الفصل الثالث والعشرون | عالقان معًا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "استغفرك ربي واتوب اليك".

إفصاح آخر "إن المرء يشرب حزنه ويسكر به". دوستويفسكي

 مساحة لذكر الله


****************************************

الفصل الثالث العشرون



كان الضجيج هو سيد الموقف عوضًا عن الصمت، ولكن كان الصمت هو سيد عقلي في هذه اللحظة… كيف لا وأنا أكاد لا أفقه حرفًا مما قيل؟

ظلت عيني تائهة بين أوجهه الجميع لعل أذني تلتقط شيء ما قد أفهم معناه، الكثير من الأفواه تتحدث في الوقت ذاته وكأنني في حاجة للمزيد من الصداع. عندما تيقنت أن لا أحد سينظر لي ويحاول تفسير ما يحدث كانت أعصابي خارج السيطرة، ولذلك صرخت بلا إدراك.

"اخرسوا جميعًا لثانية!"

الصمت الذي حل في ذات الوقت جعلني أدرك كم كان صوتي عاليًا، خصوصًا مع تلك النظرات المتفاجئة التي تحولت جميعها نحوي.

كانت تلك العجوز هادئة منذ البداية تنظر نحوي، حتى أنني لمحت ارتفاعًا طفيفًا في أحد حاجبيها عندما صحت بهم.

أخذت نفسًا أحاول تنظيم أي جمل قد أخرجها، لذلك وجهت نظري للعجوز وسألت "أريد توضيحًا لما يحدث لأنه كما يبدو، ما يحدث يدور حولي وكما يبدو أيضًا أنني الوحيدة الجاهلة هنا!" أومَأَت بشيء من الرضى عن طلبي وتحركت خطوة للخلف وقالت:

"قبل أن نعلم باختيار الفرسان من قبل التوبازيوس كان جلالة الملك إليفندرا سافيينغ يتصرف بطريقة غامضة، طريقة أوحت على معرفته سابقًا بأن اختيار التوبازيوس قد وقع بالفعل في اللحظة التي استطاع الإريبوس كسر الحاجز بين المنفى وعالمنا، لم يخبر أحد منا بذلك ولكنه كان ينوي شيئا غامضا، تحركاته قبل أن تقع الكارثة كلها أوحت أنه يدرك أمرًا ما، حتى اليوم الذي أعلن فيه رسميًا لنا بأن التوبازيوس اختارت فرسانها للدفاع عن الممالك، وفي ذلك اليوم قام بشيء غريب، أخرج أحد أكثر الكتب أهمية من غرفة أسرار القصر، لم يفسر لي يومها لما أخرج كتاب ممالك التوبازيوس والذي لم يطلع عليه أحد، ظل الكتاب بحوزته حتى قبل الهجوم بأيام، حينها أطلعني على معرفته بأن التوبازيوس قد وقع اختيارها على بشرية وألزمني بإرسال الكتاب لك ما إن يحدث له شيء ما" 

لم أغفل عن نظرات الجميع نحوي ما إن تم ذكر الكتاب الذي خبأته عنهم منذ قدومي ولكني حاولت تجاهلها وأنصت للحكيمة بكامل حواسي.

صمتت لوهلة ونظرت بعيدًا وكأنها تسترجع أحداثا كثيرة قد حدثت "لآخر لحظة دافع الملك فيها عن واجبه كملك وكحارس، لقد كان حريصًا على مساعدتك بشتى الطرق حتى تصلي إلى هنا وحتى تعرفي مضمون عوالمنا حتى تم أسر جلالته، وهنا جاء دوري للتعامل معكِ أيتها الشابة، كان من المقدر أن تقع عليكِ تلك الاختبارات وأعترف أن حبكها كان صعبًا، خاصة وأننا لا نعلم الكثير عن البشر".

أشرت بيدي حتى تتوقف لوهلة وسألت "لحظة واحدة، تتحدثين وكأن الملك لم يتفاجأ بوجود بشرية! أكنتم تعرفون أننا موجودون منذ البداية؟" أومأت بكل بساطة لتصدر أصوات استنكار من الفرسان حولها "أيتها الحكيمة... لقد تم إخبارنا منذ الصغر بأن البشر ما هم إلا حكاية! هل أُخفِيت الحقيقة عن قصد؟" لم تنظر لأوكتيفيان الذي بدا تائهًا كباقي الفرسان لكنها تنهدت وأومأت برأسها ثم قالت "أحيانًا من الأفضل أن تبقى بعض الأشياء مخبئة، لكن الملك كان محقًا عندما قال لي ذات يوم أن لا شيء يظل مخبأ للأبد!".

ضحكة ساخرة خرجت دون أن أتحكم بضبط نفسي وصحت ساخطة "بعض الأشياء من الأفضل أن تظل مخبئة؟ بسببكم ظللت أعاني منذ اللحظة الأولى هنا لأنكم فضلتم أن تبقى الحقيقة مخبئة!" نصصت الكلمة بإصبعي ساخرة لكنها لم تبدِ أي رد فعل.

"من الصعب فهم الموقف الذي كنا به، أنسة جلنار. من يعرف بوجود البشر هم قلة يمكننا عدهم على أصابع اليد" لم أجد ما أتفوه به ردًا على الفتاة الواقفة بجوار الباب لذلك آثرت الصمت.

"كان إرسال الكتاب والألغاز صعبًا دون وسيط، ولذلك تطوع سيّف لنقل روحه إلى وسيط بشري حتى يتمكن من مساعدتكِ" نظرت نحو الفتى المبتسم وقد لوح بيده وقال "كان من المستحيل أن أنتقل ماديًا إلى البشر، لذلك كان الانتقال روحيًا هو الحل ورغم أن الأمر كان صعبًا وكدت أفقد حياتي إلا أنه قد تم! لقد كنت مذهولًا برؤية حضارتكم، سيدة جلنار… أعني أنه من المحرم علي أن أحكي شيئا مما رأيت ولكن كان ما رأيت يستحق".

تقدم بحماسة وأكمل "في البداية استحوذت على جسد سيدة عجوز داخل مكتبة مليئة بالكتب، استطعت جعل الكتاب يقع بين يديك بأمان" اتسعت عيني وأنا أدرك سبب الابتسامات الغريبة من أمينة المكتبة وقتها.

"ثم انتقلت لجسد شاب ما وسيم، وضعت لكِ المفتاح في الخزانة وعندما ألقيتِ به ظللت أراقبكِ عن كثب وأحاول مساعدتكِ" لم أتمالك نفسي وصحت "أنت الشاب الغريب الذي أرعبني… أنت من تحدث مع الراهبة!".

 أومأ بابتسامة كبيرة وقال "لكن في النهاية لم أكن أدرك بالضبط ما يحدث، لقد كنت فقط أتبع تعليمات الحكيمة، أعني جميع الألغاز كانت مبنية على تلميحات من قوى التوبازيوس والتي كانت الحكيمة وحدها من تعرفها، وتوقفت تلك التلميحات عندما استطعتِ فتح الكتاب، ثم أنني لم أستطع مراقبتكِ لوقت طويل لأن جسدي كان يموت هنا كون روحي مبتعدة لملايين المسافات" قال وهو يضرب صدره بخفة.

"ببساطة نحن لا نعرف كيف وصلتِ بجسدكِ المادي إلى هنا، سيدة جلنار. جُل ما نعرفه هو كيفية إرسال شيء لا مادي إلى عالم آخر بواسطة تعويذة خطيرة ومحرمة، تحطم الجسر الذي يربط عالمكم بعالمنا وذلك وضع حدًا بيننا" تحدثت أخيرًا الفتاة الثالثة وقد ظهر وجهها، ساحرة بما أنها تمكنت من تعويذة ما!

تذكرت ثونار ونظرت نحوها بطرف عيني لترسم ابتسامة ترجي سريعة، لقد استخدمت تعويذة محرمة لنقل روحها لجسدي كما حدث مع سيف ذاك! لهذا لا تريد لأحد أن يعرف، ولكن... وجود ثونار داخل جسدي كان سببًا في إرشادي لمطرقة المنتزه والانتقال إلى هنا! إي أن الأمر لم يكن صدفة؟

"هل يمكنكِ إخبارنا كيف وصلتِ إلى هنا بالضبط؟" سألت الحكيمة لأبتلع وأقول "كانت هناك إشارة أخيرة أرشدتني إلى مجسم لمطرقة وهناك كانت هناك أحجية أخيرة وأربع علامات حول المطرقة لأربع عناصر".

لاحظت تفاجؤ واضحا على وجوههم جميعًا "أربعة عناصر وأحجية؟" أومأت لأوكتيفيان ليردف بنبرة اتهام متسائلًا "ألم تقولي أنكِ لا تذكرين كيف جئتِ إلى هنا؟" فتحت فمي وأغلقته مجددًا متظاهرة بالغباء.

"ألا يشبه هذا اختبار الاستحقاق هنا؟" تساءل زوندي لذلك سألت بدوري محاولة تجنب نظرات أوكتيفيان "ما هو اختبار الاستحقاق؟" نظر نحوي أرتيانو بملل وقال "أنتِ حتى لا تعرفين اختبار الاستحقاق!" دحرجت عيني وقد طفح بي الكيل "أعتذر، سيد عبقري، ربما لأنني بشرية ولا صلة بيننا حتى أعرف ما يحدث هنا" بدا أنه لم يتوقع ردًا لأنه رفع حاجبًا وقال "ربما إن استعملتِ عقلكِ أكثر من استعمال لسانكِ لفهمتِ".

لا يمكن منازلة هذا الفتى في التذاكي والوقاحة…

"إنه اختبار بسيط، ليس مهمًا ولكن تعلمين… كل إلترانيوسي يولد بهبته الخاصة، ولكن هناك يوم واحد كل عام يجتمع فيه أهالي المملكة بأطفالهم اللذين بلغوا السابعة من العمر فيقومون باختبار بسيط يثبت استحقاقهم لهبتهم، ليس لازمًا إجراء الاختبار لكنه تقليد مهم حتى الآن"

وضح لافيان ليهز أوكتيفيان رأسه كتأكيد على ما قال "لا أعلم، الأمر فقط أنه كانت هناك مطرقة وعليها أحجية ما، وحول المطرقة كانت هناك رسوم على الأرضية تشير إلى عناصر الطبيعة، لذلك قمت بإدارة رأس المطرقة لحل الأحجية" فسرت ليسأل جوزفين "أتتذكرين الأحجية؟".

عقدت حاجبي في محاولة للتذكر "كان شيئا ما عن شيء هو الأصل أو كل شيء" قال يوجين وهو يفكر مما ساعدني على تذكر شيء مما كُتب لذلك قلت "أظن أنه كان أصل كل شيء وفيه كل شيء وعندما ترشدك الحكمة أو شيء ما مُشابه" ارتفع حاجب أوكتيفيان وقال "أليس أصل كل شيء هو الماء؟" رد أرتيانو بنوع من السخرية "ما الذي وجد اولًا؟ الماء أم الأرض؟" بدا أوكتيفيان يمنع نفسه من تحميص أرتيانو.

بدأ نقاش خفيف بين الجميع عما هو أصل كل شيء مما جعلني أدحرج عيني عن كم هم صبيانيين، أسكتتهم الحكيمة عندما قالت بصوت ثابت "ماذا اخترتِ أيتها الشابة؟".

عضضت شفتي وأرسلت نظرة ليوجين الذي بسط ذراعيه بطريقة ساخرة قائلًا "أدهشيهم" رطبت شفتي بتوتر قبل أن أقول:

"الفراغ!"

صمت الجميع دون رد فعل واضح قبل أن يظهر الاستنكار شيئا فشيئا على وجوههم، ولكن ظل وجه الحكيمة جامدًا رغم نظرة التفاجؤ التي لمعت في عينيها. "اخترتِ ماذا؟" صاح تينر جام بتعجب "لا أظن أن الفراغ أحد عناصركم! أهو كذلك؟" سألت ثونار أوكتيفيان الذي حرك رأسه للجانبين.

"رفاق، ما بكم؟ لم تكن معضلة كبيرة، كانت الأحجية تتحدث عن الاختيار بحكمة لا بتفكير، وحكمتي أرشدتني أن الفراغ هو أصل كل شيء، ألم يكن هذا العالم مكونا من الفراغ قبل أن تظهر أي مادة أو عنصر؟ أعني… كيف كان بإمكاني اختيار أحد العناصر عن الآخر؟ بالنسبة لي كانت تبدو جميعها مهمة وجميعها أصل هذا العالم"

حاولت شرح وجهة نظري بيأس بينما يوجين يحلق ويضع قدمًا فوق الأخرى لأنه لم يكن مقتنعًا باختياري ذلك الوقت "إذًا كان هناك رمز ما للفراغ أو ما شابه؟" استفسر سيّف لأحرك رأسي وأقول "لا، كانت خانة خامسة فارغة وأنا اخترتها" دحرج أرتيانو عينه وتمتم "لست متفاجئا، غباء متوقع" إنه في هيئة طفل، ضربه سيكون جريمة أخلاقية، جلنار.

"عندما أدرت المطرقة أصبح كل شيء فوضى! ضرب البرق الأرض وانشقت ووقعت أنا وأصبحت أهوى عبر... عبر سماء ولا تسأليني كيف لأني لا أعلم، بدا كل شيء غير منطقي بالمرة، سقطت داخل الأرض عبر سماء ثم ارتطمت بالمياه ووجدت نفسي أقع داخل زنزانة و... بوم! أصبحت هنا"

بدأ الجميع يتبادل النظرات لعل الآخر يحمل تفسيرًا منطقيا للأحداث حتى الآن، لكن كان الجميع يلقي النظرة التائهة ذاتها.

"هذا غريب" تمتمت الحكيمة قبل أن تأخذ نفسًا وتقول "الغموض الذي يحيط التوبازيوس من الصعب حقًا فهمه" وجدت نفسي أصيح بسخط "وبالحديث عن ذلك التوبازيوس! لم أفهم حتى الآن ماذا تعنين بابنة التوبازيوس؟" جلست الحكيمة على الكرسي الذي يتوسط المكان وتنهدت، وقبل أن تتحدث قال جوزفين "أليس من المفترض أن جلنار ابنة أب بشري؟ لأن الأمر بدأ يختلط علي".

صفعت الفتاة المرافقة للحكيمة رأس جوزفين ونظرت نحوه بطرف عينها قائلة "لا نقصد بالكلمة الأمر حرفيًا أيها الغبي، إنه تعبير مجازي عن أنها المختارة من قبل التوبازيوس" مسح جوزفين على رأسه وتمتم بحنق "كنت أحاول الاستفسار ليس إلا، كل شيء أصبح غريبًا".

ضربت الحكيمة بعصاها ليصمت الجميع وتتجه الأنظار نحوها رغم أن صوت ارتطام العكاز بالأرضية الخشبية لم يكن قويًا.

"التوبازيوس هي طاقة روحية تمد هذه الأكوان بالاتزان وتربط بينها. ربما نظن أن الأمر بسيط، مجرد اثنتى عشرة مجرة مرتبطة بجسور، لكنه أكثر تعقيدًا وتحتاج دراسته إلى ملايين السنوات. نحن نعيش داخل شبكة مترابطة، مليارات الأبعاد تفصل بينها حواجز شفافة لا تُرى ولا تتداخل، ملايين المجرات مرتبطة بطريقة أو بأخرى، بجسور نراها وأخرى غير مرئية لنا، نعلم أن هناك حياة على اثنتى عشرة مجرة ولكننا لا نعلم ماذا تحتوي ملايين المجرات الأخرى، هناك ملايين النجوم والكواكب وعلى كل كوكب هناك حياة ونمط معين لا نعرف عنه شيء"

مع كل كلمة كانت تنطقها كانت هناك صورة تظهر أمام أعيننا توضح ما تحاول شرحه، ورغم كونه من صعب فهمه؛ إلا أن رؤية ملايين النجوم تطوف في الغرفة كان مذهلًا.

"نتحدث دائمًا عن جسور مرئية تربط عوالمنا ولكننا ننسى تلك التي لا نراها بأعيننا، وكوننا لا نراها لا يعني أنها غير موجودة! إنه نظام متكامل إن اختلت فيه ذرة لربما تدمر كل شيء، التوبازيوس تحمي هذا النظام ليبقى دون دمار. نحن نعيش داخل شبكة معقدة ومتداخلة ولكنها منظمة في الوقت ذاته"

تلك النجوم الصغيرة تجمعت لتكون صور للعديد من المجرات التي يربط بينها وبين المجرات الأخرى ملايين الخطوط المتشابكة والمتداخلة وكأنها أحجية من المستحيل فكها!

"منذ زمن بعيد كانت هناك أسطورة، أسطورة قديمة تحكي عن نظام يسمى بـ 'إدراكوناس'. ذلك النظام كان يضم العديد من المجرات من بينهم مجرة آرسزلا، كانت مجرة تحوي ثالث عشر كوكبًا كن الأقوى من بين الجميع، لذلك مُنح ملوك الكواكب الثلاثة عشر هدية، كانت جزء صغيرًا ولا يكاد يذكر من طاقة التوبازيوس على شكل حجر كريم ذا لون أصفر، ورغم كون هذه الطاقة لا تذكر بالنسبة لحجم طاقة التوبازيوس إلا أنها بالنسبة لمخلوقات مثلنا كانت قوية، قويةً جدًا لدرجة تجعلها قادرة على تدمير عدد لا يحصى من الأرواح، كان بإمكانها تدمير نُظُم كاملة"

أخذت نفسًا عميقًا وانعكس اللون الأصفر لصورة الحجر الكريم على عينيها وأكملت "ولكننا لسنا بآلهة! لقد شعرنا بالطمع وأراد كل ملك الاحتفاظ بالحجر لنفسه مما أشعل حربًا لم ولن يرى التاريخ مثلها من قبل، كانت نهاية هذه الحرب مؤلمة جدًا... لقد تم محي كوكب كامل من الكواكب الثلاثة عشر عن بكرة أبيها، قُتل المليارات وأصبح ذاك الكوكب كالرماد وبقي اثنى عشرة كوكب، وهي كواكبنا التي نعرفها الآن. غضب الإله كان مرعبًا ومهيبًا وأنزل عقابه على الكواكب الاثنى عشر، أما الحجر فقد تفجر لملايين القطع الصغيرة ولم يبقَ منه إلا قطعة واحدة ظلت على أرض الإلترانيوس يحرسها ملك بعد الآخر ومن المحرم استعمالها مهما كانت الظروف، آخر حراس الحجر كان الملك إليفندرا سافيينغ، ووحده الرب يعلم أين أرسلها قبل أن يتم أسره في قبو القصر الملكي"

اختفت الصور الخيالية من حولنا ونظرت نحوي الحكيمة بثبات وجمود "في النهاية لا يصدق هذه الأسطورة إلا قلة ربما مات أكثرهم الآن، كل ما نعرفه أن الحجر الذي يُحرس منذ الأزل هو جزء من طاقة التوبازيوس ومن المحرم استعماله. قبل أن يختفي الملك أخبرني بشيء غريب... قال أن الحجر لم يختر حارسًا هذه المرة، لقد اختار الحجر فارسًا ليحمله، لم أفهم ما يرمي له، لكن الآن قد اتضح الأمر. حجر التوبازيوس ما يزال جزء من التوبازيوس... لقد اختارتكِ التوبازيوس لتكوني ابنة الحجر أيتها الشابة.

منذ زمن اختلفت الأقاويل ولكن هناك شيء واحد يكرر في كل حكاية، الملك جولديان كان هو ابن التوبازيوس الأول، في ذلك الوقت لقد اختارت التوبازيوس أول فرسانها وكان قائدهم هو الملك جولديان ومنهم كان أيضًا الإيربوسي هوملك باتريخ، يُقال أن الاثنين اجتماعا بسبب كونهم فرسانًا ولكن القول الأكثر ترجيحًا أنهما تعاونا قبل اختيارهما، والآن أظن أنه دوركِ"

لم أجد شيئا أتفوه به! كان من الصعب وضع تعبير ما على وجهي حتى وإن كان مزيفًا، ألا يمكن للأمر أن يكون حلمًا ما وقد أستيقظ في أي لحظة؟ ربما سيقفز أحدهم ويقول 'نحن نمزح أردانا تلطيف الأجواء'. لمَ حدوث أمر كهذا مستحيل؟

هززت رأسي أكثر من مرة "أنا لست ما تتفوهين به" تمتمت قبل أن أقولها بصوت أعلى "أنا لست ما تتفوهين به! أنا مجرد بشرية جاءت هنا عن طريق الخطأ وهذا ما يعرفه الجميع، لا يمكن أن أكون أنا ابنة الـ… أيًا يكن ذلك الشيء!".

كنت يائسة!

أتمسك بشعرة من الشك لأنجو من هذه الأحداث، جالت عيني بينهم عل أحدهم يوافقني قبل أن تقع على أتريوس الذي ظل صامتًا منذ البداية يحدق بوجهي، لم يكن يبتسم بسخرية أو حتى يتململ كالعادة. حتى هو كان جادًا بشكل أثبت أن الأمر واقعي!

"تريدين إثباتًا؟" نهضت من مكانها واتجهت نحوي مما جعلني آخذ خطوة إلى الخلف، توقفت أمامي بنظرات حادة ورفعت يدها قبل أن تمسك برأسي وتمسح بإبهامها على مقدمته، لم أفهم المغزى مما حدث ولكنها ابتعدت وهي تنظر نحوي بثقة قبل أن تتسع أعين الجميع وهي موجهة لما على مقدمة رأسي.

التفت بسرعة وأخذت خطواتي نحو المرآة المجاورة لباب المنزل لأنظر لانعكاسي، ولم أصدق ما أرى، كانت هناك! تتوسط رأسي! تلك العلامة الصفراء الأشبه بجوهرة، تلك التي أخبرني يوجين عنها، يمكنني رؤيتها الآن.

شيئا فشيئا بدأت تتلاشى حتى اختفت تمامًا كما لم تكن! نظرت نحوه الحكيمة بيأس لكنها قالت دون ترك فرصة لي للحديث "مهما هربتِ وأنكرتِ فلن يتغير شيء أيتها الشابة، نحن لا نعرف شيئا عن قوى التوبازيوس وخصائصها! لا نعلم ما الذي يميزك وما الذي قد يضعفكِ، لا نعرف قدراتكِ بعد، منذ اليوم عليكِ اكتشاف كل شيء بنفسك، لأنكِ لستِ مجرد فارسة، أنت قائدة هؤلاء الفرسان".

استطعت رؤية الاستنكار في وجوه الغالبية ولكن لم يعترض أحدهم.

لم يكن هذا ما يهم في الواقع! أصبحت مدركة أنه من المستحيل أن يكون هذا واقع... لابد أنه حلم ما، كابوس سيء، يبدو فقط طويلًا وحقيقيا ولكن ما إن أستيقظ سيبدو الأمر كثانية لا أكثر.

تقدم نحوي ذلك الفتى المدعو بسيف وقد أخذ بيدي ليجلسني على الكرسي ويجلس أمامي ويقول "أعلم أنه من الصعب تفهم كل هذا في الوقت ذاته، ولكن… قديمًا كان البشر يعلمون عنا وعن وجودنا، هناك مئات الدلائل عن ذلك، هناك حضارات قديمة من المستحيل أن توجد إن كان عالمكم قديمًا هو العالم البدائي الذي تفكرون فيه. لقد تم تزييف التاريخ، كان البشر متصلون بنا يومًا ما وكانوا متقدمين عما تتصورن ولكن لسبب أو لآخر انفصلنا واختار حكمائكم إخفاء حقيقتنا عن الأجيال القادمة، لقد دمر كل شيء يدل على وجودنا لذلك كان من المستحيل لكم أن تعرفوا…

أعلم ما تفكرين به… أعلم أن الأمر يبدو كخيال، وأعلم أنك تشعرين بصدمة وخيبة أمل لأن جميع الأرضيون أمثالك قد خدعوكِ وأنكِ كنتِ تعيشين داخل كذبة طوال حياتك، لكن استمعي لي جيدًا".

لم أجرؤ على الحديث أو التحرك، آثرت الصمت وحدقت بملامح وجهه، ابتسم في محاولة لدعمي وقال:

"عالمكم، أو كوكبكم، كوكب الأرض ليس الوحيد في هذا العالم، بتِ تعلمين هذا الآن، في الواقع يشاع أنكم كنتم أضعف من الجميع في أسفل الهرم، وهناك رابط خفي يربط عالمكم وعشر عوالم أخرى بواسطة هذه المملكة، ومن بين الانثى عشر عالم أنتِ هي المختارة لتصبح ابنة التوبازيوس"

صمت الجميع ولم يعلق أو يزد أحدهم حرفًا عما قال، كانت أعينهم متعلقة بوجهي تنتظر رد فعل ما ولم أستطع مقاومة ذلك الإغراء الذي يقول إنني أحلم! فقط أحلم.

أبعدت يده عن يدي ونهضت من مكاني، ربما إن شعرت بألم قد أستيقظ على الأرجح، الحائط فكرة جيدة، ضربت رأسي عدة مرات في محاولة لإيلام نفسي وتمتمت:

"استيقظي، استيقظي إنه كابوس، استيقظي. أمي أيقظيني الآن وإلا تأخرت عن الجامعة"

"جلنار... اهدئي، وكأنهم يحتاجون سببًا آخر ليقولوا أنكِ مجنونة!" قال يوجين لأتوقف ولكني ما زلت مواجهة للجدار، وحينها اخترق الصمت صوته أخيرًا وقال ساخرًا " هل أخبرتني أن هذه هي ابنة التوبازيوس؟ بحق خالق السموات نحن هالكون جميعًا".

نظرت ناحية أتريوس، لمَ أشعر بالقليل من الاطمئنان لأنه عاد للسخرية؟ "أتعرف ماذا؟ أنت محق، أنتم هالكون جميعا وأنا معكم، سنهلك وسنلتقي في الجحيم، للمرة الأولى تقول شيئا صحيحًا ورائعًا، أتريوس!" بدا مندهشًا من انفعالي، ولكن الابتسامة التي ارتسمت على وجهه أخبرتني أنه لا يعطي لعنة لما يحدث حتى.

"كل ما أقوله صحيح لكنكم أغبى من تقبل الحقيقة" أتريوس كان الشخص المناسب لإفراغ شحنة الغضب والتوتر والتشوش، لذلك لم أتردد لحظة وأنا أصيح بوجهه "شكرًا، سيد عبقري! لقد تقبلناها الآن، هل يمكنك أن تصمت للأبد؟ لأنه كما يبدو لا أحد هنا يريد سماع صوتك" لكنت شعرت بالذنب إن كان شخصًا آخر، ولكن هيا، إنه أتريوس، يمكنه قطع رأسي إن أراد.

نهض وقفز على الأرضية واتجه نحوي بنظرة جامدة "إن لم تلحظي بعد، وهو شيء طبيعي لأنكِ متأخرة عقليًا، فأنا لا أعطي لعنة لكِ ولهم وما يمنعني من رؤية فأسي يحطم رأسك هو أنني سأنظف الدماء القذرة لاحقًا" ابتسمت باستخفاف "لا تقلق، لن تضطر لتنظيف الدم القذر إلا إن كان دمك" كان يقف أمامي مباشرة وكلانا ينظر لعين الآخر بغضب... أو ربما أنا الغاضبة!

كاد كلينا يقول شيئا في الوقت ذاته ولكن الطرقة القوية على الأرضية جعلتني أجفل ولكن أتريوس حتى لم يطرف له جفن، ما زال يحدق بوجهي وكأنه يفكر بكم ضربة يحتاج لمسح ملامحي!

"هل انتهيتما؟" أخيرًا نظر كلانا حيث الحكيمة التي تقف بنظرة هادئة تتفحص كلينا، أخرج أتريوس قهقه ساخرة وقبل أن يتفوه بشيء كان صوت الحكيمة هو الحكم في المكان.

"علي حقًا البقاء لإعطاء الجميع جولة من التصفيق، كم أنا فخورة وأشعر أن الجميع سيكونون بأمان بين أيدي هؤلاء الفرسان. انظروا إلى أنفسكم، أقوياء! منسجمون ومتعاونون! وكل ما يشغل تفكيركم هو أمن أوطانكم" نظرت نحو الجميع بحاجب مرفوع ولم يجرؤ أحد على الرد "ماذا؟ ألا تظنون أني محقة؟" ضربت بعكازها الأرض بقوة أجبرت نصفنا على الإجفال تقريبًا.

"أنتم مجموعة من الأطفــ... أعتذر، حتى الطفل يمكنه أن يكون أفضل منكم! أنتم لا شيء! لا أرى سوى الغرور والاستحقار، لا أرى سوى الاستهتار بما يحدث، أرى مجموعة من الجبناء، أرضى أن يتم قتلي على يد إيربوسي على أن يتم الدفاع عني بواسطة حفنة من الحمقى أمثالكم، كل ما يشغل عقولكم من الأقوى ومن الأضعف. أنانيون كُلٌ يفكر في نفسه فقط، أنتم لستم عارًا على الفرسان فحسب، أنتم عار على أوطانكم. لقد اُختير كل شخص منكم لتحمل المسؤولية، أنتم تلوثون لقب الفارس، لكم أخجل لوقوفي بينكم!"

تحركت حتى توقفت أمام أتريوس وقالت "سكير، همجي، وميؤوس منه! ماذا تستجدي سيد فلورمان؟ أتريد بعض الشفقة أيضًا؟ لطالما شعرت بشيء مميز بك والآن أعرف ما هو... أنت مميز في كونك خاسر! حتى عندما أُعطيت فرصة لإثبات العكس عندما تم اختيارك، ولكن الخاسر يبقى خاسرًا".

علا صوتها مع كل كلمة وقبل أن تكمل صاح أتريوس في وجهها "لم أختر أن أكون فارسًا لعينًا! تتحدثين بالهراء عمن تم اختيارهم، اللعنة على ذلك، لم أرد يومًا أن أكون هنا ولا أريد أبدًا، علي أن أبتسم وأكون سعيدًا لشيء أجبرت عليه، أتعرفين ماذا؟" اقترب منها وقال بحدة:

"اللعنة عليكم وعلى هراء الشرف الذي تتحدثون به، تعلموا الصدق ثم تحدثوا عن الشرف"

ابتسمت ببساطة وأخذت عدة خطوات للوراء "هل انتهيت؟ والآن هلا توقفت عن التصرف كرجل سكير يائس وانظر لنفسك في المرآة وأخبرني ماذا رأيت؟ من أنت فعلًا سيد فلورمان؟ لماذا خلقت حتى؟ أتعرف لماذا تتنفس حتى الآن أم أنك مجرد عالة؟ من أجل ماذا تقاوم وتستيقظ كل يوم؟ فقط لتتنفس وتأكل وتعود للنوم مجددًا؟ لماذا أنت على قيد الحياة؟".

صمت أتريوس دون رد وظل يحدق بوجهها قبل أن يأخذ نفسًا وينظر بعيدًا "ماذا عنكِ؟" أوه، جاء دوري مجددًا. نظرت نحوها كـ 'وماذا عني؟'.

"تنتظرين... سينتهي كل شيء وسأعود للمنزل، صحيح؟ عندما ينتهي هذا القتال ستكون هناك طريقة لأعود بها، في النهاية الأمر لا يعنيني، ليس علي المحاولة حتى… أليس هذا ما تظنين؟ ما يحدث هنا بعيد ملايين السنوات الضوئية عن منزلك؛ لذلك لا فرق لما قد يحدث، هذه ليست معركتكِ، المهم أن تعودي أنتِ فحسب، لمَ قد تهتمين؟"

اقتربت مني لأبتلع وأنا أنظر لها وأشعر أن التالي لن يعجبني وكنت محقة "دعيني أتلو عليكِ بعض الحقائق التي كان من الأفضل أن تظل مخبئة، مصير هذه العوالم مقترن بشكل أو بآخر بعالمك أيتها الشابة. أتظنين حقًا أن ملك الظلام لا يعلم بوجود الأرض؟ أتظنين أنكم سالمون؟ أخبرتكِ أننا نعيش داخل شبكة مترابطة وملك عاد من المنفى بطريقة لا يعلمها إلا الإله، أتظنين أنه لا يعلم عن وطنك شيئا؟ ما إن ينتهي منا فالأرض مهددة بالهلاك، ما سيحدث هنا سيحدث على الأرض، والفرق هو بضعة سنوات ليس إلا!"

تجمدت! أعني شعرت حرفيًا بأطرافي تصبح باردة وشيء ما كان ينمو بسرعة داخلي... الفزع! ولوهلة رأيت أمي داخل زنزانة تتوسل لشخص ما أن يسمح فقط لابنتها لوريندا بالخروج. أعلم، قد يبدو هذا دراميًا ولكني عشت موقفًا مشابهًا وكان أبعد ما يكون عن الدرامية…

بضع سنوات وسيكون وطني قد اختفى؟ هل حتى سأرى عائلتي مجددًا؟ القدر يعبث مجددًا! أصبحتِ الآن داخل اللعبة جلنار، لا أحد مستثنى، ها؟

"ربما عليكِ البدء بالتوقف عن استصغار نفسك واستصغار حجم ما تقدرين على فعله أيتها الشابة. لا أحد منكم قد اختير عشوائيًا، لا لمناصبكم أو لتصنيفكم الاجتماعي، لقد تم اختياركم لشيء معين، شيء ما هنا هو يميزكم" أشرت على الجهة اليسرى من صدرها قاصدة قلبها قبل أن تكمل "لديكم شيء ما هو أقوى من الجميع مهما أنكرتم واستصغرتم ذلك، ما زال هناك شيء نقي داخل قلوبكم رغم غمامة السواد التي تحيط كل واحد منكم".

أخذت نفسًا وهي تنظر نحو الجميع تتفحص وجوههم قبل أن تقول بنبرة حازمة "منذ اليوم لا أحد مستثنى، تدريباتكم ستصبح أشد وأكثر صرامة، الجميع سيتم تدربيه بشكل خاص مهما كان عمرك ومهما كنت ضعيفًا، لا أهتم ما هي هباتكم أو ما هي طاقتكم، سيتم تدريبكم على يد هؤلاء الخمسة، هميدال و سيف و لوريتا و فيدر وغدًا ستلحق بهم إلى هنا سكارليت، لا أوقات راحة إلا للضرورة. سأعود في نهاية كل أسبوع لاختباركم بنفسي وصدقوني ذلك الذي سيحظى بأقل نسبة تحسن ملحوظ بينكم سيخضع لتدريب مكثف ولن يعرف فيه معنى الراحة.

تظنون أن هذه هي الحرب؟ تلك الهجمات على أراضي العامة وأطراف المملكة هي حرب؟ أيها المساكين أنتم لم تروا شيئا، ملك الظلام لم يتحرك حتى، إنه هادئ منذ أن تم أسر الملك، ما يحدث الآن ما هو إلا الهدوء قبل العاصفة، هذه ليست الحرب... الحرب لم تبدأ بعد، ولكن عندما تبدأ فهي ستأخذ الجميع معها كالعاصفة، لن ننتظر حتى يضرب ملك الظلام ضربته بينما نحن نلهو، جميعكم ستكونون مستعدين لإقامة الحرب، لا الرد عليها!"

تحركت نحو الباب قبل أن تتوقف وتلتفت نحوي "أيتها الشابة، منذ صباح الغد أنتِ تحت تدريب مكثف" ألا يمكنني أن أموت فحسب؟ "سيدتي، أتكفل بتدريب ابنة التوبازيوس والإشراف عليها بنفسي" تطوع هاميدال لتحرك رأسها للجانبين، هل يمكن للأمر أن يصبح أسوأ؟

"شكرًا، سيد جينفال، ولكني قد اخترت مدربًا لها من قبل، منذ غد سيشرف على تدريبك السيد أتريوس فلورمان"

"يا له من يوم جيد للموت" نظرت نحو يوجين الذي سخر للتو وكأني أوافقه الرأي، قبل أن أستوعب اسم من قالت!

هل قالت أتريوس للتو؟ هل تمازحني؟

"ما اللعنة؟"

قلنا في الوقت ذاته لتنظر نحونا بحاجب مرفوع "أنتِ تمزحين؟ هو! ألا يوجد سواه؟ لقد قلتِ أن هناك خمسة سيعملون على تدريبنا، لمَ هو؟ بحق الإله أنتِ تقترفين خطأً كبيرًا، لا يمكنني أنا وهو أن نظل سويًا لخمس دقائق، سيقتلني هذا الهمجي قبل أن أستطيع اللكم حتى".

"من الجيد أنكِ تعرفين ذلك! جدي لها شخصًا آخر، عقلها محدود الذكاء، سنموت قبل أن تستطيع إمساك السيف، أتتعمدين فعل ذلك؟ لقد قلتِ أنها لعنة مهمة، جدي لها شخصا آخر أفضل مني"

انتظرت حتى أنهى أتريوس هجومه وكدت أرد بشيء ما وقح كالعادة ولكنها قالت "انتهيتما؟" عندما لم يجبها أحد أومأت وقالت "في نهاية هذا الأسبوع إن لم أجد تحسن في أداء أحدكما سيخضع كلاكما لتدريب مكثف لثلاثة أيام معًا، انضجا قليلًا".

ومع هذا كانت قد خرجت مغلقة الباب خلفها تاركة سبعة عشر فردٍ في صمت تام، الآن الأرض قد تُدمر ولا أحد قادر على منع مخبول الظلام ذلك سوى اثني عشرة فردٍ كل واحد منهم أكثر حُمقًا من الآخر، علي القتال! وحمل السيف وإخراج نيران من بين يدي وأنا واقعة تحت رحمة مخبول همجي لا يستخدم عقله حتى وقد لا أرى عائلتي مجددًا. وأجل، فوق جميع هذه الأمور علي أن أقود هؤلاء!

"اللعنة"

تمتمت وأنا أشعر باختناق كبير، أريد الخروج من هنا، أكره هذا المكان في هذه اللحظة.

لم أنتظر أن أستمع لأحدهم يتحدث أو ينهي هذا الصمت لأنني أخذت خطوات سريع للخارج بينما أحاول مقاومة تلك الغصة اللعينة، أحدهم نادى باسمي أو ربما أكثر من شخص، لكني لم ألتفت. أغلقت باب المنزل بقوة لعل ذلك الشعور يقل ولو بقليل ولكن ذلك لم يكن نافعًا.

كل خطوة كانت أسرع من سابقتها، لم أهتم بالأغصان التي تضرب وجهي أو حتى أن أتأكد من كون يوجين يتبعني أو لا أردت الابتعاد فحسب؛ لعلي أعود وأجد كل هذا قد انتهى.

المئات من الأفكار تضج بطريقة مزعجة تجبرني على الرغبة في البكاء، وكلما منعت نفسي عن ذلك، كلما حاولت أن لا أبكي أشعر بقلبي يصبح أثقل وكأنه يعتصر نفسه بقوة، لذلك لم أستطع... لم أقوَ على تمالك نفسي بعد الآن.

توقفت بينما أطلقت شهقة قوية لعل تلك الغصة تختفي، تلت تلك الشهقة العشرات مثلها قبل أن أبدأ في الأنين وتركت نفسي لتبكي أخيرًا.

جلست على ركبتي وقد اختلطت أنفاسي بالبكاء مما زاد الأمر سوء، ومن بين الدموع التي أغرقت وجهي لمحت جسد كارولوس الذي كان نائمًا ربما، تحرك متجهًا نحوي قبل أن يجثو ويدفع رأسه ناحيتي.

لا بأس، سيصبح كل شيء بخير، ستكونين بخير وستستيقظين ذات صباح وقد انتهى كل شيء، سيصبح ألم قلبكِ بخير ولن تشعري بهذا الشعور مجددًا، عدي من الواحد للعشرة وستهدئين، حتى العشرة وستصبح الأمور بخير…

حاولت ترديد ما كانت تقوله أمي من قبل، سأصبح بخير، سأعد حتى العشرة وبعدها سيختفي كل شعور مريع ولكن... لم يجدِ الأمر، لقد وصلت للثلاثين ومع كل مرة أزداد أنينًا ويزداد صوت بكائي.

حاولت تمالك نفسي ونهضت قافزة على ظهر كارولوس وهمست له "ابتعد من هنا إلى مكان أفضل" لم أتوقع حتى أن يتحرك ولكنه فرد جناحيه دون تردد وحلق بعيدًا عن هنا، استطعت رؤية يوجين الذي كان يلحقنا بصمت وكنت ممتنة لأنه هنا.

لم أهتم إلى أين قد يأخذني كارولوس فقط احتضنت عنقه وأغمضت عيني لربما أهدأ قليلًا، كما أنني لسبب أو لآخر أثق بهذا التنين أكثر من بعض الأشخاص هنا.

المدة التي حلق كارولوس بها ساعدتني حقًا حتى أهدأ وتحول بكاء الأطفال المستميت إلى شهقات صغيرة، عندما هبط كارولوس وتوقف فتحت عيني لأرى أين نحن، وعندما قلت مكان أفضل لم أتوقع شيئا كهذا!

قفزت من فوق ظهره ونظرت للمكان من حولي واتسعت ابتسامتي رغمًا عني، أبعدت حذائي عن قدمي لتغمرها الرمال وشعور الدغدغة المريح كان شيئا أفتقده بحق.

نظرت إلى الشاطئ الممتد أمامي، الرمال الذهبية والمياه الزرقاء التي تنعكس أشعة الشمس عليها بينما هناك نسيم منعش يمر من وقت لآخر، تنهدت براحة قبل أن آخذ عدة خطوات حيث أطراف الأمواج تُلامس قدمي.

"لم أرَ الشاطئ منذ وقت طويل" تحدث يوجين أخيرًا وهو يتوقف بجواري "أتمنى لو أستطيع الشعور بالمياه مرة أخرى" نظرت نحوه باعتذار وكأنني السبب في حالته ولكنه ابتسم وجلس ثم قال "اجلسي!" لم أمانع حتى وإن اتسخت ثيابي.

"أعتذر عن ذلك الانهيار منذ لحظات" تمتمت ليضحك ويقول "أتمزحين؟ من يعتذر لأنه يبكي؟ جلنار، رغم أن قول هذا قد يبدو غريبًا إلا أنني لست غريبًا عنكِ بعد الآن" وجدت نفسي أضحك قبل أن يقاطع ضحكي شهقة مما زاد ضحكي مع يوجين.

"أعلم، ربما أنت أكثر الأشخاص معرفة بي الآن، مبارك لك"

"بالطبع مبارك لي!"

نظرت نحوه ضاحكة وقلت باندهاش "هل تسخر؟" رفع يديه وأجاب "وهل أستطيع حتى؟" أمسكت حفنة من الرمال ورميتها نحوه متمتة بـ "أحمق".

"تعلمين أنها لن تصيبني!"

"إذا مثل أنها أصابتك"

نهض من مكانه ممسكًا بعينيه وصاح وهو يشتم ويلعن قائلًا "لقد دخلت الرمال في عيني، تبًا، جلنار!" لم أتمالك ضحكي قبل أن أنهض وأركض خلفه لرمي المزيد من الرمال وعندما عاد للركض خلفي ركضت بعيدًا حتى توقفت أمام المياه، وقف أمامي ودفع جسدي لكني نظرت نحوه قائلة "تعلم أنني لن أقع!" رفع حاجبًا وقال "لقد دفعتكِ ويجب أن تقعي".

لا أعلم لماذا جاريته ولكنني أوقعت نفسي بالفعل لتضرب موجة قوية ظهري، ظل يوجين يضحك على تعبير وجهي بسبب المياه التي اقتحمت أذني. بقينا طيلة النهار نركض خلف بعضنا تارة ونركض من الأمواج تارة ونركض خلفها أيضًا، حتى أن كارولوس تحمس كثيرًا وقام بإغراقنا كليًا عندما حرك جناحيه داخل المياه… حسنا، بللني أنا إن كنا دقيقين.

غربت الشمس وأصبح الشاطئ مظلمًا ولكننا لم نقاوم حتى رغبة البقاء ومشاهدة النجوم من هنا؛ فقد كانت مذهلة. استلقيت على الشاطئ مع يوجين بينما استلقى كارولوس واضعًا رأسه على قدمي، حاولنا تخمين أي النجوم أكثر لمعانًا وأيها قد يكون درب التبانة، حتى أننا تشاجرنا عندما حاولنا تكوين أشكال ما بتوصيل النجوم، وعندما أدركت أننا تأخرنا بالقدر الكافي الذي قد يجعل واندر تفزع نهض كلانا وأعادنا كارولوس للمنزل. 

لسبب ما هذه الساعات التي قضيتها أمرح بطفولية مع يوجين وكأن شيئا لم يحدث كانت مفيدة، مفيدة جدًا لدرجة جعلتني أعود لصوابي وهدوئي نوعًا ما. من المريح كوني قادرة على انتشال نفسي فجأة بعيدًا عن هذه الفوضى، ولكن كان يجب على العودة في النهاية.

ودعت كارولوس الذي ذهب لينام مباشرة بينما اتجه كلانا للمنزل، وطيلة الطريق ظل يوجين يحذرني من التورط مع أتريوس عندما نعود، ولكن وكأنه مقدر ألا نرى بعضنا إلا لنصنع مشكلة ما، لأنني ما إن فتحت باب المنزل كان مستلقيا على الأريكة يحدق بالباب… رائع!

حاولت الاستماع ليوجين وتجنبت النظر نحوه تمامًا بينما آخذ طريقي للداخل، ولكن أراهن أنه مستلقٍ هنا منذ الصباح فقط ليصنع جدالًا ما معي.

"انتهيتِ من العويل كالأطفال أخيرًا؟ لأنه عليكِ نسيان كونكِ مثيرة للشفقة، لست مربي أطفال" ورغم تكرار يوجين لكلمة تجاهليه إلا أنني لم أفعل ولم أقاوم حتى رغبة النظر نحوه بسخرية والرد "أعتذر، هل كنت تستمع لي أم لنفسك؟ فكما ترى لا أحد هنا مثير للشفقة بقدرك، وإن كنت لا تلاحظ فجميعنا نبدو كمربياتك".

وكأنني أعطيته شارة البداية لأنه نهض متجهًا نحوي وهو يقول بغيظ "إن كنتِ لا تلاحظين فأنا مسؤول عنكِ؛ لذلك إن كنتِ تريدين البقاء قطعة واحدة إلى نهاية الأسبوع ضعي لسانك داخل فمك ولا تُسمعيني صوتك" دحرجت عيني قائلة "انظر إلي، أنا أرتعد خوفًا. بالله عليك، أمي يمكنها إخافتي أكثر منك".

قررت أني اكتفيت لذلك التفت للصعود إلى غرفتي، لكنه كان يملك خططا أخرى لأنه أمسك بمرفقي وجذبني نحوه بقوة أدت لاصطدامي به، حاولت إبعاد يده عني ولكن لا فائدة، إنه لا يتزحزح "كوني ممتنة لكوني سأتحمل هرائك منذ اليوم" كان قريبًا! قريبًا لدرجة تجعلني قد أحدق بلون عينيه كالبلهاء إن لم أشغل نفسي؛ لذلك ضحكت بقوة قبل أن أصيح به:

"ويحك! تظنني سعيدة بك؟ كأنني سقطت على ركبتي أتوسل لتجعلك مسئولًا عني، أنا هي الفتاة المباركة لأنك ستدربني؟ بحق الله، أتريوس، أنا أبغضك حد الجحيم، ربما هذا اليوم يصنف من أسوأ أيام حياتـ... لا، أتعلم؟ اليوم الذي رأيتك فيه هو الأسوأ بلا ريب. اللعنة عليك، أتمنى أن أقع تحت يد فيرونيكا على أن أكون تحت يدك، ولمعلوماتك فيرونيكا هي أكثر ساقطة عرفتها في حياتي لذلك مبارك لك تغلبك عليها أيها اللعين"

لم أدرك أن صوتي كان يعلو مع كل كلمة وفي النهاية ضربت صدره بقبضتي لعله يبتعد، ولكنه انزعج من محاولاتي للابتعاد لأنه جذبني بشكل أقوى وأصبح من الصعب حقًا تجاهل النظر إلى عينيه.

"لمَ لا نهدأ جميعًا؟ الجميع متوتر على أي حال، كما أنكما عالقان معًا، لن تمر الأمور إن ظللتما تحرقان بعضكما بهذه النظرات، لمَ لا تشربان مشروبًا قد يرفه عنـ..." قُطِعَت ثونار التي وقفت عن يميننا ممسكة بكأس لمشروب ما عندما سحب أتريوس فأسه وقطع الكأس لنصفين ليقع نصفه أرضًا، وما زالت ثونار ممسكة بالنصف الثاني وقد صرخت بصدمة.

أجفلت لصوت الزجاج الذي تحطم بينما هو لم يطرف ولم يبعد عينه عني، نظرت نحوه قائلة "أنت مجنون كليًا" ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه قبل أن يقطع تواصل عينه ويتحرك يهمس بجوار أذني "لم تري الجنون بعد".

وقبل أن يترك ذراعي التي تحطمت تقريبًا أرسل نظرة نحو أغدراسيل الذي لاحظت أنه يقف مع نصف الموجودين بينما تمسك واندر به بقوة حتى لا يحطم رأس أتريوس.

تحرك يصعد للأعلى وقال دون الالتفات "ستستيقظين مع طلوع شمس الغد" ثم اختفى لتصرخ ثونار "هذا المشروب ليس مجانًا أيها الهمجي!"

يمكنني القول أنني فقدت أعصابي لأنني صرخت بشتائم لم أكن أعرف أن بإمكاني قولها بصوت عالٍ؛ ذلك النوع من الشتائم الذي جعل جميع من سمعني حتى يوجين داخل صدمة بينما أركل كل ما أراه حولي.

عندما شعرت بألم حلقي وبالتعب لكثرة الصراخ ألقيت جسدي على الأريكة التقطت أنفاسي. "هل هدأتِ؟" نظرت بغضب ناحية ثونار التي جلست بجواري، رفعت يديها كعلامة سلام وقالت "يمكنني أن أنهض إن كنتِ تريدين" لمحتها تشير للبقية بالابتعاد وكأنني سأقتلهم.

"تعلمين أن روحك لن تنجو مع أتريوس إن ظللتِ تتعاملين معه بهذه الطريقة" رفعت حاجبا وقلت باستنكار "عليه إهانتي وتقبل ذلك؟".

"كنتِ تتقبلين الإهانات في الماضي؟" نظرت ناحية يوجين بغضب ليشير على فمه وكأنه يسكت نفسه.

"بالطبع لا أقصد تقبل الإهانات، ولكن جميعنا نعلم كيف هو ذلك المجنون، إنه عنيد كاللعنة وسيعاملك بأسوأ طريقة كانتقام من الحكيمة، لذلك لا تدعيه يقع بأخطائك، حينها ستكونين أنتِ المتسببة في المشاكل لا هو، أعني… لقد كنت أملك معلمة أكرهها في وقت سابق، كنت أكره تلك الشمطاء كاللعنة ولكن لقد سارت الأمور على ما يرام"

نظرت نحوها وسألت "وكيف تعاملتِ معها؟" رفعت كتفيها وقالت بابتسامة "توقفت عن التعليم" اتسعت عيني وقلت "مـ… ماذا؟" رفعت حاجبًا مع ابتسامة خبيثة وقالت "فقدت أحد أطرافها أثناء التدريب عن طريق الخطأ" أجل، يمكنني المراهنة على أنه عن طريق الخطأ.

"لا تستمعي لنصائح هذه المجنونة، جلنار" أتفق مع يوجين كليًا في هذا "لمَ لا تشاركيني الشراب؟ سيخفف عنكِ بعض آلام الرأس" دحرجت عيني وقلت "لا أشرب" ضحكت وصفعت كتفي قائلة "هيا يا فتاة! لقد كان جسدك جيدًا في تحمل المشروب" لحظة! بالحديث عن ذلك..

نظرت نحوها ببرود وعندما لاحظتني ابتلعت وقالت "تذكرت أن هناك شيئا علي فعله لذلـ..." قاطعتها وأنا أسحب ذراعها لتسقط على الأريكة مجددًا "لقد اقتحمتِ جسدي" ابتسمت باتساع وقالت "آسفة" اتسعت عيني وصحت "آسفة! هذا سيفسر الأمر ويجعلني أتقبل ما حدث؟" أشارت لي بصمت وقالت "اخفضي صوتكِ".

كتفت ذراعي ونظرت إلى عينيها أنتظر تفسيرًا لتتنهد وتقول "توقفي عن النظر نحوي هكذا! لم أكن أخطط للأمر حتى، ولكن ما حدث ذلك اليوم أن هناك رسالة غريبة وصلتني كانت هناك التعويذة المحرمة بها وأمر بأن أقتحم جسدك وأجعلك تشربين وتصنعين بعض الفوضى، لم يكن الأمر بيدي".

رفعت حاجبًا ولم أتحدث بينما قال يوجين "حتى طفل يمكنه صنع كذبة أفضل" عندما رأت أنني لم أصدق دحرجت عينيها وقالت "حسنًا، لم يكن الأمر تمامًا هكذا... كل ما حدث هو أنني استمعت للحكيمة تتحدث عن البشر وعنكِ وعن وجود فارسة من البشر ثم تحدثت عن تلك التعويذة والتي هي محرم علينا استعمالها، حاولت مقاومة كل الإغراءات التي تقودني لاستعمالها وذهبت للنوم ولكن…".

بللت شفتيها ونظرت نحوي بجدية "لا أكذب، حلمت ذلك اليوم بحلم غريب، وكان الصوت يتكرر مرارًا وتكرارًا أن علي الذهاب للأرض، علي توجيه ابنة التوبازيوس… أقسم أنني لم أفهم شيئا سوى أنه مقدر لي استخدام هذه التعويذة. تسللت ليلًا وكانت الخطة هي الانتقال لجسد بشري لمساعدتك، ولكن حدث خطأ بسيط ونطقت اسمك في التعويذة، ولذلك انتقلت لجسدك ثم…".

عضت شفتيها وصمتت لأقول "كانت الخطة هي إرشادي!" تنهدت وقالت "كانت الخطة إرشادك ولكن لقد كنتِ داخل ذلك المكان الرائع وكان الجميع فاقد عقله هناك، رائحة المشروبات واللعنة ما زلت أتذكرها، لم أستطع المقاومة، لقد كان الأمر مغريًا، قلت أنني سأشرب كأسًا واحدا ولكن بحق الله من قد يكتفي بكأس واحد؟"

"ثم دخلتِ في سباق جرعات مع شخص غريب وقمتِ بضرب فتاة تتنمر علي وبعدها حاولتِ تقبيل شاب لم أمسك يده أو أنظر لعينه يومًا" اتسعت عينيها وقالت "أكانت تلك الفتاة تتنمر عليكِ؟ تلك الحمقاء؟ أتمزحين؟ تقفين في وجه أتريوس وتتركين مخلوقًا بهذه البشاعة يتنمر عليكِ؟ أكنتِ تشفقين عليها؟".

صاح يوجين لأنه وجد مناصرًا له مما جعلني أدحرج عيني "بطريقة أو بأخرى كنت جلنار مختلفة نوعًا ما" رفعت كتفيها قبل أن تمسك يدي وتقول "سامحتني، صحيح؟ لا يجب أن يعرف أحدهم أنني استعملت تعويذة محرمة وإلا سيقبض علي، أتعرفين لماذا تأخرت حتى انضممت لكم؟ لإنه كان محكومٌ علي بالسجن كعقوبة لمائة عام، ولولا كوني فارسة لما نجوت" اتسعت عيني بصدمة وصحت "لمَ؟".

دحرجت عينيها وقالت "كنت ثملة وقمت بشتم الملكة، وتعلمين، هناك حدود مقدسة لا يجب تعديها وما إلى ذلك... إن عرف أحدهم أنني استخدمت تعويذة محرمة سيتم إعدامي علنيًا".

إعدام! ما لعنة هؤلاء القوم؟ إنهم مجانين، عندما لاحظت نظرات الهلع على وجهي ربتت على ظهري قائلة "لا تقلقي، ليست المرة الأولى التي يحكم علي فيها، سأنجو دائمًا، في النهاية أنا ثونار خطيئة الساحرات" واو، الكثير من الفخر والاعتزاز هنا!

"أيمكنني الانضمام لحديث الفتيات هذا؟" أحاط جوزفين عنق كل واحدة منا بيده لترد ثونار "بالطبع، جميع الفتيات مرحب بهن" لم أتمالك ضحكتي بينما نظر نحوها بغيظ.

قفز ليجلس بجواري على الأريكة بينما أنتصف كليهما "إذًا ابنة التوبازيوس، أمتلك الشرف لأني على أريكة واحدة معها" نظرت نحوه بتململ وقلت "حقًا! ما زلت أنا، صدقني أنا حتى لا علم لي بما يحدث حتى الآن" التفت يده حولي وجذب جسدي نحوه في عناق جانبي وقال ضاحكًا "لا تقلقي، لم يختلف شيء، جلنار ما زالتِ جلنار بالنسبة لنا جميعًا ولا أحد يدري ما يحدث وجميعنا سيخضع لتدريب مكثف وجميعنا خائف مثلك تمامًا، لذلك جميعنا نشعر بما تشعرين".

لم أتمالك ابتسامتي وألقيت برأسي على كتفه وتمتمت "سعيدة لمعرفتي بكم رغم كل الجحيم الذي سأعيشه" شعرت به يقهقه وقال "إن فعل أتريوس شيئا فقط قولي؛ سنركل مؤخرته" رفعت حاجبًا ونظرت نحوه في ذات الوقت الذي نظرت نحوه ثونار بذات النظرة ليقول "حسنًا، ربما لن أركلها لكني سأفعل شيئا سيئا".

قهقهت ثونار قبل أن تقفز فوق كلينا وهي تصرخ "عناق جماعي!" لم أمانع اعتصارها لي هي وجوزفين، حتى أن هارليك ولافيان وتينر جام وحتى زوندي انضموا لنا، بينما أغدراسيل وأوكتيفيان ينظران بابتسامة قبل أن تسحبهما ثونار لينضما لنا مع رومياس الذي أظهر انزعاجه لإحاطة ثونار رقبته.

ربما أنا بالفعل لست وحدي! أعلم أني حالة مختلفة ولكن... جميعنا خائف، وجميعنا نحمل مسؤولية لم نختر حملها وسواء أدركت ذلك أو لا فهناك أشخاص هنا مستعدون بالفعل للوقوف بجانبي رغم أننا لا نعرف بعضنا سوى من شهر إن صح حسابي.

هذه حربنا معًا، سواء أكان الأمر خيالًا أم حقيقة،  تقبلت ذلك أم لا، لكنهم نوعًا ما لا ينظرون نحوي كما كنت أظن دائمًا... أو ربما أصبحوا الآن لا ينظرون نحوي بتلك الطريقة، ورغم تذمري الدائم إلا أن هناك شيء أفضل هنا عن حياتي منذ شهر على الأرض.

عندما ذهبت للنوم لحقت بي واندر، سحبت يدي قبل أن تجلس على السرير وتجلسني بجوارها "أنا حقًا أعتذر لما يفعله أتريوس" ارتفع حاجبي بدهشة وقلت بسرعة "لمَ تعتذرين بحق الله؟ إنه ليس خطأك واندر، كما أنه ناضج كفاية لتعتذري عن تصرفاته".

ابتسمت ونظرت بعيدًا قبل أن تقول "أعلم أنه أخرق ولكنه غاضب مثلك تمامًا، طريقة تعبيره عن ذلك الغضب ليست جيدة في الواقع، كما أنه... منذ مجيئك وهو يحاول بشدة إبعادك" دحرجت عيني وقلت "ليس عليه المحاولة، يمكنه قولها وسأبتعد قدر الإمكان" حركت رأسها وقالت "لكن هذا ليس حلًا، إنه أحمق ليدرك أنه يحاول إبعاد نفسه، لا إبعادك".

نظرت نحوها لوهلة بتعجب وقلت "يحاول إبعاد نفسه؟ لمَ؟ لست فتاة سيئة إلى هذا الحد" أومأت بتفهم وأجابت "وهذه هي المشكلة، أنتِ نقية جدًا بالنسبة له" لم أفهم حتى ما ترمي له ولكنها تمتمت وكأنها تحدث نفسها "أحمق، لا يرى أنه يقترب أكثر مما يبتعد".

نظرت نحوي واحتضنت جسدي قائلة "أعلم أنه صعب جدًا ما سيحدث منذ الآن، ولكني سأكون هنا من أجلك، جميعنا سنكون هنا من أجلك" لم أقاوم رغبة احتضانها قبل أن تتمنى لي ليلة سعيدة وتنهض.

توقفت أمام الباب وقالت "أتريوس ليس ذلك الرجل السيء أيضًا، لكن الحياة سيئة جدًا معه" وقبل أن أحصل على استفسار كانت قد أغلقت الباب وخرجت.

ظننت أنني قد أستغرق وقتًا حتى أخلد للنوم وربما سأصاب بالأرق، ولكني نسيت أنني ذلك النوع من الأشخاص الذي كلما زاد عليه الضغط هرب للنوم دون تفكير.

صبيحة اليوم التالي لا أعرف حقًا بما يجب وصفها سوى بكارثية!

من بحق الله سيستيقظ سعيدًا بينما هناك صوت لعين يخترق أذنه كلما حاول النوم؟ لا أعرف ما الوقت وكم ظللت النائمة، ولكن صوته كان يتكرر، حاولت بشدة تجاهل الأمر ودثر نفسي بين الأغطية.

شهقت بقوة ما إن شعرت بمياه باردة تُغرق جسدي، انتفضت فزعًا أنظر حولي قبل أن تقع عيني على اللعين أتريوس يقف مع وجه جامد ممسكًا دلوا كان مملوءً بالماء منذ ثوانٍ.

"هل جننت؟" صحت به بينما أرتجف بسبب الماء البارد وأحاول إبعاد شعري عن وجهي "أعتذر إن كنتِ تنامين كالجثة، اتبعيني للخارج" نظرت للنافذة حيث كان الظلام هو الشيء الوحيد في الخارج "أتمازحني؟ لقد قلت مع شروق الشمس!" توقف والتفت بابتسامة جانبية وقال "غيرت رأيي، سننهض قبل طلوعها. تحركي" اتجه نحوي وسحب يدي لأتعثر بسبب الأغطية التي كانت تحيطني.

أمسكت أنفي الذي وقعت فوقه متألمة وحاولت النهوض ولكنه سحب ذراعي مجددًا مجبرًا إياي على الوقوف "اترك يدي أيها الهمجي!" صحت به ليجذبني ويقول ساخرًا "ما رأيك بتناول الفطور أيضًا؟" اتسعت عيني وصحت "لن نتناول الفطور حتى؟".

كاد يقول شيئا ما لكنه توقف ونظر نحوي قبل أن يترك يدي ويلتفت للجهة الأخرى ويقول "من الأفضل أن تغيري ملابسك أولًا" ثم خرج!

نظرت نحو ملابسي بعدم فهم لكن عيني اتسعت ما إن رأيت ثوب النوم ملتصقًا وشفافًا بسبب الماء "اللعنة عليك!" صرخت بينما ألقي بالوسادة ناحية الباب.

هذا سيكون الجحيم حتمًا.

****************************************

ومن هنا يبدأ الشقااااااااء

احيانًا بتخيل لو جلنار اتحبست معايا في اوضه وعرفت اني كاتبة كل الاحداث الي حصلتلها

هتعمل فيا ايه!!!

طبعًا مش عايزه احط اصلا احتمالية اتريوس يكون هو الي معايا لان باين اوي هيحصل ايه مفيش كلام

وصلنا لنقطة تحول كبيرة ومش باقي فصول كتيرة اوي على الفصول الجديدة يمكن بتاع عشرين فصل بسسسسس

الله يعينكم عليا

انجوي بالفصول 

بااااااااييييييييي


Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

36 تعليقات

  1. نعيد بالفصول الجديدة ان شاءالله 🖤🦋

    ردحذف
  2. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  3. الله يصبرني بجد على الجمال ده بجد

    ردحذف
  4. ♥️♥️♥️🔥🔥🔥🔥

    ردحذف
  5. ايه الحماس دا 😭😭🔥🔥
    كيف اصبر لبكرة 🥲💔؟؟

    ردحذف
  6. اديللهههه الاحداث بتسخن اخيراااا

    ردحذف
  7. واخيرا دخول ثونار للأحداث يخليها نار و شرار

    ردحذف
  8. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  9. لولا انك مشغولة كنت طالبت ينزل فصلين كل يوم انا مش قادرة م الفضول 😭😭😭 بجد احداث عظمة والحبكة والسرد وكله عظمة، انا بقيت انام احلم بيهم وبيبقا احسن وقت ف يومي لما بقرأها حقيقي🥺🥺 هضطر استنا لبكرة بقاااا

    ردحذف
  10. الآن سيبدأ الحماس الحقيقي للاحداث .راح تتغير جلنار ١٨٠درجة عن جلنار الي نعرفها ..مشكورة يا قلبي على التزامك بتنزيل الفصول إن شاء الله تستمري على نفس النهج ..متحمسين للقادم❤❤❤

    ردحذف
    الردود
    1. يعني قرأتي الرواية من قبل ارجوكي ممكن سؤال ادا مكتملة ولا لا انا قرأت حتى الفصل 64 وتوقفو😭

      حذف
  11. اكافئ نفسي بعد كملت دراسه بالفصل الجديد💕

    ردحذف
  12. جوزفين احسه مثل اخو جلنار لوش😔🩷

    ردحذف
  13. 🥰🥰🥰🥰🥰♥️❤️❤️❤️

    ردحذف
  14. 🔥🔥🔥🔥❤️❤️❤️❤️😍

    ردحذف
  15. هل الرواية كاملة ارجو الرد 😭

    ردحذف
    الردود
    1. المتابعين القديمين وصلنا تقريبا للفصل الثمانين أو حاجة، بعد دمج الفصول تقريبا لمن نوصل الفصل الخمسين بتبدا الاحداث الجديدة قبل التوقف، أما بالنسبة للاكتمال اعتقد ايوة مادام الكاتبة بتنزل بانتظام

      حذف
    2. ثمانين شنو هي وصلت فصل72 وتوقفت

      حذف
  16. حماااسس يلا لازم اتوقف هين وابدي اجمع كم فصل😭✨💙

    ردحذف
  17. مش توقعت انى هتحمس كدا حتى و انا فاكره الاحداث..لاء بجد اشتقت 😭😭♥️

    ردحذف
  18. الله على الحمااااااااس

    ردحذف
  19. ياربييي تحمستت للجاي فدوة اسراء استعجلي بالتنزيل وربي ضناني الشوققق

    ردحذف
  20. اوببااا جلنار واتريوس مع بعض!! ههههههههههههه
    شكلنا بنشوف هواشات كثيييررههه- ويمكنن مومنتات؟ 🙈
    صح هواشاتكم تونس وحلوه بس نبي مومنتات يا حبايبي انتو 💔

    بخصوص لما راحت الغابه تصيح 💔 يا عمريي جلنار ما اتحمل دموعهاا نقطه ضعفي 💔
    بس لما ركبت كارولوس وطار فيها لمكان ثاني 3>> اخخ احب كارولوس
    و يوجين وجلنار كيوتيي وهم يلعبون بالبحر مع كارولوس ييهبلوونن💗
    هذا الي صدق جلسة مافيها نفس ثقيله
    ويضحك وهم يمثلون انهم يطيحون ومادري ايش مع انهم ما يتاثرون بلمسات بعض 😭 تكفون خذوني معاكم ابي العب

    «أتريوس ليس ذلك الرجل السيء أيضًا، لكن الحياة سيئة جدًا معه» ليش زعلت 😞
    يعمري عليه مره ودي بماضي اتريوس وسوالف اكثر عن حياته
    -

    " أراهن أنه مستلقٍ هنا منذ الصباح فقط ليصنع جدالًا ما معي."
    «انتهيتِ من العويل كالأطفال أخيرًا؟ لأنه عليكِ نسيان كونكِ مثيرة للشفقة، لست مربي أطفال».
    ضحكتت بخصوص صدق تخيلته متكي يفكر بالكلام هذا وجهزه من الصباح عشان اول ما تدخل يقوله 😭😭

    الاستقعاد عند اتريوس عالي جدًا

    والحقير مصحيها من قبل الفجر وهو قايلها بعد الفجرر! ولا بعد بايش؟ بسطل مويه! يا عزتي لجلنار حبيبتي واضح بتموتين وانتي تتدربين

    «انظر إلي، أنا أرتعد خوفًا. بالله عليك، أمي يمكنها إخافتي أكثر منك» تستستتشتشتش ججللننااررر لااا 😭😭😭 ضحككتتت
    -
    -
    «هناك رسالة غريبة وصلتني كانت هناك التعويذة المحرمة بها وأمر بأن أقتحم جسدك وأجعلك تشربين وتصنعين بعض الفوضى، لم يكن الأمر بيدي» ثونار حبيبتي وش ذي الكذبات السخيفه يحتاجلك ترفعين المستوى هههههههههه
    -
    المهم وناسه ثونار حبيتها تهببللل واضح بيصيرون بيتسيز هي وجلنار🌹
    -
    متتت من الضحك لما جوزفين جا يجلس مع البنات وثونار قالت «بالطبع، جميع الفتيات مرحب بهن» 😭😭

    «إن فعل أتريوس شيئا فقط قولي؛ سنركل مؤخرته» حبيبيي جوزفين رغم انه بيلقم من اتريوس بس حبيت حبيت المواساه هههههههههههه

    عناقهم الجماعي بقللبيي 😢💕💗💞💓
    لطيفيين مره احبهم علاقتهم تهبل مع ان بالبدايه كان وضعهم سيئ شوي خصوصا مع جلنار بس يمكن علاقتهم مع الوقت تصير احسن وهم الحين مره يهبلون وكيوتي ، لو مافي حروب كان عالمهم بيكون دافي ولطيف واحس ودي اعيش معاهم تكفون خذوني 😞
    مره واقعه لشخصيات توبازيوس وعالمهم 💗
    بسس!! اترييووسس وييننه عنكمم زعلت ما شارك بالحضننن! وذاك الوقح الصغير اتريانو مع اني مشخصنتها معاه بس برضو كان لازم يشارك ههههههههه
    -
    -
    ربما أنا بالفعل لست وحدي! أعلم أني حالة مختلفة ولكن... جميعنا خائف، وجميعنا نحمل مسؤولية لم نختر حملها وسواء أدركت ذلك أو لا فهناك أشخاص هنا مستعدون بالفعل للوقوف بجانبي رغم أننا لا نعرف بعضنا سوى من شهر إن صح حسابي.
    هذه حربنا معًا، سواء أكان الأمر خيالًا أم حقيقة، تقبلت ذلك أم لا، لكنهم نوعًا ما لا ينظرون نحوي كما كنت أظن دائمًا... أو ربما أصبحوا الآن لا ينظرون نحوي بتلك الطريقة، ورغم تذمري الدائم إلا أن هناك شيء أفضل هنا عن حياتي منذ شهر على الأرض

    كلامم جلنارر يجنن هناا اثر فيني ما بنساه💗💗💗

    ردحذف
  21. حمااس حمااااااس 😭😭😭😭 الادرنالين في دممي بيجيررري اكثر من دمي ( لاتسئلوني ما ادري كيف اصلا) 😭

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال