوق وجهها "إنه يظنكِ مزعجة" تمتمت دون أن أكلف نفسي النظر نحوها.
"تنين لعين" همست بحقد وهي تمسح على أنفها بألم "كيف فعلتِ أمرًا كهذا؟" نظرت لأغدراسيل لأتنهد وأقول "لم أفعل شيئًا، كل ما حدث هو أني صادفته في الغابة واتفقنا معًا".
نظرت لكارولوس الذي أراح رأسه والتفت ذيله حوله "ولكنه معكر المزاج حاليًا".
"صادفته واتفقتما؟ بهذه البساطة؟ جلنار، إنه تنين شفق!" هتف أغدراسيل قبل أن يأخذ خطوة سريعة للخلف ما إن حرك كارولوس جسده.
"اجعلي هذا التنين يتوقف عن رمقي" همست ثونار وهي تختطف نظرات حذرة نحو كارولوس، قام الأخير بحركة مفاجئة دافعًا ثونار للقفز خمسة أمتار بعيدًا عنه مستمتعًا بوقته بإخافتهما.
سعل أغدراسيل محاولًا إخفاء توتره من وجود كارولوس وتحرك عشر خطوات يلتفت من حوله ليقف أمامي وكتمت أنا ضحكي لمظهرهما. "اللعنة، جلنار، ابعديه عن هنا!" صاح أغدراسيل تلقائيًا ما إن نهض كارولوس فجأة والتفت ناحيته.
"كارولوس، توقف عن العبث" نبرتي تخللتها ضحكة حاولت كتمها. "كارولـ... أعطيتِ تنين الشفق اسمًا؟" صاحت ثونار وهي تنظر نحوي بعدم تصديق "إنه ليس حيوانًا أليفًا، هذا هو اسمه" رفع أغدراسيل حاجبًا "وكيف عرفتِ؟" رفعت كتفي كرد وتمتمت "فقط عرفت".
"ماذا قال؟ مرحبًا، أنا كارولوس، لنتعرف؟" هززت رأسي نحو ثونار وقلت "ظهر اسمه داخل عقلي فجأة، عندما رأيته للمرة الأولى عرفت أنه كارولوس فقط" تبادل كلاهما النظرات بصمت، التفت أنظر ليوجين الذي ظل يداعب كارولوس والاثنان مستمعان.
"هناك الكثير لا يمكننا تفسيره حاليًا" أومأت لأغدراسيل فهذا أمر مسلم به "ولكن عليكِ الحديث مع الجميع عنه" قال وأشار بعينه نحو كارولوس الذي رمق أغدراسيل بطرف عينه ليأخذ الآخر خطوة حذرة للخلف.
"ماذا علي القول بحق الله؟ لا أريد العودة بكارولوس، سيحاولون قتله!" صحت بكليهما ليتنهد أغدراسيل ويجثو على ركبته بجواري ويضع يد فوق كتفي "لن يحدث" دحرجت عيني "حبًا في الله لا تكذب علي، أنتما أيضًا حذران بشأنه وغير مقتنعين بالأمر، ثم النبلاء الملاعين، أتظن أنهم سيتركونه؟ سيتم قتله بحجة أنه تهديد وإن لم يتمكنوا من ذلك ولن يتمكنوا سيبتعد كارولوس لحماية نفسه وأنا من سأجبره على ذلك حينها".
مسحت على وجهي وزفرت لنبرتي اليائسة قبل أن أشعر برأس كارولوس تحط على كتفي وتدفع وجهي كمواساة، كيف لي تركه بحق الله؟
كالعادة ابتعد أغدراسيل بسرعة ما إن اقترب كارولوس ولكنه ظل ينظر لفعلة كارولوس باندهاش.
"لا أظنه مؤذيًا" همست ثونار وهي تقترب بحذر ولكن زمجرة كارولوس نحوها دفعتها للزحف بعيدًا وهي تلعنه. "توقف إن إخافتهما، تزيد الأمر سوءً" أنبت كارولوس ليهرهر باستمتاع ويدفع رأسي بخفة لأمسح على فكه.
"هذا أشبه بحكاية خيالية" تمتمت ثونار وهي تحدق بكلينا. "لا يمكنني التخلي عنه" تذمرت وأنا أنظر لأغدارسيل الذي ابتسم وقال "لن تفعلي، لن يمسه أحد بسوء، فقط اشرحي الأمر وأريهم كم أن صديقكِ غير مؤذٍ"
"وما أدراك أن لا أحد سيمسه بسوء؟"
"لأن هذه أوامر الحكيمة"
اتسعت عيني والتفت بسرعة ناحية ثونار التي كانت ترسم أشكال عشوائية فوق الرِمال الرطبة "ماذا؟" كان هذا دور يوجين ليقفز جالسًا بعد أن كان مستلقيًا فوق كارولوس. "ماذا تعني؟" صحت بها لتضحك وتنظر لأغدراسيل ليفسر هو "ببساطة استدعت سيدة كليسثينيس الحكيمة ومنعت أي أحد من النبلاء الموجودين من المغادرة حتى مجيئها وإخبارها بما حدث، وهي بدورها أمرت الجميع بعدم مس تنينك بأذى".
رمى نظرة سريعة نحو كارولوس قبل أن يعيد عينه إلي ويردف "بالرغم من أنه من الصعب التحكم في أقوال جميع الحرس الموجودين وستنتقل الكثير من الشائعات والأسوأ أن نظرة الأخوين ألفين لم تكن تبشر بخير، لكن كان أمر الحكيمة واضحًا، طالما أن التنين على أرض الفرسان فلن يمسه أحد".
طرفت بتعجب والتفت أنظر لكارولوس الذي بدل نظراته بين كل مني وأغدراسيل. "تعني أنها لم تأمر بقتله؟" حرك رأسه نافيًا "لقد أمرت الأخوين ألفين بالعودة لأرضهم دون المزيد من الفوضى وعدم التعرض لكِ، لن يكبحهم هذا بكل تأكيد ولكنه سيخفف وطأة ألاعيبهم حولك، إنها تنتظر مع الأخوين كليسثينيس في المنزل".
صحت بتذمر "اللعنة، لا أحب لقاءها" قهقهت ثونار وصاحت "الشيء ذاته يا صاحبتي".
كان عدم الاقتناع واضحًا على وجهي لكني لم أحاول مجادلته حاليًا.
"العقبة الوحيدة حاليًا هي إقناع الفرسان بأنه ليس خطيرًا" هتف أغدراسيل وهو ينفض يده للتخلص من تربة الشاطئ "أنتما فارسان، هل اقتنعتما؟".
نظر كلٌّ منهما للآخر قبل أن تتوجه أعينهم لكارولوس الذي بدل نظراته بملل بينهما "حسنًا، لا أظنه مؤذيًا، أعني… من الواضح أنه يكرهني..." نطقت ثونار كلمتها الأخيرة بحقد لكنها تابعت "لكنه لا يحاول قتلي" زمجر كارولوس فجأة مما دفعني لرمقه بحدة ليتوقف عن العبث.
"تنين الشفق خطير بطبعه وشرس" نظر كلانا لأغدراسيل الذي تنهد قبل أن يردف "ولكن لسبب ما يبدو وكأنه حارسك، كونه لم يحاول أذيتكِ أو أذية أحدنا حتى الآن يعني أنه تحت السيطرة" رفع كتفيه وأشار بألا بأس.
التفت لكارولوس قائلة "حسنًا، اقتنع اثنان وهناك واحد يحبك بالفعل، بقي ثمانية" تحركت ثونار نحوي وهي تبتعد عنه قدر المستطاع "لحظة! واحد يحبك بالفعل؟" ابتسمت وأومأت "هارليك يعلم بأمره" اتسعت أعينهما بصدمة وصاحت ثونار "هارليك! ذلك الطفل! أتمزحين؟ تعنين أن هارليك كان يعلم قبلنا؟" أومأت وقلت "لقد قابلت كاورلوس أول مرة وكان هارليك معي".
نظر أغدراسيل نحوي بعد تصديق قبل أن يقهقه متمتمًا "ظننت أن لا شيء قد يفاجئني بعد الآن، ولكن القدر مثير جدًا، كيف أبقيتما عليه معكما؟" تذكرت لغز البوابة مما دفعني للابتسام والنهوض من مكاني "حسنًا، هذا ما يجب تفسيره أمام الجميع".
نفضت الرمال عن ملابسي ونظرت لكارولوس بجدية "ستحاول وستجعل الجميع يحبك، على الأقل دعهم يرون كم أنك مسالم، فهمت؟" بحلق بوجهي قبل أن أشعر بموافقته "كارولوس، لا ألاعيب، لا نريد التسبب بمقتلك أو بمقتل شخصٍ ما، فقط لا تفعل شيئًا، يكفي أن تقف بينهم دون أن تبتلع أحدهم".
ربت يوجين على ظهره وقال "أعطي الأمان لصديقنا" نظر كلاهما للآخر بنظرةٍ ذات مغزى لأصيح بهما "كارولوس بحق الله!" التفت نحوي وأعطاني تلك النظرة البريئة، زفرت بقلق قبل أن أنظر للآخرين اللذين ظلا يبدلان نظراتهما بيني وبين كارولوس.
"ماذا؟" تمتمت نحوهما بانزعاج "أعتذر، لم أعتد الأمر بعد" تمتمت ثونار ووافقها أغدراسيل بإيماءة.
تنهدت بثقل ونظرت نحوه أحاول إيجاد طريقة أخرى ولكن لا يوجد سوى إقناع الآخرين. في النهاية امتطيت كارولوس وحلق عائدًا لمنزل الفرسان وحلق كل من ثونار وأغدراسيل على مسافة آمنة من كارولوس ولم يتوقفا عن مراقبته بحذر.
أسندت رأسي على عنقه بملل والأفكار تضرب بشكل سيء داخل رأسي، والكثير من المشاهد والتخمينات الفظيعة لم تفارق ذهني حتى وصلنا، أغدراسيل كان سريعًا في الهبوط وفتح باب المنزل مما أعلن للجميع عودتنا، هبط كارولوس ببطء وسمعت صوت دعاء واندر الهلع بأن يحمينا الرب، واندر التقليدية!
جالت عيني على وجوه الجميع وما زال خدي ملتصق بعنق كارولوس بكسل، الكثير من التبريرات والمناوشات والانفعالات قادمة.
ربت عليه وتوسلت هامسة بأن يحسن التصرف، قفزت من فوق ظهره وتحركت أقف أمامه مباشرة ولمحت بطرف عيني يوجين محلقًا واضعًا قدمًا فوق الأخرى باستمتاع.
نظرات الجميع الحذرة ناحيته وحركتهم المتأهبة للقتال جعلتني أدرك أن حركة واحدة سيئة من كارولوس ستدفعهم لمحاولة قتله؛ لذلك أخذت نفسًا عميقًا وقبل أن أنطق بشيءٍ قفز الجميع للخلف والتقطوا أسلحتهم وصرخت واندر بفزع ما إن أعطاهم كاورلوس أقوى زئير قد يخرجه من حلقه.
توقفت في مكاني بنظرة يائسة ومسحت على وجهي بنفاد صبر وأنا أنقر الأرضية بقدمي. "هل انتهيت؟" نظرت نحوه بحدة ليبادلني نظرة بريئة "لا تعطيني هذه النظرة، بدأت جديًا أفكر في تركهم ليقضوا عليك!" صرخت به ليطرف ويبحلق بوجهي قبل أن يحرك رأسه كعدم فهم "لا تتغابى، كارولوس، أهذه هي محاولاتك في جعلهم يتقبلونك؟" كتفت ذرعي فوق صدري ليدفع برأسه نحوي ولكنه زمجر في وجوههم، الرحمة.
التفت أنظر لهم وحاولت قدر الإمكان تفادي النظر للحكيمة التي كانت تبدل أنظارها بين التنين وبيني بصمت "إنه ليس خطيرًا" قلت كبداية ولكن كارولوس قرر إثبات العكس لأنه قضم ردائي من الخلف وقرر هزي بعنف، كلانا يعرف أنه لا يؤذيني لكن الجميع يظن العكس.
ظللت أتأرجح يمينًا ويسارًا بوجه جامد أنتظر من ألاعيبه أن تنتهي، رمقه الجميع بفزع وكاد أتريوس وأوكتيفيان أن يتحركا نحوي ولكن منعتهم الحكيمة بإشارة من يدها.
"سأقتلك" هسهست من بين أسناني ليترك قميصي أخيرًا مستمتعًا هو ويوجين اللعين بالأمر. "هل يمكنكم ترك هذه الأسلحة رجاءً؟ إنه غير مؤذٍ" قلت بقوة وبنفاد صبر ليتبادل الجميع نظرات مترددة. "أعرف أنه نوع مؤذٍ وشرس ويقتل الكثير ولكن كارولوس مختلف".
"كارولوس؟ أعطيته اسمًا؟" صاح جوزفين لأدحرج عيني "إنه ليس حيوانًا أليفًا، إنه اسمه، لم أعطيه شيئًا".
"جلنار، أتدركين ما الذي تتحدثين عنه؟" صاحت واندر لأومئ بتأكيد "أعلم ما يتناقله الجميع عن تنين الشفق ولكنه ليس كذلك، أعني… أجل، إنه خطير وقوي ولكنه لن يؤذي شخصًا بلا سبب، فقط يجب أن نطعمه وسيكون كل شيء بخير".
"هذا يعني أنه سيتناولني إن لم يجد طعامًا" نظرت لزوندي وقلت "إنه هنا من قبل مجيئي ولم يتناول أحد" تنهدت ونظرت لكارولوس الذي نظر نحوي في المقابل وكأنه لم يفعل شيء "لا يمكنكم أذيته أو إبعاده…" التفت نحوهم قائلة "لأنني أريده بالجوار" تبادلوا النظرات قبل أن تتجه نحو الحكيمة وكأنهم ينتظرون رد فعل منها.
"صدقًا لم يحاول أذية أحد، أعني اسألوا هارليك حتى، لم يحاول قتله من قبل!" التفتت الأعين نحو الشعر الأزرق بينهم ليتجمد ويحدق بهم قبل أن يضع ابتسامة ضخمة ويرفع رأسه قائلًا "إنها الحقيقة، كارولوس تنين رائع، أليس كذلك يا صاحبي؟" تقدم نحوه ليندفع كارولوس نحوه ويدفع جسده بخفة.
"ما اللعنة التي حلت علينا؟" صرخ جوزفين وقد فقد أعصابه. "هارليك!" صاح رومياس بصدمة. "أنت تعرف كم أن هذا التنين خطِر؟" نظر هارليك لأوكتيفيان وأومأ بابتسامة بينما يداعب عنق كاورلوس باستمتاع "ولكنه يحب جلنار، يحبني! وكوننا فارسان جعلنا قادرين على التعامل معه، أعني... هل حقًا يخيفكم؟ لأني أراه ودود".
هارليك يحصل على انتقامه بأكثر الطرق متعة "أتعني أن كليكما كان يربي تنين شفقٍ طيلة هذا الوقت؟" أومأ كلانا ببساطة نحو لافيان "كل تلك النظرات والنزهات الطويلة داخل الغابة كانت لقضاء الوقت معه؟" أومأ كلانا مجددًا نحو أوكتيفيان "جلنار صنعت له سرجًا وتدربا على الطيران" انتقلت أعين الجميع نحوي لأرفع كتفي كـ 'لقد حدث بالفعل'.
كسر الصمت والأجواء المتوترة قهقهة أتريوس الساخرة وقد أعاد فأسه فوق ظهره قبل أن ينظر نحوي وقد ترك ابتسامة ذات مغزى على وجهه "ألم أقل أنكِ تخفين الكثير؟ الرب يعلم ما التالي" دحرجت عيني دون رد ولكن أردف ببساطة "إن كان الأمر بهذه الطريقة؛ إذًا لا بأس معي في إبقائه كحيوان أليف، لكن لا أعدك بعدم أذيته إن حاول هو فعل ذلك" أشار نحوه ليزمجر كارولوس في وجهه "لا أحبك أنا أيضًا يا صاح" هتف وهو يعود للمنزل وسط أنظار الجميع.
جيد! إن اقتنع أتريوس -بالرغم من العزم القوي على قتل كارولوس- فسيقتنع البقية شيئًا فشيئًا بالرغم من أسلوبه الساخر وكره كارولوس الواضح له.
"رجاء هل يمكننا الانتهاء من هذه المسألة؟ أعدكم؛ لن أدعه يسبب أي فوضى" تنهد البعض وأصبحوا أقل حذر "حسنًا، يمكننا إبقائه على هذه الأرض، ولكن كما قال هو قبل قليل..." أشار أوكتيفيان نحو المنزل قاصدًا أتريوس "إن حاول أذية أحدهم فسينتهي الأمر" اتسعت ابتسامتي وأومأت بسرعة كوعد.
"هل هذا أنا أم أن الجميع يخطط للتعامل مع أمر لا منطقي بالمرة بشكل طبيعي؟" صاح كاليسفار الذي كان يبدل أنظاره بيننا منذ البداية بذهول. "كاليسفار، توقف" أمرت شقيقته ولكنه أشار نحوي ونحو كارولوس وهو يفتح فمه ويغلقه دون إيجاد ما يقول "إنها بشرية! وهو تنين شفق! وأنتم فرسان، ما الذي يحصل بحق الله؟".
ضحكت ثونار التي ظلت كمتفرجة منذ البداية مع أغدراسيل قائلة "ما يحدث يا عزيزي أن لا شيء منطقي ولا شيء يمكنك تفسيره هنا، أهلًا بك في منزل الفرسان".
ابتسم الجميع لطريقتها المسرحية متفقين تمامًا معها، لا شيء هنا طبيعي بيننا ولا شيء يمكن تفسيره ببساطة.
"إن كنا انتهينا من هذه المسألة؛ إذًا هل يمكننا الدخول؟" كان دور الحكيمة أخيرًا في الحديث وعينها مثبتة فوقي مع ابتسامة صغيرة، إلهي، أيمكن لهذه المرأة الابتسام؟
تحرك الجميع وما زالوا يرمون نظرات غير مقتنعة لكارولوس. التفت نحوه ومسحت على رأسه "يمكنك الذهاب يا رفيقي، سيبقون عليك معي" دفع رأسه نحو كتفي بقوة لأتنهد "أعتذر عن تجاهلك، لنتفق على أن أزورك مرتين في الأسبوع" نظر نحوي بعدم رضى "حسنًا، ثلاثًا ولا زيادة، اتفقنا؟ ويمكنك المجيء ولكن لا تسبب الفوضى" أشرت نحوه بسبابتي ليرفع عنقه بكبرياء ويحرك جناحيه محلقًا نحو الغابة.
حسنًا، هذا الأمر شبه منتهٍ، سيحتاجون وقتًا للاعتياد على وجود كارولوس ولكنهم سيعتادون في النهاية.
دلفت للمنزل يتبعني يوجين الذي قرر أن مرافقتي في هذه اللحظة أكثر متعة من التحليق مع كارولوس، الجميع قد اتخذ مقعدًا له بينما أتريوس يجلس عند البار يتابع وجوه الجميع بملل.
أخذت مكانًا أمام الحكيمة التي كسرت الصمت قائلة "أي تطورات؟" لم يكن كسؤال لا تعرف إجابته لأنه نوعًا ما هي تعلم بكل ما يدور حولنا، ولكني أجبت على أي حال "ليس كثيرًا، ولكن استطعت التحكم بالنيران وبعض الاضطرابات مع عنصر الأرض".
أومأت باستحسان فاجئني. "ما الذي يحدث؟" تمتمة كاليسفار كانت عالية بسبب الصمت ليجيب أغدراسيل "تمكنت جلنار من التحكم بالنار، هذا هو الأمر" ضحك الآخر بسخرية وقال "أجل، بالطبع، وقريبًا ستصبح ساحرة" رفعت حاجبًا نحوه قبل أن أفرقع بأصابعي لتصدر شعلة صغيرة من النيران أتلاعب بها بين أصابعي.
ظل يحدق نحوي في صدمة تجاوزها عندما وقف صائحًا "بحق الله ما هذا؟" رمقته شقيقته بحدة ولكنه نظر للحكيمة قائلًا "أهذا طبيعي؟" نظرت الحكيمة له وقالت "أيها الصبي، أتظن أن كل ما تعرفه هو الحقيقية؟" طرف عدة مرات وهو يبدل أنظاره بيننا "لكن أنا لا أفهم… بداية التنين والآن التحكم بعنـ… لحظة، أقامت بإشعال النيران دون مصدر؟"
"هل يمكنك أن تهدأ قليلًا؟" سحبت شقيقته ذراعه ليجلس مجددًا "سأشرح لك لاحقًا" قالت بانزعاج بينما هو صمت بسرعة ما إن لاحظ نظرات الحكيمة نحوه، كليسثينيس تعلم بأمر كوني ابنة التوبازيوس إذًا!
"يمكنني أن أفهم من هذا أن تدريباتكِ تسير على ما يرام" أومأت بتردد نوعًا ما "وماذا عنه؟" لم تحتج لنطق اسمه، كان من الواضح أنها تقصد أتريوس، اعتدل الآخر ورمقني بابتسامة جانبية مستمتعًا "متقلب" الكلمة الوحيدة التي يمكنني وصفه بها "ولكن جيد" رميت نحوه نظرة أخيرة لم يبالِ بها. لم تعقب على حديثي مما دفعني لقول "لن تتحدثي عن أمر كارولوس؟".
نظرت للجميع قبل أن تقول "إنها كلمة الفرسان، لا أنا، قررتم الاحتفاظ به فهذا يعني أنه لا يمكن لأحد مساسه وهذا قانون واضح، يمنع التدخل في أعمال الفرسان".
حسنًا، لم أتوقع هذا!
"بالنسبة لبقيتكم" وجهت حديثها للبقية "تحسن جيد في أدائكم" ابتسم الجميع براحة للمديح غير المتوقع "خاصةً أنت" تجمد رومياس واتسعت عيناه "سمعت عن تطورك، عليك أن تفخر بنفسك" ظل يبحلق في وجهها بصدمة قبل أن ينهض وينحني بقوةٍ لدرجة جعلتني أشك في أنني سمعت صوت طقطقة عظام ظهره.
"هذا الفتى سيعاني آلامًا مبرحة في ظهره" سخر يوجين وهو ينظر لرومياس بنظرة متألمة لحماسه المبالغ فيه.
"إنه لـ… لـفخر لي، سـ... سأحاول بأفضل ما عندي" ابتسمت بسعادة من أجله، مديحها هذا سيجعل ثقته تصبح أعلى "وأنت أيضًا أيها الصغير، ما زلت أنتظر منك المزيد" كان دور هارليك الذي قفز واقفًا وانحنى كما فعل رومياس بسعادة غامرة.
نهضت من مكانها وحلقت عينها على الجميع قبل أن تقول "تأهبوا، اختباركم قريب" شعرت بالجميع يبتلع بصمت كما فعلت أنا، خرجت من المنزل لنزفر براحة.
"قبل أن أذهب؛ أنا أيضًا أريد شكركِ" التفت نحو السيدة كليسثينيس لتقول "سمعت عما فعلته في حادثة الحريق" ارتفع حاجباي بدهشة لتقول "شكرًا جزيلًا لتدخلك ذلك اليوم، أنا مدينة لك" نظرت نحوها بشك، أتهتم حتى؟
لاحظت الاستنكار على وجهي لتقول "أعلم أنكِ تملكين فكرة سيئة جدًا عن النبلاء" وجدت نفسي أومئ تلقائيًا ليدحرج شقيقها عينه "لسنا متشابهين، المساكن والسوق الخاص بسكان الحدود على أرض عائلتنا وأي ضرر يصيبهم سيكون علي تحمل مسؤوليته؛ لذلك شكرًا لكِ لإنهاء ذلك الحادث بلا ضحايا".
هي من استضافتهم على أرضها! هذا جديد، لكن ما زلت أمتلك تلك الفكرة السيئة عن النبلاء. "لا بأس مر الأمر بخير" أومأت ونهضت قبل أن تنحني ببساطة وتتحرك للخارج "نحن لسنا بتلك الحقارة، أزيلي تلك التعابير" رمقت كاليسفار بطرف عيني وقلت "عفوًا، أنت وحدك من رفع السيف في وجهي منذ اليوم الأول لي هنا، كما أن ألفن ينشرون سمعة جميلة عنكم".
نبرة السخرية أجبرت نصف الموجودين على القهقهة وهم يرمقون كاليسفار "لم يكن خطئي! لقد كانت فظاظة ألا نظهر احترامًا لسيدة العائلة! هذا ما تربيت عليه منذ صغري" صاح وهو يكتف ذراعيه "كيف لي أن أعلم إذًا؟ لا نعرف شيئًا عن قوانينكم في عالمنا".
"كيف لي أنا أن أعلم أنكِ بشرية؟"
"إذًا سترفع السيف في وجه كل من لا يعلم بقوانيننكم؟" زفر وقال بحدة "الجميع يعلم بقوانيننا" رمق كلانا الآخر بانزعاج بينما الجميع مستمتع بما يحدث.
زفر هو مجددًا "لننهِ هذا الأمر" قال باستسلام، نظرت نحوه ليكمل "أعتذر، كان تصرفًا فظًا، كما في النهاية أنتِ من استطعتِ إغاظة ذلك اللعين بنجامين" ابتسمت بسخرية "أكره هذا الفتى" تمتمت ليرفع كتفه ويقول "أهلًا بكِ في النادي، الجميع يفعل".
تبادلنا نظرات صامتة قبل أن يمد كف يده نحوي قائلًا "لا ضغينة؟" نظرت لعينه العسلية ثم ليده لأتنهد واضع يدي في يده مؤكدة "لا ضغينة" أومأ باستحسان وتحرك يتبع شقيقته الكبرى التي خرجت قبله.
"يا رجل! الكثير من المتعة في هذا الفريق" صاحت ثونار باستمتاع، وافقها لافيان الذي ضرب كفه بكفها.
"سيقتل أحدكم نفسه يومًا ما" قالت واندر وهي تنظر نحوي خاصةً قاصدة كارولوس "لقد أنهينا هذا الموضوع" قلت ولكن رومياس سحب هارليك وهو يبعثر شعره معاتبًا "أخفيت الأمر علينا أيضًا" مد هارليك لسانه باستمتاع نحوه لتعلو قهقهتهما.
"اتبعيني" نظرت لأتريوس الذي صعد السلالم للأعلى، تبادلت نظرات قلقة مع يوجين ولكني تبعته في النهاية. صعد كلانا إلى الغرفة التي دخلها أتريوس لتضرب نسمة من الهواء وجهي ما إن تبعته للداخل.
نظرت للسقف غير الموجود؛ فقد كان سقف الغرفة هو السماء، أحب هذه الغرفة ويبدو أن أتريوس يفعل أيضًا، توقف واستند بظهره على أحد الجدران قبل أن يضع يده داخل جيبه وينظر نحوي قائلًا "إذًا! أهناك أشياء أخرى يجب أن أعرفها؟ تنانين أخرى ربما أو شيء أكثر من هذا!".
كتفت ذراعي فوق صدري واستندت على الجدار المقابل له ووجهت نظري للأرضية لفترة قبل أن أرفعها نحوه بابتسامة صغيرة وأومئ برأسي "هناك أشياء أخرى بالفعل، لكن لن أخبرك عنها... حتى الآن" عقد حاجبيه وقال "أشياء كـ…؟".
"كشبح يتجول حولك" اتجهت عيني ليوجين الذي هتف بنبرة غنائية وهو يقف بجوار أتريوس قبل أن تعود عيني عليه بابتسامة أوسع "أشياء لن أخبرك عنها الآن" كان ردًّا نهائيًا وحازمًا دفعه لرفع حاجبٍ نحوي ولكني لم أتراجع.
تنهد في النهاية وقرر عدم الجدال في هذا الأمر "ما الذي تخططين لفعله إذًا؟" نظرت نحوه كـ 'ماذا تقصد؟' ليوضح "تلك العجوز تحضر لشيء كبير، مديحها المفاجئ ومزاجها المعتدل يعني أنها تخطط لاختبار كارثي، لذلك تحكمكِ بالنار وحده ليس كافيًا، في وقت قياسي عليكِ التحكم بعنصر الأرض".
نظرت نحو الأرضية أحاول التفكير جيدًا، إنه محق الجميع غير مرتاح للاختبار القادم خاصة، وأنه بلا ميعاد ولا نعلم عنه شيء بعد لكن المشكلة ليست أنا حاليًا!
"سأقرأ"
ظهر الاستنكار على وجهه قبل أن يعيد "تقرئين؟" أومأت وأخذت نفسًا "بدايةً؛ أحتاج لمساعدة هارليك" قلت ليعتدل في وقفته ويتقدم خطوة نحوي قائلًا "الصبي؟" أومأت مؤكدة "الصبي".
"وكيف ستساعدينه بالضبط؟ إنه جيد في تدريباته مع مدربه الخاص." حركت رأسي للجانبين "أنا أتحدث عن جانب آخر، عن كونه عملاق" ارتفع حاجباه بدهشة وهتف "عفوًا! أتدركين ما الذي تتحدثين عنه؟" أومأت نحوه قبل أن أفسر "هارليك يحتاج لطريقة تجعله يتحول دون أن يفقد عقله...".
"هذا مستحيل"
"غير مستحيل وأنت تعرف ذلك، ما تقولونه في تاريخكم غير حقيقي، جولديان تمكن من السيطرة على العمالقة وأنت تعرف ذلك" أشرت نحوه بسبابتي ليزفر ويبعد عينه بعيدًا عني بضيق "هارليك أكثر الفرسان مثابرة وهو يستميت ليساعد بشكل قوي في هذا الفريق، إنه ورقتنا الرابحة للفوز في هذه الحرب".
"وأنتِ لستِ محاربًا أعاد السلام منذ قرون طويلة، ما إن يتحول سيقوم بقتلكِ وبقتل الجميع، أنتِ لا تعرفين طريقة للسيطرة عليه" تحركت نحوه ووقفت أمامه لينظر نحوي "سأجد هذه الطريقة، أعلم أنني لست جولديان ولكني لن أقف مكتوفة اليدين" أصبح وجهه أكثر صرامة وقال بجدية "انسي الأمر، ما تتحدثين عنه خطير جدًا لـ..." قاطعته بنبرة لا جدال فيها "لقد قمت بوعده، لن أنكث وعدي، أتريوس" دلك ما بين حاجبيه وهو مغمض العينين متمتمًا "ما كان عليكِ وعده بما لا تقدرين عليه".
"سأبحث عن طريقة في المكتبة، لا تخبرني أنك خائف من أن يقتلك هارليك؛ فالموت آخر ما تهابه، وأنا بوجودي بينكم وبين هذه الحرب أضع نفسي عرضةً للقتل كل يوم، لم يعد يهم، ما يهم هو الفوز، وسأقرأ كل كتاب في تلك المكتبة إن اضطررت لذلك، هارليك مجرد صبي وبالرغم من ذلك كان أكثر فائدة مني في الميدان، أكثر اندفاعًا وأكثر جرأة، صدقني يمكنه النجاح في هذا" ابتلعت أفكر في المزيد من الإثباتات "حتى أن كاليسيو قال أن هارليك ذو عرق صافٍ، ألن يجعله هذا مميزًا؟ اختياره من قبل التوبازيوس يثبت تميزه عن باقي أقرانه، أنا واثقة أتم الثقة من أنه سينجح".
"أريد سماع صوتكِ عندما يصبح عملاقًا يحاول سحقك" ضغطت على فكي أحاول ألّا أرمق يوجين أو أدحرج عيني حتى.
"كم كتابٌ يمكنكِ قراءته في يومين؟" اتسعت عيني ولكني تمالكت احتفالي بإقناعه لاحقًا وأجبت "ثمانون، أو مائة" ارتفع حاجباه باستنكار. "أمتلك ذاكرة فوتوغرافية، يمكنني قراءة الصفحة في دقائق وتذكرها دون العودة لها، كما أني لن أقرأ الكتاب بحذافيره، سأحاول التقاط المهم فحسب" أغلق فاهه وأومأ دون تعليق.
"كم من الوقت تظنين أنه سيحتاج لينجح؟" سأل لأزم شفتي وقد صمتُ لفترة أحاول تحديد مدة مناسبة "أسبوع" ظهر الاستنكار على وجهه مما دفعني لدحرجة عيني "سنحاول فعلها في أسبوع".
مرت فترة من الصمت بيننا وراقبت تعبير وجهه بترقب، تحرك نحو الباب وفتحه "اجلبيه إلى هنا" اتسعت ابتسامتي قبل أن أركض نحو الأسفل لإحضاره، توقفت عند السلالم وناديت عليه ليلتفت نحوي باستغراب. "اتبعني" قلت وصعدت مجددًا ليتحرك ويصعد معي للأعلى "أنت ستقتلين نفسكِ حقًا" رفعت كتفي نحو يوجين مجيبة "ألا يبدو هذا كشيء بديهي؟".
"ماذا يحدث؟ هل سنتحدث عن كارولوس؟ أعني… أرأيتِ الملامح على وجوه الجميع، أجزم أن هذه أقوى صدمة في حياتهم، أثبت للسيد أوكتيفيان إني قادر على التعامل مع الخطر أيضًا كما أن الحكيمة امتدحتني! أتصدقين ذلك؟ يمكنني إثبات أني الأفضل، بالمناسبة؛ لمَ نحن هنا؟ أهناك شيء مهم؟ فقد بدو... أوه!"
توقف عن الثرثرة ما إن وقعت عينه على أتريوس داخل الغرفة، أغلقت الباب وأسندت جسدي عليه وراقبت تعابير هارليك التي ظلت تنتقل بيني وبين أتريوس الذي تمتم منزعجًا من ثرثرة هارليك المعتادة بالنسبة لي.
"لا تقتلاني"
انفجر يوجين في الضحك واحتقن وجهي بالدماء في محاولة لكبت نفسي. "لمَ تظن أننا سنقتلك؟" سألت ليلقي نظرة سريعة نحو أتريوس الذي رفع حاجبًا نحوه "ينظر نحو وكأنه سيقطع رأسي" همس مشيرًا بسبابته نحو أتريوس بسرعة.
"تعلم أنه يمكنني سماعك" أخذ خطوة خلفي ما إن سخر أتريوس "حسنًا، هذا يكفي. لا، لن نقتلك، بل سنحاول مساعدتك" طرف أكثر من مرة بعدم فهم "أتتذكر ما الذي كنت تريد فعله وبقوة؟" اتسعت عيناه وسحب قميصي صارخًا "أن أتحول لعملاق! هل حقًا ستساعدين في هذا؟ هل سنجد طريقة؟ أهناك فرصة لهذا الأمر أن يحدث؟ ألن نتأذى؟ ربما أقتلكِ أو أدمر المكان وربما يتحول الأمر لكارثة ولن يستطيع أحد منعي، أعني يجب أن أتحول لنحاول ولن ننجح منذ المرة الأولى وهذا يعني الكثير من العواقب، أين يمكننا أن نجد الطريقة؟ وكيف...".
أكمل تمتمته العالية دون توقف ينظر حوله ثم يعود وينظر نحوي، نقلت عيني نحو أتريوس ويوجين الواقفان بجوار بعضهما، الاثنان يدلكان رأسيهما بانزعاج قبل أن يقول كلٌّ منهما من بين أسنانه بانزعاج في الوقت ذاته:
"أخرسيه"
ارتفع حاجبي نحوهما، ربت على رأس هارليك ليصمت وينظر نحوي "دعنا نقلق على كل هذا لاحقًا، الآن علينا إيجاد الطريقة التي استعملها جولديان للتحكم بجنس العمالقة" فرك يده بتوتر وبعض الحماس "لكني سبق وبحثت في المكتبة" جثوت على ركبتي وربت على كتفه بعزم "سنبحث بجد أكثر هذه المرة، نملك يومين منذ الآن للبحث، أنا متأكدة من أننا سنجد شيئًا ما" قضم شفتيه بتردد ونظر حوله يفكر بالأمر.
"لقد أعطتك مهلة أسبوع لتنجح في الأمر، أثبت أنك فارس بالفعل وانجح في هذا" التفت ناحية أتريوس بأعين متسعة "ستساعدني، سيد أتريوس؟" دحرج الأخير عينيه "لا، سأراقب الأمر لأنه ممتع" رمقت أتريوس بطرف عيني وطمأنت هارليك "هذه طريقته ليقول أنه سيساعد".
"لا، أنا متأكد أنه يشارك في الأمر لأنه من الممتع مراقبتكِ تهربين وهناك عملاق يحاول استعمالكِ كعود تنظيف للأسنان" تدخل يوجين ساخرًا لأتنهد بيأس.
"إذًا! سنبدأ منذ الآن؟" نظرت نحوه بابتسامة ونهضت مشيرة نحو الباب "لنبدأ" اتسعت ابتسامته وانطلق راكضًا للمكتبة "ماذا ستفعل في هذه الأثناء؟" وجهت سؤالي لأتريوس الذي سحب أحد فأسيه يعبث به "سأهزم تابع الملك" ارتفع حاجباي وهتفت بدهشة "هاميدال!" تحرك نحو الباب "ليس ذلك، أتحدث عن الأقوى، عن أوكتيفيان" أوه! هذا سيكون أكثر التدريبات كارثية.
"أعلمني بالنتيجة لاحقًا" قلت وأخذت خطواتي للمكتبة خلف هارليك.
.....
عندما قلت يومين داخل المكتبة كنت أقصدهما حرفيًا، فقد جلبنا الوسائد
كلها للمكان وظلت واندر تحول الطعام لنا، ظل ثلاثتنا يبحث، حتى يوجين استغل قدرته
على لمس الكتب وحاول البحث معنا بالرغم من أنه أسرع من كان يشعر بالملل بيننا.
كاليسيو كان يساعدنا بقدر الإمكان وقد بحث عن كل كتاب يحتوي على سطر واحد عن العمالقة، كانت هنا الكثير والكثير من الكتب، وأحضر هارليك لوحة سوداء وضعها بجوارنا يمكننا الكتابة عليها بأصابعنا كل ما قمنا باستخلاصه بخط أبيض على اللوح.
يومان كاملان لم آخذ فيهما حمامًا ولم أنم على سريرٍ ولم أرَ أحدا من الفرسان سوى تينر جام الذي جاء صباح اليوم وحاول مساعدتنا لعدة ساعات قبل أن يضطر للذهاب.
فركت عيني بتعب وأغلقت كتابا آخر بعد أن أنهيته ووضعته جانبًا، حاولت تمديد جسدي وتثاءبت تلقائيًا أكثر من خمس مرات.
نظرت نحو هارليك الذي كان يغط في نوم عميق فوق الوسائد وحوله عشرات الكتب المبعثرة في كل مكان، هذا الفتى حقًا شيء آخر! ما كان أحدٌ في مرحلته العمرية هذه قادرًا على قراءة كل هذا القدر من الكتب في يومين دون تذمر، هارليك خاصةً يمتلك إصرارًا لم أرَ أحدًا يمتلك مثيلًا له من قبل، لم يفقد الأمل ولم يتذمر ولم يتخلَّ عن محاولاته ولو لمرة.
دثرت جسده بالغطاء الذي جلبه من غرفته سابقًا قبل أن آخذ خطواتي نحو اللوح لأنظر لكل ما قمنا بجمعه. "لقد انتهى اليومان" أومأت دون النظر ليوجين الواقف بجواري "لقد حصدنا الكثير ولكن ولا واحدة منها تنص على طريقة صريحة لمنع جنونهم".
تنهدت بيأس وعيني تتفحص النقاط على اللوح "لا فائدة، أجل، حصلنا على الكثير من المعلومات المفيدة ولكن ولا واحدة منها هي ما نحتاج إليها لنبدأ بالأمر، عرفنا كيف نعالج ألم الرأس بعد التحول وكيف يمكن لعملاق أن يفكر وكيف يمكننا كبح ثورة جنونه بالقوة حتى يعود لهيئته الآدمية، ولكن ولا واحدة عن كيف نجعله عملاقًا عاقلًا".
ربت يوجين على كتفي بمواساة وقال "لقد حاولتِ". زفرت وأنا أمسح على وجهي بتعب، هذا سيحبط هارليك بكل تأكيد.
"لقد جمعتم الكثير بالفعل"
قفز كلانا صارخين بفزع للصوت الذي صدر فجأة بجوار أذن كل منا "يا رجل، ما اللعنة؟ لقد أفزعتنا!" صرخ يوجين نحو كاليسيو الذي أعطانا ابتسامة معتذرة وقال بهدوء "ظننتكما سمعتما صوت خطواتي، ولكنكما مستغرقان في التفكير".
"أنت تبدو كشبح أكثر مني" بصق يوجين بانزعاج ليغلق كاليسيو عينه مبتسم "سأعتبره مديحًا يعني أنني أتصرف بشكل هادئ".
أجل! من الأشياء التي صدمتنا كانت قدرة كاليسيو على سماع صوت يوجين مؤخرًا، بعد مدة من تمكن يوجين من لمس الأشياء تمكن كاليسيو من سماع صوته وظل يوجين يحتفل انتصارًا طيلة الوقت لأن شخص آخر يمكنه سماعه، حاول إزعاج كاليسيو حتى مل من ذلك ولكن كاليسيو كان من الصعب -إن لم يكن مستحيلًا- إزعاجه، كان يرد بابتسامته المعتادة.
قال شيئًا عن أن الرابطة بيني وبين يوجين أصبحت أقوى، وعندما سألت عما يعني أعطني إجابة مغلفة بالغموض، وكلما حاولت سحب الحديث منه تحول إلى أحجية صنعت حتى لا يتم حلها؛ لذلك… استسلمت.
ركز بنظره على اللوح بابتسامته المعتادة أومأ بشيء من الاستحسان قبل أن يرتفع حاجباه للحظة بشيء من الدهشة "هذا مذهل، لقد قرأتم غالبية الكتب التي عن العمالقة هنا" نظر نحوه يوجين صارخًا "تعني أن ما زال هناك المزيد؟" أومأ برأسه "لكن لا أظنها ستعطيكم أكثر من ذلك" قال مشيرًا للنقاط الأساسية على اللوح مما دفعني للتنهد.
"لا فائدة، ماذا علي أن أفعل؟" تمتمت وأنا أتفقد هارليك بعيني "أوه!" نظر كلنا لكاليسيو الذي التفت لمكان ما وكأنه انتبه لشيء حدث فجأة ثم أعاد عينه على كلينا "إنه يظن أنكِ مستعدةً أخيرًا" تبادلت نظرات متعجبة مع يوجين وأعدتها إلى كاليسيو متسائلة "من؟".
عاد خطوة وأضاءت عيناه بلون أصفر قبل أن يجيب "الكتاب" ولم يترك فرصة للاستفسار، فقط بسط يده وعلا صوته وهو يتلو في ترتيله مألوفة:
"لافيو دي ماريّنا، ابيجينوسيس فوري لا كابا إريان هوكتوم
ديمي غالّتو ... فرومي غالّتو… إسكاراريوس مَيكا ديمي"
اهتز المكان بقوة الكتب تطايرت والأوراق تناثرت وأصبحت في كل مكان تلتفت حولنا وكأننا بقلب إعصار، وتنفست بحماس وأدركت أننا ذاهبون لذلك المكان حيث وجدنا كتاب سندفال للمرة الأولى.
عندما هدأت الحركة واختفت الكتب التي كانت حولنا كالرماد ليتضح المكان مجددًا… هادئ، فارغ وكبير، ولكن تسكنه الكتب، بكل راحة تحلق مبعثرة داخل مكان بدا بلا نهاية وبأرضية بيضاء مزخرفة بكتابات سوداء.
أخذت خطواتي تتجول بحذر داخل المكان للمرة الثانية أحاول التقاط أكثر عناوين الكتب إثارةً للاهتمام، ولكن بدا وكأن الكتب تحلق مبتعدة بمجرد اقترابي منها.
"أين أنت؟ لا، ليس هذا ولا أنت أيضًا، همم..." ظل كاليسيو يتمتم وهو ينظر لشيء لا أراه ويحرك يده في الهواء مرة يمينًا فيبتعد كتاب ما عن وجهه ومرة أخرى يسارًا فيحلق كتاب بعيدًا يتبع حركة يده قبل أن يهتف بصوت منخفض "ها أنت ذا".
بسرعة صدمتني حلق كتاب من بين الكتب على يمين كاليسيو نحوه وأدركت أن الرجل سيصاب بارتجاج في الدماغ إن أصاب الكتاب رأسه بهذه السرعة، وقبل أن أقوم بتنبيهه حرك يده دون النظر لجهة الكتاب وأمسك به بسهولة بين كف يده. "هذا الرجل يخيفني أحيانًا" همس يوجين بجوار أذني لأومئ موافقة.
"هذا هو كتابكِ المنشود" مد الكتاب الضخم والسميك نحوي، التقطته أتفحصه بعيني، غلاف أزرق سميك وأوراق كثيرة داخله، زواياه ذهبية اللون وكُتب بخط عريض ذهبي:
'كان يا مكان في بلاد العمالقة'
نظرت نحو كاليسيو الذي ظل واقفًا ينتظر مني فعل شيءٍ ما. "قصة أخرى؟" سأل يوجين وهو يلقي نظرة على لكتاب المغلق. "لمَ لم تعطِني هذا منذ البداية؟" تذمرت ليقول "لست أنا من يقرر متى يمكنكِ قراءة هذه الكتب، الكتب هنا من تقرر".
تنهد ونظرت للكتاب قبل أن أحاول فتحه "إنه مغلق" أومأ وأشار نحوي قائلًا "أتتذكرين؟ اطلبي من الكتاب أن..." قاطعته مكملة "أن يسمح لي بقراءته، أجل، تذكرت".
فرك يوجين يده بحماسٍ حثني على قول "أتسمح لي بقراءتك؟" في كل مرة أفعل هذا أشعر أني غبية ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة، انفتح قفل الكتاب قبل أن يطفو بعيدًا عن يدي، صفحاته تتحرك واحدة وراء الأخرى بجنون قبل أن تطفو كلماته حولنا ويتبدل المكان.
أغمضت عيني بقوة وانتظرت أن أقع كالعادة ولكن عندما لم يسقط جسدي فتحتها بترقب، أوه، لم أسقط هذه المرة! المكان حولنا تغير إلى مكان خالٍ وفارغ من الحياة ومن أي لون أخضر يدل على طبيعة عشبية من حولنا.
"أين نحن؟" تساءل يوجين وهو يفحص المكان بعينه كما أفعل، ولكن لم يلبث أحدنا أن يعرف الإجابة إلا وكانت الأرض تهتز بقوة تحت أقدامنا.
نظرت ليوجين بتعجب للاهتزاز الذي توقف لثانية قبل أن يعود مجددًا، مرة وراء الأخرى حتى أصبح ارتجاج الأرض قويًا وأصبح من الصعب التماسك والبقاء واقفًا بثبات مع هذه الاهتزازات.
"إلهي العزيز!" هتف يوجين وهو ينظر لشيءٍ خلف ظهري بفك قد سقط أرضًا ونظرة فزعة دفعتني للالتفات، اتسعت عيني وعدت خطوات للخلف لأتعثر وأسقط على الأرضية ولكني زحفت للخلف وأنا أكاد لا ألتقط أنفاسي، هذا… ضخم جدًا!
حميت رأسي بسرعة ما إن أقبل ذلك العملاق بخطوات واسعة وسريعة نحوي ولكنه ببساطة تعدى جسدي ولم يخطُ عليه وأكمل طريقه. نظرت لهيئته الضخمة، يكاد طوله يلامس السحاب! جلد أزرق باهت وسميك، شعر كثيف أزرق اللون وأعين واسعة صفراء كقرص الشمس، وكل شيء في جسده كان ضخمًا، حتى أوردته كانت ضخمة زرقاء ظاهرة على طول ذراعه الذي يعادل طولها طول سبعة رجال راشدين!
شيئًا فشيئًا ذلك الضخم بدأ بالتقلص وبدأ حجمه يصغر أكثر فأكثر بشكل انسيابي، وبالرغم من صوت عظمه السيء لم يبدُ أنه يتألم، تحول العملاق لرجل يبدو في العشرينات بشعر أزرق وأعين صفراء فاقعة اللون، مدد يده بكسل قبل أن يمسك بطرف سرواله القصير ويهتف "هذه الملابس جيدة حقًا! تتضخم معنا وتصغر، هل يوجد شيء لا يتقنه أولئك العباقرة؟".
"أراهن على أنهم لا يعرفون كيفية احترام الآخرين" أجاب يوجين ونظر نحوي؛ فأنا أكثر من يعاني من هذه المشكلة.
"لا أظن ذلك، إنهم متمكنين من كل شيء" هيئة ما عبرت جسدي وكأني صورة مجسمة وتحركت نحو الرجل الذي أخذ يتثاءب، فتاة بشعر أزرق باهت عكس زرقة الرجل الحيوية وأعين صفراء ناعسة "عليك أن تكون شكورًا، هذه الملابس ساعدتنا؛ فلن تتمزق ملابسنا كلما تضخمنا" دحرج الآخر عينيه وتذمر "خامتها مزعجة".
تحرك الاثنان نحو مكان ما وظللت أراقب ظهريهما مع يوجين.
"أتنويان الوقوف هنا كالأحمقين؟ لمَ دخلتما الكتاب في المقام الأول؟ تقدما، هيا أيها الغبيان!" قفزت من مكاني بفزع كما فعل يوجين ننظر لصاحب الصوت ولكن لم يكن هناك أحد خلفي! "أنا في الأسفل أيتها الشابة" أخذت خطوة للخلف أنظر للأسفل لتتسع عيني بصدمة.
كان بحجم قطة! أو راكون ربما! بنفسجي اللون؟ يختلف لون جلده ما بين البنفسجي الفاتح والغامق المتدرج، أعين وسعة بلا بؤبؤ ولا أي لمعة فقط لون أزرق متدرج وحول عينه سواد أشبه بالكحل، حاجبان كثيفان، وأعني بكثيفين أي ضخمين، لدرجة أن أطراف حاجبه كانت طويلة جدًا.
يمتلك ذيلًا طويلًا أطرافه سوداء وأظافر حادة زرقاء، شوارب مطابقة لخاصة القطط لكنها أكثر طولًا والتفافًا، وعلى طول جانبه الأيمن من ركبتيه حتى أسفل عينه كان مرقطًا بنقاط زرقاء، يرتدي نظارة صغيرة الحجم فوق أنفه وعباءة حمراء بأكتاف من المعدن الذهبي ويقف على قدمين.
"من الوقاحة التحديق بهذه الطريقة البلهاء في شخص ما" هتف بانزعاج لينزعني من صدمتي، تحرك ودفع قدمي صائحًا "تقدمي!" سار بخطواته الصغيرة أمامنا لأتبعه وأعطيت يوجين نظرة 'ما اللعنة؟'.
ظل ذلك الشيء يتمتم بانزعاج واضح مما دفع يوجين لقول "ما هذا الشيء؟ وما خطبه بحق الله؟" توقف الكائن البنفسجي عن التقدم والتفت ناحية يوجين بأكثر نظرة حادة قائلًا "كيان وقح، من الذي تقوم بنعته بالشيء أيها الكيان المثير للشفقة؟ قف بانضباط وتحدث معي باعتدال، أتعرف كم عمري أيها الوقح بذيء اللسان؟".
بصعوبة بالغة منعت نفسي من الانفجار ضحكًا حتى لا آخذ نصيبي من التعليقات اللاذعة من هذا السيد. "أنا لست كيانًا، أنا شبح!" صاح يوجين ليلوح الآخر بيده الصغيرة قائلًا "وهذا مثير للشفقة أكثر، والآن تحركا، لمَ يستمر كل أمين للكتب بإرسال الحمقى إلى هنا؟".
أشرت ليوجين بالصمت إن كان يحب كرامته ويحاول الحفاظ عليها. "من أنت أيها السيد؟" تبعه كلانا نحو مكان لا نعرفه "أنا الراوي أيتها الذكية" نظرت نحوه باستنكار... الراوي بهذه الهيئة؟ "ماذا؟ ألا أعجبكِ؟ يمكنني أخذ أي هيئة أريدها وهذه الهيئة تعجبني، أتمانعين؟" ابتلعت وحركت رأسي للجهتين، ما خطب مزاجه؟
"دعونا ننتهي من هذا. مرحبًا، بكما داخل عالم العمالقة" قال مشيرًا بيده نحو لوحة ضخمة كتب عليها بخط أسود عريض 'ريوليز مملكة العمالقة، أهلًا وسهلًا'
دلفنا عبر بوابة ضخمة الحجم زرقاء اللون لا يمكنني رؤية نهاية علوها، كان المكان ضخمًا مليئا بالمباني السكنية والأرضية العشبية ومسارات أسمنتية للسير عليها، والجميع حرفيًا يملكون أعين صفراء وألوان شعر زرقاء بدرجات مختلفة يسيرون في المكان بطبيعية، الأبنية الضخمة كانت من الزجاج الأزرق والأبنية الأصغر حجمًا الصخرية كانت بلون نيلي، وغير ذلك كانت الشوارع واللافتات والمركبات وكل شيء آخر يحمل درجات اللون الأزرق جميعها!
لمحت شيئًا ضخمًا يتحرك بعيدًا حول المكان "إنه مكان مخصص لسير العمالقة" أشار السيد الراوي إلى مكان بعيد لم أتمكن من رؤيته، ما إن يقترب عملاق من المكان حتى يتقلص ليعود لحجمه الآدمي الطبيعي ويسير بين الآخرين.
"أين الشخصيات الرئيسية؟" هتف يوجين بملل ليقفز ذلك السيد فوق سور ومنه فوق كتف يوجين صافعًا رأسه بيده البنفسجية الصغيرة "أي شخصيات أساسية أيها الغبي! أتبدو هذه كقصة لك؟" نظر كلانا للآخر بتعجب ومسح يوجين على رأسه بألم "ألست راويًا؟" سألت بحذر ليعطيني نظرة يائسة بطرف عينه "أنا راوي تاريخ، لا قصصًا تافهة" عقدت حاجبي ونظرت نحوه معارضة "القصص ليست تافهة، إنها طـ…".
"لا تناقشيني في معتقداتي الخاصة أيتها المجادلة" دحرجت عيني وفضلت الصمت "بعيدًا عن الأكاذيب التي ستروى لكِ، أنا فقط أكتب الحقيقة مجردة، هكذا كانت مملكة العمالقة سابقًا مليئة بالعمالقة ذات الدماء النقية، ستجدين اللون الأزرق في كل مكان وهذا يعود لتراث العمالقة الذي يعشقونه، مذكور في تراثهم أن أول عملاق حطت قدمه على هذا الكوكب أكل فاكهة شجرة تسمى ريول، تلك الفاكهة زرقاء اللون كانت ألذ شيء في حياته، وكانت قوية لدرجة أنها حولت شعره للون أزرق وجعلت جلد جسده يصبح أزرق اللون ما إن يتضخم".
تفحصت المكان من حولي حيث أن كل شيء أزرق عدا الأشجار والأعشاب الخضراء، وغالبًا ما أتمكن من لمح أحدهم لا يرتدي ثيابا تحمل درجات اللون ذاته. "سأكره اللون الأزرق لأسابيع" همس يوجين وهو يراقب شعر أحد الفتية فاقع اللون.
قفز الراوي فوق شجرة اعترضت طريقه ونظر من فوقها "يمكنك رؤية أن العمالقة هنا يتحولون بطبيعية ويعودون بشكل طبيعي بلا مشاكل أو جنون يدفعهم لتدمير كل ما حولهم، وهذا هو أصل العمالقة" بالفعل لاحظت أن الجميع يتحول بطبيعية دون أي مشاكل!
"لكن هارليك لم يخبرني بذلك قط! بدا الأمر وكأن العمالقة خلقوا مع هذه المشكلة" قفز من فوق الشجرة على كتفي قبل أن يطرق رأسي بخفة "أخبرتكِ أن ما يكتب في تاريخهم ما هو إلا كذب أيتها الحمقاء" زفرت بانزعاج "ألا يمكنك التوقف عن إهانتنا مع كل جملة؟" طرق رأسي مجددًا قبل أن يقفز ويمشي على قوائمه الأربعة فوق سور حديقة كبيرة "لا تملي علي ما أفعله".
سرنا بين العمالقة بينما لا يرانا أحدهم، بدا عالم مسالم وجميل. قطع الراوي الطريق المستقيم لمبنى كبير وشاسع حوله ساحة ضخمة "هذه إحدى مدارس العمالقة، كان يتم إرسال الأولاد إلى هنا لتعلم كل شيء عن أنفسهم وعن كيف يتمكنوا من التحول لعملاق؛ فلم يكن هذا بالشيء السهل".
دخلنا لمبنى المدرسة الفارغ فقد كان الجميع داخل فصله، توقفنا أمام أحد الفصول نستمع لما يقوله الأستاذ "إذًا من يعرف ما أول ما يجب فعله ما إن نتضخم؟" رفع النصف يده وبدا النصف الآخر مترددًا في رفع يده وقلة بدوا غير مهتمين "البقاء لعدة دقائق دون حركة لأن هذا سيسبب دوار حاد" أجاب الطفل الذي نهض بحماس مبالغ فيه ليمتدحه أستاذه "الجميع يعلم أن التضخم يفصلنا عن الحس العصبي لعدة دقائق؛ لذلك عندما تتضخم لا تفزع إن لم تشعر بجسدك؛ فهذا رد فعل طبيعي، أيتذكر أحدكم كيف نعرف إن كان إحساسنا العصبي قد عاد للعمل؟" عقدت حاجبي وتذكرت أحد النقاط التي استخلصناها سابقًا وهي أن تضخم العمالقة بعد فترة طويلة من عدم التحول قد يقتل الحساسات العصبية إن تحرك بشكل سريع.
"علينا تحريك أصابعنا للتأكد، وإن ظلت مخدرة ننتظر حتى نتمكن من تحريكها" أجاب طفل آخر ليومئ الأستاذ باستحسان، تحرك الراوي بين الفصول لنتبعه "صغار العمالقة لا يستطيعون التحكم بتضخمهم جيدًا حتى سن السبعين ولكن شيئًا فشيئًا يصبح التحكم أسهل ولا أضرار تعود عليهم".
أخذت خطوات واسعة حتى أصبحت أجاوره "السبعون؟ أليس هذا كبير كفاية؟" ضحك بسخرية وأجاب "العمالقة هم أكثر كائنات معمرة بين الجميع؛ فقد تصل أعمارهم إلى ملايين السنين بالمقارنةً بجنسكِ أنتِ؛ فقد يموت من ستة لعشرة أجيال من بني جنسك وما زال الجيل الأول للعمالقة موجود، نموهم بطيء جدًا وهذا يعود لخلايا جسدهم التي تعمل بشكل مختلف لتسمح بتضخمهم" هذا يفسر عمر هارليك إذًا.
"لكن مقارنةً بباقي الكواكب، أعني بعيدًا عن البشر؛ ما هي معادلة الأعمار بين الجميع؟ لا أفهم هذه النقطة" تحرك حتى خرجنا من المبنى من الجهة الأخرى "أنا لست مهتمًا بهذا، سأجيبك عما يخص العمالقة ليس إلا".
"إنه فقط يخجل من قول أنه لا يعرف" مال يوجين نحوي قائلًا ولكنه تلقى علبة معدنية أصابته في منتصف رأسه "كيان فظ وعديم الاحترام!" صاح يوجين يائسًا "لمَ يتمكن ذلك الشيء من لمسي بحق الله؟" تحرك راكلًا قدم يوجين "اسمي السيد الراوي أيها الوقح، لا 'الشيء'!".
"إذًا ما الذي تسبب للعمالقة بهذا الضرر؟" سألت ليتنهد وهو يهز رأسه. دخلنا داخل نفق أزرق مظلم قبل أن نخرج من الطرف الآخر لنجد أمامنا قلعة ضخمة من الرخام الأزرق والرسوم البيضاء، كانت تلمع تحت أشعة الشمس وبرك المياه المزينة بالأحجار الزرقاء وأسماك الزينة الصغيرة أضفت لمسةً جميلة للمنظر.
"هذا هو ما حدث" نظرت للراوي حيث كان يقف فوق تمثال تم نحته ببراعة على شكل قبضة يد قوية وطلائه بالأزرق، كان يشير نحو شاب ذي ملامح حادة وحسنة، شعر أزرق كالعادة يرفعه للخلف وأعين صفراء واسعة تلمع بشكلٍ سارق للأنفاس، فك بارز وأنف صغير وقامة طويلة، جسد قوي وقد ارتدى ملابس رسمية زرقاء تدل على ثراء صاحبها.
"من هذا؟" تقدمت وأنا آخذ نظرة عن قرب "أكثر السنافر وسامة" نظرت ليوجين وعقدت حاجبي بعدم فهم "ماذا؟ السنافر! تعرفينهم، تلك المخلوقات الزرقاء الصغيـ... ألم تفهمي مغزى الطرفة؟ لأنهم زرق و العمالـ... انسي الأمر!" صاح في النهاية وكتف ذراعيه بضيق.
راقبت الشاب الذي كان يسير وحده في المكان وكأنه ينتظر شخصًا ما، وقد كنت محقة، فجأة ضوء قوي ضرب المكان ساقطًا من السماء على الأرض لتظهر فتاة شقراء ترتدي فستانًا أسود وأعينها الخضراء اللامعة أكثر ما كان يجذب فيها. "سباركل!" هتف الشاب وهرول نحوها يحتضن جسدها بقوة.
"حمدًا لله، شخصًا ما ليس سنفوري" صاح يوجين مما دفعني لدحرجة عيني "هناك دائمًا في كل قصة عاشقان يفسدان كل شيء" هتف الراوي بلا مبالاة وقفز من فوق التمثال. "هذا هو ابن الملك وهذه سباركل، ساحرة من مملكة الماجي، وهذان هما المفسدان الكبيران" سرد وهو منزعج يرمق الثنائي -الذي كان لطيفًا جدًا برأيي- بإزعاج وملل.
"لكنهما يبدوان لطيفين جدًا" استنكرت ليلوح بيده في الهواء بلا مبالاة "أجل أجل، كل شيء يبدو لطيفًا في البداية ومسالمًا جدًا، ولكن أكثر الأفعال تهورًا يذهب ضحية لها أجيالًا وراء أجيال".
تحرك لنتحرك معه وما زالت عيني معلقة على الثنائي "قانون الساحرات المهم والأول، إن قررتِ البقاء مع رجل فعليكِ التخلي عن القوة التي تولد معك، أو القوة التوليدية وهي من أكثر الأشياء أهمية عند أي ساحرة" شرح بينما يكتف يده خلف ظهره وتغير المكان حولنا لمكان أكثر ظلمة أشبه بقاعة ضخمة مظلمة.
وقفت سباركل تلك أمام عشر أو أكثر من عشر... ساحرات ربما! كانت متوترة وخائفة وحدها تفرك يدها كل دقيقة وتحتضن جسدها لتحاول بث شعورٍ بالأمان لنفسها، ومن تقف أمامهن كن يجلسن على كراسيهن حولها في دائرة وكأنهن يحبسن جسدها وقد غطى الظلام ملامح وجوههن.
"ساحرة الجيل الثالث، سباركيل وليدة شجرة الحياة العظيمة، اخترتِ العيش مع رجلٍ خارج أراضي المملكة، قانون المملكة لا يمنعكِ من البقاء مع رجل، ولكن وفقًا لقوانين الساحرات ستفقدين سحرك التوليدي وستبقى قدرتكِ على استعمال التعاويذ الضعيفة فقط. يمكنكِ المجيء إلى أرض الساحرات متى ما أردتِ، ولكن يحرم عليكِ إحضار رجلكِ إلى هنا وإلا سيتم نفيكِ للأبد، أتفهمين ما أنتِ مقدمة عليه؟ وهل توافقين بكامل قواكِ العقلية وإرادتكِ؟"
أخذت الشابة نفسًا قبل أن تومئ وتجيب بلا تردد "نعم، أوافق على كل ما سبق" لم تفكر لثانية ولم تتردد وافقت على الفور ووضعت ابتسامة راضية.
التالي كان مؤلمًا؛ فقد شُل جسدها بألم قاتل كان ظاهرًا على تعبير وجهها وصرخاتها التي ملأت المكان وهي تنحني فوق الأرضية تحتضن جسدها بألم، ظلت تأن وتصرخ لمدة قبل أن يهدأ أنينها وتحاول ملء رئتيها بالهواء.
نهضت ومسحت دموع لطخت وجنتيها بسبب الألم وغادرت المكان بابتسامة واسعة وراضية.
"هذا أكثر الأفعال غباءً" علق يوجين لأنظر نحوه باستنكار، رفع كتفه مبررًا لنفسه "لا أصدق أن هناك شخص يستحق تضحية ضخمة كهذه، ومهما كان الشخص مهمًا في حياتك فما فعلته أشبه بقتل نفسها سبيلًا للبقاء مع شخص آخر، إنها تعلق حياتها بالكامل بحياة أخرى".
هل كانت تملك إذًا حرية الاختيار؟ لم أقع في الحب سابقًا، لكن يقولون أنه لا يترك لك خيارًا. "بالرغم من وقاحة الكيان ولكني أتفق كليًا معه، انقيادنا التام لمشاعرنا وتركها تأخذ القرار عوضًا عن عقولنا يتسبب في كوارث العالم في غنى عنها" قال الراوي قبل أن يتحرك ويقفز فجأة ليتغير المكان وتحط قدمه في غرفة يتشاركها الثنائي.
"الساحرة الشابة والأمير شاب عاشا معًا بسعادة، لم يعترض أحد على علاقتهما ولم يرَ أحدهم مشكلة في أن يقع ابن الملك لساحرة؛ فشعب العمالقة شعب متسامح ومنطقي يحب للبهجة أن تسود، لا العكس… بل وأن الملك كان سعيدًا بهذه العلاقة وقرر أنه ما إن يقرر ابنه المدلل الزواج فسيقوم بأضخم زيجة له في المملكة"
بينما يسرد الأحداث كان كل ما يقوله يحدث على مرأى من كلينا، مباركة الملك، حياتهما السعيدة معًا وحديث الجميع عن هذا الثنائي وبهجة الساحرة التي كانت لا تقارن بأي سعادة أخرى.
"ولكن النهايات السعيدة لا تتواجد دائمًا، كل فعل طائش له عواقبه، فيومًا بعد يومٍ بدأ الأمير شاب يتغير وأصبح أقل اهتمامًا، أقل مراعاة ووجوده حول الساحرة الشابة أصبح أقل، ومرةً بعد مرةٍ أصبح الأمير جافًا لا مبالٍ ولا يهتم لدرجة كبيرة، والساحرة تحملت وحاولت وضع الأعذار؛ فحبها كان كبيرًا تجاه الأمير، لكن حتى الأعذار مع الأيام تصبح بالية".
بادلت نظرة قلقة مع يوجين وحينها تحركنا مع الشابة التي قررت السفر لمملكتها لبضعة أيام ولكنها عادت أسرع مما خططت له، وما حدث تاليًا كان الأسوأ في القصة كلها.
عندما عادت كان أميرها مشغولًا بقصة أخرى وفتاة أخرى، أمسكت بالاثنين في غرفتها وكان هذا أكثر المشاهد قسوة قد يقدمه العالم لعاشقة.
هز كل من الراوي ويوجين رأسيهما وكأنهما توقعا شيء مماثل. "تركت الشابة القصر وابتعدت لتعيش منبوذة وحدها، والأسوأ أن الأمير لم يحاول منعها أو التوضيح، تركها بقلب محطم عاشت وحدها في منزل بعيد عن الجميع، فبعد أن فقدت قدرتها وعادت لمملكتها وقد عرف الجميع بخيبتها كثرت النظرات الشامتة والأنفس المريضة رمقتها بنظرات متشفية، وكأن مجتمع الساحرات كان يقول لها أنتِ من اخترت مصيرك… ظلت وحدها يأكل الألم قلبها وجسدها، ملأ قلبها الندم والتحسر، فقد تخلت عن أعظم ما تملك لأجل شخص لم يفكر حتى في إعادتها، الظلام ابتلع روحها ووجدت قوى الظلام مكانًا داخل نفسها الميتة".
راقبت الساحرة التي عاشت وحيدة بعيدًا عن الجميع أشبه بالميت الحي، من كان يزورها للاطمئنان عليها انقطع مع مرور الأيام وتُركت مهملة، لم يحاول الأمير السؤال عنها بطريقة أو بأخرى، بل ظل سعيدًا مع فتاة جديدة. المنزل الذي تعيش فيه بدأ يشبه المنازل المهجورة والظلام استولى على جوانبه، ظلت الساحرة جالسة في مكانها منذ أيام تنظر لشيء لا نراه بشرود وضياع تام.
"فتاة مسكينة، لكنها حصدت ما زرعت" عقدت حاجبي ونظرت ليوجين بانزعاج قائلة "لم تفعل شيئًا سيئًا، كل ما أخطأت به هو أنها وثقت بالشخص الخاطئ" تحرك الراوي لخارج المنزل ليتبعه كلانا "لم تثق فقط به، بل خسرت الكثير من أجله باختيارها، بينما هو لم يخسر شيئًا واحدا، إنها مذنبة في حق نفسها... في هذا العمر أن تكون أحمق هو شيء بديهي" قال وتغير المكان من حولنا ولكني رمقتهما بعدم رضى، هذا قاسٍ نوعًا ما.
"انتظرت الشابة حتى تمكن الظلام منها تمامًا، وفي أكثر الأوقات حرجًا عند العمالقة أنزلت عليهم بلاءها بنفس راضية. كان العمالقة في توتر، فالمملكة الشمالية للعمالقة عادت المملكة الجنوبية وأهل الشرق أخذوا صف المملكة الشمالية وظلت الجنوبية في الحرب وحدها، تلك كانت مملكة الأمير الشاب"
وقفنا في منتصف ساحة شاسعة على طرفنا اليمين كان هناك جيش بأعداد مهولة، وعلى يسارنا جيش أقل عددًا يترأسه الملك وابنه الشاب.
"دعونا نبتعد عن قلب الأحداث" صفق الراوي لتبتعد أجسادنا عن منتصف المكان لأجد أننا فوق جبل عالٍ يطل على المنظر الذي أصبح معركةً طاحنة، وبدأ الجميع يتحول لعمالقة ضخام، كانت حرب عمالقة ضد عمالقة.
"هذا ليس مشهدنا" قال بملل مشيرًا للمعركة، أشار برأسه لمكان آخر التفت أنظر إليه، على بعد من أرض المعركة كانت هي هنا... سباركل.
تحلق على مسافة آمنة من المعركة الطاحنة بأعين خالية من الحياة تحدق بشخصٍ بعينه، بشرتها أكثر شحوبًا وتبدو كشخص بلا روح.
السماء بدأت تظلم منذرة بسحاب محمل بالأمطار وضرب الرعد والبرق شاهدًا على ما يحدث وعين الساحرة الخالية من الحياة امتلأت بلمعة حاقدة، غاضبة، نظرة تنذر بلعنة غير عادية.
ارتفعت يدها للسماء وأظلمت عينها بسواد كسواد السحاب وبين الأمطار، وأصوات الرعد أخذ صوتها يعلو بوتيرة مخيفة وبصوت يملأه الغضب، ألقت لعنتها وألقت مع لعنتها كل مشاعرها السوداء.
"فلتُصب لعنتي كل نسل منكم، جيلًا بعد جيل سألعنكم.
يا ظلمة السماء احفظي هذه الأسماء واكتبي هذا العناء
وأشهِدي التاريخ على خائن المملكة الزرقاء.
باسم الظلام وباسم نسل الساحرات
قلبٌ مقابل قلب وعقلٌ مقابل عقل، أنتم ملعونون أيها العظماء"
مرة تلو الأخرى رتلت لعنتها وصوتها المشبع بالغضب هدأ وهي تشاهد ما اقترفت يداها، العمالقة أصابهم الجنون وأصبح الصاحب يقتل صاحبه ومنهم من يقتل نفسه، رؤوس تُطحن وأجساد تُدهس، بدا الأمر وكأن الجحيم قد حضر وأصبح حي.
راقبت الوضع بصدمة كما فعل يوجين، أما الراوي ظل يراقب بعينه الزرقاء بهدوء وبعض الملل، هدأت الأصوات وارتمت الجثث في كل مكان واصطبغت الأرض بالأحمر القاني، حتى الأمطار عجزت عن غسل أثر هذه المذبحة.
من مات منهم قد مات ومن قتل نفسه قد قُتل، وقلة فقط من تمكنوا من النجاة حيث فقدوا الوعي حتى عادوا لشكلهم الآدمي، وبينهم جميعًا جلس الشاب الأمير بين جثث جنوده وأفراد مملكته يقتله الذنب مائة مرة، وما إن تحركت عينه لأي زاوية لا يرى سوى الجثث الذي تسبب في موتها بغبائه و انقياده خلف رغباته، لم يجد مهربًا لعينه من الجثث إلا السماء، حدق بالسماء وبالسحاب من فوقه قبل أن يمسك سيفه وبيدٍ مرتعشة وجهه نحو قلبه، وآخر ما تمكنت عينه من التقاطه هي عدستها الخضراء التي فقدت بريقها وأصبحت باهتةً وكأنها أعين جثة كالجثث من حوله ثم... غرس السيف داخل صدره قاتلًا شعور الذنب وأي شعور آخر قد يعتريه وإلى الأبد.
حدقت سباركل بلعنتها وبدماء العمالقة تجري على الأرض في كل مكان، بنظرة خالية وبنفس راضية أنزلت بلاءها عليهم لقرون لا تنجلي قبل أن تغمض عينها براحة ويتحول جسدها لرمادٍ اختفى بين السحاب.
"وهذا كان بلاء العمالقة، ليس فقط في هذه المعركة ولكن في أنحاء الكوكب بالكامل، كل من كان عملاقًا حينها قتل من قتل، ومن ظل على هيئته الآدمية لم يتمكن من التحول إلى عملاق خوفًا من أن يقتل المزيد، قتل أكثر من نصف جنس العمالقة يومها ولم يعُد من تلك الحرب سوى الملك المتحسر على مملكته وعلى ابنه"
بصوتٍ ثابتٍ وهادئ أكمل الراوي حديثه بينما حاولت تمالك نفسي قليلًا مما رأيت، أكان هذا حقيقيًا يومًا ما؟ إنه أشبه بحكايات الأساطير التي من الصعب تصديقها. "هذا…" صمت يوجين يحاول إيجاد كلمة مناسبة ليهمس "مريع".
"ماذا حدث للساحرة؟ لمَ اختفت؟" سألت ليتحرك أخيرًا بعيدًا عن هذا المشهد ويفسر "قوة الظلام التي تحكمت بها كانت قوية، واللعنة كانت أكثر قوة؛ فقد لعنت جنسًا كامل ولكن ما إن رأت نهاية خائنها بعينيها شعرت بالرضى والسلام، والظلام لا يسكن الجسد الراضي؛ لذلك قتلها ولم يترك حتى جسدها، أما بالنسبة للملك...".
نظر ثلاثتنا للرجل الذي أصابه الكرب من حيث لا يعلم، تائه بين طرقات مملكته وممرات قصره، البلدة السعيدة والمسالمة أصبحت أشبه ببلدة أموات يحكمها ملك ميت من الداخل. "لم يعلن السبب الحقيقي للعنة التي أصابت أبناء بلده؛ فإن عرف الجميع أن ابن الملك من تسبب بكل هذا لقتلوا الملك وانهارت المملكة ولم يكن ليبقى شيء يسمى بالعمالقة؛ فالبقية الناجية كانوا قلة، لذلك كتب التاريخ بنفسه محض أكاذيبٍ ليس إلا، كتب أن مرضًا مجهولًا أصاب المملكة ولم يجد لها أحدهم علاجًا، تكتم القصر الملكي على القصة الحقيقة وظلت مدفونة حتى مات أصحابها معها، شعر الملك أن على عاتقه إعادة المملكة المزدهرة مجددًا، لربما يغسل نفسه من ذنب ابنه ومما سببه، ولأن عمر العمالقة ممتد وطويل تمكنوا من النهوض مجددًا ولكن بقوانين جديدة وبتاريخ محرف".
تلاشت المملكة من حولنا وأصبحنا نقف في مكان خالٍ من أي شيء. "هذه هي نهاية القصة؟ هذا مأساوي" نظر نحوي بغيظ وقفز صافعًا جانب رأسي ثم صاح "قلت أنها ليست قصة! أنا أسرد التاريخ، أتريدين مني إخباركِ بكذبة وأنهم عاشوا سعداء؟ هذا ما حدث في النهاية، تلك لم تكن نهاية العمالقة أبدًا، كانت دافعًا أكبر لهم؛ فقد ظنوا أن المرض الذي أصابهم كان بسبب الحرب التي قامت بينهم، من يومها لم تقم حربٌ بين العمالقة، أصبحت مملكتهم أكبر الممالك، أكثرها ازدهارًا وخيرًا".
حسنًا، هذا جانب مرضي في القصة، ولكن لا يزال الأمر سيئًا؛ فهم لم يتمكنوا أبدًا في أن يكونوا عمالقة مجددًا وهذا كان أكثر ما يميزهم!
"لحظة، إذًا انتهى الموضوع ها هنا؟ نحن لم نستفد شيء! لم نجد حلًا لمشكلتنا بعد" صاح يوجين حانقًا مما دفع الراوي لرمق كلينا بيأس "أتظن أن هذا هو الكتاب؟ هل رأيتما حجم الكتاب؟ هل تظنون أن هذا كل شيء؟ الكتاب يتحدث عن تاريخ العمالقة منذ البداية للنهاية، إن ظللت أعرض كل صفحة عليكما فستظلان وقتًا طويلًا هنا".
اتسعت عيني بفزع وصحت بسرعة "لا! لا أملك كل هذا الوقت للبقاء هنا" دحرج عينيه وتمتم "كأني أنا من أريد منكم البقاء هنا! لمَ يستمر أمناء الكتب في إرسال الحمقى إلى هنا بحق الله؟" عقدت حاجبي وقلت "لحظة! أهناك شخص آخر غيرنا جاء إلى هنا؟".
التفت وعقد ذراعيه "أتظنين أن كتابي محصور عليكِ؟ بالطبع هناك شخص جاء من قبل، شخص واحد في الواقع" بادلت نظرة مع يوجين بينما التفت الراوي وبدأ يحرك يده في الهواء وهو يتمتم "لنتعدى هذا، وهذا أيضًا... لا، حدث غير مهم، لمَ كتبت هذا الحدث التافه بحق الله؟ أمم، ليس بعد..." ومع حركة يده كان المكان من حولنا يتغير بسرعة وكأنه كتاب مصور وصفحاته تتقلب بسرعة.
"ها هو!" هتف وثبت حركة يده في الهواء فجأة "هذا هو الزائر الأول الذي جاء إلى هنا" التفتنا نحو الغرفة المظلمة إلا من مشاعل على الحائط التي أضافت إضاءة خافتة للمكان، وهناك على الطاولة الضخمة الخشبية جلس رجل على أحد الكراسي حول الطاولة وكتف ذراعيه بينما وضع قدمه بإهمال فوق الطاولة مغلق العينين ويتمتم بلحن طفولي نوعًا ما.
"من هذا؟" لم يجبني الراوي، ظل يرمق الرجل بانزعاج كما يرمق كل مني أنا ويوجين. "هل طلبتني؟" قفزت بفزع ما إن كسر الصمت صوت رجل ما دخل للغرفة على حين غفلة، ولم أكن وحدي من فزعت فالرجل الجالس على الطاولة تحرك بفزع مماثل مما دفع كرسيه لعدم الاتزان ليقع أرضًا.
الرجل الذي أفزع الجميع اتسعت عيناه وركض للداخل يساعد الرجل الآخر على الوقوف وكان يمكنني ملاحظة أنه عملاق بسبب شعره الأزرق الكثيف وعينه الصفراء، نهض الآخر وضحك بقوة وهو يضرب كتف الرجل العملاق "لقد أفزعتني يا صاح، كأنك أحد الأموات" فرك العملاق كتفه وابتسم بالرغم من الملامح المتألمة على وجهه.
تفحصت ذلك الرجل باهتمام، جسد قوي وشعر أخذ الدرجة الأغمق من اللون الأشقر وقد جمعه للخلف بربطة للشعر، ذقن كثيفة ولكن قصيرة وملامح مبتسمة ومرحة، خاصة عيناه الزرقاء الضاحكة، بدا كرجل يمكنك التعامل معه براحة.
"ذلك الأهوج عديم العقل" تمتم الراوي وهو يستند على الجدار يراقب ما يحدث. "اجلس يا صاحبي، اجلس، هناك ما علينا التحدث فيه" قال وجذب كرسيًا خشبيًا ليصدر صوتًا مزعجًا لاحتكاك أرجل الكرسي بالأرضية.
بدل العملاق نظره بين الكرسي والرجل بفضول قبل أن يجلس وينظر نحوه باهتمام. "هناك شيء يدور في عقلك" قال العملاق مبتسمًا وكأنه لم يخمن، بل هو متأكد؛ مما دفع الرجل الآخر لبعثرة شعر العملاق كما أفعل عادة مع هارليك وضحك بصخب "أنت محق يا صديقي" أبعد يده عن شعره وتمتم بانزعاج "توقف عن هذا، أتعرف كم عمري؟".
"هناك ما أريد التحدث عنه" قال الرجل الآخر ليومئ العملاق مشجعًا الأخير على الحديث "تعرف أننا لن نوقف تلك الحرب إلا إذا كنا أقوى منها، وأولئك المجانين لن يوقفهم الحديث العاقل" غمغم العملاق كموافقة على حديث الرجل "ما الذي قد يوقفهم إذًا؟" وضع الرجل نظرة جادة على وجهه وهو ينظر لعين صاحبه الصفراء "الخوف يا صاحبي، الخوف من الموت هو ما سيردعهم".
مال العملاق بجسده يستمع باهتمام لحديث الأخير "وكيف سنرمي الرعب في قلوبهم؟" ابتسم الرجل لسؤاله وكأنه يخبره بخبر سعيد وقال "أنتم من سيرعبهم" طرف العملاق وظهرت علامات الجهل على وجهه "كيف؟ ومن تقصد بأنتم؟".
اتسعت ابتسامة الرجل ومال نحو العملاق وقال "أقصد العمالقة" صمت جال بين الاثنين قطعه العملاق بعدم تصديق "أتمزح؟ تعلم أننا بلا فائدة في هذه الحرب إلا إذا تحولنا لعمالقة، وهذا مستحيل" أخذ الرجل نفسًا وهتف "لا شيء مستحيل يا صاحبي، تذكر هذا، لقد وجدت طريقة" بدا العملاق متوترًا ومشوش "طريقة لماذا بحق الله؟ توقف عن التلاعب بأعصابي".
وضع الرجل ابتسامة جانبية وقال "طريقة للتحكم بالعمالقة".
حينها أدرك العملاق ما يتحدث عنه الرجل ونهض بسرعة تسببت في وقوع الكرسي مصدرًا ضجيجًا ملأ المكان، وفي ذات اللحظة أدركت شيئًا تسبب في وقوع قلبي وحدقت في الرجل المبتسم بطريقةٍ لا تشير لخطورة الوضع بصلة وأنا أشعر بصدمة.
"أخبرني حالًا" وجهت حديثي للراوي الذي نظر نحوي بطرف عينه "هل هذا هو جولديان باتريس؟ الرجل الذي أوقف الحرب؟" ولأول مرة ارتسمت ابتسامة خبيثة على وجه الراوي وقبل أن يجيب صدح صوت العملاق صائحًا:
"أتمزح سيد باتريس؟"
كان الأمر صادمًا لدرجة دفعتني للتحديق بالرجل لخمس دقائق ربما. "يمكنني سماع موسيقى درامية من الطبول تضرب في الخلفية" همس يوجين بصدمة والطبل الوحيد الذي أسمع صوته هو قلبي الذي صرخ بحماس مفاجئ.
"أبدًا أبدًا، لن أمزح في وقتٍ كهذا يا رجل، هناك طريقةٌ بالفعل" لهث العملاق بلا تصديق وانطلق يأخذ خطواته جيئة وذهابًا في الغرفة وهو يمسح وجهه كل ثانية وراقبه الر... جولديان بنظرات مستمتعة.
تحرك العملاق بسرعة وأمسك الكرسي الواقع أرضًا يعيده على أرجله وجلس فوقه ناظرًا لجولديان بجدية "كيف؟ ما الطريقة؟ لا لا... كيف عرفت؟" أراح جولديان ظهره للكرسي ووضع يده خلف رأسه وقال "قرأت كتابًا".
بلا إدراك وقعت عيني على الراوي الذي زفر وقال ساخرًا "وأزعجت صاحب الكتاب أيها الأهوج".
"أي كتاب هذا؟" سأل العملاق ولكن لم يجبه جولديان وقال "أيهم هذا الآن؟ أنا أملك الطريقة ولكنها ليست دائمة لكسر اللعنة" بدا التشوش باديًا على وجه العملاق "أي لعنة؟" وجه جولديان أشار على الورطة التي أوقع نفسه فيها بسبب ذلة لسان؛ لذلك ضحك بصوت عالٍ مصطنع وصفع كتف العملاق بقوة "أقصد المرض يا صاحبي، المرض، ولكن أليس المرض لعنة؟".
رفعت حاجبًا وقال يوجين ما دار في خلدي "هذا الرجل... ألا يبدو أحمقًا قليلًا؟" أومأت كموافقة وهتف الراوي "نعم، إنه كذلك، مثلكما تمامًا".
"ما هي الطريقة إذًا؟" قال ليتنهد جولديان ويقول "سنحتاج لساحرةٍ ماهرة جدًا، القليل من الجندر وبعض حبات قيقون وبعض من ذلك السائل المسمى بـ جرعة القط أو شيء ما مشابه تعرفه الساحرات".
"أتقول أن علاجنا كان موجودًا طيلة الوقت في مكونات الساحرات؟" حرك جولديان رأسه نافيًا وقال "لا، أولًا؛ هذا ليس علاجًا، إنه مهدئ يدوم لوقت محدود، ثانيًا؛ المكونات وحدها ليست كافية، الحبة التي ستصنعها المكونات يجب أن تكون مشتعلة" اتسعت عين العملاق وقال "عفوًا؟"... "أعني هذه النار" قال وأشعل يده بنيران زرقاء باردة "نيران ابن التوبازيوس".
نظر نحوي يوجين كما فعل الراوي وراقبت الوضع بتوتر "إذًا علينا صنع حبةٍ ما من تلك المكونات، لكن… أنت لم تذكر الكمية، أعني كم حبة قيقون وكم ورقة جندر و... تعلم نسبة المكونات؟".
فتح جولديان فمه لوهلة قبل أن يغلقه ويضع ابتسامةً بلهاء ويقول ببساطة "لا أعرف كم الكمية في الواقع" اتسعت عيني وصرخت "ماذا؟" توافق صراخي مع العملاق المصدوم وبدا جولديان مرتبكًا، حاول تهدئته بحركة من يده "استمع لي، لذلك نحن في حاجة لساحرة ماهرة حتى نضبط المكونات" تنهد العملاق وسأل "وكيف سنعرف أنها مضبوطة؟".
تحولت النظرة على وجه جولديان وقال "هذا يعود لك، لم أعرف عملاقًا أقوى منك يومًا، سنجرب الجرعة كل مرة حتى نصل للمكونات الصحيحة ولكن ذلك سيكون مؤلمًا وسيئًا وقد يؤثر عليك إن لم ننجح، أنت لست مجبرًا على الإطلاق، وإن رفضت فذلك لن يغير مكانتك داخل قلب هذا الرجل الأحمق؛ لذلك سأترك لك فترة للتفكير وبعدها يمـ...".
"أنا موافق"
نظرت للعملاق بصدمة كما فعل يوجين وجولديان "لا تتعجل يا صديقي، أنت لا تعـ…" قاطعه مجددًا "أي تفكير، سيد جولديان؟ أنت تهب حياتك مقابل السلام، من أكون أنا حتى أحافظ على حياتي لنفسي؟ أنا موافق، إن نجحنا فهذه ستكون بطاقتنا الرابحة وسنوقف سفك الدماء هذا… فلنجرب من اليوم إن أردت ذلك".
النظرة في عيني ذلك العملاق… ذلك الإصرار وتلك القوة الثقة وعدم التردد، وكأنني أرى الصبي هارليك يجلس أمام جولديان وشيء ما دفعني للفخر به كما كانت النظرة الفخورة على عين جولديان الذي نهض واحتضن جسد العملاق بقوة مربتًا على ظهره.
"لقد أثرت في قلب هذا الرجل، تكاد عيني تدمع يا صاحبي، سنوقف هذه الحرب معًا… سنوقفها"
ثم اختفى!
نظرت للراوي كما فعل يوجين لينظر لكلينا ويقول "ماذا تريدان؟".
"أين البقية، ما هي الوصفة؟" صحت بتلهف ليتنهد يقول "لم أقم بتدوينها" اتسعت عيني بصدمة "ماذا تعني؟" هتفت ويوجين في ذات الوقت "هل أنتما غبيان؟ أعني أني لم أكتب الوصفة في كتابي، ذلك كان الشيء الذي لا يمكن تدوينه في ذلك الوقت، أتعرفين كم شخصًا قد يحاول الوصول لها؟ قوة العمالقة ليست بالشيء الهين".
مسحت على وجهي وقلت "إذًا علينا أن نجرب؟ هذا سيؤلم هارليك كثيرًا" توقف الراوي أمامي بنظرة جدية وقال "هل يخاف الصبي العملاق الألم؟" نظرت نحوه باستغراب ليكمل "ذلك الصبي الفارس، إن أخبرته بما أخبر جولديان ذلك العملاق ما رد الفعل الذي تتوقعين أنه سيصدره؟".
لم أحتج للتفكير لأني أعلم… اللعنة، هارليك كان سيوافق بأكبر ابتسامة، ومع كل مرة سيتألم سينهض بحماس أكبر صائحًا بأننا نقترب من الجرعة الصحيحة. "إذاعة الصباح تلك أشجع من نصف الأشخاص الذين قابلناهم" هتف يوجين بثقة.
"أتعرفين من العملاق الذي كان واقفًا أمام ذلك الرجل الأهوج؟" عقدت حاجبي وحركت رأسي نافية "ذلك هو برايف، اسمه يعني الشجاع أيتها الشابة... برايف هو جد الصبي الأكبر، أكثر العمالقة شجاعة وأكثرهم تضحية، ستجدين اسمه أكثر الأسماء عظمةُ عند العمالقة؛ فلا أحد سيضرب مثالًا للشجاعة إلا وسيحكي قصة العملاق برايف. الفرسان لم يتم اختيارهم اعتباطًا، شجاعة برايف تسري في دماء الصبي العملاق".
لحظة واحدة... ماذا بحق الله؟ جد هارليك الأكبر شارك في إيقاف الحرب؟ اسم جده مذكور في التاريخ؟ ولم يخبرني يومًا!
"هذا يفسر اندفاع المذياع الصباحي والشجاعة التي تصل لحد التهور" قال يوجين بابتسامة واسعة وأومأت بصمت، الكثير من الصدمات بهذا اليوم... الكثير منها.
"كيف توصل جولديان للعلاج؟" سألت الراوي الذي أصدر صوتًا متذمرًا "لقد ظل هنا لوقت طويل وأصابني بالصداع، لقد أعطيتكِ خلاصة بحثه لأيام بين صفحات هذا الكتاب، والآن لا تزعجيني" قبل أن يتحرك ونخرج من الكتاب صرخت به بسرعة "لحظة لحظة! ذلك الحل الذي عرفه جولديان مؤقت، ألا يوجد حل نهائي للعنة العمالقة؟" مسح على وجهه وقال "لمَ تظنين أني أريتكِ بداية الأمر إذًا يا بطيئة الفهم؟ لا يكسر لعنة الساحرة إلا الساحرة، هناك صلة قوية بين المائة الساحرة التي تلفظها الشجرة بكل جيل، ابحثي بنفسك إن أردتِ الخلاص للعمالقة، أما أنا فسأظل هنا أخط التاريخ الحقيقي".
وفي نبرة نهائية انتهى النقاش وابتعد جسده البنفسجي الصغير حتى اختفى، وشيئًا فشيئًا بدأ المكان من حولنا يتفتت حتى اختفى بالكامل وتحول المكان إلى المكتبة المعتادة حيث اللوح الذي تركناه كما هو، ولكن المكتبة بدأت تضاء بضوء الفجر الأول.
"جلنار"
التفت أنظر نحو هارليك الذي تثاءب وهو يفرك عينه وشعره مبعثر بشكل سيءٍ جدًا وبالكاد يفتح عينه "أين كنتِ؟" اتسعت ابتسامتي وانطلقت نحوه أمسك بكتفه وأهزه بحماس "لمَ لم تخبرني عن جدك بحق الله؟" طرف بتعجب وصدمة وأمال رأسه "جدي! تعنين جدي هرف؟" نفيت أهز رأسي "أعني جدك الأكبر برايف!" اتسعت عينه وصاح "كيف عرفتِ عن جدي برايف؟".
"لا يمكنني إخبارك، لكنه شخص رائع!" اتسعت ابتسامته وقد انتقلت له عدوى الحماس "أعرف، أنا فخور به جدًا، إنه... لحظة، لمَ نتحدث عن جدي الآن؟".
حاولت ترتيب شعره وقلت "دعنا من هذا، لقد وجدت حلًا مؤقت" نظر نحوي باستفهام لأقول "أعرف كيف تصبح عملاقًا دون مشاكل" اتسعت عيناه وصرخ بصوت عالٍ "تمزحين؟ أخبريني بأنكِ تمزحين! هل فعلتِ؟ هل وجدتِ الحل بالفعل؟ كيف؟ لماذا؟ لا، هذا سؤال خاطئ؟ ما هو؟ أين؟ لنجربه، لنجربه حالًا، أرجوكِ أنـ...".
صمت وأجفل ما إن ألقى يوجين بكتابٍ ضخم على الأرض بقوة "ما أجمل الهدوء!" همس وهو يغمض عينه بعد أن نجح في إخراس هارليك. "يوجين أوقعه دون قصد" قلت وأنا أرمق الأخير بحدة.
"هارليك، استمع لي جيدًا" أومأ ونظر نحوي باهتمام "الحل الذي وجدته ليس... لا أعرفه تمامًا، إنه وصفة ولكنني لا أعرف مكوناتها تمامًا؛ لذلك سنجرب… مرة بعد الأخرى حتى ننجح، لكن الأمر سيكون مؤلمًا جدًا لك، لست مضطرًا للموافقة؛ فأنت ستظل فارسًا وأكثرنا شجاعة، فهذه مخاطرة ضخمة ولـ...".
"أنا موافق"
نظرت ليوجين قبل أن أعيد نظري لعينه الصفراء المتسعة بحماس "هارليك، لا تتعجل، الأمر سيؤلمك كثيرًا و...".
"أنا موافق، جلنار! واللعنة بالطبع أنا موافق، حتى وإن مت وأنا أحاول فلا بأس، هذا أمر ضخم... أمر كبير جدًا ولي الفخر كفارس في المشاركة به. إن نجحنا أتعلمين ماذا يعني هذا؟ قد نفوز في الحرب وسنتمكن من فعل الكثير، سأصبح أقوى وحينها لن أترك أحدًا يموت و...".
راقبت حماسه وهو يتحدث بسرعة وبلا توقف، بالرغم من أني توقعت إجابةً مماثلة، لكن ما زال الأمر صادمًا عندما تسمعها من صبي كهارليك. ابتسمت بفخر وربت على رأسه وبادلت يوجين نظرة نعرف معناها...
هذا هو حفيد برايف.
*******************************************
اخباركممم؟؟
معلش على التأخير بس بحاول قدر الإمكان انتظم على التنزيل
بس عندي امتحانات ميد ترم على الابواب فبحاول انظم وقتي
وكمان رمضان قالب يومنا فيعني على قد ما بقدر بنزل
المهم
افتكر الراوي كنت عامله له رسمه وضاعت مني كل ما افتكرها اضحك
لووف يو
باييي
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذف❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذفحمااااس اخيرًا رح نلقى حل لمشكلة هارليك 😭😭
ردحذفحبيت جولديان عسل
💙💙💙💙
ردحذف❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذفالتعليقرقم ستة او سبعة... مش بطال.
ردحذف+ قلوب حب وامتنان الى ما لا نهاية.
يمه يحمس مرا الراوي يضحك
ردحذفواخييييرا اقدر اعلق حرفيااا روعة اذا قدر يتحكم عندي احتمال عو جولديان بنا انع ابن توبازيوس ليكون هو بعد بشري وتكون جلنار حفيدته يعني ممكن
ردحذفرسميا هارليك هو المفضل عندي بين الفرسان
ردحذفتأثر للابد بشجاعة جد هارليك 😔😔♥️♥️
ردحذف❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذفكل فصل فيه حماس أكثر من الفصل لي قبل😍😍😍😍
ردحذف❤❤❤❤❤
ردحذف🔥🔥🔥🔥🔥
ردحذفالفصل يجنن ياخي حبيت جد هارليك ومتحمسه للقادم
ردحذفاسراء شكراً للفصول ربي يسعدك
ردحذف💙💙💙💙🔥🔥🔥🔥
ردحذف🥰🥰🥰🥰♥️❤️
ردحذفحبيت برايف ✨
ردحذفوين الناس يلي تتخيل في الراوي القط ذو الحذاء 😺
ردحذفكنت أتخيله لوشا بوتي و لونه بنفسجي مع نظرات
حذف🔥🔥❤️❤️
ردحذفياخي هارليك عايزة اكله😭💗💗💗
ردحذف