الفصل السابع والأربعون | طبول الحرب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ونفس لا تشبع وعلم لا ينفع ودعوة لا يستجاب لها".

إفصاح آخر "المحبون يعذرون أنفسهم، ولكنهم لا يعذرون غيرهم، إن عواطفهم تبرر كل جنونهم، وتقصر عن أن تبرر جنون الآخرين". إحسان عبد القدوس

مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل السابع والاربعون 


هناك لحظاتٌ تسبق بدء المعارك دائمًا...

لحظاتٌ من التوتر!

لحظاتٌ من التساؤل والخوف…

لحظاتٌ من التردد…

ولحظاتٌ من الشجاعة والإصرار.

تُتلى الصلوات وتغادر الدعوات إلى السماوات...

وعندما يسبق الهدوء العاصفة...

تتسابق الأنفس وتترصد الأعين...

حتى لحظة الصفر.

اللحظة التي تتوقف فيها القلوب عن النبض لثانيةٍ…

وتتوقف معها الأنفاس...

ويتوقف كل صوتٍ آخر في العالم احترامًا للحظة البداية.

لحظة البدء...

تلك اللحظة التي صرخت فيها جلنار بأقوى صوتٍ تملكه وقد أعطت إشارة البداية لأحد أكبر المعارك التي بالتأكيد لن تغادر أذهان السكان ولا ألسنة الأجيال.

وعندما صدح صوتها في المكان قاطعًا الصمت بعنف:

"اكــــســـروا الــــحـــــاجـــز!".

انفجرت قلوبهم وتعالى صوت سليل السيوف واختلطت الأنفاس ولم يكن هناك أي هدوء بعد هذه اللحظة...

فالعاصفة قد بدأت!

مئتا ألف ساحرةٍ بقيادة أقوى ساحرتين في مملكة الساحرات تعالت أصواتهن في نفسٍ واحد ووتيرةٍ تعالت شيئًا فشيئًا...

كانت الترنيمة تدخل الرعب في قلوب كل من يسمعها لشدة قوتها ولقوة أصواتهن المتلاحمة.

كل ساحرةٍ أمسكت بيد من تجاورها وفي منتصفهن يدًا بيدٍ كانت الملكة والفارسة يرددن معًا في صوتٍ عالٍ تتبعهن الساحرات:

" أيها العائد من الرماد...

  أيها الملعون بالظلام...

  بحق كل نفسٍ سفكت دمائها...

  بحق كل روحٍ سمعت عويلها...

 سنغسل أيدينا بالماء والدماء...

 وسنكسر حُلكة الليل بالضياء...

 وستعلو ترنيمة الموت بين السماوات…

 لأجل التضحيات...

 لأجل الخطايا وقتل المعاناة...

 ليستيقظ الغضب المدفون...

 لتشتد العاصفة بين الصفوف...

 وليشهد التاريخ على موتنا...

 فاليوم سنستعيد ما هو ملكنا...

سنستعيد ما هو ملكنا…"

تعالت الأصوات بقوةٍ واشتد الهواء حول المقاتلين ودب الرعب في قلوبهم لمنظر الساحرات تحيطهن هالةٌ ضخمةٌ وسوداء تشتد وتدور بقوةٍ حولهن.

أصواتهن التي اختلطت بصوت العاصفة كانت مهيبةً ومثيرة للفزع.

"سنستعيد ما هو ملكنا…

سنستعيد ما هو ملكنا"

تمتمت جلنار قبل أن يعلو صوتها مع الساحرات، ودون إدراكٍ كان الفرسان جميعًا يرددون الجملة ذاتها بقوةٍ وغضب.

وكالوباء بدأت الصفوف الأمامية تردد في نفسٍ واحد ووتيرةٍ واحدة مع الساحرات: "سنستعيد ما هو ملكنا!". وبدأت الجملة تتردد على أفواه الصفوف حتى صرخوا معًا في نفسِ واحد وأقدامهم تضرب الأرض بقوة.

جميع السكان المجتمعون في الأراضي الوسطى كانوا في ذهولٍ وهم يشهدون العاصفة السوداء التي ترتفع بمسافةٍ عالية حول الساحرات وصوت الجنود بدأ يصل الأراضي المجاورة لقوته وقد بدا لوهلة أن الأرض تهتز تحت أقدامهم ما دب الرعب والخوف في قلوب الجميع.

بقلبٍ مهتزٍ وقفت واندر تنظر للمظهر المهيب وصلت بكل ما تملك من إيمان: "فليحفظنا الإله".

وكأن قوة المقاتلين وأصواتهم كانت تدفع الساحرات بشكلٍ أكبر، لم يشهد المقاتلون على تعاونٍ كهذا إلا منذ قرونٍ مضت في تاريخ الإلترانيوس!

كانت العاصفة التي اختلط غبارها الأسود مع بريق البرق وصوت الرعد تهاجم الحاجز وبقوة، ومع كل مرة تعلو أصواتهن تضغط كل واحدةٍ على يد الأخرى لتستمد القوة منها.

صوت تشقق الحاجز دفع الحماس داخل قلوبهم وبدا وكأن المخلوقات جميعها تصرخ معهم وبقوةٍ حتى صدح صوت انكسار الحاجز وتفتته إلى أجزاء تبعثرت في المكان بالكامل قبل أن تتبخر مظهرةً وأخيرًا المدن الثلاث التي تم احتجازها خلف الحاجز.

لم يكن هناك أي وسيلةٍ للتراجع الآن، إما أن تنتصر أو أن تموت!

انقشعت العاصفة وسكتت الساحرات وراقب الجميع بترقبٍ ما سيحدث تاليًا.

بالرغم من أن هذه كانت أكثر المعارك المفاجئة والتي لم يكن يجب أن يعلم العدو بحدوثها فإن الإريبوس على ما يبدو كانوا مستعدين لخوض هذه المعركة.

فقد كان على حدود مدينة بينيفيا جيشٌ ضخم مكون من أعدادٍ هائلة من الإريبوس والمستذئبين والليكان والكثير من الساحرات، وقد كانت مفاجئة عندما لاحظوا وجود مجنحين بين جيش العدو!

جميع قوى الظلام كانت تميزهم علامةٌ واضحة، أعينهم كانت سوداء بالكامل بسبب اللعنة التي تستحوذ عليهم وربما للشمس تأثيرٌ بذلك.

مشكلة جلنار حاليًا تحكمهم في الظل مع وجود الشمس في منتصف السماء، هذا سيصعب الأمر عليهم حقًا.

صمتٌ ثقيل مر بين الصفوف كان لثوانٍ ولكنه بدا للجميع كساعات، علمت جلنار جيدًا أن عليها إعطاء أمر الهجوم. نظرت نحو قائد الجيش العسكري نيكولاد غانفري ليبادلها نظرةً صارمة ويومئ برأسه كموافقة!

أخذت نفسًا قويًا قبل أن ترفع سيفها الذي اشتعل بنيرانها وصرخت بقوةٍ وصوتٍ ملأ المكان: "اهـــــجـــمـــوا!".

ذلك الإذن بدأ كل شيء!

وقد كان قويًا ومهيبًا.

الأحصنة كلها تحركت وصهيلها ارتفع في تزامنٍ مع صوت السيوف وزئير المخلوقات التي هجمت بأمرٍ من تينر جام على المجنحين والساحرات.

ضربت جلنار حصانها بقوةٍ وتمسكت بلجامه بينما تحرك جسدها بعنفٍ فوق ظهره. "كارولوس، تكفل بأمر الصفوف الخلفية وحولهم إلى رماد!" صرخت جلنار بقوةٍ وهي تلوح بسيفها لكارولوس الذي زأر بقوةٍ وصوته دفع المئات للركض بعيدًا عنه، ولكنه حلق مباشرةً نحو الصفوف الخلفية لتنفيذ أوامر جلنار.

كانت جلنار في مقدمة جيشها وكانت أول الملتحمين في هذه المعركة، تضرب بسيفها لتقتل كل شخصٍ يملك أعين سوداء يقف في وجهها.

غرزت سيفها في قلب أحدهم وأشعلت النيران في الآخر.

وفجأة وجدت نفسها تُلقى بعيدًا فوق الأرضية بشكلٍ قاسٍ وحصانها يحلق من فوقها قبل أن يُقسم لنصفين أمامها.

عندما نهضت ونظرت حولها اكتشفت أنها لم تكن الوحيدة التي تعرضت إلى هذه الضربة القوية؛ فكان هناك ما يفوق الثلاثين جنديًا ملقون من حولها.

"أوه، هل فاجأتك! أردت الانتظار قليلًا ولكن بالله عليكِ، أنا متحمسٌ جدًا لرؤية قوتك الحقيقة بالفعل"

رجلٌ ذو ابتسامةٍ واسعةٍ وشعرٍ أسود اللون وبشرةٍ سمراء وبِنيةٍ قوية صفق بحماسٍ وهو ينظر لجلنار خاصةً من بين الجميع.

صدره العاري كان يظهر ندبتين قويتين وواحدةً على كتفه، ولكن ما جذب انتباه جلنار أن عروقه بالكامل كانت سوداء بشكلٍ سيء وبارزةً ممتدة نحو عينه التي اختفت حدقتها شيئًا فشيئًا وحالت للونٍ أسود كامل، وقال بنبرةٍ ثقيلة: "هل لنا أن نلعب قليلًا؟".

قبل أن تصدر جلنار رد فعلٍ كان جسدها قد تم سحبه بقوةٍ نحو الرجل ليركل معدتها بقدمه.

لم تكن ركلةً بسيطة؛ فقد شعرت جلنار بتمزق أمعائها ورغبةٍ في تقيؤ أي شيءٍ يحتويه جسدها، وقبل أن تستعيد أنفاسها تجمد جسدها قبل أن يرتفع من فوق الأرضية ويُقذف بعيدًا لترتطم بخمسة جنود آخرين.

لم تكن هناك فرصة لتتنفس أو تنهض، كانت تلقى بقوةٍ وقبل أن تنهض كان جسدها يرتفع ويلقى مجددًا في مكانٍ ما!

خمس مراتٍ متتالية، كانت كدميةٍ من القماش البالي.

بصقت الدماء خارج فمها وأصدرت أنينًا متألمًا؛ فعظامها كانت تتحطم مع كل ضربة. "ما اللعنة؟" هسهست بينما تحاول النهوض ونظرت نحو الرجل الذي كان يتثاءب وهو يتجه نحوها بينما يلف حول أصابعه شيئًا أسود! ظلها!

"هذا ممل! سمعت الكثير عنكِ مما رفع سقف آمالي، حتى أنكِ بترتِ يد فيكتور! هل فيكتور ضعيفٌ أم أنكِ فقط قفدتِ لمستكِ، عزيزتي؟".

داس ظهرها بقوةٍ وضغط عليها لتصطدم بالأرض بقوةٍ بعد أن كانت على وشك النهوض، ثم انحنى نحوها ليسحب خصلات شعرها ويرفع رأسها للأعلى قسرًا وقال وهو ينظر معها نحو المعركة الدموية: "انظري جيدًا! إنهم يموتون، واحدًا تلو الآخر... أتعلمين لما؟ لأنكم ضعفاء، صغيرتي… أنتم عارٌ علينا محوه، لا يمكنكم مقاومة هذا! نحو المستقبل...".

صاح ضاحكًا في النهاية ليسحب شعرها بقوةٍ أكبر مشيرًا للكائنات المشوهة والتي كانت يومًا ما من المستذئبين والليكان ويصرخ بهستيريةٍ قائلًا: "انظري إلى هذه المخلوقات البديعة، انظري إلى المعجزات التي يمكننا تحقيقها... إنهم يعلمون المعنى الحقيقي للحياة،  إنهم جميلون ومضحون، وسيجعلون كل لعينٍ منكم يدفع الثمن، ألم يأسر قلبكِ جمالهم؟".

جمعت قبضتها قبل أن ينفجر جسدها بالنيران في كل مكان، وعندما قفز ليبتعد عنها استغلت هذا ودفعت جسدها نحوه ممسكةً بعنقه، واستعملت الرياح لتعطي دفعةً قوية لجسدها حتى تصدم رأسه بقوةٍ بالأرضية "أتعلم، أيها الثرثار الأحمق؟ بالرغم من أنه من المريع تحمل ثرثرتك فقد كنت غبيًا كفاية لتعطيني الوقت حتى أستجمع قوتي".

ملامحه تحولت لابتسامةٍ ضخمة "حقًا! إذًا هل تعدين بقتالٍ جيدٍ هذه المرة؟". كان من المفترض أن يكون موقفه سيئًا، لكن بدا العكس لجلنار.

وكانت محقةً في شعورها، لأنه مجددًا تم دفعها بعيدًا ولكن هذه المرة تجمد جسدها وشعرت به يُضغط بقوةٍ وكأن قبضةً تلتف حولها وتحاول تحطيم جسدها.

"رفاق، لدينا مشكلة! ذلك المجنون من الشياطين الثلاثة والمسمى بـجانغو هنا، إنه أحد أقوى متحكمي ظلال، لا تدعوه يقترب من ظلالكم!" صوت ثونار اقتحم أذن جلنار فجأة لتتذكر السماعات التي أعطاها لها لافيان سابقًا.

"مـ… متأخر جـ… جدًا، ثونار... أظن أن... تبًا… ضيفنا يقوم بالترحيب بي" سخرت جلنار وهي تقاوم بصعوبةٍ شعور الاختناق والضغط على جسدها.

"تبًا، جلنار! هل تقاتلينه؟" صراخ أغدراسيل الذي كان يتنفس بصعوبةٍ فجر أذنها لتصرخ بالمقابل: "وكأن الأمر اختياري بحق الله!".

صرخت بقوةٍ عندما سمعت صوت عظامها تكاد تتحطم. "ممتع، صحيح؟ وكأنكِ دميةٌ صغيرة بين يدي! تعاملون الظل وكأنه مجرد وهم، ولكنه أكثر حقيقةً منكم وأكثر متعة!" صاح جانغو باستمتاعٍ وهو يقبض على ظل جلنار بيده وباليد الآخر يتحكم بعشرين ظلٍ آخر لمقاتلين آخرين ويعبث بهم كما يريد.

"جلنار، اقطعي ظلك"

صوت أتريوس تدخل أخيرًا ولكنه -عكس البقية- كان هادئًا، لم يكن يصرخ أو يلهث.

قطع الظل!

كان عقلها مشوشًا في هذه الحالة، لكنها شتمت غبائها وتذكرت أنها قادرةٌ على التحكم بظلها إذا تحكمت بمصدر الضوء؛ أي النيران...

فجرت النيران من كامل جسدها لتتحرر أخيرًا وتلتقط أنفاسها بعد أن كانت تشعر بقفصها الصدري يتداخل مع عضلات قلبها لشدة الضغط.

عينها القرمزية ارتفعت بغضبٍ نحو جانغو الذي تفاجأ لثوانٍ من تحررها، نهضت على قدمها وجمعت قبضتها بقوة "لنرَ كيف ستتحكم بالظلال بينما النيران تحيط بك".

ضربت الهواء بقوةٍ لترتفع موجةٌ مرعبة من النيران مع حركة يدها تصيب كلٍ شخص في طريقها، وكادت تصيب الهدف إلا أنه اختفى!

"مـ… ماذا؟"

تمتمت وهي تبحث حولها بصدمة ولكنها لم تتمكن من لمح جسده حتى. "هل تخلصت منه؟" لم تكن مقتنعةً بهذا، نبرة ثونار كانت تشير إلى أنه شخصٌ خطر!

لكمةُ قوية أصابت وجهها لتلقي بجسدها أرضًا، وقبل أن تدرك ارتفع جسدها من فوق الأرض واصطدم بأحد جدران المنازل المتهالكة الموجودة على الحدود.

"شكرًا لأنكِ تمدينني بالضوء" صوتٌ همس داخل أذنها قبل أن تتعالى ضحكةٌ ذلك الشخص من اللا مكان ويركل جسدها.

وحينها أدركت جلنار أنه لم يختفِ، لقد تحول إلى ظل!

لم تكن تملك أي خطةٍ لمواجهته أو كيفية هزيمته؛ لذلك كان الحل المنطقي أن تتجنب القتال معه. نهضت من مكانها وقبل أن يصيبها ظله مجددًا صنعت كتلةً صخرية وحركتها بواسطة الرياح لتقفز فوقها وتبتعد عنه قدر الإمكان.

"رفاق! لدينا مشكلة..." قالت وهي تنظر خلفها حيث كادت تُقتل منذ الدقائق الأولى للمعركة.

"فليخبرني أحدكم كيف نقاتل ظلًا"

اللعنات التي استمعت إليها كانت توضح أن الجميع أدرك أنهم في ورطة.

"لننظر للجانب المشرق، إنه يستهدف جلنار فقط" صوت أرتيانو ذو الأعصاب الباردة قال دون أدنى ذرة اهتمام. "أتمنى أن يتم دهسك تحت الأقدام حتى الموت، أرتيانو أ..." صرخت به ولكن لم تتمكن من إكمال جملتها لأن الجسد الذي اندفع نحوها أسقطها من فوق الصخرة المحلقة وأوقعها أرضًا بقوة.

"أوه! لقد ماتت" علق أرتيانو بكل بساطةٍ قبل أن يتجنب ضربةً كانت موجهةً نحوه لتصيب شخصًا آخر ويخر ساقطًا.

تأوهت جلنار ودلكت رأسها الذي اصطدم بالأرضية بألم، ثم أبعدت الجسد الملقى فوقها لأحد جنود الإلترانيوس. "انظروا من لدينا هنا" صوت امرأةٍ دفعها للنظر أمامها باستغراب.

مجموعةٌ من الساحرات حلقن حولها وأعدادهن كانت تصبح أكبر، حتى تحولت الدائرة إلى أربعين ساحرة تقريبًا مستعدة لقتلها. "أوه، أرجوكم! هناك قزمٌ بشعرٍ أسود يظن أنكن ضعيفاتٌ وعديمات الفائدة، لمَ لا تذهبن لقتله؟" صاحت بتذمرٍ وهي تنهض على قدميها وتنظر لأعينهم السوداء.

"أليست ابنة التوبازيوس؟ لقد أخبرنا جانغو أنها لعبته!" إحداهن قالت لتجيب الفتاة التي بدت أقوى منهن وأكثر شراسة: "لا أهتم! سأقتلها بيدي وسأرسل رأسها للملك".

تلت الساحرة إحدى تعاويذها قبل أن يتدفق سائلٌ أسود من يديها نحو جلنار، لكنها على الفور تجنبته ومنعته من لمسها. "ما لعنتك؟" تمتمت بتقززٍ عندما لاحظت أنها دماء!

على الفور تحكمت جلنار بالمئات من الأغصان التي هاجمت الساحرات من تحت الأرض، قفزت فوق إحدى الصخور التي كادت تصيبها وأطلقت الرياح بقوةٍ لتضرب أجساد خمسةٍ منهن.

كانت تحاول بصعوبةٍ صد الضربات التي ترسلها تلك الساحرة والتي كانت تشبه كرات الدماء التي تنفجر ما أن تلمس جسمًا ما.

ضربت إحدى كرات الدماء بكرةٍ أخرى من الماء لتتشتت الضربة، وحركت يدها لتحرق وجه إحداهن بالنيران حتى تبتعد عنها، مقاتلة هذا العدد من الساحرات وكل واحدةٍ تمتلك قوةً مختلفة كان صعبًا.

دون أن تنتبه كانت إحداهن تقف خلفها، وما أن فتحت فمها حتى انطلقت صرخةٌ قوية أجبرت جلنار على أن تجثو على ركبتيها وتحاول سد أذنها التي كادت تدمي لحدة الصوت. مئات السلاسل الحديدة عبرت من خلال الأرض الصلبة وقيدت جسدها بقوة، ثم تقدمت تلك الساحرة التي تستعمل هجمات الدماء نحو جلنار العاجزة.

"ما أن تصابي بقطرةٍ واحدة من دمائي… أتعلمين ما سيحدث؟ سأتحكم بجميع الدماء داخل جسدك وسأسحبها ببطءٍ للخارج حتى تحصلي على أكثر موتةٍ بشعة ومؤلمة، أيتها المتبجحة".

صكت جلنار على أسنانها بقوةٍ قبل أن تصرخ بقوة: "آركــــون!".

دائمًا ما كانت جلنار ممتنةً لاستجابة مخلوقاتها لندائها بأسرع وقتٍ ممكن، ولم يخذلها آركون في ذلك لأنه في خلال دقيقةٍ قفز داخل دائرة الساحرات وزأر بقوةٍ دفعتهن للتراجع خطواتٍ للخلف بفزع.

"اقضِ عليهن" أمرت جلنار ليزمجر بغضبٍ وتتحطم عظام جسده ويتضخم حتى تحول لهيئته المتوحشة التي تعرفها الساحرات جيدًا. "يا إلهي، إنه جانديموث!" صرخت إحداهن وهي تتعثر في خطواتها، وعندما كدن يهربن... على الفور كان آركون يمزقهن واحدةً تلو الأخرى بأنيابه وبغضب، لا أحد يحق له أذية سيدته، خاصةً الساحرات.

ظهور آركون بهذه الهيئة لم يفزع فقط الساحرات اللواتي حاوطن جلنار، بل أفزع جميع الساحرات الموجودات في هذه المعركة في الطرفين وحاولن تجنبه قدر المستطاع، ولكنه كان يعلم هدفه جيدًا، سيدته أرادت قتل ذوات الأعين السوداء وهذا ما سيحدث.

"لا تخفن، أيتها المقاتلات! إنه تحت إمرة ابنة التوبازيوس، قمن بحماية الجانديموث ولا تسمحن ببقاء ساحرةٍ واحدة من الخونة على قيد الحياة!" صرخت ثونار بقوةٍ في الساحرات ليستجمعن شجاعتهن ويقاتلن مع الجانديموث.

"لا تمت، آركون!"

صاحت وهي تركض بعيدًا عن دائرة قتاله ليزأر كدليلٍ على ثباته ضد ساحرات الظلام.

"ما زلتِ حية؟" سؤال جوزفين الغبي دفعها لشتمه قبل أن تتلاحم مع أحدٍ من الإريبوس الذي داس على ظلها لتتوقف عن الحركة. كان الأمر سهلًا، كل ما عليها أن تطلق النيران فتشتت الظل بعيدًا عنه، وفي ثانيةٍ من تشوشه تقوم بطعنه بأحد الأغصان.

"يووهوو! تقابلنا مجددًا" اتسعت عيناها والتفتت نحو جانغو الذي كانت ابتسامته أكثر ابتسامةٍ مستمتعة قد رأتها من قبل.

قبل أن يقوم أحدهما بأي حركةٍ اتسعت عينا جانغو وتحول لظلٍ في ثوانٍ، لكن قبل أن يتمكن من ذلك أصاب كتفه فأسٌ انطلقت بسرعة البرق باتجاهه.

"لدينا حملٌ زائد هنا! متعةٌ مضاعفة إذًا" صوته الذي أصبح مزعجًا جدًا لجلنار قال قبل أن يتحرك نحو أتريوس بسرعةٍ ويلكم وجهه. "الالتحام معه فكرةٌ سيئة" صاحت جلنار بأتريوس الذي تلقى ضربةً أخرى سيئةً على فكه، ولكنه نظر نحوها وصاح: "خلفكِ!".

التفتت بسرعة وصدت الضربة التي كانت موجهةً نحوها من أحد الليكان المتحولين، زأر الليكان في وجهها بقوةٍ ومخالبه أصابت ذراعها عندما حاولت الدفاع عن نفسها.

حولت قبضتها إلى حجرٍ صخري قوي ودفعت النيران داخل ذراعها لتجعل ضربتها أقوى، ولكمت معدة الليكان ليُقذف بعيدًا.

التفتت للخلف، لكنها لم تجد أتريوس أو جانغو حتى!

صوت لكمةٍ قوية دفعها للنظر للناحية الأخرى، كان يوجين واقفًا بينما يمسك يده وهو يتألم والليكان ملقى أمامه بفكٍ يحمل كدمة "تبًا، جلنار! اللكم مؤلمٌ أكثر مما تخيلت!".

"أين كنت بحق الله؟" صاحت به ليدلك يده متألمًا ويقول: "أتجول وأبحث عن عربة المثلجات، أين سأكون بحق الله؟ لقد كنت أبحث عن السكان في المدينة كلها، ولكن هناك خطب ما...".

اتسعت عيناه عندما لاحظ المجنح الذي حلق بسرعةٍ باتجاه جلنار، وقبل أن يقوم بتنبيهها حركت يدها للخلف مطلقةً رياحًا تحمل موجاتٍ قوية من النيران التي أشعلت جناح الرجل وألقته بعيدًا. "ما الخطب؟" سألت يوجين الذي بدل نظره بينها والمكان الذي كان المجنح يحلق فيه للتو ليتمتم: "أنتِ تتحسنين في هذا".

"يوجين، ما المشكلة؟" فرقعت أصابعها أمامه حتى يتوقف عن تشتيت تركيزه.

"أوه، أجل! المشكلة، صحيح! المشكلة أنني لم أجد مواطنًا واحد!"

"ماذا تعني؟"

"أعني: لا أحد! المدينة بأكملها مكونةٌ من منازل محطمة أو مهجورة، ولا يوجد شخصٌ واحد داخل بينيفيا"

شتمت جلنار وشعرت بأن أكبر مخاوفها قد تتحقق وأنهم قد تأخروا بالفعل. "ماذا عن هايبر وجولد؟" سألت بشيءٍ من الأمل، لكن يوجين أحبط ذلك الأمل عندما هز رأسه قائلًا: "حاولت البحث وحلقت إلى هناك ولكن لا يوجد أحد، لكن لا تظهري هذا العبوس، الشيء الجيد أني لم أجد جثثًا أيضًا".

فكرت جلنار لثوانٍ… لا أشخاص ولا جثث، إذًا أين أثر السكان بحق الله؟

كادت تتحدث، لكنها سكتت عندما سمعت رنينًا وصوتًا بعده لجوزفين الذي قال: "رفاق، فقط للتأكد، هل الظل الذي تحدثتم عنه شخصٌ أسمر البشرة وبابتسامةٍ مريبة؟".

تلقائيًا تحركت عين جلنار بين المقاتلين كأنها سترى جوزفين. "نعم، إنه هو! هل تراه؟" سألت جلنار ليضحك جوزفين ضحكةً أشبه برجلٍ يموت وقال: "إنه فقط يحدق بي بتلك الابتسامة، أتظنون أن هناك فرصةٌ لأن يكون معجبًا بي ولا يريد قتلي؟".

ضحكت ثونار وأجابت: "نعم، في الجحيم ربما. بالمناسبة، جلنار! لم أكن أعرف أن حيوانكِ الأليف سيكون في صفي يومًا". دحرجت جلنار عينها وقالت: "لا تقاتله، جوزفين! اهرب وتنكر بشكل أي شخصٍ آخر حتى لا يعرفك. إن حدث شيءٌ لآركون سأقتلكِ، ثونار!".

"هل أنتم متأكدون من أنكم تقاتلون المحاربين ذاتهم اللذين أقاتلهم؟ لمَ تبدون مرتاحين بينما أعاني الأمرين هنا وأكاد أموت؟" صوت زوندي قاطعهم. "أنت لا تموت يا صاح" أجاب لافيان ضاحكًا وأردف: "أنا قادم للمساعدة، إلهي! هذا الشيء المذهل الذي قمت بصنعه يقتل خمسين منهم على الفور، هذا رائع!".

تنهدت جلنار وتمتمت: "حفنة مجانين". وبالحديث عن الجنون تذكرت للتو شخصًا مهمًا لم تسمع صوته؛ لذلك تحدثت بسرعةٍ قائلة: "هارليك! ماذا عنك؟".

الصمت الذي أجابها كاد يفقدها أعصابها لثوانٍ، ليست هي فقط، بل غالبيتهم كادت قلوبهم تتوقف.

"أنا... بخير… لحظة..."

عقدت حاجبيها لصوته المكتوم قبل أن يصبح أكثر وضوحًا ويقول: "أعتذر يا رفاق، كنت أمضغ شطيرة، أنا بخير، لا تقلقوا. قتلت… ستة، سبعة، ثمـ... أوه! قضيت على مائةٍ وستةٍ وثمانين شخصًا هنا".

تنهدت براحةٍ عندما سمعت صوته وشكرت الإله، لم تعرف ماذا تفعل، إن كان عليها الاندهاش أم الشعور بالراحة. "من أين وجدت الشطيرة في مكانٍ كهذا بحق الله؟" أوكتيفيان تحدث أخيرًا مثيرًا ضحكة هارليك الطفولية "هناك منزلٌ فارغ، وجدت بعض الطعام هناك وفطيرةً صالحة للأكل".

حقًا، إنهم مجانين، من أكبر شخصٍ فيهم حتى أصغرهم، لقد أصبحت جلنار على يقينٍ من هذا.

"جوزفين، هل أنت ميت؟" تينر جام تدخل وسأل بقلق. "لا، أحتفظ بحياتي حتى الآن، لقد فقدت أثر جانغو ذلك ولكن انتبهوا، يبدو أنه لا يبالي إلا بالفرسان"

ابتسمت جلنار ولمست الكدمات على وجهها بسببه. "إن رآه أحدكم فليرشح له أرتيانو" قالت ليصلها ضحكاتهم المختلفة.

"لا أمانع، على الأقل سيتعامل مع شخصٍ ذكي، لا حفنة من الغباء الناطق".

دحرجت عينيها وأغلقت الاتصال بينهم، ثم نظرت ليوجين الذي كان يتابع القتال باهتمام. "أظن أن هذا الشاب في ورطة" قال مشيرًا لجندي بدا كفتى في التاسعة عشر فقط بالنسبة لجلنار، كان محاصرًا من قبل اثنين من المستذئبين وأريبوسي، ورغم يده المرتجفة فقد صرخ بقوةٍ واندفع نحو أحدهم مكونًا ضربةً من رياح لم تؤثر إلا بواحدٍ منهم فقط.

"أراهنكِ على أنه سيموت بعد خمس ثو..." توقف يوجين عندما التفت ولم يجد جلنار بجواره "طبعًا ستهب البطلة حياتها لإنقاذ الجندي المسكين".

نظر نحوهم حيث تدخلت جلنار ومنعت مخالب المستذئب من اختراق قلب الفتى عندما قسمته لنصفين بسيفها وأشعلت النيران في الإريبوسي، أما المستذئب الثالث كاد يتحول لمنظرٍ أبشع، لكن كانت جلنار أسرعت بتثبيت قدميه بواسطة الأغصان التي التفت حولهما قبل أن يحلق رأسه بعيدًا عن جسده نتيجة تلويح جلنار بسيفها.

"تلك الفتاة تصبح دمويةً مع مرور الوقت" علق يوجين وهو يبتعد بتقززٍ عن الرأس المتدحرجة نحوه.

ساعدت جلنار الشاب على الوقوف بينما ظل يحملق بها في انبهارٍ وصاح فجأة: "ريتشال فين هروفرل، الكتيبة الثانية عشر من القوة العسكرية الملكية تحت التدريب! أشكرك على إنقاذ حياتي، أيتها الجندية".

ابتسمت جلنار ومنعت نفسها بصعوبةٍ من التربيت على رأسه "لا تكن جادًا هكذا، ريتشال. لا تفقد حياتك هنا ولا تخف منهم فقط، ربما يبدون مخيفين، لكنهم ما زالوا فانين". اتسعت عيناه قبل أن يومئ بانضباطٍ مبالغ فيه.

"أنا مدين بحياتي لكِ، أيتها الجندية"

لم تتمالك جلنار ضحكتها وقالت: "فقط جلنار!َ اسمي جلنار، أراك بعد نهاية المعركة على قيد الحياة".

تحركت مبتعدةً عنه وتبعها يوجين الذي نظر للفتى والتفت لجلنار "أراهنكِ على أنكِ أصبحتِ قدوته".

"لدينا مشاكل أهم للاعتناء بها الآن" تمتمت جلنار ليومئ يوجين موافقًا، ولكنه توقف عن المشي عندما تذكر للتو شيئًا ما "أوه! نسيت إخباركِ بأمرٍ ما". توقفت جلنار ونظرت نحو القتال الدائر بين الجميع تشعر بأن أحدهم سينقض عليها من مكانٍ ما "ماهو؟".

رفع يوجين كتفيه وقال: "كان هناك في منتصف هايبر في ساحةٍ ما فارغة دائرةٌ ضخمة مرسومة باللون الأحمر على الأرض، قطرها ضخمٌ لدرجة أنني لاحظتها عندما كنت أحلق على مسافةٍ بعيدة منها، لكن لا أظنه أمرًا كبيرًا".

أغمضت جلنار عينها وأخذت نفسًا تحاول تمالك أعصابها، لكنها لم تنجح؛ لذلك صرخت في وجهه: "هل يبدو لك هذا أمرًا غير مهم! ألا يبدو كأمرٍ كان عليكِ إخباري به في المقدمة؟".

طرف بعينه باستغرابٍ قبل أن يحرك رأسه للجانبين "لم يبدُ لي كذلك!". شعرت جلنار برغبةٍ في لكمه وبقوة، وكان من حسن حظه وجود إريبوسي يركض في اتجاهها؛ لذلك حركت يدها بغضبٍ وصنعت صخرةً ضخمة وألقتها على وجهه بكل ما تملك من قوة.

"تبا لك، يوجين! ألا تملك حس الخطر على الإطلاق؟" صرخت ويدها وجدت عنق الرجل لتقوم بإشعاله بالكامل، ثم التفتت للإريبوسي الذي لاحظها وتقدم نحوها، وقبل أن تقوم بطعنه لكم وجهها ووقف فوق ظلها ليقوم بتثبيته ويمنعها عن الحركة.

"يوجين، بعض المساعدة هنا!" صاحت ليرفع حاجبًا ويقول: "لقد كنت ملعونًا منذ ثوانٍ، لا أظنكِ في حاجةٍ لمساعدتي". برودة مزاجه كانت تغضبها أكثر؛ مما دفعها لتحول إلى هيئة النيران وتفجير المكان من حولها بينما تصرخ باسم يوجين.

"أوبس!" تمتم يوجين وهو ينظر لغضبها الذي جذب انتباه الكثير من حولها ليتجهوا نحوها في محاولةٍ لقتلها، لكنها كانت سريعةً جدًا وغاضبةً مما سمح لها بقتل نصفهم دون أن تصاب بأي ضربة.

أخرجت جلنار نفسًا ونظرت نحوهم وهم يحاوطونها بحذرٍ وابتسمت قائلة: "من التالي؟".

في الثانية التالية تمنت لو أنها لم تسأل؛ لأن شخصًا ضخم الجثة غليظ الوجه ذو هالةٍ مرعبة دفع الصفوف حولها بهمجيةٍ وصرخ بقوةٍ في وجهها.

كان بإمكانها رؤية أن هذا الكائن ليس شيئًا عاديًا، لقد كان خليط بين إريبوسي وشيءٍ ما لا يمكن تسميته؛ فالعظام خارج جسده والأعين الحمراء الدموية المختلطة بالأسود والعضلات التي غلفت العظام في مظهرٍ مثيرٍ للاشمئزاز كانت تشير إلى أن هناك شخصٌ ما عبث به حتى أصبح على هذه الشاكلة.

"قتالٌ سعيد، جلنار!" صرخ يوجين ولوح لها وهو يحلق ليشاهد من بعيد. "أحيانًا أتمنى لو أني تركتك طعامًا لكارولوس" تمتمت قبل أن تصرخ بصوتٍ أعلى عندما لاحظت أنها أسقطت سيفها في مرحلةٍ ما: "ابحث عن سيفٍ لي، أيها الأحمق!".

خصمها لم يكن لطيفًا لينتظر جلنار حتى تجد سيفًا لأنه ركض بسرعةٍ نحوه مسببًا اهتزاز الأرض من تحت قدميها، لعنت جلنار ودفعت جسدها للقفز مسافةً عالية في اللحظة التي حول خصمها الأرض التي كانت تقف عليها إلى حطامٍ بقبضتيه.

استغلت جلنار قفزها فوق جسده وجمعت يدها مطلقةً النيران على ظهره بينما تهبط خلفه، صرخ بغضبٍ والتفت للجهة الأخرى ولوح بقبضته لتتفاداها متحكمةً بأغصانٍ مشتعلة التفت حول ذراع خصمها الضخم وأجبرته على الركوع؛ لتتمكن جلنار من ركل وجهه بركبتها بقوة.

"هذا ما أسميه قتالًا!" صرخت بحماس، لكن لم تلبث حتى أمسك بقدمها وجذب جسدها كدميةٍ وضرب به الأرض.

شعرت جلنار بارتجاجٍ في جميع أرجاء جسدها، ولكنها تصرفت بسرعةٍ ومالت بجسدها للأمام لتمسك بقبضته العملاقة التي تتمسك بقدمها وتشعل كامل قبضته لتحترق ويترك قدمها.

استغلت صراخه المتألم واستخدمت الماء بقوةٍ لتدفع جسده للخلف، وقبل أن يصطدم بالأرض حركت الهواء ليدفع جسده الضخم للأمام مجددًا نحو جلنار التي ركضت وقفزت لتلتف في الهواء وتحول قدمها إلى صخرة، ثم ركلت وجهه ليندفع جسده ويرتطم بالأرض.

التقطت جلنار أنفاسها بصعوبة، ولكنها ابتسمت لانتصارها في هذه اللحظة.

عقدت حاجبيها وتوقفت لثوانٍ والصدمة تملأها عندما لمحت بطرف عينها ذلك البناء الشاهق الذي تعدى السحاب، ولكنه كان على مسافة بعيدة جدًا من ساحة القتال! لم يكن هناك أي أبراج شاهقة في أيٍ من المدن الثلاث على الحدود!

صدمتها أصبحت أكبر عندما اختفى ذلك البرج في ثوانٍ كما ظهر! كان من المستحيل إخفاء شيءٍ بهذا الحجم في هذه السرعة!

انشغالها بالنظر بعيدًا لم يكن خطوةً جيدة لأنه شتت انتباهها عن خصمها الذي ما زال حيًا وقد نهض بغضبٍ متجهًا نحو جلنار.

"جلنار! انتبهي!" صرخ يوجين مما دفعها للالتفات، اتسعت عيناها في الثانية التي تلقت فيها لكمةً تسببت في اندفاع جسدها بقوةٍ للخلف لمسافةٍ طويلة قبل أن تصطدم بالأرض بقوة.

سعلت بقوةٍ وفتحت عينها تنظر نحو السماء، حاولت التنفس ببطء؛ فشعورها بقفصها الصدري محطمًا لم يكن سهلًا! بصقت الرمال التي ابتلعتها وتأوهت: "هذا مؤلم".

"أرجوكِ أن تقولي إنكِ ما زلتِ حية!" صاح يوجين لتنظر نحوه وتقول: "ما رأيك أنت؟". زفر براحةٍ ونظر للأمام حيث يتقدم ذلك الضخم. "إنه قادم" قالها بطريقةٍ غنائية قبل أن يساعد جلنار على الوقوف.

"سأنهي أمرك هذه المرة، أيها المزعج" قالت وهي تتقدم نحوه وتمسح الدماء التي سالت على وجهها.

لوحت بيدها نحو الأعلى لترتفع صخرتان ضخمتان بجوارها وتقوم بدفعهما نحوه بينما تركض في اتجاهه، في المقابل تصدى الرجل لهما بقبضته وحولهما لحطام، صخرةٌ تلو الأخرى كانت ترسلها جلنار نحوه ويقوم بتحطيمها، وقبل أن يحدث تصادمًا بين الاثنين صنعت جلنار صخرةً رفعتها عن الأرض، ثم قفزت من فوق رأسه وأمسكت كتفه لتدفعها نحو الأسفل، وجمعت كلتا قدميها وركلته مسببةً في تحطم عظام وجهه.

"مــت، أيها الغبي!" صرخت بينما دفعت بثقل جسدها بالكامل إلى الأسفل مستعملةً الرياح والنار معًا داخل جسدها لتعطيها القوة الكافية.

صوت انفجارٍ قوي سببته جلنار عندما دفعت بجسده للأسفل مسببةً ثقبًا ضخمًا في الأرضي وفي منتصفه كان جسد خصمها، الضغط الذي ولدته جلنار تسبب في تحطم جميع عظامه وتفتتها ليتحول لجثةٍ مكونةٍ من اللحم وشظايا عظام.

"لا يوجد شخصٌ على وجه هذا الكون يتمنى أن يكون في مكان هذا المسكين" سخر يوجين وهو ينظر من الأعلى إلى جثة الرجل والتفت إلى جلنار يساعدها على الوقوف. "لا أظنه حيًا الآن، صحيح؟" سألت وهي تنفض الغبار عن ملابسها. "أتمزحين معي؟ لقد تحول لكومةٍ من اللحم!"

أومأت جلنار دون تعقيب على سخريته وأجرت اتصالًا مع الفرسان: "هل لاحظ أحدكم شيئًأ ما في اتجاه مدينة هايبر يا رفاق؟" سألت على الفور دون مقدمات وعينها تبحث حولها عن أي أبراج شاهقة الارتفاع.

جاءت جميع أجوبتهم بالنفي، ما عدا شخصٌ واحد "هل لاحظتِ هذا أيضًا؟". ارتفع حاجبيها وصاحت بدهشة: "رومياس، رأيته أنت أيضًا؟ البرج! صحيح؟".

"هذا تمامًا ما أقصده، لقد ظهر واختفى فجأة!"

كانت جلنار شاكرة لوجود شخصٍ آخر يثبت لها أنها ليست مجنونةً أو توهمت لثوانٍ. "عن أي برج تتحدثان؟" سأل تينر جام لتجيبه جلنار: "هناك برجٌ ظهر لثوانٍ في اتجاه مدينة هايبر، ولكنه اختفى، لقد بدا مرتفعًا ومريبًا".

"لا أتذكر وجود أي أبراجٍ في مدن الحدود" علق زوندي ليوافق الجميع. "ولهذا يبدو الأمر مثيرًا للشبهة، أنا متجهةٌ إلى هناك وإن وجدت شيئًا سأبقيكم على اطلاع" قالت وقد بدأت بالفعل بالتحرك نحو هايبر.

"لا تذهبي وحدك، فليكن معكِ مجموعة مقاتلين للضرورة، انتظري، سأتكفل بهذا" جاءها صوت أوكتيفيان لتدحرج عينها وتصفر بقوة، وبالرغم من أن كارولوس يبعد عنها مسافة كيلومتراتٍ طويلة إفقد سمع صفيرها وحلق مسرعًا حيث سمعها للتو.

"أنا قادمٌ معكِ، جلنار" رومياس قال قبل أن يقطع اتصاله، وفي المقابل أمر أوكتيفيان مجموعةً كبيرة من المقاتلين باتباع تنين شفقٍ ضخم.

ابتسمت جلنار عندما سمعت صوت كارولوس قادمٌ من بعيد ولمحت جناحيه الضخمين يضربان الهواء بقوة، ركضت بسرعةٍ نحوه، وقبل أن يهبط على الأرضية قفزت فوق ظهره مربتةً عليه "لنذهب إلى هايبر يا صديقي".

زأر بقوةٍ مثيرًا الذعر في قلوب الكثير ممن لن ينسوا أبدًا مشهد تنين الشفق يحارب في صفهم وقد روضه شخصٌ ما.

حلق كارولوس بسرعةٍ وعلى الأرض كان هناك مئة مقاتلٍ يتبعونه، وأولهم كان ذئبًا أبيض ضخم تضرب أقدامه الأرض بقوةٍ مجتازًا أراضي بينيفيا إلى هايبر، وفي ثوانٍ التفت الكهرباء من حوله ليختفي كالبرق ويسبقهم جميعًا.

كانت جلنار تتبع يوجين الذي رأى حلقة الدماء تلك، كانت قلقةً مما ينتظرهم هناك، خاصةً وأن الفرقة القتالية التي تتبعها ليست بالعدد الكبير؛ لذلك كانت تعتمد على اللحظة الأولى التي ستكتشف فيها ما يوجد في هايبر وإن كان يجب أن تطلب المزيد من الدعم أم لا.

ارتفع كارولوس أكثر وحلق بشكلٍ عمودي؛ مما ساعد جلنار على رؤية المنطقة على نطاقٍ واسع. "إنها هناك" أشار يوجين نحو منطقة على الأرض كانت ضخمة، ودائرةٌ بقطر ألف قدمٍ كانت ترتسم بالدماء على الأرض الإسمنتية.

المنطقة كانت أشبه بساحة تسوق، ولكنها فارغةٌ تمامًا من أي مبانٍ، أرضٌ منبسطة على مساحة ضخمة!

"كارولوس، اهبط"

أمرت وهي تربت على عنقه لينخفض ويهبط بسرعةٍ قبل أن يستقر فوق الأرضية أمام الفرقة القتالية التي تراجعت للخلف ما أن رأوا تنين الشفق الذي يقف أمامهم.

قفزت جلنار من فوق ظهر كارولوس ووقفت أمام خط الدماء على الأرضية، نظرت حولها تبحث عن شيءٍ قد يثير الريبة بالرغم من أن كل شيء يجري يثير الريبة.

"هناك شيءٌ سيءٌ هناك" التفتت إلى دراكوس الذي تقدم ليقف بجوارها، ولكنه لم يقترب من خط الدماء على الأرضية. "ماذا تقصد؟" سألت الذئب الذي أصدر زمجرةً منخفضة وقال: "أستشعر خطرًا قويًا وقريبًا جدًا، ورائحة الدماء تملأ المكان".

كان من الذكاء الاستماع لحاسة دراكوس؛ فالمستذئب هو كائن بإمكانه استشعار الخطر بسهولة ويميز الروائح بسرعة، كما أنه يمتلك حاسة سمعٍ قوية تمكنه من سماع أصواتٍ على مسافات بعيدة عنه.

وكارولوس بدا أيضًا منزعجًا جدًا في هذا المكان لسببٍ ما!

"هناك الكثير من الروائح هنا، لكن من الصعب تمييز مكانها، بعضها قريبٌ والآخر بعيد" قال وأخذ خطوةً للخلف وزمجر بقوةٍ قائلًا: "ولكن يمكنني تمييز رائحتين أو ثلاثة مختلفين وقريبين جدًا".

شعرت جلنار بالحيرة في هذه اللحظة، ليس لديها أدنى شكٍ في قدرات دراكوس، ولكنها لا تجد أي شيءٍ يدل على الحياة حولهما، كما أن هناك كتيبةٌ تقف خلفها تشعر بالغرابة من اتباعهم فتاةً تتحدث مع ذئبٍ وينتظرون أوامرها!

"فيمَ تفكرين؟" يوجين قال وهو يتقدم ليقف على جانبها الآخر. "مخرج" التفت لينظر نحوها بتعجب، ولكنه رفع كتفيه وقال: "لو أنه بإمكاننا رؤية كل شيءٍ نريده لربما حللنا لغز هذا المكان".

ارتفع حاجبها ببطء ونظرت ليوجين الذي كان بدوره ينظر أمامه، ولكنه لاحظ ابتسامتها نحوه مما دفعه للقفز بعيدًا وقال: "لا، لن يتم استخدامي كطعمٍ مجددًا".

حركت رأسها للجانبين وقالت: "لا تقلق، الأمر لا يتضمنك، لكنك ألهمتني للتو".

لم يفهم يوجين ما ترمي إليه ولم تكلف نفسها بالتوضيح؛ لأنها عادت خطواتٍ للخلف وأغمضت عينها وزفرت نفسًا بهدوء.

السواد بدأ يتبدل شيئًا فشيئًا بقدرتها التي تمكنها من رؤية تفاصيل ما حولها، أشكالٌ بدائية للجنود، كارولوس، يوجين ودراكوس، المكان يمتد على مساحةٍ واسعة ولكن كان هناك شيءٌ غريب بالفعل، أشبه بورقةٍ شفافةٍ أمامهم مباشرة.

هبطت جلنار على ركبةٍ واحدة ولمست الأرض بأناملها، وهنا اتضح كل شيء…

تمالكت نفسها حتى لا تفتح عينها بصدمةٍ وتنقطع رؤيتها.

شعرت بتلك الموجات من السحر المتصلة بدائرة الدماء والتي تحيط المكان كله وتخفي خلفها ناطحة سحابٍ ضخمة، بينما على بعد أمتارٍ تقف أمامها تمامًا ساحرتان تتحكمان بالجدار الذي يخفي البرج.

"أمسكت بكما" همست وهي تنظر للساحرتين غير الواعيتين بقدرة جلنار على رؤيتهما، تخطتهما جلنار نحو البرج وحاولت التركيز أكثر لتخترق جدرانه.

ما كان ينتظرهم هو مئاتٌ الجنود من الإريبوس والمتحولين! أكانت خطتهم انتظار السكان للعودة أو انخفاض دفاع الجيش للهجوم؟ لم تستطع جلنار التخمين، ولكنها تأكدت من أنهم سيحتاجون للدعم بكل تأكيد.

الأصوات التي استمعت إليها دفعتها لعقد حاجبها ومحاولة تتبع تلك الأصوات، كانت تشعر بأقل حركةٍ في المكان، ولكن كان هناك صدى واضح لأنين! أصوات حديد يتم الطرق عليه!

الأصوات لم تكن تصدر من البرج! بل من تحت البرج، كان يمتد أسفل الأرض مسافةً طويلة، وهناك كانت مئات الزنازين التي يتم احتجاز جميع السكان داخلها، هذا يفسر كل شيء.

رفعت يدها اليسرى للأعلى نحو الجنود تأمرهم بالاستعداد للقتال.

وباليد الأخرى التي تلمس الأرضية تحكمت بأغصانٍ حادة الأطراف تمر من تحت أقدامها، دفعتها للزحف ببطءٍ نحو الساحرتين الواقفتين على مسافة أمتارٍ منها.

وفي ثانيةٍ ارتفعت الأغصان من تحت الأرض لتشتعل بالنيران، قبل أن تقوم الساحرتان بأي رد فعلٍ دفاعي اخترقت الأغصان صدريهما ليشتعل جسديهما ويتحولا لرمادٍ في ثوانٍ.

"بينجو! أصبت الهدف" قالت جلنار وفتحت عينها تنظر للبرج الذي ظهر أخيرًا أمامها.

اختل الحاجز الذي كان يخفي البرج شاهق الارتفاع، ومع ظهوره شعر الجنود بالصدمة للبناء الضخم الموجود أمام أعينهم طيلة الوقت، لكنهم لم يتمكنوا من رؤيته إلا الآن.

"هناك مئاتٌ منهم في الداخل، فليذهب أحدكم ويحضر الدعم معه حالًا!" قالت وهي تنظر للجنود الذين بدورهم بادلوها نظرات الحيرة بسبب تنفيذ أوامر الفتاة الغريبة، ولكن جدية الموقف وثقة الفتاة وأوامر المقدم كانت تخبرهم أنه ليس من المنطقي رفض أوامرها.

لذلك تحرك أحدهم مستديرًا بحصانه وعاد أدراجه إلى بينيفيا التي تحولت أرضها للون الدماء، ولا تزال المعركة قائمةً على حدودها.

عادت جلنار خطوةً للخلف بحذرٍ عندما اتنبهت للحركة القوية القادمة من داخل البرج وأنشأت اتصالًا سريعًا مع الفرسان، وبدون أي مقدمات قالت: "نحتاج للدعم على الفور، هناك المئات منهم هنا".

أجابها صوت تينر جام القلق: "جلنار، تراجعي! لن تتمكني من هزيمتهم، انتظري الدعم". حركت رأسها برفضٍ متجاهلةً أنه لن يتمكن من رؤيتها وقالت: "لا يمكنني التراجع، سأقوم بتأخيرهم حتى مجيئكم، جميع السكان محجوزون في البرج الضخم في منتصف هايبر، تحت الأرض، إن تركت لهم المجال فربما سيستخدمونهم كرهائن".

"برج؟" هتف جوزفين مستنكرًا، وأردف: "لا يوجد أي أبراجٍ في هايبر!".

"لقد تم تشييد واحدٍ وأنا أقف أمامه الآن" أجابت وعينها متعلقةٌ على مخرج البرج، تعلم أن هناك جمعٌ ضخم سيخرج في خلال ثوانٍ. "تبًا، أنا أراه!" صاح أغدراسيل وتبعته لعناتٌ أخرى من جوزفين.

"أنا في الطريق إلى هناك" وصلتها إجابة أوكتيفيان المختصرة دون نقاشٍ وهذا أراحها نوعًا ما. "لا تفتعلي أي حمقٍ حتى مجيئنا" هذه المرة تدخل أتريوس قبل أن تسمع صوت صراخ أحدهم بجواره.

"أراهن على أنها ستقتل نفسها في خلال الدقائق الأولى" سخر أرتيانو لتدحرج عينيها.

"رفاق، أيمكنني التضخم الآن والمساعدة؟" هارليك ترجى ليجيبه الجميع في صوتٍ واحدٍ متسببين في انزعاجه: "لا!".

انتبهت جلنار لمخرج البرج الذي اندفع متحطمًا واندفعت منه مخلوقات الليكان المتحولة ككلاب شرسة نحوها بعدما حركت الهواء من حولها في استعدادٍ وقالت: "أراكم لاحقًا!".

وبهذا أنهت الاتصال بينهم في الثانية ذاتها التي حركت فيها الهواء بقوةٍ حولها وحاولت قدر الإمكان تذكر ما كان أتريوس يقوم بفعله ليجعل الهواء أكثر حدةٍ من نصل السيف.

كلما اشتد التيار كلما أصبح أكثر حدة. "استعدوا!" صرخت في الجنود الذين تأهبوا للهجوم وكل واحدٍ استحضر العنصر الذي يتميز به، وزمجر دراكوس ينتظر أمر جلنار بالهجوم.

الجميع تراجع بسبب تيارات الهواء التي تحركت بشكلٍ قوي وسريعٍ كحاجزٍ يفصل بينهم والعدو، وما أن هجم الليكان في محاولةٍ لعبور هذا الجدار الهوائي كان يتحول إلى قطعٍ من اللحم، وكأنه وضع جسده داخل مقصلة.

المظهر كان مهيبًا لجنود الإلترانيوس الذين لم يشهدوا على تحكمٍ بالهواء بهذه الدقة من قبل، ولكن جلنار لم تكن مستمتعةً بذلك؛ فهي بالكاد تحافظ على اتزان حدة التيار، فللمرة الأولى تفعل شيئًا مشابهًا ولن تصمد به طويلًا.

"لن تصمد الرياح طويلًا، كونوا على استعداد!" صرخت بصوتٍ عالٍ وفي خلال الدقائق التالية فقدت جلنار السيطرة على الهواء من حولهم.

ما كان مقززًا ومثيرًا للفزع أن الليكان من حولهم كانوا كالمصابين بالجنون أو الهستيريا، لا يخشون الموت! هناك ما يفوق الثلاثين ليكان دفع بجسده عابرًا التيار الحاد بالرغم من يقين أنه سيموت، ولكنهم بدوا كالدمى التي تتحرك دون إرادةٍ أو كالحيوانات التي لن تتوقف حتى تحقق هدفها.

دراكوس كان أول المهاجمين بشراسةٍ وبشكلٍ قوي، كان يمزق أي كائنٍ من العدو في طريقة، كان سريعًا جدًا ومن الصعب رؤية أو توقع ضربته.

بدا أن رومياس ودراكوس هما الوحيدان القادران على قتل الليكان المتحولين بسرعةٍ وبدون أية مشاكل، عكس جلنار التي كانت تستغرق وقتًا لقتل اثنين منهم أو ثلاثة.

لم يتهاون الجنود في الهجوم بالرغم من قلة عددهم، وجود ذئبٍ ضخمٍ أبيض اللون ذي قدرات مذهلةٍ كان يدفع داخلهم أمل أن النصر سيكون حليفهم، كما أن هناك تنينٌ غاضب ينفث النيران على أجساد العدو، وهناك فتاةٌ غامضة تتحكم بأكثر من عنصرين ولم تبدُ مترددةً وخائفة.

ولكن بالرغم من قوتهم وثقتهم فالكثرة دائمًا تهزم الشجاعة، وهذا ما بدأ في الحدوث عندما بدأ البرج يبدو كبوابةٍ لبعدٍ آخر، الأعداد كانت تتزايد وأصبحت الساحرات والأريبوس جزءً من القتال ضد مئة جندي ومستذئب وابنة التوبازيوس التي كانت تواجه وقتًا صعبًا في القضاء عليهم...

ولا ننسى الشبح الذي تألم لأنه حاول لكم ليكان وشعر بقبضته تتحطم؛ لذلك تراجع في الوقت الحالي واستمتع بالمشاهدة، وربما قام بدفع بعض الجنود من الإريبوس للوقوع أرضًا!

بدأ الخوف يتسلل لأعماق جلنار، الخوف من أنها تتسبب في موت الجنود الذين جرتهم إلى هذا القتال؛ لذلك صرخت بقوة: "كارولوس، احرقهم جميعًا!".

لم يتباطأ التنين في تنفيذ الأمر، بل نفذه بكل سرورٍ ونفث النيران القوية على كل جسدٍ فيهم ليتحولوا إلى رماد. كان عزاء جلنار الوحيد أن الشمس تمنعهم من التحول لهيئة الضباب، لكنها ما زالت تمدهم بخاصية الوقوف على الظلال مما يساعدهم على تثبيت جسد الخصم.

الأعداد التي كانت تقل بسبب كارولوس يتم تعويضها ويخرج المزيد من البرج للقتال، وعندما كادت جلنار تشعر بالقليل من الأمل الصوت الذي جاء من خلفها قتل كل ذرة أملٍ قد يتولد داخلها...

"عزيزتي، لقد كنت أبحث عنكِ، أتعلمين كم من المشين ترك القتال والهرب؟ ظننت أننا نستمتع ومتـ..." لم تسمح لجانغو بإكمال سخافاته التي تشعرها بالامتعاض وأشعلت كرةً قوية من النار لتفجرها نحوه.

تفاداها بسرعةٍ وتظاهر بالتفاجؤ قائلًا: "هذه ضربةٌ قوية، برافو!". تحولت النظرة المتفاجئة البريئة إلى أخرى خبيثةٍ وقاتلة، وضيق عينه كالقطة قائلًا بنبرةٍ تفوح منها الكراهية: "حان دوري".

لم تتمكن جلنار من الدفاع عن نفسها عندما دفع ظل جسدها بقوةٍ وسرعة للخلف لتصطدم بالبرج ويدور رأسها لثوانٍ.

تقدم جانغو نحوها متجاهلًا القتال الدائر خلفه وأمسك فكها بقوةٍ ليهسهس كالأفعى قائلًا: "لن يُقدّر أحدهم شيئًا مما تفعلينه! أنتِ مجرد بشريةٍ في النهاية، سيستعملونكِ، ثم سيلقون بكِ بعيدًا من أجل أنفسهم، لن تعودي يومًا لوطنك وستظلين حبيسة هذا المكان، وحيدة، متألمةً ومتهالكة، وستصبحين منسيةً بينما نقتل أبناء جلدتكِ وأنتِ تشاهدين. تلك الطاقة التي تسري دخل جسدك، إنها أكبر منكِ بكثير، إنها تستحق شخصًا أقوى، مثلي تمامًا".

مع كل كلمة كان يقولها كان الظلال تلتف حولها كأجسادٍ تتراقص فيما بينها بتناغم، تصبح أكبر وأكثر ضخامةً حتى أصبحت غارقةً في ظلام الظل.

جانغو اختفى! وبقيت هي...

داخل الظلام كان الصمت هو سيد الموقف، كل شيء آخر اختفى، ظلامٌ دامس وكأن العمى أصابها، ولكن لم يدم طويلًا لأنها بدأت تسمع أصوات الصراخ والعويل من كل مكانٍ تستنجد بها.

ركضت بسرعةٍ تحاول إيجاد مخرج، لكنها صرخت بفزعٍ عندما امتدت الأيادي من كل مكانٍ تتمسك بجسدها وتصرخ بالنجدة.

كان الأمر أشبه بكابوسٍ تمر به بعد يومٍ سيء، ولكن الكوابيس دائمًا ما تزداد سوءً، وقد ازداد كابوسها سوءً عندما رأت والدتها وشقيقيها داخل أحد الزنازين المتهالكة، شبه أموات.

صرخت جلنار بـ: "أمي" وركضت نحو الزنزانة الوحيدة في الظلام الدامس، كانت والدتها تحتضن جسد شقيقتها المتهالك وتنوح بألم، وشقيقها قد جلس في زاوية الزنزانة يحدق بقدميه الداميتين. أرادت لمس والدتها، احتضانها، أرادت إخراجهم جميعًا والاختباء بعيدًا، ولكن القضبان المعدنية لم تسمح بذلك.

"لوش! أمي!" صرخت بقوةٍ وحاولت كسر القضبان وهي تضرب الزنزانة بيدها؛ لعلها تجذب انتباههم. توقف جسد والدتها عن الاهتزاز وتركت جسد لوريندا لتتحرك نحو القضبان وتنظر لجلنار بأعينٍ قد ماتت.

"جلنار! ابنتي؟" همست في تساؤلٍ لتومئ جلنار بسرعة. "إنها أنا، أمي! سأخرجكم من هنا، اصـ..." توقفت عندما قاطعتها والدتها بصوتٍ ضعيف: "أين كنتِ؟".

ابتلعت جلنار بتوترٍ وفتحت فمها وأغلقته أكثر من مرةٍ تحاول البحث عن الكلمات الضائعة، ولكنها أجفلت عندما صرخت والدتها بهستيريةٍ وغضبٍ بينما تضرب القضبان بيدها بجنون: "أين كنت؟ أين كنت؟ أين كنت؟". ارتجفت جلنار وزحفت للخلف بفزعٍ بينما تابعت والدتها الصراخ: "لقد ماتت شقيقتك! أين كنتِ؟ لم تفعلي شيئًا، أيتها الأنانية! لقد أنقذتِ نفسكِ وحسب. أين كنتِ، جلنار؟ لقد قتلتنا جميعًا، كان عليك السكوت والاختباء، أيتها الضعيفة! أين كنتِ؟".

صراخ والدتها الهستيري أصابها بالصدمة وشعرت بتجمد جسدها، تلك كانت المرة الأولى التي تشعر فيها بالهلع لدرجةٍ منعتها عن التنفس.

لم تستطع سماع المزيد من الصراخ؛ لذلك التفتت لتهرب وتحاول منع صراخ والدتها من الوصول لأذنها، ولكن كان صوت والدتها يضرب رأسها بقوة. حاولت الركض بعيدًا عن هذا المكان، لكنها اصطدمت بجسد أخيها لوش الذي أمسك بكتفها ونظر نحوها بعينٍ مجوفةٍ مليئة بالدماء وقال: "هل ستهربين مجددًا؟ لن تتمكني من فعل شيء، لقد وصل إلى هنا!".

حدقت به جلنار تشعر ببرودة أطرافها وقد أصاب الشلل لسانها، لشدة فزعها نسيت حتى كيف كانت تبكي وكيف بإمكانها التحدث مجددًا، حاولت التراجع لتقع أرضًا وتزحف بعيدًا عن شقيقها، وحينها اختفى لوش والزنزانة وتبدل كل شيءٍ إلى المكان الذي تعرفه وتحفظه جيدًا! الشارع الذي تعيش فيه!

لكنه بدا مختلفًا... مدمرًا ومتهالكًا... ومظلمًا!

المنازل محطمةٌ وخاوية ولا يوجد أي شخصٍ حولها، المكان الذي لطالما امتلأ بالأشخاص كان كمقبرةٍ صامتة. نهضت بسرعةٍ تركض نحو منزلها، ولكن بدا وكأن الطريق لا نهاية له.

توقفت عن الركض عندما رأت الحديقة التي اعتادت التنزه مع والدتها فيها فارغةٌ ومدمرة، وكان هناك قطعة صخريةٌ منتصبة في منتصف الحديقة.

تقدمت ببطء نحوها وتحاول التقاط أنفاسها بصعوبةٍ وهناك غصةٌ قوية تمنعها عن ذلك والهلع قد تمكن منها، لكنها لم تكن تعلم أن الصخرة ستضخم هلعها؛ فلم تكن سوى شاهد قبر!

بنبضات قلبٍ متسارعةٍ اقتربت لقراءة المحفور على الشاهد، كان اسمًا واحدًا دون لقبٍ أو تاريخ وفاة...

"يوجين"

تراجعت للخلف بسرعة، ولكنها تعثرت بشاهد قبرٍ آخر لم يكن موجودًا من قبل، نهضت مسرعةً ونظرت للاسم المحفور عليه، اسم والدتها، وبجواره شاهدي قبرين كتب عليهما أسماء أخوتها!

شواهد القبور أصبحت أكثر وأكثر، والأسماء كانت تصيبها بالجنون!

ثونار، لافيان، رومياس، زوندي، أوكتيفيان، أرتيانو، هارليك، جوزفين، تينر جام، أغدراسيل وواندر... ديفيد، دانيال، ألسكا، مارفين، روكي...

كلها أسماءٌ لأشخاصٍ تعرفهم، الحديقة بالكامل تحولت إلى مقبرة. ركضت بسرعةٍ بعيدًا عن كل هذا، لكنها توقفت عند مقبرةٍ حملت اسمًا تسبب في وقوفها بأعين جاحظة وتجمدت في مكانها، الاسم الوحيد الذي تتمنى وجوده حيًا حتى تشعر أن كل شيءٍ سيكون على ما يرام، لكن الشاهد الذي حمل اسم أتريوس حطم كل ذرةٍ من الأمان قد تشعر بها.

كانت تشعر بالذعر وبالكاد كان بإمكانها التنفس، أمسكت بعنقها تحاول إيجاد صوتها، لكن بدا وكأنه اختفى، لا يمكنها الصراخ أو البكاء أو حتى التنفس بشكلٍ طبيعي.

كان الظلام يحيط بـمانشستر، بدت كمدينةٍ للأموات، وعندما أرادت الهرب مئاتٌ من الأيادي التي اخترقت الأرض أمسكت جسدها وسحبته بقوةٍ لأسفل التراب بينما الهمسات تهاجم عقلها بمئاتٍ من الأصوات التي تلومها:

"أنتِ السبب، تظنين نفسكِ قادرةً على فعلها، لستِ قويةً بما يكفي، لقد قتلتنا جميعًا، أنتِ وحش، ضعيفة، خرساء، موتي معنا"

أخذت نفسًا قويًا قبل أن تغمر وجهها التربة الرطبة وتدفن مع الأموات، شعور الدفن حيًا كان أفظع ما يمكن أن تشعر به! عدم القدرة على التنفس، الحركة، الصراخ… كان فظيعًا ولكنه لم يستمر لمدةٍ طويلة؛ لأن كل هذا قد اختفى.

أخذت نفسًا قويًا تملأ رئتيها به بالهواء ووضعت يدها فوق صدرها تحاول استجماع نفسها.

كانت واقعةً فوق الأرض الباردة وأمامها هذه المرة شاهد قبر… واسم جلنار روسيل كان يتوسطه، كانت تجلس أمام قبرها.

وهنا تسلل صوتٌ خبيثٌ كالفحيح عندما تأكد أن ظلام الظلال تسلل داخل أكبر وأعمق مخاوفها وقال: "إنه قدرٌ، لا مفر منه، الظلام سيعم الاثنا عشرة كوكبًا، يضحي جيلٌ لأجل جيل… هذا هو القانون، امنحينِي تلك الطاقة! إنها بلا فائدة بين يديك، لكن معي ستزدهر كازدهار أمتنا من جديد، لا أحد هنا ليساعدك بعد الآن، أنتِ وحدك".

لم تكن جلنار سابقًا تمانع هذه الكلمة، وحدك! كان الأمر بسيطًا ومحببًا بالنسبة لها، كانت تحب تلك الوحدة التي كانت تبتلعها وتستلم لها.

ولكن الآن كانت الكلمة غريبة، غير مستساغةٍ وتسبب غصةً قوية، كان صدى الكلمة يتسلل ببطءٍ داخل قلبها بين الظلام، لم تعد الوحدة محببةٌ ولم تعد بسيطة!

من السهل جدًا أن تكون وحيدًا، ولكن من الصعب أن تعتاد الوحدة، عندما تتخلص من الوحدة، ثم تجد نفسك وحيدًا من جديد… حينها تتحول الوحدة من خيالٍ محبب وصديقٍ إلى وحشٍ قبيح سيلتهم أفكارك ومشاعرك حتى يجعل منك شخصًا خاويًا.

ظلال جانغو كانت تصل إلى أعمق نقطةٍ تحاول أن تغلق عليها جيدًا داخلك وتقوم بتفجيرها في وجهك، وعلى الرغم من أن كل ما تراه جلنار مجرد وهمٍ وليد أفكارها ومخاوفها وذكرياتها صنعتها الظلال بمهارةِ وأشرف جانغو على إخراجها بالشكل المثالي؛ فإن الوهم كان يدفع العقل للانفصال عن الواقع.

وعلى الرغم من أن العقل هو أكثر الأعضاء إعجازًا ودقةً وتعقيدًا؛ فإنك ستتفاجأ بكم من السهل خداعه!

تم فصل عقل جلنار عن الواقع بامتياز وحتى محاولات يوجين البائسة في الصراخ وهز جسدها  باءت بالفشل، فقد تحولت إلى دميةٍ صامتة تقف بذهولٍ في مكانها دون أي تعبيرٍ وتحدق بمقلتين سوداوتين في الفراغ، يتحكم جانغو فيها كما يريد طالما هي بعيدةٌ عن أي تأثيرٍ خارجي.

لم يلقب جانغو بالشيطان الثاني لأجل المتعة!

كانت تلك هي اللحظة اليائسة التي شعر الجنود فيها أن موتهم لا محالة قادم، لا وجود لدعم! القائدة التي كانت تحميهم أصبحت تحت تأثير شيطانٍ من الإريبوس وهم محاصرون من كل مكان.

تمامًا كجلنار التي حاصرها الظلام بالكامل، تشعر بالخواء؛ فعقلها كان يقنع جسدها مع مرور كل دقيقةٍ بأنها وحيدة، وأن الجميع قد مات وانتهى الأمر.

ظلت تنظر لقبرها دون أن تتحرك ومن بعيدٍ وقف جانغو مستمتعًا بتدميرها.

طرفت بعينها لثوانٍ عندما استمعت إلى صوت تشويشٍ تقطع بشكلٍ سيء، ثم اختفى…

الصوت عاد مجددًا، صوت أحدهم يقول شيئًا ما، لكنه يختفي ويتقطع كإشارة إرسالٍ ضعيفة.

جلنار كانت كفاقد الوعي، تحدق بالفراغ أمامها، ولكن الصوت عاد مجددًا ومجددًا حتى أصبح أوضح. "جلـ… ـر… نا… أنـت… جلنار… هل تسمعينني؟ جلنار!" لا رد، كانت تقاتل للخروج من هذه الحالة، ولكن بدا الأمر وكأنها مخدرةٌ بتلك الأفكار المسمومة.

"جلنار، نحن نرى الجنود أمامنا، سنتدخل! لقد وصل الدعم" صوت أوكتيفيان وصل واضحًا هذه المرة، ولكنها ما زالت متجمدة، الصمت تلاه صوت صراخٍ أجفل جسدها بقوة: "جلنار، أجيبي، أيتها الحمقاء!".

صراخ أتريوس أعادها للواقع في ثوانٍ، لطالما كان ينجح في ذلك، وفي تلك اللحظة فقاعة الوهم التي كانت تحيط عقلها بدأت تتمزق. لا يمكن للميت أن يتحدث من خلال سماعةٍ لا سلكية!

إنهم أحياء!

نظرت جلنار حولها حيث المحيط مظلمٌ بالكامل، ونهضت على قدمها تتدارك ما يحدث وكيف وصلت إلى هنا.

"جلنار، بحق الله أجيبي" هذه المرة صوت أتريوس الثابت حمل لمحةً من الرجاء الذي أعاد الإدراك بالكامل لها لتصرخ: "أتريوس! هل أنتم هنا؟".

على الجهة الأخرى كان من الصعب سماعها وبدا صوتها مشوشًا للفرسان الذين قضوا على الجيش الموجود على الحدود وتقدموا إلى هايبر للدعم.

أوكتيفيان كان يسبق الجميع بحصانه السريع وعينه متعلقة بفرقة الجنود المحاصرة، وعلى الفور حرك يده بقوةٍ وقد حطم كبسولة النيران واستغل الشرارة الصغيرة ليصنع لهيبًا ضخمًا تحول إلى هيئة طائر اللهب المعروف كرمزٍ لقوة النار، حلق فوق الجيش نحو العدو مخترقًا أجسادهم ليحرق كل واحدٍ فيهم.

الجنود الذين أحاطهم البؤس صرخوا بحماسٍ وقد استعادوا شعور النصر عندما حلق طائر اللهب فوق رؤوسهم وقتل كل جنديٍ كان يحاصرهم، جميعهم صرخوا باسم أوكتيفيان والبعض كان مذهولًا من مقدرته على تشكيل اللهب برمز النيران.

"لن أتركك تتفاخر بنفسك، أيها المقدم!" ضحك القائد نيكولاد غانفري ببهجةٍ وكأن الحرب هي كل ما يتمناه عجوزٌ أفنى حياته في القتال، وحرك يده لتهتز الأرض تحت أقدامهم وتتحرك عاصفةٌ من الصخور تضرب العدو بقوة.

"رفاق! هناك خطبٌ ما، جلنار لا تجيب!" صاحت ثونار بقلقٍ لتشتد قبضة أتريوس بقوةٍ حول لجام فرسه ويضربه ليسرع نحو الجنود.

لم يكن يتحلى بالصبر الكافي ليقاتلهم واحدًا تلو الآخر؛ لذلك عندما وجد نفسه يركض في اتجاه عددٍ ضخم من جنود العدو، قفز من فوق حصانه وضربت قبضته الأرض لتنشق من تحت أقدامهم وتخسف بهم مبتلعةً عددًا كبيرًا منهم.

"من يكون هذا الرجل؟" هتف نيكولاد بذهولٍ وهو يشهد على تقدم أتريوس الذي لم يوقفه أحدٌ ولم يتوقف عن القتال لثانية، كان يدهس هذا بالصخور ويخسف الأرض تحت قدم الآخر ويحول آخر لتمثالٍ صخري ويقطع رؤوسهم بتيارات الهواء والأغصان بسرعةٍ وثبات مرعبين. "رجلٌ لا تريد الوقوف في وجهه" أجابه أوكتيفيان وهو يضع ابتسامةً جانبية وعينه معلقةٌ باندفاع أتريوس.

"اترك القليل لي!" صاحت ثونار وحلقت بسرعةٍ فوقهم قبل أن تضرب الأرض بصاعقةٍ التفت حول جسدها لتنفجر في وجوههم. "لم أتعب بعد، أيتها الحثالة!" تدخل لافيان متحكمًا بكل شيءٍ يمكن أن يكون سلاحًا قاتلًا من حوله أو متفجرًا، ويبدأ القتال هذه المرة في تعادلٍ بين الصفوف.

"أتريوس، هل تسمعني؟"

تجمد أتريوس عندما وصله صوتها أخيرًا ولم يقاوم تنهيدة الراحة التي فارقت شفتيه. "إن لم أسمع سببًا مقنعًا لعدم إجابتك فصدقيني؛ سأقوم بقتلك عندما أراك" قال بغضبٍ وهو يحاول البحث عنها بعينه، ولكن بدا الأمر مستحيلًا بين كل هذا.

بحثت جلنار عن مخرجٍ في الظلام، لكن كل شيءٍ كان حالكًا للغاية لتشتم بغضب. "لا يمكنكِ الخروج من هنا، أيتها القطة! إن تمت السيطرة عليكِ فأنتِ حبيستي للأبد"

التفتت نحو جانغو الذي تقدم نحوها بابتسامته الخبيثة المعتادة وتابع: "ولكني متفاجئ من قدرتكِ على الإفلات من الوهم، ظننت أنني بارعٌ كفاية للتسبب بانهيار ابنة التوبازيوس، فأنتِ بشريةٌ في النهاية، تلك المشاعر التافهة تسبب الهلاك دائمًا. أتساءل؛ ما سبب فشلي إذًا؟ كان من المخطط أن تصبحي كالدمية، وحينها سأمتلك تلك الطاقة التي لا تستحقينها".

زمجرت جلنار وركضت نحوه في محاولةٍ للكمه، لكنها مرت من خلاله بسهولةٍ مثيرةً نوبة ضحك لديه "لا يمكنكِ قتالي هنا ولا يمكنكِ استخدام قدارتكِ، أنتِ مجرد بشريةٍ دون أي شيءٍ مميز... أما أنا...".

اتسعت ابتسامته وأمسك عنقها بقوةٍ يضغط عليه مستمتعًا بمعاناتها "يمكنني فعل ما أريد داخل الوهم الخاص بي، أنتِ دميتي المتهالكة".

أغمضت عينها بقوةٍ تحاول التنفس، وكلما حاولت إبعاد يده أو دفعه فشلت في لمسه، كأنه خيال.

حاربت لتتنفس، وعندما كادت تفقد السيطرة على مشاعرها مجددًا حاولت تهدئة أفكارها ونظرت نحوه قبل أن تحاول إمساك ذراعه لتنجح هذه المرة.

بدا جانغو مصدومًا من قدرتها على لمسه، ولكنها لم تكتفِ بذلك، قبضتها الأخرى التحمت مع فكه مسببةً وقوعه للخلف.

نظر نحوها بذعر، لم يحدث هذا ولو لمرةٍ واحدة داخل وهمه!

نهضت جلنار وبدأت علامتها تشع بلونٍ أصفر فوق جبهتها، تقدمت نحوه بغضبٍ وبدأت طاقةٌ صفراء بالتدفق بين عروقها. حاول جانغو الخروج من الوهم الذي صنعه بسرعة، لكنها اندفعت ولكمت وجهه مجددًا، وهذه المرة هي من أمسكت بعنقه بقوة.

حاول التملص منها وبدأ الذعر يتسلل داخله، لطالما كان الوهم مملكته التي لا يتمكن شخصٌ من التحكم به داخلها، لكنه الآن حبيس وهمه.

"ماذا كنت تقول؟ لا يمكنني فعل شيء؟" صكت أسنانها وضغطت بشكلٍ أقوى على عنقه بينما كان جسده بالكامل تحت الضغط الناتج من الطاقة التي تنبعث من جسدها حتى تحولت عيناها للونٍ أصفر بالكامل.

"أنا ابنة التوبازيوس، أيها الأحمق! يمكنني فعل كل شيء"

صرخ بقوةٍ عندما أصبحت الطاقة التي تتدفق عبر جسدها ومن خلاله أكبر وأقوى حتى بدأت تمزق وهمه وتبدد الظلام من حولهما.

ضغطت أكثر على عنقه وقالت: "تريد الطاقة التي حصلت عليها؟ خذها، كلها لك!". اندفعت الطاقة بقوةٍ وسرعةٍ عبر جسد جانغو، قوى التوبازيوس داخل جسد إريبوسي دون حدودٍ كانت لتفتت الجسد من الداخل وتبتلعه حتى آخر خليةٍ فيه.

وهذا ما حدث مع جانغو الذي كانت تتدفق كميةٌ هائلة من الطاقة داخل جسده بسرعةٍ وفي وقتٍ واحد حتى بدأت تلتهم جسده وتفنيه.

انفجار جسده تسبب في تلاشي الظلال حول جلنار لتعود لأرض الواقع، وذلك السواد الذي غطى عينيها تحول لطاقةٍ صفراء تجري كالدماء داخل جسدها بالكامل.

يوجين تراجع للخلف بصدمةٍ والتفت ينظر إلى جانغو الحقيقي الذي وقع على ركبتيه وجسده بالكامل تحول إلى جمرٍ أصفر قبل أن ينفجر في العالم الحقيقي مسببًا موجةً ضخمة من الطاقة الصفراء شعر الجميع بأثارها وبضغطٍ جسدي مر لثوانٍ واختفى.

كانت جلنار داخل مرحلةٍ من التحكم بطاقة التوبازيوس لم تعهدها من قبل، الأمر كان خارقًا للحواس الطبيعية، قدرتها على الرؤية خلال الأشياء امتزجت مع كل قدرةٍ أخرى وأصبحت تشعر بكل حركةٍ ودبيب حولها.

كان القتال كالتصوير البطيء أمامها، وكأن الزمن أصبح أبطأ -فقط- بالنسبة لجلنار، كان يمكنها التمييز بين جنودهم وجنود الإريبوس، بإمكانها استشعار طاقاتهم وحساب تحركاتهم وأي عنصرٍ يستخدم كل جندي في خلال ثوانٍ.

تحركت للأمام تنظر للقتال قبل أن ترتفع وتحلق بمسافةٍ قليلة عن الأرض، وتحت موضعها كانت الطاقة تتدفق بين كل الشقوق في الأرضية بسرعةٍ تحت أرجل المقاتلين لتخترق جسد كل مقاتلٍ من العدو.

كل شخصٍ كان يقاتل خصمًا توقف بصدمةٍ وهو يرى جسد خصمه يشع بقوةٍ قبل أن ينفجر متحولًا إلى رماد، في خلال دقيقةٍ كانت آلافٌ من جنود الإريبوس تنفجر كمفرقعات ليلة العيد!

حتى قتلوا جميعًا.

الصمت ساد بين الجميع والصدمة تملكتهم، ومع أول جندي أدرك انتصارهم ورفع السيف صارخًا بحماسٍ تبعه الجميع يصرخون بفخرٍ وصوتهم قد هز أرض هايبر.

سقطت جلنار فوق الأرضية تشعر بالدوار والطاقة داخل جسدها قد تلاشت تمامًا قبل أن تعود لطبيعتها.

نظرت حولها في ذهول قبل أن تغلق عينها بقوةٍ بسبب الصداع الخفيف والدوار المستمر، اندفع يوجين نحوها وكذلك كارولوس للاطمئنان على حالها.

"من الأفضل لك تفسير الجنون الذي حدث للتو!" هتف يوجين وهو يحاول مساعدتها على الوقوف بينما يدفع كارولوس ظهرها بخفةٍ بواسطة رأسه حتى تنهض. "لا أملك أي فكرةٍ عما حدث للتو" همست وهي تنظر من حولها للجنود الذين يحتفل كلٌ منهم بطريقته الخاصة.

"لقد قتلتِ للتو أكثر من آلاف المحاربين من الإريبوس، هل تقولين إنه حدث صدفة؟" نظرت ليوجين المذهول لتحرك رأسها وهي تنظر حولها كشخصٍ ضائع.

"أين كنتِ طيلة هذا الوقت؟" جذب أتريوس كتفها بقوةٍ ونظر نحوها بغضبٍ وأردف: "ما الذي حدث للتو بحق الإله؟". حركت رأسها للجانبين وقالت: "حقًا لا أعرف". عقد حاجبيه وقال: "أنفكِ ينزف!". مسحت الدماء، لكن أتريوس علق قائلًا: "انسي الأمر، وجهك بالكامل ينزف، لن يحدث الأمر فرقًا".

أجفلت عندما تذكرت للتو شيئًا مهمًا وجذبت ذراعه قائلة: "المساجين، إنهم في الداخل تحت الأرض، علينا إخراجهم".

حدق بها لثوانٍ بصمت أثارت استغرابها قبل أن يلتفت للجيش الضخم، بالتحديد أوكتيفيان الذي تقدم نحوهما وقال: "الناجون بالداخل، علينا إخراجهم". أومأ أوكتيفيان بتفهمٍ ونظر لجلنار قائلًا: "حمدًا لله أنكِ بخير". أومأت له والتفتت نحو البرج ليمسك أتريوس ذراعها ويسحبها نحوه ويسأل بنبرةٍ لاذعة: "إلى أين؟".

رفعت حاجبًا وقد عادت إلى رشدها "إلى البرج! هل تمانع؟" خرج السؤال كسخرية، ثم سحبت ذراعها وركضت نحو البرج.

تنهد أتريوس وتبعها بسرعة "عنيدة".

بأمرٍ من أوكتيفيان اقتحم الجنود البرج الذي لم يكن يحتوي على الكثير من الإريبوس، أكثرهم كانوا علماء أو عاملين تم التخلي عنهم، قُتل نصفهم وتم أسر النصف الآخر.

جلنار لم تهتم بتفحص البرج؛ فقد اتجهت إلى السلالم الموصلة إلى الأسفل وفي كل مرة تتقدم كانت تسمع صوت الزنازين والسلاسل المعدنية.

وقفت أمام ممرٍ من الزنازين متكدس بسكان الحدود، وبسرعةٍ تحكمت بالهواء ليشكل ضغطًا على الأقفال وتكسر جميعها.

المساجين كانوا في ذهولٍ وعدم استيعاب، كان من الواضح أنهم لم يتوقعوا -ولو حتى في أحلامهم- أن أحدهم سيأتي لإنقاذهم؛ لذلك اندفعوا لخارج زنازينهم ونظروا لجلنار بترقبٍ وخوف. "لن نسمح لكم بأخذ واحدٍ آخر منا" رجل عجوز تقدمهم بينما يرتجف جسده واقفًا في وجهها بشجاعةٍ لم تكن مصطنعة إطلاقًا.

 صكت جلنار على أسنانها تتسأل عن كم عانوا هنا وهم على يقين أن لا أحد سيحاول مساعدتهم.

"نحن هنا بقيادة الفرسان، لقد استعدنا بينيفيا وهايبر، وفي خلال دقائق ستكون جولد في قبضتنا، أنتم أحرار جميعًا، يمكنكم الاتجاه للخارج في صفوفٍ دون تدافع، المساعدة في طريقها لهنا"

الجميع كان مندهشًا قبل أن يصرخ أحدهم: "قلت لكم إن الفرسان سيأتون!". الجميع بدأ يصيح بسعادةٍ وقد أدركوا أخيرًا أن بإمكانهم الخروج من هنا.

تابعت جلنار طريقها للأسفل والجنود الآخرون قد بدأوا في إخراج المساجين والمصابين وغيرهم لتوجهيهم، كما أن الدعم الطبي وصل ما أن انتشرت أخبار استعادة الفرسان للأراضي الثلاث في جميع أرجاء الممالك العشر.

تابعت جلنار إخراجهم طابقًا تلو الآخر، وتولى الجنود مهمة تنظيمهم وإخراجهم آمنين.

كان أتريوس يتأكد من خروج الجميع مما منح جلنار فرصة الإسراع في تحريرهم حتى وصلت للطابق الأخير.

كان فارغًا والزنازين مفتوحة ولا يوجد أحدٌ داخلها، بدا مهجورًا ولم يمسسه أحد؛ لذلك قررت الصعود، ولكن صوت عطسةٍ أجبرها على تتوقف والتلفت بحذر. "من هناك؟".صاحت جلنار بصوتٍ عالٍ ولكنها لم تحصل على رد؛ لذلك قالت بينما تتقدم ببطء: "لا داعٍ للخوف، لقد انتهى الأمر، نحن هنا تحت قيادة الفرسان، يمكنك الخروج بلا خوف".

تقدمت تفحص الزنازين تبحث عن صاحب الصوت، ولكنها توقفت عن البحث عندما خرجت فتاةٌ شابة في عامها العشرين ذات ملامح طفوليةٍ ورقيقة.

لم تبدُ كبقية المساجين؛ فحالها كان أفضل بكثير. لم تكن حافية القدمين أو ترتدي ملابس ممزقة وقليلة، ولم تحصل على أي كدمات، كان هناك وشاحًا أخضر اللون يلتف حول جسدها فوق فستانها ذي اللون الأزرق.

تقدمت الفتاة بحذرٍ من جلنار وسألت: "من أنتِ؟". حاولت جلنار استجماع نفسها ومسحت الدماء التي بدأت تضايق عينها قبل أن تجيب: "لا داعٍ للخوف، يمكنكِ الخروج، الجنود يملؤون المكان في الخارج وقد استعدنا كل شيءٍ الآن. هيا، لا بأس".

بدت الفتاة مصدومةً واتسعت ابتسامتها وقد امتلأت عينها بالدموع. "حقًا؟" صاحت لتومئ جلنار مبتسمةً بصعوبةٍ بينما تحارب الألم الذي يكتسح جسدها، مسحت الفتاة وجهها وتحركت بترددٍ مع جلنار.

أرادت جلنار سؤالها عن سبب تواجدها هنا وحيدةً في زنزانةٍ مفتوحة، ولكنها تراجعت عن الأمر؛ فلم تكن في حالةٍ تسمح لها بالنقاش.

ترددت جلنار لثوانٍ وبدأت تساورها الشكوك بسبب توتر الفتاة المبالغ والتفاتها للخلف بشكلٍ مثير للريبة، بدت وكأنها خائفةٌ من جلنار!

حاولت أن تقنع نفسها بأن الأمر طبيعي وأن الفتاة عانت الكثير، ولكنه لم يكن كذلك! الفتاة كانت تنظر لأحدٍ ما جلنار استطاعت أن تلمح ظله من خلف الزنزانة.

توقفت جلنار فجأةً ونظرت للفتاة التي اتسعت عيناها وارتبكت، ولكنها حاولت بقوةٍ الحفاظ على رباطة جأشها وقالت: "هـ… هل سنـ… خرج؟".

حاولت جلنار وضع افتراضاتٍ سريعة حول ما يجري، وأقرب ما استطاعت فهمه أن الفتاة خائفةٌ من الشخص داخل الزنزانة وهناك من قام بتهديدها.

"أريدك أن تخرجي من هنا بسرعة، ولا تلتفتي للخلف أبدًا" همست جلنار وعينها معلقةٌ على الظل الذي تحرك وقد أشعلت يدها.

أصبح الرعب واضحًا على وجه الفتاة كوضوح النجوم في الليل، وبدت على حافة البكاء في هذه الثانية مما دفع جلنار للهمس: "لا بأس، لن يؤذيكِ أحد، فقط اركضي".

تخطت جلنار جسد الفتاة وخطت ببطءٍ نحو الزنزانة تحاول أخذ أفضلية الهجوم المفاجئ، ارتفعت زاوية شفتيها عندما رأت كتف رجلٍ واقف وظهره مستندٌ على الجدار وقد تيقنت من أن شكوكها كانت صحيحة.

لم تكن لتخاطر بإطلاق إريبوسي في مكانٍ مغلق بعيدٍ عن الشمس؛ لذلك كانت خطتها واضحة، ستحرق الزنزانة بالكامل، وعندما رفعت يدها واشتعلت النيران بشكلٍ أكبر ضربت الزنزانة بالنيران بقوة.

كل شيء كان واضحًا، ولكن لم ينفذ بالشكل الصحيح لأن الضربة أصابت السقف عوضًا عن الزنزانة، ليس لأن جلنار أخطأت التصويب، بل بسبب جسد الفتاة الذي اندفع نحوها ودفعها بقوةٍ لتقع فوق الأرض قبل أن تصرخ بقوة: "اهرب، كاريان!".

الفتاة كانت تتصور أن بإمكانها تثبيت جلنار حتى يهرب الشاب، ولكن من الواضح أنها لم تتمكن من تثبيت يدٍ واحدة حتى، وقبل أن تدفعها جلنار ارتفع جسد الفتاة وحملها الشاب فوق كتفه قبل أن يركض للخارج وسط صراخها "ماذا تفعل؟ لن تتمكن من الهروب هكذا، أيها الغبي!".

نهضت جلنار بينما تشعر بالغضب يتمكن منها والارتباك أصابها لثوانٍ، وقفت تنظر للاثنين يركضان عابرين الممر وصولًا للمخرج لتتنهد بمللٍ وتضرب الأرض بقدمها دون أي مجهود.

المخرج الذي كان أمامها أُغلق بواسطة الأرضية التي ارتفعت واندمجت مع المخرج لتغلقه بالكامل. نفضت جلنار الغبار عن كتفها بالرغم من أنها في حالٍ يرثى لها، ثم نظرت للثنائي وقالت بنبرةٍ منزعجة: "ما اللعنة التي تحدث هنا؟".

الشاب أنزل الفتاة عن كتفة قبل أن يلتفت ويسحبها خلفه واضعًا نفسه بينها وجلنار، وحدق بها بمقلتين سوداوتين بالكامل وملامح باردة، وقبل أن يفتح أحدٌ منهما فمه انفجر صوت بكاء الفتاة بينما تتحدث بحديثٍ غير مفهومٍ بسبب بكائها.

شعرت جلنار بالتشوش والصداع في الوقت ذاته بينما مسح الشاب وجهه بنفاد صبرٍ ونظر نحوها بطرف عينه قائلًا: "نريليا! لم يحدث شيءٌ بعد! هل ستبكين من الآن؟". ازداد بكاء الفتاة ودفعت كتفه قبل أن تنظر لجلنار وتحاول الحديث، ولكنها فشلت في ذلك.

"تبدين قبيحة، توقفي عن البكاء!" هتفت جلنار لتتوقف الفتاة فجأةً وتنظر لجلنار بصدمةٍ وأعين واسعة والدموع تغرق وجهها. "أ… أنا لـ… لست كذلك!" قالت قبل أن تنظر للشاب قائلة: "أنا لست قبيحة! هل أبدو كذلك؟". زفر الشاب وربت على رأسها وتمتم بتملل: "لا بالطبع، ولكن هل يمكنكِ التوقف عن البكاء؟".

اتسعت عيناها وقالت بصوتٍ مرتجف: "لأنك تجدني قبيحة عندما أبكي؟". صفع الشاب وجهه ليحاول تمالك نفسه وحرك رأسه نافيًا.

في الجهة المقابلة وقفت جلنار تحدق بهما بشفةٍ مرفوعة ونظرة مستنكرة تحاول فهم ما يحدث هنا، وبدا لوهلة أن الاثنين تناسيا وجودها.

"ماذا يحدث بحق الله؟" هتفت جلنار عندما شعرت بالغباء لينظر الاثنان لها وتأخذ هي خطوةً نحوهما؛ مما دفع الفتاة للركض والوقوف بينهما صارخة: "لا، لا تفعلي! أرجوكِ... الأمر لا يبدو كما تعتقدين، كاريان ليس شخصًا سيئًا، أرجوكِ… اتركيه يذهب، لم يؤذِ أحدًا من قبل".

بدلت جلنار عينها بينهما وقد ضاعت كلماتها وهي تحاول إدراك ما يحدث. "نريليا، توقفي" قال الشاب ببرود لتصيح به: "ربما ستتفهم، كاريان، فقط... فقط إن شرحنا لها، ستتفهم، صحيح؟ أنت لست سيئًا... لا يجب أن تموت لأنك -فقط- إريبوسي... كاريان، إن شرحنا كل شيءٍ ربما ستتركك تعيش، فقط دعنا نحاول، كـ..."

"نريليا، هذا يكفي... لا تترجيها، إنهم يتبعون الأوامر حتى آخر نفسٍ لهم، أنا إريبوسي لعينٌ وعليها قتلي، لن تصبح خائنةً لأنكِ قمتِ بترجيها!" صرخ بقوةٍ في وجه الفتاة لتجفل وتتسع عينها الممتلئة بالدموع.

توقفت الفتاة عن رجاءها ودموعها ازدادت وهي تنظر للاثنين برجاء، وهمست في النهاية عندما فقدت الأمل: "أرجوك".

قبضت جلنار يدها عندما لاحظت تقدم الشاب نحو نريليا واستعدت لقتله، لكنها ترددت عندما انتبهت لأنه لم يكن يهتم بها! ملامحه لم تكن شرسة، كانت هادئة، ورسم ابتسامةً صغيرة وعينه متعلقةٌ بنريليا قبل أن يدفع رأسها نحو صدره محتضنًا جسدها، ثم يهمس مرارًا: "لا بأس، لا بأس، سيكون الأمر سريعًا".

نظرته ارتفعت نحو جلنار وتحولت ملامحه لأخرى باردة، كان واضحًا ما أراد قوله دون أن يفتح فمه، انهي الأمر قبل أن تنتبه!

لا يجب أن تموت لأنك -فقط- إريبوسي!

الجملة كانت تتردد في عقل جلنار بشكلٍ جنوني وهي تنظر للاثنين والأفكار تعصف برأسها. يدها موجهة نحو الشاب ومشتعلة ويمكنها إصابته بسهولةٍ دون أذية الفتاة، لكنها لم تتمكن من ذلك.

كانت مستعدةً للهجوم، ولكنها توقفت وصاحت داخليًا تتساءل عما تفعله في هذه اللحظة.

النيران في قبضتها انطفأت وأخفضت ذراعها بجوارها، ثم نظرت للاثنين بحدةٍ قائلة: "أريد شرحًا في الحال!".

بدت جملة جلنار غير متوقعةٍ للاثنين على الإطلاق، وهذا كان واضحًا من التعبير المصدوم على وجه الشاب والتفات نريليا بسرعةٍ ونظرتها المذهولة.

"لا أملك الكثير من الوقت، الجنود سيصلون إلى هنا في أي لحظة؛ لذلك تحدثا بسرعة"

نظر  الاثنان لبعضهما قبل أن تعود نظرتهم لجلنار، وعندما أدركت نريليا أن جلنار لا تنوي قتل كاريان ومستعدةٌ للتحدث دفعت جسدها بعيدًا عنه وقالت بسرعة:

"كاريان ساعدني منذ اللحظة الأولى التي تم حبسي فيها، لقد خبأني هنا؛ فلا أحد يقترب من الطابق الأخير تحت الأرض، لم يؤذِني يومًا، كانت الخطة أننا سنهرب الليلة، ولكني لم أكن أعلم أن المملكة ستفعل شيئًا من أجل تحريرنا"

 قبضت جلنار على ذراعها بقوةٍ للجملة الأخيرة وهتفت بانزعاجٍ واضح: "فعل الفرسان كل ما يستطيعون فعله ونجحوا".

الاندهاش ارتسم على ملامح الفتاة؛ مما دفع جلنار للإشاحة بوجهها والتنهد قبل أن تقول: "دعينا لا ننحرف عن النقطة الرئيسية...". أعادت تركيزها على كاريان الذي بدا كشخصٍ يحاول قراءة جلنار، ولكنه يفشل في ذلك.

"اعطِني سببًا مقنعًا دفعك لمساعدتها؟ وبالطبع سببًا آخر يمنعني من قتلك"

رفع كاريان حاجبًا وقال: "السبب الأول: ليس من شأنك، السبب الثاني... لا أملكه، يمكنكِ قتلي". عجرفته كانت تشبه كثيرًا عجرفة أرتيانو في هذه اللحظة، ولكن كل هذا اختفى في لحظةٍ عندما صفعت الفتاة رأسه بقوةٍ تثير دهشة جلنار "توقف عن كونك أحمق، أيها الأحمق!".

مسح رأسه بتألمٍ ونظر نحوها بضيقٍ وكاد يتحدث، لكنها داست قدمه بقوةٍ وغيظ وقالت: "اترك الحديث لي".

تأكدت جلنار في هذه اللحظة أن كاريان لا يملك أي نيةٍ لقتل نريليا على الإطلاق، وإلا كان قد فعل منذ مدة، لكنه فقط كتف ذراعيه ونفث بضيقٍ وأشاح برأسه بعيدًا بغير رضا.

"أعلم أنه إريبوسي، وأن الأوامر تقتضي بقتل كل إريبوسي دون نقاش، لكنه ليس سيئًا، إنه مجبرٌ على المجيء إلى هنا ولم يلتحق بالقوات القتالية برغبته، إنه يتألم أكثر من أي شخصٍ آخر، أنتِ تملكين الخيار، لكنه لم يملكه"

نظرت جلنار للشاب الذي عقد حاجبيه في ضيقٍ وعينه السوداء نظرت بعيدًا عنهما وكأنه تذكر شيئًا لم يرد تذكره في هذه اللحظة، جذبت الفتاة انتباهها مجددًا قائلة: "أرجوكِ! إنهم يعانون أيضًا، مثلنا تمامًا…" كانت تقصد في تلك الجملة سكان الحدود وقد كان الحزن باديًا على وجهها.

"لا تحاولي، نريليا، لستِ مجبرةً على ترجيها، لن تخاطر بأن توسم كخائنةٍ من أجل رجاءك. فقط اقتليني وتوقفي عن المماطلة، هل يرضي رجاؤها غرورك، أيتها اللعينة؟ فقط اقتليني واتركيها تذهب من هنا!"

انفعال كاريان قابلته جلنار بنظراتٍ باردةٍ قبل أن تتحرك نحوه؛ مما أثار فزع الفتاة.

توقع كاريان أنه ميت لا محالة في هذه اللحظة، لكنه لم يتوقع أن تتخطى جسده نحو الجدار الذي صنعته أمام المدخل وتحوله إلى رمالٍ في ثانية.

نظرت جلنار للاثنين وقالت ببرود: "اخرجا". تجمد كلاهما ولم يستوعبا ما فعلته جلنار، حتى رددت مجددًا بصوتٍ عالٍ: "اخرجا!".

"حـ… حقًا؟" سألت نريليا بترددِ لتكتف جلنار ذراعيها وتومئ، وعندما تحرك الاثنان بترددٍ نحو المخرج قالت جلنار: "لكن عليك تغطية وجهك بشيءٍ ما، وخاصة عينيك، فهناك ألف جندي في الأعلى ينتظرون الفتك بأي إريبوسي، وإن نجحت في تخبئة وجهه فسيأخذونكما إلى المراكز الطبية لفحص حالتكما وحينها ستُكشفان، وإن لم تخرجا وفضلتما الانتظار هنا حتى هدوء المكان ففي خلال وقتٍ قصير سيكون الجنود هنا يفتشون المكان وسيجدونكما".

ما قالته جلنار كان غائبًا عن عقل الاثنين، تبادل كلاهما نظراتٍ يائسة وقد شعرا بأن لا سبيل للنجاة. "لماذا تخبريننا بهذا؟" سأل كاريان بانزعاجٍ مما دفعها للاتجاه نحوه ولكمه بقوةٍ تركت أثرًا على وجنته.

"في المرة القادمة استعمل أسلوبًا أفضل، أيها الأحمق! لا نية لي لإذلالكما، لكن إن صبرت قليلًا وقررت ترك أحكامك المسبقة لعرفت ما أريده بالضبط منكما"

مسح كاريان خده بألم وكاد يشتم، ولكنه حبس نفسه عن ذلك وتساءل عن كيف يمكن لقبضة فتاةٍ أن تترك هذا الألم!

"ما الذي تريدينه إذًا؟" سأل دون صراخٍ وهو ينظر بعيدًا عنها لتبتسم وتقول: "سأساعدكما، وحينها ستكون مدينًا لي بحياتك". أصابته الدهشة جراء حديثها وكاد يرد في المقابل، لكنها أردفت ولم تسمح له بالكلام: "بعد أربعة أيام من الآن، عند غروب شمس اليوم الرابع سأقابل كلاكما على أرض كليسثينيس داخل سوقٍ تحت الأرض، ستنتظران خلف ورشة حدادةٍ لرجلٍ يدعى جولدامون حتى مجيئي".

شهقت الفتاة فجأةً وصاحت قائلة: "تعرفين السيد جولدامون؟". ارتفع حاجب جلنار وأومأت باستغرابٍ "أتعرفينه أنتِ؟". أومأت الفتاة قائلة: "نحن من المقاطعة ذاتها". ابتسمت جلنار برضا "هذا يسهل الأمر كثيرًا".

نظرت لكاريان وسألت بنبرةٍ حادة: "اتفقنا؟".

صمت لثوانٍ وهو ينظر نحوها يحاول استكشاف ما قد يفيدها من بقائه حيًا. "وماذا إن لم نأتِ؟" تساءل؛ مما دفع ابتسامةً خبيثة وسيئة للظهور على وجهها، أجابت ببرودٍ دب الرعب فيهما: " أتظنني حمقاء لأترك إريبوسي يغادر بسهولةٍ مع مواطنة؟". اقتربت منه مقتحمةً مساحته الشخصية وحدقت بعينيه وقد تحولت حدقتها للونٍ قرمزي ونصف فجسدها أصبح أشبه بجمرةٍ من نار لتهسهس أمام وجهه:

"أينما ذهبتما فأنا أراقبك، لست واثقةً فيك بالكامل، وإن حاولت أذيتها أو الإخلاف بوعدنا فأقسم بالرب أني سأعثر عليك قبل أن تطرف عينك، وسأقطع عنقك بنفسي، سأحرص على أن تكون ميتةً مؤلمة وبطيئة"

احتفلت داخليًا عندما لاحظت جحوظ عينيه وابتلاعه بصعوبةٍ وهو يحارب لمس عنقه بينما ارتجفت شفتيه بخوفٍ وهو يحدق بها والعرق قد غزى وجهه.

حاولت الحفاظ على نجاحها في التأثير عليهما والثبات على برودها متجاهلةً رغبتها في الصراخ بألمٍ بسبب الجروح التي تنتشر في أنحاء جسدها.

"اتفقنا" قال كاريان وهو ينظر لنريليا التي أومأت بموافقةٍ أيضًا، ابتسمت جلنار وصفقت قائلة: "حسنًا إذًا، دعونا نخرج من هنا: فلا أملك اليوم بطوله".

كان الاثنان يتبعان جلنار وما زالا متفاجئين مما حدث؛ فقد ظنا أنهما ميتان لا محالة! من المستحيل أن يخالف الجنود الأوامر وأن يخاطروا بشيءٍ كأن يتم وسمهم كخونة، ولكن تلك الفتاة التي أعطت كاريان رداءً ليرتديه ويغطي عينه لم تكن مباليةً بهذا على الإطلاق.

شعر كاريان أنها ستصرخ على الجنود ليقتلوه ما أن يصبحوا خارج البرج، لكنها لم تفعل، بل إنها تصرفت بطبيعية، وكلما اقترب أحد من الاثنين أومأت برأسها إشارةً على أنها تأكدت من صحتهما.

استمروا بالسير حتى وصلوا إلى المركبات التي ترسل الأشخاص المعافين إلى أراضي النبلاء ليبقوا هناك حتى تأمر الأميرة بما سيفعلونه لاحقًا.

قفزت نريليا إلى المركبة مع السكان وقبل أن يتبعها كاريان توقف وأمسك بذراع جلنار قائلًا: "من تكونين حقًا؟ من المستحيل أن تكوني مجرد جنديةٍ أو مقاتلة! من أنتِ؟".

ابتسمت جلنار واقتربت منه قائلة: "من أكون هي قصة يطول شرحها وهي مثيرةٌ للاهتمام قليلًا، إن أردت سماع هذه القصة عليك المجيء بعد أربعة أيام إلى الحداد، سأنتظركما".

غمزت في النهاية وكاد كاريان يقسم أن عينها توهجت بلون أصفر لثوانٍ، أو ربما كان يتخيل وحسب.

ابتعدت عنهما جلنار وشاهدت المركبة وهي تحلق ببطءٍ من فوق الأرضية قبل أن تلوح لهما وتذهب.

رقابها الاثنان بفضولٍ واتسعت أعينهما عندما شاهدا تنين الشفق الذي اتجه نحوها تداعبه وتمزح معه. "أهذا تنين شفق؟" هتف أحد الأطفال في المركبة مما دفع الجميع للنظر نحو الأسفل ينظرون لكارولوس. "أهذا فارس الإلترانيوس؟" همست نريليا وهي تشير لأوكتيفيان الذي وقف يتحدث مع جلنار قبل أن تبتعد المركبة ويختفي الاثنان من مجال رؤية الجميع.

"مع من تورطنا؟" همس كاريان ونظر بقلق إلى نريليا التي أسندت رأسها إلى كتفه هامسةً على الرغم من قلقها وخوفها: "كل شيءٍ سيكون بخير".

"أين كنتِ؟" صفع يوجين كتف جلنار ما أن لمحها لتصرخ بألمٍ وترمي نظرةً حادة نحوه وهي تلمس كتفها بخفة "أيها الغبي! لا أشعر بجسدي، ما خطبك؟". كتف ذراعيه صائحًا: "ما خطبي؟ خطبي أنكِ تحولتِ لأنوار ليلة الكريسماس وفجأةً اختفيتِ من بين الجميع وظللت أنا أسمع تذمر هذا العجوز وهو يبحث عنكِ" أشار لأوكتيفيان في نهاية حديثه لتدحرج جلنار عينيها وتقول: "توقف عن كونك ملك الدراما".

"أنت تعرجين بشكلٍ سيء" علق يوجين متجاهلًا الإهانة الأخيرة بينما ينظر لقدمها اليسرى التي كانت بالكاد يمكنها الاتكاء عليها وقد تلوث درع قدمها بالدماء.

استندت جلنار على كارولوس قبل أن تجلس فوق الأرضية بتعبٍ وتجيب وهي تنظر لملابسها الممتلئة بدمائها ودماء أشخاص آخرين: "لقد غرز أحدهم مخالبه اللعينة في قدمي، لا أريد النظر لها حتى، إنها تؤلم جدًا".

أسندت رأسها على كارولوس ونظرت ليوجين متسائلة: "هل البقية بخير؟". رفع كتفيه كإجابة بجهله: لكنه علق بلا مبالاة: "إنهم مجانين ناجون، لا تقلقِي بشأنهم، هم بخيرٍ بكل تأكيد".

أومأت بصمتٍ ونظرت حولها، الجميع يتحرك كخلية نحل، المصابون يتم نقلهم بسرعة والسكان المعافون يسرعون للمركبات التي تتجه بهم إلى أراضي النبلاء، الجنود انتشروا في كل مكانٍ لتفقد المقاطعات الثلاثة، وأوكتيفيان وقف على مسافةٍ منها يلقي الأوامر للجميع ويشرف على حالات نقل المصابين.

أخذت نفسًا قويًا قبل أن تغلق عينها مبتسمة، بالرغم من الفوضى من حولها فقد نجحت! لقد استطاعوا استعادة المقاطعات الثلاث من تحت أيدي الإريبوس، ومملكة الإلترانيوس لم تعد تحت التهديد بعد الآن.

الأمر لم يتوقف هنا بكل تأكيد، لكنها الآن داخل الأمر رسميًا!

لقد قرعت جلنار جرس بداية النهاية…

وعليها تحمل عواقب رنين الجرس الذي سمعته الممالك كلها.

لكن في الوقت الحالي... هي فقط ستغلق عينيها وستحاول الحصول على بعض الراحة، فقط لبرهة، لن تفكر في أي شيءٍ ولن تحاول تحليل شيءٍ أو القلق حول شيء.

هي فقط ستغلق عينيها لدقائق وتشعر بالراحة، ولو لمدةٍ صغيرة، ثم ستعود لأرض المعركة مجددًا.

"تنفسي! لقد فعلتها"

همس أتريوس وهو يرفع جسدها عن الأرضية كان آخر ما سمعته قبل أن تفقد وعيها نتيجةً للإصابات القوية التي تعرض جسدها لها والتي كانت تضغط بها على نفسها متجاهلةً الألم حتى تنهي هذه المعركة.

الآن فقط…

بدأت الحرب.


********************************************

هاااااي

اخباركم؟

اخر كام سطر في الفصل حسيت بسلااام كانه الراحه بعد يوم متعب 

مكنتش حابه انزل الفصل النهرده الصراحه لان مشغوله ده غير مش بحب الفصول تلهيكم عن عبادتكم 

بس قلت اخر الليل وياربت تخلصوا الي وراكم وبعد كده تقرأوا براحتكم

لوف يو

باي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

36 تعليقات

  1. اول تعليق 😁😁😁😁اروح اقرأ البارت

    ردحذف
  2. يااااااخ قربت تعرف حقيقة اتروووويس 😍

    ردحذف
  3. واني اقرأ الفصل والاكشن الي بالمعركة قلبي يدق بقوة متحمسة لنهاية المعركة مع اني قرأتها سابقا لكن الحماس صعد عندي 👍👍👍❤❤❤

    ردحذف
  4. اخيرا وصلنا البارت دا كنت مستنيه تنفيذ الخطه من فتره ♥️♥️♥️
    كدا حاسه انو مش فاضل كتير لحد ما نوصل الجديد ♥️♥️😉

    ردحذف
  5. اااااااااااااااااا يختشي الحمااااااس مليووووووونننننننن

    ردحذف
  6. من زمان كنت مستنية هذا الفصل وانتظر فصل التدريبات الخارقة مع يوجين

    ردحذف
  7. نعست معاها باخر سطرين

    ردحذف
  8. الفصل القادم أفضل فصل بالنسبة لي 🩷

    ردحذف
  9. شكرا على تنزيل البارت جداا رغم انشغالك بجد كان نااار ♥️♥️

    ردحذف
  10. حماس لا يوصف لبقية الفصول البارت الجاي لقاء جلنار بأثر الحكيم الاكبر و جولديان و شبه اعتراف والاحتفال النبلاء واحتفال سكان الحدود ورقصها مع اتريوس واخر شي لقاء ايراكوس 💜

    ردحذف
  11. 😍😍😍😍😍🔥🔥😍😍😍

    ردحذف
  12. الفصل اخذ عقلي ونومي من الحماسسس

    ردحذف
  13. و أخيرا وصلنا الفصل لي رح يخلينا نبدل وجهة نضرنا عن الإريبوسيين و ماهو بداية إلا للقادم 😈🤫😂الأعظم فرحانة كثير لفصلين جايين من أمتع فصول😍😍

    ردحذف
    الردود
    1. إسراء انا بحبك اوووي😭....انا حقيقي ونا وبقرأ البارت عيوني دمعت وحسيت انو انا معاهم ف المعركة حاجة دة فوق الخيال حقيقي ❤️❤️😭

      حذف
  14. بداية النهاية 🔥🔥🔥🔥

    ردحذف
  15. من اكثر الفصول التي كنت متشوقه لقرائتها و شحن ذاكرتي لأستعيد شعوري بالحماس و الروعه من كمية الاحداث الجنونية 🔥 استمري بكتابة هذه التحفة الفنيه ✨️.

    ردحذف
  16. الفصل كان يجنن❤️‍🔥❤️‍🔥❤️‍🔥الفصول المفضله عندي هي الفصول الي تتكلم عن الحروب و المؤامرات🫂🫂🫂

    ردحذف
  17. البارت مش هينزل؟؟

    ردحذف
  18. إنه التحديث رقم 834963678934609 للصفحة ومافيش فصل✨✨✨

    يارب زر التحديث هو اللي معطل✨✨💔💔💔

    ردحذف
  19. يارب اليوم فيه فصل لسى عندي امل ):

    ردحذف
  20. الصراحة !!!!!
    عاجزة عن قول اي كلمة تعبر عن الفصل !
    !!!!!!
    كاشخص جاته صدمة حماسية مو قادرة يقول ولا كلللللللمة حررفيييييييييا
    فصل ((((( خرااااااااافيييي )))))))أقسم بالله 😭😭😭😭😭😭 حرفيا رجولي من القفز وحلقي من الصراخ بيوجعني بس خلصت الفصل غير راسي الى اكلت منه ضربة من شبشب ماما لما صرخت فجاة وجلطتها 😂😂😂 ورربي حمااااس 😭😭😭

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال