الفصل الرابع والأربعون | نزال لأجل الصهباء

  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "استغفرك ربي واتوب إليك، اللهم تب علي فمعصيتي ضعف من نفسي".

إفصاح آخر "هل كان علينا أن نسقط من علو شاهق ونرى دمنا على أيدينا لندرك أننا لسنا ملائكة كما كنا نظن". محمود درويش

مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل الرابع والاربعون 


أحيانًا يضطر المرء للتعامل مع الكثير من الحقائق عندما يصبح أكبر وأكبر.

بعض ما كنا نؤمن به ونحن صغار علينا أن نواجه حقيقة أنه مجرد خيال وأن الواقع أكثر بشاعة من ذلك الوحش الذي ظننا أنه دائمًا يختبئ أسفل أسرتنا ليلًا منتظرًا الوقت المناسب حتى يُمسك بنا ويسحبُنا لعالمه البشع.

يسحبُنا إلى الظلام، أكثر وأكثر حتى يلتهمنا الظلام قبل أن يلتهمنا الوحش..

بالنسبة لذلك الطفل الصغير لم يكن يعلم أن والديه هم أكثر بشاعة من الوحش الذي لطالما أخافه في الليل.

قبلة صغيرة كانت تتركها والدتها على جبينه وتهمس له بلطف قائلة: "أنت نبيل، الجميع يحب النبلاء، الجميع يحبك".

كانت تكذب، لا أحد يحب النبلاء... حتى النبلاء لا يحبون بعضهم البعض، لكنه لم يفقه ذلك عندما كان صغيرًا؛ فقد كان محاطًا بالأسوار وظن أن العالم كله هو قلعة والده الذي يحبه الجميع فيها ويبتسمون في وجهه.

لم يعلم أن والدته التي كانت تطبع قبلاتها على جبينه كل ليلة بلطف هي ذاتها الأم التي وقعت دون تردد على أوراق تسببت في تشريد مئات الأطفال من العامة وسكان الحدود.

أضرار جانبية…

هذا ما اعتادت والدته أن تهمس به أمام المرآة عندما تصلها أخبار يومية عن البيوت التي تم هدمها حتى يُبنى قصر أحلامها.

لم يكن الصبي الصغير يعلم أن والده الذي قال له يومًا إن النبيل له دور قوي في العالم، على الجميع احترام النبلاء، لأن النبلاء هم فخر الإلترانيوس، هو ذاته الوالد الذي أعطى موافقته على تجاهل نداءات الضحايا عندما احترقت منازلهم ومات الكثير منهم بسبب انعدام العلاج.

كان يظن أن الجميع يحب النبلاء، الجميع يحترم النبلاء، كان يظن أن الجميع هو مصطلح يطلق على الخدم داخل المنزل؛ فهؤلاء الجميع كان يحترمونه فعلًا…

حتى تلك الليلة التي وجد نفسه بين يدي مربيته آني على مسافة بعيدة من الأرض تحاول إلقاء جسده وقلبها مليء بالكره والحقد.

لم يفهم... لمَ فعلت آني ذلك؟ ألم تكن آني تحبه؟ ألم تكن تحترمه كما كان الجميع هنا لأنه نبيل؟

كطفل صغير لم يكن مدرك أن عليه الهلع في هذه اللحظة، فهو يثق بمربيته كثيرًا، يثق بحبها له، لمَ قد تقوم مربيته بمحاولته إلقائه من فوق القصر لتؤذيه؟ ولمَ صرخت في وجه والدته قائلة: "كما قتلتِ ابنتي سأقتل ابنك"؟ لمَ قد تقتل والدته أحدًا؟ وكيف يمكن لآني التي ربته منذ أن ولد أن يكون لها ابنة؟

عندما اقتربت من الحافة وتعالى نحيب أمه بدأ شعور الخوف يدب في قلبه، بدأ يدرك أنه ربما في خطر حقيقي، عندما نظر لحافة الشرفة البعيدة عن الأرض التفت بنظرة ملأتها الدموع ينظر لمربيته بتساؤل، لمَ؟ لمَ قد تفعل شيئًا كهذا؟ هل أغضبها بسلوكه اليوم؟

لكن ما أن التقت عين مربيته بنظراته أدرك فورًا أنها ليست غاضبةً منه! إنها حزينة، خائفة، مثله تمامًا، لقد كانت ترتجف كما كان يفعل عندما يفسد شيئًا ويختبئ تحت سريره خوفًا من توبيخ أبويه.

تذكر فورًا كيف كانت آني تمده بالشجاعة وقتها؛ لذلك قرر أن يأخذ هو دور مربيته، كما تفعل له دومًا. التفت ذراعه الصغيرة حول عنقها محتضنًا جسدها وربت على ظهرها وهمس: "لا بأس، كل شيء سيكون بخير".

ابتسم عندما بادلته وعندما همست معتذرةً في أذنه مئة مرة، لم يكن غاضبًا منها.

ظن أن الأمر قد انتهى وأن مربيته قد هدأت وأنها في الصباح الباكر ستبتسم في وجهه كالعادة وتعتذر مجددًا وستقول إنها حظيت بكابوسٍ سيء!

لكن كل هذا تلاشى عندما تهاوى جسد آني أرضًا وبقعه الدماء فوق صدرها أصبحت أكبر... تنتشر بسرعة على كامل ملابسها، وخلفها وقف والده بنظرة غاضبة ومتقززة قبل أن يلتقط جسد ابنه الصغير.

ارتجفت شفتاه وجحظت عيناه عندما التمع السلاح في يد والده تحت ضوء القمر، بدل نظره بين سلاح والده والدماء التي أخذت تزحف فوق فستان آني الأبيض.

انتشر الظلام داخل الفتى بسرعة انتشار الدماء حول مربيته، أراد أن يصرخ في والده، أراد أن يخبره أن آني كانت خائفةً فقط وأنه احتضنها وأنها أصبحت بخير.

ولكنه فقط صمت…

أسبوع يليه أسبوع، احتفظ بصمته ولم يسمع والديه صوته، فعلا كل شيء حتى يتحدث صغيرهما ولكنه ظل صامتًا، ربما كانت صدمة كما قال الطبيب.

لكنه كان قد تجاوز الصدمة بسرعة وعرف أن الصمت هو الحل في هذا الوقت، صمت لأنه أدرك أن في هذا المنزل كلما تحدثت استمعت للأكاذيب…

بعدما قتل والده المربية التي لطالما أحبته سمع الكثير من الأكاذيب، كانت سارقة... كانت مجنونة… لقد أرادت قتلك منذ البداية ولكننا سنحميك، لو لم يكن والدك هناك لربما فقدتك للأبد، صغيري..

لكنه أدرك أن والدته تكذب، ووالده يكذب، آني لم تكن تريد رميه من فوق هذا الارتفاع ولم ترد قتله أو السرقة، لقد كانت خائفة، خائفة من والديه…

وقد أصبح هو أيضًا كذلك.

عندما تصمت سيتوقف من حولك عن قول الأكاذيب، سيتحدثون بحقيقة ما يشعرون عندما يتأكدون من أنك لن تفتح فمك، صبي عاجز عن الحديث لسنوات لن يركض لوالديه لإخبارهما كم الكراهية التي تتجول داخل قصرهما بين الخدم.

منذ ذلك اليوم أصبح أكبر وأكبر وفي كل سنة كان يدرك الحقيقة، كان يدرك الظلام الذي يحيط بالنبلاء ويبتلعهم، ثم أصبح أكبر وأدرك أن النبلاء هم الظلام الذي يبتلع الجميع.

وعندما تلقى ما يكفي من الضربات التي تثبت له أن الحقيقة أكثر بشاعة من الوحش أسفل سريره تمنى لو أن آني ألقت به من ذلك الارتفاع، لو أنها قتلته قبل أن يصبح أكبر وقبل أن يضطر للتعامل مع الحقيقة… لأصبح ممتنًا لها.

وعندما قرر إنهاء ما بدأته آني فوق ذلك المبنى العالي عندما عبرت إحدى قدميه لمصير الموت، وكل ما يجب عليه فعله هو إلقاء القدم الأخرى والقفز... قابلها!

كانت تقف هناك تحدق به بصدمة وقبل أن يقفز كانت تحيط جسده بقوة ولم يدرك ما حدث حتى تلقى صفعة قوية.

وهنا بدأت الفكرة…

غاربيلا التي انتشلت جسده من وحل النبلاء كانت البذرة وهو فقط عمل عليها لبقية حياته.

تنفس بقوة وهو يتذكر كل شيء قد حدث منذ البداية حتى الآن قبل أن تتجه يده تلقائيًا حيث الوشاح الأخضر حول رقبته يلمسه بلطف.

"سأنهي ما بدأته، غاربيلا… مهما كلفني الأمر"

همس قبل أن يلتفت لشاشات الضخمة والمجسمة التي ترسل له بثًا حيًا لقادة النبلاء في مكاتبهم.

التقط الطوق الذهبي الصغير وجمع به خصلاته السوداء التي تقع على عينيه الخضراء للخلف قبل أن يضع الحلوى داخل فمه ويصفق بحماس صارخًا: "لنبدأ اللعبة!".

.... 

"ما الذي تفكرين فيه بحق الله؟"

رفعت رأسها ناحية يوجين قبل أن ترسم ابتسامةً خبيثة ومتحمسة.

"أكبر مخطط قد أضعه في حياتي كلها" همست بحماس وهي تقهقه.

نظر بشك نحو وجهها وتمتم: "هذا المكان يؤثر على حالتك العقلية". بالرغم من دحرجتها لعينها فإنها لم تعترض على ما قال، لأنه محق! هذا المكان يؤثر على عقلها، وإن كان هؤلاء الأشخاص مجانين فهي ستقدم عرضًا يفوق الجنون.

رنت أصوات خطواتهم داخل القاعة الضخمة للقصر العظيم وعينها جالت على أجساد الفرسان أمامها.

لم تأخذ الجميع في هذه اللحظة؛ فقد أجبرت ثونار على البقاء في المنزل وتناول بعض الطعام، الارتجاف في يد الساحرة أقلق جلنار وجعلها تتأكد من أن آثار تلك التعويذة لم تزل تمامًا.

جوزفين أيضًا أجبر على البقاء وإن كان قد سقط نائمًا ما إن أخبرته جلنار أن يبقى ليأخذ قسطًا من الراحة، ابتسمت بامتنان لتظاهره بالتماسك طيلة هذا الوقت، لكنه يحتاج للراحة وإن كان إجبارًا.

تينر جام كانت لديه مهمة خاصة مع كارولوس، لسبب ما شعرت جلنار أنهما قد يتأقلمان معًا بسرعة بالرغم من عدائية كارولوس.

سيتجهان معًا نحو ذلك الحاجز الضخم وسيحاولان إيجاد حدوده من جميع الاتجاهات؛ فعليهم معرفة أي شيء عما يتعاملون معه.

وفي النهاية كان فريقهم أيضًا يفتقد أوكتيفيان!

نظرت للنوافذ التي ترمي بأشعة الشمس إلى داخل المكان وقد استرجعت محادثتهما صباحًا قبل أن يتوجهوا للقصر العظيم.

.... 

"لن تأتِ معنا"

بالرغم من شعوره بالتفاجؤ لهذا الأمر فقد حافظ على تعابيره المعتادة وسأل بهدوء: "لماذا؟". فرقعت أصابعها قائلة: "لأنك حصان طروادة".

هذه المرة لم يتمالك الاستغراب والاستنكار الذي ظهر على وجهه مما دفع جلنار للضحك قبل أن تستند بجسدها على بار المطبخ خلفها…

" لم أفهم!" علق وكتف ذراعيه ينتظر شرحًا منطقيًا.

"ببساطة هناك حكاية قديمة يتداولها البشر، لكن لا أظنك مهتمًا كثيرًا بتراثنا" مازحت تتظاهر بلا مبالة ولكن نظرته الحادة ونفاد صبره المعتاد دفعها لدحرجة عينيها، رفعت جسدها وجلست فوق البار وجالت عينها على الجميع خلفهم المشغولون بأمورهم الخاصة.

"ببساطة مدينتان قديمًا اندلعت بينهما الحرب لسنوات قديمة، طال الأمر كثيرًا وحينها قرر جنود الإغريق القيام بخدعة حرب ذكية جعلت الانتصار من نصيبهم" بدأت الحديث بحماس ونظراته الفضولية شجعتها لتكمل "قاموا بصنع حصان خشبي ضخم لم يُرَ له مثيل ووضعوه امام طروادة، أي المدينة المعادية، حينها ظن الطرواديون أنه هدية استسلام أو علامة نصر لهم من الآلهة فاستلموا الحمقى الهدية بكل سذاجة وأدخلوها مدينتهم، لم يعلموا أن الحصان كان مليئًا بمئاتٍ من جنود الإغريق اللذين ينتظرون اللحظة المناسبة لإنهاء الحرب، وعندما أصبح الحصان داخل المدينة..."

مالت نحو أوكتيفيان قبل أن تردف: "بوم! انتهت الحرب كفرقعة الأصابع وفاز الإغريق".

زم شفتيه وقد ظهر إعجابه بالقصة على ملامح وجهه، صفقت جلنار بخفة وسألت: "لمَ فاز الإغريق بالحرب؟". رفع أوكتيفيان كتفيه مجيبًا: "لأنهم أذكياء". ابتسمت وتمتمت: "بالطبع، هذا سبب جيد، شكرًا لك..." علا صوتها في نهاية الجملة وأشارت نحوه قائلة: "ولكن لأن الطرواديون كانوا حمقى، مليئون بالغرور والثقة الزائدة، وهذا ما سبب خسارتهم".

كتف أوكتيفيان ذراعيه ونظر نحوها وقد ضيق عينه "أستنتج من هذا أنكِ تأخذين دور جنود الإغريق والنبلاء هم جنود طروادة". اتسعت ابتسامتها وأومأت بعفوية: "أي أني أحمق مليء بالغرور!". اتسعت عيناها لجملة أوكتيفيان الأخيرة وحاولت تدارك الموقف "ليس تمامًا، أعني تملك غرورًا من نوع ما، لكنه لا يغطي صوت العقل لديك".

دحرج عينيه وتنهد متمتمًا: "متفاخرة". أعاد نظره نحوها وسأل باهتمام: "كيف إذًا سأكون حصان طروادة؟". ابتسامتها الجانبية اتسعت قبل أن تتحول لأخرى خبيثة جعلت أوكتيفيان يدرك أنه تورط بالكامل في مخطط سينهي حياته بسبب قائدته الحمقاء.

"ألم يطلب منك ألفن إفساد ما أخطط له؟ افعل ذلك بإخباره عن كل ما أحاول فعله" قالت جلنار مسببةً انعقاد حاجبي أوكتيفيان باستنكار، وقبل أن يفصح عن اعتراضه قدمت جلنار تفسيرًا: "ما أعنيه هو أنك ستخبر ألفن بما نريد منه أن يعرف فقط، كسب ثقته سيكون صعبًا؛ لذلك سنبدأ الأمر بأخبارٍ صادقة، في كل مرة تخبره بشيءٍ من خططي ويتحقق منه ويرى بنفسه أنك صادق سيثق بك، وحينها..."

رفع حاجبًا وكرر بعدها بتساؤل: "وحينها؟". رفعت كتفيها وكأنه شيء بديهي مردفة: "وحينها سنحركه تمامًا كما نريد، سنصيبه بالفزع شيئًا فشيئًا، سنصيبهم جميعًا بالفزع".

راقب أوكتيفيان النظرة ذات المغزى على وجهها ببعض الفضول، وفي هذه اللحظة أدرك كم يرغب في قدرة تجعله قادرًا على قراء ما يدور في عقول الآخرين، لربما حينها فقط يمكنه اكتشاف ما يدور داخل رأس تلك البشرية.

"ستذهب إلى ألفن، لن تأتي معنا إلى القصر، ستخبره بأني اكتشفت شيئًا سيئًا وأنني في طريقي للأميرة، ستخبره بأمر القانون" لخصت جلنار ما تريد قوله مثيرةً حيرة الرجل الجالس أمامها، لم يستطع أوكتيفيان تفسير الأمر وكذلك لم يتمكن من كتمان استنكاره؛ لذلك قال بنفاد صبر: "ألن يفسد هذا ما تخططين له؟".

حركت رأسها للجانبين ببساطة وقالت: "ماذا سيفعل إن عرف بالأمر؟ لا شيء، لن يتمكن من منعي، حتى أننا سنكون داخل قصر الأميرة في اللحظة التي تخبره بها بالأمر، سيدرك أنه غير قادر على فعل شيء لمنعي من لقاء الأميرة، لن يبقى له سوى التأكد من صحة الأخبار التي توصلها له وهذا سيتم بشكل أو بآخر؛ فأنا أجزم أنه يملك جواسيس منتشرين في كامل أنحاء المملكة".

في النهاية نظرت نحو أوكتيفيان منتظرة أن يطرح سؤالًا آخر أو أي رفض لخططها، لكنها تلقت منه تعبيرًا جامدًا وصمتًا معتادًا وقد نظر بعينه بعيدًا عنها.

في تلك اللحظة كان أوكتيفيان يحاول الوصول لنتيجة من كل هذا! ما الفائدة وما الشيء الأول الذي قد تفعله جلنار تحت مسمى القانون؟

وعندها أدرك أنه لن يحصل على إجابته؛ فبقدر ما قد تبدو جلنار ككتاب مفتوح، ساذجة وغير معقدة، فإن الواقع مختلف تمامًا، ستجد نفسك تدور في دوائر مغلقة عندما تحاول تخمين ما تفكر به…

لذلك استسلم في النهاية ونظر نحوها موافقًا على الأمر، وليحدث ما يحدث.

.... 

عادت جلنار للواقع عندما أوقفهم صوت سيدة في منتصف الطريق، التفت جميعهم نحو الجسد الطويل الذي التف حوله فستان بسيط من الحرير الأبيض، امرأة في عقدها الرابع كما بدا لجلنار ولكنها بدت أكثر شبابًا من هذا، خصلات سوداء جمعتها بشكل منظم وأعين بندقية واسعة ودافئة حدقت بهم، ولم تنسَ رسم ابتسامة بسيطة.

لاحظت جلنار انحناء الجميع بخفة نحوها بترحيب ووقفت هي تحدق بالمرأة بحماقة تحاول إدراك من تكون.

"مرحبًا بالفرسان داخل القصر العظيم، لم أمتلك حتى الآن فرصة للقائكم شخصيًا، أعتذر لهذا فبالكاد أتدبر وقتًا لنفسي" رحبت بهم وهي تقترب بخطواتها بينما تعلقت عينها بجلنار خاصة. "العفو جلالة الأميرة، لقائك شرف لنا" أغدراسيل بادر قائلًا باحترام بالغ.

عقدت جلنار حاجبها باستغراب، ظنت أن للملك ابنة واحدة أي أميرة واحدة! من تكون هذه المرأة؟

"لا بد أنكِ تتساءلين عمن تكون هذه المرأة" اتسعت عين جلنار لجملتها المازحة ولكن الصحيحة تمامًا وكأنها قرأت ما يدور داخل عقل جلنار، ولكن الأمر كان واضحًا على وجهها الذي يحدق ببلاهة. "أنا أفعل في هذه اللحظة" أجابت بعفوية قاصدة أنها بالفعل تتساءل عن هوية هذه الاميرة.

سمعت توبيخ لافيان الهامس لها؛ لذلك نظرت للخلف وحركت شفتيها بـ "ماذا هناك؟". لم تتمالك المرأة ضحكتها وتمتمت: "عفويتكِ ظريفة حقًا". التفت جلنار نحوها مجددًا بنظرة واسعة دفعت المرأة للابتسام بينما تعرف عن نفسها "أنا جلالة الأميرة جومانا سافيينج، الابنة الثانية لجلالته الملك الثاني عشر سافيينج وشقيقة جلالة الملك الحالي أعاده الإله لنا سالمًا".

فغرت جلنار فاهها تحاول إدراك أنها تقف أمام شقيقة الملك. "لم يخبرني أحدهم أن للملك شقيقة!" دون تفكير أفصحت عما دار في عقلها ولم تتمكن بعدها سوى من سماع ضحكات يوجين التي انفجرت تضرب المكان.

شعرت بالخجل عندما لاحظت ملامح الأميرة التي تحاول ألا تضحك حتى لا تحرج جلنار. "نعتذر، جلالة الأميرة. السيدة جلنار بذلت مجهودًا ولم تنم منذ أيام؛ لذلك بدأت بالهذيان". ضغط أغدراسيل على كتفها حتى لا تتحدث بشيء أحمق.

"لماذا لست متفاجئًا؟" همس أرتيانو من خلفها مما دفعها للنظر نحوه بغيظ، لكن عينها حلقت نحو أتريوس الذي منع ابتسامته بصعوبة وفجأة كان الغيظ والغضب قد اختفيا من داخلها ووجدت نفسها تبتسم كالحمقاء في وجهه.

"يمكنني مرافقتكم لقاعة الضيافة حتى مجيء جلالتها، سيكون من الجميل التحدث معًا" جذبت شقيقة الملك انتباه جلنار بينما تدعوهم لداخل أحد أضخم القاعات في القصر.

توقفت جلنار عن الشعور بالدهشة في كل مرة ترى حجم ثراء هذه الطبقات، عندما ظنت أن قصر أحد قادة النبلاء هو أكثر الأماكن ثراءً وإبهارًا جاء القصر العظيم محطمًا كل ما ظنت، هناك دائمًا شيء أفضل من الأفضل في هذا المكان.

الجميع اتخذ مكانًا على الأرائك المريحة والناعمة ولم يكن الجو مشحونًا كما ظنت جلنار أنه سيكون؛ فالقاعة دافئة والنوافذ الضخمة ترسل أشعة الشمس للمكان بينما موسيقى هادئة وناعمة كانت تتسلل ببطء من مكان ما لم تستطع تحديده.

وللحظة تمنت لو أنها تغمض عينيها وتنام لساعات في هذا المكان.

"إذًا… لا بد أنكِ هي صاحبة الضجة الضخمة" لم تنتبه جلنار حتى أن الجملة موجهة لها خصيصًا وظلت عينها تحلق من مكان لآخر بذهن شارد لولا يوجين الذي صفع كتفها بخفة، التفتت للأميرة باستفهام ولاحظت نظرات الجميع نحوها بيأس، عدا أتريوس الذي كان مستمتعًا بمراقبتها.

"كنت أعني أنكِ خلقتِ ضجة كبيرة عندما تم اختيارك" وضحت جومانا بابتسامة لطيفة؛ مما دفع بعض الإحراج لجلنار مجددًا، شعرت كالطفلة أمام هذه المرأة الناضجة. "لم أقصد خلق ضجة أو شيءٍ مشابه" تمتمت بينما تحاول إخفاء توترها.

"في الواقع أخي الأكبر كان فضوليًا جدًا حول البشر، أعنى… لنتحدث بصراحة؛ جميع الملوك على علم بوجودكم، ولكنكم بالنسبة لنا حكايةً يقولون إنها حقيقة وبالرغم من ذلك فمن المستحيل أن تراها يومًا ما، لم أكن أعلم أني سأعيش حتى أرى بشرًا في حياتي" صارحت وهي تنظر بشرود لأحد النوافذ وشيء من الحزن تجسد داخل عينها.

"حتى أن أجملهم أمامي" لاطفت جلنار ضاحكة وهي تلطف الأجواء؛ مما دفع الأخيرة للضحك بحماقة. "لا تبالغي، أنا عادية جدًا مقارنة بالجميع" قالت بينما تعبث بشعرها بتوتر. "أنا أتفق معكِ في هذا" التفتت لأرتيانو ونظرت نحوه بزاوية عينها بينما فضل هو الجلوس بظهر مستقيم وارتشاف مشروبه بهدوء.

"سيكون من الجميل أن يقابلكِ أخي الأكبر، حقًا كان ليسعد كثيرًا، لكن..." تنهدت جومانا في النهاية وشبكت أصابعها ببعض التوتر والكتمان. "سنعيده سالمًا" ارتفع رأسها لجملة جلنار الواثقة ونظرتها الجريئة داخل عينها. "أعدكِ بهذا، سنعيد جلالته للمملكة سالمًا، لن أقبل بأقل من هذا" أكدت قبل أن تبتسم لجومانا التي بادلتها نظرات ممتنة.

"أدعو بذلك في كل صلواتي" همست في النهاية ونظرت نحو النافذة مجددًا.

صوت قوي جذب أنظارهم نحو أحد الزوايا في القاعة الضخمة، حاولت جلنار تبين ملامح الشخص الذي كان يجلس هناك طيلة الوقت بهدوء ولم ينتبه أحدهم لوجوده حتى!

كان يمسك بكتاب بين يديه، كان هذا هو مصدر الصوت عندما أغلقه بقوة، نهض من مكانه ووضع الكتاب جانبًا، ثم التقط معطفَا طويلًا بلون أسود من فوق ظهر الكرسي، استقر المعطف فوق كتفه وبدون أي كلمة كان الرجل يبتعد نحو مخرج القاعة.

"سابلين! ألن تلقي التحية على ضيوفنا؟" هتفت جومانا مما دفع جسد الرجل للتجمد مكانه قبل أن يلتفت بهدوء نحو الفرسان.

جسد جلنار ارتجف بقوة في اللحظة التي التقت عينها بأعينه الزرقاء، باردة كالجليد! لم يكن لون عينه فقط، بل النظرة وحدها قادرة على إفزاعك.

لم تفهم جلنار من هو هذا الشخص ولما تفحصهم جميعًا بعينه بنظرة غير مهتمة، ولكنها لم تتمالك صدمتها عندما أرسل ابتسامة ساخرة نحوها ونظرة مستخفة وخرج من المكان.

بدا وكأن لا أحد لاحظ ابتسامته سواها؛ مما دفعها لقبض يدها تحاول إزاحة هذا الشعور السيء.

"أعتذر كثيرًا لأجل هذا، إنه الأمير سابلين شقيقنا الأصغر، إنه نوعًا ما…" نظرت في الأرجاء تحاول إيجاد الكلمة المناسبة لوصف شقيقها الأصغر قبل أن تقع عينها على الزاوية التي كان يجلس فيها كالشبح وتتمتم: "انطوائي".

"الانطوائيون سيئون جدًا، خاصة وإن كانوا ذوي منصاب" جملة يوجين كانت في محلها، وعندما قرر الانطلاق خلف الأمير منعته جلنار وهي تنظر نحوه برفض.

"ماذا؟ ليس وكأني سأتفقده وهو يستحم، سأعرف ما وراءه فقط..."

دحرج عينه عندما لاحظ ثبوت جلنار على رفضها وكتف ذراعيها بينما تذمر بصوت خافت.

"أعتذر لترككم تنتظرون"

الجميع وقف على قدمه ما إن دلفت الأميرة المكان، عين جلنار اتسعت عندما لاحظت ملابس الأميرة المختلفة، بنطال واسع وقميص أبيض يبدو كبيرًا نوعًا ما على جسدها وشعرها مجموع بشكل فوضوي، وبالرغم من ذلك لم تستطع جلنار سوى التفكير في كم هي خلابة.

"جلالة الأمير، كان يمكن للخدم تجهيزك" همست جومانا بعتاب نحو الأميرة لتبتسم الأخيرة قائلة: "لا تبالغي، عمتي! أشعر بالراحة أكثر في هذه الملابس". اتسعت عينا جلنار وصاحت بسعادة: "أليس كذلك؟ إنها تشعرك بالحرية بينما تقيد الفساتين حركة قدمك وهي ثقيلة وتسبب التعثر…".

ابتلعت كلماتها عندما لاحظت أن الجميع حرفيًا ينظر نحوها ويرسلون رسالة واحدة بأعينهم: توقفي. وكالعادة فضل يوجين الضحك في هذا الموقف بينما يسخر من تعبير جلنار.

"أخيرًا! شخصٌ ما يفهم وجهة نظري هنا" صفقت الأميرة بسعادة وابتسمت لجلنار قبل أن تغمز. "دعكِ منهم، أفهم تمامًا ما تعنينه" اتسعت ابتسامة جلنار بحماس ونظرت للبقية بطرف عينها ليحركوا رؤوسهم بيأس.

"حسنًا، سأذهب لتفقد أحاول البقية وسأترككم معًا؛ فيبدو أن حديثكم جاد" انسحبت جومانا من المكان بلباقة وهي تنحني لهم وخرجت تاركةً الفرسان بصحبة الأميرة.

على الفور تحول تعبير الأميرة من الود والابتسام إلى آخر بارد وجاد وهي تأخذ مقعدًا أمامهم. "هناك أمر مهم أنتم هنا لإخباري به، ويمكنني التخمين أنه خطير للدرجة التي تدفعكم للمجيء فورًا إلى هنا دون سابق إنذار أو اجتماع رسمي" انطلقت وهي تتفحص وجوههم بينما تبادل الفرسان الأنظار.

"أي امرأة هذه؟ لقد انفصلت تمامًا عن أجواء المزاح في الثانية إلى أجواء العمل! وكأنها تملك شخصيتين منفصلتين في تعابير الوجه والجسد والصوت، لطالما كنت أخاف حالات النساء هذه" لم تكن جلنار لتعارض يوجين، حتى هي تفاجأت من سرعة تحول الأميرة في خلال ثانية فقط!

لذلك استقامت جلنار وقررت هي الأخرى التوقف عن العبث والحديث بجدية بصفتها قائدةً هذه المرة.

"في الواقع جلالتكِ محقة... الأمر جدي ولا يحتمل الانتظار، ولأني سيئة في المقدمات دعيني أخبركِ مباشرةً ما أملك". ابتسمت الأميرة ابتسامة بسيطة "هذا أفضل، لست ممن يفضلون المقدمات".

نظرت جلنار للبقية ونظراتهم التي شجعتها على الحديث كانت كافيةً لتأخذ نفسًا وتفصح للأميرة عن القانون الذي غفلت عنه واستغل النبلاء هذا الأمر.

لم تعطِ الأميرة أي تعبير معين بينما تنصت لجلنار، وعندما أنهت الأخيرة حديثها أومأت الأميرة ببساطة قبل أن تصفق بيدها، في ثوانٍ كان هناك رجلٌ بزي رسمي يقف على جانب مقعد الأميرة الأيمن ينتظر أوامرها. "أريد من الكولونيل جيف أن يكون أمامي في خلال دقائق" لم يجادل الرجل وانطلق على الفور بعد أن انحنى باحترام.

بالرغم من هدوء الأميرة وصمتها فإن عين جلنار التقطت حركت أصابعها العصبية وضغط فكها القوي، وحينها عرفت أن الأميرة غاضبةً وربما كان هذا هدوء ما قبل العاصفة.

رجل ضخم البنية ذو شعر أشقر لامع وملابس مهندمة استأذن للدخول وأظهر احترامه للأميرة بانحنائه.

عينه اتجهت مباشرة على الفرسان قبل أن تثبت على أتريوس الذي أراح ظهره للخلف وحدق بالرجل ببرود. "كولونيل جيف، أتعرف ما هو القانون الأول في هذه المملكة؟" بذقن مرفوع وأعين ثابتة سألت الأميرة الكولونيل الذي مهما حافظ على هدوءه لم يستطع إخفاء توتره عن جلنار التي قرأت جسده في ثانية.

"الولاء للملك" أجاب بثقة لتبادر الأميرة: "الولاء! الولاء هو أن أعرف كل صغيرة وكبيرة، الولاء هو أن تحتفظ بلقبك كخادم للعائلة المالكة ولوريث والدي جلالة الملك الأكبر وتخبرني بكل قانونٍ عندما أطلب منك ذلك".

نبرة الأميرة كانت قوية، لم تكن في حاجة لعلو صوتها لأن الثبات في تلك النبرة دفعت ذلك الرجل الضخم الثابت إلى تحريك قدمه للخلف، حركة لا تلحظ ولكن جلنار قرأت أن هذا الرجل يمنع نفسه بصعوبة من الركض خارج المكان.

"لقد حدث، جلالتك. جميع قوانين المملكة قد تم إخطاركِ بها في الثانية التي توجتِ بها كملكةٍ في غياب جلالته" أجاب بثقة ولكن لم يجرؤ على رفع عينيه نحوها حتى.

"أخبرني، أيها الكولونيل. هل تسخر مني؟". اتسعت عيناه بفزعٍ ونفى على وجه السرعة "حياتي فداءً لجلالتك، ليقطع عنقي إن كنت أتجرأ عـ...". قاطعت كلماته التي انسابت بلا توقف وسألت بنبرة حادة: "أتظن إذًا أنني غير جديرة بمنصب الملكة؟".

بدأ يتصبب عرقًا كخنزير بينما ارتعشت أصابعه "على الإطلاق، جلالتك. لقد ولدتِ لتولي هذا المنصب ونحن مستعدين لحمايتك بأرواحنا".

نهضت الاميرة من مكانها ووقفت أمام الكولونيل بأعين باردة وبنظرة بإمكانها إيقاف الهواء داخل رئتيك قالت: "لمَ إذًا لم أسمع منك قبلًا عن القانون ستمائة وسبعة وعشرين، أيها الكولونيل؟". صمتٌ جال المكان وزم الرجل شفتيه بلا إجابة.

دقائق مرت كانت الأميرة تحدق بوجهه بهدوء وشعرت جلنار بأنها شريرة لاستمتاعها بمراقبة جسد الرجل المتوتر وحركاته البسيطة وغير الملحوظة ولكنها تفصح عن الكثير.

وأوضح ما كان يمكن أن يفصح جسد الكولونيل عنه أنه يتستر على شخصٍ ما مقدمًا حياته على طبق من ذهب، النبلاء، خاصةً ألفن هو أول من تبادر إلى ذهنها ولم تتمكن سوى من الابتسام بسخرية؛ فها هي تدمر دمى ألفن واحدة تلو الأخرى، ودور البقية قادم.

لم يفهم الكولونيل ما سيحدث له عندما أمرت الأميرة بانصرافه دون أن تصدر حكم الإعدام بحقه، ولكنه كان شاكرًا للإله عندما سمحت له بالخروج من قاعة الجحيم تلك حتى يستجمع نفسه، لم يكن يظن أبدًا أن الأميرة قد تنتبه لهذا القانون، بين كل العمل الذي يقومون بإلقائه على كاهلها حتى يتم إشغالها بعيدًا عن خططهم الحقيقة كيف وجدت الوقت لفتح كتاب القوانين وقراءته كله؟

عينه اصطدمت بجلنار قبل أن يخرج من المكان وعلى الفور فهم ما أخبره به سيده…

هذه الفتاة ليست شوكةً في الحلق! إنها الجحيم الحي الذي سيأخذ رؤوسهم للمقصلة.

"يجب التخلص منها" لم يسمع أحد همسه سوى شياطينه التي بدأت برسم الكثير من الخطط في هذه الثانية.

الجميع حدق بالأميرة التي عادت لمقعدها بهدوء وعينها تنظر بعيدًا شاردة التفكير. "جلالتك" الجميع التفت نحو أتريوس بتعجب، حتى الأميرة لم تتوقع أن يتحدث معها هذا الرجل يومًا، إنه يشبه عمها الانطوائي ولكن أتريوس أكثر وقاحة.

"نعلم مقدار الضغط الواقع عليكِ بعد اختفاء جلالته، لست مِمن يتحدثون بلباقة أو يحاولون تزيين الحديث قبل خروجه من أفواههم؛ لذلك اعذريني منذ الآن…" ارتفع حاجبها بفضول وأومأت له ليكمل وجسدها استدار نحوه بالكامل.

"يتم إشغالك بعيدًا عن الكثير من المؤامرات في الظلام وجميعنا يعلم هذا، في النهاية لسنا هنا طلبًا لتحاسبي المسؤول عن إخفاء الأمور عنكِ، نحن هنا للحديث عما سيحدث منذ الآن، النبلاء يجب أن ينتهوا". نظر الجميع نحوه بغضب وتحذير ولكنه لم يهتم، عينه تعلقت بالأميرة التي لم تبدِ أي رد فعل واضح.

"دعنا نتحدث عنها بصيغة أخرى: النبلاء عليهم التوقف عند حد معين، أعلم ذلك جيدًا، ولكن هل تظن أنه من السهل الخروج وإطلاق بيان ضد النبلاء؟ مملكتنا بالكاد تبقى ثابتة، بين كل هذه المصائب سيبدو الأمر وكأننا نشعل حربًا داخل المملكة قبل أن ندافع في حربٍ ضدها".

ابتسم أتريوس وأومأ مما زاد حيرة الأميرة حول ما يفكر به…

على الطرف الآخر حدقت بهما جلنار بأعين ضيقة وقد بدا وكأن الأميرة تضع كامل تركيزها مع أتريوس والآخر مستمتع بالنظر نحوها، عضت شفتيها بينما رسمت صورة لها وهي تلقي بحجرٍ ضخمٍ على رأس أتريوس ثم تلقي بجسده من فوق جرف ما وتبتسم بفخر لنفسها.

انتبهت أن الجميع كان ينظر لها وكأنهم ينتظرون أن تقول شيئًا ما؛ لذلك نقلت عينها بينهم حتى توقف على أتريوس الذي أدار وجهه يحاول ألا يضحك، فغرت فاهها تحاول قول شيء ما ولكنها صمتت.

"على الغالب شردت مجددًا كالعادة لأن عقلكِ غير ثابتٍ في مكانه وستبدئين بالهذيان في أي لحظة بحديثٍ لن نفهمه، كنا نخبر جلالتها عن أنكِ الشخص الذي يملك خطةً ستوقف النبلاء عند حدودهم" أتريوس علق على الفور قبل أن يعقد ذراعيه وينظر نحوها بابتسامة.

"إنه محق، هذه المرة محق، أنا أشرد كثيرًا بشكل سيء، أعتذر لأجل هذا" تمتمت وهي تنظر بعيدًا قبل أن تلتفت للأميرة بجدية قائلة: "أملك خطة بالفعل، ولكن لا يمكنني إخباركِ بها حاليًا، في الواقع لم أخبر بها شخصًا ما حتى الآن، لكنها ضخمةٌ لدرجة سيئة، سيئةٍ لدرجة تجعلني أطلب منكِ ألا تقضي علي لاحقًا".

اتسعت عين الأميرة بتعجب قبل أن تضحك باستمتاع "لكِ هذا، سأضع ثقةً عمياء بالفرسان، هذا ما كان سيفعله والدي حتمًا ولكن..." مالت الأميرة نحو جلنار بنظرة خبيثة "عديني أن الأمر يستحق المخاطرة".

كما استنتجت جلنار تمامًا، الأميرة تكره النبلاء بقدرها وبقدر الجميع في هذه المجرة، وإضافة صغيرة دونتها جلنار في عقلها: هذه الفتاة مختلفة عن أي نمط للأميرات يمكن أن ترسمه داخل عقلك.

"هل تخططون لشيءٍ آخر من أجل السكان خلف ذلك الجدار الأسود؟" سألت الأميرة وعينها مرت على وجوههم جميعًا. "ليس بعد، لكننا نستقبل فقط أسوأ الأخبار حتى الآن" أجاب لافيان ببعض الضيق وهو ينظر لجلنار. "أخبارٌ سيئة؟ أسوأ مما نعيشه؟" استنكرت الأميرة ليومئ الجميع وتفسر جلنار: "بعض المنشقين من الليكان انضموا لجانب الإريبوس".

بدت الصدمة بادية على وجه الأميرة ولم تتمالك صوتها الذي صدح بقوة "كيف حدث هذا؟". كانت تنظر تارةً لجلنار وتارةً لرومياس بصفته فارس المستذئبين؛ لذلك أخذ نفسًا قويًا عندما لاحظ أن جلنار تنظر له حتى يفسر هو "لا نعلم تمامًا، ولكن كنا هناك مساء الأمس ولحسن الحظ أن الهجوم لم يحدث في غيابنا، ثلاثة من الليكان هاجموا قطيعنا وكان بإمكانهم استخدام قوى الظلام".

دلكت الاميرة مقدمة رأسها وعقدة ضخمة بين حاجبيها تكونت في ثانية وهمست مرارًا بين أنفاسها: "تبًا تبًا تبًا...".

"أريد أن أعرف أين يستقرون بالضبط! من غير المعقول أن جميع مختبراتهم وجنودهم وسكانهم هنا! كيف استطاعوا عبور الجسر بيننا؟ هذا مستحيل، ما الطريقة التي يستعملونها؟". نظرت جلنار للأميرة بشيء من القلق وهي ترى كم الضغط الذي يحاصر الفتاة، حاولت هي الأخرى التفكير في سبب معين أو طريقة معينة تمكن الإريبوس من العودة من المنفى وصنع جسر بين كوكبهم وكوكب الإلترانيوس.

"أعرف أن هناك أخوان هما المسؤولان عن الجسور التي توصل بين الكواكب، ألا يمكنهم إيجاد الصلة بيننا وبين الإريبوس؟" سأل أغدراسيل لترفع الأميرة رأسها نحوه وتحركه للجانبين. "لقد حاولا كثيرًا، ولكن كأن الأمر خفي، حتى أنهما لم يتمكنا من رؤية كوكب الإريبوس وكأن... لا أعلم و…" قاطعتها جلنار وهي شاردة في فكرة ما: "وكأنه محاطٌ بغلاف خفي".

التفتوا نحوها لترفع رأسها نحو الأميرة "إن كانوا بهذا القرب فلا بد من أنهم يخفون أنفسهم في الفضاء بطريقة أو بأخرى، ولكن لا يمكننا معرفتها. لقد أخبرني الجميع عن أرض الوسطاء! ألا يمكنهم التحقق من الأمر؟". زمت الأميرة شفتيها بتفكير وأصابعها تطرق مسند الكرسي باستمرار "حسنًا، لنحاول مجددًا" تمتمت ليومئ الجميع.

"لا أظن أن هذا سيفيد، لكن..." همس أرتيانو ورفع كتفيه في النهاية، جلنار اتجهت بجدية نحوه قائلة: "إن كان لديك شيء لمشراكته فسيكون من الأفضل قوله". رفع حاجبًا نحوها دون أن يبدي رد فعل "لا أطرح أفكاري دون التأكد منها".

ألقت جلنار جسدها للخلف بملل من هذا الفتى؛ فالعناد أمامه أشبه بالطرق على صخرة بقطعة من الورق، لا فائدة منه.

انتهى الأمر بمحاولات الجميع لطرح أفكاره حتى نفدت كل خياراتهم وحينها نهضوا للحراك؛ فما زال أمامهم الكثير.

اتفقت الأميرة مع جلنار على القيام باجتماع مع الحكماء جميعًا وستتولى أمر إخبارهم عن القانون وأن الفرسان تحت مراقبتهم، بينما جلنار في المقابل وعدت الأميرة أنها لن تفعل الكثير دون أن تعرف حتى وإن نص القانون على أن كل شيء تحت يد ابنة التوبازيوس؛ فبالنسبة لجلنار الأميرة تظل أميرةً لهذه المملكة.

قبل أن يخرجوا من القاعة جذبت الأميرة ذراع جلنار وهمست بجدية: "بعد انتهاء كل هذه الفوضى علينا أن نتعرف جيدًا". الصدمة بدت على وجه جلنار مما دفع الأميرة لتردف: "سئمت من صحبة الطبقة المخملية المملة، كما أننا نملك أذواق مشابهة، سنتأقلم كثيرًا". لم تستطع جلنار كتم ابتسامتها وأومأت لها قبل أن تهمس في المقابل: "سنهرب من القصر، ولكن أتمنى ألا أُوضع أمام المقصلة بتهمة اختطاف الأميرة". أرسلت غمزة للأميرة في النهاية الحديث لتضحك الأخرى بصدمة من أسلوب الفتاة الذي يعاملها به شخصٌ ما للمرة الأولى في حياتها.

خرج الجميع من المكان متجهين للخارج بينما كان يوجين مشحونًا بطاقة عالية لأنه كان يحلق بشكل مبالغ فيه في كل مكان بسبب الأماكن الواسعة في القصر.

أثناء خروجها من الباب الضخم لمحت الشخص الواقف على الدرج ينظر نحوهم بهدوء وعينه تتبع جلنار خاصة، أرادت الالتفات والنظر داخل عين شقيق الملك بكل جرأة، ولكن شيئًا ما صرخ داخلها بأن تصبح حذرةً منذ اليوم، التصرفات الطائشة قد تفسد كل ما بدأت تبنيه؛ لذلك تجاهلت الأمر وكأنها لم تلاحظه واستمرت في السير للخارج بكل بهدوء.

شخصٌ ما جذب ذراعها على الفور ما إن ابتعد الجميع عنهم وسحب جسدها خلف أحد الأعمدة الضخمة في الحديقة الخاصة بالقصر العظيم.

"ماذا يدور داخل رأسك جلنار؟". 

نظرت نحوه بصدمة وهي تفكر أنها كادت -في خلال ثانية- أن تقتله بإشعال نفسها وإشعال المكان كله، ولكنها تذكرت أنك إن جلبت صخرةً بحجم القصر وألقيتها فوق أتريوس لن يموت بهذه السهولة.

"هل جننت؟ كدت تصيبني بنوبة قلبية واللعنة!" همست بشدة ليقترب أكثر نحوها وتقل المسافة بينهما إلى إنشات. "أنتِ تقحمين نفسكِ داخل الكثير من المصائب" همس مجددًا وعينه تتجول على كامل ملامحها.

جسدها لسبب أصبح مسترخيًا تلقائيًا وهي تحدق بعينه. "أنا بقلب المصائب منذ أن تم اختياري" همست قبل أن تغلق عينيها لتتمالك نفسها عندما جذب جسدها نحوه أكثر. "هل تعرفين ما ستفعلينه حتى؟" أومأت برأسها إجابةً على سؤاله قبل أن تنظر لعينه بثقة وتجيب: "أنا أفعل، أعلم أن الخروج ناجيةً من هذا الأمر صعب ولكن... لا أخطط للموت قبل رؤية عائلتي مجددًا".

ابتسم في النهاية بينما حدق هو بها بهدوء ويده وجدت طريقها نحو وجنتها ببطء. "أنا حقًا لا يعجبني هذا" همس وهو يدنو منها لدرجة جعلت أنفاسها تتوقف، ومهما كانت الكلمات التي ستقولها فقد توقفت تمامًا لأنها نسيت ما هي هنا لفعله في هذه اللحظة.

"جلنار! أين أنتِ؟" انتفضت بقوةٍ لصراخ يوجين الذي أعادها للواقع وقفزت للخلف بعيدًا عن يديه. "علينا الذهاب، سيتركوننا خـ... أعني أنهم سبقونا، أنا... إلى اللقاء" تخبطت كالحمقاء في حديثها؛ لذلك أوقفت نفسها عن الكلام والتفتت راكضة بعيدًا عنه.

أقحم يده داخل جيب سرواله وراقبها وهي تبتعد بسرعة قبل أن يأخذ نفسًا قويًا ويهمس لنفسه: "ماذا أفعل بحق الله؟".

"ما الذي تفعلينه؟" واجهت نظرات يوجين المحاسبة بصمت وهي تقفز داخل المركبة.

"لا تتهربي وانظري لعيني جيدًا! رأيتكِ قادمة وكان أتريوس ذاك يقف في المكان الذي جئتِ منه، إلامَ تخططين من خلف ظهري؟".

حاولت الهروب بعينها، لكنه اقترب من وجهها لدرجة سيئة. "ما الذي قد أخطط له، يوجين؟ حبًا في الله! هل أملك الوقت لخططٍ أخرى سوى النبلاء؟ لمَ تقوم بمحاسبتي؟" همست وعينها تراقب الطريق حتى لا يقفز أتريوس داخل المركبة ويسمع حديثها ويتهمها بالجنون.

"النبلاء، أجل، لنضع كامل تركيزنا على النبلاء، لا شخص آخر". دحرجت عينيها نحوه وكتفت ذراعيها بعد أن سئمت من لحاقه بها في كل مرة تكون مع أتريوس. "لا أعرف لما تكره الرجل بهذا القدر، إنه ليس سيئًا!" رفعت كتفيها وراقبت ملامحه المصدومة بثبات.

تعرف أن يوجين سينفجر في وجهها عاجلًا أم آجلًا وكان مؤقت انفجاره يقترب، فقد صرخ في وجهها: "انظروا من يدافع عن الملك السيء! الفتاة التي حاول قتلها، سأصفق لك، جلنار! حقًا سأصفق لكِ، هل هذا مرضٌ نفسي جديد؟ أعني أني سمعت عن شخصٍ يقع في حب مختطفه، ولكن أن يقع في حب قاتله؟ حقًا أنتِ ستُكتبين في التاريخ".

عينها اتسعت والتفت بسرعة نحوه بالكاد تحاول تمالك نفسها. "حـ… حب؟ ما الذي تهذي به بحق الله؟ لم أقع في حب أتريوس ولن أفعل، هل جننت؟ إنه... كأ... كأي رجل عادي، لمَ قد أقع في حبه؟" توقفت ثانية وقررت قلب الطاولة عليه لتميل نحوه قائلة: "أعرف لما تثير كل هذه الجلبة، أنت تشعر بالغيرة من أتريوس لأني لا أقضي الوقت معك كما أفعل معه".

شهق يوجين بصدمة ووضع يده على صدره الأيسر "لقد قتلتِ قلب شبح مقتول، سأخبركِ بهذا، أنتِ تخاطرين بفقدان هذا الشبح، جلنار".

زفرت وألقت ظهرها بقوة على المقعد، حساسية يوجين تجاه أتريوس أصبحت عالية وهذا يزعجها، في كل مرة يتحدث يوجين عن أتريوس يبدأ بقول ما يزعجها.

"هل أنتِ بخير؟" نظرت لأتريوس الذي قفز في مقعد السائق بجوارها وتفقدها بعينه. "سأصبح بخيرٍ إن توقف البعض عن التدخل فيما لا يعنيه" قالت بحدةٍ وهي تخرج الحروف بقوة. "أوه! التدخل فيما لا يعنيه؟ حقًا؟ لربما لأن هذا الذي لا يعنيه هو جنون!" صرخ يوجين في نهاية الجملة لتضغط جلنار على قبضتها تحاول ألا تنفجر.

"هل تدخلت فيما لـ..." قاطعت أتريوس قائلة: " لا، لم تفعل. هل فعلت؟ بالطبع لا، لأنك رجل جيد، لكن بعض الأشخاص غير مدركٍ لهذا، لأن رأسه الفارغ لا يدرك أنه يحتفظ بصورة نمطية غبية عن أشخاص آخرين، لأنه معقدٌ نفسيًا".

بصقت وكتفت ذراعيها بينما أتريوس يحدق بها بصدمة. "معقد نفسيًا! أصبحت معقدًا نفسيًا؟ انظري إلى وجه الرجل، جلنار، إنه شيطان!" أشار إلى وجه أتريوس بغضب؛ مما أفقدها صوابها والتفتت نحو أتريوس تنظر لوجهه "ماذا به وجهه؟ حبًا في الله إن وجهه أوسم من وجه نصف الرجال الذين رأيتهم في حياتي".

تنفست بقوة وعندما اصطدمت عينها بأتريوس انعدم ذلك الغضب الذي غلف عينها وأصبحت واعية عما فعلته وتفوهت به قبل قليل.

صمت مر في الأجواء وشعرت جلنار بأنها على بعد درجة من إلقاء نفسها خارج المركبة والموت للأبد.

حدق أتريوس بوجهها القريب منه بصدمة، يشعر برأسه مشوش بسببها. إن كان قائل الجملة أي شخص آخر لكان ابتسم بسخرية في هذه اللحظة وقال جملةً ما بثقة لتزيد غروره، ولكنه فقط تجمد بينما يحاول ملاحظة المسافة المنعدمة بين وجهيهما.

قفزت نحو مقعدها في ثانية ونظرت بعيدًا عنه تحاول استجماع نفسها، كررت مئات الشتائم داخل عقلها، شتمت نفسها وشتمت يوجين وشتمت أتريوس وكل اسمٍ مر داخل عقلها كانت تشتمه.

ظل هو ينظر لها يحاول إيجاد تفسير لما حدث منذ دقائق قبل أن يلتفت ينظر حوله داخل المركبة يبحث عن أي شيء أو شخص قد يكون الحديث موجهًا له، لكنه لم يتمكن من رؤية يوجين الذي بادله نظرات حادة وغير راضية.

"سأحاول التفكير والتفكير وتحليل ما حدث منذ ثانية، ولكن على الأرجح لن أجد تفسيرًا مقنعًا؟" سأل بينما يقوم بتشغيل المركبة لتومئ برأسها كإجابة. "وأنتِ لن تقومي بإعطائي تفسيرًا، صحيح؟" أومأت مجددًا دون أن تجرؤ على النظر لوجهه.

تنهد وأومأ لنفسه قبل أن تحلق المركبة عائدة إلى منزل الفرسان.

ما إن هبطت على الأرض الصلبة حتى قفزت جلنار خارجها دون كلمة واحدة وهرولت نحو المنزل وهي تحاول التنفس.

تجاهلت نداء الجميع لها ووجدت نفسها تقف داخل المطبخ حيث لحقت بها واندر.

"ماذا حدث؟ هل مر كل شـ..."

"ماء" قاطعت جلنار سؤال واندر وهي تبحث بعينها عن الماء. "مـ… ماذا؟" صُدمت واندر من حالة الفتاة، لكن جلنار كررت: "ماء! أريد شرب بعض الماء". تحركت واندر على الفور وملأت كأسًا من الماء لتتجرعه جلنار بالكامل وتملأه مجددًا.

"هل أنتِ بخير؟ وجهكِ أحمر بالكامل، هل حدث شيءٌ سيء مع الأميرة؟" واندر أصرت على السؤال بقلق وهي تراقب جلنار تشرب كأس بعد الآخر.

طرقت الأخيرة كأسها على الطاولة بقوة وأخذت أنفاسًا قوية. "ما زلت أشعر بالحر" همست بينما تنظر حولها بتوتر وما إن وقعت عينها على أتريوس الذي دلف للمنزل ركضت بسرعة نحو الدرج متجهةً لغرفتها.

"لقد جنت" تمتمت واندر وهي تراقب جلنار تهرول للأعلى وتتعثر بين كل درجة والأخرى، عينها انتقلت لأتريوس الذي نظر للدرج بأعين ضيقة قبل أن يزفر.

"ماذا فعلت للفتاة، أتريوس؟" همست بمحاسبةٍ وهي تميل نحوه لينظر لها بصدمة ."أنا؟ بل ماذا فعلت هي بي؟ أكاد أجن بسبب هذه الفتاة، واندر! للمرة الأولى في حياتي؛ مهما يكون ما حدث فهو ليس ذنبي". 

....

قطعت الغرفة ذهابًا وإيابا بينما تحاول تنظيم عقلها والتخلص من التوتر الذي يتملكها.

حركت يدها تحاول الحصول على بعض الهواء قبل أن تنزل القميص وتلقي به بعيدًا.

"ماذا فعلت بحق الله؟ لقد نظرت داخل أعين الرجل وقلت إنه أوسم من نصف الرجال!".

جلست فوق السرير ومسحت وجهها بينما اهتزت ساقها بعصبية. "لا بأس، ربما سينسى، أعني أنه ليس بالشيء المهم، لطالما هذيت بأشياء حمقاء حوله، لن يهتم" تمتمت وهي تقضم أظافرها قبل أن تنهض مجددًا تطرق الأرض بقدمها. "بحق الله! نظرت لعين الرجل كعاهرةٍ تحاول الحصول على زبون".

شعورها بالحرارة كان يضايقها ويصيبها بالصداع؛ لذلك بحثت عن المنشفة حولها وقررت أخذ حمامٍ سريع.

"تبًا، جلنار، تبًا! كيف سأنظر لوجه أتريوس منذ اليوم؟ لن يتوقف عن مضايقتي بهذا، أنا متأكدة أن غروره سينفجر في وجهي، سيظنني مجنونة".

"أنتِ مجنونة بالفعل! لمَ قد يظن أنكِ كذلك؟" التفت نحو يوجين الذي اقتحم الغرفة كعادته مخترقًا الجدار. "أنت! لا أريد سماع صوتك، كل مصائبي تحدث بسببك" قالت بغضب ليدحرج عينيه ويتمتم: "أجل، حاولي إقناع نفسك بهذا". أخذت نفسًا وقد قررت أنها لن تبدأ جدالًا آخر معه.

"ما كان هذا قبل قليل؟ وسيم! أوسم من نصف الرجال كل ما تبقى أن تقفزي فوق الرجل وتقبليه" التفت بحدةٍ نحو يوجين وقالت وهي تضغط على أسنانها بغيط: "صدقني، لا تريد أن نبدأ شجارًا آخر الآن، يوجين". تنهد قبل أن يرفع يده نحو فمه ويشير لها بأنه أغلقه تمامًا؛ فقد بدت مرعبةً بعض شيء.

تحركت نحو المرحاض، ولكنها توقفت قبل أن تفتح بابه والتفت ليوجين بملامح باكية "هل حقًا بدوت كشخصٍ سيقفز عليه؟". رفع يوجين كتفيه وأومأ برأسه "بل أكثر من هذا".

حدقت به قبل أن تصيح باكيةً وتدلف المرحاض مغلقةً الباب خلفها بقوة لتنفجر ضحكة يوجين الذي حاول كتمها. "تبًا، يفترض أني غاضب ولكن وجه كلاهما في تلك اللحظة... إنه حقًا مسلسل كوميدي" تمتم وهو ينظر حيث اختفت جلنار للتو.

التفت نحو باب الغرفة المغلقة قبل أن يفرك يديه معًا ويهمس: "لنرى ماذا يفعل فريق المجانين في الأسفل". اخترق الباب وحلق للأسفل وصوت أحاديثهم كانت تعلو.

عينه تجولت على الجميع ولاحظ جوزفين الذي بدا يقظًا أكثر من حالته صباحًا.

ثونار أيضًا كانت موجودةً تجبر زوندي على إخبارها كل شيءٍ حدث في القصر العظيم، ولكنه تنهد عندما لاحظ أن ارتجاف يدها لم يختفِ وتلك الهالة الشبيهة بالهالة حول الجدار الأسود ما زالت تحوم حولها.

كاد يتحرك نحو هارليك الذي لا يتوقف حتى للتنفس أثناء ثرثرته مع رومياس، ولكن اقتحام تينر جام للمنزل أوقفه كما أوقف الجميع ليحدقوا به.

"هل هناك أي جديد؟" تساءل أغدراسيل على الفور ببعض التفاؤل، ولكن تعبير تينر جام لم تكن تحوي أي خبر جيد. "الأمر سيء، سيء جدًا... هذا الحاجز لا نهاية له، إنه فقط ممتد لارتفاع ساحق ويحيط جميع القرى، حتى أنه يمتد حول الجزء الغربي من أرض العامة".

تنهد الجميع بيأسٍ وبعضهم كان الضيق ظاهرًا بشدة على وجهه. "الضرر امتد للعامة؟ ولا يوجد شخص واحد يحاول إخلاء هذه الأراضي لأماكن آمنة أو حتى إخطار الشعب بهذا!" صاح جوزفين بسخطٍ لتقابله ضحكة أتريوس الساخرة.

"إخلاء! وأين تريد منهم أن يضعوهم بعد أن يقوموا بإخلاء أراضيهم؟ هل سيتقدم النبلاء بكل كرم نحو العامة وسكان الحدود ويعطونهم أجزاء من أراضيهم؟ بحق الله، إنهم يفضلون ترك هؤلاء الأشخاص للموت على أن يتخلوا عن شيء من أملاكهم".

صمتهم جميعًا كان يدل على اتفاقهم مع أتريوس اتفاقًا كاملًا، حياة جميع سكان الحدود والعامة غير مهمة على الإطلاق، إن كان الملك هنا لربما كانت الأمور لتختلف، ولكن... مهما بلغت قوة الأميرة فهي تقف أمام خمس عوائل نبيلة بقادتهم، هذا شبه مستحيل.

"لذلك نحن سنأمرهم بإخلاء أراضيهم"

التفت الجميع نحو صاحبة الجملة التي هبطت الدرج وهي تحاول جمع خصلاتها المبللة في ضفيرةٍ متماسكة.

"هل بإمكانك شرح مقصدك بالتفصيل، جلنار؟" تساءل لافيان وهو يسحب أحد المقاعد من حول المائدة ليجلس عليها. "ليس قبل أن يأ..." توقفت جلنار في منتصف جملتها عندما فُتح باب المنزل ودلف أوكتيفيان منه لتتسع ابتسامته وتشير نحوه قائلة: "الآن يمكنني الشرح".

اتجهت باهتمامها لأوكتيفيان الذي ابتسم بشكل جامد وأومأ برأسه قائلًا: "كل شيء بخير حتى الآن، لم يقتنع في البداية ولكن كان من السهل ملاحظة التوتر الذي قضى عليه عندما صدرت مكالمة صغيرة له". اتسعت ابتسامة جلنار وهي ترى أول لون بدأ في التشكل داخل لوحتها التي تخطط لملئها بالألوان.

"هل يمكن لأحدكم شرح ما يحدث هنا؟" هارليك عقد ذراعيه ناظرًا لجلنار وأوكتيفيان ببعض الضيق؛ فلم يعجبه أن هذان الاثنين اتفقا بدونه. نظر أوكتيفيان لجلنار وأشار نحوها قائلًا: "لا تنظروا لي، هي صاحبة الخطة".

أخذت جلنار نفسًا قبل أن تصفق بيدها وتشير نحو المائدة قائلة: "حسنًا، لنجتمع هنا، لدينا الكثير للحديث عنه". تبادل معظمهم النظرات قبل أن يتجهوا نحو المائدة ويأخذ كل شخص منهم كرسيه.

"بداية؛ تينر جام! هل هناك أي شيءٍ آخر لا نعرفه عن الجدار غير حجمه وطوله؟ شيء مميز أو مختلف قد يساعدنا؟". زم تينر جام شفتيه وشرد بنظره لثوانٍ قبل أن يومئ برأسه مجيبًا: "نعم، كان هناك شيءٌ غريب لم أكن متأكدًا منه، ولكن كارولوس جعلني شبه متأكدٍ من ذلك".

الجميع مال ناحية تينر جام بفضول ترقبًا لما سيقوله. "بعض المخلوقات حساسة تجاه بعض أنواع السحر، فكلما زادت خطورة السحر زادت حساسية المخلوق واستنفاره من هذا السحر" رفع عينيه نحو ثونار وتابع: "ثونار أكثر معرفةً بهذه الأمور".

أبعدت ثونار قدح المشروب عن فمها وأومأت برأسها متفقة مع تينر جام "هذا صحيح، السحر لدينا متدرج من عادي إلى قوي، ويأتي بعدهما الخطير والأسود والشيطاني، المعنى أن قوة كل سحر والغرض من استعماله مختلفان، هذا ما نسميه بالتدرج. عندما يستخدم السحر لخدمة غرضٍ ما سواءً كان جامدًا أو خفيًا فهناك نوع يتحسس منه بعض المخلوقات التي تملك قدرة عالية في اكتشاف مجال السحر، أظن أن تنينكِ أحد تلك المخلوقات".

أشارت ناحية جلنار في النهاية وأمسكت مشروبها لتتجرع منه، ولكنها توقفت لثانية وأنزلت قدح الشراب فوق الطاولة وعينها اتجهت لتينر جام بذهول.

"كيف كانت تصرفات التنين بجوار الجدار؟" سألت بتلهف ليتنهد تينر جام ويتمتم: "سيئة". رفع رأسه نحوها متابعًا: "كلما اقتربنا من مسافةٍ معينة منه تصبح تصرفاته سيئة جدًا، يزمجر بقوة ويبتعد مهما حاولت جعله يقترب حتى ظننت أنه قد يقتلني".

مسحت ثونار وجهها وهي تتمتم بشيءٍ ما ولم تبدُ كشخص سيعطي خبرًا قد يبشرهم. "ثونار! هل ستشرحين ما اكتشفته؟" رومياس سأل بحذرٍ وبعض القلق. "ذلك الجدار ليس عاديًا، لم أكن متأكدة في البداية، لكن تنين جلنار من أسمى أنواع التنانين ولم يكن ليتصرف بطريقةٍ حذرة كتلك إلا أمام نوع خاصٍ من السحر، السحر الشيطاني… إنه سيءٌ ومرعب، كما أنه ممزوج بقوةٍ أخرى شعرت بها داخل عروقي طول فترة فقداني للوعي، إنه قوي...".

شردت جلنار لثانية والعقدة بين حاجبيها أصبحت أكبر، حاولت التفكير في القوة التي قد تختلط مع سحر بهذا الخطورة ولم تجد سوى إجابةٍ واحدة.

"أرجوكِ أن تخبريني أن ما اكتشفته مختلفٌ عما أظنه أنا" نظرت نحو يوجين الذي بدا قلقًا نوعًا ما، لقد خمن يوجين أيضًا ما يحدث وهذا يعني أن ذلك صحيح، ليست هي وحدها من تظن ذلك.

تنهدت بقوةٍ مما جلب انتباه الجميع نحوها. "أظنني أعلم أي نوع من القوى مخلوطٌ بالسحر..." كان سؤال الجميع هو سؤالٌ واحد تردد داخل أذهانهم، لكنهم فضلوا الصمت وانتظار إجابة جلنار التي نطقتها على الفور بينما تريح ظهرها على الكرسي: "إنها قوة الظلام، قوة الإريبوس".

كان من الواضح أن أتريوس وثونار وحتى أتريانو خمنوا ذلك منذ البداية، ولكن البقية كانت الصدمة كافية لتظهر على وجوههم مهما حاولوا إخفائها.

"هـ… هذا مستحيل! أعني… لا يمكن، أليس كذلك؟ لا يمكنهم فعل شيءٍ كهذا؟" هارليك صاح بصدمة وعينه تنتقل على وجوههم. "معرفتي بالسحر ليست جيدة، لكني متأكد من أن السحر كلما ازداد قوةً ازدادت نسبة استحالة خلطه بقوةٍ أخرى" أضاف لافيان بتوترٍ وهو ينظر لوجه ثونار.

"سحقًا... سحقًا، إنه ليس مستحيلًا" رومياس قال بغضب قبل أن يبرر: "لقد فعلوها من قبل، لقد رأيتهم بعيني أنا وجلنار. الساحرات لسن مختلفاتٍ عن الليكان في وطني، جسد الليكان منيع ضد أي قوةٍ أخرى، بل من المستحيل أن يستخدم أي ليكان قوةً مع قوته وإلا تدمر جسده، ولكنهم استخدموها، لقد كانوا يستخدمون قوة الظلام، لا أعلم كيف، لكن أولئك المجانين قد فعلوها".

بدا الجميع على شفير الصراخ بسخطٍ مما وجودوا أنفسهم في مواجهته، الخوف كان يتسلل ببطءٍ داخلهم يقبض على قلوبهم بشدة.

"هل انتهت نوبة اليأس؟" التفتوا نحو جلنار التي لم تبدُ متضايقة حتى!

"ماذا تعنين؟" أغدراسيل سأل فورًا يأمل أن تكون بالفعل تملك حلًا.

ابتسم أتريوس متقينًا من أنها ستلقي قنبلة بينهم الآن كعادتها عندما ترتفع زاويا شفتيها متحمسة وكأنها تحب دائمًا طرح أفضل الحلول في أحلك الأوقات.

"دعونا إذًا نبدأ نصرنا الحقيقي، لأنه منذ اليوم لا مزيد من الحركات الارتجالية، لا مزيد من الانفعالات الحمقاء خلف الغضب اللحظي أو السخط و... لا تنظر نحوي هكذا، أوكتيفيان، أنا أقصد نفسي بالفعل" ابتسمت عندما تبدلت وجوههم بعض الشيء لتصبح أكثر ليونة.

"منذ اليوم سنمشي على خطةٍ واضحة حتى نكسب هذه الحرب، ولكن قبل أن أبدأ أريد من الجميع أن يكون صادقًا مع نفسه، لا معي أنا…" صمت الجميع ونصبوا انتباههم الكامل نحو ما تقوله.

عينها تجولت على وجوههم قبل أن تقف على وجه أتريوس الذي حدق بها بصمت.

"جميعنا نملك أسرارًا… أسرار سيئة أو شخصية لا نريد إفصاحها لأحدهم لسبب أو لآخر، لن أطلب منكم إخباري بها أو ما شابه، حتى أنا أملك أسرارًا لا أظن أني مستعدة لمشاركتها، ولكن..."

نظرت بطرف عينها نحو يوجين الذي ابتسم وأومأ مشجعًا حتى تكمل: "لنحاول استعمال تلك الأسرار لمساعدتنا، حتى ننهي هذا الكابوس، مهما كان سرك سيئًا فلن يصبح كذلك إذًا استعملته لغرضٍ جيد".

تابعت التغير في تعابيرهم وحركة أجسادهم قبل أن تتابع: "أعلم أننا أكثر مجموعة من غرباء الأطوار جنونًا، وأعلم أننا متناقضون بشكلٍ كبير وأننا أحيانًا نشعر برغبة في اقتلاع رؤوس بعضنا البعض...".

بعض الضحكات مرت بينهم لتبتسم "لكن... ليس كقائدة، بل كفردٍ عادي أمضى ثلاثة أشهر بينكم في هذا المنزل، كفرد من هذه العائلة الغريبة، لا تتوقفوا عن الثقة ببعضكم، على الإطلاق... لا تتركوا أي محاولة في تفريقكم تنجح مهما كان السبب، حتى وإن رأيتم بأعينكم أحدنا يفعل شيئًا مشينًا، لا تنفعلوا، توقفوا واسألوا واسمعوا الطرف الآخر قبل أن تحكموا. نحن مقبلون على أسوأ فترةٍ وأكثرهم حساسية حيث قد ينقلب الجميع علينا ونصبح الهدف الأول؛ لذلك السلاح الوحيد لهذا هو ثقتنا ببعضنا بعضًا".

عندما لاحظت ابتساماتهم ونظراتهم التي تبادلوها ببعض القبول ابتسمت باتساع قبل أن تصفق بقوة وتفرك يدها معًا.

"لنبدأ إذًا بما سنفعله ابتداءً من اليوم".

.... 

"إن كان لديك ما تريد قوله فقله، يوجين" تذمرت بينما تسير بين سكان الحدود في السوق العامة ونظرت ليوجين تنتظر حديثه. "هل أنتِ متأكدة من تلك الخطة؟" رفعت كتفيها كإجابة. "نوعًا ما، سنحاول جعلها تنجح" زفر بينما يراقب حركة الجميع المعتادة داخل السوق.

"أشعر بالقلق، أنتِ تلعبين بالنيران وتضيعين ثقةً كبيرة بهم"

ابتسمت وأشعلت يدها في ثانية "أحب اللعب بالنيران! كما من تقصد بقولك: بهم؟ أتعني الفرسان؟". أومأ برأسه لتتنهد هي وتبرر: "علي الثقة بهم، يوجين، لإني إن لم أثق بهم لن يثقوا بي بدورهم".

رفع كتفيه وتمتم: "إنها خطة على المدى البعيد، لن يسير كل شيء كما تريدين". أومأت موافقة على حديثه وتحركت متجهة نحو مونيكا لتخيط لها زيًا جديدًا "أعلم هذا، من المستحيل أن يسير كل شيءٍ كما خططنا له، ولكن حتى إن خرج شيءٌ عن المألوف سنحاول جعله يعمل لصالحنا".

لم يجادلها يوجين بينما يعيد تلك الخطة داخل رأسه مرارًا وتكرارًا، لا يعلم كيف فكرت بشيءٍ شيطاني كهذا وبهذا التعقيد والعمق، كان من المستحيل أن تظن أن الفتاة التي تختبئ كل يوم فوق سطح أحد أبنية الجامعة هي ذاتها التي قد تتمكن من رسم خطةٍ بهذه الخطورة والدهاء.

تفاجأ يوجين عندما أخبرته أنها فكرت في هذه الخطة منذ شهرٍ ونصف، حاولت بنائها ودرست جميع خطواتها وأمضت الوقت داخل المكتبة حتى تمكنت من إحكامها، يمكنه القول إنه مذهول تمامًا كذهول الفرسان عندما استمعوا لخطتها.

المهم في هذه اللحظة هو نجاح خطواتها الأولى حتى يرسم أملًا بسيطًا لهم.

راقب يوجين جلنار التي بدا الجميع في المكان يعرفها حتى إن لم تكن هي تعرف البعض، كل شخص كان يقابلها بابتسامة واسعة وتحية قوية وإيماءات بالرأس، حتى أن بعض النساء أوقفنها للحديث معها عن آخر ما حدث في المملكة وعن ذلك المجهول الذي نشر بثًا مباشرًا غريبًا.

بدا الجميع مطمئنًا بالكامل حول جلنار ويشعر بالألفة نحوها، وكأن وجودها حولهم يعطيهم الأمل، وذلك جعل يوجين يتنفس براحة، لن تكون ردود الفعل سلبية كما كان يتوقع إذا عرفوا بأمر انضمامها للفرسان، أو الأسوأ...

أن تلك التي يتحدثون معها ليست منهم، إنما من كوكب يظنونه غير موجود.

قضت جلنار ساعةً وما يزيد مع مونيكا قضوا، أول خمس عشرة دقيقةً في أخذ القياسات واختيار الخامات، والبقية كان ثرثرة لم تتوقف مونيكا عن إطلاقها من فمها لدرجة دفعت يوجين لضرب رأسه بالحائط حتى يتخلص من صوتها الذي علق داخل رأسه.

لم يعرف كيف تتميز جلنار بهذه القدرة على تحمل غيبة هذه المرأة وحديثها المستمر عمن تعرف ومن لا تعرف، كان خلاصه الوحيد هو اعتذار جلنار برغبتها في الذهاب لأنها تملك بعض المشاغل مع واندر، وعندما خرجوا من المكان كان يرقص فرحًا طيلة الطريق وراقبته جلنار وهي تضحك بقوة.

ثرثر كلاهما طيلة طريق العودة متجاهلين جدالهما هذا الصباح ومتجنبين الحديث عمن يثير هذه الجدالات بينهما، وبالرغم من أن اسمه لم يُذكر في حديثهم فقد بقي عالقًا في رأس جلنار طيلة اليوم بشكلٍ أثار فزعها.

فتحت باب المنزل بينما تبتسم بيأسٍ لسخرية يوجين المعتادة، ولكنها توقفت عندما لاحظت حركة الجميع المتوترة والتي لم تبدُ كبشرى سارة؛ لذلك تحركت نحو لافيان الذي كان يجلس فوق المائدة ويهز قدمه بشكلٍ قوي ومتوتر. "ماذا يحدث؟" سألت بقلق ليرفع عينيه نحوها وينظر للجميع.

توقفوا عن الحركة ونظروا لجلنار بحذر؛ لذلك أعادت سؤالها مجددًا بصوتٍ أعلى: "ماذا يحدث هنا؟". أغدراسيل تحرك وضغط على كتفها قائلًا: "لقد أخذوا ثونار".

الكثير من الأسئلة في هذه اللحظة كانت تدور في رأسها، الكثير لدرجة جعلتها غير قادرة على اختيار سؤال واحد والإفصاح عنه وكانت شاكرةً لأغدراسيل الذي فسر دون ان ينتظر أسئلتها.

"الساحرات، لقد كانت فرقةً كاملة من المحاربات، أخذن ثونار قسرًا حتى تواجه عقوبة…" ابتلع لثانية وضغط أكثر على كتف جلنار التي حدق بوجهه "عقوبة الإعدام لاستخدامها سحرًا محرمًا".

لم تستطع إبعاد عينها عن وجه أغدراسيل تحاول استشفاف مقدار صدق ما يخبرها به، فتحت شفتيها وحاولت إخراج صوتها: "سحرٌ محرم! أنت لا تقصد... أنت لا تقصد ذلك السحر الذي حماني من الجدار، السحر ذاته الذي ألقى بها داخل سبات".

أومأ برأسه وهو يراقب وجهها، لكنها التفت نحو يوجين بنظرة فهمها على الفور وابتسم مشيرًا أنه معها في أي قرار ستتخذه.

ابتعدت عن أغدراسيل والتفتت للجميع بينما تلتقط معطفًا أسود خاصًا بها كان ملقى على الأريكة.

"سنذهب لنعيدها"

أوكتيفيان تحرك بسرعة ليوقفها "علينا إخطار الأميرة أولًا، جلنار، والتصرف حسب القوانين. ما تفعله ملكة الساحرات محرم لأن ثونار ليست مواطنةً من أرض الساحرات، إنها فارسة، وحتى تنتهي من تأدية واجبها لا يحق لأحدهم مساسها بأذى".

أخرجت ضحكةً ساخرة قبل أن تختفي ملامح الفكاهة عن وجهها وتنظر لعين أوكتيفيان بثبات.

"لقد أرسلت محارباتها بكل جرأةٍ إلى منزلنا، إنها وبكل وضوح تستخف بنا لتتمكن من أخذ فارسةٍ من بيننا بكل وقاحة، إن كانت قادرة على مداهمة المكان وضرب القوانين عرض الحائط فهذه موهبتي الخاصة، سأذهب لأعيدها بنفسي، حتى ذلك الوقت يمكنك البقاء والتصرف بدبلوماسية كما تريد".

ارتدت معطفها وهرولت نحو باب المنزل قبل أن تلتفت نحوهم قائلة: "هل هناك شخصٌ قادم معي أم أني ذاهبةٌ وحدي؟".

كما توقعت تمامًا، كان الشخص الأولى الذي تحرك متخطيًا جسدها للخارج أتريوس، مع ابتسامة مستمتعة وفأسٍ ألقاه في الهواء والتقطته، ولم ينسَ الوقوف بجوارها وإرسال غمزة سريعة هامسًا: "لنرى ما ستدمرينه هذه المرة".

كانت هذه الحركة لتشعل غيظها، ولكنها تجمدت لثوانٍ وحاولت التذكر كيف يمكنها التنفس.

رومياس لم يتردد في اتباع خطوات جلنار في كل شيء؛ لذلك تحرك وتبعه هارليك بكل تأكيد.

جوزفين لم يناقش ولم يترك فرصةً لنفسه حتى يفكر؛ لأنه أخذ سيفًا حادًا كسلاح ولحق بالآخرين. نظر زوندي نحو أوكتيفيان ودفعه ليتحرك معهم قائلًا: "جلنار محقة، لم تهتم ملكتهم بقوانين مملكتك في المقام الأول".

تنهد أوكتيفيان ونظر لأغدراسيل بصفته الشخص العاقل بينهم. "إنها القائدة" تحجج وهو يشير لجلنار، ولكن كان من الواضح أنه سيذهب لأنه يريد الذهاب.

تنهد في النهاية وقرر التحرك معهم ليتبعه البقية للخارج. "لا مزيد من الانفعالات الحمقاء" نظرت لأرتيانو الذي سخر من كلماتها بكل وضوح بينما يمر بجوارها للخارج وقد شعرت برغبة في ركل جسده الصغير، ولكنها تراجعت في النهاية.

عينها اتجهت لواندر التي راقبتهم بقلق واضح لتبتسم وتومئ لها قائلة: "سنجلبها ونعود سالمين، لا تقلقي". تنهدت واندر بيأس؛ فمن المستحيل إقناعهم بحلٍ آخر، لذلك ابتسمت بتشجيع لجلنار "سأنتظر عودتكم هنا".

ما إن أغلقت جلنار الباب حتى تبدلت ملامحها لأخرى جدية وأكثر سخطًا، وضعت إصبعين بين شفتيها لتصدر صفيرًا عاليًا استجاب له كارولوس على الفور مثيرًا فزع بعض من لم يعتادوا وجوده بعد.

قفزت فوق ظهره على الفور دون أن تنتظر تحرك مركباتهم وأمرته بالذهاب نحو المعابر الموصلة للممالك كلها.

الجميع تبعها على الفور نحو البرج الضخم الذي يحرسه الأخوين الحراس الخاصين بالقصر، لم يمنعوا دخولهم بصفتهم الفرسان، ولكن كانت الأخبار ستصل للأميرة والنبلاء بكل تأكيد.

ما إن هبط كارولوس وقفت جلنار فوق الأرضية ومسحت على رأسه وأمرته بالبقاء في الجوار بعيدًا عن الأعين حتى عودتها.

انطلقوا نحو البرج وتولى أغدراسيل أمر الحديث مع أحد الأخوين لنقلهم لأرض الساحرات.

في الغالب نقل السكان إلى مملكة الساحرات هو شيءٌ صعب وممنوع إلا بإذن ملكي، ولكن لم يتمكن أي من الأخوين من الاعتراض، ففي النهاية كانت الأوامر واضحة، هذه القوانين غير سارية على الفرسان.

أخذت جلنار نفسًا قويًا وذكرى الشعور السيء الذي أصابها عندما انتقلت مع رومياس خلال المعبر أول مرة ضربتها ودفعتها لكتم أنفاسها. "استرخي، لن تموتي لعبوركِ بين كوكبين بسرعة الضوء" نظرت لأتريوس بغضبٍ قائلة: "أنت تزيد الوضع سوءً".

ضحك ورفع كتفيه دلالة على عدم اهتمامه قبل أن يمد يده نحوها بسخريةٍ قائلًا: "إن كنتِ خائفةً، أيتها القائدة، يمكنكِ إمساك يدي". كانت تفضل الموت على إمساك يده، ولكن عندما شعرت بذات الشعور والضوء الذي ضرب عينها أمسكت بيده بقوة حتى أنها احتضنت ذراعه بالكامل.

لم يكن الأمر بهذا السوء الذي رسمه عقلها، ولكنه لا يزال يثير شعورًا بالغثيان وثقلًا سيئًا داخل رئتيها.

من حسن حظها أن الجميع كان منشغلًا بالنظر حوله ولم يلحظ أحدهم أنها تمسكت بأتريوس كسترة نجاةٍ في منتصف المحيط، بينما الأخير تجمد مكانه وهو ينظر نحوها بصدمة، كان يسخر عندما أعطاها يده، لم يظن لو للحظة أنها قد تتمسك به بالفعل.

رفعت رأسها نحوه بعد أن فتحت عينها ببطء وواجهت نظرة التساؤل في عينه قبل أن تدفع ذراعه وتقفز بعيدًا عنه. "رد فعل تلقائي" تمتمت وهي بالكاد تنظر نحوه وأصابتها رغبة في ضرب رأسها بالأرض وبقوة.

كاد أتريوس يفتح فمه بشيءٍ ما، ولكن أغدراسيل قاطعه ممسكًا بكتفي جلنار قبل أن يقوم بإدارتها للجهة المعاكسة مبتسمًا "مرحبًا بكِ في أرض السحر".

عينها اتسعت بقوة وهي تشاهد الجنون الذي يحدث أمامها.

المكان بالكامل كان مليئًا بالساحرات التي تقوم المعابر بإرسالهن كل ثانيةٍ في كل بقعة من المكان، ملابس مختلفة وغريبة وألوان شعر أغرب ولا أحد ينظر للآخر، كل ساحرة منهم ترتدي ما تريد هنا.

انطلقوا بين الساحرات الذين نظروا نحوهم ببعض الشك والحذر، خاصة أن المجموعة بالكامل مكونة من الرجال إلا فتاة واحدة.

كلما تقدموا إلى داخل أرض الساحرات شعرت جلنار بالانبهار أكثر وأكثر، كانت المياه تحلق وحدها في شكل حلقات في السماء حولهم والكثير من الساحرات تحلق داخل تلك الحلقات في سباق يبدو ممتعًا.

كما أنها لاحظت جسرًا ممتدًا نحو السماء دون أي قواعد أو أسس تحميه، ذلك الجسر يُوصل إلى أحجار تُحلق بجوار بعضها كطريق لمكان ما.

المنازل لم تكن عادية، فكل منزل له شكل غريب ومختلف عن الآخر، حتى أنها رأت بعض المنازل تزحف ببطءٍ شديد وتتحرك من مكانها.

كان هناك بعض الأطفال في المكان أيضًا بينما تقودهم امرأة شابة تحرك يدها وهي تتمتم بتعويذةٍ ما لتُنشئ مجالًا سحريًا أزرق اللون، ويحاول الأطفال تقليدها فينجح بعضهم ويفشل البعض.

الطريق الذي يسيرون عليه تحرك فجأة لتصرخ جلنار بفزع وتتمسك بأغدراسيل الذي ضحك وهو يراقبها. "إنها توصلنا إلى حيث نريد" فسر وهو ينظر للطريق الذي توقف عن الحركة ليتابعوا السير نحو مكانٍ لا تعلم جلنار أين هو بالضبط.

"هذا المكان… إنه مذهل" هتفت بإعجاب وهي تتمسك بقميص أغدراسيل وتسحبه نحو تلك المرأة التي تحرك زهور حديقة ضخمة من مكانٍ لآخر كما تريد. "أعلم، السحر شيء جميل" تمتم وهو يحدق بوجهها الذي بدا مذهولًا بكل ما تراه أمامها من مخلوقات غريبة ومنازل محلقة وفتيات غريبات الملبس والشكل.

أيقظها من كل هذا الشخص الذي سحب جسدها بعيدًا عن أغدراسيل لتصطدم بكتفه، ولكنه لم يهتم ونظر نحوها ببراءة قائلًا: "أعتذر، يبدو أنك نسيتِ لما نحن هنا فظننت أنه يجب علي تذكيرك". رفعت طرف شفتيها بغيظ وقالت بحدة: "أتذكر تمامًا".

"لا أظنكِ تفعلين" همس يوجين بجوار أذنها مكملًا حلقة غيظها وكأنه اتفق مع أتريوس فجأة.

"يمكننا إرشادكم إذًا"

التفت الجميع نحو الصوتين المتزامنين لفتاتين متشابهتين تمامًا وكأنهما فتاة واقفة أمام مرآة، شعر بنفسجي متدرج إلى الأسود ومضفر إلى نهاية ظهريهما، أعينهما واسعة لونها الأخضر فاقع ويضعان ابتسامة متماثلة تمامًا، وملابسهما متشابهة دون أي اختلاف.

"توقعت جلالة الملكة بحكمتها مجيئكم إلى هنا؛ لذلك أرسلتنا لإرشادكم" في الوقت ذاته نطقتا الجملة ذاتها، ولكن لم تقاوم جلنار التمتمة بسخط: "أي حكمة؟ حتى الطفل سيتوقع هذا".

صوتها لم يكن بهذا الانخفاض، لاحظت أن التوأمين حدقتا بها بسخط لثانية واحدة قبل أن تعدلا نظرتهما لأخرى ودية وتقولان معًا: "تفضلوا معنا، سنرشدكم إلى حيث يجب أن تكونوا". حدقت جلنار بهما بشك والتفتت للفرسان تسألهم إن كان عليهم الانصياع لتوأمٍ غريبٍ من الساحرات.

جميعهم تبادلوا نظرات سريعة وأومئوا في النهاية لجلنار، هم فرسان ولن تتمكنا من أذيتهم جميعًا بسهولة.

تنهدت جلنار والتفتت للتوأم باستسلام. "لنذهب" تمتمت وهي تتحرك، ولكنهما أوقفتا جلنار بحركة سريعة من يديهما وقد أنشأتا حاجزًا بنفسجيًا أمامها وقالتا في الوقت ذاته بعدوانية: "الأوامر ذكرت الفرسان فقط، لا شخص آخر". كادت تتذمر بسخط قائلة إنها قائدة الفرسان، ولكن تذكرت أن لا أحد يعلم هذا بعد…

المشكلة أن نية التوأمتين لم تكن منعها فقط، بل قتلها، حتى أن الحاجز بدأ يتشكل لشكلٍ أكثر حدة ويتجه نحو جلنار.

انتشلت جلنار للخلف ووقف أتريوس أمامها يجاوره أغدرسيل وأوكتيفيان. "ستمر معنا" قال أتريوس بنبرة باردة ونهائية. "تلك ليست الأوامر" أجابت التوأمتان في الوقت ذاته. "لن نمر بدونها، أظنها ستهم ملكتكم أكثر منا شخصيًا" أوكتيفيان حاول بشكلٍ أكثر تفهمًا، لكن كلتاهما نظرتا لجلنار بنية القتل.

"دقيقة واحدة للتفاوض كثيرة جدًا بالنسبة لي" تمتم أتريوس قبل أن يسحب فأسه ولوح به بقوة مستعملًا رياحه، وفي ثانية كان الحاجز البنفسجي للساحرتين قد تحطم وسط صدمة كلٍ منهما.

تراجعتا للخلف خطوة بسرعة ونظرتا لأتريوس بحذر شديد وكل واحدة كانت تهمس لأخرى بشكل سريع وكأنها تحاولان الوصول لحل، ولكن لم يملك أتريوس الصبر الكافي؛ لأنه تقدم بينما اهتزت الأرض من تحتهما بشكلٍ مفزع جذب انظار الجميع.

"أما زال هو الرجل السيء؟" همست جلنار ليوجين الذي أومأ بثقة. "إنه يحاول قتل توأمتين فاتنتين بريئتين" نظرت ليوجين بصدمة وكادت تصيح، ولكنها تمالكت صوتها "تلك البريئتين كانتا ينظران إلي وهما على وشك قتلي".

زم يوجين شفتيه وبدل أنظاره بين جلنار والتوأم "لا أظن ذلك، لابد أنهما كانا يمزحانك". أرادت ركل يوجين بقوة وترك أتريوس حقًا يقضي على التوأمتين، ولكن الصوت الذي تدخل أوقف كل ذلك…

"أعتذر لما حدث، ولكن مارشا وماريا تتبعان الأوامر بحذافيرها؛ فهذه طبيعتهما"

توقف أتريوس وحول عينيه للمرأة التي تقدمت من خلال بوابة زرقاء من السحر، ترتدي فستانًا بسيطًا وملامحها كانت ودية أكثر، ولكن لم تعد جلنار تثق بأي شخص ظاهريًا مهما كان.

شعرها كان متدرجًا للعسلي ومجموعًا في ضفائر عديدة، وبنظرة مبتسمة انحنى رأسها في ترحيب سريع.

ركض التوأم على الفور خلفها وقد اختفت كل تعابير القوة من وجهيهما "إنه رجل مخيف، سيدة مانريدا. لقد حطم سحرينا معًا في ذات الوقت، لم تخبرنا الملكة عن قوة الفرسان أبدًا، قد يقتلنا جميعًا".

رؤيتهما فزعتين أشعرت جلنار بلذة الفوز والفخر، تقدمت لتقف بجوار أتريوس بابتسامة حمقاء على وجهها نحوهما، لكنها أخفت تلك الابتسامة فورًا عندما مال أتريوس نحوها هامسًا: "تبدين كطفلة تحاول إغاظة طفلتين". لم تنظر لوجهه وفضلت البقاء بنظرة مستقيمة نحو المرأة التي ربتت على رؤوس التوأمتين.

"هل يمكننا الذهاب". أشارت للطريق أمامها، ولكن أغدراسيل أوقفها قبل التحرك "ستأتي جلنار معنا". أومأت المرأة موافقة دون أي مشاكل "بالطبع، يمكنها ذلك".

تبع الجميع المرأة المسماة بـمانريدا، ولم تقاوم جلنار إخراج لسانها نحو التوأم لتنظر كلتاهما لجلنار بغيظ. "طفلة في جسد فتاة" همس أتريوس الساخر وصلها مجددًا لتنكز ذراعه بقوة "ليس من شأنك".

جملتها تركت ابتسامة صغيرة على وجهه، كان عائمًا بين أفكاره بينما يراقبها وهي تسير وتنظر حولها بحرص، لا يمكنه فهم كيف يمكن لامرأةٍ بهذه الطفولية والمرح أن تكون ذاتها التي تصرخ بغضبٍ مدمرة أعداءها على أرض المعركة، كيف يمكنها أن تملك هذه البراءة والغباء والخبث والدهاء في ذات الوقت.

كيف تتمكن من جمع تلك الشخصيات معًا بكل بساطة؟ كانت أول معضلة يعجز عن حلها.

ومع ذلك لم يستطع التوقف عن الشعور بالضيق، فحتى إن تمكنت ببراعة من إخفاء الأمر عن الجميع، كان يمكنه بكل سهولة رؤية أن عينها لم تعد تملك ذات النظرة ولا ذات الابتسامة، كلما ظلت هنا سحبها هذا العالم القبيح لأعماق ظلماته…

وفكرة أن هذا العالم قد يصنع منها وحشًا قبيحًا كما حدث معه تزعجه وتؤرقه باستمرار.

في الوقت ذاته كانت جلنار منشغلةً بأفكار أخرى، لم تكن تشعر بالراحة حول هذا الاستقبال الودي، الملكة كانت تتوقع قدومهم بكل تأكيد وحديث ثونار عن ملكتهم تلك رسم صورة سيئة عنها داخل عقل جلنار.

لذلك تحركت بحذر وهي على أتم استعدادٍ لإغراق المكان بالكامل أو حتى خسفه من تحتهم إن حاول أحدهم أذية ثونار أو أي فارسٍ من الفرسان.

مر الجميع خلال صرحٍ ضخم إلى مبنى يبدو تراثيًا بعض الشيء، قديم ولكنه متماسك وقوي.

أبطأت جلنار من خطواتها وهي تلاحظ أن هناك مجموعاتٍ ضخمة من الساحرات يتجهن لمكان آخر، أو بوابة أخرى لداخل هذا المكان وبدا الحماس على وجوههن…

لسن هن فقط، كانت أعدادهن تتزايد والجميع يتحرك بحماسٍ غريب نحو الجهة الأخرى من هذا القصر.

لم تشعر بالاطمئنان أبدًا وأيقنت أن هناك شيء يحدث هنا، لكنها تابعت السير بانصياع خلف السيدة التي لم تتوقف أو تنطق بحرف آخر.

توقفوا داخل ساحة ضخمة وفارغة تمامًا تضرب الشمس جدرانها المقابلة للنوافذ ويحرك نسيم الهواء ستائرها المخملية باللون البنفسجي الغامق.

المكان لم يحتوِ على حرسٍ أو أي ساحرة، مكانٌ فارغ مكون من ساحة من الرخام الأبيض الباهت والجدران المتشققة بعض الشيء، وعرش ضخم من الصخر المنحوت فوق منصة عالية.

التفت جلنار نحو مانريدا التي التفتت بصمتٍ نحو المخرج تتبعها التوأمتان. "إلى أين؟" بادر جوزفين بالسؤال قبل جلنار لتلتفت مانريدا بابتسامة بسيطة قائلة: "ستكونون في حضرة جلالة الملكة بعد قليل". ودون إعطاء فرصة لنقاش ما بينهم تحركت للخارج ولوحت بيدها بحركة سريعة لتغلق الأبواب من خلفها.

هرول لافيان نحو الأبواب الضخمة يحاول دفعها، لكن بلا فائدة "إنها مغلقة، لقد تم حبسنا هنا". ركل جوزفين الأرض بسخطٍ وشتم الساحرات بلفظٍ سيء.

"استرخوا، ستأتي ملكتهم على أي حال" التفت الجميع لأرتيانو الذي جلس فوق إحدى الدرجات التي تقود للعرش. "ولمَ أنت واثقٌ لهذا الحد؟" سأل هارليك باستغرابٍ ليرفع أرتيانو كتفيه مجيبًا: "لأنها لا تقوم بحبسنا نحن! هناك نوافذ يمكن تحطيمها بسهولة، كما أن الفرسان لن يُصعب عليهم تدمير هذا المكان في دقائق، خاصةً مع ثلاثة من متحكمي العناصر، إنها فقط تمنع أي شخص من الدخول إلينا".

بدا هذا منطقي جدًا إلا إذا كان المكان محاطًا بالسحر، فكرت جلنار أن الملكة كانت تريد مجيئهم إلى هنا منذ البداية، ولكن لماذا؟ هذا هو السؤال الذي لم تجد إجابة له.

ولم يكن عليها الانتظار طويلًا للحصول على إجابة؛ فالبوابة انفتحت وحدها وظهرت من خلالها أربع ساحرات في زي محاربات، ظهرت بعدهن ملكة الساحرات…

أو كما أخبرت ثونار جلنار، الملكة ديمتريا.

بنظرتها الباردة وعدسة عينها ذات اللون البنفسجي النادر، خصلات شعرها السوداء المجموعة حول رأسها في ضفائر بدت طويلة، وعظمة فكها البارزة وشفتيها الكرزيتان…

جلنار ظلت تحدق دون رد فعل، تجمدت في مكانها وهي تتفحص وجه الملكة وجسدها المتكامل والذي لن تبالغ إن قالت إنه مثالي.

تراجعت خطوة للخلف وبدأت لوهلة تشك في أنوثتها بجوار هذه المرأة ذات الحضور الطاغي.

عين جلنار حلقت بسرعة نحو أتريوس تحاول قياس مدى اهتمامه بالملكة، قدمت شفتيها عندما لاحظت تركيزه الشديد وهو ينظر نحوها وشعرت برغبة في إحراقه واقفًا.

في الجانب الآخر تبادل أتريوس نظرات باردة ضد الملكة التي استشعرت على الفور خطورة الرجل الواقف أمامها، أراد أتريوس قياس مدى خطورة الملكة في المقابل وجذب الانتباه نحوه قدر الإمكان حتى لا تلاحظ جلنار، ولكنه كان يعلم أن محاولاته ستبوء بالفشل؛ فمتى ذهبت جلنار إلى مكان ولم تجعل الجميع حذرين ويخططون للقضاء عليها؟

ولم يكن أتريوس في حاجة لإثبات هذا لأن جلنار تقدمت على الفور ووقفت أمامه ودفعته للخلف بخفة حتى تصبح داخل محيط نظر الملكة.

شعرت جلنار برغبة في الصراخ قائلة: مرحبًا! نحن هنا أيضًا يا عصافير السلام والحب.

عين الملكة تحركت نحو جلنار لجزء من ثانيةٍ قبل أن تبعدها دون اهتمام نحو باقي الفريق مما أثار غضب جلنار أكثر وشعرت برغبة في نزع جلدها.

تحركت الملكة بين محارباتها نحو العرش الصخري وجلست فوقه تنظر لهم بتكبر واضح ."لا تتحدثي ودعي الأمر لنا" همس أوكتيفيان وأرادت العناد كعادتها، ولكنها انسحبت مكتفة ذراعيها وفضلت الانصياع لأوامره؛ ففي النهاية لا أحد يعلم من تكون ولن يكون لفت الأنظار جيد.

"دعوني أحزر، أنتم هنا لأجل الساحرة الصهباء" نطقت بهدوء أثار حفيظة بعضهم. "هذا ما نحن هنا لأجله تمامًا، دعينا نحل الأمور بيننا دون تدخل من الحكماء" قال أوكتيفيان بينما يتقدمهم، ابتسمت الملكة بسخرية حتى كادت تضحك "الحكماء! مع الأسف، أيها الفارس، أولئك الحكماء هم حكماء الإلترانيوس لا الساحرات، أي أن أوامرهم لا تنطبق علينا".

ابتسامتها اتسعت وهي تلاحظ تضايقهم الظاهر على وجوههم عدا شخصين، أحدهما طفل صغير ذو شعر أسود خمنت كونه من العباقرة، والآخر ذو الفأسين الذي اتكأ على الجدار وتابع الوضع باستمتاع.

"أنا واثق من أن الأمر لا يسير بهذه الطريقة، ثونار تعد فارسةً والقانون ينطبق على جميع الممالك، لا يمكن مس الفرسان حتى انتهاء مهمتهم، وما تفعلينه مخالفٌ للقوانين" أوكتيفيان حاول مجددًا محافظًا على هدوءه، ولكن تنهد الملكة بتململ بدأ يثير سخطه.

"أنا لم أخالف أي قانون" بنبرة خبيثة أجابت لتقبض جلنار على فكها بقوة، نهضت الملكة واتجهت نحو أتريوس قائلة: "عليكم الاستمتاع قليلًا كالفارس هنا، لم نتشرف بالمناسبة". وقفت مقابلة لأتريوس الذي حدق بوجهها بهدوء دون رد فعل.

"أنتِ تقومين بإعدامها وهذا منافٍ للقوانين تمامًا"ةأغدراسيل تدخل باقتضاب لتتظاهر الملكة بالاندهاش "إعدام؟ منذ ذكر شيئًا كالإعدام؟". تبادل الجميع النظرات باستغراب بينما علقت عين جلنار على المسافة الشبه منعدمة بين الملكة وأتريوس وحاولت منع نفسها من سحب خصلاتها بعيدًا.

"ما يحدث هو تحدي قتال، لا إعدام، أرادت الصهباء أن تقاتل داخل الساحة وهذا ما سيحدث" قالت بينما تلتفت نحوهم بابتسامة خبيثة.

الغرفة التي يقفون داخلها اختفت جدرانها وأرضيتها وكأنها أصبحت زجاجًا لا يمكن رؤيته، كان المنظر أسفل أقدامهم يثير الفزع والذهول في الوقت ذاته.

وكأن الغرف كانت تحلق فوق ساحةٍ ضخمة دائرية وحولها الكثير من المقاعد، الآلاف من المقاعد التي امتلأت بالساحرات المتحمسات.

في برجٍ عالٍ لمحت جلنار زنزانة عالية كانت ثونار مقيدة داخلها بينما تنظر للجميع بملل. "ثونار!" صاحت بينما تركض لتنظر لوجهها بشكل أقرب.

جوزفين وقف بجوار جلنار يحدق بزنزانة ثونار بغضب بينما تسلل صوت الملكة قائلًا باستمتاع: "ستقوم ثونار بقتال جانديموث باختيارها الشخصي داخل الحلبة، وإن ماتت... فهذا اختيارها هي، لن أقوم بإعدام أحدهم".

التفتت نحو أتريوس بابتسامةٍ صغيرة هامسة: "هل أعجبك سحري؟ إنه وهم! الغرفة لا تحلق، أنا فقط أريكم ما يحدث في الساحة حاليًا". أغمضت جلنار عينيها تحاول تمالك أعصابها والاستمرار في المحافظة على صمتها. "يمكنك البقاء هنا لمدة بالمناسبة، سنستمتع كثيرًا" قالت بينما ترفع حاجبًا لأتريوس ليبتسم بسخرية.

عضت شفتيها بقوة لدرجة أدمتها وفكرت بأنها من الممكن مباغتة هذه المرأة من الخلف ونحر رقبتها ربما. "سأستمتع أكثر برؤيتك تصرخين طلبًا للموت" همست بين أنفاسها لينظر لها يوجين بفزع ويبدل عينه بين جلنار والملكة.

"لعبة جيدة" التفت الجميع لأرتيانو الذي نظر للملكة ببرود وابتسامة جانبية "جانديموث! أليس هذا هو المخلوق المسمى بقاتل الساحرات؟ أي أن احتمال هزيمته من قبل ساحرة هي صفر، بمعنى آخر ستعدمينها دون أن تلوثي يدك بتهمة التعدي على فارسة".

عين جلنار تعلقت بوجه ثونار المتملل، لقد وضعت في كل هذه الفوضى لأن جلنار تصرفت بعدم مسؤولية، حاولت ثونار حمايتها وها هي تدفع الثمن.

"أنا لم أذكر الإعدام، أكرر... أرادت ثونار هذا بنفسها" نبرتها الهادئة قتلت هدوء جوزفين الذي صرخ في وجهها: "أتمزحين، أيتها العاهرة؟ لقد جررتموها قسرًا إلى هنا، ثم كبلتموها داخل زنزانة، أي إرادةٍ تتحدثين عنها؟".

لم يلحظ جوزفين غضب المحاربات الأربعة خلفه وكل واحدة منهن تجهزت لقتله لولا إشارة من يد ملكتهن "لا أعلم ما الذي تتحدث عنه، أيها الفارس". قبض يده بقوة، تحرك ليقف في وجهها وتكاد الإنشات لا تفصل بينهما، ثم نطق بقوة ونبرة متحدية:

"فقط اعترفي، تفعلين كل هذا لأنها تملك حق المطالبة بالعرش، أليس كذلك؟"

كانت هذه أفضل محاولة استفزازٍ ضد الملكة، وهذا ما حدث بالفعل لأنها فقدت سيطرتها على غضبها وأطلقت سحرها ليلقي بجسد جوزفين نحو الجدار بعنفٍ قبل أن يطبق حول رقبته بقوة.

الفرسان جميعًا في خلال ثانية كانوا قد أشهروا أسلحتهم نحو الملكة، وفي المقابل أحاطت المحاربات الأربعة الغرفة بالكامل بسحر هجومي استعدادًا لجعل المكان مليئًا بالدماء.

"تلك الـ..." توقفت جلنار عندما أمسك يوجين ذراعها بقوةٍ يمنعها من التقدم "جلنار، إياكِ". التفتت نحوه بغضب، لكنه حدق بالملكة وقال: "أعلم أنكِ تتحركين كما تملي عليكِ مشاعرك، ولكن لا، ألم تتحدثي هذا الصباح عن التفكير في كل خطوةٍ وما شابه؟ تلك المرأة تملك نقطة ضعفٍ واضحة وعليكِ استغلالها، جلنار".

أرادت صفع يد يوجين وجر الملكة من شعرها لأسفل أقدامها، ولكن كان يوجين محق، عليها التفكير جيدًا. "نحن نحتاج إليها في النهاية، تتذكرين؟" نظر يوجين نحو جلنار وعندما شعر بانقباض عضلات ذراعها يتلاشى ترك يدها بحذر.

سحبت جلنار نفسًا قبل أن تأمر بهدوء: "أنزلوا أسلحتكم". نظر الجميع نحوها، ولكنها كررت بقوة: "الجميع حالًا! أنزلوا أسلحتكم". ببطء وحذر أنزل الفرسان أسلحتهم، وحينها لاحظت الملكة أنها فقدت أعصابها كما أراد الفارس تمامًا لتلقي بجسد جوزفين بعيدًا وتأمر المحاربات بسحب سحرهن مجددًا.

"أنا سأقاتل ذلك الوحش أو أيًا يكن" جلنار نطقت بنبرةٍ نهائية مما دفع الملكة للنظر نحوها بصدمة تحولت لضحكة لم تتمالكها. "لقد قلت أن نجد حلًا عاقلًا، لا أن نقوم برمي نفسنا بين فكي الوحوش" همس يوجين، وهو يراقب نوبة الضحك التي وقعت الملكة فيها.

"هذا أفضل حل يمكن التفكير به" همست جلنار قبل أن تتقدم نحو الملكة التي توقفت عن الضحك وأخذت أنفاسها. "محاولة جيدة، لقد قمتِ بإضحاكي وجذب انتباهي لثوانٍ" قالت الملكة ولم تتساءل حول شخصية جلنار أبدًا ومن تكون، ولكنها توقفت عند نقطة لم تفهمها…

فقط منذ دقيقة، لمَ نفذ الفرسان أوامر فتاةٍ تكاد خطورتها تكون معدومة؟

لم تتمكن الملكة منذ دخلوها المكان من استشعار أي طاقة أو خطورة من هذه الفتاة بذات، ظنت أنها قد تكون خادمةً للفرسان أو مرافقة لسبب ما.

"أنا جادة"

نظرت لجلنار مجددًا بملل "أيتها الطفلة، أنا لا أقوم بتوزيع وقتي بالمجان هنا". ابتسمت جلنار بينما أيقنت أنها بالفعل لا توزع وقتها، ولكنها تريد الاستمتاع به، وهذه هي نقطة ضعفها.

"ألن يكون ممتعًا؟ أعني بحق الله، انظري إلى هذا الحشد" أشارت جلنار للحشد الجالس حول الساحة الضخمة بحماس. "ألا تظنين أنهم سيشعرون بالملل بعد دقائق من بدء هذه المعركة؟ الجميع يعلم أن ذلك الوحش يقتل الساحرات في نهاية الأمر، ألن يبدو الأمر..." تحركت جلنار حول الملكة تبحث عن كلمة مناسبة قبل أن تفرق أصابعها قائلة: "معتادًا؟".

راقبت الملكة جلنار وهي تتحرك براحةٍ دون أن تظهر قدرًا ضئيلًا من التوتر حول ملكة الساحرات، كلما حاولت قياس قوة هذه الفتاة لا تجد شيئًا معينًا، لا تجد شيئًا على الإطلاق.

"فتاة بلا قوة مثلك ستعطي عرضًا متعته هي... صفر" اقتربت من وجه جلنار بسخرية وتفحصتها باستصغار. "حقًا! ألا تتساءلين أبدًا عمَ يوجد خلف هذه الثقة؟" قالت جلنار وهي ترفع حاجبًا لتدحرج الملكة عينها "رأيت من كن ذوات ثقةٍ أكبر وانتهى الأمر بهن وجبة عشاء".

أراد الجميع الصراخ في وجه جلنار بـ: ماذا تفعلين بحق الله مجددًا؟ ولكنهم فضلوا الصمت ومراقبة ما يحدث؛ فدومًا هناك شي في عقل جلنار.

"لكنك كنتِ تستشعرين بعض القوة القادمة منهن، أما أنا فلا" توقفت الملكة لثانيةٍ والتفت نحو جلنار بصدمة حاولت إخفائها، كيف تمكنت من معرفة أن الملكة حاولت قياس قوتها من البداية، وإن كانت بهذه الثقة فهذا يعني أن هذه الفتاة تقوم بإخفاء قوتها وهذا مستحيل، لا أحد تمكن من إخفاء هالة قوته، خاصةً عن ملكة السحر.

ما لم تعرفه الملكة أن جلنار قضت القليل من الوقت مع إليف الشبح الذي يظهر ويختفي بشكلٍ غامض واستطاعت معرفة بعض الأشياء المميزة عن أبناء التوبازيوس، وإخفاء هالة الطاقة كانت أحد أهم هذه المزايا.

كان على ملكة الساحرات المراهنة في هذه اللحظة على أحد الأمرين، إما أن هذه الفتاة حقًا ضعيفة وتتبجح لكسب الوقت وحينها سيحصل وحشها العزيز على وجبتين، أو أن الفتاة بالفعل تخفي قوتها الحقيقة وإن تمكنت من هذا فهذا يعني أنها خطرة.

فتاةٌ لا يمكن للملكة قياس قوتها قد تتمكن بمعجزةٍ ما من القضاء على جانديموث وحينها ستخاطر الملكة بالفرصة الوحيدة للقضاء على ثونار بينما هي بهذه الحالة الجسدية الضعيفة.

المشكلة الوحيدة للملكة أنها لا تعرف أن جلنار اكتشفت نقطة ضعفها بالفعل؛ حب المراهنة على ما هو خطر! تلك الإثارة التي تسير بين عروقك بينما تضع خططك على المحك لتخاطر بالرهان على شيء مجهول ممتع، كان هذا ما يثير جنون ملكة الساحرات.

رسمت ابتسامة صغيرة على وجهها واقتربت من جلنار ببطء "إن كان هذا ما تريدينه إذًا..." نظرت بزاوية عينها نحو أتريوس قبل أن ترسل نحوه قبلةً سريعة ويختفي جميع الفرسان في الغرفة في خلال ثانية.

نظرت جلنار حولها بتفاجؤ، ولكن ملكة الساحرات أشارت نحو نقطةٍ ما بين مقاعد المتفرجين "إنهم هناك، لا تقلقي كثيرًا، سيشاهدونكِ وأنتِ تؤكلين، فلا داعي للخوف".

رفعت نظرها بشكلٍ بارد وأخذت خطوة جريئة لتقف وجهًا لوجهٍ مع الملكة "لا تكوني واثقة لهذا الحد". ابتسامة الملكة اختفت وهي تبادل الجرأة داخل عين جلنار بالمقت لشعور الإهانة التي منحته جلنار لها "احذري ممن تتحدثين معه بهذه الطريقة".

كانت نبرتها وبرودتها كفيلة بدفع من أمامها للارتعاد؛ فهي تعد من أقوى المقاتلين بين الممالك، لكن لأول مرة شعرت أن تأثيرها يكاد يكون معدومًا لتعبير الفتاة الذي لم يتغير.

ارتجفت أطرافها وشعرت بالدماء تتجمد داخلها عندما تحول الهواء لثانيةٍ بإمكانها فيها الشعور بذلك الضغط الضخم في المكان حولها، لم تتمكن من الحركة وهي تحدق بعين جلنار التي لم تطرف للحظة ونظرتها البريئة الحمقاء تحولت في خلال ثواني لواحدةٍ أكثر رعبًا.

"برأيي أن الوحيد الذي عليه مراقبة فمه بينما يتحدث هو أنتِ جلالة الملكة"

لطالما كانت الملكة تملك فلسفتها الخاصة عن الحياة، فالأشخاص في أي مكان ينقسمون لقسمين: فريسة ومفترس... وفي هذه اللحظة شعرت أنها ولأول مرة في حياتها تقف أمام مفترسٍ جامح.

يوجين راقب الموقف بصدمةٍ وعينه جالت على المحاربات اللواتي أخذن حذرهن من جلنار فجأة، في هذه الثانية من كانت تقف في وجه الملكة لم تكن صديقته جلنار التي كان يوبخها كما يريد، حتى في هيئته هذه تمكن من الشعور بذلك الضغط المرعب في المكان.

لكن ما إن أخذت جلنار خطوة للخلف برغبتها الشخصية كل شيء اختفى وتبدد الجو في ثانية، وأراد يوجين الصراخ في وجه جلنار قائلًا: ماذا حدث للتو؟ ولكنه فضل السؤال عن هذا لاحقًا.

"هل سنحدق ببعضنا طويلًا أم سأقاتل وحشكم ذاك؟" حاولت ملكة الساحرات تمالك نفسها أمام محارباتها وتحركت حول جلنار قبل أن تظهر علبةً زجاجية بيدها مصممة بشكلٍ خاص وبداخلها ذرات رملية زرقاء تمر خلال أنبوبٍ رفيع جدًا، كانت تشبه ساعةً رملية بتصميم مختلف، تصميمٍ ذي طابع سحري.

"بالطبع ستقاتلين الوحش، عزيزتي! ولكن لنجعل الأمر يحتوي على بعض التحدي، لديكِ وقتٌ معين هنا، في خلاله عليك المرور من خلال الحواجز، وإن لم تتمكني من فعلها قبل انتهاء الوقت لن تملكي الفرصة للقتال، وحينها ودعي صديقتكِ الصهباء"

التفتت نحو جلنار بنظرةٍ متسعة وابتسامةٍ خبيثة. "أليس هذا ممتعًا أكثر بكثير من الـ..." قالت قبل أن تتوقف وتقترب من جلنار ونطقت بجوار أذنها بشكل استفزازي: "معتاد؟".

أرادت جلنار السؤال عن الحواجز التي تقصدها ولكن الغرفة حولهم تحولت إلى رمال ناعمة في ثوانٍ واختفت الملكة والمحاربات، أصبحت جلنار ويوجين داخل نفقٍ تُضيئه مشاعل معلقة على الجدران.

الملكة مع محارباتها انتقلن فورًا لأعلى المقاعد في المكان ليشاهدن الحدث، تنفست الملكة ونظرت لقبضة يدها التي تعرقت لتوترها، قبضتها بينما نظرت للساحة بتركيزٍ وبدأت تشعر بأنها -ربما- ارتكبت خطأً للتو.

"ماذا يحدث؟" سأل يوجين بحذرٍ وهو ينظر حوله قبل أن يلتقط أحد المشاعل المعلقة. "لا أعلم ولا أملك الوقت لذلك، الرمال بدأت بالتحرك" تقدمت جلنار وهي تنظر للمكعب الزجاجي الذي بدأت تنزلق فيه الرمال نحو الأسفل.

تبعها يوجين وهو ينظر حوله بحذر، وصلا إلى طريقٍ مسدود وعندما لوح يوجين بالمشعل نحو الحائط يحاول رؤية أي طريق آخر كلماتٌ بلون الذهب تكونت فوق الجدار الصخري.

"ما هذا؟" همست وهي تقترب لتقرأ الكلمات ويوجين أضاء الجدار الذي أصبحت الكلمات تلمع عليه كالذهب تمامًا.

"يغطي السماء والمياه، محرم ونقي مثل الفضاء، قد يتملكك وقد تتملكه، ولكنه كالسحر على أرض الساحرات…"

نظرت جلنار ليوجين عندما انتهت من قراءة الجمل المبعثرة على الجدار. "ما الذي يعنيه هذا بحق الله؟" صاح يوجين بفزعٍ وحرك المشعل حول المكان يبحث أن أي طريقٍ آخر. "يوجين، هناك مقبض على يسارك" أشارت جلنار نحو الجدار على يسار يوجين ليحرك المشعل لذاك الاتجاه.

"مكتوب هنا: أبيض!" قال بصوتٍ عالٍ الكلمة المحفورة فوق المقبض، التفتت جلنار تنظر حولها لتلمح المقبض على يمينها "يوجين، بعض الضوء هنا". التفت نحوها وقرأ الكلمة على المقبض على يمينها: "أسود". نظر كلاهما للآخر بحيرة.

"أبيض وأسود، علينا الاختيار بينهما بسرعة" تمتمت وهي تتفحص الجمل الذهبية على الجدار. "يغطي السماء والمياه، أسود أم أبيض؟" تساءلت بصوتٍ عالٍ ليردف يوجين: "مكتوب هنا أنه محرم ونقي وكالفضاء وأيضًا يتملكك وتتملكه".

قضمت جلنار أظافرها بتوتر وعينها تنتقل بين المقبضين الأبيض والأسود. "لا بد من كونه الأسود" تمتمت؛ ليوقفها يوجين بسرعة: "أعلم ما تفكرين فيه، السماء سوداء والفضاء أسود". أومأت جلنار، لكن يوجين منعها قائلًا: "ولكن السماء نهارًا تضيء بالأبيض وتنعكس على المياه أيضًا".

لم تقتنع جلنار بالأبيض، كان الجواب هو الأسود بكل تأكيد؛ لذلك أشارت ليوجين نحو المقبض الأبيض وعندما التفت بتعجب ركضت نحو الأسود وقامت بسحبه.

يوجين حدق بها بصدمة، ولكن الجدار اختفى من أمام أعينهم مخلفًا غبارًا ذهبي اللون.

"أخبرتك أنه الأسود" قالت وهي تتقدم نحو الأمام.

"أتمزحين معي؟ ماذا إن كانت الإجابة الخاطئة؟ ماذا إن كان المكان سينطبق على رؤوسنا؟ عليكِ التوقف عن هذا التهور!"

دحرجت عينها ورفعت مكعب الرمال قائلة: "الوقت يُسرق منا، يوجين، كما أنها الإجابة الصحيحة، لا داعي للذعر".

توقفوا مجددًا أمام طريقٍ محطم بالكامل وأمام الفجوة الضخمة ثلاثة أحجار صخرية، كل واحدٍ نُحت عليه شكلٌ مختلف: الأول كان عصا غريبة الشكل، والثاني كان كتابًا، والثالث كان منجلًا.

"سلاح الساحرات، أمل الساحرات، قوة الساحرات… إن كان الأول هو السحر، والثاني هو السر، والثالث هو الغر، فأيهم تختار؟" قرأ يوجين الكلمات المنحوتة على الأرضية أمام الصخور الثلاثة ونظر لجلنار.

"الأول هو السحر والثاني هو السر والثالث هو الغر، إن كانت العصا هي السحر والكتاب هو السر والمنجل هو الغر، فأيهم ستختار؟". نظر يوجين نحو جلنار ببلاهة "غر وسر؟ إن فهمتِ ما تريد هذه الكلمات إيصاله لاخترت شيئًا لعينًا قبل أن نموت، عزيزتي جلنار".

"العصا تقوم بالسحر، ولكن الساحرات دائمًا يستخدمن الكتب الخاصة بالسحر، وإن كان المنجل الغر فهذا يعني أن المنجل ربما سلاح للمبتدئين… لا بد من أنه الكتاب، يوجين" نظر نحوها بقلق، ولكنها ابتسمت بثقة وضغطت على الصخرة التي تحمل نحت الكتاب.

الطريق المحطم أمامهم بدأ يتكون من جديد كمقطع فيديو تقوم فيه بإعادة الشريط إلى الخلف مجددًا لتتسع ابتسامة جلنار وتركض بسرعة نحو الأحجية التالية إن كانت موجودة.

توقفوا أمام ثلاثة طرق مختلفة، كل طريقٍ يؤدي لمكانٍ ما،  وأمام الطريق عُلق لوح تشكلت عليه كلمات سحرية: "قوية وجميلة، عاشقة ومعشوقة، الأولى والأخيرة، يؤمنون بوجودها ويؤمنون بمهارتها، أرتميس حية مع كل رمية".

نظرت للطرق الثلاث، أحدهم كان يملك علامةً لمطرقة، والآخر لصاعقة رعدية، والأخيرة كانت لقوس وسهام.

نظر يوجين نحو جلنار بنفاد صبر قبل أن تنتقل عينه للرمال التي تكاد تنتهي "جلنار، هيا! إن كنتِ تملكين أي فكرةٍ نفذيها، يبدو أن الحظ حليفكِ اليوم". قضمت شفتها في تردد "الإجابة التي أعرفها ستكون صحيحة فقط إن كانت الساحرات يؤمن بالإغريق".

عقد يوجين حاجبيه بعدم فهم لتفسر: "النص يتحدث عن أرتميس آلهة الإغريق، ولكن أتساءل إن كانت أرتميس ذاتها التي يعرفها البشر. المطرقة هي سلاح ثور، والصاعقة الرعدية خاصة بزيوس، والقوس والسهم خاصان بأرتميس رامية السهام كما تقول الأسطورة". نظرت ليوجين قبل أن تأخذ نفسًا وتنطلق راكضة نحو طريق القوس والسهام "لندعو الرب أن تكون أرتميس الخاصة بالبشر".

لم يصدق يوجين أنها ركضت دون التأكد حتى من طريق القوس والسهم وعينه اتسعت عندما شاهد الطريقين الآخرين يتحولان إلى رماد.

"أنت تنوين قتل نفسكِ اليوم، فقط للمعلومية" صاح بها بينما تلتقط هي أنفاسها. "ربما أنا أفعل" همست قبل أن تستقيم وتنظر لأحجيتها التالية.

عقدت حاجبيها لأنها كانت واقفةً أمام بابين، أحدهما كتب عليه: السيف، والآخر: الفأس…

وبين البابين كتبت جملة واحدة ومختصرة: "توقف عن التفكير واختر ما صرخ به قلبك". قرأتها في ذات الوقت مع يوجين وتبادل كلاهما النظرات.

"لمَ أشعر بأني أعرف بالفعل أي باب ستختارين؟" نظر نحوها بعينٍ ضيقة لتزفر بضيق. "أنا سأختار ما أريد، يوجين" أرادت إثبات أن يوجين مخطئ وأنها لن تفكر في اختيار الفأس أبدًا؛ لذلك اتجهت نحو باب السيف ونظرت للوقت الذي بالكاد انتهى ولم يتبقَ سوى ثوانٍ.

يدها توقفت عند مقبض باب السيف قبل أن تغمض عينها بقوة وتلعن تحت أنفاسها وتركض نحو الباب الآخر صاحب كلمة الفأس وتدفعه بقوة.

ضوءٌ قوي ضرب عينها وأصوات كثيرة كانت تصرخ وتهتف بحماس.

كانت جلنار قد وصلت لساحة القتال في الثواني الأخيرة.

يوجين ألقى المشعل بعيدًا وتبعها للخارج. "لقد اخترتِ الفأس! ظننتكِ ستقومين بعنادي" نظرت ليوجين بغيظٍ قائلة: "لقد كان الباب الصحيح وهذا هو المهم". رفع كتفيه وقال: "لقد كان الصحيح لأنك من أردته أن يكون كذلك".

تجاهلته جلنار ونظرت للأعلى حيث المقاعد الممتلئة، وفي مقصورة خاصة تحلق بعيدًا كانت ملكة الساحرات تجلس وحولها محارباتها.

تقدمت للأمام حتى أصبحت في مرمى الأنظار، وحينها تعالت الصرخات المتحمسة لتلفت انتباه الجميع.

عينها التقت بعين ثونار المصدومة، حدقت الاثنتان ببعضهما قبل أن تصرخ ثونار باسم جلنار وتأمرها بالابتعاد عن الساحة.

عينها انتقلت عبر الوجوه المختلفة والغريبة عنها حتى توقفت على الفرسان الذي يراقبون بقلق، وتوقفت على وجه أتريوس الذي أمسك فأسه وكأنه مستعدٌ للقفز داخل الساحة في خلال ثوانٍ.

"جلنار، هناك شيءٌ ما يحدث لكِ" التفتت نحو يوجين الذي راقب جسدها بقلق، نظرت إلى نفسها حيث أن سحرًا ما ذهبي اللون كان يلتف حول خصرها وظهرها، وعندما اختفى ظهر مكانه حزامٌ جلدي اللون حول خصرها، وعلى ظهرها كان هناك قوسًا وسهمًا وفأسًا ضخمًا بجوارها.

الحزام كان يحتوي على جيبين، أحدهما كان بداخله كتاب تعاويذ صغير الحجم والآخر يحتوي على الفحم!

"أهذه هي الأسلحة التي ستقاتلين بها؟" تساءل بسخرية قبل أن ينظر إلى الملكة صارخًا: "شكرًا على كرمك!". جلنار حدقت بالأسلحة التي تملكها قبل أن تلعن تحت أنفاسها جاذبة انتباه يوجين "تلك الألغاز لم تكن… اللعنة". بحيرةٍ سأل يوجين وصوته وصل بصعوبة لجلنار بسبب صراخ الساحرات المتحمسات: "ماذا تقصدين؟".

أمسكت بالكتاب أمام وجه يوجين قائلة: "تلك الألغاز كانت جميع أجوبتها صحيحة، أي جواب كنت تختاره سيكون صحيحًا، تلك الملكة تلاعبت بنا. إجاباتك عن الأسئلة هي أسلحتك التي اخترتها بنفسك لمواجهة الوحش. اللون الأسود، إنه الفحم! الكتاب الخاص بالساحرات، القوس والسهم الخاصين بأرتميس، والفأس! لقد جعلتني أختار أسلحتي بنفسي".

فغر يوجين فاهه بصدمة قبل أن ينظر لملكة الساحرات "لقد تلاعبت بكِ بسهولة". فتحت جلنار الكتب بسرعة وبدأت تقلب صفحاته واحدةً تلو الأخرى.

هزة أرضية قوية تلاها صوتٍ شيء ضرب الأرض بقوةٍ جعل الصمت سيد الساحة، الجميع نظر مترقبًا وتوقفت جلنار عن تقليب الصفحات لتنظر أمامها بترقبٍ حينما ضربت هزةٌ أخرى المكان.

تجاهلت صوت الأقدام التي تضرب الأرض بقوة وقلبت الصفحات بشكل أسرع. "جلنار، لا أظن أن هذا هو وقت القراءة والاسترخاء، أم تفضلين كوبًا من القهوة أيضًا؟" تجاهلت سخرية يوجين واستمرت في تقليب الصفحات ليصيح بها: "ماذا تفعلين في وقت كهذا الآن؟".

"ألتقط الصور" تمتمت وعينها منشغلة بتتبع أسطر الكتاب. "مـ… ماذ؟" زفرت بضيق وصاحت بيوجين: "الذاكرة الفوتوغرافية، أتذكر؟ يمكنني حفظ هذه الصفحات بمجرد النظر إليها".

الهزة أصبحت أقوى وصوت الضربات دفع الرعب داخل قلوب الجميع في الساحة ودفعهم للالتصاق بالحاجز بينهم والساحة للمتابعة بحماس.

أغلقت جلنار الكتاب وألقته بعيدًا وأخذت نفسًا قويًا. "لنتمنَ أن تنفعنا إحدى تعويذاته" همست وتلمست القوس على ظهرها بحذر وعينها تراقب الساحة من حولها ترقبًا لظهور ذلك الوحش الذي يتحدث عنه الجميع.

صوت الضربات ازداد بشكلٍ جنوني والأرضية أمام جلنار انشقت تخرج من تحتها أضخم وأبشع مخلوقٍ قد تراه يومًا، مثبتٌ بسلاسل سحرية تقوم بحرق جلده كلما حاول الحراك، وبالرغم من ذلك كان يتخبط يمينًا ويسارًا بقوة ويصرخ بشكل مرعب مشهرًا أنيابه ولعابه الذي تناثر في كل مكان.

أعين بيضاء لم تحوِ حتى بؤبؤ يدل على روحٍ داخل جسد ذلك المخلوق، وأنيابه قد تتعدى الثلاثة أمتار، جسده مليءٌ بالندوب وأسنانه مغطاةٌ بالدماء، وعلى طول فقرات ظهره كانت العظام بارزةً كالأشواك.

تمتم يوجين بشيءٍ ما دافعًا جلنار للصراخ: "ماذا تقول بحق الله؟". تعلقت عينها بالمخلوق البشع أمامها، تشعر أنها تهورت كثيرًا هذه المرة. "تذكرت فجأة كيف كانت تصلي أمي في الكنيسة؛ لذلك أرجوا الإله أن يأخذ روحي الآن، أظن أن مهمتي انتهت هنا. سررت بالتعرف عليكِ، جلنار"

تجاهلت سخافته ويدها اتجهت نحو القوس وأخرجت سهمًا لتقوم بتصويبه، ثم انتظرت الحركة الأولى التي يتحرر فيها هذا المخلوق المرعب.

"هل تفكرين حقًا في مواجهته؟ هل ضربت أشعة الشمس عقلكِ أم أنكِ تتوقين لأن تكوني وجبة هذا اليوم؟ اركضي خارج الساحة اللعينة!". صرخ يوجين في وجهها، لكنها قابلته بنظراتٍ ثابتة نحو ذلك المخلوق وقالت بثقة: "خاطرت ثونار بحياتها مرةً من أجلي، لا أريد أن أظل مدينةً من أجلها".

صمتت لثوانٍ قبل ان ترسم ابتسامة جانبية وتقول: "كما… أليست هذه فرصةً رائعة لأختبر كم نمت قوتي؟".

صعق يوجين لابتسامتها ليصيح: "هذا جنون، لقد دفعكِ هذا المكان لجنون!".

السلاسل تحطمت واحدةً تلو الأخرى، والأنفاس حُبست في هذه الثانية ترقبًا لهذه المواجهة، حدق المخلوق المسعور بجلنار ويوجين قبل أن ينطلق دون ترددٍ وكل ما يدور في رأسه هو تقطيع جسدها بأنيابه.

ركضت جلنار نحوه بسرعة وقبل أن يلتقط جسدها بأسنانه اندفعت الصخرة التي كانت تحت قدميها لتقفز عليها من فوق ظهر الجانديموث، وفي الثانية التي كانت تحلق من فوقه أشعلت السهم الذي قامت بسحبه قبل أن تطلقه على مؤخرة عنقه.

بدا الأمر وكأنها أطلقت شوكةً نحيفة لم يشعر حتى بتأثيرها، وما إن هبطت على قدميها كان الجانديموث قد قفز فوقها بحركةٍ نهائية كانت تظهر للجميع أن الأمر انتهى.

زفرت الملكة بمللٍ ونهضت من مكانها تنوي إعلان انتهاء هذا النزال، ولكن شهقات المشاهدات وصرخاتهم التي علت فجأةً بحماسٍ دفعتها للتراجع وإعادة النظر للمشهد، ذلك الوحش حاول الوصول لجلنار، ولكنها كونت حاجزًا من الصخر تحمي به نفسها.

وقبل أن يحطمه الجانديموث دفعت جلنار بالحاجز بقوةٍ نحو وجهه ليصطدم به وتركض هي منزلقة من أسفل جسده للجهة الأخرى من الساحة.

التشجيع أصبح أعلى وأكثر قوة والجميع راقب بحماسٍ شديد هذه القتال الذي يدور دون استخدام السحر حتى الآن.

"مرحبًا يا وجبة العشاء، أتريدين مساعدة حتى نصبح الأطباق لهذا الشيء البشع؟" لوح لها يوجين لتحرك رأسها بيأس قائلة: "توقف عن السخرية وحاول لفت انتباهه". نظر نحوها وكأنها مجنونة "هل تريدين قتلي معك؟". ركضت جلنار وقفزت بعيدًا عن مخالب الجانديموث. "أنت ميت، يوجين!" صرخت ليصرخ في المقابل: "ربما ذلك الشيء يأكل الأشباح أيضًا، شكرًا، أنا لا أعرف من تكونين حتى لأقوم بمساعدتك يـ... اللعنة، جلنار! إنه ينظر لي، إنه ينظر لي!"

صاح بينما يكاد يفقد الوعي، وصرخ بقوةٍ عندما قفز الجانديموث نحوه ليحلق بعيدًا "مرحبًا، أيتها الأميرة. لمَ الخوف؟" سخرت جلنار وهي تلوح ليوجين. "ربما عليكِ الاهتمام أكثر لمن ينظر لكِ كأغلى وجبةٍ على وجه الأرض" التفتت نحو الجانديموث الذي حدق بها قبل أن يزمجر ويركض نحوها.

لعنت جلنار قبل أن تحرك يدها بسرعة مفتعلةً ضربة قوية من الماء تعطل حركته. "ذلك الشيء لا يتوقف!" صاحت بينما تركض للجهة الأخرى. "كان عليكِ التفكير بذلك قبل أن تقترحي بكل حماقةٍ وضع نفسك أمامه"

خطرت لها فكرة سريعة؛ لذلك ركضت حول الساحة ويدها لمست الأرض لتخرج من تحتها الكثير من الجذور الطويلة وتشتعل جميعها بالنيران محيطةً الوحش في منتصفها ويزداد صراخ المتحمسين لهذا المشهد.

الملكة وقفت عن مقعدها المريح وهي تحدق بصدمةٍ بالساحة التي تدور المعركة على أرضها، كان ذلك أكثر الأشياء استحالة، لم تكن أبدًا لتفكر أن هذه الفتاة يمكنها استعمال ثلاثة عناصر! وزادت صدمتها عندما حركت جلنار الهواء بقوة لتتحرك الجذور والنيران معًا مكونةً قفصًا ناريًا حول الجانديموث.

أربعة عناصر في الوقت ذاته، فكرت أن هذه الفتاة لا بد أن تكون من العائلة الملكية أو ربما كانت ورقة رابحة خبئها الإلترانيوسيين طويلًا ويتباهون بها الآن، إتقان أربعة عناصر هو شيء لم تسمع به من عصر طويل.

في الجهة الأخرى خطة جلنار كانت تبوء بالفشل؛ فلم يبدُ الجانديموث متأثرًا بالنيران كثيرًا لأنه وضع جسده بينها حرفيًا وخرج من القفص الذي صنعته جلنار ليحاول الانقضاض عليها.

أوقفت جلنار نيرانها لأنها أصبحت تعيق طريقها في أثناء هروبها وحاولت التفكير في شيءٍ آخر. مخالب الجانديموث كادت تصيبها؛ لذلك ارتفعت الأرض من أسفلها صخرةً تلو الأخرى، قفزت فوقهم قبل أن توجههم بقوةٍ نحو وجه الجانديموث.

أمسكت أحد السهام وحاولت إصابة عينه، ولكنه تحرك في الثانية الأخيرة لتصيح بإحباط.

قفزت بسرعة مسافة عالية والهواء الذي أحاط جسدها دفعها لبلوغ ارتفاعٍ عالٍ ومن ذلك الارتفاع نظرت لجسد الجانديموث بينما جسدها يهبط بسرعة عالية، وعلى الفور جمعت كفيها معًا قبل أن تطلق نيران عظيمة لم ترَ الساحرات مثلها من قبل.

النيران اختفت كما ظهرت في ثوانٍ وجلنار أبطأت من سرعة هبوطها باستخدام الرياح لتقف على قدميها.

الجميع صمت لثانيةٍ من صدمة الحرارة التي ضربتهم قبل أن يصرخوا بقوة ويقفزوا كالمجانين ويضربوا المقاعد والحواجز بقبضتهم.

"هؤلاء المجانين حقًا يحتاجون كشفًا على عقولهم" علق يوجين لتومئ جلنار موافقةً. "تبدين كالأمزونيات تمامًا" تمتمت جلنار قبل أن تنظر للجانديموث.

حدقت بصدمةٍ وهي ترى فراءه البيضاء التي احترقت تعود مجددًا وكأن ضررًا لم يصبها.

"أخبرتكِ أن الأمر سينتهي بكِ كوجبة، دعينا ننظر للجانب الجيد… ستلتقين أنتِ وثونار في معدة هذا الوحش، هذا إن كنتما محظوظتين كفاية ولم يقم بمضغكما".

جلنار نظرت ليوجين لدقيقةٍ وفكرة ما قفزت داخل رأسها. "ماذا هنـ... لا لا، جلنار، لا، توقفي! إياكِ والنظر نحوي بهذه الطريقة، سيتم إقحام رأسي الآن في مصيبة". ابتسمت وأومأت "يوجين شتت انتباهه واجعله يركض حول الساحة بعيدًا عن منتصفها".

حرك رأسه للجانبين رافضًا، لكنها نظرت نحوه بقوة ليحرك رأسه مجددًا برفضٍ تام، بطرف عينها لاحظت الجانديموث الذي استعد مجددًا، وما إن ركض نحوهما صرخت به: "اركض، إنه خلفك!".

لم يتمالك يوجين نفسه وصرخ بقوةٍ وركض في الاتجاه المعاكس لجلنار، صراخه جذب انتباه الجانديموث ليركض خلفه.

"حول الساحة، لا في منتصفها" صاحت جلنار في يوجين ليصرخ هو بفزع: "لمَ تتحدثين عن الأمر وكأنني آخذ كلبي في نزهةٍ لعينة، عليكِ اللعنة!".

تجاهلت شتائمه وأخرجت الفحم الأسود من داخل الحقيبة وركضت لمنتصف الساحة، تذكرت إحدى الصفحات التي قرأتها للتو داخل الكتاب وحاولت رسم الشكل ذاته على الأرضية، بالرغم من تعقيد هندسية ذلك الشكل فإن ذاكرة جلنار احتفظت به كصورة في الهاتف تمامًا.

الجميع كان يراقب تصرفات الجانديموث بتعجب؛ فقد ترك جلنار في منتصف الساحة وكان يركض حول الساحة بشكل مستمر.

كادت تُجن الملكة وهي تحاول الكشف عن أي نوع من السحر قد تطبقه هذه الفتاة، ربما سحر وهم أو تضليل يجعل الجانديموث يركض خلف هدفٍ وهمي، ولكن في كل مرة لم تكن ترى شيئًا ما، لذلك ألقت كأس الشراب الذي في يدها بقوةٍ وصاحت بغضب: "مانريدا! أي سحر تستخدمه هذه اللعينة؟".

تقدمت المرأة ذات الفستان الأزرق بهدوءٍ وخلفها التوأمتين "إنها لا تستخدم أي سحرٍ، جلالتك". نظرت الملكة نحو مانريدا بغضب "أتريدين القول إن ذلك المخلوق اللعين يتصرف بجنونٍ في هذه اللحظة أم ماذا؟".

عين مانريدا لم تتحرك بعيدًا عن جلنار التي كانت تكاد تنتهي من رسمها وأجابت في هدوء: "لا يمكنني الكشف عن أي نوعٍ من أنواع السحر هنا".

نظرت الملكة نحو الساحة مجددًا تكاد تنفجر من الغضب والحيرة وبدأ القلق يتسلل داخلها، هل راهنت على الخيار الخاطئ؟

جلنار قبضت على الفحم بيدها بقوةٍ وهي تقف في منتصف رسمها بنظرة استحسان. "إن كنتِ قد أنهيتِ لوحتك الجميلة فأخبريني، ليس الأمر وكأني أتذمر، ولكن ذلك الشيء يبدو فعلًا قادرًا على التهامي" صرخ يوجين لتنظر جلنار نحوه وتشير بيدها للأعلى.

فهم يوجين على الفور وغير اتجاه تحليقه لأعلى بشكلٍ رأسي؛ فلم يتمكن الجانديموث من اللحاق به، أصدرت جلنار صفيرًا قويًا جذب انتباهه وجعل الجميع يوقن أنها جُنت بكل تأكيد. "أيها القبيح، انظر هنا!" لوحت بيدها مطلقة ضربات نارية جذبت انتباهه.

ركض نحوها بسرعةٍ لتبتعد عن منتصف الرسم ودعت بكل ما تملك أن تتمكن من القيام بالسحر ونطق التعويذة.

عندما وقفت تمامًا حيث تريد رفعت جسدها عن الأرض بقوة الهواء وصاحت بالتعويذة وكأنها الخلاص: "لوست فيس ديمتري، قيدي الأرواح والأجساد واحبسي الأنفاس بين سلاسلك، أيتها الروح ديمتري".

الرسم حول الجانديموث أضاء بلون بنفسجي قوي وسلاسل قوية ومتينة نقشت عليها عبارات سحرية خرجت من تحت الأرض وقيدت جسد الجانديموث في ثوانٍ وجذبته بقوةٍ لينبطح أرضًا.

"هذا مستحيل! كيف يمكنها إتقان تعويذة ديمتري؟" صرخت التوأمتين معًا في دهشة وراقبت الملكة ما يحدث بتوتر وذهول.

الجميع صمت في هذه اللحظة ونظر بذهولٍ لجسد المخلوق الذي يحاول الخلاص، ولكنه كان مقيدًا بأكثر تعويذة من الصعب التحكم فيها، سلاسل روح ديمتري.

لم تكن جلنار على علم بهذه التعويذة وبقوتها، كل ما تعرفه أنها تعويذة لربط الأجساد بسلاسل من العالم الآخر، لم تكلف نفسها فهم أصل التعويذة، لم تكن تعلم أن روح ديمتري لا تمنح سلاسلها لأي شخص، حتى الملكة لم تحصل على شرف التحكم بسلاسل ديمتري.

أصوات المتفرجين بدأت تعلو في جملةٍ واحدةٍ بوتيرة منخفضة، ثم أصبحت أعلى وأعلى، في صوت واحد كانوا يرددون الجملة ذاتها: "اذبحي الوحش، اذبحي الوحش!".

كان هذا انتصارًا، لقد نجحت جلنار وكل ما يجب عليها فعله هو ذبح الوحش المقيد أمامها فوق الأرضية.

مسحت العرق المتكون فوق وجهها وتحركت نحو نهاية الساحة حيث تركت الفأس الضخم هناك وتحت أنظار الجميع التقطته وقامت بجره نحو الوحش، وجملتهم تتكرر دون توقف، "اذبحي الوحش!".

راقب أتريوس جسدها الذي يسحب الفأس نحو الجانديموث وعلى عكس سعادة الجميع بانتصارها كان جامد الوجه يحاول إخفاء ذلك الانقباض داخل صدره، كان ساخطًا في هذه اللحظة.

وقفت جلنار في مواجهة نظرة الجانديموث الغاضبة وزمجرته وحركته العصبية، والجملة أصبحت تضرب المكان بشكلٍ أعلى وأقوى مقشعرةً الأبدان.

يدها قبضت بقوةٍ على الفأس ورفعته للأعلى بكل ما تملك من قوةٍ قبل أن تتجه عينها نحو ملكة الساحرات التي راقبت الموقف بذهولٍ واستنكار.

عينها تحركت نحو الجانديموث، أعين بيضاء فارغةٌ من الحياة، هذا ما يجب أن تكون، ولكنها لم ترَ هذا، كان هناك شيئًا مخبتئًا أسفل عينه البيضاء، لقد رأت الخوف مخبئًا في مكان ما.

وعندما أغمضت عينها ورفعت الفأس بالكامل تنوي قطع رأس الوحش، أعين زجاجية كانت الشيء الذي رأته أمامها، أعين لشخصٍ ظنت أنه وحشٌ ولكنه لم يكن.

صوت ارتطام قوي دفع الجميع للصمت والتوقف عن تكرار الجملة واتجهت أعينهم نحو الفأس الذي تم إلقاءه أرضًا.

تنفست بقوةٍ وفتحت عيناها تنظر نحو المخلوق الذي حدق بها بحذرٍ وزمجر عندما اقتربت خطوةً منه.

"مرحبًا يا صاح" تحدثت مبتسمة ليزمجر بقوة في وجهها. "يا لها من معركة تلك التي خضناها، أنت قوي بالفعل كما سمعت"راقب يوجين جلنار بعينين متسعتين وكاد يصرخ معترفًا بجنونها، ولكنه صمت.

اقتربت جلنار من الجانديموث ليزمجر بصوتٍ أعلى ويحرك جسده، لكنها سحبت السهمان اللذان أصابا جسده وألقتهما بعيدًا. "أعتذر عن هذا، لكنك أخفتني؛ لذلك…"

راقبته بحذر تحاول الشعور به، كما تشعر بكارولوس. "لا داعي للخوف، أنا جلنار بالمناسبة، يطلقون عليك جانديموث بمعنى حيوان الشيطان، لا تبدو لي كذلك، لا بد من أن لك اسم!" نظرت نحوه ومدت يدها ببطء نحو رأسه، لكنه فتح فمه بزمجرةٍ عالية أصابت الجميع بتوتر.

"لا بأس، لا قتال بعد اليوم. المكان هنا سيء وقذر، صحيح؟ هل تريد المجيء معي؟ هناك صديقٌ أظن أنكما ستتفاهمان وتنسجمان معًا" راقبها المخلوق بصمتٍ ولم يبدِ أي رد فعل.

"ماذا تفعل بحق الله؟" سألت الملكة بعصبيةٍ بينما جميع من يقف معها في المقصورة كان يتابع ما يحدث بدهشة.

"دعنا نبرم صفقة" قالت وجلست أمامه على أطراف أمشاط اقدمها. "سأقوم بتحريرك وسأثق بك، ولكن في المقابل عليك أن تثق بي، حسنًا؟" لاحظت جلنار أنها اقتربت منه كفايةً ولم يزمجر مجددًا.

دفعت الفأس بعيدًا بقدمها ورفعت كف يدها نحوه قبل أن تغمض عينها وتأخذ نفسًا قوي وتنطق بالتعويذة المضادة؛ مما دفع الجميع للتراجع بعيدًا عن الحاجز، الأمر أشبه بإطلاق عاصفةٍ هوجاء من مكانها.

ابتلعت جلنار وهي تسمع أصوات السلاسل واحدة تلو الأخرى تتحطم وصوت يوجين الذي أمرها بالابتعاد على الفور، ولكنها تجاهلت كل ذلك وظلت مغمضة العينين واقفة أمام جسد الجانديموث الهائل.

أنفاسه ضربتها بقوة، ولكنها ظلت مغمضة العينين ثابتةً في مكانها دون سلاح، وحينها شعرت به، عندما لمست فراءه وجنتها استطاعت معرفة اسمه على الفور. "أركون! القائد، ها! اسم جميل" ابتسامتها اتسعت عندما لمست وجهه المليء بالندوب، وما إن فتحت عينها كان وجهه يقابلها تمامًا وعينه البيضاء تحولت لعدستين ذهبيتين حدقتا بوجهها بهدوء.

الجميع كان يراقب بدهشةٍ وصدمة، للمرة الأولى كان الجانديموث قريبًا من شخصٍ لهذا الحد وأليفًا معه! بدا الأمر كحكاية مستحيلة.

ابتعد أركون عن جلنار خطوةً للوراء وتقلص حجمه الضخم حتى أصبح بحجم ذئبٍ بنصف طول جلنار، ذاك المخلوق المتوحش تحول لآخر بوجهٍ هادئ ونظراتٍ ثابتة غير مفترسة تحدق بجلنار فقط.

اقترب منها قبل أن يضع رأسه فوق كتفها لتمسح على رأسه بلطفٍ وتضحك بسعادةٍ وعدم تصديق وعينها نظرت ليوجين الذي حرك رأسه بذهول.

ارتفع رأسها تنظر لجميع من يحدقون بصدمةٍ قبل أن تقع على أتريوس الذي وضع ابتسامة بسيطة تحولت لتكون أوسع وهو ينظر نحوها لتشعر بتوترٍ قوي داخل صدرها.

وكأن رابطةً ما تكونت بينها وبين أركون لأنه ابتعد ونظر نحو أتريوس بدوره.

كان يجب على أحدهم في هذه اللحظة تحديد مدى سوء الموقف أو انتصار جلنار؛ لذلك انطلقت ثونار وضربت الزنزانة مستغلةً الهدوء الذي يعم المكان وصرخت بأعلى صوتها: "لقد روض الجانديموث، لدينا منتصر!".

وكأن الجميع قرروا أنها بالفعل انتصرت لتتعالى صراخات الحماس والاحتفال وسط سخط وصدمة وعدم رضى من الملكة.

التفتت جلنار نحو الشرارة التي صدرت خلفها لتظهر الملكة بجوارها المحاربات والتوأمتين معهن مانريدا.

زمجر أركون بغضبٍ فور رؤيتهن لتندفع التوأمتين خلف مانريدا بفزع. "توقف، سأحل هذا الأمر" مدت ذراعها أمام أركون ودفعته خلفها لتقف هي في وجه الملكة.

"لقد اتفقنا وقد قمت بجزئي من الاتفاق، والآن هذا جزءك أنتِ، سأعود للمنزل وثونار معي"

رفعت الملكة حاجبًا وقالت بسخرية: "قمتِ بجزءك؟ الاتفاق كان الانتصار على الجانديموث، أي ذبحه، وأنا لا أرى أي رؤوس مقطوعة هنا". ابتسمت بثقةٍ وقالت، "اتفاقنا لم يتم".

تنفست جلنار بقوةٍ تحاول الحفاظ على هدوئها "يبدو أن مفهوم الانتصار لدى كلتينا مختلف قليلًا". أبدت الملكة عدم اهتمام. "لم تذبحي الجانديموث، لن تأخذي الساحرة" صمتت لوهلة ونظرت بطرف عينها لثونار في الزنزانة وقالت: "لقيطةٌ وبلا أهمية مثلها كالدمية المعطوبة، لا يحق لها سوى الموت".

وكأن الملكة ضغطت على شيءٍ ما كان عليها مساسه، نظرت جلنار ليوجين بطرف عينها ليرفع كتفه قائلًا: "بدأت هذه المرأة تستفز مشاعري الباردة، افعلي ما تريدين". كان يوجين أشبه بمكابح الأمان وهذه المكابح تعطلت في هذه اللحظة…

الغضب بدأ يتصاعد داخلها في هذه اللحظة، والتفكير في أنها تضيع وقتها في ألاعيب هذه المرأة بينما هناك أشخاص يعانون خلف ذلك الجدار ولا يوجد شخصٌ واحد يبالي بأمرهم كان يجعلها تشتعل، تلك المرأة أهانت صديقتها للتو أمام عينها وقللت من شأن ثونار، أفكارٌ كثيرة متشابهة جعلتها تستحضر قوة ضخمة…

قوةً عظيمة كانت كافية لتهديد ملكة الساحرات.

ما أن أخذت خطوة نحو الملكة حتى تغير مسار الهواء حولهم وأصبح يدور حول الساحة وخلال ذلك الهواء كانت النيران تشتعل وحدها والصخور تتحطم وترتفع عن الأرضية لتدور داخل تلك العاصفة التي هم مركزها.

صوت الساحرات أصبح غير مسموع، الرطوبة في الجو ازدادت وقطرات المياه ضربتهم قبل أن تصبح أكثر وتدور داخل عاصفة العناصر التي لم ترَ الساحرات مثيلًا لها من قبل.

الملكة وقفت تحدق بالإعصار الذي هي ومحارباتها مركزه وتقف معهم تلك الفتاة الغامضة، التوأمتين تمسكتا بمانريدا وهما تنظران لجلنار بفزع، ولكنها كانت تنظر نحو الملكة بسخطٍ وأعين فارغة من المشاعر.

العاصفة كانت تصغر وتدور حولهم وتكاد تحطم أجسادهم وعندما التفتت الملكة نحو جلنار بنظراتٍ غير مصدقة تفاجأت بعينها الصفراء ورمزها الذي أنار بلونٍ أصفر على جانب رقبتها، ومن رمزها تفرعت خطوطٌ صفراء على جانب وجهها بالكامل حتى جبينها لتظهر علامة جوهرة التوبازيوس.

"سأعود مع ثونار وسآخذ أركون معي، إنه أمرٌ لا طلب"

نبرتها وخطواتها نحو الملكة كانت ثابتة، الملكة بدورها لم تشعر بهذا القدر من الضغط والتوتر للمرة الأولى في حياتها، شفتها ارتجفت بصدمة قبل أن تنساب الكلمات لا إراديًا من بين شفتيها: "ابنة التوبازيوس!".

لم تفسر جلنار وظلت تحدق داخل أعين الملكة بقوة أجبرتها على الرجوع خطوةً للخلف والانصياع على الفور "يمكنكِ أخذ الصهباء والجانديموث، نحن جميعًا في خدمة ابنة التوبازيوس".

كانت صدمةً لساحرات عندما اختفت تلك العاصفة كما ظهرت فجأة، وفي منتصف الساحة كانت الملكة تحني رأسها احترامًا للفتاة التي تحولت عينها للونٍ أصفر نقي.

على الفور ودون أي سؤال جميع الساحرات صمتن ووقفن على أرجلهن قبل أن ينحنين على ركبةٍ واحدة اقتداءً بملكتهن.

"إن كنتن حقًا في خدمتي فعلينا التحدث عن ساحراتك، أيتها الملكة"

.... 

تنفست بهدوء بينما تحدق في السماء المليئة بالنجوم وكأنها مرصعةٌ بقطع من الألماس.

التفتت نحو كأس العصير الممتد نحوها لتلتقطه قبل أن تبتسم لثونار بشكر، جلست ثونار فوق الأرض العشبية بجوار جلنار وحدقت بالسماء بهدوء.

"كم هي لطيفةٌ العودة للمنزل"

ضحكت جلنار وأومأت موافقةً قبل أن ترمي رأسه للخلف تنظر للمنزل غريب الشكل، ولكنه دافئٌ ومحبب بشكلٍ غريب. "أجل، إنها لطيفة" همست قبل أن تريح رأسها على جسد أركون المسترخي والنائم بجوارها.

"هل تنوين إنشاء ملجأ للمخلوقات الخطرة أم ماذا؟" أشارت نحو أركون النائم بهدوء لتضحك جلنار قائلة: "لم أكن لأتركه هناك، أنا قلقةٌ فقط من كونه قد لا يتأقلم مع كارولوس". لم تتمالك ثونار ضحكتها "تبدين كأمٍ خائفة على أطفالها".

نكزت ذراع ثونار بتأنيبٍ ولكن بابتسامة فشلت في إخفائها. "إنها محقة، أنا خائف من أن نرى شيئًا ما ضخمًا يتجول في المكان بسببك المرة القادمة" علق يوجين لتدحرج عينها نحوه وتحتفظ بردودها لوقتٍ لاحق.

"بدوتِ رائعة اليوم، أعني… لقد أخفتِ تلك اللعينة، لم أرها مرتبكةً لهذا الحد من قبل، ماذا قالت لكِ بالضبط لتغضبي بهذا الشكل المرعب؟"

صمتت لوهلةٍ ونظرت لثونار وألقت رأسها على كتفها قائلة: "أهانت شخصًا عزيزًا علي، صديقة أحبها". ثونار عقدت حاجبيها بتساؤل وأبعدت رأس جلنار "صديقة! أتملكين صديقةً أخرى هنا؟ أتعنين تلك الطبيبة؟ كيف للملكة أن تعرفها، كما أنها صديقة سخيفة لتغضبي غضبًا كهذا لأجلها، يمكنني أن أكون صديـ...".

توقفت عندما أدركت مقصد جلنار ونظرتها التي كانت تقول بكل وضوح: أنتِ غبية.

حدقت بها لثوانٍ قبل أن تتلعثم ويصطبغ وجهها بالحمرة. "ههه، بالطبع تقصديني، أعني... أنا صديقتكِ بالطبع... لا يوجد... أعني أنه..." زفرت بانزعاجٍ عندما ضحكت جلنار وهي تراقب توترها.

"شكرًا لكِ، حقًا شكرًا"

التفتت نحو ثونار ونبرتها جادة قائلة: "لا بأس، لقد وعدتكِ بأني سأكون دائمًا هناك لإنقاذك". ابتسمت ثونار وحركت رأسها نافية قبل أن تنظر ليدها قائلة: "لم أكن أعرف كيف هو شعور أن تملك شخصًا مستعدًا لتعدي الحدود لأجلك، شخصًا قد يعرض نفسه للخطر لأجلك، شخصًا كـ... كالعائلة".

حدقت جلنار بها بشيءٍ من الذهول، ولكن ذلك جعل ثونار تتهرب بعينها قبل أن تنهض قائلة: "تلك الزنزانة كانت سيئةً جدًا على ظهري، سأذهب للنوم، وأنتِ أيضًا اصعدي لفراشك، لدينا يومٌ حافل غدًا يا ذات العينين البندقية".

أومأت جلنار ولوحت لثونار التي ابتعدت تحاول إخفاء خجلها. "فتاةٌ لطيفة نوعًا ما" علق يوجين وهو يراقبها تتحرك نحو المنزل. "إنها كذلك" أكدت جلنار وهي تراقب ظهرها يبتعد شيئًا فشيئًا.

"هل سنترك هذا الشيء هنا؟" أشار يوجين لأركون برأسه. "اسمه أركون، يوجين". دحرج عينيه وتمتم: "أيًا يكن". مسحت جلنار على رأسه وأومأت: "إنه أليفٌ وهادئ، عكس كارولوس، أظنه كان وحشًا لأن الجميع عامله كوحشٍ فقط".

تنهدت يوجين وهو يراقب جلنار التي تنظر لأركون بابتسامة، يكاد يقسم انها تملك انفصام بين شخصيتها المسالمة والنقية وتلك الشخصية المحاربة والباردة.

"سأذهب للغرفة، المكان هنا يزعجني بسبب أصوات تلك المخلوقات في الغابة" حلق يوجين نحو المنزل دون الاستماع لجلنار يحاول الاستمتاع بنهاية اليوم الهادئة على عكس صباحه المليء بالأحداث المتفجرة.

نهضت جلنار هي الأخرى بعد أن تأكدت من أن أركون نائمٌ بعمق، وعندما أرادت الذهاب للمنزل تذكرت تلك البحيرة الصغيرة في الغابة، رغم ذلك المجهود لم تشعر برغبةٍ في النوم، فقط أرادت مكانًا يجعلها تشعر بالراحة ويساعدها في التفكير.

تحركت بين الأشجار الكثيفة تحاول تذكر المكان والاتجاهات إلى هناك، لمست الأرض بيدها وأغمضت عينها تحاول إيجاد المكان وابتسمت عندما وجدت البحيرة، ولكن شيئًا ما أوقفها…

على بعد مسافةٍ بسيطة من الحيرة كانت هناك هالة غريبة بين الأشجار كلما اقتربت شعرت بها، فتحت عينها بتفاجؤ عندما رأت ذلك المكان حيث الأشجار مدمرة بالكامل وكأن قتالًا قد شن في ذلك المكان.

ركضت نحوه متناسيةً رغبتها في الجلوس أمام البحيرة وأرادت فقط التأكد أن أحدًا لم يصب بأذى، ولم يكن من الصعب إيجاد المكان بالنسبة لها حتى مع ظلمة الليل.

وقفت تنظر بصدمةٍ للأشجار التي تحطمت وتساوت مع الأرضية، والحشائش المدمرة سوداء وكأنها محترقةً بالكامل.

الضرر اتخذ شكل دائرة حجم قطرها أربعون قدمًا ربما أو أكثر، ووقفت هي هناك تبحث بعينها عن أي شخصٍ قد يكون تسبب بهذا الدمار.

تنهدت عندما تبادر إلى ذهنها أنه أحد مخلوقات الغابة، أو ربما حتى كارولوس، ولكنها تجمدت عندما لاحظت الجسد الجالس متكئًا على إحدى الأشجار التي نجت من الدمار.

ذلك القميص وتلك الهيئة وخصلات الشعر تعرفها جيدًا وتعرف لمن تعود؛ لذلك ركضت نحو جسده بفزعٍ وجلست أمامه تنظر لوجهه المرهق. "أتريوس! هل أنت بخير؟" لم يجبها وظلت عيناه مغلقةً بينما خصلاته سقطت فوق جبينه لتغطي ملامح وجهه.

"أتريوس، حبًا في الله، لا تثر فزعي" همست بينما تصفع وجنته بخفة، ولكن رأسه تدلى ببطء حتى سقط ثقله فوق كتفها. "أتريوس، أنت حي، صحيح؟" أرادت صفع نفسها للسؤال الغبي، ولكنها وفرت ذلك لوقت آخر وحاولت تعديل وضعية جسده، لكنه كان ثقيلًا كفايةً ليسقط رأسه فوق قدميها.

كونه يتنفس بانتظام جعلها تشعر ببعض الراحة، ولكنه لا يفتح عينيه ولا يظهر أي استجابة، وكأنه في غيبوبة.

حدقت بملامحه الهادئة والمسالمة أثناء غفوته التي صلت لئلا تكون شيئا سيئًأ وأنها مجرد إرهاقٍ بسيط، يدها كانت تصرخ للمسه وقد حاولت مقاومة نفسها، ولكن لم تستطع.

من ذقنه حتى وجنته وفكه الصلب، مررت أناملها بلطف وارتفعت حتى شفتيه، عينها كانت تنتقل بين أهدابه الكثيفة حتى خصلات شعره التي أبعدتها عن وجهه، أرادت التوقف وإبعاد يدها ولكنه كان غير قابلٍ للمقاومة!

كان جميلًا لدرجة أشعرتها براحةٍ لم تكن لتشعر بها أمام البحيرة التي خططت للذهاب لها.

ذقنه كان مغريًا بشكلٍ سيء كشفتيه تمامًا ويدها كانت متمردةً تمامًا في لمساتها حتى انخفضت نحو عنقه، ولكنها توقفت عندما وقعت عينها على شيء لم تحسب حسابه بالكامل.

أزرار قميصه الأولى لم تكن مغلقةً وكان يمكنها رؤيته، ذلك الرمز الذي رأته سابقًا، يمكنها رؤية خطوطه من تحت القميص، فقط إن أزاحته قليلًا ستتمكن من رؤيته، ستتمكن من رؤية ذلك الرسم وربما ستكشف أحد أسرار أتريوس التي لا تنتهي.

كل ما عليها فعله هو إزاحة قميصه قليلًا وستتمكن من رسم الرمز داخل عقلها وستبحث عنه في كل مكان، عينها تحركت نحو وجهه وعينه المغلقة وأنفاسه المنتظمة، وشعرت بجسدها بالكامل يتوتر بشكلٍ سيء.

تريد رؤية تلك العلامة، تريد معرفة من يكون أتريوس، فقط حركةٌ واحدة ولن يستيقظ، حاولت إقناع نفسها وطمأنتها وهي تراقب حركة صدره المنتظمة.

يدها المرتعشة تحركت نحو قميصه وأمسكت بطرفه وحاولت ببطء شديدٍ إزاحته، كانت أنفاسها منحبسةً تمامًا داخل صدرها، تشعر وكأنها سترتكب خطأ ما، وعندما أزاحت قميصه ومالت نحوه لترى تلك العلامة انتفض جسدها لليد التي أمسكت رسغها بسرعةٍ وسحبتها.

في خلال ثانية فتح عينه ونهض جالسًا قبل أن يسحب رسغها بيده اليسرى وتلتف اليمنى حول خصرها ليسحبها نحوه.

كان هناك الكثير يدفعها لحافة الجنون في هذه اللحظة، استيقاظه المفاجئ وعدم تمكنها من رؤية العلامة بشكلٍ كامل، قربهما الشديد وأنفاسه التي تضرب وجهها.

حتى أنها شعرت بحركة صدره ضد صدرها وهذا دفع قلبها للنبض كما لو كانت في مارثون.

"هل علي دعوتكِ بالمنحرفة منذ اليوم؟" كانت جملته ساخرة، ولكن صوته كان ثقيلًا ذا بحةٍ بدت كالمخدر، ولكنها نبرة شخصٍ مرهق بشدة.

"أ… أ… أنـ… أنا لم..." حاولت استجماع شيءٍ ما ولكنها فشلت في ذلك تمامًا، ذهنها مشتت وتشعر برغبة في إغلاق عينها وإلقاء رأسها على كتفه النوم هناك حتى الصباح أو حتى الأبد.

وتلك المشاعر بدت جنونية بالنسبة لها.

حركة صدره، أصابعها التي تتحرك ببطء على خصرها وتسحبها أكثر نحوه ويده التي ارتخت حول رسغها ومسدته بلطف. "ظننت أن شيئًا ما حدث لـ…" ابتلعت تحاول استجماع نفسها. "حدث شيءٌ لـماذا؟" سأل بهدوءٍ وهو يحاول التقاط عينها التي تهرب من مواجهته.

"هل يمكنني الذهاب؟" سألت وهي تكاد تبكي لشدة توترها، لم تكن تتوتر سابقًا بجواره، لم يكن ذلك يحدث!

"لا"

ارتفعت عينها نحوه بصدمة "ماذا تعني بـلا؟". ابتسم عندما نظرت لعينه أخيرًا وحدق بلمعانها الذي بدأ يثير جنونه هذه الفترة بشكلٍ سيء. "لن تهربي لأي مكان" همس بينما يستند بجبينه على جبينها بهدوء وعينه لا تزال تحدق بلمعان عينها الذي لم تقتله هذه الأيام.

لم تستطع الحفاظ على هدوئها بينما تدرك أنها تجلس فوق رجليه، ويده تترك أثرًا ساخنًا على بشرة رسغها.

"أتريوس، رجاءً" طلبت بلطف، لكنه تجاهل طلبها وكأنه لم يسمعه. "ماذا حدث هنا؟" عندما علمت أنها لن تعود إلا عندما يريد هو ذلك حاولت تشتيت ذهنها بشيءٍ آخر، ولكن أنفاسه القريبة ورأسه الذي سقط على كتفها جعل المهمة صعبة.

"مخلوقٌ غريب الشكل دمر المكان" بدت كذبةً طفولية وغير قابلةٍ للتصديق وأردات التعليق على ذلك، ولكن شعورها بأنفاسه على عنقها وأنفه الذي لامس بشرتها حتى فكها كان كافيًا لجعلها تنسى من تكون.

"تلك الرائحة لا تختفي أبدًا" تمتم باستحسان قبل أن يقابل وجهها ويفتح عينه ليقابل نظرتها المرتبكة "لم تقتلي ذلك المخلوق اليوم!". ابتسمت لتذكرها أركون وقالت بعفوية: "إنه هادئٌ جدًا، في الواقع كان يمكنني التربيت عليه من البداية" ضحكت في النهاية ليبتسم وهو يراقب ضحكتها.

"هل كان الأمر سهلًا لهذا الحد؟" سأل لتحرك رأسها نافية: "كنت مرعوبة من أن يقوم بقضم رأسي عندما حررته، ولكن شيئًا ما كان يصرخ داخلي بأنه لن يفعل". كانت تنسى لثوانٍ أنه قريبٌ لهذا الحد وتتحدث بتلقائيةٍ قبل أن تنظر لعينه مجددًا وتتذكر المسافة بينهما.

"ماذا كنت تفعل هنا؟" سألت هذه المرة مشيرة للمكان حولهم. "أشاهد المخلوق الغريب يدمر المكان" ضيقت عينها ونظرت نحوه بثبات. "لا تكذب، كما أن حرارتك مرتفعة" قالت ووضعت يدها على جبينه، ولكنه فضل الصمت والتحديق بها.

"أتريوس" همهم كإجابة ويدها ببطء انخفضت نحو وجنته. "هل أنت بخير؟" سألت بقلقٍ واهتمام حاولت إخفائه. "سأكون كذلك إن لم تذهبي" بقدر صدمتها من إجابته كان هو أيضًا مصدومًا من انسياب الكلمات بتلك التلقائية دون أن يحاول منعها حتى.

"تلك العلامة..." تمتمت بضيق عندما لاحظت اختفائها مجددًا. "لا تكوني فضولية، الفضول سيءٌ، جلنار، خاصةً إن كان الموضوع يخصني" عقدت حاجبيها بضيق. "تعلم أنني عنيدةٌ كفاية لأعرف كل شيءٍ حولك، أتريوس" لم يستطع منع ابتسامته وهو يراقب ضيقها الطفولي والمعتاد. "سأنتظر إذًا، لكن يبدو أني سأنتظر للأبد"

ضربت كتفه بقوة، لكنه لم يقاوم ترك قبلة صغيرة على وجنتها دفعت الدماء إلى وجهها وشعرت بالدوران فجأة.

استغل تشوشها وسحبها بسرعةٍ ليستلقي فوق الأرضية ويضع ذراعه تحت رأسها ويشير للسماء بسرعةٍ حتى لا تنهض "انظري هناك". رفعت عينها نحو ما يشير له ليردف: "ذلك النجم اللامع بقوة، لا أعلم لما ولكن أشعر وكأنه وطنك".

اتسعت عينها وحدقت بذلك النجم بتركيز ليستغل هو الفرصة ويحدق بوجهها.

فقط لليلة واحدة…

يعلم أنه إن ترك الأمر لأهوائه ورغباته فسيقوم بإيذائها وبقوة، هي مختلفة تمامًا عن فينسيا، هي أكثر خطورةً عليه وعلى نفسها، وذلك الفضول داخلها أكثر ما يثير خوفه…

لذلك ليلةٌ واحدة فقط سيستمع فيها لرغبات قلبه، ليلةٌ واحدة سينظرفيها لوجهها عن قرب…

ليلةٌ واحدة، ثم بعد ذلك سيمنعها من الاقتراب أكثر لأنها بدأت تقترب من جدران لم يرها أحدٌ من قبل.

فقط ليلة واحدة.


*******************************************

هالووووووو

اسفه لتاخير بس الفصل 17400 كلمه وحتى نزل بدون لا اقرأه بس نسقت شكله لان التنسيق بيختلف لما احطه على المدونه من الوورد

اتمنى الفصل يكون عجبكم 

كنت مغيره اسمه لمملكة السحر بس الصراحة رجعته تاني نزال لاجل الصهباء حسيته احلى 

مش هرغي معاكم كتير النهرده متقلقوش

انجوي بالفصول 

لوف يو 

باي


Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

42 تعليقات

  1. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  2. اخيراااااا حماس سابع تعليق
    اروح اقرا البارت 💃💃
    سلاااااام
    لوف يو ❤️❤️

    ردحذف
  3. عارفة يا إسراء بجد بفكر دايما إن أي رواية لو اتحولت لفيلم هتدمر تمثيل الممثل والشكل اللي متخيلاه في دماغي ليها وحاجات تانية كتير
    وفي روايات كتير اقرأها متفتحش الحدود قدام خيالي أحس خيالي ضيق فيها مُقيد وفي روايات مش بقدر دايما أكوّن صورة عنها
    بس حرفيا الفصل ده حسه إني عايشة معاهم بتخيل مشاعر كل فرد وشخصية حتي أركون وبجد دايما بخاف أفقد الإحساس ده بعد توبازيوس لأنها الوحيدة اللي تديني المشاعر دي حرية وشغف كأنها توسع آفاقي ومش عارفه قادرة تفهميني ولا ايه
    المهم عايزة اقول بس كتباتك مش حروف وأحداث متسلسلة ومفهومة وبس وخلاص
    قد ما في بين سطورها مشاعر وتفاصيل كتير جدا تفوقتي إنك توصلهالنا أتمني أشوفك ناجحة وأفضل طول العمر اقرأ ليكي روايات كتير وأنتِ عندك نفس الشغف والحماس والأُفُق الواسع للكتابة كل مرة❤️

    ردحذف
  4. بموت في الشابتر ده وبجد كنت مستنيه ظهور اركون علي احر من الجمر

    ردحذف
  5. فصل في قمة الروعة, لكن كيف جلنار لم ترى علامة اتريوس عندما القاها في البحيرة لانه خلع القميص(تدريبها لاستخدام عنصر الماء), وايضا عندما دخلت غرفته سابقا

    ردحذف
    الردود
    1. علامته تختفي، لو لاحظتي اخر الفصل قالت إن علامته اختفت مره اخرى

      حذف
    2. هتتصدمو لما تعرفو العلامه دي اي بجد وهيتضح ليكم هي بتختفي لي استنو بس شويه!

      حذف
  6. هو ده من الفصول الجديدة صح😭❤️

    ردحذف
  7. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  8. قلبي هينفجرمن كتر الحماس الله إي الجمااال والحلاوة دي بس 😭😭♥️♥️♥️

    ردحذف
  9. احلي تعويض بعد التأخيرر ، انا ليه بتوتر مع جلنار 😂❤️❤️

    ردحذف
  10. القفلة يناس القفلةةة😩🤌🏻

    ردحذف
  11. كنا منتظرينو 🔥🔥🔥🔥 نزال لأجل الصهباء

    ردحذف
  12. ڨال ليلة واحدة ڨال😂😂😂

    ردحذف
  13. طول الفصل و أنا اصرخ و أتكلم وانفعل زي المجنونة ذا اكثر فصل انفعلت فيه من فترة >^<,سملت يدينك على ذا الفن 3>

    ردحذف
  14. التعديلات المطورة ماخذة حته من قلبي 💜

    ردحذف
  15. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  16. بتعجبنى لحظه تقدمها نحيه ملكه الساحرات فى الساحه و التانيه بتنحنى ليها احتراما أنها ابنه التوبازيوس وكدا
    بتخيل المشهد و يبقا حلو اوى فى دماغى 😭😂

    ردحذف
  17. انا فاكره الخطه بس فى حاجه واحده واقعه منى 🤔 متحمسه اشوفها بتتطبق تانى 🥺🥺😭

    ردحذف
  18. نزال لأجل الصهباء احلى بكتير 👌♥️

    ردحذف
  19. أخيراً كنت انتظر الفصل💃🏻💃🏻
    واضح انو عندك ضغط دراسي لكن من وجهة نظري الدراسة اهم،لو عندي اختبار او تسليم تكليف كنت بأترك الفصل بس اخلص وارجع له.
    تتفقون معي ؟؟

    ردحذف
  20. فصل اليوم اثبت ان جلنار تستحق لقب ابنة التوبازيوس ....واركون كيوت ..اعتقد راح تكتشف حقيقة اتريوس جلنار بالفصل القادم او الي بعده ...❤اتريوس ...وجلنار ❤❤❤

    ردحذف
  21. لكم احد ياخذ الرواية ويسويها مسلسل مداتحمل😭😭😭😭😭😭😭💙💙💙💙 يمه قلبي الصغير لا يتحمل اتريوس وحركاته

    ردحذف
  22. لمن شفت العنوان توقعت ظهر منافس لجوزفين😂😂 صداقة ثونار و جلنار تجنن😔😔💌💌💌 بالنسبه لأتريوس اتمنى ما يرجع بارد تجاه جلنار🥲🥲🥲كم لبثنا حتى تقربوا من بعضهم ما اقدر اتخيلهم يرجعون باردين🫠🫠🫠

    اكثر شي حبيته بالفصل هو صداقة اركون و جلنار....احس نفسي انجذب لصداقة البطله بغير كائنات يعني مثل التنانين و الأشباح و الوحوش....لأن احس علاقتهم تكون غير و تجنن كلها وفاء و دعم و احساسهم بمشاعر بعضهم حلو❤️❤️❤️

    شكرااا على البارت الرائع بأنتضار البارت القادم على احررررر من الجمر ❤️‍🔥❤️‍🔥❤️‍🔥

    ردحذف
  23. كلام يوجين عن البنت اللي حبت خاطفها يقصد ستوكهولم
    بس حالة جلنار مختلفة تماما خلونا نسميها متلازمة اتريوس،
    بعديا عن حبهم العنيف ، من هي فينسيا ؟

    ردحذف
  24. دا اكتر فصل عجبني لحد دلوقتى في كل الرواية اتريوس اخيرا ظهر مشاعره اتمني تكون نهايتهم سوا سعيدة مع بعض وانه يخرج من تأثير ماضيه اللي واحد دمره وغير شخصيته

    ردحذف
  25. اقولها من الحين 😭😭😭 اتريوس (هجين ) الترينوس واربيوس 😭😭😭 متتتااكدة اكثثثر من اسمي حتى 😭 لانه قوته وقدراته وكل الاشياء الى بتصير نفس الاربيوس ، من البرودة للهالة و القوة

    ردحذف
  26. لا لا هالبارت خطييير على قلببي😡😡😡😡😡😡😡😡😡😡😡😡😀😀😀 ما اتحمل وجود اتريوس الرومانسي ومشاعر وتوتر جلنار هذا خطير على قلبي ما مستعده ان مشاعرهم بدت توصل لهلمرحله اخخخ،،، وبعدين شنو هاي اتريوس هل رح يتحول لشخص توكسك؟؟🤔🤔

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال