الفصل الثامن والثلاثين | غرباء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "أدعوك يا ربي أن تغفر لي ذنوبي وأن تهديني إلى الطريق السليم، وأن ترزقني حب ما تحب وكره ما تكره، وألا تبتليني بالبعد عنك وعن طريقك ما حييت.".

إفصاح آخر "بشر لهم نفس النظرة الخاوية , لكنهم يتظاهرون بإستغراقهم الشديد في أمور مهمة".  باولو كويلو

 مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل الثامن والثلاثين



مستلقيًا فوق الأريكة كان باله منشغلًا بينما يلقي بكرة من المطاط نحو الأعلى قبل أن تعود نحوه ليلتقطها في الوقت المناسب، أخرج تنهيدة متعبة وحشر الكرة داخل جيبه وألقى برأسه للخلف لتتساقط خصلاته بنعومة بعيدًا عن وجهه.

ارتفع رأسه ما إن لمح الشعر الأصهب يتحرك نحو أحد الأبواب، نهض بسرعة وهرول نحوها قبل أن يوقفها بالوقوف أمامها. "علينا التحدث" رفعت حاجبًا نحوه ولم تجب ليتنهد ويقول "لقد قمت بالمبالغة، أعرف... لكن لا يجب أن نصنع المشاكل بيننا في حرب كهذه، أنا أعتذر". 

لم يكن جوزفين يعاني من الاعتراف بخطئه إن كانت هذه الوسيلة الوحيدة لإنقاذ نفسه من التورط مع شخص كثونار. زمت شفتيها قبل أن ترفع كتفها قائلة "اعتذار غير مقبول".

طرف بتعجب وراقبها تتعدى جسده تكمل طريقها. "ماذا علي أن أفعل؟" صاح ولوح بيده بنفاد صبر لتتوقف وتلتفت نحوه بأكبر ابتسامة خبيثة "هل أنت جاد في هذا؟" أومأ بسرعة وتسلل الأمل قليلًا لداخله "حسنًا، لأنك مصر، ربما سأعيد النظر إن ساعدتني في إحضار هذه الطلبات لواندر" لوحت بالورقة الممتلئة بالطلبات في وجهه.

بالرغم من مقته الكبير للتسوق؛ إلا أنه ابتسم وأومأ موافقًا.

تحرك الاثنان نحو السوق وظن جوزفين أن مهمته سهلة، حتى وإن كان يمقت التسوق والمشي الممل، لكن كل ما عليه هو السير مع ثونار حتى تنتهي من التبضع وبعدها كل شيء يعود مسالمًا كما كان، لم يكن يعلم أنها أحلام وردية يصعب تحقيقها…

.... 

"إلى أين سنذهب؟" سأل وهو يتفحص المتاجر الكثيرة والمزدحمة ككل يوم "هناك!" أشارت نحو متجر صغير ولكنه ممتلئ بالأرفف التي قد تصل للمئات. متجر البهار كان أكثر ما يكره جوزفين لأن الرائحة بالنسبة له لا تطاق، ولكنه أجبر نفسه على الحركة.

وقفت ثونار تلتقط كل علبة كتبت واندر اسمها على الورقة قبل أن تضعهم أمام البائع ليضعهم داخل الأكياس، توقفت وهي تنظر للورقة قبل أن تتجه لرف عالٍ لم تتمكن من الوصول له، نظرت لجوزفين -الذي لم يحاول إخفاء شعوره بالملل- بطرف عينها قبل أن تبتسم بخبث.

"بعض المساعدة هنا" صاحت به ليتنهد ويتحرك نحوها بينما تقف على أطراف أصابعها وتحاول الوصول للعبوة، وقف خلفها ومد ذراعه لالتقاطها، ولكن لم يتوقع صراخ ثونار العالي والذي جذب انتباه الجميع "ما الذي تحاول فعله؟".

نظر نحوها بصدمة وتجمد في مكانه يحاول استيعاب ما حدث "من سمح لك بلمسي أيها المنحرف؟". 

صراخها العالي جعلهما محض انتباه نصف من في السوق، جوزفين أخذ خطوات سريعة بعيدًا عنها "ما الذي تـ..." قاطعته بصوت مرتجف ومصطنع "فقط لأني وحدي تظن أنه بإمكانك فعل ما تريد؟".

الرجال في المكان تقدموا نحو جوزفين بنظرات متقززة والهمسات أصبحت عالية "لابد أنه أحد النبلاء، يبدو من الحرس إنهم ملاعين، على أحدهم تلقين هذا المقرف درسًا، ألا يوجد رجل بينكم؟".

ولم يجد جوزفين فرصة للدفاع عن نفسه؛ لأنه وجد نفسه يهتز للأمام وللخلف بعنف ورجل ما يمسك عنقه ويصرخ بشيء ما لم يستطع جوزفين تميزيه لأنه كان مشغولًا بالبصاق الذي يتطاير على وجهه في كل مرة يفتح فيها الرجل فمه.

استمتعت ثونار وهي تشاهد مظهره يحاول التوضيح، وكما توقعت تمامًا؛ إنه أنبل من أن يقوم بالدفاع عن نفسه بالقوة ضد أشخاص أضعف منه.

بعد أن شعرت أنه أخذ كفايته من الصراخ والشتائم وبعض الصفعات على الرأس صاحت وأوقفت الضجيج حول جوزفين "لا بأس جميعًا، أظن أنني أخطأت، ربما كان يحاول الوصول للرف، ليس إلا".

وعلى رغم من هذا لم يسلم من النظرات المسيئة نحوه والسباب الذي ترامت من هنا وهناك. "إن كنت تحاول إحضار شيء ما، كان عليك الطلب باحترام من الآنسة أن تبتعد عن الطريق" صاحت امرأة قبل أن تصفع رأسه بقوة وتبتعد وتتمتم أخرى "أطفال هذه الأيام لا يعرفون شيئًا عن اللباقة".

الزحام أصبح أخف ووقف جوزفين يمسح وجهه قبل أن يعطيها نظرة حاقدة، وما إن فتح فمه قاطعته بسرعة "أشعر وكأنني أصبحت أكثر تقبلًا لفكرة مسامحتك" قضم شفتيه بقوة وأخذ نفسًا قبل أن يركل الحائط عشرات المرات يفرغ غضبه وهي تراقبه بابتسامة مكبوتة.

ما إن توقف نظر نحوها بينما رفعت الأكياس أمام وجهه "لن تترك الآنسة تحمل الأغراض، صحيح؟" تنهد قبل أن يسحب الأكياس بعنف ويسير بخطى سريعة غاضبة وبراحة مشت ثونار وهي تدندن بلحن ما مستمتعة.

توقف الاثنان أمام الكثير من المتاجر وتركت المئات من الأكياس ليحملها هو بحجة أنها نسيت المكاشورت الذي يمكنه نقل كل شيء في ثانية. توقفت أمام متجر صنع الخمور العتيقة وسال لعابها وهي تنظر لكل الزجاجات العتيقة في المكان.

توقفت أمام واحدة كانت كالكنز الذهبي بالنسبة لها، وعندما سألت عن السعر سقط فكها بصدمة؛ فكل ما تملكه هي الميزانية التي سلمتها لها واندر لشراء الأغراض. التفتت نحو جوزفين بابتسامة بريئة "أظن أني سأسامحك تمامًا إن أ…" قاطعها بنبرة نهائية "لا وألف لا، إنها بألفي ومائتَي كورينت، أتعلمين كم يكلف هذا بعملة مملكتي؟ ماذا تظنينني؟ خزنة المملكة؟".

حدقت به بصدمة قبل أن تمتلئ عينها بالدموع وتبدأ بالبكاء بصوت عالٍ، اتسعت عينه وصاح بها "ما لعنتك، ثونار؟" أزداد صوت بكائها وأصبح الجميع يرمقهم مجددًا، حاول جوزفين إيقاف بكائها ولكنها أبت التوقف، بل كان صوتها يزداد علوًا.

قرر تركها والذهاب، لكنها أمسكت معصمه بقوة وجلست فوق الأرضية تصيح والدموع تغرق وجنتيها بينما يكاد هو يقتل نفسه "أريدها! أنا أريد الزجاجة، أرجوك!" صاحت وهي تشهق والنظرات كانت تلاحق وجه جوزفين الذي نظر نحوها بغيظ شديد قبل أن يصرخ في وجهها "حسنًا، فقط توقفي، سأشتريها لكِ". 

في ثانية كان صوتها قد اختفى ونظرت نحوه بأعين دامعة قائلة "حقًا!" كاد يلكم وجهها، ولكنه تمالك نفسه وسحب يده بقوة متجهًا للبائع الذي كان يراقبهما منذ البداية بملل.

أمسكت ثونار الكيس الورقي الذي يحتوي على الزجاجة العتيقة بابتسامة ضخمة وهي تتقدم جوزفين ببعض الخطوات وتغني بسعادة بينما هو يتفقد جيبه الذي فقد ألفي ومائتَي كورينت منذ دقائق.

"أنهينا نصف القائمة، سنضطر للذهاب للجهة الأخرى من السوق لأجل النصف الثاني" نظر نحوها بعدم تصديق وصرخ "سنسير للطرف الآخر من السوق؟ أتمزحين معي؟" طرفت بدهشة قبل أن تنفي برأسها "من قال أننا سنسير؟ سنركب الفايتم". 

تجمد في مكانه قبل أن يلتفت ببطء نحو المبنى الصغير حيث تدفع للتذاكر وعن طريق مركبة مصنوعة من الزجاج بالكامل على ارتفاع ثلاثمائة قدم معلقةٍ بحبال قوية تنقل للطرف الآخر من السوق.

"انسي، هذا مستحيل... هل تعرفين على أي ارتفاع هذا الشيء؟ قد أصاب بسكتة قلبية" انخفض كتفاها وتمتمت ببرود "ربما علي إعادة التفكير في أمر التسامح بيننا" التفتت تتحرك، لكنه أوقفها بسرعة لتنظر نحوه تنتظر حديثه.

بدل نظره بين وجهها وبين المركبة التي تتحرك بين السحاب وشعر بجسده يقشعر خوفًا وقلبه بدأ في النبض بقوة، فقط لأنه نظر نحوها. "لمَ لا نستعمل المركبات التي تسير فوق الأر..." حركت رأسها نافية وأصرت على ركوب الفايتم، تستمتع بمشاهدة خوفه من المرتفعات.

"ما خطبك؟ أنت تستخدم المركبات الطائرة على الدوام" قالت بارزة شفتيها بتعجب ليصيح بيأس "أتظنينني أستمتع بها؟ أنا مضطر للانتقال لمكان المهمة، كما أن الجميع يعلم أن عليهم التحليق على مسافة قريبة ما إن كنت بصحبتهم".

ثونار كانت تعلم كل هذا سابقًا، لكنها فضلت التظاهر بالجهل وعقدت حاجبيها بانزعاج مصطنع "إذًا ماذا؟ تريد منا المشي كل هذه المسافة للنصف الآخر؟".

تنهد ونقل الأكياس من يد لأخرى وهو يبدل عينه بينها وبين المركبات التي تتصاعد عاليًا كل خمس دقائق قبل أن يستسلم أمامها لتقفز صارخة وتركض لدفع التذاكر، جر قدمه جرًا نحو المركبة التي قام الموظف بفتح بابها لهما، وثونار بشعرها الأصهب كانت قد قفزت داخل المركبة والابتسامة فوق وجهها كانت أكبر من أي ابتسامة أخرى.

شعر جوزفين بقدمه تصبح لينة ويكاد يقع فوق الأرضية ويصرخ ببكاء حتى لا يركبها، ولكنه احتفظ بكبريائه وجلس فوق المقعد المقابل لثونار بجسد متخشب، أغلق الموظف الباب الزجاجي وتحركت الفايتم ترتفع ببطء.

لم يعرف جوزفين لأين ينظر؛ فالمركبة بالكامل شفافة وتسمح لك برؤية الارتفاع المفزع. أغمض عينيه بقوة وهو يصلي لئلا يتوقف قلبه، وأنفاسه تتسارع بشكل جنوني.

فتح عينه يأخذ لمحة وحينها صاح برعب وضم جسده وأغمض عينيه بقوة أكبر وسط ضحكات ثونار اللا متناهية. الدوار والرغبة في التقيؤ وضيق النفس، كلها كانت أعراض يعاني منها جوزفين ما إن يتم وضعه في مكان عالٍ، ولوهلة أشفقت ثونار على حاله، لكنه من عبث معها أولًا.

ظل صامتًا طيلة الوقت مغمض العينين يحاول تنظيم أنفاسه ويردد كلمات يُهدئ بها نفسه. ما إن توقفت المركب فوق سطح الأرض ركض بسرعة خارج المكان يلتقط أنفاسه.

سحبت ثونار الأكياس وتبعته بابتسامة مستمتعة، كادت تقول جملة ساخرة، لكنه ابتعد عنها في زاوية بعيدة وتقيأ كل ما تناوله في هذا اليوم.

انتظرت انتهائه ليلتقط أنفاسه ويمسح فمه ويتحرك نحوها بخطى متعثرة يتمايل بعدم اتزان. "هيا، لم تكن عالية جدًا لـ..." توقفت في منتصف جملتها بسبب ارتماء جسده فوقها يحملها نصف وزنه وسقط رأسه فوق كتفها الذي تصلب بصدمة، بأعين مغمضة همس بصوت يكاد يخرج "أنا أكرهك".

اتسعت ابتسامتها وربتت على ظهره "أحبك أيضًا". زفر بضيق وابتعد عنها ليجلس فوق الأرضية ويحاول أن يعود لوعيه. "لن أركب هذه اللعنة مجددًا" شعرت ببعض الذنب لتجذب زجاجة من الماء وتناولها له "لم أعلم أنك تخاف المرتفعات لهذا الحد!" همست وهي تراقب حالته التي يرثى لها.

تحرك الاثنان ما إن عاد لون وجه جوزفين لطبيعته وتمالك نفسه، وعندما ظن أنها ستشفق على حاله وجد نفسه يحمل المزيد من الأكياس وقدمه يقتلها الألم. "ألم ننتهِ بعد؟" تذمر لتزم شفتيها بتفكير وتنظر للورقة "لقد انتهينا منذ مدة بالفعل" اتسعت عيناه بصدمة وصاح "ولمَ كنا نسير منذ ساعة من الآن؟" نظرت نحوه ببراءة وقالت "أحاول قتل قدميك!".

أغمض عينه قبل أن يلقي الأكياس فوق الأرضية واستغل كونهما في زقاق فارغ من أي شخص آخر غيرهما وصاح "هذا يكفي! أعلم أني ضايقتكِ وقد بالغت قليلًا، لكنكِ من بدأ وحديثك كان مبالغًا فيه. دعينا ننهي هذا، أحرجتك مرة وعذبتني في المقابل بما فيه الكفاية".

انخفض كتفيها وهتفت باستنكار "أحرجتني؟" دحرج عينيه وأومأ قائلًا "نعم، فعلت، لكنكِ من ضايقتني أولًا و..." تقدمت نحوه بغضب وصاحت "أنت تحمل ثقة كبيرة جدًا في نفسك أيها المدلل! تظن أنك أحرجتني؟ لمَ لا نرى أكثر لحظاتك إحراجًا إذًا؟".

نبرتها لم تكن عادية؛ فأوجس خيفة مما تحاول التخطيط له، تقدمها نحوه وعينها التي تحول اللون الأزرق داخلها لأبيض بشكل كامل أرعبته، وقبل أن يفكر في الابتعاد أو منعها من لمسه كانت قد دفعت جسده بقوة قبل أن تضع كف يدها فوق رأسه.

جسده أجفل بقوة للألم السيء الذي ضرب رأسه وعينه الرمادية اختفت وتحولت لأخرى بيضاء مشابهة لأعين الساحرة، في ثانية مئات الصور تصحبها مئات المشاعر راودت كليهما في اللحظة ذاتها، ولم تدرك ثونار سوء وقع ما فعلته إلا عندما ضربتها تلك المشاعر بشكل سيء.

أبعدت يدها عنه وضمتها لصدرها بقوة وتراجعت بسرعة بعيدًا عنه ليصطدم ظهرها بالجدار، أخذت نفسًا قويًا تحاول التخلص من انقباض قلبها القاتل. ارتجف جسدها بقوة، ويدها خاصة كانت ترتجف بشكل جنوني، صدرها كان يعلو ويهبط بقوة، وعينها تتحرك بجنون في المكان.

رفعت عينها بصدمة نحو جوزفين الذي تجمد في مكانه، عينه ثابتة على مكان ما، ولكنه بدا غائبًا بالكامل عقليًا. حاولت قول شيء ما، لكن صوتها أبى الخروج ولوهلة لم تتمكن من التعرف على الشخص الذي يقف أمامها.

عينه تحركت لتقع عليها ببرود وفكه انقبض بقوة يراقب رد فعلها. "أنـ… أنت لمـ… لماذا؟" نطقت بصوت مرتجف تتفحص ملامحه الجامدة.

"انسي ما رأيته"

نبرة صوته، نظرته نحوها، تعبيره بالكامل، ذلك لم يكن جوزفين الذي عرفته على الإطلاق. نظرت نحوه وهو يلتفت ويتحرك بعيدًا عنها ولم تستطع أن تكتم الجملة التي قالتها "هل… أنت بخير؟" توقف مكانه وراقبت ظهره بأعين دامعة، لكنها تفاجأت عندما التفت نحوها بابتسامته المعتادة وقد عادت تعابيره كما اعتادت منه.

"أنا دائمًا بخير"

أسندت جسدها للجدار خلفها ما إن اختفى من أمامها واحتضنت جسدها وبلا إدراك سقطت دموعها، في الواقع لم تكن تلك الدموع تعبيرًا عن مشاعرها، بل كانت تخصه هو!

"أي شخص أنت بحق الله، جوزفين؟"

 

....

 

أخذت جلنار نفسًا عميقًا ونهضت جالسة بفزع، التقطت أنفاسها تنظر حولها للمكان الغريب لتغمض عينيها بتعب، عندما ظنت أنها ستحصل على ليلة من النوم المريح حلم آخر مزعج زارها.

نهضت على قدمها تنظر للأرض المدمرة حولها، المكان كان كمدينة مهجورة بالكامل، مباني مدمرة وفارغة ولا يوجد علامة واحدة تدل على الحياة، الكثير من المراكب غريبة الشكل، لكنها أشبه بالخردة التي من المستحيل تحريكها.

الأرض الصخرية كانت تحتوي على الكثير من الشقوق والثقوب التي قد تعلق قدمك داخلها أو قد تسقط داخلها لكبر قطرها.

صفير الهواء أعطاها شعورًا بالرهبة، وكان الأمر لثانية وكأنها داخل مدينة للأموات وقد يخرج الزومبي من أي مكان ليتناول لحمها الطازج.

تجمدت بفزع لصوت قعقعة قادم من أحد المباني وكأن شيئًا ما يلقي بأشياء معدنية، تحركت ببطء وحذر قبل أن تقع عينها على ظل متوسط الطول خلف الزجاج يحاول الوصول لشيء ما عالٍ.

التفتت نحو الباب الخاص بالمبنى وتوقفت عندما شعرت أن المكان مألوف وبشدة... لم يكن شعورًا طبيعيا أن يراودك أنك كنت في مكان غريب لا توجد حياة على سطحه إلا شخص غريب.

امتدت يدها لفتح الباب وحركة الجسد داخل المكان توقفت، وقبل أن تنظر لوجه الشخص صاح بصوت صبياني "أنتِ مجددًا؟".

تزامنًا مع جملته فتحت جلنار عينها تحدق بسقف غرفتها الذي تسلل ضوء الصباح وانعكس عليه بالرغم من الستائر الثقيلة التي تحاول حجبه.

أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تصرخ بتذمر وهي تركل السرير "كل مرة! كل مرة لا يمكنني إنهاء الحلم، لمَ لا يرحمني الشخص الذي يدير أحلامي؟". 

"لمَ لا ترحمي الشبح الذي يحاول النوم هنا؟" نهضت جالسة تنظر ليوجين بحدة "وكأن الرغبة في النوم قد تراودك!" صاحت وهي تلقي الوسادة الصغيرة نحوه ليلتقطها بيده "أحاول أن أتصرف كالأحياء، تتذكرين ما قاله إليف؟ بعيدًا عن محاولاتي... ما خطب مزاج الحوامل هذا الصباح؟".

تأففت ونهضت نحو المرحاض وهي تتذمر وتشتم بغضب. "مجنونة تعيش بين مجانين، لمَ أنا متفاجئ؟" تمتم يوجين وحلق نحو سريرها يضع الوسادة فوقه ويلقي جسده يحاول النوم مجددًا.

الجميع اجتمع للفطور كعادتهم، ولم تستطع جلنار البقاء بمزاج متعكر، خاصة عندما وقعت عينها على السوار الذي يحاوط معصمها كالجميع هنا... رسميًا هي فارسة.

جلست بينهم تستمع لأحاديثهم المعتادة قبل أن ينضم جوزفين لهم ويبدأ محاولته للاستمتاع باستفزاز أغدراسيل، ثونار انضمت لهم بعدها بدقائق.

لاحظت جلنار توقف جسدها عندما وقعت عينها على جوزفين، راقبت ملامحها تنتظر النظرات الغاضبة أو القاتلة، لكن كل ما رأته هو التشوش وشيء آخر لم تستطع تفسيره.

تقدمت ثونار وجلست بجوار رومياس وما زالت تراقب جوزفين الذي ظل يمازح الجميع كعادته، توقف عندما لاحظ تحديقها وأجفلت هي عندما تم الإمساك بها، أرادت قول شيء ما حتى لا تصبح الأجواء غريبة، لكنه ابتسم ابتسامة جانبية وقال "ماذا؟ لا تقولي أنكِ ستعترفين بجاذبيتي الآن".

حدقت به بصدمة لم يلحظها أي من الجالسين الذين أخرجوا أصواتًا معترضة على غطرسته وغروره. "أي جاذبية؟ احمد الإله إن انجذبت العجائز لك" قررت مجاراته في لعبة 'فلنتصرف وكأن شيئًا لم يحدث' وقد أدركت أنها لن تصل لتفسير واضح لما رأت أو شعرت به.

مع اكتمال العدد وضعت واندر الطعام فوق الطاولة وفعل الجميع الشيء الوحيد الذي يتفقون على فعله، تناول الطعام بنهم وصنع الفوضى على المائدة.

عندما أنهى الجميع الطعام أخيرًا وكاد معظمهم ينهض أوقفتهم جلنار قائلة "قبل أن يذهب الجميع؛ هناك شيء ما يريد هارليك قوله لكم". الماء الذي ارتشفه هارليك علق داخل حلقه ليسعل بقوة وينظر لها بتفاجؤ.

ساعده رومياس بسرعة وهو بنظر نحوه بخوف؛ فهو يظن دائمًا أن هارليك قد تكسره نسمة من الهواء.

نظر هارليك نحوها بفزع؛ فقد نسي تمامًا أنه سيخبرهم اليوم، لكن نظراتها المشجعة وابتسامة ثونار الواسعة جعلته يملأ صدره بالهواء ويأخذ نظرة سريعة على الجميع الذي ارتسم الفضول والاستغراب على وجوههم.

"لا يمكننا إخفاء أمر كهذا، خاصة وأنه قد يكون مفيدًا للفريق، أظن أن على الجميع أن يعرف أنني تمكنت أخيرًا من التحول لعملاق عاقل"

قبض يده الباردة وتفحص ملامحهم بفضول وحماس، أوكتيفيان تنهد قبل أن يقول بنبرة حاول جعلها هادئة "أتفهم رغبتك في القتال هارليك، لكن أن تخاطر بالتحول لعملاق في أرض الميدان! أتعلم كم أن كذبة كهذه قد تكون خطرة على الجميع؟".

اتسعت عينه قبل أن يصيح بانفعال "أنا لا أكذب! ثونار صنعت الجرعة وجلنار وجدتها، وقمت بتجربتها ونجحت". أعين الجميع اتجهت نحو الفتاتين التي أومأت إحداهما مؤكدة وصفقت الأخرى صارخة بفخر "الفتى لا يكذب! لقد نجحت في صنع الجرعة… حتى لا أنسب الفضل لي بالكامل؛ فجلنار من وجدت الوصفة".

صمت مر بينهم يحاول الغالبية استيعاب الأمر، وفي هذه اللحظة شعرت جلنار ببعض التوتر واتجهت عينها نحو أتريوس الذي أراح ظهره على الكرسي وكأنه يعرف تمامًا رد الفعل الذي سيصدره الجميع. 

"هل تمزحون معي؟" حرك هارليك رأسه نافيًا لسؤال أغدراسيل. "قمتم بمحاولة تحويل صبي لعملاق؟" نظروا نحو أوكتيفيان الذي هتف قبل أن يضرب الطاولة بيده بقوة ويتابع صارخًا بهما "أي جنون كنتما تفكران فيه بحق الله؟" بدت الصدمة على وجه هارليك وثونار، ولكن جلنار توقعت شيئًا مشابها.

"كيف بحق الله وجدت وصفة لعينة فجأة؟ هل علي تصديق هذا؟" اتسعت عيناها ونظرت لأوكتيفيان "ماذا تقصد؟ لقد وجدتها في المكتبة!" بررت ليضحك ساخرًا "أجل، بالطبع! حل مشكلة عانى منها شعب كامل لقرون في كتاب داخل مكتبة! أتظنينني طفلًا لأصدق هذا؟" ارتفع حاجبيها قبل أن تصيح في المقابل:

"ما لعنتك معي؟ أجل، كانت في المكتبة. إلى ماذا تلمح بحديثك دائمًا أوكتيفيان؟ ولمَ دائمًا كل ما أفعله يصبح بشكل ما سيئًا في نظرك؟" هذه المرة رومياس حاول الحديث قائلًا "الأمر ليس بهذه الطريقة، لكن هذا كان ليقتل هارليك، كمـ...." قاطعه أوكتيفيان صائحًا "تحاولين جذب الانتباه وإثبات نفسك، ولكن أن يصل الأمر لاستغلال صبي بهذه الطريقة لتتفاخري! هل كنتما لتتحملا ذنب موته؟".

هارليك صاح برجاء "سيد أوكتيفيان، أنا أعرف ما أفـ..." قاطعه أغدراسيل الذي حاول تمالك اعصابه "أتعلم ما كدت تسببه لنفسك؟ كان عليكم إخبار الجميع قبل فعلها". 

ضحكت ثونار بعدم تصديق وصاحت "أصبح هذا خطأنا الآن؟ اللعنة، لقد ساعدنا الفتى!".

"لا، لقد كدتم أن تقتلوه!" صاح أغدراسيل ومسح على وجهه يحاول ألا يصرخ عليهما. "لمَ على الجميع أن يصرخ؟" تذمر لافيان وهو يراقب التوتر القائم على الطاولة "لأننا نتصرف مع أشخاص انعدمت المسؤولية عندهم، فقط لأن هارليك وافق لا يعني أنه يمكنكما فعل شيء كهذا" أوكتيفيان نهض فاقدًا أعصابه وثونار في المقابل نهضت تصيح بوجهه دفاعًا عن نفسها.

هارليك يحاول بيأس إيقافهم، أغدراسيل يتدخل ويحاول تمالك أعصابه، لافيان يجادل أغدراسيل في طريقته وجوزفين يحاول إسكات الجميع، تينر جام وزوندي راقبا الوضع بقلق، وواندر أغمضت عينيها بيأس.

الباردان الوحيدان في المكان كانا أرتيانو الذي يرتشف من كأسه ويراقب الجميع بهدوء، وأتريوس الذي يراقب ملامحهم بابتسامة.

بين هذه الفوضى جلست جلنار تنظر للطاولة أمامها… الثقة بين هذا الفريق يبدو الوصول إليها أحيانًا مستحيل... أو ربما هي فقط جاءت وأفسدت كل شيء بينهم!

انتقلت عين أتريوس نحو صاحبة الوجه الوحيد الهادئ بالرغم من أن نصف الحديث يدار حولها، فكها المنقبض وعينها الثابتة على الطبق أمامها وحاجباها المعقودان. لا يعلم لما، لكن رؤيتها صامتة لا تحاول الدفاع عن نفسها استفزته، خاصة أمام اتهامات أوكتيفيان التي لا تنتهي.

عندما صرخ أوكتيفيان قائلًا "إنها لا تهتم بحياة هارليك!" قبض يده بقوة وتذكر وجهها الباكي مع أول ألم أصاب هارليك.

أخذ نفسًا عميقًا، لا يصدق أنه حقًا سيتدخل في هذا، لكنه فعلها. أمسك بالكأس ووضعه بقوة على الطاولة لتتضرر بشرخ طولي، لكنها لم تنكسر.

الصمت حل في المكان واتجهت أنظارهم نحو أتريوس "ربما نسي أحدكم ذكر أنني كنت أعلم بهذا الأمر وقد مددت يد المساعدة". راقب ملامح الجميع المصدومة بابتسامة مستمتعة واسترخى في مقعده ببرود.

"ما الذي تحاول قوله؟" بنبرة حاول أغدراسيل تمالكها سأل أتريوس الذي رفع كتفيه بنظرة متعجبة مصطنعة "ما الذي يجب أن أعنيه؟ كلامي كان واضحًا، لقد كنت موجودًا منذ البداية ورأيت هذا الثرثار يتضخم، كان الأمر ممتعًا".

لم يتمالك أوكتيفيان نفسه وصاح في وجهه "ما مقدار حقارتك بحق الله؟" تظاهر بالتفكير قبل أن يجيب "سأخبرك إذا أخبرتني أنت ما مقدار غبائك؟" اتسعت عين جلنار وشعرت أن معركة ستدمر المنزل قد تبدأ في أي لحظة.

"أنت بـ..." قاطع أتريوس انفجار أوكتيفيان قائلًا ببرود "من تظن نفسك للحكم على الصبي؟ طفل! تتحدث بحماقة عن الثقة في التوبازيوس وفي النهاية تلقب اختيارها لفارس العمالقة بطفل؟". تبادل الجميع النظرات بينما نظرات أوكتيفيان المشتعلة حدقت بأتريوس بشر.

لم يكن أتريوس مضطرًا لتفسير لأن حديثه الهادئ والبارد شجع هارليك على الحديث أخيرًا عندما صمت الجميع.

"هذا يكفي!" ارتجفت يده بغضب قبل أن يصيح بهم بنظرات تمقت كل شخص فيهم "من تظنون أنفسكم بحق الله؟ أنتم الوحيدون الذين لهم الحق في الخوف والدفاع والمخاطرة لأرضه؟ صبي؟ طفل؟ اللعنة، أنا أحب الاستمتاع واللعب ككل شخص في سني، لكني أيضًا أحمل مسؤولية أرض العمالقة على عاتقي، حتى أنا أريد الدفاع والمخاطرة. التوبازيوس اختارتني أنا للدفاع عنها، لا أنتم! لا يحق لأحد أن يقرر عوضًا عني بحجة الطفل الغبية، أنا سأفعل ما أريد وسأقاتل بالطريقة التي أراها مناسبة، أنا حفيد برايف! العملاق الذي وقف جنبًا بجنب لجوار جولدايان في حربه، أخبروني من أنتم؟ كيف أموت هو خياري أنا، لا أنتم! وكيف أخاطر وكيف أتألم، أنا من يقرر كل هذا، وما كانت التوبازيوس لتختار فارسًا لا يمكنه أخذ القرار للدفاع عن أرض كاملة! كل شخص منكم يدفع نفسه نحو الحافة في التدريب للفوز، يحق لي فعل المثل أيضًا. إن كنتم تثقون في التوبازيوس فعليكم الثقة بي!".

توقف عندما شعر بصوته يختفي لكثرة الصراخ وأخذ أنفاسه يتمالك نفسه، رفع عينه نحوهم وأضاف في النهاية "ظننتكم ستفتخرون بي وبمن ساعدني، ظننت أن الجميع سيكون سعيد وسينظر نحوي أخيرًا كفرد مفيد. أتعلمون؟ أتمنى لو أن الفريق يقتصر فقط على جلنار وثونار والسيد أتريوس، هذا الفريق كارثة إن ظل كل شخص يفكر بهذه الأنانية ويسيء الظن بالآخرين. جلنار ظلت لأيام بدون نوم لأنني ترجيتها حتى تساعدني، وثونار أضاعت وقتها في محاولة لصنع الجرعة، والسيد أتريوس كان موجودًا في كل محاولة حتى نجاحي، ماذا فعلتم أنتم؟ أوه، تذكرت لقد وجهتهم أصابع الاتهام نحوهم جميعًا!".

صرخ في نهاية الجملة ولم يتمكن أحدهم من الرد، كان من الصعب إيجاد ردٍّ عندما يلقي طفل كلمات بهذه الواقعية والقسوة في وجهك محطمًا غرورك.

هارليك نهض من فوق مقعده وتحرك بغضب نحو الخارج "لا تتحدثوا معي حتى تتغير تلك النظرة اللعينة التي في رؤوسكم عني. أنا غاضب، حتى لمجرد النظر لوجوهكم".

لم تستطع ثونار تمالك ابتسامتها وهي تراقب ظهره يبتعد. "انظروا لهذه المؤخرة الظريفة الغاضبة" ركل الأريكة بقوة وصاح "أنا جاد، ثونار!" وخرج مغلقًا الباب بقوة.

نظرت ثونار نحو جلنار وقالت "أعتذر، لكنه ظريف حقًا" ابتسمت لها جلنار ولم تزد كلمة على ما تم قوله، نظرت ثونار نحوهم جميعًا وهتفت "عار عليكم، طفل بنصف أعماركم ألجم ألسنتكم، أتعلمون لماذا؟ لأنكم كنتم مخطئين" ثم تحركت مبتعدة وغادرت المائدة.

"الفتى وضح وجهة نظره، أهناك شيء ليضاف؟" أرتيانو تفحصهم جميعًا قبل أن ينهض ويتمتم "أخيرًا شخص ما قال شيئًا ذكيا، هذا الفريق كارثة بالفعل".

أتريوس نهض ولم ينسَ إرسال نظرة ساخرة لكل من أوكتيفيان وأغدراسيل وأشار لجلنار لتتبعه للخارج.

ظلت الأخيرة مكانها لم تنظر لأحد منهم، والهدوء بين الجميع دفعها للتحدث أخيرًا وهي على ثقة بأن الجميع سيسمعها "لا أريد إثبات شيء، ولا أريد البروز، ولم أرد المجيء إلى هنا منذ البداية، لكن تبدلت الأمور الآن… أنا مهتمة! مهتمة بالقتال وبالدفاع عن أولئك الأشخاص الذين تم تهميشهم هنا، مهتمة بالقتال حتى لا يصل الخطر لعائلتي؛ فالفشل يعني أني سأراقب كوكبي يتدمر من هنا! أريد الفوز ولا أريد شيئًا آخر سوى العودة لمنزلي، يحق لكل شخص بذل كل ما يملك وهارليك ليس استثناء. إنها أنانية… أن تفرض على شخص كيف عليه حماية ما يحب وأن تقيد رغبته في القتال بحجج واهية لهو أنانية وغرور. المفترض أني قائدة هذا الفريق، لكني لا أعرف ماذا أفعل وكيف علي بحق الله قيادة فريق جنوني كهذا، لكن في الوقت الحالي هناك شيء واحد أثق أنه من المناسب قوله...".

رفعت عينها وتجولت على أنظارهم التي وقعت فوقها تستمع أخيرًا دون مقاطعة أو اتهامات "اثني عشر شخصًا؛ لكل شخص منهم طريقة وأسلوب وحياة مختلفة وأسرار، السيء منها والجيد… كيف يتعامل البشر مع شيء كهذا؟ التأقلم! تعلموا كيفية التأقلم مع كل هذا الجنون، حينها سنتمكن من التعامل بثقة".

نهضت من مكانها ودفعت الكرسي ولم تفتها نظرات واندر التي تصرخ بـ'أنا فخورة بك' لتبتسم وتخرج تتبع أتريوس.

"يا لها من خطبة مؤثرة" اتجهت عينها نحو أتريوس المستند على الجدار ينتظر خروجها "لا تنكر أنها كانت جيدة" قهقه واعتدل في وقفته "خطبة الفتى كانت أفضل؛ فقد كانت تحتوي على الكثير من اللعنات والشتائم" دحرجت عينها تراقب مزاجه الجيد هذا الصباح "ما خطب انفصامك المزاجي؟" رفع حاجبًا وأجاب بسؤال "ما خطب رغبتكِ في إنشاء شجار؟ لقد حصلتِ على واحد بالفعل" أشار برأسه نحو المنزل قاصدًا المشادات على المائدة لتضحك وتهز رأسها بيأس.

"تدريباتك ستنتهي قريبًا" نظرت نحوه بسرعة، لكنه وضع يده داخل جيوبه "هناك شيء واحد أريد التأكد منه..." عقدت حاجبها وقالت "يفترض أننا سنتقاتل اليوم" أومأ وتحرك نحو الغابة تتبعه "لكنه سيكون مملًا، ألا توافقينني؟".

لم تشعر بالراحة لنبرته المستمتعة ولمزاجه الجيد؛ فهذا يعني أن هناك شيء سيء سيحدث لها غالبًا. "أين سنذهب؟" حاولت تبين إلى أين سيصل كلاهما، لكن المكان كله مليء بالأشجار.

توقف أتريوس فوق السطح المرتفع وألقى نظرة للأسفل، اقتربت جلنار تقف بجواره وحدقت بالمياه الزرقاء الراكدة قبل أن تنظر نحوه بتعجب "ما الذي نفعله هـ…" لم تستطع إكمال جملتها؛ لأن جسدها تم دفعه للأسفل.

وقف أتريوس يراقب سقوط جسدها بكل هدوء ينتظر رؤيتها تطفو للسطح، لكنها كانت تغرق للأسفل، وعوضًا عن الاستنجاد كانت تشتم أتريوس في كل نفس تأخذه وهي تحاول ألا تبتلع الماء.

عندما اختفت وغاص جسدها للأسفل تنهد أتريوس وتمتم "يبدو أنها لا تستطيع السباحة بالفعل!". نظر لقميصه ورفع كتفه ونزعه "هل يجب أن أقفز أم علي منحها بعض الوقت؟" همس لنفسه وهو يبعد قميصه وينظر للحافة مجددًا، لكنها لم تظهر على السطح.

دحرج عينيه قبل أن يقفز للمياه ويغوص للأسفل، ما إن لمح جسدها يحاول السباحة للصعود وأخذ الهواء اندفع وسحب ذراعها نحوه وسبح للأعلى حتى استطاعت ملء رئتيها بالهواء.

تمسكت به جيدًا وهي تأخذ أنفاسها بقوة وتسعل لتحاول التخلص من المياه التي أغلقت مجرى تنفسها. رفعت خصلاتها التي التصقت بوجهها وما إن استعادت وعيها صفعت كتف أتريوس بقوة وأكثر من مرة صارخة "أيها الغبي اللعين، كدت تقتلني!". ابتسم يراقب تعابيرها الغاضبة ولون وجهها الذي اختفى "كان عليكِ مواجهة خوفك في وقت ما، كما أنني أردت التأكد من عدم قدرتك على السباحة" اتسعت عينها وصاحت "أخبرتك بهذا سابقًا، لمَ قد أكذب؟" ضحك وقال "لا تنكري، كان ممتعًا" ارتجف فكها بقوة بسبب البرودة وضربته بقوة ودفعته عنها، لكنها تناست أنه سبيلها الوحيد للسباحة.

جسدها غاص مجددًا ليدحرج عينيه ويسحبها قبل أن يغوص جسدها للأسفل مجددًا، ارتفع رأسها تأخذ نفسًا وهتفت "لا تترك جسدي وأخرجني من هنا!" رفع حاجبًا وقال "اطلبي بأدب". تنفست بقوة تراقب استمتاعه برؤيتها مرتعبة كقط يكره المياه.

"كوني جادة، جلنار. كيف ستتحكمين بالماء وأنتِ تخافينه؟" هدأت ونظرت لعينه التي رمقتها بجدية "أنا أتقن النار والأرض، هذا جيد" رفع حاجبيه قائلًا "ليس كافيًا لابنة التوبازيوس" هربت بعينها بعيدًا عنه، ففي النهاية وبطريقته السحرية هو محق مجددًا؛ فحتى إليف أخبرها بهذا سابقًا.

"ماذا علي أن أفعل؟" ابتسم عندما رفعت عينها بنظرتها الواثقة نحوه "لا تسأليني؛ فأنا لا أتحكم بعنصر الماء، افعلي ما تُجيدين فعله، جلنار" انخفض كتفيها ورفعت جسدها لتلف ذراعها حول رقبته "من الصعب فعل شيء في مكان قد أغرق فيه".

راقب ملامحها المنزعجة وحاجبيها المنعقدين بخفة وعدم انتباهها لقربهم المبالغ فيه. لم يعرف ما المثير للاهتمام في ارتجاف شفتها لهذا الحد، لكنه أدرك أن ارتجاف شفتها ليس الشيء المثير للاهتمام، بل شفتها نفسها.

أغمض عينه يحاول التركيز في مساعدتها فحسب قبل أن ينظر نحوها ويبتسم بخبث "عليكِ التصرف بسرعة، إلا إن كنتِ تجدين اقترابكِ مني مريحًا" اتسعت عينها بإدراك وتجمدت وهي تحاول استيعاب أي وضع أصبح كلاهما عليه.

"واللعنة، أتريوس!" 

مع صرختها القوية وانفجار وجهها بلون أحمر؛ المياه من حولهم اندفعت بقوة في كل اتجاه ووقع كلاهما فجأة على الأرض اليابسة التي كانت تحت المياه منذ ثوانٍ. الماء التف حولهما وتطاير في كل مكان وحدق كلاهما في ما حدث بدهشة.

"مهما حدث وأيًا يكن ما فعلته؛ لا توقفيه، إلا إذا أردتِ أن نغرق كلنا"


*****************************************

هالووووووووووو

اخباركم؟

عارفه الفصل قصير عشان كده الفصل الي بعده هينزل كمان شويه ان شاء الله 

وكمان بمناسبه ان اختبار النهرده كان حلو الحمد لله وشغلت روح جلنار جوايا وجبت درجه عالية وحاجه قمة في النردنه -نيرد-

والفصل الجي كتير منكم مستنينه من زمان 

قررت اعملكم فقرة اسمها...

تساؤلات 

من وجهة نظركم ايه التساؤلات الي جتلكم وانتم بتقرأوا الفصل؟ 

اكتبوها في التعليقات عشان هتساعدني بعدين في حاجات كتشيير

بالمناسبه انتم عاملين على الانستا شغل جبار والله كميه تصاميم بتجيلي تحفففففه حقيقي ببقى عايزه انزلها كلها واعملها هايلايت بس وقتي يادوببب

بس حقيقي عااااااش 

اول ما افضى اي حد يقدر يبعتلي على حسابي اي حاجه يعملها وان شاء الله هشوفها

لوف يو 

باي


Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

34 تعليقات

  1. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  2. الفصل اقصر من ارتيانو شخصيا😂😂

    ردحذف
  3. اروح اقرا البارت الحين

    ردحذف
  4. الفصل الي بعدهه بسرعهه🥺

    ردحذف
  5. ❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  6. فتشو على الفنانة اسراء اسامة دورولي عليها.........بسرعة الفصل الي بعده 🌚

    ردحذف
  7. أنا الوحيدة الي بكيت لما اتهمو جلنار ولا ايش 🗿

    ردحذف
  8. ممكن يعني تحطيلنا صورة هارليك 🥲 مهما حاولت اتخيلو ما عرفتش وشكرا

    ردحذف
  9. ياربي على الجمال ♥️♥️

    ردحذف
  10. بارت انهارده تحفه بس اتضايقت منهم يعني اوكتفيان بتعمل كدا لي لا والصدمه اغدراسيل كمان معاه لولا اتريوس مكنوش خلصو وحتي هم لي فاقدين الامل في هارليك يعني هو مش طفل اوي انا ساعت م اوكتفيان اتهم جلنار ععع انا متضايقه

    ردحذف
  11. الحمد لله انك جبتي الي عايزاهفي امتحانك ، فرحت ليكي والعاقبة للامتحانات الجاية ان شاء الله

    ردحذف
  12. صراحة أوكتيفيان بينرفز جدا جدا جدا هو غيران اوي من جلنار وده واضح جدا جدا جدا وده معصبني جدا جدا جدا ،بالرغم من لي شافو من تحسن لجلنار وذكاءها وقوتها وانها القائدةو بنت التوبازيوس الا انو مزال مش متقبلها في الفريق (هو اصلا مو متقبل حتى حد) بس حسامحو عشان الايام الجاية حيكون ليه دور في خطط النصر ،

    ردحذف
    الردود
    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      حياك الله
      هل يوجد فصل آخر اليوم أو أنام أفضلي

      حذف
  13. حوارات جديدة وتوضيحات جديدة عن الفصول القديمة الفرق واضح صراحة لان انا عايدة الفصول القديمة الف مرة ويجوز حافظتها نصاً ابدعتي الصراحة💜

    ردحذف
  14. في بارت هينزل او لا (بقالي اكتر من ساعتين مستنياه)

    ردحذف
  15. معندناش تساؤلات عايزين البارت الجاي من فضلك

    ردحذف
  16. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  17. الصراحة هذي التساؤلات عندي من سنتين وانا افكر فيها
    اول شي كيف ينظفون أسنانهم هل عندهم فرش أسنان ولا اختراعات اخرى؟
    طيب كيف جلنار ما جتها الدورة الشهرية وكيف هي ما لاحظت مع انها وصلت للألترانيوس تقريبا أكثر من ثلاث اشهر؟؟

    ردحذف
  18. ❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  19. انا مش عارفه انتي بتابعي الكومنتس دي ولا لا بس ياريت متخليش الروايه دي حزينه بأي شكل من الأشكال حتي لو انتهت بواقعيه بس متقهرناش بعد الوقت اللي استنيناه دا كله 🥹

    ردحذف
  20. فى اختلافات فى محادثه ثونار و جوزفين بالذات 🤔

    ردحذف
  21. الناس يلي عمالة تشتم اوكتي كملو كملو قدام شوي راح تأخذو بهدلة من إسراء و راح يصير شخصيتكم المفضلة😂😂

    ردحذف
  22. مافيش اجمل من بارت نصه جوزفين و ثونار و اخره اتريوس و جلنار، معنديش سؤال عن الفصل دا بس في سؤال هيجنني ليه لما يوجين مر من جسد فلوريان و هارليك الاتنين حسوا بالبرد بس لما ثونار مرت من جسم يوجين ساعة ما كانت مستحوزة على جسم جلنار يوجين هو اللي حس بالحرارة ؟!

    ردحذف
  23. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  24. عد تنازلي للفصول الجديدة
    "عشرة"

    ردحذف
  25. كفوووو هارليييك فش غلي منهن عنجد مستفزين كانوا من هاي الناحية 😤😤

    ردحذف
  26. "مهما حدث وأيًا يكن ما فعلته؛ لا توقفيه، إلا إذا أردتِ أن نغرق كلنا"

    القفلة تجللللط 😂 غلطة وحدة تغرفهم

    ردحذف
  27. مش لاقية الفصل السابع والثلاثين
    لي لاقيه ما يبخلش علي

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال