الفصل الثاني والعشرون | ابنة التوبازيوس

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهم فرج همي واغفر ذنبي وأزح عني حزني وارزقني اليسر بعد العسر".

إفصاح آخر "الشخص الواقع في الحب يظن أن البثرة هي غمازات". مثل ياباني

 مساحة لذكر الله


****************************************

الفصل الثاني العشرون





ثلاثة أيام!

مرت ثلاثة أيام وما تزال تلك الليلة عالقة داخل رأسي، ما اللعنة التي كنت أفكر بها بالضبط؟ لمَ قلت شيئًا غبيًا كهذا؟ كان يمكنني تركه والذهاب بصمت، لكن كان علي إخراج التفاهات فحسب!

لمَ فكرت بأنه يشبهني؟ ولمَ لا أزال مقتنعة بأنه يشبهني؟ الفكرة لا تخرج من رأسي مهما حاولت... أتريوس لا يخرج من رأسي أبدا وكأنه لغز بالنسبة لي، وأنا أمتلك ماضٍ رائع مع التمسك بالألغاز إلى أن أتوصل لحلها.

تنهدت بصوت عالٍ دون إدراك ليلتفت هارليك نحوي متسائلًا "أهناك خطب ما؟" رسمت ابتسامة مغصوبة وهززت رأسي للجانبين، تجاهلت نظرات يوجين قدر الإمكان؛ فهو قد سألني ذات السؤال بأكثر من مائة صيغة طيلة الثلاثة أيام الماضية ولكني لم أعطه جوابًا صريحًا؛ لذلك أضمر حقدا ناحيتي.

عندما دخلنا إلى السوق المزدحم اتسعت ابتسامتي وحاولت تناسي أتريوس قليلًا؛ فاليوم سأعرض التصميم على السيد جولدامون أخيرًا وسيصنع سلاحًا حقيقي، يكاد قلبي ينفجر من الحماس.

"قريبة واندر"

التفت ناحية الصوت أبحث عن المنادي بين الأجساد، سيدة فارعة الطول ممتلئة الجسد نوعًا ما، ذات شعر أبيض وأعين بندقية يحيطها إطار نظارات رفيع.

إنها تلك الخياطة التي تعرف واندر، اقتربت منها مبتسمة "إلهي، انظري إليكِ! تبدين جميلة مع ضفيرة الشعر، والفستان الليموني البسيط يناسبكِ تماماَ" حركت رأسي كتحية "كيف حالكِ، سيدة..." توقفت قليلًا في محاولة لتذكر اسمها لتقول بسرعة "مونيكا، ناديني مونيكا. على عكسكِ، أنا أتذكر اسمكِ جيدًا، آنسة جلنار" ابتسمت بخجل قائلة "أعتذر حقًا، لست جيدة في تذكر الأسماء" حركت يدها كإشارة أن الأمر غير مهم.

"كيف هي واندر؟ لا أرها بجواركِ" رفعت كتفي قائلة "لم تأتِ معي، أنا هنا مع هارليك و..." كدت أقول يوجين لكني أطبقت شفتَي في الثانية الأخيرة ليقهقه ويسخر مني كالعادة.

"أوه! الصغير هارليك، يسعدني لقاؤك مجددًا" صاحت وهي تقرص خده بقوة وحمدت الله أنها لم تلحظ ذلتي.

بدا هارليك منزعجًا من سحبها لخده وطريقة حديثها لأنه مسح على خده وأرسل نظرة منزعجة قائلًا "سيدة مونيكا، توقفي عن معاملتي كطفل" يبدو أن السيدة مونيكا لا تأخذه بجدية لأنها أطلقت صوتًا متعاطفًا وقالت "حسنًا، سيد هارليك اللطيف" نفث بانزعاج وكتف ذراعيه مما زاده لطافته في الواقع لكني احتفظت برأيي لنفسي حتى لا يزداد غضبه.

"إذًا هل ارتحتِ في ارتداء الفساتين أم ما زالت فكرة السراويل أفضل؟" اتسعت ابتسامتي لتذكرها وأجبت "تريدين الحقيقة؟ السروال سيكون أفضل كثيرًا" ارتفع حاجبيها بتعجب لكن اتسعت ابتسامتها فجأة وكأن فكرة ما طرقت رأسها.

"ماذا إن صنعت لكِ رداءً يناسب ذوقكِ؟" طرفت أكثر من مرة أحاول استيعاب عرضها! "تصنعين؟ لي أنا؟" أومأت قبل أن تسحب ذراعي وتقربني منها "فتاة ترتدي سروال وقميص مفصل بشكل مناسب لها تمشي بين كل هؤلاء الناس من الطبقة النبيلة، ستلفتين النظر بكل تأكيد، وعندما يتساءل الناس سيعرفون أن مونيكا هي من تمتلك الجراءة لخياطة شي كهذا وبذلك سيشتهر اسمي، وربما تطلب بعض النبيلات مني أن أصنع لهن ملابسهن".

"ظننت أنكم... أعني أن أغلب سكاننا في الحدود يكرهون النبلاء! أتتعاملين معهم بشكل طبيعي؟" دحرجت عينيها وقالت "العمل عمل والعملاء يظلون عملاء مهما كان انتمائهم أو طبقتهم، أنا أقوم بتأدية مهنتي بشكل ذكي ليس إلا" أعترف بذلك، هي ذكية!

"لكن خطتكِ مبنية على أساس إعجابهم بالملابس، ماذا إن لم تعجبهم؟" ضحكت بصخب وقالت "لن تعجبهم بالتأكيد لكنها ستثير فضولهم، وسيتناقلن اسمي بينهن مما قد يثمر عن طلبات من الطبقة النبيلة".

هذا عقل ترويجي بحت لكن... أنا أحتاج لملابس تشبه خاصتي القديمة لذلك ابتسمت وقلت "سأخبركِ بما أريد إذًا".

يبدو أن زيارة جولدامون ستتأخر قليلًا.

اتجهت للداخل بسرعة لتحضر شيئا ما وحينها سألني هارليك "ألا تملكين ملابسك القديمة؟" هززت رأسي للجانبين وقلت "قالت واندر أنها تخلصت منها؛ فقد وجدتها ممزقة ومتسخة".

"ها نحن ذا!" صوت مونيكا الصاخب سبق دخولها بينما تدفع مجسمًا لجسد امرأة أشبه بالمانيكان لكنه كان مليئا بالخطوط والقياسات حول كل جزء منه.

"هيا بسرعة، قفي هنا" سحبت يدي لتضع جسدي أمام المجسم وتفرد ذراعي بجواري ثم صفقت بيدها وصاحت بصوت عالٍ "مسح الجسد". لم أفهم ما يجري في الواقع؛ لذلك نظرت نحوها بتعجب لكني التفت بسرعة ناحية المجسم عندما أصدر صوت صفير وصدر ضوء أزرق من جهاز صغير مثبت على عنق المجسم.

مسح الضوء جسدي بالكامل قبل أن يتلاشى، وخلال ثانية كان المجسم يتحرك ببطء وتتغير تقاسيمه، فقد صغر الخصر قليلًا وطالت قامته وكبر الصدر نوعًا ما وأصبح العنق أطول حتى أصبح جسد المجسم نسخة من جسدي.

"هذا أروع شيء رأيته!" صاح يوجين لأومئ بخفة وما زلت أتفحص المجسم بعيني.

"تعالي معي لنختار القماش" سحبت ذراعي بسرعة قبل أن تقف أمام مجموعة ضخمة من عينات الأقمشة "بما أننا لن نصنع فستان بل شيئا أشبه بالقميص والسروال اختاري قماش الجزء العلوي".

تفحصتهم بعيني قبل أن أختار واحد بلون أبيض خفيف، بما أن الجو هنا معتدل بشكل دائم فلن أحتاج إلى شيء ثقيل، لنصنع قميصا أبيض وسروالا أزرق بدرجة فاتحة.

سحبت مونيكا بكرة القماش الضخمة واتجهت نحو المجسم "أريد قميصًا مشابهًا لخاصة الرجال هنا، لكن ليس ذلك النوع من الأكمام الواسعة والياقات المزركشة".

كلما شرحت أكثر كانت تعمل بتركيز أكبر ولم تجد أي صعوبة في تخيل ما أصفه لها، ظننت أن الأمر سيتطلب ساعات من الجهد والأخطاء لكنه لم يأخذ سوى ثلاثين دقيقة على وجه التقريب، أنهت مونيكا التصميم المبدئي للقميص. مثبت بالدبابيس من كل مكان وهناك نقاط بقلم أبيض لتحديد مقاسات الأطراف والياقة والأزرار والأكمام.

ابتعدت للخلف خطوتين تنظر للقميص بإعجاب ثم قالت "إلهي، كيف سيبدو عند إكماله؟" لم تمنحني فرصة لقول شيء ما لأنها سحبت ذراعي مجددًا وقالت "اختاري قماش السروال، هيا بسرعة!" ابتسمت لها ونظرت مجددًا أبحث عن قماش جينز فاتح، عندما وجدت ما أريد أشرت نحوه لتعقد حاجبيها وتلتقطه قائلة "هذا؟" أومأت بنعم "لكننا لا نستعمله إلا نادرا، كما أنه فقط لصنع الحقائب رخيصة الثمن".

لو يعلموا أنه ثروة على الأرض؛ فلا شيء قد يخلو من الجينز تقريباً، حركت مونيكا كتفيها باستسلام وأخذت البكرة وبدأت عملها على السروال، اعترضت نوعًا ما على ضيقه وأنه لن يكون جميلًا لكني أصررت عليها فأكملت عملها باستسلام.

عندما أنهينا تثبيت القماش ظلت مونيكا صامتة دون إصدار أحكام "سيحتاج بعض الوقت حتى أنهي خياطته" حركت رأسي بلا بأس وقلت "يمكنني المجيء في أي يوم تنتهين فيه" نظرت نحوي وقد رفعت حاجبًا "يوم! عزيزتي، أحتاج لبعض الساعات فحسب" واو فقط!

"يمكننا الذهاب إلى السيد جولدامون إلى أن تنتهي منه" عرض هارليك لأومئ موافقة. "حسنًا، سأكون هنا بعد ساعات" أشارت بيدها كموافقة قبل أن أودعها وأخرج.

"كان هذا مملًا" قال هارليك ليحرك يوجين رأسه كموافقة "لقد استمتعت!" أقررت بابتسامة لينظر كلاهما نحوي "لأنكِ لستِ الشخص الذي ألصق مؤخرته بالكرسي طيلة الوقت" قال كلاهما في الوقت ذاته لأتوقف وأنظر نحوهما بصدمة "هذا مخيف! لقد قلتما الجملة في ذات الوقت" اتسعت ابتسامة هارليك وقال "حتى يوجين يتفق معي!" حرك يوجين رأسه مجددًا وقال "إنه فتى ذكي يعرف متى يتذمر".

"توقفا عن الاتفاق ضدي واللعنة!" ضحك كلاهما مما زاد اندهاشي كيف سيصبح الأمر إن تمكن هارليك من رؤية يوجين إذًا؟

وصلنا إلى ورشة السيد جولدامون ليفسح لنا الفتى المسئول عن البيع مجالًا للدخول إلى الداخل؛ فقد اعتاد وجودنا في الأيام السابقة.

"ظننتكِ لن تأتي" استقبلنا صوته الرخيم ما إن دخلنا لأبتسم وألقي التحية "أعتذر، كنت أنهي بعض الأشياء فحسب" أومأ بتفهم وقال "إذًا... قلتِ أنكِ أخيرًا سوف تطلعيني على ما كنتِ ترسمين" اتسعت ابتسامتي ورفعت لفافة الورق أمام وجهه وقلت "ها هي ذا، ألقِ نظرة واسألني ما تريد" رفع حاجبًا لنبرتي المستمتعة قبل أن يتناول اللفافة ويجلس فوق كرسي من الحديد ويفتحها.

راقبت رد فعله وملامح وجهه بتوتر كما فعل كل من هارليك ويوجين، لمَ يوجين متوتر بحق الله؟

رفع رأسه عن ورقة التصميم نحوي بنظرة جامدة قبل أن يعيدها مجددًا للورقة بصمت مما زاد توتري وجعلني أنقل وزني من قدم لأخرى بينما أمسح كف يدي مرارًا في ردائي حتى لا يتعرق.

"أنا لم أرَ شيئا مماثلًا من قبل" نطق أخيرًا ولكنه بدا وكأنه يحادث نفسه "من أين استوحيتِ هذا التصميم؟" عضضت على شفتي وقلت "لقد وعدتني ألا تسأل" ارتفع حاجباه للحظة وكأنه استنكر ردي لكن ارتخت ملامحه وقال "أنتِ محقة، هذا كان اتفاقنا بالفعل" اومأت بتردد ليتنهد وينهض من مكانه ويأخذ خطوة نحو الطاولة ويضع الورقة فوقها.

"على الأقل ستخبرينني كيف يعمل؟" حركت رأسي كموافقة وقلت "اسمه مسدس، عيار 9 ملم، سعة الخزينة 15 طلقة، أما الطلقات فهي هذا الشكل الأسطواني، له أحجام مختلفة حسب نوع السلاح غالبًا... كما ترى، تنقسم الرصاصة إلى المقذوف وهو رأس الرصاصة المدبب والمظروف هو القسم الذي يحتوي على البارود والصاعق، مقاس الرصاصة يسمى بالعيار والعيار يقاس بالمليمتر".

بدا منتبهًا بشكل كبير إلى ما أقول، وفي الواقع نصف ما قلته ليس من خبرتي الشخصية بل من يوجين الذي ظل يعيد كل مرة شرح المسدس وكأنه يتفاخر بذلك.

حاولت شرح أجزاءه وكلما أخطأت ونبهني يوجين أرمقه بنظرة متشككة، وعندما انتهيت بدا لأول مرة الانبهار على وجه جولدامون الذي نادرا ما قد ترى أي تأثر على وجهه، بدا وكأنه يمنع أسألته بصعوبة بسبب الوعد الذي قطعه، ثم بدأ على الفور في محاولة صنع المسدس.

راقبته من بعيد كالعادة وهو يزاول عمله، أخذ الأمر منه عدة محاولات أغلبها كان يبوء بالفشل لكنه لم يتوقف وظل يعمل ويعيد صنع السلاح. بعد ساعات طويلة كانت الشمس قد غربت وأدركت أن الوقت قد تأخر وعندما هممت بالوقوف لإخباره بأنه يمكنه المحاولة غدًا، رأيت ابتسامة تلوح على وجهه.

"لقد انتهى" اتسعت عيني ونظرت للاثنين معي، هارليك قفز بحماس بعد أن كاد يغفو ويوجين تنهد براحة. أخرج أخيرًا قالب المسدس بعد تبريده ووضعه فوق الطاولة، اقتربت منه أنظر نحو المسدس باندهاش.

 لقد صنعنا مسدسا حقيقيا!

وضع جولدامون علبة معدنية مليئة بالرصاص، مئة رصاصة إن كنا دقيقين. "جربيه" نظرت لجولدامون الذي أشار نحوه قبل أن أحول عيني للمسدس "حاولي التصويب على شيء ما" أردف لأمسك بالمسدس بتوتر وأنظر نحو يوجين الذي أومأ نحوي.

أخذت نفسًا وأمسكت الرصاص وحشوت المسدس "جربي إصابة الدرع المعلق هناك، عليكِ تركيز ذراعكِ والثبات لأنه سيندفع للخلف، لن تتمكني من إصابة الهدف من المرة الأولى ولا تفزعي من صوت الر..." قاطعت تعليمات يوجين بإطلاق ثلاث طلقات متتابعة صدح صوتهم في المكان.

"ما اللعنة؟" تمتم يوجين وهو ينظر لمركز الدرع الذي أصبته ثلاث مرات متتالية من المرة الأولى بينما صاح هارليك مصفقًا بحماس كبير "أنا معجب بهذا الشيء!" أقر جولدامون لأومئ بابتسامة.

"كـ… كيف تمكنتِ بحق الله أن...؟" حاربت الابتسامة الفخورة ونظرت نحو هارليك قائلة "تدربت على التصويب في صغري" رغم أنه لم يسألني لكن عينيه اتسعت بإعجاب.

"لمَ بحق الله قد تدربين على التصويب بسلاح في سـ... لحظة، تعرفين كيفية التصويب وكنتِ تتركين دمية باربي تلك تتنمر عليك؟ من أنتِ بحق الله؟" حاربت رغبة الانفجار ضحكًا وأعدت المسدس مكانه قبل أن أنظر للسيد جولدامون "أنا شاكرة لمجهودك، سيد جولدامون. لا أعرف كيف أشكرك حقًا، لا علم لي بأسعار شراء السـ..." قاطعني بضحكة قبل أن يربت على كتفي ويقول "أنتِ من طرف واندر وهذا يكفيني" حاربت وضع ابتسامة خبيثة على وجهي وأومأت بامتنان.

وضع المسدس والرصاص داخل صندوق من الخشب المزخرف العتيق وأغلقه وأعطاه لي "كما أقول دائمًا لزبائني، آنسة جلنار؛ استعمليه بحكمة".

"أنت أكثر صانعي الأسلحة مهارة، سيد جولدامون، أنا مدينة لك" ورغم كوني لا أفيد في شيء حتى أرد الدين لكنه اومأ برضى وودعنا وحرص على إظهار رغبته في استضافتنا مجددًا و… إرسال السلام إلى واندر بالطبع.

عندما خرجت من الورشة وأنا أحمل الصندوق كانت ابتسامتي على اتساعها، ظننت أن أغلبية السكان سيكونون قد عادوا لمنازلهم وسيكون السوق شبه فارغ ولكن على العكس، يبدو أن هؤلاء القوم لا ينامون!

"هل لي أن أعرف الآن لمَ أنتِ متمكنة من استخدام السلاح لهذا الحد؟" دحرجت عيني ونظرت نحو يوجين وقلت "كان والدي يحرص على تدريب لوش وتدريبي عندما كنا صغار، هل ارتحت الآن؟" رفع حاجب وقال "لمَ قد يدرب أب أطفاله على التصويب؟" كدت أقول ما شأنك؟ ولكن صوت مونيكا الذي صاح يناديني منعني من الرد عليه.

اتجهت نحوها بسرعة لتسحب ذراعي كما هي عادتها "يجب عليكِ تجربته، لن تعودي للمنزل اليوم دون أن أراكِ ترتدينه!" صاحت بحماس وهي تتجه نحو أحد الرفوف وتسحب الملابس المطوية من عليه، وضعت الصندوق الخشبي بين يدي هارليك قبل أن آخذ القميص والسروال من بين يديها "أنهيته بسرعة!" ضحكتها الصاخبة جاءت كإجابة قبل أن تقول "لا أبالغ لكني محترفة، عزيزتي".

ذهبت لغرفة بداخلها مرآة وأغلقتها بستارة من الحرير، نزعت ردائي وارتديت القميص والسروال، كانا مناسبين جدًا علي مما أسعدني، وضعت القميص داخل السروال ورفعت الأكمام للمرفق قبل أن أخرج.

صرخت مونيكا بإعجاب وهي تنظر لما صنعت بينما تمسك يدي وتلف جسدي لتأخذ نظرة أفضل "إلهي، إنه رائع!" قهقهت وقلت "شكرًا لك، إنه جميل، لقد أعجبني. تعلمين؟ أظن أنكِ ستجيدين صنع السترات الجلدية والثقيلة" اتسعت عيناها وقالت "أهناك المزيد؟" أومأت برأسي لتصفق بحماس وتقول "إذًا سأنتظركِ في أي وقت، مهما كنتِ مشغولة عليكِ تفريغ وقت ما والمجيء، سأصنع المزيد من أجلك، كما أنه مجاني من أجل واندر ومن أجل ترويجك لي" كانت تتحدث بسرعة وبحماس كبير مما أسعدني.

يبدو أنني سأظل أحصل على الأشياء المجانية بفضل واندر.

"تبدين رائعة! أيرتدي البشر عادة ملابس كهذه؟" اومأت برأسي لهارليك الذي همس بجواري "أُفضل هذه الملابس" قال لأقهقه وأردف "مع ذلك لن أتخلى عن فساتين واندر، إنها مريحة نوعًا ما أيضًا".

"لا تنتظري مني مديحًا، إنها ملابس عادية اعتدت رؤيتها على الفتيات من قبل" نظرت نحو يوجين بحاجب مرفوع ليرفع كتفيه بلا مبالاة.

تحرك ثلاثتنا عودة للمنزل ولم تفتني تلك النظرات الفضولية التي ترمقني، حاولت تجاهل التوتر؛ فقد ظننت أن الأمر سيكون عاديا ولن أهتم لكن القول أسهل من الفعل، حقًا لست معتادة حتى الآن على تحديق الجميع.

زفرت براحة عندما أصبحنا داخل أحد الأنفاق التي توصل إلى المنزل واستطعت أخذ أنفاسي "النظرات لا تقتل صدقيني" نظرت نحو يوجين بغيظ ليصيح "ماذا! لم أقل شيئا خاطئا، بدوتِ كبطة تحتضر هناك، لن يقتلكِ أحدهم إذا نظر نحوكِ ولن تكوني ترويج جيد لمونيكا إن ظللتِ تسيرين بظهر منكمش" التفت نحوه بكامل جسدي "كلام رائع من شخص لا يمكن لأحد رؤيته".

اتسعت عيناه لكني تجاهلته وأكملت طريقي "لاحظي أن حديثكِ جارح، عليكِ مراعاة هذا الشبح قليلًا" دحرجت عيني وقلت "وكأني أهتم" عبر يوجين فجأة من خلال جسدي وتوقف أمامي "أنتِ بالفعل تهتمين".

"لا تعبر من خلالي مجددًا" قلت ثم تجاهلته وعبرت من خلاله "عليكِ ألّا تقولي الشيء وتفعلي عكسه" صاح لأصيح به "أن اعبر خلالك مختلف عن أن تعبر خلالي!" ضحك بسخرية وجادل "أجل، وكأنها تفرق، أهذا لغز لغوي؟".

"الإرادة في الفعل تفرق، كما… لمن أشرح بحق الله؟" نفثت بغيظ والتفت ناحية الباب لتقع عيني على هارليك الذي ينظر نحوي بتجمد "ماذا؟" ابتلع وقال "أعلم أن هناك جدال بينكِ وبين يوجين، ولكن حاولي ألّا تفعليها أمام أحد" نظرت نحوه بتعجب ليقول بسرعة "تبدين كالمجنونة".

فتح الباب وركض للداخل لتتسع عيني وما زالت مثبتة ناحية المكان الذي كان يقف فيه بينما انفجر يوجين في الضحك.

"أيها الشقي، تعال إلى هنا!" صرخت وأنا أركض خلفه لتخرج صرخة فزعة منه عندما لمح جسدي خلفه، ركض إلى غرفة الجلوس لأحاول إمساكه، كيف يجرؤ؟

توقفت عندما لمحت جسده الذي تجمد مكانه، كدت أمسكه لكني تجمدت عندما وقعت عيني على من يقف أمامه.

"سيد أتريوس... آسف، لم أقصد الاصطدام بك" بدا مرتعبًا أكثر من خوفه مني، التفت أتريوس نحو هارليك ورمى نظرة نحوه قبل أن يتجاهله ويتعدى جسده. كاد يخرج لكنه توقف فجأة ونظر نحوي، عقد حاجبيه وهو يتفحصني من الأعلى للأسفل وعندما تلاقت عيني بخاصته نظرت بعيدًا بسرعة وتجاهلته وأنا أتخطى جسده.

هكذا كان الوضع لأيام، كنت أتجاهله وهو بدا... كما هو، الشخص الحقير ذاته الذي يستمتع بتحطيم أعصاب الجميع، خاصة أغدراسيل.

"عدتِ أخيرًا!" صاحت واندر لأبتسم نحوها "كل من مونيكا والسيد جولدامون يرسلان السلام" قلت لتبتسم وتقول "يجب أن أزورهما هذا الأسبوع على الأقل، ثم مــ... ما الذي ترتدينه؟" صاحت بآخر كلمة لأنظر نحو ملابسي ثم نحوها وأقول "أعجبك؟" عقدت حاجبيها وقالت "جميل، لكن الفستان يبدو أجمل" دحرجت عيني دون رد ووضعت ابتسامة.

"أنا أعجبني وأعجبني كثيرًا" صَرَحَّ جوزفين الذي ربت على كتفي كترحيب وهو يضع شطيرة داخل فمه قبل أن يتفحصني بعينه بإعجاب "بالفعل يبدو مختلفَا وعجيبًا" وافقه أغدراسيل لأبتسم نحوهما بامتنان "لا أراه جيدًا كالفساتين على الفتيات" أدلى أوكتيفيان الذي كان مسترخيا على الأريكة من البداية برأيه.

"أنتم فقط معتادون على الزي التقليدي" قال جوزفين بسخرية لينظر أوكتيفيان نحوه بلا اهتمام "أرى أنه جذاب في الواقع، أليس كذلك زوندي؟" قال لافيان ليومئ زوندي بنعم ويقول "أعجبني السروال كثيرًا، ربما أطلب واحد".

"ستبدو سخيفًا" أجاب تينر جام ليصفع كتفه ويقول "لا أهتم".

"لكنه لا يعجبني"

"عديم النظر، إنه يناسبها تمامًا" 

"الفتيات أجمل بالفساتين"

"عفوًا! أرى تلك الفساتين سخيفة"

وهكذا خمس دقائق من النقاش الحاد حول ملابسي مما دفعني للانسحاب ببطء والصعود للأعلى دون الانخراط في جدالهم.

ظننت أن هذه الأمور تهم الفتيات فقط، تنهدت براحة عندما أصبحت وحيدة بعيدًا عن ضجة هذا اليوم "يبدون كمجموعة من العجائز" حسنًا، لا يمكنني أن أكون وحدي ويوجين يحوم حولي بالطبع.

"وسيلة جيدة لجذب الأنظار" وأتريوس بالطبع، كيف نسيته؟ التفت نحو السلم حيث يقف مكتفًا يده "ما الذي تحملينه؟".

ابتلعت وخبأت الصندوق خلف ظهري "هذا... ليس من شأنك" ارتفع حاجباه وأخذ خطوة للأسفل "ما الذي تخططين له؟".

"لا شيء! وهذا أيضًا ليس من شأنك"

خلال ثانية كان يقف أمامي وينظر بابتسامة مستمتعة "لمَ أنتِ منكمشة هكذا، ظننتكِ لا تكرهينني" دحرجت عيني وقلت "هناك فرق بين أكرهك ولا أحبك، في الواقع أنت لا تستحق التفكير حتى فيما أكنه لك، لا تشغل ثانية من حيز يومي لأفكر بك".

كاذبة، كان على عقلي الصراخ بالكلمة ما إن أغلقت فمي، عندما أخذ خطوة أخرى يكاد يلتصق بي ورأيت النية السيئة في عينه التفت مهرولة نحو غرفتي وأنا أصيح "عمت مساءً."

كان هذا وشيكًا…

كان اليوم متعبًا؛ لذلك لم يكن من الصعب النوم لكن كان الاستيقاظ أصعب؛ فقد ظلت واندر تتردد ما يفوق الثلاث مرات على غرفتي حتى استيقظت أخيرًا، كانت الضجة في الأسفل عالية مما أجبرني على الابتسام للشعور الذي أصبح معتادًا مع الوقت كل صباح هنا.

أخذت حمامًا سريعًا وارتديت قميص الليلة الماضية والسروال وجمعت شعري للأعلى بالكامل، استيقظ يوجين خلال تمشيطي لشعري وبدا في مزاج سيء هذا الصباح.

عقدت حاجبي باستغراب عندما هدأت أصواتهم فجأة، حاولت الإنصات بتركيز لكن كان الجميع صامتا مما أجبرني على التوجه للأسفل لرؤية ما الخطب، توقفت على السلالم عندما لمحت الجميع جالسون بصمت يتبادلون الأنظار فيما بينهم.

"ماذا هناك؟" رغم أن صوتي كان منخفضا إلا أنهم تمكنوا من سماعه.

التفت الجميع نحوي بشكل مريب قبل أن تتسع أعين بعضهم. "اذهبي" همس جوزفين وهو يحرك شفتيه ويشير للأعلى لأصعد مجددًا بينما يحرك كل من زوندي وتينر جام رأسه للجانبين كإشارة للرفض وحاول أغدراسيل كتم ضحكته وهو يخفي وجهه.

حرك لافيان يده بمعنى اذهبي للأعلى ولمحت هارليك الذي ينظر ناحية شيء ما بأعين متسعة بخوف وكل من أوكتيفيان وأتريوس يجلسان بهدوء، ورمياس يبتلع كثيرًا كـ... كثيرًا.

"ما خطبكم بحق الله؟" صحت بينما أهبط الدرجتين أمامي وأتجه نحوهم "أرجوكِ، اخرجي من هنا" توسل جوزفين لأنظر نحوه بحاجب مرفوع "إما أن تخبرني ماذا هنا أو سـ…".

"إذًا أنتِ هي تلك… البشرية"

التفت ناحية الصوت حيث كان هارليك ينظر بخوف، هيئة صغيرة قفزت من فوق الكرسي وقد أزاح الكتاب من أمام وجهه وتقدم نحوي لتتسع عيني بصدمة.

"إلهي، انظر إليك، أنتِ لطيف جدًا!"

صرخت وأنا أنخفض لطول ذلك الطفل ذي الشعر الأسود الناعم والكثيف والأعين العسلية الناعسة والوجنتين الممتلئتين.

هذا الطفل حقًا لطيف جدًا، أكاد أحتضنه حتى يختنق، حركت شعره وأنا أنظر نحوه بابتسامة كبيرة ولكني لاحظت ردود فعلهم الغريبة.

صفع جوزفين رأسه بينما أغمض رومياس عينيه وبدا البقية ينظرون بعيدًا وكأنهم لا يعرفونني، أما أتريوس فأقسم أنه كاد لوهلة أن يبصق المشروب الذي في فمه وينفجر ضحكًا ولكنه منع نفسه.

"من هذا الطفل؟" سؤال يوجين أجبرني على النظر نحوه مجددًا وأنا أتوقع ابتسامة أو شيء ما، لكن لم أتوقع تلك النظرات… المخيفة!

كان ينظر ببرود واشمئزاز لا يمتان بصلة لطفل! قبل أن يحرك يده ويمسك كم قميصي بأطراف أصابعه ويلقي بيدي بعيدًا عن رأسه "من سمح لكِ بلمسي أيتها البدائية؟" اتسعت عيني بصدمة لتلك النبرة الباردة "عــ… عفوًا!" قلت بدهشة ليرفع حاجبًا ويأخذ خطوة للخلف "منذ الآن من الأفضل أن تتركي مسافة بيننا، سميها مسافة الأمان حتى لا أصاب بعدوى الغباء".

عندما أدركت كم الإهانات التي خرجت من فم هذا الصبي خلال خمس ثوانٍ كان يوجين يموت من الضحك حرفيًا، نظرت حولي نحو الجميع بدهشة لكن لم ينظر أحدهم نحوي "يقولون أنكِ فتحتِ البوابة، أي نوع من الغش قد استعملتِ؟" نظرت نحو الصبي وقلت "من... كـ... لحظة، ما الذي يحدث؟" لم أدرك ما علي قوله، ما زلت تحت تأثير الصدمة في الواقع.

تنهد الصبي وتمتم "ماذا توقعت من آدمية؟ الغباء يجري مجرى الدم" نظرت نحوه بعدم تصديق، ما لعنته بحق الله؟ 

"بما أنني أرى تدنيا ملحوظا في سرعة الاستيعاب دعيني أحاول الشرح؛ لربما يتمكن عقلك الصغير من الاستيعاب، أنا سيد أرتيانو... لافيو أرتيانو دوني، الفارس الثالث، من العباقرة، بالطبع لقصر نظركم وعلمكم أيها البشر فمن المتوقع جهلك بشعبنا، أعني… هه، جهلك بجميع الشعوب في الواقع؛ لذلك لن أتعجب"

قضمت شفتي وقلت "عبقري! وتصدق تلك الأكاذيب؟" ارتفع أحد حاجبيه وقال "ذلك الغباء عن أنكم تملكون رؤوس كبيرة وما شبه؟ من التافه الذي سيصدق كلامًا مشابهًا، من يصدق هذا هو الشخص الذي لن يبذل جهدًا في التفكير وسيكرر ما يُكرر على أفواه الآخرين، البشر جنس عادي، لكن الفرق هو... أنهم يظنون أنهم الأذكى وهم الأغبى، من الأحمق الذي قد يحارب بني جنسه من أجل... لا شيء".

حسنًا، إنه يعرف عنا أكثر من أي شخص هنا، إنه يهين الجميع هنا في جملة واحدة، لمَ العبقري طفل صغير؟

"بلا ثرثرة لا طائل منها، كيف فتحتِ البوابة؟" أهذا ما يغيظه؟ البوابة؟ ظننته سيسعد لذلك " حللت الأحجية؟" قلت كنوع من الاستفهام ليصمت ويحدق نحوي ببرود "وأنا يجب أن أصدق؟" فغرت فاهي بدهشة "ماذا تريد مني أن أقول؟ ليست مشكلة إن لم تتمكن من فتحها، أعني… لقد كانت مكتوبة بلغة يستعملها البشر قديمًا، كما أن نصف الأحجية تعتمد على أساطير تداولها البشر ما كنت لتعرفها و..." صمت للنظرة الحارقة التي رمقني بها.

"لا يهم، أشعر بأن مستوى ذكائي يتدنى كلما تحدثت معكِ، سأكتشف الأمر بنفسي. حتى تموتي لا تحاولي مخاطبتي" ربما أخيرًا وجدنا شخصا يباري أتريوس في الحقارة… اللعنة، لا أصدق أنني أقول هذا عن طفل!

"بالمناسبة، عمري السنوي أكبر من مستوى غبائك والذي هو كبير جدًا، وعمري العقلي قد يتخطى حدود تفكيرك، لذلك إن خاطبتني كطفل مجددًا أنا مستعد لتسميم طعامك دون أن يكتشف أحد" اتسعت عيني مجددًا وصحت "ولكنك قلت للتو أنك ستفعل؟" دحرج عينيه وقال "كنت أضرب مثالًا، هناك مئات الطرق للتخلص منكِ".

"أتريوس أحدها"

نظرت ليوجين الذي انفجر ضحكا مجددًا وأصبح مزاجه معتدلًا، اللعنة عليك وعليه، أظنني أعرف أين سأستخدم المسدس أخيرًا.

عندما صعد للأعلى نظرت للبقية الذين تنهدوا في وقت واحد "ما خطبه بحق الله؟" صحت ليجذب جوزفين ذراعي ويجبرني على الجلوس بينه وبين تينر جام "كان علينا إخباركِ من البداية، إنه خطأنا" أومأ الجميع كمشاركة لنبرة الأسف.

"أرتيانو هو فارس العباقرة، في الواقع شعب العباقرة بالكامل مثله…" قاطعته وأنا أصيح "أطفال؟" حرك رأسه للجانبين وقال "ليسوا أطفالًا، فقط هيئتهم تبدو كذلك فهم لا يكبرون جسديًا، لكن عقليًا فأرتيانو أكبر منا جميعًا في الواقع، يمتلك كبرياء ونرجسية عالية ولأنك فتحتِ البوابة التي كان يراها تحديًا له فقد جرحتِ ذلك الكبرياء، حاولي ألّا تشتبكي معه حتى يتقبلكِ، ولا تنزعجي مما يقول، هو فقط…".

"هو فقط يقول الحقيقة" قاطعه أتريوس ضاحكًا بسخرية لأحاول تجاهله حتى لا يندلع شجار بينه وبين أغدراسيل الذي بدا كاتمًا لغيظه "ربما هي بالفعل تغش" تمتمته بصوت عالِ أفقدتني أعصابي لذلك التفت نحوه وصحت "لمَ لا تهتم بشؤونك؟" تظاهر بالتفكير قبل أن يقول "لأنه شيء عائد لي! أهتم بشؤوني أو بشؤونكِ، من يعلم ربما أنا مهتم بكِ!".

أخذت نفسًا لتهدئة نفسي "أتعلم؟ لن أقوم بالرد عليك، أنت لا تستحق" رفع حاجبيه وضم شفتيه وقال "لماذا؟ ظننتكِ قلتِ أنكِ لا تكرهينني!" اتسعت عيني وشعرت بأعين الجميع تتجه نحوي، أنا الآن أكرهك بكل تأكيد. 

"تذكرت أني مشغول اليوم، وداعًا، جلنار" لمَ!؟ لمَ يقوم بتخصيصي؟ لمَ يضعني داخل تلك المواقف المحرجة؟ رميت نحوه نظرات مغتاظة ليردها بابتسامة مستمتعة وهو يخرج.

"ما الذي يحد…" قاطعت تينر جام قائلة "ما الذي تظن أنه يحدث بحق الله؟ حقير يستمتع بإغاظتي وكأنها أصبحت عادة يومية، هذا ما يحدث!" لم أشعر بصوتي العالي سوى عندما لاحظت النظرة المندهشة على وجوههم وقد زم تينر جام شفتيه كعلامة على الصمت ومنع نفسه من إخراج أي كلمة أخرى.

"أسلوب رائع، غضب أكثر، أسئلة أقل" أرسلت نظرة 'اترك رأيك لنفسك' ليوجين ليدحرج عينيه… وأجل، أملك نظرة معناها اترك رأيك لنفسك ونظرة معناها اللعنة عليك وتبا لك وأنت أحمق كبير ونظرة سـ أشتمك بعد دقيقة.

"فقط تجاهليه كما يفعل الجميع" ربت لافيان على كتفي بتعاطف "لقد قطع رأسي سابقًا" التفت بسرعة لزوندي الذي قالها بهدوء وكأنه ليس بالشيء الكبير "الجميع معتاد عليه كشخص حقير" أقر جوزفين من بعدهم وظل هارليك فقط يراقب سير المحادثة مع رومياس وأوكتيفيان.

"أو ربما هو يحاول أن يبدو حقيرًا" تمتمت بين أنفاسي بحنق قبل أن أنفث.

.... 


تناولنا الإفطار جميعًا بعد هذه المشاحنة، رفض أرتيانو مشاركتنا لأنه لا يريد لعقله التأثر بنقص ذكائنا الحاد! وبدا الجميع على عجلة لإنهاء الفطور لذلك تعجبت منهم وسألت أغدراسيل "لمَ العجلة؟" ابتلع ما في فمه وألحقه بشربة ماء قبل أن ينظر نحوي ويقول "سنتجه اليوم للساحة الملكية؛ فكل واحد منا سيتدرب على قوته الخاصة كالهبات وأجنحتي ودرجة تحمل جسد زوندي وسرعة لافيان في صنع الأشياء وقدرة تحكم تينر جام".

 أردف تينر جام فورًا "أستطيع التحكم في ستة وعشرين مخلوق حي في الوقت نفسه وأسعى لزيادة العدد للثلاثين" ارتفع حاجباي بدهشة ليضع ابتسامة فخورة على وجهه، ربت زوندي على كتفه وقال "إنه رائع في هذا، المستوى الطبيعي لبني جنسه ثمانية عشر مخلوق، لكن تينر جام وصل للستة والعشرين" أطلقت واه معجبة لتتسع ابتسامته...

"ما أقصى عدد قد تصل له؟" حرك كتفيه كإشارة لجهله وقال "النسب تتفاوت، فهناك أشخاص تمكنوا من المائة وهناك من تجاوزوها بكثير. الملكة مذهلة، تستطيع التحكم بخمسين ألف وثلاثمائة مخلوق في الوقت ذاته" اتسعت عيني بصدمة ليومئ أغدراسيل مؤكدًا على كلامه.

"الملكة فلورفي الأولى من جيلها في قدرتها على التحكم، إنها فخرٌ لشعبها" قال أوكتيفيان ليبدو على تينر جام نظرة سعيدة ومتفاخرة بما يسمع.

أنهى الجميع طعامه وتحركوا ناحية القصر وأصر هارليك على مرافقتهم ليوافقوا على أن يبقى بعيدًا ويراقب من مسافة آمنة، رغم امتعاضه من هذه الشروط إلا أنه بدا سعيدًا لذهابه معهم، خرج الجميع من المكان وآخرهم كان رومياس الذي لم يبدُ وكأنه يتبعهم حتى!

خرجت خلفهم أنظر لظهورهم وهي تختفي واحد تلو الآخر لكن رومياس لم يرافقهم! كان يسير نحو الغابة في اتجاه معاكس "رومياس!" ناديت ليلتفت نحوي بسرعة كأنه لم يتوقع أن أناديه "ألن تذهب معهم؟" سألته لينظر بعيدًا ويعبث بشعره ويبعثره "لا، لا أظن ذلك!".

تعجبت من ذلك وتقدمت خطوتين نحوه وأنا أنظر لوجهه "ما الخطب؟ ألا يجب أن تتدربوا؟" تنهد وأزاح بوجهه بعيدًا وتمتم بشيء ما "أليس من المفترض أن تمرن ذئبك؟" التفت ناحيتي وارتفع حاجبيه وقال بتعجب "ذئبي!" أومأت باستغراب لرد فعله وقلت "ذلك الضخم ذو الفراء البيضاء، أظن أن عليك تمرينه" عقد حاجبيه قبل أن يعض على شفتيه وقال "ليست فكرة سديدة، إنه... ليس جيدًا على أي حال".

ورغم أني سمعت كلماته الأخيرة بصعوبة بسبب انخفاض صوته إلا أنني انفعلت قائلة "أتمزح؟ ليس جيدا؟ ذئبك كان أروع شيء رأيته في حياتي! تلك القفزة، وعندما وقفت... وقف أو وقف كلاكما أمامي في تلك المرة، أتعلم كم أنا منذهلة بلون فراءه المختلف عن لون شعرك وعينيه أيضًا، ذئبك حقًا رائع جدًا وبدا بهيئة قوية بالفعل كما أنت.. انظر لنفسك يا رجل، لا يمكنني المراهنة عمن قد يفوز في عراك بينك وبين أحد الفرسان، أنت شيء رائع في الفريق حقًا".

أخذت نفسًا عميقًا بعد الإدلاء بما أظن ونظرت نحوه أخيرًا بعد النظرات المبعثرة التي كنت أرميها في الأرجاء بحماسة، كان ينظر نحوي بأعين متسعة ووجه محمر بالكامل فاغرا فاهه ببلاهة.

"رومياس!" جفل عندما ناديته ليلتفت بعيدًا ويقول "توقفي عن المجاملة و..." قاطعته وأنا أقف أمامه مجددًا بنظرة جادة "أنا لا أجامل، هذا آخر ما قد أفعله، رومياس، لماذا قد أجامل فتى جعلني أظن أنه يكرهني؟" اتسعت عيناه ونظر نحوي بسرعة وأشار على نفسه صائحًا "أنا؟" أومأت بابتسامة وقلت "أردت التحدث معك دائمًا لكنك كنت تتفاداني؛ لذلك ظننت أنك تكرهني، وتعلم… ظننت أن تلك الأفكار عن البشر كانت تغزوا رأسك لذلك...".

حرك يديه بسرعة كعلامة على الرفض وقال "لا شيء من هذا حقيقي، أقسم بذلك، لقد كنت فقط... أعني أن تحدثي معك قد أتفوه فيه بالهراء وأشعرك بالملل كما… أنتِ بشرية! وجودك شيء مذهل و… ظننت أنه بين كل من يحيطون بك سأكون... مملًا" كان يرفع صوته تارة ويخفضه تارة وهو يعبث بقميصه مما ولد لدي رغبة في احتضانه... إنه لطيف.

تنهدت مبتسمة وقلت "إذًا كان سوء فهم من الطرفين، لنبدأ من جديد... أنا جلنار روسيل، الفارسة الثانية عشر" مددت ذراعي نحوه لينظر نحوها ثم نحوي بصدمة ولكن ما لبث حتى ارتسمت ابتسامة أراها للمرة الأولى على وجهه قبل أن يضع يده في يدي ويقول أخيرًا بصوت واضح "رومياس هيمساثور، الفارس السادس" اتسعت ابتسامتي وأنا أقول "إذًا صرنا أصدقاء؟" أومأ برأسه لأتنهد براحة، حسنت علاقتي بأحد الفرسان، نقطة لي!

"والآن دعنا نعود للموضوع الأهم… لمَ لا تتحول لمستذئب؟" انخفض كتفيه وقال "الموضوع معقد" قاطعته قائلة أخبرني تينر جام عن حالتك المميزة" ضحك ضحكة ساخرة وقال "مميزة! لا أظنه الوصف الصحيح، إنه فقط شيء سيء وليس مميزا" ارتفع حاجباي ونهرته قائلة "أتمزح؟ لديك ذئب منفصل عنك! عقلان وروحان في جسد واحد، إنه غير متعلق بك ولن يتأثر بمساوئك ولن تتأثر بمساوئه، ألا تظنان أنكما فريق معًا؟" بدا مستنكرًا لما قلت "فريق! إنه يكرهني وأنا أكرهه".

حسنًا، هذا معقد "لمَ؟" لم أجد شيئا آخر لقوله لكنه بدأ في السير وأجاب "إنه فقط… نرجسي يريد فعل كل شيء كما يحلو له وكأنني... وكأنني لست صاحب هذا الجسد، إنه عيب ما فقط و..." صمت قليلًا قبل أن يدحرج عينيه ويضع ابتسامة ساخرة "دعني أحزر، يتحدث معك؟" سألت ليومئ "لو أنني فقط مثل باقي أخوتي لكنت قــ...".

"لكنت مملًا!"

نظر نحوي بتعجب لأرفع كتفي وأقول "أعتذر إن رأيتها وقاحة ولكن إن كنت كأخوتك وكبقية مجموعتك سأراك مملًا، شيئا اعتياديا غير جذاب للنظر، لكن ما يحدث معك مختلف، فقط إن فهمت كيف تتكيف معه أظن أنك ستكون أقوى من في عشيرتك". 

الملامح على وجهه أخبرتني أنه لن يصدق ما أقول أو أن ما أتفوه به نكتة ما، لذلك توقفت ونظرت نحوه "سأجعلك أقوى من في مجموعتك رومياس، لا تتحداني!" رفع كتفه وقال "مستحيل… لا أعنى شيئا مسيئا بالطبع، لكن لا يمكن للصفحة السوداء أن تصبح بيضاء" رفعت حاجبًا وقلت "ضع طلاء أبيض على الصفحة السوداء وستصبح بيضاء، سأريك أنه بإمكانك أن تصبح أفضل".

"وكيف ستفعلين ذلك يا ذكية؟" صرخت بفزع عندما ظهر يوجين من خلفي مما أفزع رومياس "ماذا هناك؟" ابتلعت وهدأت نفسي "لا شيء، فقط حشرة" تبًا، ذهبت الثقة مجرى الرياح.

همست ليوجين بأكرهك وتحركت ناحية المنزل.

تبعني بخطوات سريعة وهو يصيح "حقًا جلنار، كيف ستتمكنين من مساعدته؟" صعدت للطابق الثالث وفتحت باب المكتبة "كاليسيو" صحت باسمه ما إن دخلت أبحث عنه بعيني "أمركِ، أنستي" جفلت لصوته القريب خلفي، التفت لأراه واقفًا هناك وإحدى كفيه فوق الأخرى بنظرة هادئة "أحتاج جميع الكتب التي تتحدث عن المستذئبين، الأشياء المميزة أو الغريبة، أساطيرهم، كل شيء غريب عنهم" أومأ بابتسامة هادئة وحرك يده حركة سلسلة لتتحرك الكتب من أرجاء المكتبة حولنا.

كان هناك الكثير، حتى أنني لم أستطيع أن أحصيها، بدأ كاليسيو يجول حولها ينظر لكتاب تلو الآخر وأحيانًا يحرك يده لأحد الكتب فيطفو عائدًا لمكانه، أنهى اختياراته قبل أن يصفق لتقع فوق الطاولة ما يفوق العشرين كتابا وقال بابتسامة "بالتوفيق". 

أجل، بالتوفيق!

المشكلة أن التوفيق لم يكن حليفي، لأنه لمدة يومين لم أبرح مكاني ولم أحرك مؤخرتي عن الكرسي، ولكن… لا فائدة، لا شيء يتحدث عن حالة شبيهة برومياس. قرأت كل حرف وكل كلمة وأعدت قراءة بعض الكتب ووسعت مجال بحثي لكن ما وجدته كان لا شيء.

طيلة اليومين كان يوجين يطفو حولي، ينام أحيانًا، يسخر أحيانًا، ويتململ أحيانًا، ويظل يحاول أن يزعج كاليسيو الذي لم يبدُ كشخص مهتم، فقط كلما اقترب منه يوجين وشعر هو بهالته ألقى تحية لبقة وأكمل عمله في تنظيم الكتب وتنظيفها من الأتربة الذهبية.

هارليك كان ساخطًا ليومين أيضًا لأنه كما يقول بدا 'كزينة عيد اللوقير' عندما ذهب مع الفرسان حيث أنه لا يوجد تدريب واحد يشمله، حاول البحث عن شيء ما ليساعده لكنه لم يجد.

وسعت دائرة بحثي بشكل مخيف؛ فأصبحت الكتب متكومة في كل مكان وظنت واندر أنني ربما أفقد عقلي، ومع بداية اليوم الثالث كنت قد أنهيت تقريبًا أكثر من نصف الكتب التي تتحدث عن المستذئبين دون فائدة تذكر.

أغلقت الكتاب بقوة وألقيته على الطاولة بسخط وصرخت بإحباط. لا شيء، كل ما أجده هو لا شيء عن حالة رومياس "هذا هراء" تمتمت قبل أن يعلو صوتي وأنا أركل الرفوف والمقاعد والطاولات "مكتبة لعينة! أي علم؟ لا شيء هنا سوى الترهات" و… أجل، فقدت أعصابي نوعًا ما وظل يوجين يراقب بملل ينتظر نوبة الغضب أن تنتهي.

وعندما هدأت كنت آخذ أنفاسي بصعوبة "لمَ لا تستسلمي فحسب؟ ما المهم على أي حال؟ رومياس لا يهتم" نظرت نحو يوجين "إنه يهم، يوجين! هو يظن أنه عيب ما، إنه شيء بشع، أن يظن شخص أن وجوده مجرد عيب ما أو خطأ شيء قبيح، أنه مميز ولا يدرك ذلك، علي مساعدته ليدرك" رفع كتفيه وقال "يكفيكِ شرف المحاولة" هززت رأسي للجانبين وأسندت ظهري على أحد الرفوف "المحاولة لا تكفي، أريد أن أعرف، أريد أن أساعد، يوجين، لأن هذه هي ميزتي الوحيدة، البحث والتقصي، ولكن حتى هذه لم أستطع المساعدة بها".

"أحقًا تريدين المعرفة؟"

التفت كلانا نحو كاليسيو ذي الملامح والابتسامة الهادئة المعتادة، تحرك ناحية جموع الكتب المجتمعة فوق بعضها وتمتم "سآخذ وقتا لإعادتهم".

"ماذا قلت للتو؟" التفت حول الطاولة متجاهلًا سؤالي وتمتم مجددًا "لم أرَ شخصا يقرأ هذه الكمية سوى قليلين" عقدت حاجباي وصحت "كاليسيو!" التفت نحوي بابتسامته الهادئة ولكن نظرة عينيه تغيرت لواحدة باردة وأكثر جمودا.

"أحقًا تريدين المعرفة؟"

طرفت أكثر من مرة ولسبب ما شعرت بقلبي ينبض بقوة داخل صدري "لست مطمئنا لهذا" تمتم يوجين ولكني نظرت لكاليسيو بثقة وأجبت.

"نعم، أريد المعرفة، أريد معرفة كل شيء"

"قال آخرون هذه الجملة ثم لاموني على ما اختاروه"

"لن ألومك على شيء كاليسيو أنا مستعدة لتحمل تبعات ما سأعرف"

"ماذا إن كانت المعرفة مختلفة عما تعتقدين؟ تمزق أفكارك ومعتقداتكِ؟"

"لا أهتم"

"الحقيقة مؤلمة وأخطاء الماضي سيئة، جلنار"

"ألم يكتب على اللوح أن الأخطاء خير معلم؟ لم يُكتب الماضي سوى لبناء المستقبل"

صمت جال لبرهة وهو يرمقني ببرود وأعين أصابتني بالقشعريرة، لكني ثبت على موقفي ذاك حتى ارتسمت ابتسامة غامضة على شفتيه وقال:

"أهلًا بك في مكتبة المعرفة إذًا"

عقدت حاجبي باستغراب لكني هلعت عندما رأيت عينيه تتحول بشكل كامل للون الأصفر قبل أن يبسط ذراعيه وينطق كلماته بصوت عالٍ.

"لافيو دي مارينا، ابيجينو سيس فوري لا كابا إريان هوكتوم 

ديمي غالتو... فرومي غالتو… إسكاراريوس ميكا ديمي"

أعادها مرارًا وتكرارًا وفي كل مرة كان صوته يعلو، ومع علو صوته كان المكان يهتز بقوة مفزعة والكتب من حولنا أصبحت تطفو وصفحاتها تنقلب بصورة جنونية، الكثير من الصفحات الممزقة تلتف حولنا وكأنها إعصار ما حتى أصبحت لا أرى معالم المكتبة لكثرة الكتب التي تدور حولنا.

هدأ صوت كاليسيو ومع هدوء صوته كانت حركة الكتب والصفحات تهدأ حتى بدأت تتلاشى كالرماد كاشفة خلفها عن مكان آخر، هذه ليست المكتبة التي آلفها! ما هذا المكان؟

بلا نهاية! ربما هذه الفكرة الأولى التي طرأت داخل رأسي ما إن نظرت حولي، بدا مكانًا بلا نهاية، لا جدران أو أسقف له، حجرة بلا نهاية!

أرضيتها بيضاء مزخرفة باللون الأسود والذهبي، إضاءة المكان صفراء خافتة لا أعلم مصدرها والأهم من كل هذا…

هناك آلاف الكتب التي تطفو بهدوء وبشكل مبعثر في الفضاء، جميعها مغلقة بسلاسل من حديد تلتف حولها وكلها تبدو كتب أثرية لضخامة غلافها الشبيه بكتاب مماليك التوبازيوس الذي أملكه، لمحت يوجين الذي يقف مذهولًا وهو ينظر حوله بصدمة.

"يسعدني رؤيتك أخيرًا، سيد يوجين" التفت بتفاجؤ ناحية كاليسيو تزامنًا مع التفات يوجين، كان ينظر نحوه بشكل طبيعي.

"هل تراه؟"

"هل تراني؟"

قلنا في الوقت ذاته ليبتسم ويومئ "المعرفة تعطي كل شيء شكله الحقيقي وقد انصفت السيد يوجين وأعطته شكلًا مرئيًا كما كان، أما بالنسبة لكِ، أنستي…" نظر نحو جبهتي قبل أن يبتسم "فيمكنني رؤية من تكونين أخيرًا" عقدت حاجبَي باستغراب "من أكون!؟".

"حقيقتكِ وحقيقة وجودكِ، من أنتِ ومن تكونين وكيف كنتِ، أنستي" حاولت تمالك نفسي وقلت "هذا لا يعتبر جوابًا" صدح صدى صوتي في المكان لكنه أجاب بهدوء "أحيانًا تكون الإجابة أمامنا لكننا نأخذ أبعد الطرق إليها، كيف سترين من أنتِ وما زلتِ تنكرين ذاتك؟ من يقول أنه قوي فسيرى صورته قوية ومن يقول أنه ضعيف سيرى صورته ضعيفة، والحقيقة لا يراها سوى الغريب، ألم تجربي أن تكوني كالغريبة عن نفسك وتنصفيها قليلًا؟".

التفت يوجين ناحيتي وابتسم وكأنه فهم مقصده "توقفوا عن التصرف بغموض" لم أحصل على رد لكنه أخذ خطواته ببطء حول المكان وهو ينظر للكتب وكأنه يطمئن عليها.

"ما هذا المكان على الأقل؟" دون أن ينظر نحوي أجاب "حيث ستجدين المعرفة التي تستحقين أن تعرفيها، أظننتِ حقًا أن بوابة العلم كانت تحرس حجرة عادية مليئة بالكتب الذي قد يتقبل محتواها أي كائن ما كان!".

"لمَ هي مغلقة، أهي محرمة؟"

"لا يوجد علم محرم، أنستي، هناك علم إن وضع في غير موضعه أصبح جهلًا"

إنه لا يتوقف عن التحدث بغموض "ولمَ أنا هنا إذًا؟ ألا تخشى أن أكون الموضع الخطر؟" حرك رأسه بهدوء وقال "لم أوضع لحراسة هذه الكتب عبثًا، أنستي، ربما ما زال أمامكِ الكثير من الوقت حتى تتمكني من قراءة عشرة كتب فقط من هنا ولكن أنتِ تتقدمين؛ وإلا ما سمحت المكتبة بضيافتكِ".

توقف لبرهة وهو ما زال يتفحص الكتب ثم أردف "عندما أنظر إليكِ فأنا لا أرى شعلة من الفضول فحسب، أرى شخصًا لا يتردد في دفع الآخرين للتقدم، أرى شعلة لعقل متحرر من قيود الأفكار والأنماط الدنيوية، ربما أنستي..." التفت نحوي مع نظرة أرسلها مباشرة لعيني.

"ربما أرى ثورة قادمة"

ورغم أنني شعرت برجفة تمر بجسدي لجدية الموقف إلا أنني قررت عدم الرد أو التعليق على ما قال وطلبت بهدوء "أهناك ما قد يساعدني حتى أساعد رومياس؟".

أخذ نفسًا عميقًا وهمهم "دعينا نرى..." حرك أصابعه بين الكتب واحدا تلو الآخر قبل أن يبتسم ابتسامة جانبية ويقول "وجدتك" نقر بإصبعه على أحد الكتب ليطفو بعيدًا عنه وتبدأ الكتب التي تطفو أمام كاليسيو تبتعد لليمين واليسار حتى توقفت حركتها السريعة وتحرك كتابا كان يطفو بعيدًا نحونا.

توقف أمام وجه كاليسيو الذي صفق ليتجه الكتاب نحوي وألتقطه بيدي "سندفال!" قرأت العنوان بتعجب ونظرت لكاليسيو "إنه مغلق بسلال أيمكنك فتحه؟" مال برأسه وقال "لمَ لا تطلبي منه أن يسمح لكِ بذلك!" هذا جنون! نظرت ناحية يوجين الذي رفع كتفيه بلا حيله.

تنهدت ونظرت للكاتب، لمست قفله بلطف وقلت "أتسمح لي بقراءتك؟" بدا الأمر هزليا نوعًا ما وكدت أضع ضحكة ساخرة، لكن السلاسل التي انفكت ووقعت أرضًا جعلت عيني تأخذ أكبر اتساعها "لقد فُتح!" نظرت لكاليسيو الذي أومأ وقال "الكتاب يرى أنكِ جديرة بعلمه".

نظرت نحو يوجين الذي قفز صارخًا "ماذا تنتظري؟" أعدت عيني لعنوان 'سندفال' قبل أن أقول "أيمكنني حقًا قراءة ما بين سطوره؟" ضحك كاليسيو بطريقة غريبة وقال "لمَ لا تشاهدي ما بين سطوره؟" عقدت حاجبَي بتعجب وقبل أن أنطق بكلمة أخرى كان الكتاب قد فُتح وحده وطفى أمام وجهي، صفحاته أخذت تتحرك وحدها وتبدأ الكلمات المطبوعة تتحرك وتطفو بعيدًا عن الصفحات قبل أن تحيط جسدي ويوجين وتلتفت حولنا مكونة ثقبا أسود تحرك أسفل أقدامنا ليقع كلانا داخله.

ألم ضرب مؤخرتي ما إن سقطت فوق أرضية رطبة جعلني أتأوه وأحسد يوجين على قدرة الطفو، مسحت على ظهري ونظرت حولي بحاجبين معقودين…

مساحة خضراء واسعة من الحشائش الرطبة وحسب، السماء كانت صافية فوق رؤوسنا والكتب وكاليسيو والمكتبة اختفت، فقط أنا ويوجين.

نظرت للمكان والصمت الذي رافقه صوت أوراق أشجار-لا أراها- تصطدم ببعضها بفعل النسيم جعلني أشعر بالريبة مع بعض الارتياح للمكان المهدئ نسبيًا.

"أين نحن بحق الله؟" تمتم يوجين وهو ينظر حوله لأرفع كتفي بمعني 'لا أعلم'. كاد يوجين أن يتحدث لكني أشرت له ليصمت وأنصت السمع جيدًا، هناك صوت ما قادم من مكان بعيد.

عقدت حاجبي ونظرت ليوجين ليومئ نحوي وكأنه سمع ما أسمع. حاولت رؤية مصدر الصوت وأنا أنظر حولي ولم أبحث طويلًا، لأنه في الأفق كانت هناك مجموعة تقترب شيئا فشيئا نحونا، بل وكلما تقدمت كلما زادت سرعتها. اتسعت عيني بينما لمحت ما القادم ناحيتنا، أردت الركض بعيدًا لكنهم كانوا أسرع من ذلك. آخر ما سمعته هو صراخ يوجين بـ "هجوم ثيران غاضبة" قبل أن أجثو على الأرض مغمضة عيني بقوة وأحمي رأسي بيدي.

أصبح صوت الأرجل التي تحفر في الأرضية قويًا لدرجة أنه كان بقرب أذني تمامًا لكن لم يصطدم شيء بي، وعندما ابتعدت أصوات الأقدام قليلًا فتحت عيني ونظرت حولي بدهشة قبل أن ألتفت للخلف حيث توقفت مجموعة كبيرة من المستذئبين المتحولين.

لم يرني أحد! ولم يدهسني أحد! وكأنني... خفية!

نظرت ليوجين الذي نظر نحوي بذهول، نهضت وتحركت اتجاههم بحذر "مرحبًا" صحت وأنا أقف أمامهم لكن لم يلتفت أحدهم لي أو حتى يحرك عينه نحوي، سار أحدهم ومر من خلال جسدي بإرياحية لتتسع عيني بفزع.

"إنها عدالة السماء، لم أعد الخفي الوحيد!"

صرخ يوجين وهو يقفز في كل مكان قبل أن يقف أمامي ويفرد ذراعيه بحركة مسرحية ويقول بصوت حاول تضخيمه "أهلًا بكِ بين نادي المخفيين" دحرجت عيني ونهرته "حقًا! أهذا كل ما تفكر به في موقف مماثل؟" هز رأسه بقوة وقال "لا أستطيع التفكير في أمر سوى هذا في الواقع" تنهدت بأسى ونظرت نحو مجموعة المستذئبين تلك.

"نحن داخل الكتاب!" قلتها باستفهام ليضع يده داخل جيبه ويقول "هذا ما يبدو" هذا مخيف نوعًا ما!

تحركت تلك المجموعة فجأة لأنظر ليوجين وأشير له برأسي لنتبعهم، تحركنا خلفهم لمدة لا تزيد عن خمس دقائق حتى توقفوا أمام مجموعة من الأشجار، وحينها بدأ كل واحد يعود لشكله الأصلي وأسرع يخطو بين الأشجار الكثيفة، بعد دقيقة خرجت المجموعة ذاتها ولكن بأشكال آدمية.

أربعة شباب لا يرتدون سوى سراويلهم وستة شابات بفساتين بسيطة وقصيرة حتى منتصف الساق مكونة من قطعة واحدة "هل علينا العودة؟ تكاد الشمس تغرب!" قالت إحداهن ليهمهم الأغلب كموافقة "رغم أنني أظن أن الوقت ما زال مبكرًا ولكن..." قالوا جميعًا في نفس واحد متذمر "أوامر الألفا سمعًا وطاعة".

قهقه أغلبهم بعد نهاية الجملة بينما بدا على اثنين أو ثلاثة منهم التضايق لـ 'أوامر الألفا' على ما أظن، تحركوا بخطى سريعة لأتبعهم بجواري يوجين، كان من الرائع التحرك بينما لا يراك أحدهم في الواقع…

ظلت المجموعة تتبادل أحاديث سخيفة وكانت أغلب أحاديث الفتيان عن رفيقاتهن، أما الفتيات فاهتممن بالتحدث عن حال المجموعة الذي -كما فهمت من حديثهم- متدهور نوعًا ما بسبب هجمات من مجموعات متطرفة أو شيء مشابه.

"رفاق بما أننا سنذهب لمرج بلوف غدًا فسيتوجب علي إحضار سندفال معي" جذبت انتباهي إحدى الفتيات عندما ذكرت ذلك الاسم الذي كان عنوانا للكتاب "سندفال! بحق الله لمَ؟ هي فقط ستفسد الأمر" قال أحد الفتيان ليوافق الجميع، نفثت الأخرى بملل وقالت "ليس وكأني أريد إحضارها، لكن أبي وأمي يرغمانني على ذلك كونها 'شقيقتي الصغرى'. أتعلمون مقدار التأنيب الذي سأتلقاه اليوم بسببها لأنني لم أصحبها معي!؟".

ضحكت مجموعة منهم وظل واحد من الفتيان يستمع بهدوء دون إصدار أي رد فعل.

"أيتها المسكينة، عليكِ تحمل وجودها كفرد من العائلة، شقيقتكِ غريبة حقًا أنها تفسد مزاجي غالبًا حتى إن لم تفعل شيء." قالت إحداهن لتعض الأخرى على شفتيها بغيظ "ماذا علي أن أقول وأنا التي تعيش معها؟ على والدَي مراعاتها فقط لأنها الأضعف، أحيانًا أظن أنها تمثل ليس إلا".

"تعلمين؟ عندما يخرج مستذئب سندفال فهو يخيفني يا رجل بفرائه الصهباء وعينيه النارية تلك، تشعرين وكأنه هجين ما أو به عيب خلقي" قال أحد الفتيان ليضع آخر يده حول رقبته وجذبه نحوه قائلًا "ما هو شعورها بينما ذئبها ذكر؟ هل ستتمكن من التزاوج من النوعين؟".

ضحك الجميع تقريبًا عدا ذلك الفتى فارع الطول الذي تقدمهم في خطواته متجاهلًا حديثهم "سالفيان، ما خطب مزاجك؟" صاح أحدهم ضاحكًا ليتوقف دون أن يلتفت لهم ويقول بصوت ملأه الاشمئزاز "بل ما خطب حقارتكم أراها تزداد مع الأيام؟".

ومع ردود الفعل المصدومة تركهم وذهب ليسبقهم ربما! صفرت إحداهن ووضعت يدها حول عنق من فهمت أنها شقيقة سندفال الكبرى وقالت "يبدو أن سالفيان حلم سيتبخر من بين يديكِ جوريا، أراه هائمًا بشقيقتك" ومع اتساع الابتسامات الخبيثة كانت هناك نظرة كره قوية ترتسم داخل عين جوريا التي ألقت بيد الفتاة بعيدًا وأسرعت في خطواتها. 

"هذا أكثر جو مسموم رأيته في حياتي." قال يوجين لأومئ وأقول "لم أرَ مجموعة بهذه الحقارة من قبل". 

"أظن أن تنمر فريونكا كالنسيم" ضحكت لقوله وأنا أراقب المكان يتبدل من حولنا لمكان آخر والنهار انقلب لسماء مظلمة بينما هناك بركة صغيرة ينعكس عليها ضوء القمر.

لمحت جسدين يقفان هناك، حسنًا، إنهما لا يقفان فحسب، هذا مقرف... لمَ يجب أن أشاهد قبلة اثنين؟ "إيو" أصدر يوجين صوت اشمئزاز كدت أصدره أنا.

ظننت أنه أمر عادي، حبيبان يقبلان بعضهما تحت ضوء القمر، ولكني لم أتبين ملامحهما لأعرف حقيقة الأمر إلا عندما دفع الرجل الفتاة بعيدًا وكأنه أفاق من صدمة ما ومسح شفتيه بقوة وصرخ بها "أجننتِ جوريا؟" أوه، إنه سالفيان. حسنًا، هذه ليست قبلة حبيبان.

"أنت لم تنظر نحوي يومًا، سالفيان" صاحت به ليزفر ويمسح على وجهه "هل جننتِ؟ ماذا عن ريف؟ رفيقك جوريا، إنه صديقي! إنه أخي! أتظنينني حقيرًا لهذا الحد حتى أضع عيني على رفيقته؟" شهقت هي وكانت تحارب البكاء ورغم ذلك صرخت بقوة "لا تتحجج بريف! اللعنة، جميعنا نعلم أنك تحب سندفال، ما كنت لتنظر لي يومًا بسببها، ما المميز فيها؟ إنها عيب خَلقي! إنها مجنونة وغير سوية، لمَ هي؟ أنا أجمل وأقوى وأذكى وأفضل".

"وأحقر أيضًا" قالها من بين أسنانه وهو يرمقها باشمئزاز "توقفي عن مقارنة نفسك بشقيقتكِ في كل شيء وتوقفي عن الاستماع لهؤلاء الملاعين، لا يجب عليكِ أن تحصلي على كل شيء تريدينه" التفت ليذهب ولكنه توقف والتفت نصف التفاته "إما أن تخبري ريف بأنكِ لا تحبينه او أخبره أنا".

"لا تضع نفسك في موضع البريء، ماذا عندما تظهر رفيقتك؟ ماذا ستقول لها؟ أحب فتاة غريبة الأطوار، ماذا إن ظهر رفيق سندفال؟ ستقتله وتأخذها" وضع ابتسامة باردة وقال "حينها سأحترم قرار سيدة القمر أو أنفصل عن رفيقتي كما هي القواعد جوريا، ولكنني لن أخون".

عندما ذهب تحولت جوريا لأخرى مجنونة تلكم الأشجار وتصيح بها وتصرخ باسم شقيقتها تلعنها وتسبها بينما أنا ويوجين ننظر لبعضنا ثم لها حتى همس يوجين "بدأت أشك بأي مِن الشقيقتين غير سوية عقليًا!".

تغير المكان مجددًا لساحة منزل بسيط نوعًا ما بينما جوريا تتحرك بعصبية واضحة نحو باب المنزل "جوريا؟ أهذه أنتِ؟" صوت فتاة خرج من خلف شجرة ضخمة في باحة المنزل لتتوقف جوريا دون الالتفاف وتأخذ أنفاسا قوية محاربة غضبها.

كانت الفتاة الأخرى جميلة... بالفعل جميلة جدًا، شعرها الأسود كسواد السماء بلا قمر يصل حتى خصرها وهي تجمعه بإهمال للخلف، عينان ناعستان بلون أزرق مميز وبشرة حلبية مع بضع شامات توزعت على رقبتها وجانب فكها الأيمن، وغمازة حفرت بقوة في خدها الأيسر.

كانت مراهقة ربما في السادسة أو السابعة عشر، كانت مختلفة عن جوريا التي حملت شعرًا رماديًا مائل للأبيض وأعين بدرجة خضراء غامقة، عظمتي الخد بارزة في وجهها وكانت أطول من الأخرى بشكل ملحوظ وأكثر نضجًا جسديًا.

لم أجد أن هناك واحدة أجمل من الأخرى، في الواقع بدت الاثنتان مميزتين بشيء ما ومن الصعب المقارنة بينهما، لكن جوريا ربما تحمل فكرة مختلفة عن هذا الأمر.

"لمَ لم تخلدي للنوم؟" سألت بجفاف لتأخذ الأخرى خطوات ناحية شقيقتها وتقول "لا أعلم! لقد تشاجرت مع هرقل وأغضبني ذلك؛ لهذا خرجت لاستنشاق الهواء" التفتت جوريا ناحيتها بابتسامة ساخرة وقالت "هرقل؟ ألا يمكنكِ التوقف عن كونكِ غريبة أطوار؟ لا أحد يتشاجر مع ذئبته، سندفال. أتفعلين هذا لجذب الأنظار فحسب؟" طرفت سندفال بدهشة "جوريا، لمَ تقولين هذا؟ تعلمين أن هرقل ليس بأنثى وأنـ…".

"توقفي عن التحدث عن ذئبتك بهذه الطريقة وكأنكِ معجزة ما، أنت عيب وعليكِ الخجل من هذا سندفال، ألا تفهمين؟ الجميع يتصرف معكِ بمراعاة لأنهم يظنونكِ مجنونة، لكنني أعلم جيدًا أنكِ قد تقتلين نفسك لجذب الانتباه" قضمت الأخرى شفتيها وتقدمت قائلة "ليست مشكلتي أنكِ عدمية الثقة، جوريا. أنا لا أكذب ولا أريد انتباه أحدهم، هرقل هو ذكر، وهو مختلف عن أي ذئب، إنه غبي وعنيد ولا يستمع لما أقول، لذلك أنا أرهق عندما أتحول، أنا لا أمثل".

عندما اقتربت الاثنتان من بعضهما وهما يتبادلان نظرات مختلفة إحداهما احتقار والأخرى غضب سمعت صوت يوجين بجواري يصيح بصوت منخفض نسبيًا "شجار شجار شجار".

نظرت نحوه كـ 'حقًا!' ليرفع كتفيه ويقول "ماذا؟ لم أقدر على حبسها".

تبدل المكان من حولنا مجددًا وأصبحنا داخل المنزل، كانت امرأة في الأربعين -ربما- بملامح هادئة ونبرة دافئة تودع ابنتيها أمام الباب وكانت توجه الكثير من النصائح خاصة لسندفال، وأغلب النصائح تتمحور حول ألا تتحول.

بدت المرأة شبيهة بجوريا التي تقف متململة وتتأفف طيلة الوقت حتى سمحت لهم المرأة بالذهاب. سرنا خلفهما نراقب الوضع المشحون بين الأختين حتى لاحت المجموعة ذاتها من بعيد، ركضت جوريا نحوهم متجاهلة سندفال التي تمتمت بأنها تكره هذه المجموعة بشدة.

على عكس جوريا كانت سندفال تتعمد أن تسير ببطء وتضع مسافة آمنة بينها وبين المجموعة. "لم أظن أن غريبة الأطوار حقًا ستأتي، ظللت أدعو طيلة الليل ألا تفعل" قهقه الجميع لنكتة الفتى السخيفة ولكن سندفال التي سمعتهم لم تتلقى الأمر بصمت كما ظننت لأنها ردت ببرود "من الصعب أن يحقق الإله دعاء أشباه الكلاب المسعورة".

ظننت أن ردها سيصدمهم لكن يبدو أنهم معتادون على ردود كهذه لأن الضيق ظهر على وجوههم، خاصة جوريا التي التفتت ناحية سندفال وقالت بغضب "لمَ لا تتعاملي باحترام قليلًا مع صديقي، سندفال؟" رفعت الأخرى كتفيها وقالت "لست ملزمة باحترام كل أحمق تصادقيه".

سارعت بخطواتها تتخطى أجسادهم وتتقدمهم بينما تحرق ظهرها نظراتهم. "تلك القذرة" تمتم الفتى الذي بدأ الأمر وهو يأخذ خطوات سريعة نحوها؛ إلا أن ظهور سالفيان واقفًا أمامه بنظرات باردة جعله يعيد النظر ويعود خطوات للخلف.

كانت الرحلة للمرج متوترة نوعًا ما، خاصة بين سالفيان الذي ظل كالأحمق يحاول فتح موضوع مع سندفال التي ترد بإجابات مبهمة وجوريا ترمقهم بغيظ.

عندما وصل الجميع لم يترددوا في خلع ملابسهم والتحول والركض في الأرجاء، بينما ظلت سندفال تجلس وحدها بعيدًا تراقب الأفق دون أن تنتبه لهم.

"أتمانعين إن جلست هنا؟" بأعين رمادية راجية سأل سالفيان لتومئ برأسها، رفع شعره البني عن جبهته وقال "ألن تشاركيهم الركض؟" ابتسمت وقالت "هرقل يراه أمرًا سخيفًا" عقد سالفيان حاجبيه قبل أن يفهم مقصدها "ذئبك؟" أومأت بنعم ليعض على شفتيه ويحاول البحث عن شيء ما لقوله.

 "إنه يبدو كالأبله تمامًا" وافقت يوجين بإيماءة وأنا أراقبهم بتركيز.

"لست مجبرًا على البقاء بجواري، يمكنك الاستمتاع معهم" حرك رأسه للجانبين وقال "لقد قُلتِها، أنا لست مجبرا، أنا أجلس هنا بإرادتي، أنا فقط... فضولي حول… هرقل" عقدت حاجبيها والتفتت نحوه "فضولي؟" أومأ وقال "ألا تظنين أنه شيء رائع أن يكون لك ذئب منفصل؟" حينها صرخت أنا بانتصار وقلت "لقد قلت الشيء ذاته لرومياس!".

"لا أعلم حقًا، الأمر مؤلم ومزعج، إنه يستمد طاقته من حياتي مما يسبب نوبات الإغماء المستمرة وما إلى ذلك، لا أظنه مميزًا ولكنني لا أراه عيبًا خَلقيا أيضًا" ابتسم وقال "ألم تحاولي التحدث معه؟" ضحكت وقالت "ينتهي الأمر بشجار... هه، إنه يشتمك الآن" اتسعت أعين سالفيان قبل أن ينفجر ضحكا "أشعر بالإهانة" قال ممسكَا بصدره لتقهقه سندفال.

"لمَ لا تحاولي فهم ما يريد إذًا، ألستما كيانين منفصلين؟ ألا يشبه الأمر وكأنكِ تحاولين فهم صديقٍ منطوٍ؟" صمتت لوهلة وهي تحدق نحوه قبل أن ترفع كتفيها بهدوء دون رد.

لمحت من خلفي شيئا ما يقف دون حراك، كانت ذئبة رمادية بأعين خضراء غامقة تحدق بسالفيان وسندفال المنسجمين في الحديث قبل أن تنظر بعيدًا. ذئب آخر أومأ لها وركض بأقصى سرعته نحو سندفال، اتسعت عيني وأنا أستوعب ما سيحدث، وقبل أن أصرخ متناسية أنها لن تسمعني كان الذئب ذو الفراء البنية يقفز ناحيتها.

لم تجد فرصة لتركض حتى، ولكن سالفيان دفع جسدها بقوة مؤلمة ليصطدم الذئب به وتحفر مخالبه بصدر سالفيان تاركة أثرا مؤلما.

بدا أن المجموعة كلها تفاجأت لأن الذئب الدخيل لا يبدو من بينهم، فلا أحد تعرف عليه سوى ذئبة واحدة رايتها تشير له من ثوانٍ.

ظل سالفيان على الأرضية وهو يتأوه بألم وربما قد فقد وعيه، بينما ذلك المستذئب يكشر عن أنيابه... بدا ضخمًا مقارنة بالمجموعة كلها مما أثار ذعرهم، عندما ركض نحو سالفيان في نية لقتله تفاجئت بذئب ضخم الجثة يقفز عليه ويلقي بجسده بعيدًا.

ذئب بفراء صهباء كلون النار وأعين حمراء مذهلة وأنياب طويلة ولمعة شرسة داخل عينيه، وقف أمام جسد سالفيان وأخرج عويلا قويا ومخيفا أجبر الجميع على العودة خطوة للخلف، عندما حاول الذئب الغريب مهاجمته، ركض نحوه وغرز أنيابه بمعدة الآخر وألقاه بعيدًا.

وهنا أصبح صوت أجش بدا أن لا أحد سواي أنا ويوجين يسمعه، كان صوت الذئب هرقل الذي تذمر قائلًا "لمَ علي الدفاع عن محبوبك؟" ولصدمتي كان صوت سندفال مسموعًا من مكان ما "ألا يمكنك أن تكون مساعدًا لمرة واحدة؟ كما أنه صديق" تذمر الآخر قائلًا أنه يريد العودة للنوم ولكن سندفال كانت تجبره على البقاء "ألا يمكن أن ينتهي الأمر بنا لمرة دون أن أفقد الوعي، هرقل؟" صمت الآخر لتردف " أنت ذئبي شئت أم أبيت، وأنا جسدك الآدمي، عليك تقبلي يومًا ما".

نفث بانزعاج وقال "ربما فقط هذه المرة" وعندها قرر الذئب الغريب الهرب بعيدًا ولم يتجرأ أحد من المجموعة أن يلحق به، بل بدا الجميع مصدومًا نوعًا ما. التفت هرقل نحو ذئاب المجموعة ونظر نحوهم ببرود قبل أن يقترب نحو ذئب الفتى الذي سخر من سندفال سابقًا وحملق بوجهه وما إن أخرج حجرشة غاضبة ابتعد ذئب الفتى بسرعة عن الطريق.

"اهدأ يا رفيقي" صوت متألم صدر من خلف هرقل ليلتفت نصف التفاته لسالفيان الذي رفع يده كعلامة على عدم إضمار الشر، وممسكًا باليد الأخرى بصدره، خلع قميصه وأعطاه ببطء لهرقل وقال "تمزقت ملابس سندفال" نظر هرقل نحو القميص ثم للجرح البشع على صدر سالفيان قبل أن يلتفت متجاهلًا يده ويركض بعيدًا.

بدأ المكان يتبدل مجددًا من حولنا ولكن هذه المرة طال الأمر فنظرت حولي بتعجب قبل أن أشعر بالفراغ أسفل قدمي ليهوي جسدي للأسفل مع يوجين.

انتظرت ألما آخر لمؤخرتي ولكن هذه المرة وقعت فوق شيء طري وناعم، نظرت حولي حيث المكتبة التي أعرفها كما هي، المقاعد الحمراء والكتب المجتمعة في أكوام كما تركتها. سقط فوق حجري كتاب سندفال ويوجين يطفو بجواري.

"أتمنى أن رحلتكِ كانت ممتعة" صوت كاليسيو جذب انتباهي لأنظر نحوه بأعين متسعة "هذا كان…" صرخت بحماس "رائعًا!" ابتسم برضى وأومأ برأسه كـ عفوًا.

"لماذا خرجت الآن؟ أتتوقف القصة هنا؟" حرك رأسه وقال "ليس بعد، ولكن ألا تظنين أنكِ حصلتِ على الخطوة الأولى التي تحتاجين لها؟".

الخطوة الأولى؟ سندفال وهرقل توافقا لمرة عندما تحدثا، ربما على رومياس أن يحادث ذئبه دون شجار كما نصح سالفيان سندفال… اتسعت ابتسامتي وأنا أشكر كاليسيو وأعطيته الكتاب ولكنه حرك رأسه وأمرني بأن آخذه معي؛ فقد أحتاجه في وقت قريب.

ظل يوجين يثرثر عن مدى روعة ما حدث وكأنه يعيش أحداث رواية، خبأت الكتاب في غرفتي بجوار كتاب مماليك التوبازيوس وهبطت للطابق الأول وأنا أقفز الدرجات وأصرخ باسم رومياس.

"وجدت الطريقة… رومياس وجدت كيف ستفـ..." توقفت عن الصراخ وأنا أرى الفرسان جميعهم مجتمعين في غرفة الجلوس بلا استثناء، حتى أتريوس وأرتيانو.

ولأني كنت أصرخ كالمجنونة مقاطعة أجوائهم الهادئة نظر الجميع نحوي بلا استثناء وفي أعينهم نظرة لا تبشر بخير، ابتلعت وهبطت الدرجات المتبقية ونظرت لواندر التي تبتسم لي بتشجيع.

عندما تقدمت خطوتين لاحظت أشخاص لم أرهم من قبل هنا، كان هناك ثلاثة أشخاص بجوار باب المنزل يضعون قلنسوة على رؤوسهم لا تظهر منهم شيء، وعلى بار المطبخ جلس شخص مألوف هناك، إنه ذلك الملكي الذي درب الفرسان من قبل في الساحة، السيد هاميدال، وبجواره كانت هناك امرأة بشعر أصهب ناري مجعد يصل إلى نهاية ظهرها تجلس موجهة ظهرها نحوي وتسند رأسها فوق البار.

وبين كل هذا كان هناك شخص من الصعب تجاهله، من الصعب تجاهل هالة القوة التي تحوم حوله، تلك الهالة التي تضيف رهبة إلى نفوس الجميع.

كانت امرأة كبيرة في السن ربما تجاوزت السبعين من العمر أو الثمانين بمقياس السنين البشرية، ورغم أن التجاعيد غزت وجهها إلا أن نظرتها وجلستها المستقيمة أظهرت قوة لم أرها على شخص من قبل.

العينان الحازمتان اللتان لا تتزحزح، اليد الثابتة التي تمسك بعكاز من خشب ناعم، وردائها الأبيض التف حولها وأعطاها مظهرًا أكثر حزما، كانت الوحيدة الجالسة على كرسي في منتصف المكان والجميع يقف بهدوء…. حسنا، الجميع عدا أتريوس الذي يجلس فوق البار ويبدو وكأنه مجبر على البقاء.

"جلنار، أخيرًا ظهرتِ في الوقت المناسب. أيتها الحكيمة، هذه هي الفارسة الثانية عشر، جلنار روسيل" جميع الغرباء نظروا نحوي والفتاة التي تسند رأسها على البار نهضت فجأة وكأن كهرباء مستها.

ابتلعت ونظرت لواندر بمعنى 'ما اللعنة التي تحدث؟' "أهم هنا لأخذك للمقصلة؟ هذا ما يحدث في الأفلام غالبًا" أردت صفع يوجين حقًا في هذه اللحظة لتهدئة نفسي.

"أوه جلنار، هناك أيضًا الفارسة الثانية والتي كان الجميع يتحدث عنها، الساحرة أ..." قاطعتها الفتاة التي قفزت والتفتت نحوي صارخة "البشرية!".

استطعت رؤية وجهها أخيرًا، بشرة بيضاء ونمش خفيف موزع على وجنتيها وفوق أنفها مع شعر أصهب مجعد كثيف وطويل وعينين واسعتين بدرجة فاتحة من اللون الأزرق الذي قارب على الأبيض، ربما كان جسدها ممتلئًا من أماكن من الصعب عدم ملاحظتها مع ملابسها، صدرية خضراء ذات فتحة صدر مربعة تعطي منظرًا محببًا للفتيان وخصر منحوت نوعًا ما حوله حزام من الجلد الأسود وسروال أخضر حتى الركبة.

تحركت نحوي غير مبالية بالجميع وابتسامة ضخمة ترتسم على وجهها "قابلتكِ أخيرًا، لا تعرفين كم الحماس الذي كان يأكلني حية لأراكِ، أعني… بشرية! من كان يتوقع شيئا مذهلا كهذا؟ تسعدني حقًا رؤيتك. ربما سمعتِ عني، أنا ساحرة هذا الفريق الذي لا فائدة منه، تشرفت برؤيتكِ... أخيرًا أنثى ما تشاركني اهتماماتي، لقد جننت للذكورية المفرطة بهذا الفريق".

سحبتني في عناق قوي لتغمرني رائحة الزعفران المتعلقة بجسدها، ابتعدت وأمسكت بكتفي وقالت "جلنار... أنتِ جلنار روسيل وأنا ثونار راسي، تشرفت بمعرفتكِ حقًا". حاولت وضع ابتسامة وإخفاء الصدمة لترحيبها الحار ذاك.

"مرحبًا بكِ، ثونـ.." توقفت لوهلة وتضاربت مئات الأحداث داخل رأسي، وشعرت بمعدتي تؤلمني منذرة بشيء سيء "جلنار" نادى يوجين بحذر وكأنه قرأ ما خطر بعقلي "هذه المرأة… إنها تحمل تلك العلامة" صمت يوجين قليلًا قبل أن يقول "علامة البرق التي ظهرت على جسدك في الحانة".

اتسعت عيناي ونظرت لوجهها بصدمة، أيعقل؟ هذا مستحيل، لا يمكن أن يحدث! استنكرت هي رد فعلي وقالت "أهناك خطب ما؟" طرفت أكثر من مرة وحاولت كتم غيظي وأنا أعض على شفتي "خطب؟ أي خطب سيدة ثونار؟" ضغط على اسمها لتضحك وتقول "فقط ثونار، عزيزتي، أسقطي التكاليف بيننا، أشعر وكأنني أعرفكِ منذ وقت طويل" لم أستطع منع الضحكة الغاضبة التي خرجت وقلت "حقًا! لمَ هذا الشعور متبادل؟ وكأننا التقينا من قبل في حانة ما ربما، سمعت أنكِ تحبين الإكثار من الشراب".

ضحك جوزفين هذه المرة مقطعًا الجو الغريب وقال "هي بالفعل عاشقة له" أومأت دون النظر نحوه وثبت عيني على ثونار التي أبدت بعض التوتر "أشعر أني أعرفكِ لدرجة أني أعرف أنكِ ذلك النوع الذي سيتبارى على الجرعات والمشروب وسيفوز ثم سيلكم أي شخص يحاول مضايقته ويحاول تقبيل شاب غريب لم يره سوى مرةٍ واحدة" لم أشعر بانفعالي إلا عندما رأيت نظرة الهلع في عينيها والتفاجؤ في أعين البقية.

"لقد حاولتِ تقبيل مارفين واللعنة! أنا لا أعرف الفتى حتى، كنا نعامل بعضنا كالغرباء وأنتِ قمتِ... لا أصدق حقًا" همست من بين أسناني وأنا أقترب منها لتأخذ عينها ضعف حجمها وقالت دون إدراك "تتذكرين؟" أخذت نفسًا عميقًا وهمست "لا تعلمين كم أريد قتلك هنا والآن، لقد اقتحمتِ جسدي" كاد صوتي يعلو ولكن قاطع أغدراسيل همسنا قائلًا "ماذا يحدث هنا؟".

التفت ثونار وأمسكت بكتفي تضمني نحوها "لا شيء، هناك توافق مذهل بيننا، لم أشعر برابطة قوية كهذه من قبل بيني وبين شخص آخر" نظرت نحوها بطرف عيني بغيظ لتهمس "أرجوكِ، سأفسر كل شيء ولكن ليس هنا، ليس أمام الحكيمة".

نظرت نحو 'الحكيمة' لأجفل من نظرتها التي تثبتها على وجهي وبدون إدراك أومأت لثونار وكأني أصبحت شريكتها في جريمة لم أقترفها.

"يسعدني انسجامكما معًا" علقت واندر لتومئ ثونار بابتسامة وتضم كتفي بقوة، أبعدت يدها التي تعتصر كتفي وارسلت ابتسامة مصطنعة وظلت هي ترسل نظرات توسل لي.

"إذًا أنتِ هي البشرية"

ابتلعت وصمت الجميع ما إن فتحت الحكيمة فمها وأومأت دون إدراك "إلهي، رغم أني لا أتذكر جدتي ولكنها تبدو مثلها" هذا أغبى تعليق سمعته من يوجين يومًا.

نهضت من مكانها وتحركت نحوي بينما يد تمسك بعكازها والأخرى خلف ظهرها، تقدمت نحوي لتبتعد ثونار عني وكأنها تخلي ساحة المعركة لي.

"لقد أثرتِ ضجة كبيرة باختيار التوبازيوس لكِ أيتها الفارسة" ظللت دون إجابة بينما توقفت امامي تتفحص وجهي بأعين عسلية ثاقبة "كيف وصلتِ إلى هنا؟" طرفت قبل أن أجاوب دون كذب "ظهرت بعض الأحاجي في كتاب ظهر أمامي و… حاولت حلها ثم وجدت نفسي هنا".

"لقد أرسل الملك كتاب التوبازيوس بنفسه لكِ، وأنا ساعدته في ذلك" أحد الثلاثة الواقفين رفع قلنسوته عن وجهه وقال باسمًا ولكنه عبس وأردف"قد وضعت لكِ المفتاح في خزانتكِ الجامعية داخل مظروف ولكنكِ ألقيتِ به بعيدًا دون أن تفتحيه حتى".

اتسعت عيني وأنا أدرك ما يحدث، ذلك الظرف الثقيل الذي ظننته مقلبا ما... كان المفتاح طيلة الوقت؟

"أما أنا فاعترضت على فكرة وضع المفتاح مباشرة في طريقكِ وأشرت على اختبار قدراتكِ في المواصلة ولكن… سيف رفض ذلك" رفعت فتاة ذات شعر أسود مضفر بالكامل القلنسوة عن وجهها ونظرت للفتى الباسم بلوم "وحينها تركت الحكيمة الاختيار لقدركِ، وعندما ألقيتِ المفتاح كانت رسالة من القدر حتى تأخذي طريق الاختبار الطويل" تابعت كلامها وهي تبتسم للحكيمة.

"لحظة لحظة... أتقولون أن المفتاح كان أمامي طيلة الوقت وأنا... ألقيته كالحمقاء؟" وقع يوجين في نوبة من الضحك ولكني لم أرَ الأمر مضحكًا بالمرة!

"لقد كان القدر قد اختار طريقته أيتها الفارسة جلنار، إن وضع المفتاح أمامكِ بمئة طريقة ماكنتِ لتأخذينه" نطقت الحكيمة هذه المرة لتومئ الفتاة وهي توافقها الرأي.

"عندما تخطيتِ كل العقبات أثبتِ جدارتكِ ونقلتكِ التوبازيوس بطريقتها إلى هنا لتصبحي جزء من هذا الفريق، كنا قد أنهينا عملنا ولكن..." توقفت الحكيمة قليلًا ونظرت نحوي بثبات أربكني "هذه النظرة سيئة" علق يوجين الذي هدأ أخيرًا.

"ولكن ظهرت أشياء ما كان لها أن تظهر أيتها الفارسة، لم يكن من الطبيعي ما كان يحدث معكِ أبدًا، كان علي استيعاب الأمر مبكرًا ولكنه بدا لوهلة مستحيلًا" صمتت ولم تحرك عينها أو تطرف حتى لمرة "ظهر 'هو' في طريقكِ وأصبح رفيقًا لك".

عقدت حاجبي باستغراب ولكني تيقنت من مقصدها عندما تحركت عينها لتثبت تمامًا على يوجين الذي توقفت أنفاسه من الصدمة.

"ماذا تعنين؟" وجدت نبرتي هجومية وتحركت أقرب ليوجين كدفاع عنه ربما "تعلمين ما أقصده جيدًا أيتها الشابة، تلك الروح ما كان عليها الظهور" لم ينطق يوجين، بدا خائفًا أو قلقًا ولكني لم أكن… كنت على أتم الاستعداد لقتلها إن مست يوجين بأذى "هذا ليس من شأنك".

نظرتي الغاضبة ونبرة صوتي العدائية دفعت الجميع للارتباك "جلنار!" صاحت واندر بصدمة ولكني لم أتحرك بعيدًا عن يوجين بل وقفت أمامه بالكامل "وجوده لا يعنيكِ ولا يعني هذه الفوضى بشيء" هسهست من بين أسناني وظلت نظرتها ثابتة قبل أن تطرق الأرض بعكازها.

"في الواقع أنتِ محقة، أنه لا يعنيني، إنه يعنكِ أنتِ" عقدت حاجبي ولكنها أكملت "ليس هو فحسب، بل كل شيء غريب آخر يحوم حولك. أنا أراكِ جيدًا أيتها الشابة وأرى ما يراه هو، أرى تلك الهالة وأرى علامتكِ جيدًا، ليست تلك العلامة… بل الأخرى" قالت وهي تشير بعكازها لمنتصف جبهتي.

"أيتها الحكيمة أنا لا أفهم شيئا مما يحدث" قالت الفتاة الواقفة أمام الباب وبدا الجميع مثلها جاهلًا بما يدور بيننا.

"عندما جئتِ إلى هنا للمرة الأولى ألم تلحظي شيئا غريبا؟" عقدت حاجبي وأنا أتذكر أن كل شيء كان غريب بالنسبة لي وقتها "جلنار، لقد كنتِ منحنية حول نفسكِ عندما وجدتكِ ونزيف أنفك، أتذكرين؟" ارتفع حاجبي مع حديث يوجين وتذكرت ذلك الصداع القوي الذي صاحبه آلاف، بل ملايين الأشياء التي لا أتذكرها الآن.

حركت الحكيمة رأسها برضا وكأنها سمعت قول يوجين وقرأت التذكر على وجهي "ليس هذا فحسب أيتها الشابة، قبل مجيئكِ إلى هنا ألا تذكرين أحداثا غريبة قـ…" قاطعتها بسرعة قائلة "الأحلام؟".

تنهدت بصمت ولكني كنت قد وصلت حدي "ماذا يحدث هنا بحق الله؟ ما المقصد من كل هذا؟" التفتت وأخذت خطوتين للخلف قبل أن تعود وتنظر لي وتقول "كان علي معرفة أن شيء كهذا سيحدث" صمتت قليلًا ثم… 

"كان علي أن أفهم أنكِ ابنة التوبازيوس"

الشهقات التي تلت جملتها والنظرات المصدومة أخبرتني أن هذا ليس بالأمر العادي بالمرة…

ابنة التوبازيوس؟


***********************************************

أن أن أأأأأأأأنننننن -موسيقى تراجدية-

أخيرًا وصلنا للنقطة الي ناس كتيييييييييييير هتموت ونوصلها

انكشف الستار وعرفنا جلنار مين -اعملوا نفسكم مصدومين-

القُراء الجدد انا مكيفه عليهم اوي بحس اني لسه بصدم حد بالأحداث

كتاب ساندفاللللللل

من اكتر القصص الي بحبها الصراحه هي وجزء رومياس وذئبه بشكل عام يعني 

تتوقعوا فعلا ساندفال هتقدر تساعد رومياس -اعملوا نفسكم مش عارفين-

وتطلع ايه ابنة التوابازيوس دي -برضو اعملوا نفسكم مش عارفين-

بكده الفرسان كلهم اجتمعوا بظهور اخر اتنين

ارتيانو وثونار

ثونار لوحدها مصيبة 

الفتره دي تقريبًا شغفي للرواية متعدي شغفكم شخصيًا

بس الجامعه بتحب تدمر أحلامي لان هنشغل الفترة الجيه بيها اوي 

ممكن التنزيل يتأخر يوم او اتنين بس هحاول ان شاء الله اخليه منتظم 

انجوي بالفصول 

لوف يو

بايييييي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

48 تعليقات

  1. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  2. 🔥🔥🔥❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  3. شكلي رح ارجع اعيدها مرة ثانية من البداية حتى هذا البارت من الحماس 😭🔥

    ردحذف
  4. هعمل نفسي مصدومة🤯

    ردحذف
  5. ابدعتي ❤❤ روعة ❤❤❤

    ردحذف
  6. ديممم اشتقت بشكككل فظيييع 🥹🥹🔥😂😂❤❤
    كل مرة حبي للرواية بزيد فعلا 🥹🥹

    ردحذف
  7. لاااا حرامات انتهى الفصل ، عفية نزلي بعد واحد هسه 😭😭😭

    ردحذف
  8. الفصل يجننن تسلم إيدك

    ردحذف
  9. ابنة التوبازيوس؟؟؟
    مو التوبازيوس مش شخص صح؟
    شلون بنته؟،المهم استمتعت بقصة ساندفال، حسيت نفسي دخلت رواية ثانية، وصراحة لما دخلت المكتبةاول مرة خاب املي وتسائلت: هي دي المكتبة العظيمة؟! بس هسه عرفت ليه عظيمة بالذات، ويمكن نلقى حل لمشكلة هارليك فيها.

    ردحذف
    الردود
    1. ببكي دا نفس كلام جوزفين، بجد مصدومة ان في حد بيفكر بنفس طريقته، ليه بتخدوا الامر بشكل حرفي 😭😭😭😭

      حذف
  10. 😭😭😭💥💥الفصل عبارة عن قنابل

    ردحذف
  11. نسيت ان جلنار ابنة التوبازيوس و انصدمت مع القراء الجدد للأسف 😭😭😭

    ردحذف
  12. هو احنا اتفاجأنا؟! اه طبعا
    هو احنا موش عارفين ؟! لا طبعا عارفين بس بردو متحمسين للأحداث الجاية يلي عارفينها بس راح نعمل نفسنا مش عارفين

    ردحذف
    الردود
    1. حرفيا طلعت مني صرخة من الحماس وانا عم بعيد بالرواية صح بعرفهاا بس يا اخيي التفاصيل الي بتحطها اسراء غير 😭😭

      حذف
  13. واخيرا اقدر اعلق
    حرفيا الرواية ولا غلطة اول مرة اقراها وكل مرة انصدم اكثر من المرة السابقة حرفيا ماقدر اقرا اي رواية ثانية بعد التحفة الفنية يعني يستاهل ينعمل منها فيلم مسلسل في نتفلكس تستحق الشهرة

    ردحذف
  14. بكرههه اوي حتت ان الفصل يخلص 😭😭😭

    ردحذف
  15. اكره انو الفصل ممكن ينتهي هذا السبب مو مخليني استمتع لانو ما بشبع فضولي

    ردحذف
  16. اكره انو الفصل ممكن ينتهي هذا السبب مو مخليني استمتع لانو ما بشبع فضولي

    ردحذف
  17. لاء عيب كدا مش تطولى علينا
    عارفه انك مشغوله بس انا اتعودت افتح البارت قبل ما اذاكر 😭😭😂😂♥️♥️

    ردحذف
  18. هعمل نفسى مصدومه و انا زمان كنت بقرأ البارت تلات مرات 🌚😭😭

    ردحذف
  19. انا قارئة قديمه و انصدمت بحكم اني نسيت نص الاحداث😔

    ردحذف
  20. كل ما اقراها اتفاجأ كاني اقراها اول مرة ..حماس مو طبيعي يارب تواصلي تنزيل الفصول بدون انقطاع حتى برمضان إن شاء الله

    ردحذف
  21. واخيرا بدينا بالجد وصلنه لنقطة تحول كبييييرة♥️

    ردحذف
  22. اخيرااااااا 😍😍😍😍😍🔥🔥
    لقد هرمنا من اجل هذه اللحظه 🤭🤭🤭🤭❤️

    ردحذف
  23. المتابعين القديمين وهم يحاولوا يشعروا بالصدمة:

    ووتتتتذذذذاااااا....لحظة احنا اصلا عارفين 😭😭😭

    ردحذف
  24. رغم اني قارية الرواية قبل بس ماتذكر شنو رح يصير 😭😭😭 متحمسسسة

    ردحذف
  25. لاااااااااااا لو سمحتي لا تتأخري
    مش هلق تقطعي بهاد الفصل 😭

    ردحذف
  26. متى الفصل اللي بعده اسرااااااء😭😭😭

    ردحذف
  27. ااااااااااااااااااااااااا😭😭😭

    اوكي ابدا بايش ولا ايش؟

    اتريانو اظن هذا الصغير العبقري ييننرررففزز بس برضو يضحك بشكلللل هههههههههههههههههههههه

    -"لمَ أنتِ منكمشة هكذا، ظننتكِ لا تكرهينني"
    -"لماذا؟ ظننتكِ قلتِ أنكِ لا تكرهينني!"
    اتريوس وهو كل دقيقتين يذكر جلنار بكلامها 💅🏻😏
    واضح ما بيتركها تنسى هههه يحليله شكله مو مصدق ان في واحد ما يكرهه

    امم حبيت فكره انها تدخل داخل الكتابب مره واااووووو!!!!! ابغغىى اجرربب حبكي تخيلت لو اني ادخل جوا توبازيوس واصير اشوف الاحداث بعيني بدل لا اقرا صياح الفكره رهيبه

    لما جلنار وقفت قدام يوجين كدفاع عنه وعصبت عشانه 33>> احبهم احب علاقتهم مره، يوجين الافضل من البدايه كان معها ورافقها من حل الالغاز الى دخولهم للعالم الغريب هذا. افضل رفيقين بالدنيا يوجين وجلنار 💗💗

    ابنة التوبازيرس؟ ايش هذا حماسسسس!!!😭😭 ردات فعلهم وصدمتهم توضح انه شيييي كبير واصلا الاسم لحاله «ابنة التوبازيوس» واضح انه شي قوي حبيتتت
    مقدرر ياخي متحمسسهه

    ردحذف
  28. وييتت نسيت اتكلم عن ثونااارر!
    شكلها نااررر شعر احمر وعيون زرقا ونمش يلبيه الحلوين ❤️‍🔥❤️‍🔥
    وبرضو وناسهه اخيرا بنت معانا 😭

    بس للاسف انحرق علي من قبل انه في فارسه اسمها ثونار وعرفت انها البنت الي اخذت جسد جلنار ف ما قدرت انصدم قهر هههههه

    ضحكت على رده فعلهم والهواش الي عالصامت الي صار ههههههه

    بس متحمسه اكيد بيصيرون اعز الاخويا مافي غيرهم بنات من الفرسان
    يا زين البنوتات بس 33>>

    ردحذف
    الردود
    1. هواش على الصامت وهي فضحتها قدام الفرسان 😭😭 بس محدا فاهم شو السيرة غير هني الثنتين

      حذف
    2. متتت قصدي انهم يهمسون لبعض وكذا 😭😭😭😭

      حذف
  29. اسراء ي عمري نزلي فصل 😭😭

    ردحذف
  30. يجنن والله مرره حلو انا الصراحه ماكنت عارفه انها ابنه التوبازيوس متحمسه وناطره للجزء الي بعده ❤️😍

    ردحذف
  31. ارتياااانوووو و اخيرا يخي هيفضل كيوت حتى و هو لسانه مبرد، رومياس يروحي بجد ممسكين اجمل حد في الكون العيب دا اللي يشوفك عيب يا روحي انت اروع حد في دنيا و ذئبك اجمد حد في الكون بردو، سندفال و اخيرا وصلنا لهنا وحشتني اووي و هرقل الحب وحشني بردو، بجدد كرهي لجوريا من تاني، ثونااار و اخيرا الجنان الرسمي بتاع الرواية اجمل صهباء و اجمد ساحرة، و من هنا نقول بسم الله لان اللي جاي كله نار نار 😭😭😭💕

    ردحذف
  32. الكاتبة ليش ما بتنشر على الوات

    ردحذف
    الردود
    1. كانت قبل تنشر على الوات بس صارت مشاكل كثير وتركتو

      حذف
  33. انا عم بقرأ بالليل والعيلة نايمة وبحاول ما اصرخ من الحماس وانا اصلا قارئة الرواية من قبل وعم بعيدها 😭😭😭

    ردحذف
  34. كوني قارئة جديدة أنصح كل قارئ جديد يحب يقرأ تعليقات القرائ يعمل سكب لأنوا راح ينحرق عليكم مثل مانحرقت عليا 🙂💔💫

    ردحذف
  35. انا قارئة جديدة والحماس موتني😭💖💖💖

    ردحذف
  36. ثونار مدياني فايبس ناتاشا البلاك ويدو موتت❤️‍🔥

    ردحذف
  37. اخييير فصولل الحماااس بلا حدود بلشت 💃💃😂🥳

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال