السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إفصاح: "اللهم أنَت ربِّي، لا يخفى عليك ما في قلبي، فاللهم طمأنينة منك، وغنى بك .. يارب أعوذ بك من ضيقة القلب، وشعور لا يُشكى ولا يفهم".
إفصاح آخر "قد تتعجب من طيلة صبري، ولكنك ايضًا ستقف مذهولًا في وجه ما يأتي بعد هذا الصبر". إسراء اسامة
مساحة لذكر الله
****************************************
الفصل الواحد العشرون
أكره أتريوس!
إنه ينجح دائمًا في جلب شعور غير مريح للموجودين، يملك قدرة عجيبة في جعل الجميع يشعر بالضغط، وفي اللحظة التي يخرج فيها نتنفس الصعداء براحة دون إدراك حتى.
عندما لاحظ أغدراسيل أنه فقد أعصابه تقريبًا وأعطى أتريوس ما يريده تمامًا دفعه بعيدًا وخرج، لم يندفع أتريوس، في الواقع أخذ عدة خطوات للخلف وما زالت الابتسامة على وجهه وقبل أن يأخذ السلم صعودًا للأعلى رمى نحوي تلك النظر الباردة التي تعني أنه يستمتع كثيرًا الآن وأنا ضمن دائرة 'كيف يستمتع أتريوس الشرير بوقته؟'.
نظرت نحو الجميع بينما أستعيد ما حدث قبل قليل، كان الكل يتجنب الحديث عنه؛ حتى الثلاثة على الأريكة لم يسألوا عمّا حدث وعن سبب المشاحنة.
تذكرت دخولهم المفاجئ قبل قليل، كنت أعلم أن هناك باقي للفرسان لكن لم أتوقع مجيئهم الآن…
"دعينا نلعب لعبة" نظرت ليوجين الذي فرقع أصابعه وقال "لنحزر من أين جاء كل منهم" قال مشيرًا للثلاثة لأدحرج عيني على الفكرة الطفولية لكنه لم يبالِ وبدأ "هذا على اليمين الذي يرتدي ما يشبه المعطف الطويل الأسود والبنطال الفضفاض هو متحكم الكائنات، والآخر في المنتصف ذو الملابس الخفيفة والقصيرة هو العبقري، والأخير ذو الشعر الطويل هو صانع الأدوات".
حاربت أن أبتسم ونظرت نحوه بطرف عيني وهززت رأسي بلا، قفز ليطفو في الهواء ويربع قدميه ليبدو كمارد الرسوم المتحركة "أتحفيني بتحليلك إذًا".
ابتسمت واعتدلت في جلستي وتفحصت ثلاثتهم، لم يكن أحد لينتبه لي لذلك أشرت بيدي بشكل سريع نحو الشخص الذي يرتدي معطفًا طويلا وهمست بكلمة "الأموات" لقد كان هذا واضحًا؛ فبشرته كانت شاحبة جدًا، جفنيه مرتخيين وشفتيه مائلتين للزرقة، وبحسب ما قرأت فإن بعض الأموات يشعرون بالبرودة أغلب الوقت بسبب بشرتهم الحساسة للهواء.
كانت هيئة الفتى والذي تذكرت اسمه 'زوندي' تبدو لطيفة على رغم من شحوبه، عينان واسعتان سوداوتان ويمتلك عظام وجنة بارزة وابتسامة لطيفة، تبتسم عيناه وتضيق إذا ابتسم، شعره أسود كثيف.
أشرت للثاني ذي الملابس القصيرة، كان يرتدي بنطالًا قصيرًا لما فوق الركبة مزركشًا وقميصا بلا أكمام كشخص قادم من أجازة في هاواي، همست ليوجين بـ "صانع أدوات" لم يكن من السهل تخمين الأمر إن لم أكن أتذكر ما قاله الأمين، يدان قويتان، كان هذا واضحًا من ذراعيه التي تبرز عضلاتها وبعض الأوردة البارزة، كما أن عظام كفيه كانت قوية ومنحوتة إذا صح الأمر، شعره كان بلون القهوة يحمل تجاعيد لطيفة وعيناه كانت عسلية تشبه عين أغدراسيل نوعًا ما، وإن كان تخميني صحيحًا فملابسه الخفيفة بسبب أنه ربما يقف أمام النيران كالحداد لصنع بعض الأدوات أو… هو فقط يفضل هذا النوع السخيف من الملابس.
أمام الثالث ابتسمت وهمست ببساطة "متحكم كائنات" لا أعلم كيف لم يخمن يوجين هويته؟ ببساطة العلامات بجانب عينه اليسرى كانت واضحة، ذكرها الأمين كاليسيو من قبل، كان هناك خط أسفل عينه باللون الأبيض تتفرع منه أربعة خطوط وفي الزاوية شكل بسيط لم أستطع تفسيره، كان يرتدي ما يشبه السترة الخفيفة وبنطالا واسعا من قماش خفيف، شعره الأسود يصل إلى بداية ظهره وقد جمعه في ذيل حصان، عيناه واسعة تحمل اللون الأزرق البحري الغامق ويمتلك غمازة في كلتي وجنتيه.
ضحكات يوجين شتت انتباهي عن تفحصهم وجعلتني التفت له بتساؤل "لا تكوني واثقة، أنا متأكد من أن ما قلته صحيح" رسمت ابتسامة ساخرة استفزته "أتريدين أن نراهن؟" حركت رأسي موافقة.
"حسنًا إذًا، إن كان كلامي صحيحا ستركلين مؤخرة أتريوس" نظرت نحوه بمعنى 'اذهب للجحيم' لذلك راجع نفسه وتمتم قائلًا "ستموتين حينها، حسنًا، إذا كنت محقًا ستخبرين جوزفين أنه يمتلك أجمل وجه في العالم" لولا أنني على يقين من إجابتي التي 'ليست عشوائية' لتقيأت لفكرة أني أخبر جوزفين بهذا، يملك وجه جميلًا لكن هذا سيجعله نرجسيًا حتى تنتهي هذه الحرب.
نظرت نحوه بمعنى وإذا كنت أنا المحقة؟ فكر قليلًا ثم قال "سأرقص أمام ذلك التنين كالدجاجة" اتسعت عيناي، بدا الأمر مغريًا لذلك أومأت برضى.
عندما التفت نحوهم وجدت الجميع ينظر نحوي مما أجبر النفس الذي كدت أخرجه على الوقوف في منتصف الطريق، ماذا؟ ما الذي حدث؟ ماذا كانوا يقولون؟
"ألن تعرفي عن نفسك؟" التفت نحو جوزفين الذي يحارب ضحكته وحينها عرفت أني أبدو كبلهاء؛ لذلك أغلقت فمي بسرعة وحاولت التنفس بطبيعية.
"يمكننا تعريف أنفسنا أولًا" قال الفتى على يسارهم، متحكم الكائنات... كاد يفتح فمه لكني لم أقاوم إغراء لكم يوجين في وجه بالرهان؛ لذلك قلت بحماس وأنا أشير لكل منهم "أنت من الأموات وأنت صانع الأدوات وأنت متحكم الكائنات، صحيح؟" نظرت ليوجين بطرف عيني كان يكتف ذراعيه وينظر نحوهم بتركيز ويبتسم وكأنه متأكد أنني مخطئة.
أعدت عيني على ثلاثتهم، كانوا ينظرون لبعضهم بصمت، نظرت لجوزفين ورمياس، كلاهما يبدل نظراته بيننا.,. "كيف... خمنتِ؟" سأل جوزفين بتلعثم لكني أجبته بسؤال "هل أنا محقة؟" نظر نحوهم ثم نحوي وقال "محقة؟ أنتِ لم تخطئي في واحد منهم!".
دون إدراك قفزت وأنا أصرخ بـ "كنت أعرف" نظرت ليوجين بطرف عيني، كان المسكين مصدوم ويبدل عينه بيننا.
عندما انتبهت أن الجميع ينظر نحوي كمجنونة عدت مكاني بسرعة وقلت بابتسامة " الأمر فقط أنه هو..." اشرت على زوندي وقلت "يمتلك بشرة شاحبة وملابسه ثقيلة لأن بشرته حساسة ضد الهواء البارد كمعظم الأموات، وأنت تمتلك يدا قوية لا يمتلكها سوى صانع أدوات" نظر نحو يده وابتسم بفخر أشرت نحو الأخير وقلت "بينما أنت تمتلك علامة متحكم الكائنات تحت عينيك".
"كيف عرفتِ؟ لم يخبرك أحدنا بهذا من قبل؟" نظرت نحو أوكتيفيان الذي يعقد حاجبيه وينظر نحوي باستغراب "لقد قرأت عن الجميع" تمتمت بها ورأيت ابتسامة هارليك الفخورة من هنا.
"أنتِ محقة تمامًا، أدعى لافيان… إيراكوس لافيان بورنا، الفارس الرابع، وهذا هو لاتيم زوندي تاكر، الفارس الخامس، وهو دان تينر جام دولالس، الفارس التاسع. سررنا بالتعرف عليكِ" لافيان وزوندي و تينر جام المزيد من الفرسان، ابتسمت وهززت رأسي كرد.
"اللعنة! لقد كنت متأكدا، أنتِ تغشين" نظرت نحو يوجين كـ حقًا! ليدحرج عينيه ويتمتم بـ "أيًا يكن".
"أنا جلنار روسيل" عرفت بنفسي ليومئ ثلاثتهم بابتسامة، أمسك لافيان بكأس العصير خاصته ليشرب منه وحينها سأل زوندي "هل أنتِ قريبة لواندر؟" نظرت نحو واندر التي ابتسمت بينما يديها مشغولة في المطبخ، إنهم فرسان، لا بأس بإخبارهم.
حركت رأسي للجانبين وقلت "أنا فارسة… الفارسة الثانية عشر" تزامنًا مع نهاية جملتي بصق لافيان العصير من فمه وخرج بعضه من أنفه ليعلق في نوبة من السعال وأنفجر ضحكًا دون تحكم بنفسي.
عندما لم يتحرك أحدهم لمساعدة لافيان هرولت واندر نحوه لتضرب على ظهره بخفة بينما الاثنين بجواره اكتفيا بالتحديق لفترة "أحب كيف تتحول ملامحهم عندما يعرفون أنكِ بشرية" قهقه يوجين وهو يشير لهم باستمتاع.
"أنتِ… أنتِ هي الـ..." توقف زوندي قليلًا وهو يحاول صياغة الأمر "بشرية؟" نطق تينر جام بصدمة وعيناه أخذت أكبر اتساع لها، لم أستطع منع ابتسامتي وأنا أشعر بالاستمتاع لرد فعلهم الذي أصبح مألوفا؛ لذلك تجنبًا للمزيد من الأسئلة أجبت عنها قبل أن تُسأل دفعة واحدة…
"أجل، أنا بشرية، ونحن لسنا مجموعة من الحمقى تمتلك رؤوسا كبيرة، لدينا نظام سياسي ومالي ونملك عقلًا… ندرس ولدينا علماء ومفكرون وفلاسفة… أتملكون فلاسفة؟ لا؟ إذا نتفوق عليكم في هذه النقطة. نخترع ونكتشف ولدينا مجرة كاملة تحتوي نظاما شمسيا وكواكب ونجوم وقمر ووقت، ونأكل ونتحدث وننام ونعيش مثلكم تمامًا. لا، لا نملك قدرات خارقة لكننا نملك ما يسمى بالأسلحة وهي جيدة جدًا في إزهاق الأرواح وتخليف الدمار و... أوه! نملك مخلوقات نسميها حيوانات، لا تتحدث وتعيش على اليابسة والماء وفي السماء... أي أسئلة؟"
كان هذا دور الجميع في إعطائي تلك النظرات البلهاء، خصيصًا الثلاثي أمامي.
"أخبرتكم!" صرخ تينر جام فجأة وهو يقفز ويضرب بقبضته الهواء "قلت لكم أن البشر موجودون بالفعل وأنهم مختلفون عما نظن، أخبرتكم جميعًا ولم يصدقني أحد، ظل الجميع يسخر مني لكن تنقلب السخرية في وجوهكم الآن!" التفت نحوي مع أكبر ابتسامة وقال "كنت أعرف أنكم موجودون وأن تلك الاساطير تبالغ في وصفكم" أخيرًا شخص ما عاقل.
"سررت حقًا بالتعرف عليكِ" قال وهو يصافح يدي بقوة "حسنًا حسنًا، يمكنك الهدوء الآن" قالت واندر وهي تدفع كتفه ليجلس على الأريكة مجددًا وما زالت ابتسامته واسعة تظهر الغمازتين اللطيفتين على خده.
"أنتِ حقًا بشرية! أعني جئت من مجرة أخرى... هناك الكثير منك؟ أعني مثلك بشريين يشبهون هيئتنا حقًا!" كتفت يدي وأومأت للافيان الذي استعاد أنفاسه أخيرًا.
"كيف جئتِ إلى هنا؟ أهناك جسر يربط عالمكم بنا؟" كان دور زوندي ليسأل ولكن بدا تينر جام مهتمًا بالإجابة أكثر "لا، لا وجود لشيء يربط عالمينا ولا أعلم سببًا منطقي لوجودي وهنا أو حتى لما أنا فارسة بينما أنا…" توقفت أحاول صياغة الجملة وأنا أنظر بعيدًا ثم أكملت "بينما أنا لا أملك شيئا يجعلني مفيدة حربيًا".
أومأ كل من لافيان وزوندي بتفهم لكن تحرك تينر جام ليجلس على ركبتيه أمامي ويمسك يدي ويقول بابتسامة "لا يجب أن نملك شيئا قويا لنكون أقوياء، أنا لا أملك أي قوى حربية" نظرت نحوه كـ حقًا وقلت "يمكنك التحكم بكائنات شرسة وضخمة وجعلها تهاجم العدو" طرف عدة مرات قبل أن يترك يدي وينهض "حسنًا، هذا يجعلني أمتلك قوة حربية، أفسدتِ مواساتي".
لم أتمالك ضحكتي ليضحك البقية معي "لقد ضحكتِ! لقد نجحت مواساتي إذًا!" إلهي هذا الفتى لطيف بحق "لا بأس، لا أشعر بسوء لكوني ما أنا عليه" ارتفع حاجبي لافيان وهو يقول "جملة جيدة".
"من يدري؟ ربما هناك شيء ما مخفي سيفاجئنا جميعًا" قال تينر جام مجددًا لأرفع كتفي بمعنى لا أهتم "هل تمزحين؟ تتحكمين بمؤخرة تنين مفترس وتدعين ضعفك!" نظرت ليوجين الساخط ولوهلة نظرت لهارليك الذي بدت نظراته تمامًا كشخص سيقول ما قاله يوجين للتو، إلا أنه لن يقول كلمة مؤخرة.
"إن كنا سنتحدث عن المفاجآت فهي قد فعلت وفاجأتنا من قبل" جذب جوزفين انتباه الجميع "دعوني أصدم عقولكم الصدئة، سادتي، جلنار استطاعت فتح بوابة العلم ليلة أمس" هذه المرة لم يختنق لافيان بالعصير، هو فقط أسقط الكأس الفارغ على الأرضية.
كدت أتحدث لكن أوقفني جوزفين وقال "أرجوكِ ألا تقولي 'هذا لا شيء، كان بإمكان الجميع فعلها' حتى لا أقتل نفسي" عضت شفتي وقلت "حسنًا، أنت محق، ذلك لم يكن سهلًا" تمتمت بصوت منخفض.
"كدت أتحطم لأجزاء من فوق ناطحة سحاب"
"ماذا؟"
"لاشيء"
نظرت بعيدًا عن جوزفين المتعجب أتظاهر بالبراءة "أيمكنني فهم ما يحدث هنا؟" نظرنا نحو لافيان الذي لوح بيده نحونا "هي، أعنى أنسة جلنار" قاطعته متمته "جلنار".
"أيًا يكن، صدقيني القضية ليست فيما سأدعوكِ به... فتحتِ البوابة؟ تلك البوابة المغلقة التي فشل الجميع لقرون في فتحها؟ التي وجدت منذ عقود الموجودة في الطابق الثالث؟ التـ..." قاطعه أوكتيفيان "لافيان، لقد قلنا لك بوابة العلم، ألا يختصر هذا كل ما تقوله؟ أجل، لقد نجحت في فتحها".
نظرت نحو أوكتيفيان وقلت "هل أنت منزعج؟" ارتفع حاجبيه وقال "أنا؟ منزعج؟ يا لها من نكتة، لمَ سأكون؟ سأخرج للتدريب على أي حال" إلهي، إنه منزعج "إنه منزعج تمامًا" تمتم رومياس الجالس في الجهة المقابلة لأنظر نحوه مبتسمة لكنه أشاح وجهه، خجول جدًا.
"كيف تمكنتِ من ذلك؟ لقد ظل أرتيانو يحاول ولم ينجح و..." توقف زوندي ونظر لصاحبيه وتمتم بـ "أرتيانو" نظر الجميع نحوي، ماذا؟ ما خطبهم؟ "ما بال هذه النظرات؟ "ألن يكون صديقكم سعيدًا لأن البوابة انفتحت؟" بدوا كأنهم يحاولون الابتسام "سيسعد كثيرًا" قال جوزفين قبل أن يلتفت ويذهب حيث واندر، ما خطبهم؟
"هل البشر بهذا الذكاء؟" نظرت لتينر جام وقلت "الأمر فقط أن الألغاز كانت مكتوبة بلغة كان البشر يستعملونها قديمًا ليس إلا، كان من المستحيل أن تعرفوا معناها" بررت ليحرك تينر جام رأسه للجهتين يقول "لكنها تظل ألغاز... أرتيانو تمكن من فك شفرة لغتكم لكنه فشل في حل الأحجية، وما زلتِ تظنين أنكِ ضعيفة؟"
تنهدت وكنت أرى نسخة أخرى من واندر… ويوجين وهارليك أيضًا.
"على كل، تكفيني صدمات حتى الآن، سأصعد لأنال قسطا من الراحة، سررت حقًا بكل ما تعنيه الكلمة بلقائك أنسـ... أعني جلنار" اتسعت ابتسامتي نحو تينر جام الذي ربت على كتفي وصعد للأعلى، ابتسم نحوي كل من لافيان وزوندي وتبعا صاحبهما للأعلى.
"إذًا، سنكمل ما كنا على وشك فعله؟" همس هارليك الذي ركض نحوي بحماس لأربت على رأسه وأومئ، توقفت عيني على نافذة المطبخ المطلة للخارج حيث يقف أغدراسيل في الحديقة الخلفية وحده "هناك شيء علي فعله أولًا" همست له وبعثرت شعره ثم انطلقت للخارج.
توقفت خلف أغدراسيل الذي لم ينتبه لوجودي "مرحبًا أيها الرجل العابس" التفت نحوي نصف التفاته لكنه تجاهلني وعاد إلى وضعيته السابقة، وقفت بجواره وأنا أميل للأمام قليلًا أنظر إلى وجهه، كانت هناك لحية صغيرة جدًا على وشك النمو مما جعله جذابًا أكثر من قبل.
"إن جئت لجامعتي يومًا في مانشستر فلن تتركك الفتيات تخرج من هناك" لمحت ابتسامة صغيرة على ثغره أخفاها بسرعة "أتمتلك حبيبة؟ أيمكنني سرقتك منها؟" اتسعت ابتسامته نوعًا ما "عندما أعود لأمي على الأرض سأقول: أحضرت معي رجلًا يمتلك جناحين، وحينها ستطرد كلينا قائلة: لقد نظفت المنزل، لا أريد ريشًا".
خرجت ضحكة منه حاول كتمها "لقد رأيتها، لقد خسرت، تمكنت من عبوسك ذاك" حرك رأسه ونظر نحوي أخيرًا وقال "عودي للداخل، جلنار، لا تكوني مزعجة" رفعت حاجبًا وقلت في عناد "أعتذر لكن المكان لم يكتب عليه ملكًا للرجل الجذاب أغدراسيل" انفجر ضاحكًا لتتسع ابتسامتي.
"توقف عن الغضب بسببه" توقفت ضحكته أخيرًا وتركت أثرًا لابتسامة وقال "من الصعب أن تتمالك نفسك أمام ذلك الوغد".
"أليس هذا ما يريده؟ أن نفقد أعصابنا؟ أنت تعطيه ما يريد ليس إلا"
جلس فوق العشب الأخضر لأجلس بجواره "لا أعلم، لمَ فقدت أعصابك هناك؟" نظر نحوي وحاجباه مرفوعان وقال "هناك حدود لا يجب تجاوزها حتى معكِ، كان عليكِ ركله ما إن يقترب منك" اتسعت عيني وقلت "أكان بسببي؟" أخرج هه ساخرة وهو يلتفت وتمتم "لماذا أنتِ فقط حمقاء؟".
"عفوًا! من الصعب فهم ما تفكر به كائنات على بعد ملايين السنوات الضوئية منا" لم يرد وفضل الصمت عن الرد.
"إن أخبرتك بسر أتعدني أن تتوقف عن التفكير في أتريوس؟" تنهد وهو يريح رأسه بين ركبتيه "فقط إن كان سرًا لا يعلمه الكثيرون" أومأت برأسي وهمست "أمتلك صديقا خفيا خياليا لا يراه سواي، هو حقا جيد جدًا في مواساتي، إنه مواسٍ جيد" نظر نحوي بعدم تصديق قبل أن ينفجر في الضحك ويقول "إلهي، كم عمركِ مجددًا؟".
التقطت عيني يوجين الواقف على بعد منا ويكتف ذراعيه مبتسمًا "اسخر كما تريد، لكني مؤمنة أنه حقيقي أكثر من أي شخص آخر" نظرت ليوجين الذي انحنى وقال "يا للشرف".
التفت حيث أغدراسيل الذي كان يحدق بوجهي وقال "إذًا أنتِ صديقي الخيالي" رفعت كتفاي وقلت "كما تريد، ستجدني في الخدمة" عندما ابتسم مجددًا صفعت كتفه بخفة وقلت "بما أنك تشعر بتحسن فصديقك الخيالي أتم مهمته، سأذهب لأكمل يومي في أي مكان ممل" قهقه مجددًا بينما نهضت أنا وأشرت بعيني إلى يوجين ليتبعني.
أخذت السرج وانسحبت خارجًا بصعوبة حتى لا يلاحظني أحد بينما أحمل سرجًا في حجم... تنين!َ
كان هارليك يقفز بحماس معتاد، وهو متشوق لأنني سأتعلم كيفية امتطاء تنين، خاصة وأن هذا التنين هو تنين الشفق، عندما وصلنا أخيرًا تحرك كارولوس نحوي وهو يدفع رأسه لأحتضنه.
في كل مرة أزوره يزداد لطفًا.
تركت السرج على الأرض والتفت حيث يوجين "ماذا؟" قال متظاهرًا بالنسيان لأكتف يدي وأقول "الخاسر في الرهان كان أنت" نظر بعيدًا وهو يقول "أي رهان؟" رفعت حاجبًا وأجبته "كن رجلًا ونفذ ما وافقت عليه" دحرج عينيه وصاح بسخط بينما كان هارليك يبدل عينه بيني وبين الفراغ بعدم فهم.
ليس علي أن أصف مقدار الضحك الذي كاد يقتلني عندما رقص يوجين كالدجاجة أمام كارولوس، وكأن رقص يوجين لم يكن كافيًا لإضحاكي؛ نظرات كارولوس الباردة نحوه وشعوري بمشاعره التي كانت أقرب للاشمئزاز جعلت انفاسي تكاد تتوقف من كثرة الضحك.
عندما نلت كفايتي أشرت ليوجين أن يتوقف بينما أحاول تمالك نفسي، وما زال المسكين هارليك لا يفهم ما يحدث، عندما شرحت الأمر له كان متضايقًا لعدم مقدرته على رؤية يوجين مما جعل يوجين يرمق كلينا بنظرات قد تردينا أموات.
ربت على رأس كارولوس وأنا أقول "ما كان علي تركك ترى مشهدا كهذا أيها المسكين" اتسعت عيني يوجين وصاح بي قائلًا "تشفقين على كتلة الأسنان هذه وتجعلين مني مهرجًا؟" زمجر كارولوس وهو يأخذ خطوة نحو يوجين الذي انكمش لا إراديًا.
"أنت من راهن، لا كارولوس" ظل يتمتم بشتائم ويتذمر بسخط بين نفسه، تحركت نحو السرج ممسكة به ونظرت لكارولوس قائلة "انظر ماذا جلبت من أجلك!" بدل عينيه بيني وبين السرج قبل أن يلتفت ويجلس فوق كومة من الأغصان ويغمض عينه.
"هيا! أتمزح معي؟ ألا تشعر بالقليل من الحماس؟" أدار عنقه للجهة الأخرى بعيدًا عني ليضحك كل من يوجين وهارليك على هذه المسرحية.
"كارولوس، فقط جربه! إن كان مزعجًا سأبعده" لم يبدي أي اهتمام؛ لذلك تحركت أنا نحوه وحاولت وضع السرج فوق ظهره بهدوء وأنا أعض شفتي.
ما إن لامس السرج ظهره حتى انتفض واقفًا لينزلق ويقع "كارولوس، بحق الله توقف!" حاولت وضعه مجددًا لكنه كان لا يتوقف عن الحركة ودفعي بعيدًا، ظل كل من يوجين وهارليك يشاهدان باستمتاع كبير وأنا لم أتوقف عن المحاولة وفي كل مرة أصرخ بسخط بينما لا يعطي كارولوس أي لعنة.
عندما أنحنى مجددًا فوق الأرضية وضعت السرج وقفزت لأنام فوق ظهره بينما أحاول ربط أحزمة السرج حول بطنه بسرعة قبل أن يبعدني، كان يتحرك بقوة فيجعل جسدي يرتفع ويرتد ليصطدم به بقوة ولكني ظللت ممسكة به وأحاول ربط كل أحزمة السرج وتثبيته مع كل فرصة لا يتحرك فيها.
قفز بقوة لتنفلت يدي وأقع بقوة على الأرض لأصرخ ممسكة بمؤخرتي بينما ينفجر المتفرجان في الضحك، لم أشعر بالاستياء كثيرًا لأنني تمكنت من تثبيت السرج مما جعله يزمجر بتذمر "لن يقتلك الأمر كارولوس، أنا فقط أحاول إمضاء الوقت معك" قلت منزعجة لينظر نحوي قبل أن أشعر به يستسلم وينحني حتى أستطيع امتطاء ظهره.
دفعت جسدي وحاولت رفعه فوق كارولوس، ثبت قدمي في الرّكاب لأتوازن فوقه وأمسكت بطرفي العنان الملحق باللجام المثبت حول عنق كارولوس لأتحكم باتجاهه، أخذت نفسًا وأنا أحاول تذكر ما قرأته في الكتاب "حسنًا، لنرتفع بخفة" قلت فحرك رأسه بالتفاتة خفيفة نحوي وحينها فهمت ما يريد فصحت به "إياك وتكرار ما حدث آخر مرة!" زمجر بتذمر وبدأ بتحريك جناحية ليرتفع جسده بهدوء.
"جيد جدًا، دعنا نأخذ التفافة بطيئة ونهبط" قلت وأنا أسحب العنان بيدي اليمين ببطء ليلتفت وهو يحلق حول المكان على ارتفاع لا يتجاوز النصف متر ثم يهبط مجددًا.
تنهدت براحة وأنا أربت عليه "الآن دعنا نصعد على ارتفاع أعلى بقليل، فقط قليل" ضغطت على الكلمة وأنا أسحب العنان للأعلى بينما أدفع بقدمي ليرتفع ببطء حتى ارتفاع مترين تقريبًا "حقًا جلنار؟ أهذا درس قيادة الدراجة ذات العجلات الثلاثية للأطفال؟ نسيتِ وضع الخوذة وحاميات الركبة واليدين! أتمزحين معي؟" صاح يوجين وهو يسند ظهره على إحدى الأشجار بملل "هذا ليس من شأنك" صحت به قبل أن ألتفت لكارولوس وأقول "لا تستمع له، السلامة أولًا، لنحاول الهبوط ببطء" قلت منتظرة تحركه للأسفل لكنه ظل يحرك جناحية كما هو "كارولوس!" ناديت بحذر لكني أدركت أن ليس يوجين وحده من يشعر بالملل هنا.
ارتفع رأس كارولوس وشعرت به على الفور يشعر بالاستمتاع لأصرخ "كارولوس إيـــا…" لم أستطع إكمال ما سأقول لأنه حلق للأعلى بسرعة أجبرتني على إغلاق عيني بسبب تيار الهواء الذي كان يضربها... وبسبب الخوف أيضًا.
"كارولوس توقف" صرخت ولكنه لم يتوقف... لم يكن ليتوقف، حاولت سحب العنان بقوة ليتوقف فجأة ويلتفت للجهة الأخرى حيث سحبته ويحلق للأمام بسرعة عالية "هذا يكفي!" صرخت لكنه لم يبالِ، نظرت للأمام لتتسع عيني بصدمة، كان يتجه بسرعة نحو جبل حجري، حسنًا، مزحة سيئة… مزحة سيئة.
"كارولوس، سوف نصطدم!" صرخت ولكنه زاد من سرعته، تبًا، إن لم يتوقف فسأوقفه، لففت العنان حول يدي وسحبته بقوة ليرتفع عنقه ورأسه للأعلى في اللحظة الأخيرة ويحلق موازيًا للجبل، صرخت هذه المرة باستمتاع عندما شعرت أنني أتحكم فعلًا بطريقة طيرانه.
سحبت العنان مجددًا ليتوقف لثانية قبل أن أحرك قدمي للأعلى وأرخي حبكة اللجام ليتحرك منخفضًا ويحلق بسرعة للأسفل، ارتفع جزئي السفلي بينما اقتربت من عنقه وأنا أنظر بتركيز نحو الأرض التي تقترب منا بسرعة وفي اللحظة الحاسمة فعلتها مجددًا ليرتفع للأعلى ثم يأخذ منعطفًا لليمين.
كان التالي صعبًا نوعًا ما، أشبه بالتحدي الذي وافقت على أن أخوضه، كان علينا التحليق بسرعة على ارتفاع منخفض بين أشجار الغابة دون الاصطدام بإحداها، ورغم أننا فشلنا عدة مرات وحطم كارولوس القليل من الأشجار… حسنًا، الكثير منها، لكن نجحنا في النهاية وتمكنت من توجهيه ومساعدته على ثني جناحيه أو أحدهما في الوقت المناسب.
ظل يوجين يحلق على مقربة منا حتى لا يجعل من نفسه طريدة كارولوس بينما كان هارليك يحاول مجاراة سرعتنا على الأرض ويتجنب الأشجار التي يحطمها كارولوس حتى لا يقتل نفسه.
لم أكن الوحيدة التي استمتعت بالأمر، حتى كارولوس بدا مستمتعًا حتى نهاية اليوم، عدنا مجددًا حيث يبقى بعد أن أهلكنا أنفسنا تمامًا، نزعت السرج عنه ووضعته خلف صخرة ما حتى لا يجده أحد، ودعت كارولوس عندما لاحظت أن الشمس تكاد تغرب ولأن معدتي كانت تصرخ لتناول شيء ما.
تحرك ثلاثتنا عودة للمنزل ولكن هارليك قرر الركض ليسبقني وتحول يوجين لطفل ما في الخامسة وقرر التسابق مع هارليك الذي لا يراه حتى وظللت أنظر لكليهما وأنا أهز رأسي، حقًا أنا أتوسط مجموعة من الحمقى.
عندما خرجت من بين أشجار الغابة لمحت هارليك يقف مكانه ويوجين بجواره ينظران لشيء ما، مع تقدمي اكتشفت أنه شخص ما، ثلاثة في الواقع ولكن يتقدمهم واحد بدا مألوفا لدرجة فظيعة.
ما إن أصبحت مجاورة لهارليك اتضحت الصورة، كان جوزفين يقف أمام ذلك الشخص المألوف الذي حاولت تذكر أين رأيته سابقًا وعلى كلا جانبيه شخصين وثلاثتهم يرتديان دروع حديدية حول أجسادهم، الذين في الخلف تحيط رؤوسهم خوذات حديدية بينما على ظهر كل منهم طبعت علامة حمراء تشبه الأفعى على دروعهم.
الذي يتقدمهم كان بلا خوذة وقد كان شعره الذهبي ملفتًا للنظر... رأيته من قبل، لكن أين؟
كان جوزفين مقتطبًا ولم يكن أحد من الفتية موجودا معه، تحركت قليلًا نحو المنزل لكن هارليك أمسك بذراعي وقال "لا تفعلي" نظرت نحوه بتعجب لكنه حرك رأسه للجانبين "لا تبالغ" قلت وأنا أسحب ذراعي وأكمل طريقي.
توقفت عن التقدم عندما التفت الرجل أخيرًا مبتعدًا تاركًا جوزفين بملامح غاضبة كالجحيم، لمحت إحدى المركبات التي تشبه تلك التي جئت بها إلى هنا سابقًا تتوقف بعيدًا حيث يتجه لها الرجل، لكنه توقف فجأة ليتوقف مرافقيه ويلتفت… نحوي.
بدا وكأنه تجمد لثانية ينظر نحوي بتركيز وكأنه يحاول تذكر من أنا وفي الواقع بادلته النظرات ذاتها، عندما اقترب أكثر مني تذكرت أين رأيته، كان ذلك في أول مرة لي هنا عند الحاجز المائي... السراب، لقد كان الشخص الذي يحتقر مونغستا أو يحتقر سكان الماء بالكامل، ماذا كان اسمه مجددًا؟ فلوريان؟ أجل، كان فلوريان ألفن.
توقف أمامي مباشرة وقد ارتسمت ابتسامة ليست بجيدة على وجهه "ألا يبدو وكأننا التقينا من قبل؟" ابتلعت لنظراته المتفحصة وكدت أنفي لكنه سبقني قائلًا "أنتِ الفتاة التي كانت برفقة ذلك النرجسي مونغستا" طريقة نطقه للاسم كانت أكثر طريقة احتقار سمعتها في حياتي، هذا الرجل قد تعدى فيرونيكا بمراحل... من أقارن ببعض بحق الله، كانت لتبكي أمامه.
"أنتِ أحد سكان الماء" ماذا؟ لا، لسـ... أوه، تلك كانت كذبة مونغستا، رائع! وكأن اليوم لا يمكنه أن ينتهي بشكل جيد "ظننت أن مونغستا قد رحل منذ وقت، لمَ تركك خلفه؟" حاربت الرغبة القوية في قول 'ما شأنك اللعين؟' لكني لا أحتاج المزيد من المشاكل.
"توقف حالًا!" صرخ جوزفين القادم نحونا جعلني أشعر بالراحة لكن اختفى ذلك الشعور عندما حرك فلوريان يده للخلف دون حتى أن يبعد عينه عني، وخلال ثانية خرج من بين الأرض أغصان محدبة واتجهت نحو عنق جوزفين تمامًا الذي توقف مكانه بصدمة.
بدا أن حارسيه أو رفيقيه لا يعطيان لعنة للفرسان، أو ربما لأن الأشخاص ذوي القوة القتالية فقط غير موجودين في المنزل "هل أصابكِ الصمم؟" أخذت خطوة للخلف ما إن تقدم خطوة لتتسع ابتسامته "لا يخلف البحر سوى الجبناء" لا أشعر بالإساءة، لست من البحر يا رجل.
"أخبريني ما صلتكِ بمجموعة الضعفاء هذه؟" لا شيء؟ سوى أنني واحدة منهم فحسب، ما مشكلة هذا الرجل مع احتقار الجميع؟ النظرة التي رمقني بها جعلتني أخرج عن طوع تحكمي بنفسي وقد قررت أن هذا يكفي؛ لذلك دحرجت عيني وقلت "ما شأنك بما أفعله بحق الله؟" آه، أشعر بالراحة بعد قولها أخيرًا.
تغيرت نظرته إلى أخرى أكثر استمتاع وقال:
"يمكنكِ التحدث إذًا؟ لمَ لم تردي سابقًا؟"
"لدي مرض يجبرني على الصمت عندما يتحدث الحمقى"
دعونا نعترف، أتريوس يترك أثرًا سيئا جدًا علي، تعلمون، الأمر أشبه بأتريوس في مستوى عالٍ وهذا الأحمق في مستوى منخفض عنه؛ لذلك إن تعاملت مع مستوى الحقراء الخاص بأتريوس فستتمكن من معاملة مستوى الغبي أمامي.
احدت عيناه لوهلة وبدا وكأنه فقد هالة الهدوء المصطنعة لكنه تمالك نفسه وضحك بصوت عالٍ وقال "سليطة اللسان، أتظنين أن فرسانك بإمكانهم حمايتك مهما أخرج فمك من هراء؟" نظرت نحوه كـ اذهب للجحيم وقلت "انتهيت؟ إلى اللقاء إذًا، جد طفلًا يُجاريك".
كدت أتخطى جسده ولكن خلال ثانية كان هناك جذع كبير قد التف حولي يعصر معدتي بقوة ويلقيني بعيدًا فوق الأرضية لأشعر بظهري ينقسم لنصفين، لم يكن هو الفاعل، بل أحد المختلين عقليًا الذين يرافقونه.
بدا سعيدًا بما حدث ولكني لم أعد أشعر باللعنة قد توقفني، في الواقع شعرت أن متعة إغاظته ستتغلب على ألمي؛ لذلك رفعت جسدي بيدي وقلت بابتسامة ساخرة "أوه عزيزتي، أتدعين الرجال يدافعن عنكِ؟" الطريقة التي قبض بها ذراعه أخبرتني أنني وصلت لغايتي فكه المنقبض والوريد الذي ينبض في رأسه جعلني أبتسم بهدوء وبرود لإنهاء أعصابه.
كنت أعرف أنه سيركل مؤخرتي وانتظرت تقدمه نحوي، وعندما حرك يديه نحوي تحركت الأغصان التي تهدد جوزفين واندمجت معًا لتتحول لما يشبه الجذع الحاد و... أجل، توجهت نحوي، هل سيفيد الركض؟
أغمضت عيني منتظرة اصطدام شيء قوي بجسدي أو وجهي، لكن صوت التحطيم القوي والشعور برياح كأن شيئا مر من فوقي أجبرني على فتح عيني والتي أخذت أكبر اتساع لها عندما وقعت على هيئة الذئب الضخمة التي تقف كحاجز بيني وبين فلوريان.
لنستعيد ما حدث لوهلة، في اللحظة التي اندفع بها ذلك الجذع نحوي قفز ذئب ضخم أبيض اللون ذو فرو كثيف شبيه بتلك الذئاب في فيلم توايلايت لكنه أجمل وأكثر واقعية، حطم الجذع لنصفين بمخالبه قبل أن يتوقف أمامي، هل يمكن للأمر أن يصبح أكثر غرابة؟
زمجرة عالية كانت كفيلة بجعلهم يتراجعون، في الواقع كانت كفيله في جعلي أنا أتراجع للخلف أيضًا، عندما التفت ذلك الذئب الضخم برأسه نحوي أدركت من يكون، أعني من سيكون بحق الله سوى رومياس؟ ففي هذه اللحظة تذكرت أننا نملك مستذئبًا في الفريق.
"الأوميغا؟ ظننت أنهم سيحتجزونك في غرفة حتى لا تعرقل سير فشلهم؟" سخر وهو يضحك بقوة ناظرًا لرومياس الذي لم يتزحزح.
توقف فلوريان عن الضحك فجأة وهو يقول "سئمت من ملاعبة الأطفال" حرك يده بخفة لتخرج من الأرض الكثير من الأغصان التي التفت حول جسد رومياس ليزمجر ويحاول تحطيمها لكن خلال الثانية التالية كانت قبضة فلوريان تلتحم مع وجهه فيئن بألم أشبه بذلك الصوت الذي يشعرك بالشفقة نحو كلب ما.
لم أفهم كيف لقبضة عارية إحداث هذا الضرر لكني فهمت الأمر ما إن رأيت أن قبضة فلويان لم تكن من الجلد! لقد تحولت لصخر تمامًا.
ركضت نحو رومياس المنبطح فوق الأرض أتفحص وجهه، كان فمه ينزف ربما كسر سنًا ما هنا، ارتفع جسده بسرعة من على الأرض مما أفزعني، كانت الأغصان ذاتها تحمل جسده قبل أن تلقي به بعيدًا ليرتطم جسده بقوة.
"توقف واللعنة!" صرخت به وأنا أشعر بعيني تدمعان بغضب لشعور العجز الذي اجتاحني.
وكأن الأمر لم يكن كافيًا؛ فقد التفت أحد تلك الأغصان حول عنق جوزفين الذي استغل انشغال فلرويان ليهاجمه لكن من المستحيل مهاجمته جسديًا بينما هو يمتلك قوة كهذه.
فكرت فعليًا لوهلة باستحضار كارولوس فهذا كان الشيء الوحيد الذي سيساعدني على ركل مؤخرته لكن من الممكن أن يُقتل.
تحولت ذراعه اليسرى إلى قبضة تحوطها الماء كالإعصار وحينها تحرك الغصن وهو يسحب جسد جوزفين الذي يختنق نحو فلوريان الذي لكم معدته بقوة لينطلق جسده بعيدًا، هل كان علي أن أكون وقحة؟
"يا ابن العاهرة! أنت أجبن من مقاتلهم بيدين عاريتين" صرخت بقوة قبل أن أخذ نظرة نحو هارليك الذي اختفى خلف الأشجار بعد أن أشرت له، التفت اللعين نحوي وقد نجحت في جذب انتباهه عنهما لكني لم أخطط أبدًا للخطوة التالية.
اقترب نحوي بخطوات واسعة وحاولت ألا أنكمش بخوف لكنه لم يكن ليترك فرصة لي لأنكمش حتى؛ فيده وجدت طريقها نحو عنقي ليدفعني بقوة نحو شجرة كانت خلفي لأشعر بألم ظهري يتجدد، ألا يمكننا التحدث فقط؟ كلعناء متحضرين؟ "تظنين أن بإمكانكِ إهانة وريث عائلة ألفن والنجاة بفعلتك بهذه السهولة" مع كل كلمة كان يضيق مجرى تنفسي بسهولة لقد كان يبدو وكأنه على استعداد لكسر عنقي بيد واحدة دون عناء حتى.
"احذري ماذا؟ لا أحد يهتم إن ماتت قذرة من الحدود، لا أحد يهتم إن متم جميعًا، أنتم عبارة عن عناء زائد نحتاج للتخلص منه" رفعت قدمي وبأقوى ما أملك ركلت معدته لكن بدا الأمر وكأني أدغدغه لا أكثر، حتى أنه قهقه لفترة.
لمحت يوجين الذي كان يحاول محاربة فكرة ما عرفتها على الفور، إحضار كارولوس أردت أن أصرخ بألا يفعل لكنه استدار متجها للغابة.
وفي اللحظة التي ظننت أن الهواء سينفذ مني وكاورلوس سيتورط في الأمر اندفع الهواء دفعة واحدة إلى رئتي لآخذ أكبر قدر من الهواء الذي يستطيع صدري استيعابه، كنت قد وقعت على الأرضية نتيجة ترك فلوريان لجسدي فجأة؛ لذلك رفعت رأسي لاستيعاب ما حدث.
كان جسده ملقى بعيدًا وتوقف حارساه بتأهب ينظران للمكان من حولهما لكن جسد كليهما اندفع بعيدًا فجأة وبقوة "لمَ لا تبحث عن شخص بحجمك لمقاتلته؟ انتظر، حينها لن تجد سوى شخص بحجم حشائش الأرض" التفت حيث الصوت وعلي القول أنني لم أتوقع أبدًا… أبدًا أني سأقول هذا بأي شكل من الأشكال لكن...
أنا حقًا أشعر بالسعادة لظهور أتريوس.
كان الأمر كـ معركة حقيقة… ليس تدريبا وديا أو اثنين يتعاركان بالأيدي.
بحق الله لقد قُذِفَ باثنين منذ الثانية الأولى التي وطأ أتريوس بقدمه المكان والثالث كان في صدمة لاندفاعه المفاجئ لهذه المسافة ولم ينهض حتى الآن.
المثير للدهشة أن هناك اثنين من الفرسان ملقيان أرضـ… أعني ثلاثة لكن دعوني لا أحسب نفسي بما أن وسيلة دفاعي الوحيدة كانت لساني وأفسدت الأمر... بينما هناك ثلاثة جنود أو لعنة ما وبينهم واحد من النبلاء وهو وريث لعائلة ما، وأتريوس يقف لوحده في وجههم ويضع أكثر ابتسامة باردة وكأنه جاء لشرب عصير ليمون بارد لا لإقحام نفسه في قتال.
اتسعت عيناي وأنا أرى أن غُصنًا آخر يرتفع بهدوء من خلف ظهر أتريوس ويبدو وكأنه على حافة طعنه، كدت أصرخ لتحذيره لكن من قال إنه في حاجة لتحذير!؟ في اللحظة التي اندفع الغصن بها رمى أحد فأسيه ليقطعه لنصفين دون إلقاء نظرة لعينة واحدة خلفه.
في الجهة المقابلة كان الثلاثة يستعيدون وعيهم ببطء، في الواقع فلوريان كان أسرعهم في استعادة الوعي وهو يقفز بتعبير ساخر ولكن كانت عيناه تقتل أتريوس حرفيًا.
التفت حولي أبحث عن يوجين بفزع عندما أدركت أنه كان ينوي استدراج كارولوس إلى هنا لكني تنهدت براحة ما إن رأيته يقف خلفي ويتابع القتال بشغف واستمتاع، استشعار هذا الفتى للمواقف الخطرة مصاب بعطل ما.
هارليك كان يقف خلف يوجين تمامًا يراقب من بعيد وعينه تتبدل بين المنزل و فلوريان الواقف أمامه... عندما لاحظ نظرتي نحوه حركت رأسي بلا وهمست بـ ليس الآن.
أعدت عيني للاثنين ما إن سمعت صوت انفجار، كان أحد الشخصين اللذين يرافقان فلوريان يرسل ضربات من اللهب واحدة تلو الأخرى نحو أتريوس الذي كان يتجنبها ببساطة وأكاد أجزم أنه قد يتثاءب في أي لحظة، ورغم أن الأمر بدا تافهاً إن نظرنا لتعبير أتريوس إلا أنه كان خطيرًا... بحق الله جوزفين ورومياس ملقيان في منتصف ساحة المعركة، أحدهما ممسك بمعدته والآخر ربما ودعنا للعالم الآخر.
عندما كاد القتال يقترب من جوزفين ركضت نحوه بسرعة وحاولت مساعدته على النهوض، لكنه كان يحارب حتى لا يفقد وعيه بسبب ألم معدته... تلك اللكمة لم تكن عادية أبدًا.
بالكاد استجاب لتوسلي وسحبي المستمر لذراعه لينهض ويتحرك... أو كنت أنا أحركه بينما يرمي بنصف ثقله علي، أخرجت نفسًا ما إن ساعدته في الاستلقاء بعيدًا عنهم ثم اتجهت نحو رومياس الذي ما زال يتخذ هيئة الذئب تلك وعلي القول أنني لعنت نفسي وصفعتها داخليًا لأني فكرت في موقف كهذا بأن رومياس كان جذابًا مائة مرة كذئب.
وضعت رأسه فوق حجري وحاولت إفاقته لكن يبدو أن الضربة كانت قوية على رأسه، شيء غريب كان يحدث… ولا أقصد المعركة خلفي، لكن رومياس بدا يتحرك بشكل غريب والفراء الأبيض كان يختفي و... أوه، إنه يعود لشكله الطبيعي، وتبًا، إنه عارٍ,.. لا تنظري، لا تنظري، لم أرَ شيئاً.
عندما عاد لطبيعته وهيئته العادية كان هناك شيء مختلف به، شعره الأسود كان أبيضًا بالكامل، مبعثر فوق وجهه ولا توجد خصلة واحدة سوداء. فتح عينه بتكاسل وبحلق في وجهي بنوع من البلاهة، كانت عدسة عينه خضراء، ولكني تذكرت أن عينه كانت زرقاء لذلك كان هذا غريبًا جدًا.
رفع كف يده أمام وجهه ونظر لأصابعه وبدا كشخص ثمل قبل أن يعيد عينيه على وجهي ويتمتم قائلًا "جاك فتى سيء، لا يحب الحديقة ويعشق السماء..." ثم أكمل الكثير من الكلمات غير المفهومة بصوت منخفض ولم أحتج لعبقري حتى أفهم أنه لا يعي ما يقول حتى، ربما أصيب بصدمة أو شيء ما.
نظرت نحو جوزفين وصحت بهارليك أن يحضر المعطف الذي يرتديه، فعل ما قلت وكان جوزفين متعبًا ليدرك لماذا أحتاج معطفه.
أخذته وحاولت تغطية رومياس قدر الإمكان، نظرت خلفي وبدا أن هناك حوار من نوع ما حيث فلوريان يخرج الهراء من فمه ورفيقاه مستعدان للهجوم، وأتريوس ينظر بملل نحو فلوريان.
سحبت رومياس الذي فقد الوعي بعد تمتمته الغريبة بجوار جوزفين، ولم يكن من السهل سحب كتلة من العضلات فاقدة للوعي بعد دقائق من سحب كتلة أخرى من العضلات. ما إن وضعت جسده بجوار جوزفين فوجئت عندما رأيت شعره يتحول ببطء للأسود بداية من الأطراف إلى الجذور قبل أن يعود للونه الطبيعي، ويمكنني الجزم أن ربما عيناه أيضًا عادت للأزرق.
التفت بسرعة عندما لمحت جسد أحد المرافقين لفلوريان يحلق بعيدًا مصطدما بشجرة ما، تحرك الثاني ويده تشتعل ويحاول لمس وجه أتريوس لتشويهه لكن كل ما فعله أتريوس هو القفز للخلف وضرب ظهر الرجل بكوعه ليقع أرضًا.
ورغم أن الهجوم بدا ضعيفًا؛ إلا أن له فائدة لفلوريان الذي شتت أتريوس قبل أن يحرك كفَي يديه معًا ليخرج ما يقارب عشرة أغصان تتجه نحو أتريوس، ظننت أن الهجوم سيصيبه حتمًا لكنه أمسك بفأسه باليد اليمنى وقام بإدارته وكأنه يدير قلمًا لا فأسا، انه ذات الفأس الذي حملته بصعوبة من قبل.
لم أفهم مغزى الحركة إلى بعد ثانية عندما شعرت بالهواء في المكان تحرك بقوة عاصفة تجاه أتريوس، جمع الهواء حول فأسه وكأنه مروحة حادة وما إن اقتربت الأغصان منه حتى تفتتت وكأنها لم تكن.
أنا أكره أتريوس، كـ حقًا أكرهه، لكن هذا كان رائعًا! ربما أكثر الأشياء روعة في حياتي، ورغم شخصيته الحقيرة؛ إلا أنني أخيرًا عرفت لما اختارته التوبازيوس كفارس، ربما أبالغ لأني أرى شيئا مماثلا للمرة الأولى في حياتي ولم يكن حتى مشابهًا لفيلم سينمائي لبطل خارق أو تأثيرات برامج ذكية، كان واقعيًا ومذهلًا.
"علي القول أنك جريء لدرجة الحماقة، المجيء إلى هنا والتعدي على الفرسان؟ أهناك أغبى من هذا؟" هدوء المكان ساعدني في سماع صوته، ولكن يبدو أن فلوريان لا ينوي التحدث لأنه ركض باتجاه أتريوس بسرعة وقد تحولت يده إلى صخرة مجددًا ليحاول لكمه.
تصدى أتريوس بسهولة وهو يخفض رأسه ثم لكم معدته ليعود الآخر بضع خطوات، لاحظت أن أتريوس لا يستخدم عنصري الهواء والأرض في غالبية قتاله، يعتمد على فأسيه ويديه؛ مما جعلني أستنتج أن فلوريان يحاول محاصرته حتى يستعمل هبته.
استمر القتال بالأيدي وربما كان قتالا من جهة واحدة ففلوريان يضرب وأتريوس يصد ولكن في لحظة غافلة استعمل قبضة الماء تلك مجددًا ليلكم معدة أتريوس.
أصابه للمرة الأولى منذ بدء القتال لكن لم يبدُ أن أتريوس تألم كثيرًا نسبة إلى ألم جوزفين الذي تلقى ضربة مشابهة، في اللحظة التي انحنى فيها ممسكًا بمعدته هاجمه أحد المرافقين من الخلف بقبضة من نار وتعجبت لكونه لم يتحرك ليتفاداها.
أصابت ظهره ورغم ذلك لم يأخذ خطوة، عندها أدركت أن السبب كانت الأغصان والحشائش التي تتشابك حول قدميه وتثبته بقوة، نقلت عيني لا إراديًا للشاب الآخر الذي ألقاني بعيدًا من قبل. تبًا، ثلاثة على واحد، أليس كثيرًا نوعًا ما؟
"أتريوس فلورمان، أتعرف كم أمقت التشابه بين أسمائنا؟" ابتسم أتريوس ساخرًا وقال "لا بأس صغيرتي، يمكننا منادتك بـ فلورا" إنه محاصر ورغم ذلك لا يزال يتواقح؟ إن بقيت أجاريه على هذا النحو قد أصبح تلك النسخة الوقحة الأنثوية.
لم يبدُ فلوريان غاضبًا لأن الجميع على ما يبدو معتاد على ردود مشابه منه.
"عرض عليك الملك شخصيًا مكانًا بين جنوده ورفضت، حتى أن عائلة كليسثينيس عرضت مكانًا بارزًا بين مقاتليها لك، وعائلتنا المبجلة والأقوى بين النبلاء عائلة ألفن قد عرضوا عليك عروضا مشابهة وقد تجاهلوا كونك من الحدود ورفضت... تظن أن كبريائك سيجعل منك مقاتلًا؟ سأقتلك بعد أن أدمر ذلك الكبريـ..."
قاطعه اتريوس ببرود "قبل أن تكمل خطاب 'نحن رائعون وأنت لا شيء' رفضت عروضكم لأني لم أكن في مزاج لقبولها، وربما لأن البقاء بين أشخاص يتنافسون على من يمتلك مؤخرة لامعة أكثر مقرف وممل" فهمت أنه يرمي لأمر أموالهم، وكدت جديًا أن أفقد صوابي من لا مبالاته.
"الحديث معك مضيعة للوقت" بصق الآخر ليبتسم أتريوس "كان عليكِ الصمت منذ البداية، عزيزتي فلورا" هذه المرة جعل فلوريان غاضبا لأنه أمر حارسيه بتلقينه درسًا، وعندما كاد الاثنان يهاجمانه معًا توقفا عن الحركة وبدأ كل واحد منهما يأخذ أنفاسه بسرعة.
شيئا فشيئا الأغصان حول قدم أتريوس تباعدت لتترك لقدمه المساحة للتحرك وما زال الحارسان يحاولان التنفس وقد أمسك كل واحد بعنقه وازرق وجهه بشكل مخيف، كان المشهد مرعبًا، فتلك السخرية على وجه أتريوس اختفت وهو يتحرك نحو فلوريان الذي ينظر لمرافقيه بصدمة.
"إن كنت تريد الاحتفاظ بأنفاسك فاسحب مؤخرتك بعيدًا عن المكان الذي أتواجد فيه لأنه في المرة القادمة لن أعطي لعنة إن كنت نبيلًا أو ابن عاهرة" تجمدت وأنا أدرك ما يحدث... أتريوس يمنع الهواء عنهم، إنه يقتلهم بطريقة بطيئة.
"أيها اللعــ…" لم يكمل فلوريان سبته لأن أتريوس اندفع ممسكًا بعنقه بالطريقة نفسها التي أمسك فلوريان عنقي بها واقترب منه لدرجة مخيفة وتلك التعابير المظلمة على وجهه تزداد "أعطيتك أنت ورجالك وقتا كافيا للانسحاب، لكن يبدو أنك تريد العودة كجثة".
يمكنني ببساطة معرفة أن موتهم -وخصوصًا فلوريان- لن ينتهي بخير، ولكن المشكلة ليست هنا... لقد كنت مندهشة من قدرة أتريوس في التحكم بالهواء لهذا القدر! لم أمانع إن مات فلوريان هنا والآن، إنه حقير وإن مات فهذه خدمة للمجتمع.
متى أصبحت لا مبالاتي قوية إلى هذا الحد؟ أرى اثنين يختنقان والفكرة التي تدور في عقلي أن تحكمه مذهل! لا أعلم، لكن كنت أعرف أن هذا تأثير أن يتركك شخص تسقط من فوق منحدر ثم يتصرف بحقارة في اليوم التالي، أنا أكتسب مناعة يا رجل…
ربما عدم شعوري بالذنب لأنني أوقن أن هناك آلاف يموتون في هذه الحرب، وربما لأنني ما زلت أشعر بأني في عالم خيالي وأن ما يحدث ليس مهمًا، لكن كل ما شعرت بالفضول لأجله… هل سيقتلهم حقًا؟ فكرة أن أتريوس يقتل كما يتنفس جعلتني أقشعر نوعًا ما.
قاطع أفكاري انفجار قوي فصل بين أتريوس وفلوريان دفعني لإغماض عيني وحماية وجهي بذراعي، كان الغبار والدخان يملأ المكان مع رائحة البارود ربما!
مع انقشاع الغمامة التي حجبت الرؤية تمكنت من رؤية ما يحدث بوضوح مجددًا، أتريوس كان واقفًا لكن على مسافة بعيدة هذه المرة وكلا من فلوريان ومرافقيه على الجهة الأخرى وقد تمكنوا من التنفس أخيرًا... وفي النهاية كان هناك فرد جديد انضم لهذه اللعبة العنيفة.
كانت فتاة! لا أصدق أن حجمًا كهذا أحدث انفجارا مماثلا! كان شعرها قصيرًا أبيض اللون مع أطراف سوداء لا يكاد يلمس كتفها، قامتها قصيرة، ربما أقصر مني، ترتدي فستانًا أسود اللون أطرافه من الامام متقطعة تصل إلى ركبتيها وطويل من الخلف، وفوقه معطف من القماش الخفيف وشال رمادي يلتف حول عنقها، وحذاء بعنق طويل نوعًا ما.
كانت تشبه أحد تلك الفتيات في فيلم خيالي بعينها ذات اللون الأزرق الفاتح لدرجة قد تظنه فضي ووجه صغير وبشرة تكاد تصبح شاحبة للونها الحليبي، ملامح وجهها الباردة وهي تقف كدفاع عن فلوريان بينما تصاعد الدخان من كف يدها الأيسر جعلها تبدو خطيرة نوعًا ما.
"مهاجمة أحد أفراد العائلة النبيلة جريمة تحاسب عليها قانونيًا" بدا صوتها هادئاً وكأنها تتحدث عن حالة الطقس اليوم.
"اللعنة، إنها 'كولد' ما الذي تفعله هنا؟" يبدو أن الانفجار أجبر جوزفين على استعادة وعيه بالكامل وحاول النهوض لكني منعته وأنا أضع يدي على كتفه "لا تشارك في هذا، يكفي أن رومياس قد فقد الوعي" حذرته بحدة ليلتفت حيث رومياس المستلقي بجسد نصف عارٍ.
"إذًا خذي مؤخراتهم بعيدًا عن هنا" هل يتنافسان في أيهما يملك النبرة الأبرد؟ ضحك فلوريان بصوت عالٍ وقال "كولد ساحرة من المستوى الرفيع، يمكنها قتلك في غمضــ..." لم يكمل كلمته لأن أتريوس تحكم بغصن ما ليلتف حوله ويرميه بعيدًا ثم يقول "عفوًا! أكنت تقول شيئاً؟".
هذا طفولي! طفولي جدًا، لكنه ممتع... حسنًا، لم يكن بتلك المتعة عندما تحركت المسماة بكولد نحو أتريوس بسرعة وشفتيها تتمتم بشيء ما وشيئا فشيئا كانت هناك شرارة حمراء تتكون حول يدها حتى تحولت لكتلة كهربائية من نوع ما.
ظننت أن أتريوس سيحترق لكنه تفاداها ممسكًا بذراع الفتاة بقوة قبل أن يرفعها ببساطة ويسقط جسدها أرضًا، الطريقة التي رفع جسدها بها بدت مستحيلة لكني فهمت أنه استعمل الهواء لرفع وزن جسدها، ذكي!
تحرك المرافقان، إحداهما يضرب بالنيران والآخر صنع غصنا ليستعمله كسوط، وفلوريان كان على أتم الاستعداد ليشارك بينما استطاعت كولد تلك الابتعاد عن أتريوس ما إن شتت انتباهه بالاثنين الآخرين.
لا أعلم لما، لكن هناك شعور يخبرني منذ بداية هذه المعركة حتى الآن بأن أتريوس لا يقاتل بجدية، بدا وكأنه لا يقاتل حتى بالرغم من أني أظن حين يحاوطك أربعة سيكونون قادرين على إخراج اللعنة منك، لكنه بدا باردًا.
قفز الجنديان للخلف من اللا مكان عندما قُذِفت صحيفة من المعدن نحوهم، التفت للمصدر لتتسع عيني، حسنًا، لم أتوقع هذا!
كان لافيان يقف خلف أتريوس بينما خلفه مئات القطع المفككة، تتحرك وحدها في الهواء وتتجمع معًا لتكون شيئا ما يبـ... أوه، إنها كتلة حديدية مليئة بالسنون المحدبة، قبل أن أسأل من أين حصل على القطع التي يصنع منها أدواته تذكرت المركبة التي جاء بها فلوريان… لن يخرج من هنا اليوم.
صوت صفير جذب انتباهي بعيدا عن لافيان نحو الواقف بجواره، تينر جام كان يصفر لحنًا هادئا بينما يرفع يده في الهواء وتتحرك أصابعه وكأنه يعزف على البيانو، لم تمر ثوانٍ حتى أدركت ما يفعل، كانت هناك الكثير… وأعني الكثير من الكائنات التي تخرج من الغابة لتقف خلف تينر جام، وعندما ازداد صفيره حدة وسرعة شيء ما قفز من فوق رأسي أجبرني على الصراخ بفزع.
عندما نظرت لما قفز كان ذلك الشيء اللعين الذي يشبه الأفعى السوداء الذي طاردني من قبل، كل تلك المخلوقات التي لم أستطع تمييزها تقف خلف تينر جام وكأنها تنتظر أوامره، أصبحت كفة الميزان متعادلة.
"لا تقوموا بحركة غبية" سمعت فلوريان يحدث رجالة وساحرته وهو يركز أنظاره على تينر جام "متحكم الكائنات ذلك خطير".
كان يتحدث مع نفسه على الأرجح، كان قلقًا من وجود تينر جام مع أتريوس، بينما بدا لافيان مستعدًا لصنع المزيد من الأسلحة في دقائق.
ظننت أن الأمر سينتهي هنا لكن يبدو أن تلك الساحرة لم تعجب بأتريوس لأنها حركت يدها معًا في هجوم جليدي نحوه، وقبل أن يتحرك أحدهم توقف الجليد الحاد الذي كان يتجه نحو أتريوس في الهواء وصوت حاد جذب انتباه الجميع.
"ما اللعنة التي تظنون أنكم تفعلونها؟"
نظرت حيث الصوت، كان رجلًا يرتدي بنطالًا أسود اللون مع قميص أسود وفوقهما سترة قماشية مع غطاء رأس.
ظهر من اللا مكان متوقفًا بين الفريقين بينما تلك القطع الجليدية الحادة التي توقفت في الهواء مكانها ذابت في الهواء من إن لمسها ذلك الرجل "الفرسان والنبلاء! أهذا هو الوقت حيث نتجاهل اللعنة التي تحدث في المملكة ونتشاجر كالأطفال؟" لم يكن صوته عاليا حتى ولكنه جعل جسدي يقشعر... من هذا؟
"بموجب الاتفاقية القديمة بين ملوك مماليك التوبازيوس يمنع مس أي فارس بسوء حتى تنتهي مهمته، إنها جريمة محرمة، سيد فلوريان ألفن" لم يدافع عن نفسه، فقط نظر نحو الرجل بهدوء "وكونك فارسًا لا يخولك للبطش بمن تريد سيد أتريوس فلورمان".
تحرك أتريوس نحو الرجل وهو يقف أمامه وقال بلا مبالاة "خذ حقراء العوائل النبيلة من على أرض الفرسان دون إطالة هراء، أنا أعلم وأنت تعلم أنني لا أهتم لسماعه، وإن تعدى مدللك على مكان أكون متواجدًا فيه فسأرسل حينها رأسه كهدية في صندوق عفن" هنا بدا أتريوس جادًا لدرجة جعلتني أصدق أنه بالفعل سيمسك فأسًا ويقطع رأس فلوريان.
الرجل الآخر الذي لم أتبين ملامحه حتى الآن ظل صامتًا يحدق بأتريوس ولكنه أتريوس… لم ينتظر دقيقة لأنه تحرك بكل برود متجهًا للمنزل تاركًا الفوضى خلفه، طريقة ممتازة لإنهاء معركة.
"فارس! كيف للقيط مثله أن يكون فارسا؟ لا بد أننا هالكون طالما سافل مثله كلف بحماية الشعب، أفضل الموت على يد إيربوسي على تركه يٌقاتل في صفو..." قاطعه الرجل الآخر "فلوريان ألفن، هذا يكفي، إن عرف سيد عائلة ألفن بما فعله الابن البكر اليوم لن يكون سعيدًا".
وهنا بدا فلوريان قلقًا بالفعل "أبي لن يـ..." قاطعه مجددًا "إن شككت في قدرة التوبازيوس على اختيار فرسانها مجددًا لن أتسامح معك، حتى وإن كنت وريث أقوى العائلات النبيلة" في الواقع أنا أشكك في قدرة قوة جوهرتكم الروحية كل يوم.
لمَ أنا هنا إن كانت تختار الفرسان بحكمة؟
بدا فلوريان غير راضٍ بالمرة ولكنه عاجز عن الرد أمام هذا الرجل الغريب، أما تلك الساحرة ظلت تنظر نحو المنزل حيث دخل أتريوس بثبات دون أن ترمش، حتى أنني ظننتها قد تجمدت.
التفت الرجل الغريب نصف التفاته نحونا، حتى أنني شعرت به ينظر بطرف عينه نحوي قبل أن يلتفت ويسير بعيدًا، حرك يده في الهواء وخلف كل حركة من يده كان هناك شرارة تتشكل بأشكال هندسية متداخلة قبل أن تتوسع لتظهر داخلها حديقة ما، يمر الرجل من خلال البوابة ويتبعه فلوريان الذي رمى نحوي نظرة احتقار، تبعه مرافقيه والساحرة التي كان سكونها مريبا.
وانتهى الأمر... بكل بساطة وكأنه لم يكن، فقط خلف احتراقا جزئيًا بالحشائش التي كانت خضراء وبعض الأغصان المحطمة والكثير من الكائنات الغريبة التي ما لبثت حتى انسحبت نحو الغابة بأمر من تينر جام.
والقطع المتطايرة خلف لافيان سقطت كخردة، وأخذت نفسًا عميقًا أخيرًا مع الهدوء الذي تملك المكان.
كل من لافيان وتينر جام اللذين ظهرا من العدم لمساندة أتريوس تنهدا براحة قبل أن يركضا نحونا… نحو المتفرجين بمعنى أصح، كان جوزفين تحسن نوعًا ما ولكن ما زال من الصعب التحرك وأنت تشعر أنك مع كل نفس قد تتقيأ أحشائك للخارج.
أما رومياس كان يستعيد وعيه ببطء، هارليك لم يكن مرعوباً كما تصورت، هو كان غاضبًا لكونه عاجزًا عن المشاركة في 'قتال أيدي' كما يسميه، ويوجين كان صامتًا طيلة الوقت دون تعليقاته الهزلية.
أما أنا فكان عقلي مليء بالأفكار، حتى مع نبرة لافيان القلقة وهو يسأل عن حالي ويتفحص البقية وتينر جام الذي يحاول مساعدة رومياس في الإفاقة كان عقلي يقذف الأفكار واحدة تلو الأخرى بسرعة، أهكذا يبدو قتال الفرسان؟ هذا حتى لم يبدُ كقتال إن نظرنا لملامح أتريوس طيلة الوقت، وإن كانت هذه هي القوة التي سيقاتل بها شخصا ليس من العدو فكيف سيكون العدو؟
لماذا أنا بين مجموعة كهذه؟ وكيف وصلت إلى هنا؟ جالسة وحولي اثنين مصابين أحدهما مستذئب، والآخرين يملكان قدرات غريبة، ومن دقائق كانت هناك ساحة حرب بين العناصر وبوابة تفتح وأشخاص يقتلهم الحقد…
بحق الله ما الذي أفعله أنا؟ طالبة الطب المنعزلة التي ترى أن غرفتها هي المكان الأكثر أمانا في العالم بين كل هذا؟
أفقت على حركة يد تينر جام أمام وجهي وهو يصيح باسمي للمرة الـ… لا أعلم، لكنه يبدو وكأنه ينادي من وقت طويل بملامحه القلقة التي تتفحص إن كنت تأذيت، كنت بخير إن تناسينا آثار يد فلوريان على عنقي والخدوش على وجهي وبالطبع ألم عظام أسفل ظهري.
"هل أنتِ بخير؟" كرر سؤاله لأجيب بهزة سريعة من رأسي قبل أن أنهض أخيرًا مدركة وضعية جلوسي التي آلمت قدمي، نظرت حولي بحثًا عمن كانوا حولي، حمل لافيان رومياس للداخل بينما جوزفين يتكئ على جذع الشجرة خلفه ويبدو متماسكًا.
هارليك قد تبع رومياس للداخل ويوجين يجاورني وهو يتفحص ملامح وجهي.
"بخير، أنا بخير" أجبت على مضض لإبعاد أعينهم عني قبل أن نتحرك للداخل.
"واندر ستفقد عقلها لما حدث" قال جوزفين وهو يئن بين كل كلمتين "لا يجب أن تعرف إذًا" أجاب لافيان ببساطة لأنظر نحوه بحاجب مرفوع تزامنًا مع نظرات جوزفين المشابه قبل أن ننظر ثلاثتنا للحديقة المدمرة خلفنا "لن تعرف بالفعل" تمتمت بسخرية وسبقتهم حيث رومياس لأتأكد من صحة رأسه لأنه إن ظل فاقدا للوعي أكثر من هذا فهناك خطب على الأرجح.
كان مستلقيا على الأريكة وقد ألبسه تينر جام ملابسه أخيراً، كان يفتح عينه ثم يغلقها مجددًا ولا يستجيب إذا ناديته وعندما قرأ تينر جام ملامح القلق على وجهي قال بسرعة "إنه بخير، لكن تحوله لمستذئب يضعف من وعيه" عقدت حاجبي ونظرت نحوه "هل هناك شيء كهذا؟" أعني جايكوب في توايلايت لم يكن يفقد الوعي بسبب تحوله! صحيح؟
هل من الطبيعي أنني أقارن شيئا حقيقيا بفيلم خيالي أم أن حالتي طبيعية نظرًا للأحداث غير الطبيعية التي تحدث؟
"ليس كثيرًا، قليل من المستذئبين يصابون بضعف بعد التحول وأغلبهم أوميغا كـ رومياس، لكن حالة رومياس مختلفة، رومياس لا يتمكن أحيانًا من فصل وعيه الخاص بوعي مستذئبه والذي يجب أن يكون شيئا فطريا مما يسبب نزاعا داخل روحه وعقله، وهذا ما يشتته ويضعفه غالبًا"
نظر لرومياس بابتسامة مواساة وكأنه يراه وأكمل " ذئب رومياس مختلف عن أي ذئب آخر كما لاحظت؛ فغالبًا هيئة الذئب تأخذ هيئة الجسد، فإن كان المستذئب يمتلك شعرًا أسود فكذلك فرو ذئبه وإن كان شعرًا بنيا فسيكون فرو ذئبه بني، ولون العين كذلك، وبنية الجسد أيضًا، كلما كان الجسد يملك بنية قوية أصبحت بنية الذئب أقوى، لكن رومياس مختلف، كأنه منفصل تمامًا عن ذئبه؛ فذئبه يملك لون فرو ثلجي خاص به، ولون أعين خضراء خاصة به منفصلة عن لون عينه وشعره الطبيعي".
هذا يفسر الأمر إذًا، رغم أني عرفت رومياس فور نظري لعينيه، كان هناك شيء يشبهه بشدة رغم اختلاف اللون، حسنًا، هذا أكثر تعقيدًا من جايكوب.
"سيكون بخير" هكذا طمئنني تينر جام قبل أن يذهب ليعد شيئا ما في المطبخ لرومياس ربما! عادت واندر من حيث كانت وكما توقعت، أصابتها الصدمة وظلت لا تتحدث لخمس دقائق وهي تحاول استيعاب الأمر حتى ظننت أنها فقدت النطق، لكنها شتمت... وشتمت كثيرًا، كان اسم أتريوس يتكرر بعد كل شتيمة وهذا أعطاني شعورًا بالراحة.
لم أرَ أتريوس رغم أنه في المنزل وحمدت الله أنني لم أقابله بعد نزال كهذا، ما فهمته لاحقاً كان مثيرًا للصداع.
النبلاء يكرهون الفرسان، ليس جميع النبلاء، فقط بعض العائلات، هم في الواقع خمس عائلات، قابلت أفراد عائلتين منهم.
فلوريان هو البكر والوريث الشرعي ليصبح سيد عائلة ألفن النبيلة بعد والده، عائلة كليسيثينس قابلت سيدتها والتي عرفت أن اسمها روليتا، وهناك ثلاث عائلات أخرى، عائلة جلين وعائلة دول وعائلة صاميومين، عائلة ألفن هي الأكثر سيطرة، بعدها كليسيثينس وهي أقرب العائلات للعائلة الملكية.
فلوريان يبغض أتريوس لدرجة أنه إن شاهد أحشائه خارج جسده وهو يحتضر لن يساعده، بل سيشاهد ويضحك رغم أني أجد السبب سخيفا، أعني… لقد تبارز مع أتريوس سابقًا أمام آلالف وهزمه أتريوس وسخر من عائلته… سخر من العائلات كلها بما فيهم العائلة الملكية أمام جموع الشعب، لكن فلوريان كان المخطئ لأنه استدرجه لقتال.
أحيانًا أفكر إلى أين قد تصل لا مبالاة أتريوس المذهلة تلك، وكم من الأعداء قد يملك فعليًا؟
كنت أمسك بأحد الكتب في المكتبة وأنظر نحوه، لكني لم أقرأ أو لم أستعِب ما أقرأ بسبب تزاحم عقلي بالأفكار وعندما شعرت بعدم فائدة الكتاب أغلقته، عدت للاسترخاء على المقعد وأغلقت عيني لأحظى ببعض الهدوء العقلي فالمكان كان هادئا أصلًا لكن كان ذلك صعبًا؛ لذلك نهضت من مكاني وأنا أفكر في شيء ما لفعله حتى يشغل عقلي قليلًا.
لم أذهب إلى جولدامون اليوم ولست في مزاج يؤهلني لذلك، يوجين نائم لأنه فجأة شعر بالملل وقرر النوم حتى حدوث أحداث أخرى كالمعركة التي حدثت وحينها سيستيقظ بإرادته، أحسده حقًا لقدرته على إغلاق عينيه والنوم متى ما أراد.
هارليك اختفى داخل المكتبة وأصبح أكثر هوسًا مني بالقراءة لأنه يريد إيجاد ما يساعده ليصبح مقاتلًا يتمكن من التحول بلا مضاعفات خطيرة.
وبقيت أنا وحدي.
تذكرت مكانًا سيكون من الرائع الذهاب له الآن بما أن النجوم تملأ السماء، تلك المرة بينما أجول في المنزل مررت مع يوجين بغرفة تدريب أغدراسيل ذات السطح المكشوف؛ لذلك قررت الاتجاه إلى هناك سوى أني لا أعلم أين تقع لأن غرف المنزل مسحورة وتتحرك من تلقاء نفسها.
لكني غامرت على كل حال، ما أسوأ ما قد يحدث؟ أتوه! ليس سيئا جدًا.
اخترت بابًا عشوائيًا من بين أبواب غرفة المعيشة وقررت الوثوق بمشاعري، إن أردت الدخول من هذا الباب سأفعل وإن أردت اختيار ذاك سأفعل، وسأصل في النهاية.
كنت أكرر أني سأصل بسرعة كثيرًا ووصلت بسرعة! أعني بسرعة أسرع من الطبيعي، لم يحتج الأمر سوى المرور بغرفتين فقط وهذا كان غريبًا، صدفة غريبة.
اتسعت ابتسامتي بقوة وأنا أنظر للسقف المكشوف الذي يطل على النجوم والتي بدت كالملايين في عددها، المكان مظلم نوعًا ما إلا من ضوء القمر، تقدمت وأغلقت الباب وأنا آخذ نفسًا براحة، لا شيء سيكون قادرًا على إزعاجي هنا.
"هل تلحقين بي؟"
عفوًا، ما الذي كنت أقوله لنفسي قبل قليل؟ لأني أعتذر، أتريوس على قيد الحياة كيف يمكنني الحصول على بعض الراحة؟
لا أخفي أنه أفزعني لدرجة جعلتني كدت أصرخ لكني منعت نفسي ونظرت نحوه، كان يجلس فوق الأرضية ويستند بظهره إلى الجدار ولم تكن ملامحه واضحة نوعًا ما "أليست هذه غرفة تدريب أغدراسيل!".
"لا أرى اسم أغدراسيل على أي من الجدران" يمكنني معرفة أنه يسخر من نبرة صوته فقط وهذا كان ردًا طفوليا بالمناسبة، زفرت بانزعاج وآثرت العودة للنوم على الجلوس في مكان هو فيه لذلك التفت واتجهت للباب.
"اخرجي واغلقي الباب"
أنا شخص يتجنب المشاكل دائمًا وفي كل وقت وإن كنت جلنار التي أعرفها كنت سأخرج وأغلق الباب، لكن بما أني بت جلنار لا يمكنني التعرف عليها أغلقت الباب الذي كنت فتحته للخروج بقوة وعدت لأجلس على بعد أمتار منه وأستند على الجدار.
من يظن نفسه ليأمرني؟
بدا ما فعلته مفاجئا له لأنني لمحته يلتفت وينظر نحوي وأحد حاجبيه قد ارتفع.
"ألم تسمعي ما قلت؟"
"ألا ترى أنني أتجاهل ما قلت!؟"
أخبرتكم، لا أعلم أي جلنار بت عليها، منذ متى كان ليخرج رد كهذا من فمي؟ آخر مرة أتذكر أنني كنت أرد بوقاحة كنت في الصف الثامن، حينها كنت نوعًا ما... ربما شيطان، أجل، يصعب تصديقه لكني كسرت ذراعي ثلاث مرات وكنت أذهب شهريًا لتقطيب جرح جديد وأحصل على طرد من المدرسة كل شهر تقريبًا، ولكن اختلفت الأمور بعدها.
"هل هذا أنا أم أنكِ تزدادين وقاحة مع الأيام؟" نظرت نحوه وقلت "من الصعب مقاومة عدوى أتريوس" ورغم أنني قلتها ليغضب إلا أنه ابتسم! لم تكن ساخرة كانت كابتسامة شخص.... يبتسم!
أبعدت نظري عنه عندما لاحظت إني أطلت التحديق ونظرت للنجوم مجددًا.
"لمَ لا تكرهينني؟" عقدت حاجبَي للجملة غير المتوقعة وأجبت دون الالتفات نحوه "أنا أفعل!" قهقه وقال "لا، أنتِ لا تفعلين، أنتِ تظنين أنكِ تفعلين" رفعت حاجبًا ونظرت نحوه "أتعرفني أكثر مما أعرف نفسي؟" حرك رأسه مع ابتسامة ثابتة وصمت.
بعد دقيقتين من الصمت قال "صاحب الجناحين يكرهني، وكذلك كلب الملك ذاك، وهناك الأحمق جوزفين وحتى صانع الأدوات وغيرهم والقائمة تطول، لذلك أعرف جيدًا متى يكرهني شخص ما، وأنتِ!... أنتِ لا تبدين كشخص يكرهني أبدًا".
التفت نحوه بكامل جسدي وقلت "دعني أطرح سؤالًا إذًا! لمَ تدفع الجميع لكرهك؟" نظر نحوي ورفع كتفيه قائلًا "لأنه أسهل من محاولة تملق الجميع لجعلهم بصفك!" دحرجت عيني على الإجابة "حقًا!" أومأ بجدية مما دفعني لأتنهد، أنه حقًا ميئوس منه.
"دعيني أحزر، أنتِ ذلك النوع من الفتيات التي تحاول التودد للجميع والالتصاق بهم حتى يظنون أنكِ لطيفة"
"أنا أكرهك، أتريوس"
قلتها فجأة بعد صمت طويل بيننا وأنا أسند رأسي على الحائط خلفي براحة، سمعت صوت حركته وخطواته حتى أصبح في مرأى نظري وهو يقف أمامي، انخفض على قدميه دون أن يجلس بشكل كامل ويديه تستند على ركبتيه "قوليها وأنتِ تنظرين في عيني".
بدا طلبًا غريبًا لكني لم أجد مانعا من تنفيذه؛ لذلك أخفضت رأسي ونظرت في عينيه، كانتا تلمعان تحت ضوء القمر بشكل مثير، لا يسعني وصف عينه إلا كالزجاج… شفاف، ورغم كونها تبدو حقًا شفافة إلا أنه من المستحيل رؤية ما خلفها.
"أنا…"
ما الصعب بها!؟ فقط أكرهك، لقد كانت تنساب بسهولة. ابتلعت وحاولت تمالك نفسي دون إبعاد عيني عنه وحاولت مجددًا.
عضضت على شفتي وهناك رغبة في البكاء تتصاعد داخلي، لماذا من الصعب قول شيء وهو ينظر بعينه بتلك الطريقة؟ لقد رماني من فوق الجرف ولم يترك فرصة واحدة لإغاظتي وتحقيري؛ لذلك ليس من الصعب قولها، من المفترض أن تكون سهلة، صحيح؟
لكن ذلك الشبه... الشبه اللعين بين عينه وعين ذلك الطفل في أحلامي كان يعرقلني، يقفز كحاجز واضح بين رغبتي وبين ما أريد قوله في وجهه. بدا وأنه ينتظر الكلمة، بل يريد سماعها، تلك النظرة لم تكن مستمتعة أو متحدية، كان يترجى ربما مع تلك العقدة بين حاجبيه.
إلهي، أرحمني.
كان شبيهًا بذلك الطفل الذي تكررت جملته سابقًا في رأسي، لا تتركيني… وللحظة كان الطفل من يجلس أمامي لا أتريوس البغيض بكل مشاعر الكره داخله.
وفي تلك اللحظة العديد من الأشياء كانت تتردد داخل عقلي عندما كان الجميع يكرهني، يسخر مني، وعندما لم أكن أهتم، أو هكذا ظننت لأحمي نفسي، يمكنني رؤية الأمر الآن.
لطالما قلت أني لا أهتم، فليكرهني من يريد أن يكرهني، أردت فقط حماية نفسي من الأذى…
لم أهتم بالأذى الجسدي يومًا لأنه لم يكن ليؤلم كما الأذى النفسي.
لذلك قلت أني لا أهتم، كنت خائفة وكلما كرهني المزيد كلما كان الأمر أفضل من الوقوع في مشاعر الصداقة والتي قد تنتهي بشكل أسوأ من تنمر شخص لا شيء بينكما.
أنا نسخة من أتريوس…
أعلم أنه جنون لكني أشبهه بشدة، يمكنني فهمه الآن، يمكنني فهم ما يحاول فعله على الدوام، قد يبدو معقد ولكنه أبسط من ذلك بكثير، أشبه برسم ثلاثي الأبعاد لكنه في الواقع ما زال رسمًا عاديًا على صفحة بيضاء.
أتريوس نسخة مني، لكنه نسخة أكثر صلابة مع آلاف الدروع حول نفسه، وعندما كنت أتمنى أن يكرهني الجميع أردت شخصًا واحدًا فقط أن يخبرني أنه لا يكرهني كما فعلت ألسكا ومن بعدها ديفيد، لذلك تنفست براحة ونظرت نحوه بثبات وقلت ما أريد حقًا قوله دون معارضة نفسي.
"أنا لا أكرهك أتريوس"
ثم نهضت وخرجت من المكان.
****************************************
هالووووووووو
سؤال النهردة
هل جلنار عبيطة؟
معلش مقدرتش اقاوم
المهم الفصل النهرده جووووسي اظن كده مش حابه اسمع اعتراضات
شخصيات جديده ودروس طيران وقتال ما بعده قتال ومومنت تحت نجوم الليل
انا عارفه اني الي كاتبه الفصل بس كل ما اقرأ جملة "سناديك بفلورا" بنفجر ضحك وحاجه قمة في انفصام روح الكاتبة عن القارئة جوايا
ركزوا مع رومياس والكلام عنه عشان بيوضح حاجات كتيييرة هتعرفوها بعدين
الشخصيات الجديدة اظن بدأت كلها تظهر
لطيفين وكيوت والله
حبوهم حبوهم متوجهوش حبكم كله لمكان واحد -كلنا عارفين مين ومش هنروح نقول-
انجوي بالفصول
باي
❤❤❤❤
ردحذف🔥❤️❤️❤️❤️
ردحذفتحفه ♥️♥️
ردحذف💓💓😭😭
ردحذفينفع فصل تاني 🥺🥺🥺🥺🖤
ردحذفبارت روعة بجد تسلم ايدك يا إسراء
ردحذف😭😭💞💞🦋🦋✨✨
ردحذفاريد بعد فصل 😂♥️
ردحذف❤️❤️❤️❤️✨
ردحذفاتمنى لو يختفو الخلافات لي بين اتريوس و الفرسان و إن شاءالله اغدراسيل ما يقع لجلنار لانو الفكرة بحد ذاتها تخوف لانو اول واحد تعاطف معاها و تعامل معاها بلطف ما اريد ينكسر قلبو
ردحذفاتفق 💔
حذفانا سعيدة اني بقرأ رواية جملية 💞💞
ردحذفمن الممتع دائما مشاهدة سحق مؤخرات آلفن انها فصول تستحق التوثيق
ردحذفواخيرا واخيراااااا انا بعشششق جلنار
ردحذف💞💞🥹
ردحذف♥️♥️🔥🔥🔥
ردحذفنااار وشرار
ردحذفياربيي شنو هالمونت الخطيير 🤭🤭
ردحذفالمومنت*_تحت تأثير الفصل _
ردحذفواو الفصل جدا جميل ومتنوع اضهري قدرات جلنار بسرعة حتى تنتقم من النبلاء الاوغاد...👍👍👍❤❤
ردحذفهحب تينر جام ورومياس بعد اتريوس حاضر😭
ردحذف🥰🥰🥰🥰🥰
ردحذفإشتقت للحداد الفخم
ردحذف❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذفبمناسبة هذا الفصل اريد اعلان شيء ما و بوضوح:"يرجى ابعاد مؤخراتكم اللامعة عن حبيبي و زوجي تينر جام، و شكرا"☺️✨
ردحذفاسراء ماخطب تعديل عبارة اتريوس الاسطورية " لانه اسهل من محاولة جعل مؤخرات الجميع بصفك" و جعلها اكثر احتراما😭
ردحذفهذه ليست شخصية ابني اتريوس، انا اريد نسخة ولدي جامح اللسان من فضلك😭✨
للناس الي مذكره كل حرف تقوله الشخصيات كيفف؟؟😭😭 انا غداء امس نسيته😭
ردحذفحتى انا😂😭
حذفتحفه ❤️❤️❤️🤭🔥
ردحذف❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذفمتحمسة لظهور أرتيانو و رد فعله على فتح البوابة 😭😭
ردحذفرده فعل لافيان على جلنار تموتتت هههههههه
ردحذفتينر جام يجننن لطيف مره احسه نفس اغدراسيل كلهم كتكوتين بديت احبههه
- "لا يخلف البحر سوى الجبناء" لا أشعر بالإساءة، لست من البحر يا رجل.
ضضححككتت مقدر 😭😭
- أنا حقًا أشعر بالسعادة لظهور أتريوس.
كلنا يا حبيبتي نشعر بالسعاده لرؤيته 💗💗💗
«لدي مرض يجبرني على الصمت عندما يتحدث الحمقى» هذي نهاية الي يضل يتهاوش مع اتريوس ههههههه
- "انتهيت؟ إلى اللقاء إذًا، جد طفلًا يُجاريك".
- "لمَ لا تبحث عن شخص بحجمك لمقاتلته؟ انتظر، حينها لن تجد سوى شخص بحجم حشائش الأرض".
- "أوه عزيزتي، أتدعين الرجال يدافعن عنكِ؟"
- "أتريوس فلورمان، أتعرف كم أمقت التشابه بين أسمائنا؟" ابتسم أتريوس ساخرًا وقال "لا بأس صغيرتي، يمكننا منادتك بـ فلورا"
ردوددهممم تمموتتتت وتتشابه شوي مقدر افضل اثنين هم 😭😭😭😭😭😭
خصوصا الاخيره لما اتريوس قال لا باس صغيرتي سنناديك بفلورا انهرت ضحك هههههههههه
المومنت نهايه الفصل بالليل وتحت النجوم اويللييي 😭💗😭💗😭💗
«قوليها وانتِ تنظرين لعيني» «انا لا اكرهك أتريوس»
صصييااح 🥹💗
التشابه بين جلنار واتريوس.. يحزن زعلت عليهم
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
حذفو من هنا دقت طبول العشق 😭😭💕💕💕
ردحذف❤️💟❤️💟❤️💟
ردحذفواااااع 😭😭😭 اييش هالجمااال
ردحذفانا بحب اتريوس بجد وصعبان عليا اوي رغم انه معرفش ماضيه لحد دلوقتي بس واضح ماضي صعب اللي وصله لشخصية زي دي🥺
ردحذفعاااااااااااااااااا النهاية فظيعه 🥺❣️
ردحذفلسى انتظر ارتيانو 😂😭😂😂 وجللطته لفتح البوابة 😂
ردحذفاخخخخخجل جلنار و اتريوس 😭❤️🔥❤️🔥😭😭❤️🔥😭
ردحذف