الفصل الخامس والأربعون | البيادق السوداء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهم أعوذ بك من كل ذنب ومن كل قول وعمل يقربني من النار، وأسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي".

إفصاح آخر " ما ينبغي لك أن تنام حتى العاشرة، إن بهجة الصباح وروعته تكون قد ولت قبل هذه الساعة بزمن طويل 
". إيملي بورنتي

مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل الخامس والاربعون 


أغمض عينيه بقوة عندما ضربتها أشعة الشمس وتأوه بتذمر عندما شعر بصلابة الأرضية تحت ظهره. شخصِ ما نكز وجنته عدة مراتٍ مما دفعه لإخراج صيحةً تذمر وفتح عينه بصعوبة والنعاس يفتك به.

نظره المشوش التقط السماء الزرقاء قبل أن يقتحم مجال رؤيته شعرٌ أصهب مجعد وأعين زرقاء حدقت به. "هل أنت حي؟ هل مت؟" همست ثونار وهي تراقب تعابير جوزفين البلهاء وهو بالكاد يتعرف على اسمه في هذه اللحظة.

"مـ… ماذا؟ ثو… أين؟ أين أنا؟" تمتم بصوتٍ ناعس وتثاءب بقوة مما أصاب ثونار بالعدوى. "نحن في الغابة" همست وهي منحنية بجواره تنظر لوجهه.

ابتسم بحماقة وتحولت الابتسامة لقهقهة. "غابة! بحق الله هل ستظهرين في أحلامي أيضًا؟" قال قبل أن يكمل حديثه متمتمًا بما لم تفهمه ثونار، ثم يلتفت على جانبه الأيمن ويحاول العودة للنوم.

أمسكت ثونار بكتفه ودفعت جسده ليستلقي فوق ظهره قبل أن تمسك بياقة قميصه وتسحبه ليجلس، تذمر وسقط رأسه على كتفها بينما يشتم بكلماتٍ لم تستطع فك طلاسمها.

"جوزفين، استيقظ لدقائق أريد الحديث معك" صفعت كتفه بقوة ليجفل جسده ويبعد رأسه عن كتفها ويواجه عينيها التي راقبته بنظراتٍ طفوليةٍ منزعجة. "ثونار! ما… أوه، ربما هذا ليس حلمًا، إنما كابوس تحول لواقع" تحدث مع نفسه لتدحرج عينها وتزفر بنفاد صبر.

دفعت أصبعها بنعومة بين خصلات شعره لينظر نحوها بجمودٍ وكأنه فقد وعيه لوهلة، ابتسمت في وجهه قبل أن تسحب شعره بقوة ليصرخ بألم: "ثونار، ما اللعنة؟". أبعدت يدها ورفعت كتفها ببراءة "هل تأكدت من أنك لا تحلم؟".

حك فروة رأسه بألم ونظر نحوها بنصف عينٍ مغلقة "بحق الله ماذا تفعلين؟ ولمَ أنا في الغابة؟". زمت شفتيها وحاولت أن تبدو بريئة قدر الإمكان حتى لا ينفجر غضبًا في وجهها "لأنني أحضرتك من سريرك إلى هنا بواسطة السحر".

 دحرج عينه وحاول تمالك أعصابه وقال: "أوه، ظننتكِ حملتني فوق كتفكِ ووضعتني في الغابة! حبًا في الله، أستيقظ فأجد نفسي في منتصف غابة تبعد كيلومترات عن المنزل وبجوار ساحرة، كيف جئت إلى هنا يا ترى؟ سيكون من الصعب التخمين ما الذي قد تستخدمه ساحرة لنقلي إلى هنا، ثونار!".

صرخ في نهاية جملته وقد استنفد صبره ونهض واقفًا "سؤالي هو: لمَ أنا في الغابة؟". نهضت أمامه وهي عاقدة لحاجبيها وقالت بغضب: "حسنًا، لا تفرغ غضبك فوق رأسي، أنا المخطئة لأني أردت شكرك".

كان مستعدًا للرد بشيءٍ وقح، لكنه توقف ورفع أحد حاجبيه بتعجب وكرر كلمتها باستنكار: "شكري؟". نظرت بعيدًا عنه وكتفت ذراعيها. "شيءٌ كهذا" تمتمت تحاول عدم الغضب؛ ففي النهاية كان من اللطيف جدًا سماع ما فعله جوزفين طيلة فترة فقدانها للوعي وفقدان أعصابه أمام ملكة الساحرات…

كان من السهل جدًا دفع هارليك للإفصاح عن أحداث ثلاثة أيام في ساعةٍ واحدة، فقط بسؤالٍ واحد.

"ثونار، هل أخرجتني من سريري في هذه الساعة من الفجر لتشكريني؟ لا أريد أن أكون فظًا ولا أريد فقدان أعصابي، ولكن… ألم يكن من المناسب الانتظار كالأشخاص الطبيعيين والحديث بعدما أستيقظ؟" حاول أن يحافظ على نبرته ثابتة؛ فجوزفين يدرك أن ثونار كالمرآة تمامًا، ردة فعلك ستنعكس عليك وربما أكثر شدة.

"لا توجد فرصةٌ كهذه، منذ الآن لن نجد وقتًا للتنفس حتى! هل تدرك ما نحن مقبلين عليه؟ ألم تسمع كل ما خططت له جلنار؟" رفعت كتفيها في النهاية ومالت بوجهها تنتظر ردًا منه. حدق بحركتها بصمتٍ ولم يجد أي اعتراضٍ يمكن أن يقوم بطرحه؛ لذلك تنهد باستسلام.

"حسنًا، ثونار. أنتِ محقة، على الرحب، بالرغم من أني لا أعلم على ماذا يتم شكري بالضبط، ولكن دعينا نجاري بعضنا البعض" قال في النهاية وضم القميص لجسده بقوة بسبب هواء الصباح البارد الذي ضربهما.

نقلت ثونار ثقلها من قدمٍ لأخرى ببعض الارتباك، لم تكن معتادةً على شكر أحدهم أو اهتمام شخصٍ ما، تساءلت إن كان من الممكن صفع كتفه والضحكة بصخبٍ وإعطائه بعض المشروب بطريقتها الخاصة، لكن نظرات جوزفين الفاقدة للصبر دفعتها لنسيان أمر هذه الفكرة.

"لقد أخبرني هارليك أنك بقيت بجواري طيلة الفترة التي فقدت الوعي فيها ولم تأخذ قسطًا من الراحة، كما أنك صرخت في وجه ملكة الساحرات وما شابه؛ لذلك أشكرك. الأمر ليس وكأنك شيءٌ خاص، حتى أني شكرت جلنار أيضًا، لا تجعل الأمر وكأني أهتم، إن كنت مهووسًا بي أو ما شابه من الأفضل أن تكبح نفسك؛ فستدمر نفسك في النهاية إن كنت أنا هي الموضوع".

صمتٌ مر بين كلاهما وحينها كان كل ما خرج من فمها يمر على عقلها وتحاول ترجمة ما قالته منذ ثانية وإدراك أن الجانب المتغطرس غلب الجانب الممتن منها دون أن تدرك هذا، لأنها لا تشكر أي أحدٍ ولم تفعل من قبل…

أرادت صفع نفسها وضرب رأسها بالأشجار حولها وهي تراقب تجمد ملامح جوزفين وكأنه يحاول إدراك من يكون ومن تكون وماذا قالت للتو، وبعدها سيبدأ في التفكير في طريقة لقتلها ودفنها في هذه الغابة.

"مهووس!"

نطق وكأنه يحاول الاستيعاب. "لم أكن... ذلك خرج دون أن أحسب حسابه" تمتمت وأخذت خطوة للخلف بحذر. "ليس وكأني شيءٌ خاص؟" كرر مجددًا حديثها قبل أن يبتسم وتتحول ابتسامته لضحكات هستيرية أثارت قلق ثونار.

توقف عن الضحك ونظر نحوها بأكثر نظرةٍ مرعبة. "أنا لست بشيءٍ أنا شخص، أنا مهووس! بكِ أنتِ؟ بحق الله أنا أصيب الفتيات حولي بالهوس، لا العكس، أيتها المشعوذة العجوز. من أنتِ حتى أتعلق بكِ بحق الله؟ لقد بقيت بجانبك فقط لسببٍ معين، لكن انظر لعجائب النساء! قم بالمسح على رؤوسهن حتى تتمكن من المرور فيظنون أنك عاشقٌ لهن" أنهى حديثه بضحكاتٍ ساخرة وسط نظرات ثونار التي تحولت لتصبح أكثر شراسة وحدة.

"مشعوذة عجوز؟ أنا مشعوذة عجوز! أتريد أن أريك كيف تبدو المشعوذة العجوز يا زير النساء؟ في ثانية يمكنها تبديل ملامح وجهك لمسخٍ وحينها كلما نظرت للمرآة ستتذكر من هي المشعوذة العجوز" صرخت في وجهه بينما أخذت شرارات البرق تلتف حول أصابعها حتى كامل جسدها وخصلاتها تطايرت بفعل الشحنات القوية.

"أوه، هيا! أنا أرتجف خوفًا هنا. أنا فارس أيضًا ويمكنني الدفاع عن نفسي، كما… أخبريني إن كنت مخطئًا! ألم تظني للتو أنني مهووس بك؟"

اقترب منها منفعلًا وقابل وجهها غير عابئ بالشرار واللسعات التي أصابته بفعل سحرها.

"إذًا أخبرني، لمَ بقيت بجواري طيلة الوقت؟" صاحت ونظرت لعينه بغضب وهي مستعدة للرد بأي شيء يثير غضبه مهما كانت إجابته.

فتح فمه وأغلقه عدة مرات كسمكة تحاول التنفس خارج المياه وتوقف عقله عن العمل لثوانٍ، راقب عينيها الصافية ولثانية لم يتذكر حتى لما هو واقف هنا وماذا يحدث.

نظرت لشفتيه تنتظر أن تتحرك بإجابة واضحة وفي المقابل فقد هو أنفاسه وخرج صوته بصعوبةٍ قائلًا: "سـ..سر".

عقدت حاجبيها بتعجب، لكنه أجفل في ذات اللحظة وقد أدرك مدى انعدام المسافة بينهما، التفت على الفور ونظر بعيدًا عنها وسجل ملاحظة واضحة داخل عقلها، لا يجب أن ينظر لعين تلك الساحرة عن قرب مجددًا…

سواءً كان ذلك عن قصد أم لا، هناك سحرٌ سيء جدًا داخل تلك العينين، وهذا السحر يجذبه بطريقة لا يمكنه مقاومتها.

"سر؟" كررت باستنكار ليومئ مؤكدًا ويقول: "ألم أخبركِ بسري من قبل؟ كنت قلقًا حول ما إن أخبرتِ به أحد إن استيقظتِ أو هذيتِ به في أثناء نومك". بالرغم من أن أي شخص يمكنه ملاحظة الحجة السخيفة فإن جوزفين قد وجدها إنجازًا يستحق الثناء عليه.

"هل أنت أحمق؟ لا يمكنني الإفصاح عن سرك لأنك تحمل سري في المقابل، وإن أخبرت أحدهم بسرك حينها ستخبر الجميع بسري". توقف لثوانٍ وشعر برأسه يدور بعد جملتها يحاول تفكيك دوامة الأسرار التي وقع فيها، وحينها أدرك شيئًا جعله يتجمد.

نظر نحوها ببطءٍ وحذر وقال: "بالحديث عن سرك، يبدو أن الملكة تعرف أنني أعرف". لم تفهم ما يحاول الرمي إليه؛ لذلك هدأت نفسها وانتظرت منه تفسيرًا واضحًا.

 فرك كفيه معًا يحاول البحث عن مكانٍ يختبئ فيه حتى لا يُقتل اليوم، ولكنه نظر لوجهها في النهاية قائلًا: "ربما غضبت من ملكتكم بعض الشيء، وصرخت في وجهها قائلًا إنها تخافك لأنك تستطيعين المطالبة بالعرش".

قضم شفتيه ونظر نحوها بحذر، ثم أعقب بسرعةٍ في محاولة التبرير لنفسه: "لقد كانت حقيرة وتحدثت بوقاحةٍ عن محاولة قتلك أمام ذلك المخلوق البشع دون محاكمةٍ رسمية و... لا أعلم، فقد ثار غضبي عندما سمعت ما تقول. أنتِ فارسةٌ في النهاية، صحيح؟ لا يحق لأي شخصٍ قول ما يريد عنكِ و... فقط الأمر...".

نظر حوله يحاول التبرير ولكن عقله كان مشوشًا بالفعل؛ لذلك تنهد ونظر نحوها ورفع كتفيه كعلامة استسلام، إن أرادت هي قتله فلتفعل، فربما يستحق بالفعل أن يُقتل.

راقبت ثونار توتر حركته وعينه التي تتحرك في المكان بعشوائيةٍ وحديثه غير المنظم وحاولت بشدة عدم الابتسام والضحك لكونه فجأةً بدا كطفلٍ يحاول الهروب بفعلته.

"أظن أن علي إفشاء سرك للجميع إذًا" اتسعت عيناه ونظر نحوها بسرعةٍ وتظاهرت هي بالغضب. "لحظة لحظة... الأمر ليس كذلك، لم ينتبه أحدهم لما قلت حتى، أعني… لا يوجد شخصٌ أهتم كثيرًا بما أقول، ربما ظنوا أني أحاول إثارة غضبها ليس إلا" رفعت كتفيها بعنادٍ والتفتت تسير مبتعدةً عنه. "لقد أفشيت سري وهذا لن يتغير"

أخفت ابتسامتها الخبيثة عندما ركض بسرعة واقفًا أمامها يمنعها من الذهاب "هيا، لا تكوني عنيدة، ثونار! يمكنك طلب أي شيءٍ آخر". ببرود أشاحت برأسها وتنهدت بمللٍ ونظرت لوجهه المتضايق بطرف عينها.

"يمكنك فعل شيءٍ واحد". اتسعت عينه وأومأ على الفور لتنظر له بجديةٍ وفضول "ما هي قصة شقيقك؟".

تجمد جوزفين لثانيةٍ وابتلع ببطءٍ واختفت كل ملامح المُزاح أو الرجاء عن وجه، كان الفضول يفتك بثونار ولم تكن أبدًا في حياتها لتهتم بتأثير كلماتها أو أفعالها وأسئلتها على الآخرين، كل ما كان يهمها في هذه الحياة هو أخذ ما تريد والرحيل وهذا كان الشيء الوحيد الذي تبرع فيه.

لكن في اللحظة التي لاحظت اختفاء لمعان عيني جوزفين الرمادية وصمته الذي طال وتبدل تعبير وجهه في ثوانٍ لآخر باهت وجامد شعرت بأن الأمر خاطئ.

تريد بشدة إشباع فضولها بأي طريقةٍ كانت ومهما كان الثمن، ولكنها تساءلت في هذه اللحظة إن كان الثمن الذي يجب عليها دفعه سيشعرها بهذا الضيق!

لم تعجبها النظرة التي اعتلت وجهه أو الجمود في ملامحه، البرود الذي رُسم على وجهه جعلها تشعر بالاختناق وذلك الألم الذي شعرت به عندما تلصصت على ذكرياته في ذلك الزُقاق شعرت به مجددًا، تساءلت إن كان هذا الألم الذي لم تتحمله لدقائق هو ذاته الألم الذي يشعر به جوزفين في كل ثانيةٍ يتذكر بها شقيقه.

وعندما كاد جوزفين يفتح فمه وعينه لم تواجها حتى أغمضت عينيها وقالت بسرعة: "لا أريد أن أعرف".

تنفست بقوةٍ تحاول التخلص من الضيق داخل صدرها ونظرت نحوه بلا مبالاة مصطنعة "سيكون الأمر مملًا على أي حال، لا أريد سماعه، لا أعلم، لكني فقدت الرغبة في ذلك، احتفظ بالأمر لنفسك إن أردت، لا بأس، أمتلك الكثير من الأسرار المثيرة، لست بحاجة لسرك أيضًا".

شعر باستغرابٍ شديد وهو يتابع حديثها اللا مبالي ورفضها القاطع لسماع الأمر، كانت تموت لتعرف سره ولكنها الآن غير مهتمةٍ على الإطلاق!

لطالما ظن أن ثونار أكثر الأشخاص غرابةً وجنونًا وهي تثبت هذا يومًا بعد يومٍ بطريقةٍ صريحة.

صفعت كتفه ضاحكةً وقالت: "لقد أردت العبث معك ليس إلا، لا أظن أن أحد الفرسان سيهتم بما ستقوله في لحظة غضب، لكن عليك النظر لوجهك المتوتر، كان هذا حقًا ممتع". ضحكت بقوةٍ مبالغ فيها وتابعت تبدل وجهه لآخر متضايق ويشعر بالغيظ. "أنت حقًا مشعوذة" تمتم ودفع يدها بعيدًا عن كتفه.

"اذهبي للجحيم، ثونار"

ازداد صوت ضحكها مع ازدياد العقدة بين حاجبيه وبالرغم من تظاهرها بالاستمتاع بإغاظته فقد شعرت بالراحة لأن تلك النظرة الخالية والباردة اختفت من عينه ونظرته التي تتابع ضحكاتها عادت لتلك التي تشعرها بالراحة.

هي لم تحب أبدًا رؤية ذلك الجانب من جوزفين وإن كان الثمن التخلي عن إحدى رغباتها.

"توقفي عن الضحك كالساحرة الشريرة، أنا عائدٌ إلى سريري الدافئ" تمتم بانزعاج والتفت ليعود للمنزل، ولكنه توقف لثوانٍ عندما لمح تلك الحركة بين الأشجار.

في خلال ثانيةٍ قفز باتجاه ثونار ودفعها فوق الأرضية تزامنًا مع قفز أحدهم من بين الأشجار ومحاولته لاقتلاع رأس ثونار بمخالبه السوداء.

نهض بسرعةٍ كما فعلت ثونار واتخذ كلاهما وضعية دفاعٍ وعينهما معلقةٌ على الشخص الذي نزع مخالبه التي ثقبت الأرض الصلبة ونظر نحوهما بأعين ميتةٍ ثلجية.

تنفس بهدوء قبل أن تطول مخالبه أكثر بشكلٍ بشع وأنيابه كذلك، تقوس ظهره وطقطقة عظامه كانت واضحة، وعندما ظن كلاهما أن الشخص أمامها يتحول إلى مستذئبٍ لم يحدث ذلك.

اتسعت أعينهما وهما يراقبان عظام عموده الفقري تبرز كأشواكٍ ضخمة وعظام كتفيه أصبحت أضخم وعضلات جسده كادت تمزق الجلد الذي يغطيها، أصبح جسده ضعف حجمه دون أن يتحول حتى لذئب، وفوق كل هذا كانت تلك الهالة السوداء تحيط به من كل جهة.

"ما هذا بحق الله؟" همست ثونار بتقززٍ وصدمة وهي تشاهد هذه الهيئة للمرة الأولى في حياتها، ولكن لم يترك لهما الرجل أي فرصةٍ أخرى للاندهاش لأنه قفز نحوهما بقوةٍ وسرعة مفزعة دفعت ثونار لسحب جوزفين ورمي جسديهما للجهة الأخرى.

"ما هذا الشيء بالضبط؟" بصق جوزفين بتقزز وذهول. "لا أملك فكرة، ولكن الشيء الوحيد الذي أعرفه أن علينا قتله هنا والآن" صاحت وهي تجمع البرق حول جسدها قبل أن تحاول ضرب جسد الشخص أمامها به.

كان سريعًا جدًا وتفادى ضربتها بسهولة وكأنه يعبث مع أحد الأطفال، ولكنه لم ينتبه أن الهجوم كان مجرد خدعة ليشغله عن جوزفين الممسك بالسيف خلفه وحاول طعنه، وبالرغم من أن الطعنة لم تصبه بشكل مباشر فإنه قد أُصيب بجرحٍ قوي في جانب معدته دفعه ليزأر بألم.

"شكرًا على السيف" قال بابتسامةٍ جانبية لثونار التي استخدمت سحرها لوضع سلاحٍ بين يدي جوزفين؛ فهي تعلم جيدًا كم أنه يتحول لشخصٍ أكثر خطورة مع سلاح حاد. "على الرحب، والآن لنحاول الحفاظ على حياتنا" قالت وهي توجه اهتمامها لليكان أمامها.

تحرك نحوهما بسرعةٍ وكادت مخالبه تمزق وجه ثونار لولا أنها صنعت عازلًا بسحرها لتصيبه مخالبه وتخدشه بقوة. "هذا الشيء ثائر كاللعنة!" صاحت قبل أن تحول الحاجز إلى سوطٍ سحري بحركةٍ سريعة من يدها وتلفه حول عنق الليكان وتلقيه بعيدًا.

قفز الليكان وحاول التوجه نحوهما ليوقفه جوفين بسيفه متصديًا لمخالبه الحادة والطويلة، كاد يُصاب بالخدوش أكثر من مرةٍ ولكنه كان بارعًا في المراوغة وسريعًا فيها، المشكلة الوحيدة كانت في فرق قوة البنية الجسدية بين الاثنين.

"جوزفين، انحنِ!" صاحت ثونار لينفذ بسرعةٍ وتصيب الليكان ضربةً قوية من البرق وتلقيه بعيدًا مع حرق سيءٍ في صدره.

"لا تدع مخالبه تلمسك أبدًا، إنها مسمومة بقوى الإريبوس" قالت وهي تقف بجواره تستعد لتصدي لأي هجوم.

عاد الليكان بسرعةٍ غير عابئ بالنزيف الذي أصابه وحاولت ثونار صده بقدر الإمكان، ولكنه كان غاضبًا وكانت سرعته في الهجوم جنونية، لم يكن يُبالي بالإصابات والضربات التي قد تقتله، وكأنه رأى الهدف ولن يتنازل حتى يفصل الرأس عن الجسد.

جوزفين قفز بسرعةٍ عندما كادت مخالب الليكان تنغرز في منتصف صدر الساحرة وحاوط رقبته ليدفعه نحو الأرضية معطيًا ثونار الفرصة للابتعاد وأخذ أنفاسها.

لم يحسب حساب فرق القوة الجسدية بينهما، وفي ثوانٍ كان جسده مرتطمًا بالأرضية ويد الليكان ملتفة حول عنقه بقوة.

حدق جوزفين في وجهه وهو يرى مقلة عينه خاليةً من بؤبها وقد حالت للونٍ أبيض مرعب، وكأنه فقد عقله وهدفه الوحيد هو قتل هذين الاثنين مهما كانت النتائج.

حاول التنفس ومنع مخالب الليكان من إصابته، أمسك وجه الليكان ودفعه بقوةٍ وحرك قدمه ليركل معدته، ولكنه توقف لثانيةٍ واتسعت عيناه بصدمةٍ عندما اندفعت صورة لشخصٍ ما داخل رأسه وكأنه مشهدٌ سينمائي.

كاد تشوشه هذا يتسبب في مقتله لولا سحر ثونار الذي أحكم قبضته حول جسد الليكان وألقاه بعيدًا. "ماذا تفعل؟ أتريد الموت؟" صرخت بغضب، لكنه ظل مكانه يحاول إدراك ما حدث.

قفز بسرعةٍ على قدمه قائلًا: "اشغليه قدر الإمكان، ثونار!". لم تفهم ما يريد، لكنها فهمت جيدًا أن لا وقت للاستفسار لأن ذلك الشيء لا يتعب ولا شيء سيحيده عن قتلهما.

حاولت إشغاله عن جوزفين قدر الإمكان وكان من الصعب الابتعاد عن مخالبه أو التحليق في هذه الغابة المليئة بالأشجار، ضرباتٌ كثيرة كانت تصيبه وتُدمي جسده وتحطم عظامه ولكنه بدا كمخلوقٍ لا يشعر بالألم أبدًا، وهذا ما أثار رعب ثونار لوهلةٍ وجعلها تتساءل إن كانت هذه عينةٌ صغيرة مما سيواجهون.

"توقف حالًا!"

صوتٌ غريب تدخل وتفاجأت ثونار عندما توقف الليكان بالفعل عن الحركة والهجوم وكأنه أصيب بالشلل، استغلت تجمده لتدفعه بعيدًا عن جسدها وتقفز لتحمي نفسها.

عينها اتجهت للشخص الغريب الذي تدخل فجأةً ببرود ونظر لليكان بقسوة.

"ما الذي تظن أنك تفعله، أيها اللعين؟". تنفس الليكان بقوةٍ وقد بدا مرتعبًا من الرجل الواقف أمامه، وتابعت ثونار بحذرٍ ما قد يحدث.

اقترب الرجل بهدوء نحو الليكان لينكمش الآخر بسرعة بالرغم من أن من الواضح أن الليكان أقوى مائة مرة من الرجل الغريب؛ فقد كان طويلًا نحيل الجسد بشكلٍ غريب.

وعلى الرغم من نحوله وضعف جسده؛ كان أكثر ثباتًا من الليكان الذي بدا مرعوبًا. "قف هنا" أمره مشيرًا إلى النقطة أمامه ليتحرك الليكان في ثوانٍ مطيعًا الأوامر.

بدا وكأن الليكان يستعيد صوابه بعد أن كان مجرد جسدٍ يتحرك للقتل.

"سيدي، لقد أمرتنا بالهجوم بالفعل، لكن فكرت إن فعلتها مبكرًا حينها سأثبت أنه بإمكاني الوقوف أمام الفرسان وأني لست مجرد تجربةٍ فاشلة" بصوتٍ مرتجف تحدث، ولكن ما فاجأ ثونار أن كان ذلك الصوت المتقطع متحشرِجًا وكأنه خرج من حنجرةٍ مدمرة.

"لا أهتم" قال الرجل واقترب من الليكان وفي ثانية كان السيف في يده قد اخترق صدر الليكان قاضيًا عليه.

راقبت ثونار بصدمةٍ ووجهت كامل انتباهها للرجل في نية الهجوم عليه ما إن سقط الليكان ميتًا…

"إياكِ ومحاولة قتلي!" قال الرجل بسرعةٍ وفي ثوانٍ كانت هيئته تذوب وتتبدل لوجهٍ تعرفه جيدًا. "جو… جوزفين!" صاحت بدهشةٍ ليومئ نحوها مؤكدًا ويحول انتباهه لجسد الرجل الذي بدأ يعود لطبيعته، ولكن كجثة هامدة.

"ما الذي حدث للتو؟ من كان ذلك الرجل بحق الله؟" صاحت ممسكة بكتف جوزفين الذي ظلت عينه متعلقة بجسد الشاب. "لا أعلم! لكن في اللحظة التي لمسته فيها كانت هذه الصورة الأولى التي تبادرت إلى ذهني، ذلك الرجل له علاقةٌ بما حدث لهذا الشاب، لم أكن متأكد، ولكني جربت حظي وعندما أخذت صورة ذلك الرجل كل شيء تبدل لثوانٍ، ثونار..."

نظر نحوها بقلقٍ وجدية "لقد شعرت ببرودةٍ لا مثيل لها وكأني خالٍ من المشاعر، من الفرح والحزن وتأنيب الضمير وما إلى ذلك، لا شيء، ولكني تذكر من أكون وعدت لرشدي وتحكمت في نفسي، كل ما أعلمه أن ذلك الرجل الذي أخذت شكله منذ ثوانٍ يظن نفسه إلهًا بشكلٍ ما... هذا أكيد".

تمتم في النهاية وأفكاره القلقة تعصف داخل رأسه، والكثير من الاحتمالات التي لا يستطيع ترتيبها أخذت تشتت عقله.

"دايل!"

التفت الاثنان بسرعةٍ نحو الصوت الرقيق الصادر من خلفهما، فتاةٌ شابة كانت تقف هناك تحدق بجثة الليكان المدمرة.

"د… دايل! دايل، اللعنة، دايل!" صرخت ودموعها كانت أسرع من إدراكها لما حصل، احتضنت جثة الشاب بقوةٍ وهي تنوح بألمٍ قبل أن تتوقف وتتحرك عينها نحو ثونار وجوزفين، وحينها همست ثونار: "تبًا، إنها ساحرةٌ من مستخدمات السحر الأسود".

نظرت لجوزفين وأمسكت ذراعه بحذرٍ تحثه على أخذ خطواتٍ للخلف ببطء وعينها معلقة بالفتاة التي تجمدت دون أي تعبير وعينها تراقب ثونار وجوزفين، وما زالت تحتضن جسد الشاب الذي لطخها بالدماء.

"سأدفنكما" همست بحقدٍ وتركت جثة الفتى ببطءٍ قبل أن تنهض ونية القتل ارتسمت بوضوحٍ في كل تعبيرٍ ونظرة وحركة تقوم بها، وفي ثانيةٍ كانت تصرخ بتعويذة أطلقت كمًا ضخمًا من الطاقة السوداء باتجاههما تصدت لها ثونار بسرعةٍ بتعويذة أخرى استعملت الضوء فيها.

"جوزفين، استدعِ الجميع حالًا!" صرخت بصعوبةٍ وهي تقاوم قوة تعويذة الساحرة في المقابل، نظر نحوها جوزفين بتشتتٍ يحاول أن يقرر إن كان من الصواب تركها هنا ونداء الجميع، وعندما حاول حسابة المسافة داخل رأسه كان موقنًا إنه عند عودته ستكون ثونار إما ميتة أو على وشك الموت.

لشدة توتره نسي أن السوار في معصمه بإمكانه تلبية حاجته، كان من الصعب عليه التركيز في هذه الحالة.

أخذ نفسًا قبل أن يلتقط سيفه ويصيح بثونار: "انحني!". لم تفهم ما سيفعل، لكنها نفذت ما قال، أنهت تعويذتها وانحنت بسرعة، وفي لحظة تشتت الساحرة ركض جوزفين وغرز السيف في صدرها وقفز بعيدًا.

وقفت لثوانٍ تحدق بنصل السيف الذي اخترق صدرها قبل أن تبصق الدماء بقوةٍ وتمسك به لتنزعه بسهولةٍ وتلقي به بعيدًا.

التفتت نحو الاثنين بأعين تحولت لتكون دموية، وبصوت مبحوحٍ تحشرج بشكل مرعب قالت: "ستموتان".

لعن الاثنان عندما حركت الساحرة فمها بتعويذةٍ سريعة ورفعت يدها في وجه كلاهما وقبل أن يدركا الأمر كانت النيران تصدر من حولها نحوهما.

لم يتمكنا من الهرب أو القفز، كان أمر إصابتهما حتميًا لولا جسد الساحرة الذي دُفع بعيدًا لتقع أرضًا وتخطئ التصويب.

استغل جوزفين وثونار الفرصة لاستعادة إدراكهما وتجهيز خطةٍ سريعة للهجوم، نهضت الساحرة بغضب وزمجرت وهي تنظر حولها تحاول الفتك بمن قام بدفعها، لكن عينها لم تلتقط يوجين الذي تنفس براحة عندما رأى جوزفين وثونار على قيد الحياة.

"يستيقظ الشبح فجرًا ليتجول براحة بالٍ فيجد امرأة تمر بفترةٍ صعبة مع هرموناتها تحاول قتل الجميع، إلهي العزيز! ما خطب النساء؟" صاح وهو يتابع قفز الساحرة نحو ثونار ومحاولتها لقتلها ولكن ثونار تمكنت في كل مرة من التصدي لها.

جوزفين الذي كاد يصيبها ألقت بجسده بعيدًا ليصطدم رأسه بجزع الشجرة بقوة، بينما شعرت ثونار بضغطٍ قوي بسبب جنون الساحرة التي كانت تستخدم أكثر من تعويذةٍ للهجوم من السحر الأسود والتي تؤذي الخصم وتؤذي مستعملها نفسه.

عين الساحرة كانت تنزف دمًا كما فعل أنفها لشدة الضغط التي تسببه على جسدها، لكنها لم تتوقف عن محاولة قتلهما. جوزفين حاول استجماع نفسه وحاول إيجاد ثغرةٍ في هجومها المتواصل، ولكنها التفتت نحوه ونظرت لوجهه بحقد، أرادت فصل رأسه عن جسده لأنه الشخص الذي طعن الشاب من الأساس.

التفتت لثونار وأنشأت طاقةً سوداء ضخمة لتضربها بها قبل أن تلتفت لجوزفين، لعن وأمسك سيفه بسرعة مستعدًا للهجوم، لكنها رفعت يدها وأحكمت قوتها حول رقبته، وكلما قبضت يدها زاد الضغط حول رقبة جوزفين.

كانت ثونار تحاول التعافي من الضربة التي أصابتها والنهوض ولكن الدوار كان يفتك بها، راقبت جوزفين الذي يحاول التنفس بأي طريقةٍ وأرادت النطق بأي تعويذة، لكنها كانت بالكاد تتمكن من التنفس.

يوجين سئم من المشاهدة والتقط سيف جوزفين الملقى فوق الأرضية. "أعتذر، ولكن جلنار ستقتلني إن مسهما سوء" تمتم قبل أن يقف أمامها ويغرس السيف داخل معدتها بقوة.

غضبها أعماها عن السيف الذي كان أمام عينيها حتى انغرس داخلها لتطلق سراح جوزفين وتنحني فوق الأرضية وهي تصرخ بألم.

لم يكن يوجين يشعر بالذنب؛ ففي النهاية بدت الفتاة خارج طور الإنسانية، بدت كشيطانٍ يتنفس ليقتل في هذه اللحظة وكاد بالفعل أن يقتل جوزفين.

ثونار ركضت بصعوبةٍ نحو جوزفين الذي سعل بشكلٍ هستيري وحاول أخذ أنفاسه، ثم دلك عنقه، لعل ذاك الألم يصبح أخف. "هل أنت بخير؟" صاحت به تحاول النظر لوجهه بينما هو منحنٍ فوق الأرضية يحاول ملء صدره بالهواء.

"بـ… بخير" همس بصعوبةٍ ونظر نحوها ليلاحظ الكدمة السيئة على فكها ونزيف رأسها الذي لا يتوقف. "ما اللعنة التي تحدث هنا؟" تمتم يوجين وهو ينظر حوله قبل أن يلتفت للساحرة، اتسعت عيناه وهو يشاهدها تقف مجددًا وتنتزع السيف لتلقيه بعيدًا.

لاحظ عينها التي اكتسحتها الدماء بالكامل لتصبح حمراء دون أي لون آخر. "زومبي!" صرخ بفزعٍ وهو يقفز بعيدًا عنها بينما ظلت الفتاة تنظر لثونار وجوزفين، لم ينتبه أيٌ منهما لوقوفها مجددًا وكان دفاعهما مفتوحًا كطفلٍ يمكن قتله بلمح البصر.

ابتسامةٌ شيطانية ارتسمت على شفتيها الداميتين قبل أن ترفع كف يدها نحوهما وتهمس بشكلٍ سريع بتعويذة أخرى للسحر الأسود ليبدأ الظلام التشكل وينبعث من جسدها.

بدل يوجين نظره بينهما بتوتر وصاح: "رفاق! إن لم تنهضا الآن ستموتان، هذا الزومبي اللعين لم يمت بعد".

أدرك يوجين أن الفارسين ميتان لا محالة، حتى إن انتبها لوجود الساحرة؛ ففي هذه اللحظة لن يتمكنا من الابتعاد بالسرعة الكافية.

صرخ بقوةٍ عندما انبعثت تلك القوة السوداء من بين يديها نحوهما ووجد نفسه يركض بسرعةٍ واقفًا أمامهما بأملٍ أخير ليتصدى لتلك القوة عنهما وقد نسي تمامًا أنه غير مرئي وغير ملموس.

ثونار تجمدت عندما رفعت رأسها ونظرت للأعلى، اتسعت عينها ووجدت نفسها تندفع للخلف بفعل الصدمة وهي تراقب ما يحدث.

الجلبة التي حدثت أجبرت جوزفين على نظر نحو الساحرة التي ما زالت حية، لكنه لم يتمكن من الصياح بصدمةٍ حتى بسبب المشهد أمامه كثونار بالضبط، حدق كلاهما بما يحدث أمامهما بذهولٍ وعدم استيعاب.

في حين أن الساحرة صرخت بقوةٍ وغضب في محاولةٍ لتدمير الشخصين أمامها بالسحر ظهر رجلٌ ما من العدم فجأةً متصديًا لقوتها، تمكن من إيقاف سحرها بواسطة قوةٍ لا تعلم مصدرها وما هي.

قوةٌ صفراء تجمعت خلال قبضته وكونت حاجزًا كان يدفع طاقة سحرها الأسود الذي كان من المستحيل التصدي له؛ فتلك التعويذة تفتك بأي سحرٍ آخر لقوتها، ولكن ذلك الرجل الغامض وقف هناك أمام الشخصين الذين أرادت قتلهما وببساطة كان يدفع بسحرها.

يوجين لم يدرك ما يحدث، كان كل ما يفكر فيه هو إيقاف تلك الساحرة عن قتل الفارسين، وعندما وضع نفسه كدرعٍ أمامهما جسده بالكامل أصبح أكثر سخونةً ويده شكلت قوةً مختلفة تصدت للساحرة، كان الضغط قويًا لدرجة جعلت أذنيه تصفران بقوة ولكنه حاول استجماع كل قوةٍ قد يشعر بها في وجه الساحرة. التفت نحو الثنائي المصدوم وصرخ: "اهربا حالًا!".

 كان يتصرف بعشوائيةٍ غير مدركٍ أنه أصبح مرئيًا في هذه اللحظة وأنهما ينظران نحوه بالفعل!

عندما غلب عليه شعور الغضب والأدرينالين الذي اندفع داخل جسده أخذ خطوة للأمام قبل أن يحاول دفع قوتها بأقصى قدرةٍ قد يحملها داخله ليصرخ بغضب: "فقط توقفي، أيتها الزومبي اللعين!". اندفعت قوته نحو جسد الساحرة وانقلب السحر عليها ليدفع جسدها بقوةٍ بعيدًا ويرتطم بالأرضية قبل أن تفقد الوعي تمامًا.

انحنى يوجين على ركبتيه يحاول التنفس غير مدركٍ لنظرات ثونار وجوزفين التي انتقلت من جسد الساحرة إلى جسده.

أول نفس أخرجه تشكل كبخارٍ ساخن وجسده كان كقدرٍ يحترق، يتصاعد البخار ببطءٍ على طول ذراع وكأن جسده يغلي بالكامل، عينه اتجهت لعروق جسده المتوهجة بلونٍ أصفر غير اللون الأزرق الباهت المعتاد الذي يحيطه دائمًا، لم يفهم تمامًا ما حدث للتو وما قام بفعله أبدًا.

"من أنت بحق الله؟"

كان تركيزه مشتتًا ولم ينتبه لصوت جوزفين الذي يتحدث معه؛ لذلك كررت ثونار مجددًا: "أنت! من تكون؟". أجفل لثانيةٍ والتفت بنظراته المذهولة نحوهما ليتبادلا النظرات لثوانٍ. " أ… أنـ… أنا! أنا يوجين!" أجاب بتلقائية، ثم مر الصمت بين ثلاثتهم.

عقد حاجبيه واتسعت عيناه عندما مر المشهد أمام عقله وأدرك ما يحدث ليصرخ بفزع: "أيمكنكما رؤيتي؟". تبادل جوزفين وثونار النظرات المتعجبة قبل أن ينظرا ليوجين ويومئ كلاهما, "هذا لا يمكن، لا يجب أن تتمكنا من رؤيتي" تمتم بجنونٍ وهو ينظر لجسده قبل أن يرفع عينه نحوهما.

"لماذا لا يمكننا أن نـ..." توقف جوزفين لثوانٍ واتسعت عينه بصدمةٍ عندما تلاشى جسد يوجين من أمامه واختفى كما ظهر فجأة، التفت ينظر حوله يكاد يصرخ من فرط الجنون. "ألم يكن هنا منذ ثانية؟" أشار نحو المكان الذي لا يزال يوجين واقفًا فيه، لكنه أصبح غير مرئي مجددًا..

"هل جننت أم أنكِ رأيته أيضًا؟" صاح جوزفين لتومئ ثونار متفقةً معه وعينها تبحث عن يوجين في كل مكان. "كيف يمكنه الاختفاء؟ لا يمكن للرجال استعمال السحر، هذا مستحيل!" تمتمت ثونار وهي تنتفض واقفةً تحاول التقاط جسدٍ بين الأشجار، لربما هرب فجأة أو قام بخدعةٍ ما.

"أنا هنا" وقف يوجين مقابلًا لجوزفين ملوحًا بيده أمام وجهه، ولكنه أدرك أنه تحول لشبحٍ غير مرئي مجددًا. زفر يوجين بضيقٍ وهو يراقب حيرة الاثنين. "أيها السيد، هذا ليس ظريفًا!" صاح جوزفين وهو يدور حوله ليركل يوجين الأرضية صارخًا بغيظ: "أنا هنا تمامًا مـ... تبًا، أنا غير مرئي مجددًا" تمتم في نهاية جملته وتنهد.

"هل ما زالت هنا؟" التفت الاثنان نحو ثونار التي قالت وهي تنظر حولها. "ماذا تقولين بحق الله؟" تمتم جوزفين بتعجب، لكن ثونار تابعت: "إن كنت شخصًا أو شيئًا ما وتقف معنا فـ..." توقفت ونظرت حولها قبل أن تلتمع عينها قائلة: "حرك غصن الشجرة هذا".

دحرج جوزفين عينيه بمللٍ وتحرك نحو الساحرة يتفقد نبضها بينما ظل يوجين واقفًا في حيرةٍ حول إن كان عليه تحريك ذلك الغصن وإثبات وجوده أم يظل مخفيًا وغير موجود.

ظلت ثونار تحدق بالغصن بتركيز وأمل ولكنها استسلمت عندما لم يتحرك. "ماذا تظنين بحق الله؟ أن هناك شبح يحوم حولنا؟ كان هذا ليكون فظيعًا" همس جوزفين وهو منحنٍ على ركبةٍ واحدة يتفقد وجه الساحرة. "ظننت أنه قد لا يمكننا رؤية كل شيءٍ فقط" تمتمت ثونار بإحباطٍ وهي تتجه نحوه.

"على كل حالٍ، هـ..." تجمد الاثنان ولم يتمكن جوزفين من إكمال جملته عندما سمعا صوت تضارب أوراق الشجر مع بعضها البعض.

التفت كلاهما ببطءٍ وأعين متسعةٍ وحدقا بالغصن الذي تحرك يمينًا وشمالًا بشكلٍ عنيف، اتسعت ابتسامة ثونار بشكلٍ ضخم وقبل أن تصرخ بسعادة لأنها كانت محقةً صرخ جوزفين بفزع: "هناك شبحٌ حولنا!".

ابتسم يوجين ابتسامةً مستمتعة قبل أن يضحك لتعبير وجه كلٍ منهما. "جلنار ستقتلني، لكن كان الأمر يستحق" قال بسعادةٍ قبل أن يترك الغصن.

"أيها السيـ... الشخص أو الشبح، هل تعرف من نحن؟ هل يمكنك هز الغصن مجددًا؟" شعر يوجين أنه كالفضائي الذي يحاول البشر التواصل معه، وحينها أيقن أن البشر كانوا ليكونوا أغبياء جدًا إن كان الفضائيون أذكياء.

هز الغصن مجددًا بتملل، ولكن ثونار كانت تشعر بحماسٍ ضخم للأحداث التي تطورت بشكلٍ حماسي.

"هل يمكنك هز الغصن إن كـ..." استمرت ثونار في الأسئلة بينما يوجين نظر لمكانٍ آخر وقد تناسى ثونار لوهلةٍ وعينه تعلقت بجسد الساحرة الملقى، اتسعت عيناه عندما لاحظ حركةً بسيطة في أصابع يدها. "ما الخطب مع تلك المرأة؟ حتى الزومبي يمكن قتلهم!" تمتم وهو يتساءل حول إن كان يمكن قتلها بالفعل!

عينه انتقلت لثونار وجوزفين الذين كانا منغمسين في جدالٍ ما وكان من الصعب جذب انتباههم. "هل هم أغبياء؟ من يبقى بجانب العدو بهذا العقل المشتت؟" تمتم وتحرك حولهما يبحث عن شيءٍ ما، ابتسم عندما وقعت عينه على الفحم الأسود داخل جيب ثونار ليتحرك نحوها بسرعة والتقط واحدًا.

ثونار قفزت من مكانها صارخةً ليفزع جوزفين ويسحبها بعيدًا وهما ينظران نحو الحجر الأسود الذي حلق لوحده. "أحسنتِ، ثونار! حيلة جيدة" صفق جوزفين بسخريةٍ لتسحب قميصه وما زالت عينها معلقةً على فحمها الأسود. "هذا ليس أنا، أقسم بذلك" همست لتتسع عينا جوزفين وهو يراقب تحليق الفحم نحو صخرةٍ ضخمة موضوعة في الغابة.

تحرك الاثنان بحذرٍ وأخذ الفحم يتحرك وهو يكتب شيئًا ما على الصخرة ليقرأه الاثنان معًا: "تلك الساحرة لم تمت بعد! إن كنتما ترغبان في الحفاظ على حياتكما قيداها، أو اغرزا صليبًا خشبيًا في قلبها لربما تموت حينها". تبادل كلاهما النظرات قبل أن يهمس جوزفين: "ما هو الصليب؟". رفعت ثونار كتفيها "ولمَ نغرزه في قلبها؟".

صفع يوجين وجهه بنفاد صبر. "أقسم إن حاولت قتلكما سأشاهد براحة بال" قال وهو يحدق بالثنائي الأحمق قبل أن يكتب على الصخرة مجددًا: "قيداها". التفت الاثنان لها بإدراكٍ لترفع ثونار يدها وتتمتم بإحدى تعويذاتها التي تسببت بظهور سلاسل حديدية بلون الدم تقيد جسد الساحرة بقوة.

"هذه ستكون كافية" قالت قبل أن تنظر لجوزفين الذي أومأ. التفتا نحو الصخرة حيث يوجين، ومال جوزفين ناحية ثونار هامسًا: "تحدثي أنتِ معه، أشعر بالغرابة للحديث مع الهواء". زفر يوجين قبل أن يركل قدم جوزفين بقوةٍ ويكتب بغضب: "أنا لست هواءً، أيها الغبي!". أمسك جوزفين بقدمه متألمًا وصاح: "لا تركلني، يمكنك الإيضاح دون عنف".

دحرج عينيه وكتب على الصخرة: "يوجين، اسمي يوجين". ابتسمت ثونار وقالت: "ومن تكون بالضبط؟". زم يوجين شفتيه وهو يفكر بكل شيءٍ يمكن تفسيره، ولكنه شعر بالكسل وعدم الرغبة في الشرح؛ لذلك كتب مجددًا: "سيطول شرح الأمر".

"طريقةٌ جيدة للتهرب من الإجابة" همس جوزفين مجددًا ليحرك يوجين رأسه بيأس ويكتب: "يمكنني سماعك يا أحمق". انفجرت ثونار ضحكًا بينما تحول وجه جوزفين للون أحمر. "علينا أخذ الساحرة لجلنار وإخبار الجميع" كتب مجددًا ونظر للساحرة ببعض القلق. "أنت محق، على جلـ… لحظة، أتعرف جلنار؟". سأل جوزفين باستغراب ونظر لثونار لتبادله الأخرى بحيرة.

"نعم، هي الوحيدة القادرة على رؤيتي، بالإضافة لكل مخلوقٍ مخيف وخطر في هذا الكوكب، وهي الوحيدة التي بإمكانها الشرح. بدأت أشعر بالملل؛ لذلك لنأخذ مصاصة الدماء الفاقدة للوعي ونذهب حيث جلنار"

ألقى بالفحم بعيدًا دلالة على انتهاء هذه المحادثة، ولكن ثونار لم تستطع كبت صدمتها وحماسها عندما لكمت ذراع جوزفين صارخة: "كنت أعلم أنها تخبئ شيئًا ما منذ البداية، أنا دائمًا محقة". صفقت بحماسٍ وهي تتمتم بالكثير من الجمل التي تمدح فيها نفسها.

"شبح حولنا! هذا مخيف، لمَ أنتِ سعيدة؟ ماذا إن رآني مرة بينما أستحم؟" قال جوزفين وهو ينظر حوله بحذر، ولكن يوجين بادله نظرةً متقززة. "لمَ قد أنظر لك بينما تستحم؟ هذا مقرف يا رجل" صاح وانحنى بجوار جسد الساحرة وعندما تحسس نبضها شعر بارتجافٍ سيءٍ  في يده واتسعت عيناه للنبض الجنوني والسريع داخل جسدها.

"ما الذي فعلوه بكم؟" تمتم وهو يتفحص جلدها الذي بدا ناصع البياض، ولكن إن أمعنت النظر كان هشًا وكأنه سيتحول إلى ترابٍ في أي ثانية.

نظر لجثة الليكان بينما تبادر سؤالٌ ما لذهنه لم يجد له إجابة، كان أفضل خيارٍ في هذه اللحظة هي الحديث مع جلنار التي لا يعلم مكانها حتى؛ فهي لم تكن موجودةً في غرفتها عندما استيقظ هو هذا الصباح.

.... 

"أنتِ حقًا مزعجة"

فتحت عينها للجملة التي صاح بها صبيٌ ما بغضبٍ وتلا الجملة صوت ضحكات مستمتعة من فتاة ما.

نهضت جالسة قبل أن تنظر جلنار حولها في تعجب للحقل الضخم المليء بأزهار مختلفة الألوان والأشكال. "أنت فقط عجوز غاضب، أيها العجوز" صوت الفتاة الصغيرة صدح مجددًا وكان من الواضح أن هذه الأصوات قادمة من خلفها حيث شجرة الكرز الضخمة.

تحركت نحوها وقد بدا ظاهرًا أن هناك شخصان واقفان هناك. "حلم آخر!" همست لنفسها وعينها تجوب الحقل بالكامل وقد بدا أن لا نهاية له ولا بداية، فقط ملايين الأزهار وشجرة كرزٍ عملاقة.

"شو شو! فقط اذهبي بعيدًا" صوت الصبي جذب انتباهها مجددًا ولم يكن من الصعب فهم ما يقولان؛ فالمكان فارغٌ ولا يبدو أن هناك أحدٌ غيرهما هنا!

"شو؟ أنا لست قطة، أيها العجوز" الفتاة قالت بهدوءٍ ليصرخ الصبي بغضب: "وأنا لست عجوزًا!". بالرغم من غرابة هذه الأحلام لجلنار فإنها لم تتمالك ضحكتها على هذا الحوار بين الاثنين. "لكنك تبدو كواحد" الفتاة استمتعت بإغاظة الفتى وقد كان هذا واضحًا في نبرة صوتها.

توقفت جلنار عن المسير وحدقت بالاثنين من مسافةٍ بعيدة وقد بدا الموقف الذي تراه مألوفًا بشكلٍ مخيف، وكأنها رأت هذا الموقف من قبل، أو تشعر وكأنها عايشت شيئًا مشابهًا، وكأن المكان ليس غريبًا أبدًا عليها.

شجرة كرز ضخمة وزهور تملأ المكان، تكاد تصرخ قائلةً إنها تعرف هذا المكان من قبل وأن هذا الحوار يبدو مألوفًا!

"ابتعدي عني!" صاح الصبي قبل أن يدفع الفتاة لتقع على الأرض بقوة، كانت الفتاة لتصرخ أو تبكي، لكنها ضحكت وصاحت باستمتاعٍ تزامنًا مع همس جلنار في الوقت ذاته: "أنت تدفع كعجوز!".

صوت صفيرٍ قوي ضرب أذن جلنار لتغمض عينها وتسقط أرضًا، وكانت تلك اللحظة التي فتحت عينها واستيقظت من ذلك الحلم.

نظرت للسماء الزرقاء بخمولٍ دون أن تتحرك، نسيم الهواء داعب خصلاتها كما داعب الأعشاب الطويلة التي تحيطها وتضرب وجنتها بخفة، نهضت جالسةً ونظرت حولها للمكان الذي كان أشبه بحقلٍ للأعشاب الطويلة.

كادت تظن أنها تحلم مجددًا، لكن أركون النائم أمامها كان دليلًا على أن الأحلام قد انتهت، ذاكرتها عادت لليلة الأمس حيث المكان كان مدمرًا بالكامل، ولكن الأرض أصبحت عشبية مجددًا وكأن شخصًا ساهم في عملية نموها بسرعة.

أحداث الليلة الماضية تسارعت داخل ذهنها لتتذكر أتريوس وتتلفت حولها بسرعة، ولكنه لم يكن موجودًا. "بالطبع" همست قبل أن تتنهد وتفرك عينها بنعاس، تثاءبت ونهضت واقفةً على قدميها وأخذت نفسًا قويًا لبداية هذا اليوم.

جذب أركون انتباهها عندما نهض واقترب منها لتمسح على رأسه "علي تعريفك على صديقٍ في وقتٍ لاحق، دعنا نضع هذا في الحسبان، حسنًا؟". التفتت لتتحرك نحو المنزل وتبعها أركون بهدوءٍ وعينه تنتقل من الأشجار والأزهار المختلفة إلى المخلوقات الصغيرة التي تختبئ ما إن تلاحظ وجوده لتراقبه من بعيدٍ خشية على نفسها.

"ظننت أننا سنبحث عنكِ لمدة، ولكن انظر! القدر يجمع بيننا" التفتت جلنار نحو يوجين الذي خرج من بين الأشجار؛ فكلاهما التقيا أمام المنزل.

"يوجيـ..." قطعت كلمتها عندما لمحت جوزفين وثونار قادمين من خلفه ويتبعهم كارولوس! تملكها الاستغراب لتعقد حاجبيها وهي تتفحص حالتهم التي يرثى لها.

"ما زال ينظر نحوي، يمكنه قضم رأسي في ثوانٍ، صحيح؟ إنه ينظر لي، يمكنني الشعور بذلك" جوزفين المتخشب كان يتمتم ويحاول بشتى الطرق أن يبعد عينه عن كارولوس الذي كان يحدق بظهر جوزفين ويستمتع بإرعابه.

"جلنار، أبعدي تنينكِ عني" همس وحاول ألا يصرخ لتخطو جلنار نحوه وتمسح على رأسه. "صباح الخير، أيها الجميل" تمتمت مبتسمة. "إنها تخاطبه كحيوانٍ منزلي، هل الجميع مجانين؟" همس نحو ثونار ونظر لجلنار بخوف.

توقفت جلنار عن مداعبة كارولوس عندما لمحت الجسد الملقى فوق ظهره لتلعن بصدمة وهي تلتفت لتنظر للشخص الغريب، لكن ثونار سبقتها ورفعت يدها ليحلق جسد الساحرة الفاقدة للوعي ويلقى فوق الأرضية. "لقد مررنا بصباحٍ غريب" قالت وهي تتقدم لتقف بجوار جلنار وتحدق كلتاهما بالساحرة.

"غريب؟ غريب! إنه جنوني، صباحٌ جنوني! أستيقظ فأجد نفسي خارج السرير نائمًا في العراء ومن ثم يهاجمنا ليكان متحولٌ بشكلٍ مرعب وبعده ساحرةٌ مجنونة لا تموت ومن ثم يدافع عنا شـ..."

"ماذا يحدث؟" قاطع صياح جوزفين المذعور صوت أغدراسيل الذي بدا كشخصٍ استيقظ للتو بصعوبة وخلفه كان رومياس وزوندي يحاولان اكتشاف سبب الضجة. "تمت مهاجمتنا" ثونار أجابت مشيرةً للساحرة خلفها. "تبًا، هل هي ميتة؟" صاح زوندي وهو يتفحصها من بعيد. "لا، ليست كذلك". ثونار أجابت مجددًا ليتنفس زوندي براحةٍ ولكنه ما لبث حتى صرخ قائلًا: "ماذا؟".

أوكتيفيان كان من الصعب عليه مقاومة الخروج ومعرفة ما يحدث والضجة قد أيقظت البقية تقريبًا وجذبتهم للخروج لرؤية سبب الصراخ المستمر.

"هذه المرأة لا تموت مهما حاولنا، أظنها زومبي، ربما إن أصبناها في رأسها ستموت أو إن قمنا بدق وتدٍ أو صليب خشبي في منتصف قلبها" همس يوجين نحو جلنار لتنظر نحوه ببرود. "تقولين أن أتوقف عن سخافاتي؟ حسنًا، سأصمت" تمتم ووضع يده داخل جيبه.

"أوه، بالمناسبة! ثونار وجوزفين يعلمان أني موجود وأن اسمي يوجين وما شابه"

اتسعت عينا جلنار والتفت نحوه بسرعةٍ صارخة: "ماذا؟". جذبت انتباه الجميع بصوتها العالي وانتظروا منها تفسيرًا بينما تبادلت معهم النظرات تحاول إيجاد مخرج. "أعني… ماذا علينا أن نفعل؟ هذا... خطير... هذا أمرٌ خطير".

"وجائزة الأوسكار لأسوء ممثلةٍ في التاريخ تذهب إلى جلنار روسيل"

أرادت لكم أنف يوجين بقوةٍ لأنه دائمًا السبب في إحراجها ومن ثم السخرية منها، لكنها تمالكت نفسها.

"أقسم أنها كانت تتحدث معه، لقد كانت تتحدث مع الشبح" سحبت ثونار ملابس جوزفين وهمست بابتسامةٍ ضخمة متحمسة. "لمَ أنتِ سعيدة بحق الله؟ الأمر مرعب وغريب" بادلها الهمس وهو ينظر حول جلنار وكأن يوجين سيظهر ملوحًا له.

"لنأخذها للداخل قبل أن تستيقظ" أوكتيفيان قال مشيرًا للمنزل لينظر كل شخص للآخر منتظرًا أن يتطوع أحدهم لحملها. "لقد حاولت قتلي، لا تنظروا لي" جوزفين رفع يديه وأخذ خطوةً للوراء. "تبًا، أنتم جبناء" تمتمت ثونار واستخدمت سحرها ليطفو جسد الساحرة وتتحرك نحو المنزل.

"أظن أن تنينك يخطط لقتل مخلوقك السحري" جوزفين همس مشيرًا لأركون وكارولوس، لكنه تراجع بفزعٍ عندما نظر أركون نحوه بهدوء. "لماذا ينظر نحوي؟ لمَ أنا بحق الله؟ لقد أصبحا اثنين الآن، إنهما اثنان، كيف سأنام في أمانٍ داخل هذا المنزل؟" ظل أركون يحدق به ليهرول الآخر بسرعةٍ نحو المنزل.

كارولوس ظل يلتفت حول أركون ويزأر بخفةٍ وكأنه يحاول قياس مدى خطورته بينما ظل أركون في مكانه دون رد فعلٍ ورأسه يدور مع دوران كارولوس حوله.

"حسنًا، دعونا نتعرف على بعضنا بشكلٍ سريع. كارولوس هذا أركون، وأركون هذا كارولوس، كلاكما أفضل صديقٍ لي؛ لذلك فليعتني كلٌ منكما بالآخر" قالت وهي تربت على رأس كارولوس وعندما أرادت التربيت على أركون زأر كاورلوس بقوةٍ لتسحب يدها بتفاجؤ.

"أراهنكِ أن كارولوس سيأكله خلال ساعةٍ والتحلية ستكون حساءً من عظامه" سخرية يوجين دفعتها لتبديل نظرها بينهما في حذرٍ قبل أن تهمس ليوجين: "أنت تسخر ولكن نية القتل التي تملأ رأس كارولوس بدأت تُخيفني". ضحك يوجين بقوة وربت على ظهرها قائلًا: "على الأم أن تتدخل في مواقف كتلك".

أخذت نفسًا ونظرت لكارولوس قائلة: "توقف عن النظر نحوه بهذه الطريقة، إنه لطيفٌ وغير مؤذٍ، لدي أمورٌ أهتم بها وأريد أن أعود وأرى كلاكما على وفاق، اتفقنا؟". لم يعرها كارولوس أي اهتمام وظلت عينه ثابتةً بشراسة على أركون بينما الآخر تثاءب وانحنى فوق الأرضية وأغمض عينه لينام.

"تنتظرنا أيام عجيبة" همس يوجين وتحرك نحو المنزل لتتبعه جلنار بسرعة. "كيف عرف ثونار وجوزفين بأمرك بحق الله؟" سألت بينما تقف أمام باب المنزل تمنعه من الدخول. "أتظنين أني سأخفي الأمر، سأخبركِ بكل شيء، ولكن أو..." لم تستمع جلنار لبقية الحديث الذي كان يوجين يحاول إخبارها به؛ فصوت الضجة من داخل المنزل دفعهما للهرولة بسرعة ورؤية ما يحدث.

تفاجأت برؤية الساحرة فوق أحد الكراسي وعينها مفتوحة وثابتة على جوزفين بشراسة وكأنها ستفتك به في ثانية، اهتزت بعنفٍ في محاولة للتملص من قيود ثونار، لكن الأخيرة أحكمت سحرها حول الفتاة لتأن بألم. "ربما تبدين قوية ولكني فارسة، أيتها اللعينة!" قالت وأغلقت قبضتها بشكلٍ أقوى لتصرخ الساحرة متألمة.

"إنها تبدو هشةً للغاية" همست جلنار ليومئ يوجين قائلًا: "تمامًا، وكأن جلدها سيتفتت إن قمتِ بلمسه، بالإضافة إلى أن الليكان الذي هاجمهم في الغابة كان يبدو أكثر قوةً منها جسديًا ولكن..." قاطعته جلنار وتركيزها علق على الساحرة "ولكنه مات أسرع منها".

"أنتم كالحيوانات المرتعبة، انظروا إلى أنفسكم..." انفجرت في الضحك الساخر قبل أن ترفع رأسها نحو جوزفين قائلةً بنبرة خافتة: "أنتم مثلنا تمامًا! جميعكم ملعونون بالظلام، ولكن الفرق بيننا أننا نعترف بهذا، نحن نعرف أن ظلامنا قوة وكلما اعترفنا ازداد إيماننا، ولكن أنتم... سيقتلكم التظاهر حتى تذبحون على يد سيدي" انطلقت ضحكاتها المجنونة مجددًا وعينها تجول عليهم.

انقطع صوت ضحكها عندما وقفت جلنار أمامها ومالت نحوها بجدية "ما الذي يفعلونه بكم بحق الله؟". ابتسمت الساحرة وأجابت بهدوء: "يجعلوننا أكثر قوة، أكثر عظمة". لم تكن هذه القوة التي قد تريد جلنار أن تحصل عليها يومًا، العظمة التي تتحدث عنها الساحرة كانت وهمًا؛ فقد كانت في حالةٍ يرثى لها.

"لقد مات صديقك أسرع منكِ بالرغم من قوته الجسدية، ما الذي يعنيه هذا؟" اتسعت حدقة الساحرة بفزعٍ وكأن جلنار تتوصل لشيءٍ لا تريد منها الساحرة أن تصل له. "لقد قمتم بقتله، أيها الملاعين! أنتم فعلتم به هذا، أنت قتلته!" صرخت بقوةٍ ووجهت حقدها لجوزفين الذي ظل واقفًا بصمت.

"أنتما اخترتما هذا؛ لذا لا تلومي شخصًا غير نفسك" ثونار بصقت واقتربت منها قائلة: "بحق الله، أراد قتلنا وكان علينا المشاهدة؟ أنتِ وهو اخترتما هذا الطريق وهذه النهاية، لا تلومي الآخرين على اختيارك". هزت رأسها بعنفٍ وأخذت تتمتم بكلماتٍ مبعثرة مما دفع جلنار وثونار إلى تبادل النظرات الحذرة.

"من فعل بكم هذا؟" سألت جلنار بجديةٍ وحدة لتحرك الساحرة رأسها دون توقف ويهتز جسدها للأمام والخلف وكأنها تحاول منع نفسها من الاستماع لأي صوت آخر.

"أي نوع من القوة هي هذه؟ رفيقك كان يملك القوة الجسدية ولكنه مات بسهولة، وأنتِ تبدين أضعف جسديًا ولكنكِ على قيد الحياة" ثونار هزتها بعنفٍ لتنظر الساحرة نحوها بسخرية وتهمس مجددًا: "ستموتون جميعًا، الظلام قادم، إنه قادم".

"أنتِ تستهلكين جسدك"

توقفت الساحرة على الفور ورفعت عينها نحو أرتيانو الذي تقدم واضعًا يده داخل جيبه وأردف: "لقد استهلك صديقك قوة روحه وسخرها ليصبح أقوى جسديًا، بينما أنت تسخرين قوة جسدك لتبقى روحكِ حية". بدأت تشعر بالفزع بشكلٍ أكبر؛ فقد بدى الطفل الواقف أمامها عالمًا بالكثير، كلما حدق بها تشعر بأنه سيعرف وستموت حينها.

"لن أخبرك، لن أخبرك… لن أفعل" تمتمت وأغلقت عينها بقوة. "الأمر له علاقة بقوة الظلام تلك، هل يقومون بحقن أجسادكم بها أم يضعونكم تحت تعويذةٍ ما أم أن هناك شخصٌ يشرف على الأمر؟" تابع أرتيانو ببرودٍ غير عابئ باضطرابها، ولكنه توقف عندما بدأت بالصراخ والاهتزاز بفزعٍ وهستيرية.

"لن أخبرهم، أقسم أني لن أفعل! لن أخبر أي شخص، أرجوك! لن أفعل، لا أريد الموت، لا... ليس الآن، ليس الآن! لا أريد الموت، لا..." كررت بصراخٍ هستيري أفزع الجميع ولكن الأكثر فزعًا هو بشرتها التي بدأت تتفتت وتتساقط بين صرخاتها، وتلا جلدها جسدها بالكامل الذي تحول إلى ذراتٍ من الرمل بداية من قدمها حتى رأسها ليختفي صوتها للأبد.

جميعهم تجمدوا مكانهم بصدمة، بالكاد يحاولون فهم ما حدث منذ ثانية. "أظن أنني بالغت في الأسئلة" تمتم أرتيانو وهو ينظر للرمال المتبقية من جسد الساحرة وقد نفض البعض عن كتفه باشمئزاز.

"ما الذي حدث للتو؟" همس زوندي، ولكن همسه كان مسموعًا كفاية بسبب الصمت الذي أطبق قبضته على المكان. "رائع، هناك موضوع يمكنكم أن تتشاركونه على الفطور، كيف تحولت ساحرة إلى ذرات رمال في ثوانٍ" يوجين صفق قائلًا لتنظر نحوه جلنار ببلاهةٍ وكأنها لم تدرك الأمر بعد.

"ما اللعنة التي يفعلونها بهم بحق الله؟" تينر جام قال وهو ينظر للجميع وكأن شخصًا سيجيبه. "هذا جنون، لقد اختفت في ثوانٍ" لافيان بالكاد خرج صوته بصعوبة. "لقد كانت تصرخ بشكلٍ مرعب وكأنها تعلم أن شخصًا ما سيفعل بها هذا، صحيح؟" هارليك قال ونظر لهم ينتظر أحدهم ليتفق معه. "أنت محق، عندما بدأت أسئلة أرتيانو تصبح أكثر جن جنونها" وافق أغدراسيل ومسح وجهه؛ لعل ذلك الشعور السيء يختفي.

الصمت الذي كان بينهم تبدل إلى حالةٍ من الاستنتاجات والذهول والأسئلة بين الجميع ولم تستطع جلنار فعل شيءٍ أو التفكير في شيء معين وسط كل هذه الفوضى.

دلكت رأسها وزفرت مجددًا ومجددًا بضيق والتفت عينها حول المكان بحيرة تتساءل تمامًا عما يحدث مع الإريبوس الذي يلفهم الغموض بالكامل.

عينها تقابلت باللون الزجاجي الذي أصبح يسبب لها اضطرابًا هذه الفترة ومن بين الجميع لم تتوقف عن التفكير إلا عندما نظرت له، كان يستند على الجدار في زاوية يتابع الأحداث من بعيد كعادته، كتمثال موجود دائمًا بالرغم من أن لا أحد يلاحظه، لكنه موجود ويرى ويسمع كل شيء.

إلا أن جلنار كانت تلاحظه، ليس فقط الآن، دائمًا أول من تقع عينها عليه كان هو! وكأنها تبحث عنه دائمًا في كل مكان حولها ومهما كان السبب، الخوف، أم الكره، أو حتى الفضول، أو الرغبة فقط في رؤيته موجود، كانت دائمًا أول من ينظر له.

الرغبة العارمة في التوجه إليه كانت تتضاعف داخلها، ولكنها لن تعرف أبدًا ماذا قد تقول، هل تسأله عن سبب أنه يبدو في كل مرة يحدث بها شيءٌ غريب مدرك لما يحدث ثم تصرخ قائلةً: أخبرني، أم أنها فقط ستسأله عن حاله هذا الصباح، أو لمَ كان في حالة سيئة ليلة الأمس؟ لماذا على سبيل المثال تمسك بها وأحاط جسدها طيلة الليل ولم يسمح لها بالذهاب وعندما استيقظت كان قد اختفى؟

في الواقع هناك آلاف الأسئلة والحديث على لسانها، ولكن ما إن تتوقف أمامه حتى تنسى كل ما أرادت قوله.

لأنه رجلٌ أشبه بالنجوم! لا يمكنك لمسها يومًا ولكنكِ ستحدق بها طيلة الليل بدهشة.

تعمقها بتلك الأفكار كان قويًا لدرجة منعتها من ملاحظة أنه لاحظ تحديقها به ونظر نحوها في المقابل وقد توقع أنها ستشيح برأسها فورًا، ولكنها لم تفعل، لم تكن واعيةً بمحيطها لتفعل، ولكم تكن واعيةً حتى بيوجين الواقف بينهما عاقدًا ذراعيه ويبدل نظره بين كل واحدٍ منهما بنظرةٍ ضيقة وكأنه ينتظر التالي.

عندما أدرك يوجين أن جلنار غارقة داخل رأسها وقد انقطع إرسالها عن العالم وقف أمامها وفرق بأصابعه لتجفل بشكلٍ خفيف وتنظر له بتساؤل. "بدوتِ كشخص يغرق في بحرٍ من الأفكار السوداوية ويطلب النجدة؛ لذلك أقوم برمي طوق النجاة من أجلك"

لم يكن يوجين مخطئًا بالرغم من نبرة السخرية في صوته؛ لذلك ابتسمت له بشكر. أتريوس الذي لم يبعد عينه عن جلنار عقد حاجبيه وهو يلاحظ أنها أصبحت لا تنظر نحوه مباشرة بالرغم من أنها تنظر أمامها وفي اتجاهه، ولكن كأن عينها ترى شيئًا مختلفًا، وكأن شخصًا آخر يقف أمامها.

لطالما راودته هذه الفكرة، أن جلنار تملك صديقًا خياليًا؛ لذلك تتصرف بغرابة وتهمس لنفسها، أو قد تتحدث مع نفسها إذا كانت تقف وحيدةً دون أن تدرك أنه يمر من خلفها، أو يقف على مسافة منها، ولكن هذه الفكرة كانت تتبدل وشعوره بأن هناك شيءٌ آخر غامض، وليس مجرد فكرةٍ طفولية سخيفة، ولكنه في كل مرة يوقف نفسه عند هذه النقطة ويمنع نفسه من التفكير في الأمر…

في كل مرة سيقول لنفسه: ما شأني بما يحدث معها، لتفعل ما تريد، ولكنه فقط يهرب من حقيقة أنه ما إن يبدأ التفكير في أمرٍ واحد خاص بجلنار لن ينتهي، والأفكار ستجذب نفسها واحدةً تلو الأخرى بشكل مخيف لم يحدث له من قبل، إنه يهتم لأموره الخاصة فحسب منذ قرون، لمَ عليه التفكير في شأن شخص آخر؟

راقب أتريوس ثونار وجوزفين الذين اقتربا من جلنار، الابتسامة الواسعة على وجه ثونار وحدها كانت تخبر أي شخص قد يلاحظهم أنهم يخفون أمرًا ما، زفر بضيقٍ والتفت يخرج من المكان وكان السؤال يدور في رأسه، لماذا يشعر بهذا القلق؟

"أظن أن علينا الحديث" همست ثونار ولم تتمكن من التوقف عن الابتسام. "نتحدث عن ماذا؟" همست جلنار تحاول مجاراة أفعالها وقد نسيت تمامًا أنهما يعرفان بأمر يوجين. "لا أظن أنه من الجيد الحديث عن الأمر هنا" قالت ورفعت عينها نحو جوزفين ليومئ موافقًا، جلنار بدلت نظرها بينهما في حيرة حتى وقف يوجين بجوارها قائلًا: "عني! إنهما سيتحدثان عني".

فغرت فاهها وقد تذكرت فقط للتو لتتسع ابتسامة ثونار وتعض شفتيها بحماس، رفعت يدها لتغلق فم جلنار وتسحبها لخارج المنزل وجوزفين تبعهما وعينه تلتفت حوله بعشوائية يحاول التقاط هيئة يوجين مجددًا غير عالمًا أن يوجين يسير مجاورًا له.

"نعلم بأمر الشبح، نعلم بأمره! نعلم بأمر الشبح!" صرخت ثونار وهي تقفز بحماسٍ طفولي ما إن ابتعدوا عن المنزل، وصوتها العالي دفع جلنار للفزع والاندفاع نحوها لتغطية فم ثونار بيدها وهي تهمس، "اخفضي صوتك، هل جننتِ؟".

"هل حقًا هناك شبح ما حولك؟" جوزفين سأل بترقب في أمل أن تجيب جلنار نافية، أبعدت ثونار يد جلنار ونظرت نحوه بحدةٍ قائلة: "لا تعطيها فرصة للإنكار، الجواب هو: نعم! كلانا قد رأى يـ... ما كان اسمه؟" حاولت التذكر ورفع جوزفين كتفيه دلالة على عدم معرفته.

نظرت جلنار ليوجين بذهول "هل أخبرتهما أيضًا باسمك؟". أومأ برأسه قائلًا: "من الفظ أن تعرف شخصًا وتخفي اسمك عنه، أليس كذلك؟". ضحكت بعدم تصديق والتفتت نحوه قائلة: "لمَ لا نذهب للجميع ونعرفهم عليك؟ مرحبًا، جميعًا! بالمناسبة؛ يقف بجواري شبح لشخصٍ ميت يسمى بيوجين، كان موجودًا حولكم طيلة الوقت ولكنكم لا تستطيعون رؤيته!".

زم شفتيه بتفكير قبل أن يصفق بيده صائحًا: "لا، لا يمكننا فعلها! بالرغم من أنها فكرة جيدة، ولكن لن يتسنى لي إخافة زوندي بعدها". مسحت وجهها بنفاد صبر وهسهست: "هل هذا كل ما يملأ رأسك الثخين؟ ألم تفكر أنك ربما خفي لسبب ما، أيها الأحمق؟".

كاد يقول شيئًا، ولكنه توقف وكأن عقله بدأ في استيعاب وجهة نظر جلنار. "لم أفكر في هذا" تمتم وحك رأسه بغباء.

التفتت حولها بغضب تحاول منع نفسها من محاولة ركله ولكنها تذكرت للتو أن هناك اثنان يقفان معهما، وعندما نظرت لكل من ثونار وجوزفين باستيعاب كان كلاهما يقف فاغرًا فاهه بصدمة يبحلق بجلنار وقد وضعا مسافة آمنة بينهما وجلنار، وجوزفين كان الشخص الواقف خلف جسد ثونار يحتمي بها تحسبًا لأي شيء جنوني آخر.

"فقدت السيطرة مجددًا" همست لنفسها وألقت نظرة حاقدة نحو يوجين الذي انشغل في محاولة فهم وجهات النظر الخاصة بتعريفه للجميع.

"أنتِ تتحدثين مع شبح!" همست ثونار وهي تقترب من جلنار وابتسامتها تنمو بسرعة. "شبح شخصٍ ميت، لقد قلتِ شخصًا ميت" جوزفين ردد بفزع لتزفر جلنار وتغمض عينها ولم تقاوم الرغبة في تدليك رأسها لإزاحة الصداع عنه.

"استمعا إلي"

بدأت وهي تنظر لهما بجدية قبل أن تردف: "أجل، هناك شبح، يوجين! اسمه يوجين، إنه حولي منذ اليوم الذي جئت فيه إلى هنا... لا، إنه حولي قبل المجيء إلى هنا، منذ أن كنت على الأرض، ظهر بشكلٍ غامض ولسبب كلانا لا نعلمه". اقترب يوجين منها وهمس بدرامية زائدة: "لإني الرجل الغامض... الغامض... الغامض".

عقدت حاجبيها ونظرت نحوه قائلة: "لماذا تعيد الكلمة؟". رفع كتفيه قائلًا: "لست أنا! إنه الصدى". أغمضت عينها بينما تحاول التنفس بهدوء مدركة أن هذا الكائن لن يدخل في مرحلة الجدية مهما كان الوضع القائم، سواء كانت المشكلة عنه أو عن غيره.

"لحظة واحدة، دعيني أحاول استيعاب هذا، هناك شبح لشخصٍ ميت كان يحوم حولكِ على الأرض وجاء معكِ إلى هنا وكان يعيش معنا طيلة الوقت" جوزفين حاول تجميع الأحداث التي فهمها لتومئ جلنار، ملامحه تقلصت بفزعٍ ومسح وجهه يحاول تمالك نفسه.

"صدقني؛ إنه غير مؤذٍ وغير..." نظرت نحو يوجين الذي بدل عينه بينهما ببراءة. "وغير مخيف على الإطلاق، إنه أقرب لشخصٍ غبي توفي وظهر مجددًا ليزعج مؤخرتـ... أوتش!" صاحت والتفت بغضب نحو يوجين الذي صفع رأسها وحلق بسرعة مبتعدًا عنها قدر الإمكان حتى لا تقوم برد الضربة ."أيها اللعين" هسهست وألقت بالحجارة نحوه ليتجنبها بسرعة.

ثونار انفجرت في الضحك وكان الأمر يعجبها تمامًا، بينما جوزفين ظل يشعر بالوسوسة من كل شيء يتحرك حوله.

"لحظة واحدة، هل من الطبيعي للبشر رؤية الأرواح الميتة؟" سألت ثونار وهي تمسح الدموع التي تكونت على زاوية عينها وتحاول إيقاف قهقهتها. "لا، لظن الجميع أني مجنونة إن أخبرتهم بهذا" أجابت جلنار وهي تمسح رأسها حيث صفعة يوجين ثم أردفت: "ولكن يوجين هنا كمساعدٍ كما فهمنا، حارس.. كحارس".

"ملاك حارس!" ثونار قالت مسببة انعقاد حاجبي جلنار لتندفع بإنكار: "ملاك! لا أظن ذلك، إنه أشبه بحارس مغفل".

"سأصفع رأسكِ مجددًا، جلنار!" صاح يوجين من بعيد لتلفت نحوه صارخة: "حاول مجددًا إن استطعت، أيها الجبان". التفتت نحوهما مجددًا، لكنها تراجعت خطوة بتفاجؤ عندما صاح جوزفين: "هل يمكنكِ التوقف عن ذلك، أنتِ تتحدثين مع شيء لا نراه، والأمر يبدو وكأنكِ مجنونة، وأشعر بالغرابة لكل هذا الجنون. وأنا من كان يظن أن حياته جنونية…" تمتم في النهاية وبعثر شعره بتوتر.

"لحظة واحدة! أشعر وكأني نسيت سؤالًا مهمًا" تمتمت جلنار وهي تنظر لكل من جوزفين وثونار قبل أن تتابع: "كيف عرفتما بوجود يوجين؟". الثنائي أمامها تبادلا النظرات وأجابا معًا: "لقد قام بإنقاذنا".

"أوه، نسيت إخباركِ هذا، لقد تمكنت من التصدي لضربة الساحرة بشيءٍ أشبه بالطاقة ربما، خرج من يدي وكأني الرجل الحديدي. كان عليكِ مشاهدتي، كنت شديد الروعة! وحينها تمكن كلاهما من رؤيتي، ثم اختفيت مجددًا، وكأني أصبحت مرئيًا في هذه اللحظة فقط. غريب، صحيح؟" اقترب يوجين بينما تحدق به جلنار بفيهٍ مفتوح تحاول استيعاب الأمر.

"نسيت!" كررت جلنار الكلمة قبل أن تفقد صوابها صارخة في وجهه. "نسيت! هل تمزح معي؟ هل نسيت أن تخبرني عن فطورك هذا الصباح؟ نحن نتحدث عن كونكِ مرئيًا وعن قوة ما يمكنكِ استخدامها، ألا يبدو لك هذا أنه أول ما يجب قوله؟ الأهم بين كل التفاهات التي تفوهت بها منذ بداية اليوم؟".

زم شفتيه بتفكير قبل أن يحرك رأسه للجانبين قائلًا: "لم أظنه مهمًا جدًا، إن كان مهمًا لما نسيته، صحيح؟ أعني الجميع يتحول لبطلٍ خارق، ألا يحق أن يكون هناك شبح خارق؟ أتعلمين؟ تبدو فكرة مذهلة، شبح خارق! حتى مارفل لم تفعل شيئًا كهذا حتى الآن".

زفرت بتعبٍ وقد فقدت الأمل فيه تمامًا. "أنت مشروع فاشل، بجدية" تمتمت قبل أن تتحرك ذهابًا وإيابًا وهي تفكر بصوت عالٍ: "لمَ؟ أعني.. هل هذا طبيعي؟ بالتأكيد كان يجب أن تملك شيئًا كهذا من البداية، لمَ الآن؟ وكيف أصبحت مرئيًا؟ هل هو مقترن بتلك الطاقة؟".

ثلاثتهم راقبوا جلنار بصمت وهي تتحرك باستمرار، توقفت فجأة ونظرت نحو يوجين قائلة: "ربما علينا سؤاله!". رفع يوجين حاجبه يحاول فهم من تقصد قبل أن يتذكر الشبح العجوز إليف. "فكرة جيدة" تمتم، ولكن المشكلة في أين يمكنهم إيجاد هذا الشبح الآن.

"سؤال من؟" جوزفين استفسر باستغراب لتزم جلنار شفتيها تفكر في تفسيرٍ لأمر إليف، ولكن انتهى بها الأمر مع أبسط إجابة قائلة: "يصعب تفسير هذا". تقدمت نحوهما ونظرت بجدية تامة وحذرتهما قائلة: "لا يجب أن تخبرا شخصًا ما عن يوجين، أتعلمان السبب في إخفاء الأمر عن الجميع؟ هناك لعنة تحل على كل شخصٍ يحاول إخبار البقية عن مخلوقات هذا العالم الآخر، ستصيبكما هذه اللعنة".

ثونار كتفت ذراعيها بنظرة على وجهها توحي بـ (هل أنهيتِ هراء الأطفال هذا؟) لتزفر جلنار وتهتف: "ماذا؟". دحرجت ثونار عينها وردت بتهكم: "كم تظنين عمري بحق الله؟". رفعت جلنار كتفها وأشارت لجوزفين برأسها "هو صدق على الأقل".

التفتت نحو جوزفين الذي اصفر وجهه واتسعت عينه وهو ينظر برعب لجلنار. "هل أنت غبي؟ لا وجود لشيء كهذا" صاحت به ثونار ليخرج نفسًا حبسه بصعوبة وحاول الضحك قائلًا: "كـ… كنت أعلم".

"حسنًا، الأمر أني قلقة من ردود أفعالهم حول يوجين، أعني… أنتما تقبلتما الأمر ولكن جوزفين لا يزال مرتعبًا من وجوده…" قاطعها جوزفين بسرعة "غير صحيح!". الفتاتان مع يوجين نظروا نحوه بشفقة على كذبته الواضحة، تجاهلت جلنار نفيه وأكملت: "تعلمين أن الجميع في موقف صعب هذا الوقت ونحتاج إلى التركيز، كما أن وضع يوجين غير مستقر، لا أعلم ما يحدث معه وما يمكنه أن يفعل؛ لذلك لنترك الأمر سرًا بيننا".

نظرة الرجاء على وجهها أشعرت ثونار ببعض الذنب، لكونها كانت تفكر في إذلال جلنار بأمر الشبح هذا، لكنها تراجعت على الفور وابتسمت مع إيماءة بسيطة "لا بأس، يمكننا إخفاء الأمر حاليًا". اتسعت ابتسامة جلنار ونظرت لجوزفين تنتظر إجابته "لا تقلقِي، حتى إن أخبرت أحدهم سيصفني بالجنون".

تنهدت براحة وشكرتهما قبل أن تنظر ليوجين العاقد ذراعيه مبتسمًا "لكن علينا مناقشة أشياء أكثر أهمية حاليًا". التفتت نحو جوزفين الذي أصبح أكثر جدية وتابع: "كيف وصل اثنان من جنود ملك الظلام إلى هنا؟ من المفترض أننا على جزيرة محمية من أي نوع من التدخل الخارجي، الأمر أشبه بجدار لا يدخله سوى أشخاص معينون!".

فرقعت جلنار أصابعها وكأنها تذكرت هذا الأمر للتو "أنت محق!". ضحكت ثونار الساخرة جذبت انتباه ثلاثتهم وفسرت ببساطة: " الأمر بسيط، يبدو أن مصطلح السحر الأسود غير واضح لكم حتى الآن! إنه قوي، فتاك، ويمكنه إبطال أي تعويذة أخرى بكل بساطة، ولأننا تُكبلنا قوانين حمقاء منع علينا دراسة السحر الأسود؛ لذلك لا نملك أي رادع له حتى الآن".

لعن جوزفين تحت أنفاسه وعبث بشعره للمرة الثالثة بضيق. "لذلك تعلمت بعض تعاويذ السحر الأسود حتى وإن كان ذلك مخالفًا للقوانين، لن أقف أمام مشعوذة قد تقتلني لأن القانون ينص على تحريم السحر الأسود، سأحمي نفسي بأي طريقة كانت، وتلك الفتاة كانت تستعمل سحرًا أسود، ببساطة فتحت بوابة انتقال إلى هنا" رفعت كتفها في النهاية وهي تبدل نظرها بينهما.

"بالمناسبة..." نظرت نحو جوزفين الذي رفع رأسه منتبهًا لها "من ذلك الشخص الذي أخذت شكله في الغابة؟ ذلك الرجل الذي أوقف الليكان فجأة!"

اتسعت أعين جوزفين وكأنه تذكر للتو هذا الأمر وارتجف جسده مما دفعه لاحتضان ذراعه بشكل لا إرادي. "لا تذكريني، كان قرارًا لعينًا" تمتم وهو يشعر بتلك البرودة. "عن ماذا تتحدثان؟"  سألت جلنار باستغراب ليزفر جوزفين ويحاول التفسير قدر الإمكان:

"نحن يمكننا التحول إلى أي شكل نريد، يمكننا تغيير صوتنا للشخصية التي نتحول لها، يمكننا حتى تغير مشاعرنا وانفعالاتنا إن أردنا حتى نصبح نسخة مطابقة عن الشخصية التي نأخذ شكلها، لكن ما حدث اليوم كان مختلفًات، عندما لمست ذلك الليكان رأيت ذلك الرجل، كانت صورته واضحة تمامًا وكأن الليكان لم يفكر إلا به، إنه أشبه بسحرك، ثونار"

أشار نحو ثونار وبلل شفتيه يحاول تجنب تلك الذكرى السيئة وتابع: "من المستحيل أن يحدث ذلك مع المتنكرين! نحن لا نرى أشخاصًا عندما نلمس غيرنا، لكنني فعلت! شيء ما صرخ داخل رأسي بأن علي أخذ شكل ذلك الشخص، وعندما فعلت كان الأمر سيئًا، سيئًا جدًا وبالكاد أنقذت نفسي، لقد كان خاويًا! ذلك الرجل كان خاويًا من الداخل، لم أكن أشعر بشيء لوهلة، لا يوجد خوف أو حزن أو ألم أو سعادة أو استمتاع، فقط فراغ ضخم ورغبة ضخمة في السيطرة والنرجسية التي لم أشعر بها من قبل".

قبض يده بقوة ونظر لهما يحاول شرح الأمر ملوحًا بيده "لوهلة كنت أنا هذا الشخص، عندما نظرت لذلك الليكان، لم أشعر سوى بالتقزز! وذلك لم يكن أنا، وعندما قتلته لم أشعر بالذنب أو الراحة أو أي شيء آخر، كان الأمر أشبه بإلقاء زجاجة فارغة في القمامة وذلك الشعور يقرفني وبشدة، كان ذلك شنيعًا لدرجة دفعتني لإدراك أنني لست هذا الشخص وأنه على العودة لهيئتي بأسرع وقت ممكن".

لم يتمكن أحدهم من التعقيب على حديث جوزفين، وصفه للأمر وتلك التعبير المرتعبة على وجهه كانت تشرح كم كان الأمر مخيفًا وسيئًا. "كيف كانت ردة فعل الليكان؟" قطع صمتهم صوت أغدراسيل الذي تقدم لينضم لهم.

"أعتذر، لم أقصد التنصت ولكن بدا الأمر وكأنكم تتحدثون عن شيء مهم". حركت جلنار رأسها كـ (لا بأس) ليبتسم قبل أن ينظر لجوزفين بجدية وكرر سؤاله: "عندما أخذت شكل ذلك الرجل؛ كيف كانت ردة فعل الليكان؟".

ابتلع وهو يتذكر وجه الرجل الذي اختفى لونه فجأة وبدا مرتعبًا بشكل يثير الشك. "كان خائفًا، مرتعبًا وكأنه رأى شيطانًا وبدأ في محاولة لتبرير أفعاله، لقد كان مطيعًا بشكل مدهش" قال جوزفين مسببًا عقدة بين حاجبي أغدراسيل الذي بدا وكأنه يفكر في شيء مختلف.

"أجل، وهناك شيء آخر غريب" التفتوا ناحية ثونار التي تذكرت للتو ونظرت لجوزفين قائلة: "أتذكر ما قاله ذلك الليكان؟ لقد قال شيئًا عن الهجوم وعن تجربة فاشلة!". الجميع نظر لثونار بانتباه وأصرت جلنار قائلة: "حاولي التذكر جيدًا ما قاله، ثونار".

زمت شفتيها تحاول التذكر "لقد قال أن الرجل أمرهم بالهجوم، ولكن الليكان هجم باكرًا ليثبت أنه ليس بتجربة فاشلة!". أومأ جوزفين مؤكدًا ما قالته ثونار وقال: "بالضبط، هذا ما حدث تمامًا".

أقحم أغدراسيل يديه داخل جيوب بنطاله ووقف يفكر في شيء ما علق داخل ذهنه. "ما الذي يدور داخل رأسك؟" سألت جلنار لينظر نحوها لثوانٍ. "تلك الساحرة، هناك شيء غريب حدث لها" أفصح عما يشغله مما دفع ثونار للضحك والسخرية قائلة: "شيء غريب كتحولها لرماد في ثوانٍ على سبيل المثال". ابتسم لسخريتها وحرك رأسه للجانبين.

"قبل ذلك، عندما صرخت..." قال ليقاطعه جوزفين الذي رفع كتفيه قائلًا: "أليس هذا طبيعيًا؟ أن يترجى الشخص بفزع حتى لا يموت؟". أومأ أغدراسيل متفقًا وفسر: "ولكنك ستترجى عندما يكون هناك شخص يحاول قتلك، لم يلمسها أحدنا حتى! ولم نحاول قتلها! لقد كانت تعلم أنها ستتحول لرماد في هذه الثانية وقد كانت تترجى شخصًا ما حتى لا تموت".

صمت الجميع لوهلة وتبادلوا النظرات ولكن جلنار نظرت ليوجين خاصة وكلاهما يحاولان فهم جميع تلك المعطيات الغامضة. "أنت تقصد أنها تعلم أن الشخص الذي حولها لرماد يسمعها؟" أومأ أغدراسيل لجلنار لتلعن.

"هل لاحظتم أنها اختفت عندما أصبحت أسئلة كل من جلنار وأرتيانو أكثر تحديدًا وجدية" ثونار سألت ليتفق معها الجميع. "وكأن الشخص الذي كانت تترجاه لا يريد منها أن تتفوه بما تعرفه" تمتم جوزفين ولكنه صاح بيأس: "كيف بحق الله؟ لم يكن هناك شخص آخر معنا في المكان".

اتسعت عين ثونار قبل أن تصرخ وكأنها اكتشفت شيئًا مذهلًا: "إنه يشعر بها! شخصٌ ما، أعني ساحرة". نظرت للجميع، لكنها رأت نظرات الاستغراب وعدم الفهم لتحاول الشرح: "ربما هناك ساحرةٌ تعمل كوسيط، يمكن فعلها بسهولة لإبقاء شخصين على تواصل، إن كانت ساحرة قوية كفاية بإمكانها الشعور بما يشعر به الطرف البعيد وقد يصل الأمر لسماعها، وأحيانا إن كانت تلك الساحرة الوسيطة قوية كفاية يمكنها التحكم في الطرف الآخر، لذلك كانت تلك الساحرة تعلم أن هناك وسيط يسمعها".

ابتلعت في النهاية وقالت عندما لاحظت أنهم جديون بشكل مخيف: "تظل هذه مجرد نظرية!". كتف أغدراسيل ذراعيه وشاركهم أفكاره قائلًا: "إن كان هذا صحيحًا، فوجود تلك الساحرة بيننا كان ورقة رابحة! إنها أشبه بجهاز تجسس حي ونحن أدخلناه لمقرنا، لماذا قد يقتلها؟".

نظرت جلنار حولها تحاول إيجاد حل لهذا الأمر. "ربما كان هذا ما يريده ولكن..." رفعت عينها نحوهم وأكملت: "ولكن ربما أدرك أن تركها حية بيننا هو أسوأ ما قد يحدث، ربما المعلومات التي كانت تلك الساحرة تعلمها هي أكثر أهمية من التجسس علينا".

أكمل أغدراسيل استنتاجها قائلًا: "لذلك عندما أصابه شك في أنها قد تخبرنا بشيءٍ أو اثنين حتى إن كان عن طريق الخطأ قرر التخلص منها".

فكرة أن يتوغلوا حتى هذا الحد كانت مرعبة وسيئة جدًا لهم جميعًا، شعرت جلنار بالضياع، وكأن مئات الأفكار تملأ رأسها، وكأنها مقيدة تمامًا!

تنهدت ورفعت رأسها وقالت على مضض بينما تلتفت لتذهب: "أحتاج لتصفية ذهني قليلًا، جوزفين عليك تطوير قدراتك، أنت تحصل على شيء جديد هنا". ابتسمت له قبل أن تتجه نحو المنزل وتمحو تلك الابتسامة.

"جلنار!"

التفتت حيث أغدراسيل الذي هرول حتى يلحق بها "لا تجهدي نفسكِ بالتفكير بالأمر كثيرًا، أنت تستمرين بلوم نفسك مجددًا". ارتفع حاجبيها وأرادت الإنكار، لكن نظرته لم تترك لها مجالًا حتى تكذب. "أنت قائدة الفريق ولكن لا يعني هذا أن كل خطأ يحدث هو خطأك! جميعنا نتحمل هذه المسؤولية وجميعنا في هذا الأمر معًا".

وضعت ابتسامة صغيرة شاكرة له. "من الحسن الحظ أنك أحد أفراد هذا الفريق" قالت لتتسع ابتسامته وينحني انحناءة صغيرة نحوها هامسًا: "أنا دائمًا هنا من أجلك، حتى إن لم تتمكني من ملاحظتي، سأكون دائمًا خلف ظهرك".

بعثر خصلاتها في النهاية بينما هي حدقت به بذهول لثوانٍ قبل أن تتمالك نفسها وتنظر بعيدًا.

من الصعب إيجاد شخص كإغدراسيل، بل يبدو الأمر أحيانًا مستحيل. شخص سيخبرك دائمًا بوجوده وعندما تبتسم سيعلم أنك تقتل نفسك داخليًا، ليس في حاجة حتى تقف بجواره أو ترد الدين له هو دائمًا سيكون موجودًا.

التفتت نحو المنزل بصمت بعد أن ابتعد أغدراسيل عنها ملوحًا، ابتلعت تلك الغصة السيئة، كاد جوزفين وثونار أن يموتا اليوم! ماذا إن فقدت أحد أفراد هذا الفريق فجأة؟

هل ستقف وتنظر حينها نحو جثته؟ ماذا إن كان أغدراسيل وعوضًا عن رؤية ابتسامته سترى جثته؟ أو ربما رومياس أو حتى هارليك أو أي فرد لا يمكنها تخيل هذا المنزل بدونه!

فقط لأنها قائدة ضعيفة.

تجاهلت دعوة واندر لها لتتناول شيء وسحبت أحد معاطفها لتضعها فوق جسدها وتقحم يدها داخل جيوبه، وفتحت أحد الأبواب التي تأخذها مباشرة للساحة حيث السوق الذي افتقدته.

يوجين تبعها بصمت يعلم أنها ستتحدث وكان محقًا، توقفت عن المشي في ذلك الممر الضيق ذي الرطوبة العالية تضيئه بعض المشاعل ونظرت نحوه "ماذا علي أن أفعل بحق الله؟".

تنهد وربت على ظهرها يحثها على متابعة السير "لا شيء، جلنار! هجوم اثنين على المكان ليس خطأكِ، وجود جدار حول أراضي الحدود ليس خطأك، أنتِ تحاولين؛ لذلك توقفي عن لوم نفسك كما قال المجنح". زفرت بضيق وتحركت نحو السلالم المؤدية للسوق.

الحديث دائمًا سهل، ولكن التنفيذ هو الخطوة الأصعب.

مرت بالعديد من الأشخاص الذين ابتسموا لتحيتها على الفور وكأنهم معتادون على وجودها بالرغم من أنها لم تأتِ إلى هنا منذ وقت طويل. "أنهم معجبون بكِ كثيرًا" قال يوجين وقد نجح في رسم ابتسامة حقيقية على وجهها هذه المرة.

توقفت أمام ورشة الحدادة ونظرت للزحام المعتاد حول المكان.

هذه المرة لم يكن من الصعب على الفتى الواقف أمام طاولة المحاسبة أن يلاحظها؛ فقد اتسعت ابتسامتها ولوح لها حتى تقترب.

"أين كنتِ طيلة هذه الفترة؟" تحدث وكأنه على معرفة وطيدة بها، نظرت نحوه بحاجب مرفوع وأجابت بسؤال آخر: "هل السيد جولدامون في الداخل؟".

أومأ برأسه ولكنه قال: " الجميع هنا أصبح يعرفكِ جيدًا ولكنهم غير موقنين من أي أرض أنتِ، أراهن أنكِ من جولد أو نورث، صحيح؟ أو ربما جونري؟ تبـ..." جسده اندفع للأمام عندما ارتطمت يد جولدامون بظهره مسببًا اختفاء لون وجه الفتى.

"أنا أدفع لك حتى تعمل، يرونام، لا للثرثرة مع الزبائن" الفتى تجمد مكانه وأومأ معتذرًا ويكاد يصرخ ألمًا.

كتمت جلنار ضحكتها بصعوبة على عكس يوجين وأومأت لجولدامون كترحيب عندما نظر نحوها. "تذكرتني أخيرًا؟" بدأ حديثه معاتبًا بينما يمر من خلف طاولة المحاسبة. "دعينا نتحدث في الخارج، الجو خانق في الداخل" قال مشيرًا نحو الورشة التي كان صهد النيران يصدر منها.

"أنا حقًا أعتذر منك، لكن هناك مئات الأشياء التي تشغلني يومًا بعد الآخر، لن تصدقها حتى" تمتمت في نهاية جملتها وتنهدت بتعب ليحضر كرسيين خشبيين ويجلس كلاهما بعيدًا بعض الشيء عن صخب الورشة.

"تبدين مشتتة بشكل سيء" ألقى ملاحظته بينما ينظر لوجهها. "مشتتة!". كررت باستغراب ليومئ برأسه، نظر بعيدًا نحو شخص ما وقال: "دعينا نجلب لكِ شيء ساخنًا لشربه". لوح بيده ونادى بصوته القوي "جاري! أحضر كأسين من الجام الساخن".

لم تهتم جلنار بمحتوى المشروب على قدر حاجتها لشيء ما يهدئ أفكارها قليلًا. "الأمر معقد وأنت لا تعلم حتى شيئًا عمن أكون، لكن لسبب أجهله قدماي قادتني إلى هنا" قالت بصوتٍ منخفض وفركت كفي يدها معًا؛ فالجو بدأ يصبح أكثر برودة.

"أعلم أنكِ لستِ من هنا، ولستِ من أي مكان قد نعرفه" التفتت تنظر نحوه بينما رسم هو ابتسامة صغيرة واثقة. "أعلم أنكِ أكثر بكثير مما تبدين، ربما لست عالمًا بكل شيء ولكني أعلم جيدًا أنك تحملين مسؤولية ضخمة لها علاقة بالفرسان"

أصدر يوجين صفيرًا وتبعه قائلًا: "هذا الرجل ليس بأحمق على الإطلاق".

حاولت جلنار إخفاء اتساع عينها وتفاجئها بالنظر بعيدًا، تصرفاتها كانت واضحة منذ البداية، كانت تكشف نفسها في كل مرة.

"لا أطلب أن تخبريني عمن تكونين أو من أين أنتِ ولكن أردت منكِ معرفة شيء واحد..." توقف عندما تقدم نحوهما رجل نحيف ذو ملامح وجه لطيفة وأنف متورد وقدم لهما كوبين ساخنين من مشروب أصفر اللون.

نفث جولدامون حتى يبرد قليلًا وارتشف منه. "تناولي البعض سيريحك" قال مشيرًا للكوب بين يدها لترتشف منه مرة، ثم اثنتين باستحسان.

"ما الذي تريد مني معرفته؟" سألت ليبتسم وينظر نحو شخص ما ويقول: "لمَ لا ترفعي يدكِ وتلقي التحية على الفتى الواقف هناك؟". عقدت حاجبها متعجبة ليومئ بثقة.

تنهدت ونظرت للفتى الذي كان يقوم بالتحدث مع أحد زبائنه ويقنعه بشراء أحد الملابس، عينه ارتفعت عندما لاحظ أن أحدهم يراقبه وحينها ابتسمت جلنار ولوحت بيدها ببعض التردد.

الفتى اتسعت ابتسامته ولوح لها في المقابل ومن داخل المتجر خرجت امرأة تبدو أكبر سنًا تحدثت مع الفتى قبل أن تنظر لجلنار وتبتسم ملوحة.

"ما الذي حدث للتو؟" سألت وهي تنظر لجولدامون. "سأخبركِ بشيء ما، أيتها الصغيرة. منذ زمن بعيد نحن هنا فقدنا الثقة بالغرباء، نحن نعلم سكان الحدود فردًا فردًا وأي غريب بيننا أصبح علينا الحذر منه؛ فقد يكون من النبلاء، كذلك العامة! لا يثقون بأحد..."

أخذ رشفة من كوبه وعينه جالت على الوجوه البائسة من حوله ولكنها كانت راضية بشكل غريب.

"ولكن ما حدث للتو كان تبادلًا للثقة! أنتِ غريبة عنا، جلنار، لا نعلم من أنتِ ومن أين جئت، وبالرغم من ذلك جميع الأشخاص هنا يثقون بكِ، ألا يمكنكِ ملاحظة تلك النظرات التي يرمقونكِ بها عندما تدخلين السوق، وكأنكِ منقذة طال انتظارها" أردف قائلًا ونظر نحوها يراقب عينها التي حدقت بالأرضية ويدها التي انقبضت بقوة على الكوب.

"ولكنكِ تشعرين بالخوف، تشعرين بأنكِ لن تكوني قادرة على حماية جميع أولئك الأشخاص، ألست محقًا؟". أخرجت نفسًا ضعيفًا وأومأت برأسها بخفة وقالت: "أملك قوة لا أعلم عنها شيء، في كل مرة أخرج عن السيطرة أتمكن من استحضارها، ولكن لا أعلم كيف أتحكم بها! عندما أغضب وعندما أنفعل تخرج بقدر ضخم ولكني في الحقيقة لا أعلم كيف يمكنني التحكم بها واستحضارها عند حاجاتي لها وهذا يخيفني، ماذا إن لم أتمكن من حماية أحدهم لأنني لا يمكنني التحكم في هذا الكم من الطاقة؟".

ابتسم وربت على كتفها قبل أن يضغط عليه قائلًا: "تعلمي إذًا! لابد من وجود شخص أو اثنين يمكنهم إرشادك، إن بحثتِ لن يخيب ظنك أنا متأكد من هذا كتأكدي من ثقة جميع هؤلاء البؤساء بكِ، أنتِ كشعلة بالنسبة لهم، ينتظرون أن تقومي فقط بالحركة الأولى، وستتفاجئين بقدر أولئك الذي سيقفون خلفك".

رفعت رأسها نحوه بحيرة، هل سيملكون رد الفعل نفسها إن عرفوا من تكون بالضبط ومن أين جاءت؟

وكأن جولدامون قرأ التساؤل في عينها ليضحك ويتبع ضحكته قائلًا: "لا تقلقِي، لا نهتم كثيرًا حول من تكونين أكثر من حول ما تملكين داخل صدرك، نحن نهتم بقلب الشخص لا قالبه".

أخذ نفسًا قويًا ووضع كوبه جانبًا "أنتِ تسيرين على الطريق الصحيح، ولكن أولًا عليك الثقة بقدراتكِ كما تثقين بقدرات من حولك".

حديثه كان مفيدًا جدًا لها، كانت تعلم أنه الشخص الصحيح لتوجه إليه في وقت كهذا وقد كانت محقة، قد يبدو حدادًا ذا بنية ضخمة مخيفة وملامح قاسية ولكنه عكس ذلك تمامًا، إنه أكثر حكمة من الكثيرين.

"سيد جولدامون، إنه هنا" الفتى الذي يعمل في الورشة تقدم وهمس لجولدامون وبدا مرتعبًا نوعًا ما وهو يشير لشخص خلفه.

"ما الذي تفعله خارج ورشتك؟" صوت أحدهم دفع الفتى للابتعاد كما دفع الابتسامة على وجه جولدامون الذي نهض واقفًا ليغطي جسد جلنار تمامًا بحجمه.

"مرحبًا بكِ أيضًا" سخر الرجل وتحرك نحو الرجل الذي نهضت جلنار لتنظر نحوه. "أنت هنا لذات الطلب كالعادة؟" جولدامون سأل ساخرًا بينما ناوله الشخص سلاحيه.

"أتريوس!".

التفت كلاهما ناحية جلنار المتفاجئة وهي تحدق بهيئة أتريوس بينما يناول فأسيه لجولدامون. "ما الذي تفعلينه هنا؟" سأل باستغراب بينما جولدامون يبدل نظره بينهما. "تعرفان بعضكما؟" سألت جلنار جولدامون الذي أومأ وحمل حزام الفأسين على ظهره قائلًا: "أنا سأذهب لعملي بينما يمكنكما التحدث بينكما؛ فيبدو أن كلاكما يعرف الآخر حقًا".

ابتعد نحو ورشته وترك الاثنين واقفين مقابلًا لبعضهما. "إنه أشبه بالعفريت؛ يظهر في كل مكان" يوجين تمتم وهو يراقبهما.

تحرك أتريوس ووقف مستندًا للجدار متجاهلًا نظرات جلنار. "لم أكن أعلم أنكِ تأتي لورشة جولدامون" قالت وهي تقف بجواره مستندة على الجدار. "لا أستأمن الفأسين إلا معه، كما أنه ماهر" أجاب باختصار ليمر الصمت بينهما.

"هل أنت بخير الآن؟" سألت مسببة انعقاد حاجبيه. "لمَ لن أكون بخير؟" نظر نحوها باستنكار لتبادله النظرات قائلة: "أعني… ليلة الأمس أنـ..." ترددت بسبب نظراته اللا مبالية والباردة. "ما بها ليلة الأمس؟" فغرت فاهها غير مصدقة بينما تحدق به.

الإجابة الوحيدة على الأسئلة في عقل جلنار هي أن الرجل يملك انفصامًا لعينًا ولكنه لم يكن!

"أنت تمازحني الآن، صحيح؟". صوتها أصبح عاليًا ومنفعلًا؛ لذلك نظر بعيدًا وعقد حاجبيه وقال بانزعاج: "من الأفضل أن تعودي للمنزل". رفعت حاجبها وقالت بغضب: "ليس من شأنك، سأكون حيثما أريد".

رفع كتفيه وتمتم "افعلي ما تريدين ولا تزعجيني". قبضت يدها بقوة وقد كانت تشعر بالغضب دون أن يتدخل هو، ولكنه دائمًا يجعل الأمور أسوأ.

التفتت بصمت مبتعدة عنه وهي تكبت الغضب داخلها بينما وقف هو مكانه، ولكنه لم يستطع إبعاد عينه عنها.

عقد حاجبيه عندما لاحظ توقفها عن المشي لثوانٍ قبل أن تلتفت وتتجه نحوه بخطوات سريعة وأعين تحولت للون القرمزي بسبب غضبها.

"أتعرف شيئًا، أتريوس؟" أشارت نحوه وقلصت المسافة بينهما "اللعنة عليك، فلتتفحم وحيدًا في الجحيم".

عينه اتسعت بدهشة، ولكنها لم تكتفِ؛ لذلك ركلت قدمه بقوة والتفتت مجددًا بخطوات سريعة وقوية.

راقبها بصدمة لردة الفعل التي لم يتوقعها ومسح قدمه بتألم. "لقد لعنتك للتو!" جولدامون الذي تقدم ليقف بجواره وهو ممسك بالفأسين الذي قام بتحميتهما للتو قال بتعجب وعينه معلقة بظهر جلنار كأتريوس تمامًا.

"لقد فَعَلت" أجاب أتريوس متمتمًا، سحب الفأسين من جولدامون ودفع ثمنهما وانطلق يلحقها.

لقد كرر مائة مرة أنه سيتوقف عن النظر نحوها واللحاق بها والاهتمام بها ولكن الأمر كان صعبًا، وصعوبة خروجه من هذا الأمر كانت ترعبه، بشدة.

"هاي! توقفي" نادى بصوت عالٍ ما إن صعد السلالم نحو الساحة التي يملأها النبلاء.

توقفت جلنار والتفتت نحوه بنظرات غاضبة. "ماذا تظنين نفسكِ فاعلة بحق الله؟" سأل باستنكار لتضحك ساخرة "أركل مؤخرتك". ارتفع حاجباه واقترب أكثر منها "ألا تظنين أنكِ تبالغين؟". اتسعت عينها واقتربت منه أكثر بانفعال "أبالغ؟ نعم، أنا أبالغ، هل أنت سعيد الآن؟ أذهب واقضِ حياتك وحيدًا حتى تموت كعجوز تساقطت أسنانه من فرط البرودة".

"ما الذي يغضبكِ الآن بحق الله؟" صاح غاضبًا لتصيح في المقابل: "محاولتكِ اللعينة لإبعاد كل شخص يحاول التقرب منكِ لتصبح وحيدًا".

حدق كل منهما بالآخر وقد تناست جلنار أمر يوجين بالكامل الذي وقف ينظر لهما وهمس باستمتاع: "شجار! شجار! شجار!".

كاد يفتح فمه بشيء ما، ولكن الورق الذي تساقط حولهم في كل مكان دفعهما للنظر حولهما بتعجب والتقاط أحد الأوراق للنظر نحوها.

اتسعت عين جلنار عندما رأت رمز العنقاء وعلى الجهة المقابلة كتب بخط أحمر قانٍ: فليسقط الخونة ولتعِش المقاومة!

نظرت لأتريوس الذي بادلها نظرات الاستغراب، صوت صافرات عالية تسبب في إجفال الجميع، غطت جلنار أذنها بانزعاج ونظرت نحو الشاشات المجسمة الموجودة في كل مكان.

تشوش قوي أصابها قبل أن يصدر صوت حيوي وقوي: "مرحبًا بأهالي الإلترانيوس الأعزاء، وها قد عاد صديقكم ومحبكم من جديد، معكم هذا اليوم السيد (إي) من محطته المجهولة".

سكان الحدود بدأوا في الخروج من السوق والنظر للشاشات بفضول والامتعاض كان واضحًا على بعض وجوه النبلاء الموجودين في الساحة.

"تتساءلون عن ما سأحمله لكم اليوم؟ في الواقع أملك الكثير في جعبتي، ولكن علي الإفصاح عن القليل في هذا الوقت، ولكن لا تقلقوا من حق الجميع رؤية الحقيقة، سنكشفها سويًا".

اقتربت جلنار خطوة من الشاشات تستمع بإنصات لما يُقال…

"أخبرتكم سابقًا، أيها الأعزاء، أن كل شيء مقسم لما هو فاسد وما هو صالح، وهذا اليوم سنتحدث عن شخص بارز بين النبلاء، ربما لأنه أكثر من يكره النبلاء بالرغم من كونه فردًا منهم".

صورة لسيدة ذات ملامح هادئة وقوية عُرضت على الشاشات لتتسع عين جلنار وتتمتم: "سيدة كليسثينيس!". صوت تصفيق مسجل تلا ظهور الصورة قبل أن يعود الصوت للحديث: "أحسنتم التخمين، أعزائي، إنها سيدة العائلة النبيلة الأكثر قوة، السيدة كليسثينيس".

فترة من الصمت حملت توتر الجميع قبل أن يتابع: "جميعنا نعلم أن هذه السيدة التي تتصف بالنبل الحقيقي، قد وافقت على نقل السكان إلى أرضها بالرغم من جميع المعارضات التي وقفت في وجهها، لطالما حاولت التعاون وإيجاد التوازن بين النبلاء وباقي السكان ولكنها قوبلت بالكره ومحاولات التشويه المستميتة".

تنهد إي، ثم قال بنبرة يائسة: "في ظل ما يحدث، لا يتوقف الجائع عن الجشع، فقط سأترك لكم هذا التسجيل وحينها يمكنكم الحكم بأنفسكم، ففي النهاية أنتم الحكام عندما تعرض لكم الحقائق كلها على الطاولة".

تشوش صدر قبل أن يصدر صوت رجل ما مختلف عن صوت الفتى (إي).

"لا يمكننا الموافقة على شيء كهذا! نقل باقي سكان الحدود لأراضي النبلاء، إنها مهزلة" ارتفع حاجب جلنار وهي تسمع صوت سيد عائلة دول قبل أن يشاركه شخص آخر قائلًا: "إنها أراضي كليسثينيس، تفعل ما تريد بها!".

"لكنها تظل ضمن أراضي النبلاء وما تفعله ينعكس علينا كقادة، علينا إيقاف تلك المرأة عند حدها" صوت ثالث انضم للمحادثة، تأكدت جلنار من هوية الثلاثة على الفور.

"لنقم فقط بوضع الجنود على حدود الأراضي حتى يمنعوا دخول أي لعين من الحدود".

"لا يمكننا وضع جنودنا على أرضها، وكأننا نعلن الحرب عليها".

"ماذا تقترح أن نفعل إذًا؟".

صمت قطع ذلك الحوار وترقب الجميع مع ذلك الصمت قبل أن يقطعه صوت أحد القادة الذي قال:

"لندفع أفراد عائلة كليسثسنيس من النبلاء على التمرد ضد سيدتهم! وحينها سيقومون هم بطرد سكان الحدود وإيقافها عند حدها وربما أفضل، سيلقونها من منصبها".

عين جلنار اتسعت بقوة وعصرت الورقة بين يدها بغضب.

"هل سيفعلون؟ ربما يكرهون اهتمام سيدتهم بسكان الحدود، ولكني أسمع الحديث الدائم عن ثقتهم بها ومحبته لسيدتهم!".

ضحكة عالية تلت تلك الجملة وقال الشخص صاحب الضحكة براحة: "صدقني؛ هذا سيكون أسهل بكثير مما تتخيل، إنهم حمقى، ما إن تتحدث عن شرف النبلاء وعن الكبرياء والنقاء سيتحولون من أشخاص محبون إلى شياطين همجية غاضبة، صدق أنهم كالدمى! لقد تمكنا دائمًا من التحكم بهم وجعلهم ينبذون سكان الحدود طيلة قرون، لن يكون من الصعب التحكم بهم الآن".

وهنا توقف التسجيل…

صمت ملأ المكان وكأن السيد إي الغامض يترك للجميع فرصة للاستيعاب، النبلاء كانوا في صدمة حقيقية ولم يتمكن أحدهم من الحديث أو التعقيب عما سمعوه.

"لقد سمعتم الحقيقة بآذانكم، القادة لا يحترمون سوى ممتلكاتهم وأموالهم وحسب! أنتم جميعًا كالدمى، ولكني أرى عكس ذلك، يمكنكم إيقاف هذه المهزلة... أيها السكان، سواء كنتم نبلاء أو سكان حدود أو عامة، لقد تم دفعكم لكره بعضكم بدوافع حمقاء لتستفيد بعض الرؤوس الجشعة، لأنكم مجرد دمى بين أيديهم"

صوته علا بقوة قائلًا: "ولكن هذا يكفي! إنهم يلعبون اللعبة القذرة ذاتها مع الفرسان وسيلعبونها معي! أتعلمون لماذا؟". أصدر صفيرًا مستمتعًا وقال بنبرة غنائية: "لأنني... أكشفهم... شخصًا... وراء الآخر!".

ضحك قبل أن يقول: "رسالتي هذه موجهة لذلك الفرد الذي بين يديه القدرة على قلب الأمور، أثبت أنك تستحق ثقة الجميع، إن حدث تغير جذري بشكل مفاجئ فأريد من الجميع أن يعلم أن الفرسان هم مصدر للثقة، وأن الحرب ستشن ضدهم وسيكون دورنا لحمايتهم".

صمتَ الفتى لثوانٍ وانخفضت نبرته وقال بشكل جاد: "رسالتي لك أيها الفرد الأصفر! إن كنت جادًا حول هذه الحرب… ابحث عن حصان طروادة الخاص بك، هو سيوصل الرسالة لك".

لم يفهم الجميع الجزء الأخير وقد وقفوا مذهولون تمامًا يحاولون تفسير شفرته.

أما جلنار فظلت واقفة مذهولة مما سمعت، حصان طروادة، إنه يعرف، لقد كانت شكوكها صحيحة.

التفتت نحو أتريوس الذي سحب يدها وهمس بتساؤل: "حصان طروادة؟". كان يعلم أنها المقصودة، ولكنه لم يفهم ما صلتها بالفتى الغامض!

"وفي النهاية أريد أن أساعد قليلًا المساكين الذين يحاولن معرفة هويتي الحقيقة، لأنني أقوم بإشهار نفسي بذكر أسمائكم فسأقوم بإعطائكم تلميحًا بسيطًا، أنا من على الجميع أن يخشاه، أنا من على الجميع محبته والخوف منه، أنا القوي الذي يحصد احترام الجميع، وكراهيتهم خلف ظهره... حظًا موفقًا في إيجادي".

صوت رنة صدر قبل أن يقول: "كان معكم هذا الصباح السيد الرائع إي، أتمنى لكم يومًا مليئًا بالحقيقة وخاليًا من الخونة، تعايشوا بسلام".

صوت موسيقى صدح في الخلفية قبل أن ينقطع البث وتعود الإعلانات التجارية على الشاشات وتعود معها أصوات الجميع المتضاربة.

التفتت جلنار وسحبت ذراعها من قبضة أتريوس وانطلقت بخطوات سريعة نحو المنزل والغضب يتصاعد داخلها.

كان الأمر بينهما فقط! لقد كانت تملك شكوكها ولكن ظنت أنه إن كان هناك صلة بين أوكتيفيان وإي الغامض هذا لكان أخبرها، لقد أخبرته أنها تثق به، فذهب هو لشخصٍ لا تعرفه وأخبره بخطتها كاملة!

أتريوس تبعها على الفور لأنها لم تفسر أي شيء مما حدث ويوجين سبقهما محلقًا.

اقتحمت المنزل والتفتت حولها تبحث عن أوكتيفيان. "جلنار، هل رأيتِ الـ…" قاطعت لافيان على الفور وسألت: "أين أوكتيفيان؟". تعجب من انفعالها وتردد وهو يجيب: "خـ… خرج هذا الصباح، هل كل شيء بخير؟".

"لا، لا أظن" تمتمت وهي تتحرك نحو باب المنزل، ولكنه اندفع مفتوحًا وأوكتيفيان ظهر خلفه.

أغلق الباب ونظر نحو الجميع؛ فقد كانوا مجتمعين أمام الشاشة منذ دقائق.

"من الأفضل لك أن تملك تفسيرًا لعينًا، أوكتيفيان" قالت بغضب وهي تندفع نحوه ليأخذ خطوة للخلف. "اهدئي أولًا" قال قبل أن يرفع يده نحوها بظرفٍ قرمزي اللون بختم ذهبي يحمل رمز العنقاء.

"اقرئيها ويمكننا الحديث بعدها..." صمتت لثوانٍ عندما بدلت عينها بينه والظرف ليقول:

"أنتِ تعلمين مسبقًا، إنها من (إي)".


**********************************************

هالوووووو

عارفه والله ان الفصل متأخر اويييييي

بس بحاول قدر الإمكان اوازن بينه وبين دراستي وبالنسبالي الفصل يتأخر افضل من انه مينزلش

الناس الي بتعاني من امتحانات زيي وبتقرأ الفصول

احب اقلكم 

ربنا معاكم يارب

وخلوا عندكم دم واقرأوا الفصول بعد ما تخلصوا امتحانات 

هنسقطططططططط

لالا خير ان شاء الله بس ركزوا دراستكم اهم

انجوي بالفصول بعد ما تخلصوا

لوف يو 

باي

 

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

30 تعليقات

  1. كل شوية ادخل للمدونة وانتظر التحديث الحمد لله ما راح انتظاري هباء ❤❤❤👍👍👍مشكورة

    ردحذف
  2. ثالث تعليق 😂💖❤️❤️

    ردحذف
  3. يااااااخ كمية الحماااااااس شكراااا إسرااااااااء

    ردحذف
  4. شكراً على الفصل و موفقة في إمتحاناتك ي إسراء 🥺❤️

    ردحذف
  5. اخيراااااا يوجين ظهر 💃💃💃💃ومسنر اي

    ردحذف
  6. على رغم أني قارئة قديمة وعارفة الفصل هذا بس مو قادرة اوقف حماس وحماس اكثر للفصول الباقية متحمسة جدا للفصل الجديد الي محد شافه من بعد فصل ماضي اتريوس وانا احترق فعلياً 💜

    ردحذف
  7. حالتي بس خلصت روايه وصرت استنى مع الباقي 😭صرت احس بمعاناتكم كنت أقرأ يومي صبح مساء وبأي وقت هسا بستنى ع حمر ينزل الفصل 😭ونرجع نبدأ 🦋

    ردحذف
  8. مساء الخير ممكن سؤال كيف الاقي باقي الفصول شكرا

    ردحذف
    الردود
    1. بخانة البحث اكتبي رقم الفصل كتابياً ويطلع الك

      حذف
  9. الفصل ذكرياتتتت يجنن😭💙

    ردحذف
  10. الفصل جاااااااامد♥️🔥💃

    ردحذف
  11. و تم إنهاء الفصل بطريقة مثير لمشاعر غريبة و الآن اصبت بالجشع رغبة بالمزيد 😭😭😭😭

    ردحذف
  12. متحمسة للفصل الجاي ، فصل الحرب التانية

    ردحذف
  13. ♥️♥️♥️♥️♥️♥️

    ردحذف
  14. حمااس ♥️♥️
    انا و انا بقرأ الفصل و عندى امتحان بعد ساعتين 🙂😂😂😂😭

    ردحذف
  15. قلبي قاعد ي بادوم بادوم

    ردحذف
  16. العد التنازلي اربعة 🔥

    ردحذف
  17. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  18. باقيلي بكرا ويوم السبت واخلص ميدترم وافضى للروايه
    هتخلصي امتى يا اسراء؟

    ردحذف
  19. هل فصل لي رح تجتمع فيه جلنار مع قادة كواكب قريب ولا لسا؟

    ردحذف
  20. معك حق الصراحة لازم يبقى عدنا دم وندرس وخص نص انا ،بس غيرل حموت كل بارت احلى من الثاني ولا كأني قارييتهن قبل 😁💜💜💜💜💜

    ردحذف
  21. الفصل يجنن...استمتعت بيه💞💞كما هو متوقع ملح الروايه هي علاقة يوجين و جلنار..يموتون ضحك😂😂💓💓💓💓

    شكرااا على البارت الرائع بأنتضار البارت القادم على احررررر من الجمر و بالتوفيق بدراستك💌💌💌💌

    ردحذف
  22. اقرة الفصول كأني أقراهم للمرة الاولى

    ردحذف
  23. يمه الحماس سس فوبللللل

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال