السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الكثير
من الأحداث دائمًا ما تحدث دون أن نحسب لها حساب..
نسميها
الصدفة، ونحّمل القدر وقّعتها.
ولكن
إيراكوس كان لا يؤمن بالصدف، كان يصنع الصدف ويوهم الجميع أنها صدفة ولكنه يعلم أن
ما من صدفة.
يؤمن
أن كل شيء في هذا الكون وضع في مكان معين ووقت معين ليؤدي وظيفة معينة، كل حدث
مخطط له وكل شخص يولد على وجه هذا الكون هناك سبب لوجوده بل وساهم في كل التغيرات
الضخمة التي تحدث له ولكن دون أن يعلم.
فلن
يدرك الزبون ان بشرائه قلم واحد قد يغير العالم، فبثمن القلم تمكن البائع من إتمام
مبلغ دينه، ذات الدين الذي قام بتسديده لدائن، ذات الدائن الذي استخدم المال
لتجاره المخدارت، المخدرات التي ستنتشر بين المروجين في المدينة مسببة مقاضة
العمدة بتهمة التسيب والإهمال، مما يدفعه للإنتقام من القاضِ ونشر فضائحه للعلن
مسببًا بدأ حملة واسعة في امريكا لتشكيك في القضاء مما قد يسبب اعمال شغب تؤدي
لإقاله الرئيس الحالي ليتولا شخصًا آخر الرئاسة، قد يكون أكثر فسادًا او أكثر
إصلاحًا، وأيًا كانت النتجية فقد تؤثر على العالم اجمع كون أمريكا واحدة من اقوى
الدول فإما تقود القوانين الجديده لحرب أو سلام.
وتستمر
هذه الدائرة ويساهم فيها المليارات حول العالم وهم لا يشعرون بذلك، كيف لرجل اشترى
قلمًا من بائع المكتبة أن يفكر في يوم من الأيام أنه كان سبب في سقوط رئيس أمريكا؟
هذا
هو تعريف القدر بالنسبة لإيراكوس، لا شيء يحدث صدفة كل شيء كُتب قبل أن نولد وخطط
له بشكل محكم ولكن بالرغم من هذا مازلنا نملك حرية الخيار، ومهما كانت خياراتنا
أحيانًا جميعها تؤدي إلى نتيجة واحدة مهما حاولنا الهروب من هذه النتيجة.
كان
يرى نفسه الشخص القادر على أخذ الخيار وقرر إنه إن كان سيؤثر على العالم على أي
حال فعوضًا عن أن يكون الشخص الذي اشترى القلم وظل جاهلًا بأنه سبب سقوط دولة
سيكون الشخص الذي يؤثر العالم بشكل كبير، بشكل بارز وإن مات سيموت فخورًا بما
أنجزه.
جلنار
روسيل كانت بالنسبة لإيراكوس مفاجئة من مفاجئات القدر، لم يستطع أن يحدد ما إن
كانت هدية حقًا أم مصيبة ستفسد كل شيء لذلك فضل البقاء والمراقبة من بعيد..
أراد
أن يقرر إن كان عليه إبعادها عن طريقه أم ضمها له ولكنه لم يتوقع أبدًا أنه من
سيطلب الانضمام لها!
منذ
أن ولد لم يرى شخص يملك الجراءة على اقتحام حفل نبيل والتهجم عليه، لم يرى شخص
يملك الجراءة على رفع سلاح في وجه أبناء النبلاء وفي النهاية كانت
جلنار تفاجئه مع كل خطوة تأخذها.
إيراكوس
فضل أن يكون الظل، اليد الخفية التي ستحركهم ولن يشعر بها أحد حتى يصدم النبلاء
بالواقع ولكن جلنار لم تكن تهتم بإخفاء نفسها ولم تكن تهتم بالإختباء، جلنار كانت
الجسد الذي مستعد لصفع النبلاء والوقف متفاخرة بهذا.
أهدافهما
واحدة ولكن طريقتهما تختلف ولذلك قرر أنه مستعد أن يكون الظل وهي الجسد معًا، وفي
آخر خطة نفذتها كان في أوج حماسه، لقد كانت ضربة قوية لم يكن لينفذها وإن فكر
لمائة عام.
كانت
شخصية جلنار داخل ذهنه مرسومة بشكل قوي، كان يرى فيها سيدة غامضة، قوية وجسورة..
كانت ذلك النوع من القادة التي له ضربة من حديد القادر على قيادة جيش من
الإلترانيوس والساحرات في آن واحد.
توقع
سيدة ذات رأس مرفوع بفخر وجسد قوي وملابس رسمية وتعبير وجه قاسي.
لكن
تحطمت تلك الصورة عندما قابلها وجهًا لوجه في نهاية الحفل.
كانت
مجرد فتاة!
ملامح
بسيطة وملابس عادية ابتسامة لطيفة ونظرة لامعة حتى أنه من المستحيل أن تجزم أنها
أمسكت سلاحًا من قبل.
كاد
يشعر انه قابل الفتاة الخاطئة ولكنها كانت هي! بدت فتاة رقيقة من النظرة الأولى.
كان
قد أخذ قرارًا أن يكشف عن نفسه لها ولم يتراجع تلك الليلة ورد فعلها كان أكبر دليل
أنه بالفعل يتحدث مع ابنة التوبازيوس.
"علي
القول أنني متفاجئة" جملة جلنار دفعت إيراكوس للتفكير أنه من كان عليه قول
هذه الجملة ولكنه ابتسم وسألها قائلًا: "لأنني وسيم أكثر مما ظننتِ؟"
دحرجت جلنار عينها ورسمت ابتسامة بسيطة وأجابت: "لا، بل لأنك كشفت نفسك لي
مبكرًا!"
ارتفع
حاجبيه بذهول وأخفى رد فعله هذه وبدله بآخر عادي وقال: "ولما تظنين أنني كشفت
نفسي مبكرًا؟" لقد كانت محقة وهذا ما فاجئه، لم يكن ينوي مقابلتها أبدًا في
هذا الوقت ولم يكن ليتجرئ على أن يكشف نفسه أمامها..
كان
من غير المعقول أنها ستطاعت قراءته فقط من مجرد جملتين قالهما!
"لأنك
تبدو شخصًا حذر، شخص كان واضحًا أنه غير مستعد في الثقة حتى بأشخاص اختارتهم قوة
التوبازيوس، انت شخص تأخذ المخاطرة ولكن ليس للحد الذي يضع كل ما فعلته على
الحافة.. لذلك كشف نفسك في وقت حرج كهذا لا يبدو كــ ... كالسيد إي"
نظر
نحوها مطولًا يحاول تدارك نفسه والتحكم في ردود أفعاله، لقد شعر بالقلق في هذه
اللحظة، لقد قرأت شخصيته فقط من قبل حتى أن يتقابلا.. هذه ليست فتاة عادية!
أخذ
نفسًا ووضع ابتسامته المعتادة قائلًا: "علي القول أنا هذه المرة، لقد
تفاجئت" ابتسمت جلنار ولكنها نظرت نحوه بجدية بعد أن محت تلك الابتسامة
وقالت: "والآن، لنتحدث بجدية.. لما أنت هنا؟ ولما فجأة أصبحت جزء من
خططك؟"
كان
قد أدرك أن العبث معها والكذب لن يجدي نفعًا، بل سيوقعه في مشاكل هو في غنى عنها
لذلك رفع يديه كإشارة استسلام "حسنًا، في الواقع أنتِ محقة فيما قلته، لم تكن
نيتي الظهور أمامكِ في وقت كهذا ولكن ما فعلته كان مذهلًا! أعلم جيدًا أن النبلاء
ما كانوا ليحركوا جنودهم فجأة نحو الحدود إلا إذا دفعهم شخص لذلك، ثم وضعتهم أمام
الامر الواقع وجعلتهم يشاركون بجنودهم في هذه المعركة وفوق كل هذا.. كفلتِ لسكان
الحدود حقوقهم فوق أنف النبلاء".
التفت
بكامل جسده نحو جلنار ونظرة مختلفة وجدية داخل عينه وأردف "كانت خطة عبقرية!
ما كنت لأفكر في شيء كهذا طيلة هذه السنوات وما كنت أملك أي سلطة تخولني لأن أنفذ
خطة كهذه ولكن أنتِ! أنتِ يمكنك ذلك وأكثر، لأصدقك القول لم أتوقع الكثير من فتاة
وجدت نفسها فجئة في واقع بعيدًا كل البعد عن واقعها، ولكن كسرتي تواقعاتي ووجدت
نفسي أمام خطوة إن أردت الفوز علي أغتنامها"
"وهي
أن تنضم لي" قالت جلنار ليومئ متفقًا "لا أريدكِ أن تكوني جزء من خطتي..
أريد أن أكون جزء من خطتكِ، لا شخص يملك ما أملك من معلومات وقذارة عن النبلاء ولا
أحد يستطيع الوصول لما وصلت إليه أنتِ في حاجة لي"
رفعت
جلنار حاجبًا وقالت "وفي المقابل؟" ابتسم وحرك رأسه للجانبين بخفة
"لا أريد منكِ مقابلًا، أهدافنا تتلاقى عند نقطة التخلص من كبار النبلاء
الحاليين، انا لا أريد مقابلًا ولا أسدي الخدمات، انا شخص يبحث عن أفضل الطرق ليصل
لهدفه."
"إيراكوس!
إلى من تنتمي بالضبط؟" سألت جلنار لينظر من حوله لثواني قبل أن يبتسم بثقة
قائلًا "أنا أنتمي إلى هذه المملكة، إلى الإلترانيوس.. أليس هذا بكافٍ؟"
زمت جلنار شفتيها لثواني قبل أن تقول "وما دوافعك إذًا؟ لما تريد الإطاحة
بالنبلاء؟"
التفت
ونظر نحو السماء التي بدأت تُنير وينسلخ الليل مظهرًا النهار ولم ينظر نحو جلنار
ولكنه أجاب "لما لا نترك دوافعي لي؟ أليس المهم أن أهدافنا مشتركة؟"
كان
شخص متكتمًا على أسبابه ومازال غامضًا بالنسبة لجلنار لكنها كنت تعلم أن عاجلًا ام
آجلًا ستحتاج رجل مثله في صفها، وفي المقابل هو أيضًا لا يعلم كل شيء عنها وهذا
يعني أن كلاهما يحمي أسراره ودوافعه.
لقد
كنت صفقة مرضية لطرفين لذلك ابتسمت جلنار وقالت بنبر درامية "مرحبًا بك في
العصابة إذًا" ابتسم وانحنى انحناءه بسيطة متظاهرًا بالنبل "لي الشرف
آنستي."
ليس
رسمي! ليس صريحًا، وذكي وماكر ويخفي أكثر مما يظهر، كانت جلنار تكون صورة عن
إيراكوس مع كل حركة يقوم بها ولم تبتعد كثيرًا عن حقيقته.
"ما
الخطوة التالية إذًا؟" سألها لتشير نحو الباقون من حولها من المحتفلين
السكارى والنائمين "علينا تأمين الحدود لعودتهم، النبلاء سينفذ صبرهم قريبًا
ولست في حاجة لهذا لذلك."
أومأ
إيراكوس بتفهم ولكنه قال: "هذا شيء لابد منه ولكن من الصعب تأمين الحدود في
وقت قصير خاصة أن التحقيقات حول البرج الذي كان يجري فيه الإريبوس تجاربهم لازالت
جارية" رفعت جلنار حاجبًا وسألت "كم تعلم بالضبط من المعلومات حول ما
يحدث؟"
زم
شفتيه متظاهرًا بالتفكير قبل أن يجيب بصراحة "كل شيء تقريبًا" كان هذا
مثيرًا للإعجاب، فحتى جلنار لم تتمكن من معرفة أسرار النبلاء حتى الآن.
"نعم
من الصعب تأمين الحدود لذلك علينا إيهامهم بأننا سننقلهم قريبًا ولكن ذلك أيضًا
سيمهلنا بعض الوقت ليس إلا" أتفق إيراكوس معها وصمتت هي تفكر في حل ولكنه كان
يحمل واحدًا، ابتسامته الخبيثة اتسعت وقال بنبرة غنائية "أو ربما علينا فقط
إلهائهم بمصيبة أكبر".
شعرت
جلنار بالفضول وعقدت حاجبها ببعض الاستغراب قائلة "مثل ماذا؟" أشار
لنفسه بغرور مصطنعة وقال "دعي الأمر للفتى إي أملك الكثير من الأوراق المخفية
فوق الطاولة لم أظهرها بعد".
ضيقت
جلنار عينها واقتربت منه محذرة "أنت لا تعمل وحدك الآن إيراكوس لذلك كن حذرًا
فيما ستفعل وأخبرني قبلها بما ستفعل إن أردت الإنضمام لي، إن استخدمنا أوراقك
جيدًا مع خطتي سننجح بإسقاطهم"
عاد
للخلف وشعر ببعض الاضطراب من نظرتها الحادة وابتسم ملطفًا الجو وقال:
"بالطبع، لم أكن انوي فعل شيء ما دون معرفتك" في الواقع لم يفكر في
إخبارها ماذا سيفعل حتى ولكن.. أصبح عمله الآن يتعارض مع خططها لذلك إن لم يتصرف
بحذر بالفعل سينتهي كل شيء.
أضاف
إيراكوس شيء لقائمته عن جلنار..
نظرتها
مخيفة!
"حسنًا
بما انك تعلم أوكتيفيان سلفًا فيمكنه إصال رسائلنا" قالت له ليوافق لكنه قال
"ولكن إن لم يكن مقتضب الحاجبين في الجوار.." قال بسخرية قاصدًا
أوكتيفيان قبل أن يصدر صفيرًا ذا نغمه معينة وينظر نحو السماء..
شيء
ما حلق نحوهما قبل أن يهبط برقة على كتف إيراكوس، كان مخلوقًا أشبه بجنيات ثونار
ولكنه أكبر حجمًا ويملك أربعة قوائم وجناحين صغيرين وأعين واسعة وكبيرة وزغب
بنفسجي يغطي جسده.
داعب
إيراكوس رأسه ليمسح رأسه بكتف إيراكوس "هذه غابي، حافظة أسراري، إنها بارعة
في التخفي والتحرك بسرعة ستوصل الرسائل بيننا إن لم يتمكن أوكتيفيان من ذلك."
ابتسمت
جلنار عندما قفزت غابي فوق يدها وظلت تحاول كسب بعض الدلال منها "إنها لطيفة
جدًا" لم تتماسك جلنار وقالت بنبرة فاجئت إيراكوس بينما ظلت جلنار تتداعبها
وتعاملها وكأنها ترى رضيع لطيف.
شيء
آخر أُضيف لقائمة إيراكوس عن جلنار..
لا
يمكن توقع تصرفاتها.
"في
الواقع غابي يمكنها أن تكون سيلة تواصلنا في أي مكان في الكون، تملك قدرة التنقل
بين الممالك" اتسعت عين جلنار ورفعت رأسها نحو إيراكوس صائحة بتعجب
"حقًا!" أومأ وبسط يده لتقفز غابي فوقها.
"إنها
مخلوقة نادرة، مع الأسف تم اصطياد غالبية المخلوقات المثيلة لها لاستعمالات لا
قانونية حتى هرب الباقون منهم داخل غابات الممالك، وجدت هذه الصغيرة منذ وقت وقد
كانت مصابة، ظلت ملتصقة بي عندما عالجتها"
كانت
جلنار تريد أخذ صورة للاثنين معًا وتحتفظ بها للأبد ولكنها كبتت هذه الرغبة حتى لا
تظهر كحمقاء من اللقاء الأول.
"حسنًا
إذًا، لدينا وسيلة اتصال لطيفة، أخبرني ما تنوي فعله قريبًا" قالت جلنار
ليبتسم بحماس ويومئ قائلًا:
"ستحبينه
كثيرًا"
....
"ألهي
لما علي أنا التكفل بك؟"
تذمرت
ثونار بينما تحاول موازنة وزن جوزفين حتى لا يقع ويصطدم وجهه بالأرضية "توقف
عن العبث بشعري" صاحت به عندما لم يتوقف عن إدخال يده داخل شعرها ويتظاهر
بالبحث عن كف يده.
"إنه
ليس شعرك" قال بينما يتلعثم في حديثه لتدحرج ثونار عينها وتقول ساخرة
"نعم بالطبع أنه شعر أغدراسيل"
نظر
نحوها لثواني محدقًا بلا تعبير قبل أن ينفجر ضحكًا "ألهي.. أغدراسيل يملك شعر
أصهب" زفرت بنفاذ صبر وحاولت الإسراع في خطواتها نحو المنزل "لما تعطلت
المركبة بعيدًا عن المنزل بحق الله؟" تمتمت بينما تسحب قميصه عندما كاد يميل
ويقع مجددًا.
"لما
أفرطت في الشراب أيها الأحمق" صاحت به غاضبة ليدفعها ويصيح بطفولية "لا
تصرخي، لا أحد يخبرني ما علي فعله"
لم
يستطع الوقوف لثانية أخرى وسقط فوق الأرضية ليأن بألم. أغمضت ثونار عينها ودلكت
رأسها تحاول التخلص من الصداع الذي سببه الثمل الذي تهرب الجميع من مسؤوليته.
"انهض
جوزفين" قالت بهدوء وحاولت رفعه لكنه دفع يدها بعيدًا وقال بعناد
"ابتعدي ايتها الخادمة واعتذري عن وقاحتك" كادت تلكمه ليعود لرشده لكنه
فقط ثمل بشكل سيء ولسبب ما لا تريد لكمه في هذه الحالة.
"انت
لست في قصرك هنا، انهض جوزفين" حاولت مجددًا ومالت نحوه تحاول رفعه لكنه تجمد
ونظر نحوها لمده قبل أن يقول ببلاهة "أتحاولين أغوائي؟".
تجمدت
ثونار مكانها تحاول استيعاب ما قال لكنه انفجر ضحكًا وقال "انظري لوجهك أيتها
الخادمة، ماذا؟ هل تحاولين إغراء الأمير الـ..."
ابتلع
كلماته عندما لاحظ نظرة ثونار التي كانت تطلق شرارًا قبل أن تمسك بياقة قميص وتصفع
وجهه بقوة.
شعر
بالدوار جراء الصفعة التي تركت علامة على وجه وعندما التفت بغضب نحوها تجمد بسبب
تعبيرها المتوحش، أمسكت بفكه بقوة وقالت بغضب "عليك أن تحمد الإله ألف مرة
لأنك ثمل وإلا أنسيتك أسمك ومن تكون أيها القذر، أنا لست خادمتك اللعينة وإن لم
تنهض حالًا وتسير نحو المنزل سأقتلك وسأدفن جثتك المتعفنة هنا ولن يعلم أحد حتى
أنك ميت"
لم
يكن تهديدًا فارغًا، عينها كانت تقول الامر ذاته.
"أمرك"
قال جوزفين بفزع ونهض واقفًا على الفور دون أي اعتراض أو حديث ثمل سخيف.
التفت
ثونار وسارت نحو المنزل تحاول تهدئه نفسها ولكنها توقفت عندما سمعت صوت ارتطام
بالأرضية! التفت لتجده واقع فوق وجهه بشكل سيء.
رفع
وجهه نحوها وقال بنبرة ثملة "الأرض دفعتني لأقع، لقد وضعت قدمها امامي".
صفعت
ثونار جبهتها قبل أن تمسح وجهها تشعر بأنها ستفقد عقلها.
اقتربت
نحوه وحاولت مساعدته على الجلوس لتتفاجئ بأنفه ينزف بسبب ارتطامه بالأرض "هل
أنزف؟" قال بخوف لترفع حاجبًا وتقول: "أنفك دُمر بالكامل، ربما يجدر بنا
قطعه".
اتسعت
عينه وحاول الإمساك بإنفه وقال بنبرة فزعة "لا يمكن! إنه سر وسامتي، أفني لا
يمكن أن يكسر أفني". لم تتمالك ثونار ضحكتها وأخرجت محرمة كانت في جيب جوزفين
وحاولت مسح الدماء "أنها أنفي أيها الاحمق، لا تقلق لازلت وسيمًا"
عقد
حاجبيه بانزعاج قائلًا: "توقفي عن التلاعب بجوزفين". تظاهرت بالتقزز
قائلة "توقف عن التحدث بهذه الطريقة هذا مقرف".
كلاهما
صمت لمدة، ثونار تحاول إزالة الدماء دون إيذاء أنفه بينما ظل يحدق بها طيلة الوقت.
"علينا
إخبار جلنار" قال فجأة مما دفع ثونار لتوقف عن ما تفعل والسؤال "أخبارها
بماذا؟" بدا فجأة أكثر هدوء وذبلت ملامحه وكأنه تبدل لشخص آخر في ثانية..
"لقد
كان هنا لسبب سيء" تمتم وهو ينظر بعيدًا، اعتدلت ثونار في جلستها امامه وجذبت
انتباهه مجددًا نحوها قائلة "ما الذي تتحدث عنه جوزفين؟" نظر نحوها بقلق
وقال: "الأمر يحدث في مملكتي".
لم
تعقب ثونار على حديثه وانتظرت حتى يخبرها بكل شيء ولم تنتظر كثيرًا لأنه قال
"لقد علمت لما زار ملك مملكة المتنكرين الأميرة". عقدت حاجبها وسألت:
"والدك؟" بدا الانزعاج عليه وقال بنبرة غير مبالية "فقط جلالته
ثونار".
أدركت
أنها اقتربت من أحد ألغامه لذلك اومأت دون أي رد أو عناد، كره جوزفين لوالده يبدو
أكبر مما تظن.
"لقد
بدأ الأمر في مملكتنا، لقد هجموا على أحد المدن في مملكة المتنكرين". اتسعت
عين ثونار وصاحت بفزع "ماذا؟" عقد حاجبيه منزعجًا من صراخها ولكنها لم
تبالي "ماذا تعني؟ كيف استطاعوا فتح بوابة داخل مملكتم؟ هذا سيء، سيء
جدًا".
مسحت
وجهها بتوتر وقلق وراقبها هو بصمت لكنها لم تستطع كبح نفسها من التمتمة والتفكير
وقالت: "تمكنهم من الوصول إلى الإلترانيوس لأنها تحمل سحرًا كبيرًا، ولأنها
المركز من السهل الوصول إليها ولن تحتاج لقوة كبيرة لفتح بوابة لها ولكن، مملكة
المتنكرين هي الخامسة في البعد عن المركز.. هذا يعني أنهم يحتاجون لقوة ضخمه حتى
يجدون بوابة لمملكتكم".
رفعت
نظرها نحو جوزفين بخوف وقالت "كيف اكتسبوا كل هذه القوة؟"
تنهد
جوزفين وطأطأ برأسه وقد تمكن شعور خانق في السيطرة على صدره "لقد قُتل ألبرت
هناك". لاحظت ثونار الإرتجاف في صوته ومحاولته إخفاء وجهه "ألبرت؟"
كررت بتساؤل ليزفر ويقول "كان أفضل أصدقائي ثونار، كان كل شيء، لقد وصلني
الخبر منذ ساعات.. لقد دفن منذ يومين ولم أعرف حتى..."
اختنق
صوته في نهاية جملته وهذا دفعه لصمت ومحاولة السيطرة على نفسه.
أدركت
ثونار لم افرط في الشراب فجأة ولما تحول لشخص تائه في منتصف الحفل ولما ظل يلقي
نكات سخيفة ويسخر من الجميع بشكل مبالغ فيه فجأة.. كان يحاول فقط قتل الضغط الجاثم
على صدره.
محاولته
في منع نفسه عن البكاء أمامها كانت شبه فاشلة وشعرت أنها لا تريد البقاء ساكنة
أمامه.. لم يعجبها حقيقة أن شخص مشرق كجوزفين يتحمل كل هذا وحده..
اقتربت
منه محتضنة جسده واستمرت في تحريك يدها صعودًا ونزولًا فوق ظهره في محاولة لتخفيف
عنه.
لم
يصدر أي رد فعل لمدة دقيقة ولم تفلته ثونار ولكنه تحرك واحتضن جسدها بقوة وكأنه
يخشى ابتعادها ودفن وجهه بين كتفها ورقبتها باكيًا.
ظلت
تربت على ظهره مواسية وتحاول قتل شعورها بالاختناق فقط لان جوزفين لا يشعر أنه
بخير، كانت احيانًا تشعر بالفزع لما تشعر به عندما يقترب منها وتحاول إثبات أنه
مجرد شخص أحمق وصديق بالنسبة لها..
ولكنها
كانت تعلم جيدًا ما تعنيه هذه المشاعر وأي مصير قد تسببه لنفسها.
حاولت
إلقاء هذه الأفكار في مؤخرة رأسها في الوقت الحالي فلم تكن مستعدة لمواجهة نفسها.
توقف
عن البكاء بعد وقت قصير لكنه لم يبتعد عنها وظل متمسكًا بها ولم تكن تمانع في
الواقع، كان الأمر مريحًا أكثر مما توقعت.
أسند
رأسه فوق كتفها وقال فجأة بصوت مبحوح "لا أريد العودة لذلك القصر" لم
تسأل وتركته فقط يقول ما يريد وستستمع.
"كان
هو الشخص الوحيد الذي يجعل البقاء هناك محتمل ولكنه لم يعد هناك بعد الآن، القصر
أصبح أكثر ظلامًا بالنسبة لي، لا شيء يدفعني لتحمل البقاء في ذلك الجحيم بعد
الآن".
صمت
لثواني وتنفس بصعوبة قبل أن يقول بنبرة يائسة "ثونار.. أنا خائف من
العودة" شعرت بارتجاف صوته وحاولت تمالك نفسها وأبعدته بهدوء لتنظر لوجهه
مبتسمة "لا تعد إذًا!"
حدق
بعينيها التي كانت تلمع ببراءة على الرغم من انها تحاول بجهد إثبات أنها أكثر
الأشخاص قبحًا وقذارة..
أمسكت
بكتفيه واتسعت ابتسامتها قائلة "يمكنك البقاء هنا! و.. أنا لا أريد العودة
أيضًا، لا احب مملكة الماجي ولا أحد يحب وجودي هناك لذلك ليبقى كلانا هنا، يمكننا
تقاسم ثمن منزل ما والبقاء كأصدقاء به.. تعلم سنثمل كل ليلة بشكل سيء.. ويمكننا
تناول الكثير من الأطعمة الخاصة بمملكة الإلترانيوس ولن تكون مضطرًا للبقاء في
القصر".
ابتسامة
صغيرة ارتسمت على شفتيه وظل يراقب حماسها بينما تتحدث عن فكرتها التي بدت حقيقة
فجأة إلا أنها لم ولن تكون.
لم
يحاول إيقافها فقد كان يشعر بالتحسن كلما تحدثت وابتسمت وحركت يدها بحماس.
توقفت
عندما لاحظت تحديقه بها بتلك النظرة وشعرت لأول مرة انها تريد الاختباء بعيدًا عن
هذه النظرة التي نالت منها.
"لـ..لا
تبالي.. أنا فقط... تعلم كنت أقترح شيئًا لكن.. لست مجبرًا إنه.." تلعثمت
عندما أدركت أنها قالت أكثر مما ينبغي، بل أنها أبحرت في أحلامها وحرفيًا طلبت منه
العيش معها.
لطالما
كان جوزفين الأمير المدلل، أو هذا ما ظنه الجميع.
ما
إن تذكر أمير مملكة المتنكرين ستذكر كم هو شخص مدلل، يحصل على كل ما يريد وطالباته
دائمًا مستجابة وستتمنى لو أنك تعيش حياته المترفة ولكن..
جوزفين
لم يحصل يومًا على ما أراد.
لم
يكن مدللًا أو محبوبًا، لطالما كان داخل القصر مكروهًا وإن عامله الجميع باحترام
فسيلتفون خلف ظهره ويهمسون بـ (قاتل الأمير الحقيقي)
لم
يكن جوزفين شخصًا متطلبًا في الواقع ولكنه أدرك أنه حتى وإن حاول التعامل باحترام
وبتقدير فسيعامله الجميع كالأمير الذي أفسده الدلال لذلك..
أصبح
يتصرف على هذا النحو، لم يكن الأمر يشكل فرقًا ففي كلا الحالتين كان القاتل.
وفي
كلا الحالتين لم يحصل يومًا على ما تمناه ولكن..
لأول
مرة كان يتمنى شيء حقيقي، شيء بإمكانه الحصول عليه حتى وإن كان لدقيقة واحدة فقط،
شيء لن يقف والده في وجهه ويبعده عنه فقط ليرى أبنه يتألم.
كانت
ثونار خارج سلطة والده.. خارج سلطة القصر والمملكة جميعها.
الشيء
الذي أراد الحصول عليه أكثر من كل شيء آخر..
وفي
هذه اللحظة كان يائسًا، ثمل، والكثير من الأفكار غير الواضحة تضرب بعضها داخل
رأسه.
لم
يكن في حالة تمكنه من التفكير بعقلانية على الإطلاق ولم يدرك عواقب أفعاله ولكنه
أراد هذا وبشدة..كان الامر كالشيء الوحيد القادر على تقليل الألم الذي يشعر به.
لذلك
لم يفكر مرتين عندما تحركت يده نحو رقبة ثونار التي تجمدت بسبب حركته المفاجئة
وشعرت بقلبها يخفق خارج صدرها.
اقترب
منها كثيرًا لكنه توقف لثواني وكأنه يدرك حماقة فعله، حدق كلاهما بالآخر إحداهما
تائه والآخر يحاول التمسك بآخر خلية صاحية في عقله.
هذا
الامر ممنوع، لا يجب أن يحدث.. كانت تكرر ثونار داخل رأسها لكنها كانت مدركة أنها
لن تقوى على دفعه لذلك تنفست الصعداء عندما ابتسم بيأس مسندًا رأسه لرأسها مغمض
العينين.
"إنه
حلم جميل" قال بهدوء قاصدًا اقترحها للعيش معًا..
"لكنني
سأظل الأمير الذي قتل أخيه ليتولى الحكم، ولا يمكنني الهرب من هذا" أردف قبل
يشعر بدوار ورغبة شديدة في إغلاق عينيه مما دفعه لإلقاء رأسه فوق كتفها والذهاب في
نوبة إغماء بسبب الثمالة.
أطراف
ثونار المرتعشة أمسكت بجسده بسرعة تمنع ميلان جسده وتحاول التقاط أنفاسها بينما
تشعر بالذهول لما حدث.
حدقت
في الفراغ بأعين تائهة قبل أن تهمس "ما الذي كاد يحدث للتو؟"
....
هبط
كارولوس في الغابة القريبة من المنزل، قفزت جلنار من فوقه وداعبت رأسه ليميل نحوها
"لقد احسنت عملًا اليوم، لما لا تأخذ بعض الراحة؟"
كان
بالفعل متعبًا ويحتاج لبعض النوم لذلك ذهب لبقعته المفضلة حيث الحشائش أكثر نعومة
وانحنى فوق الأرضي وتكوم حول نفسه مغمضًا عينه.
اتجهت
نحو المنزل الذي كان هادئًا أكثر من المعتاد، توجهت إلى غرفتها مباشرة وما إن فتحت
الباب حتى وجدت يوجين في وجهها ليصرخ بفزع ويقفز بعيدًا.
"ألا
يفترض بي أنا أن أفزع؟ أنك أكثر شبح فاشل في إخافة الآخرين؟" سخرت بينما تقوم
بإغلاق الباب، قامت بنزع الحذائين لتريح قدمها ووضعت الحقيبة جانبًا.
"علينا
التحدث أيتها الشابة".
لم
تنظر جلنار نحوه ولكنها ابتسمت لانها توقعت أن هذا ما سيحدث "لا تتحدث وكأن
فارق العمر بيننا ثلاثون سنة". تحرك يوجين نحوها ونظر بحدة قائلًا: "أنا
ميت! لا عمر لي من الأساس، لا يمكننا حتى مقارنة أعمارنا أيتها الشابة كما لا
تتحدثِ معي بهذه الطريقة فقد أدخلت نفسي داخل حالة الرجل الناضج المسؤول عن مراهقة
ما".
ارتفع
حاجبها ونهضت واقفة أمامه وكررت باستنكار "مراهقة! هل لديك فكرة كم عمري
بالضبط". كتف ذراعيه وقال بخشونة "لا تتحدثِ مع الناضجين بهذه الطريقة
أيتها الشابة".
زفرت
مغمغمة "الرحمة".
"هل
وقعتي في الحب من قبل؟" دحرجت عينيها ونظرت نحوه بنفاذ صبر قائلة: "لا
وأنت تعلم ذلك يوجين" رفع سبابته في وجهها محذرًا "لست يوجين، انا ناضج
يتحدث مع مراهقة، لا تنسِ هذا" تنهدت بينما أدركت أن امامها يوم طويل.
"لم
أفعل أيها الناضج" قالت ساخرة تحاول التماشي معه "إذًا دعينِ أخبركِ بعض
الأشياء الأساسية عن العلاقات". عقدت حاجبيها باستغراب ولم أتعقب على هذا
منتظرة تلك (الأشياء)
اقترب
من وجهها مجددًا وصاح بقوة "جميعها تنتهي بشكل سيء". أجفلت وعادت خطوة
للخلف متفاجئة "ما الذي تتحدث عنه بحق الله يوجين؟" ضيق عينه وقال بصوت
حاول تضخيمه "أتحدث عن علاقتكِ بذلك المتوحش".
ابتسمت
فجأة وحاولت التفكير في ان هذا النقاش جدي.. أو شبه جدي ولكنها مازالت تبتسم لمجرد
ذكر الأمر، كانت مع الوقت تعلم أن تأثير أتريوس أسوأ مما ظنت.
أجفلت
مجددًا عندما صرخ "أمحي هذه الابتسامة إنها تقتلني في الصميم". حاولت
محو الابتسامة وقالت: "لا يوجد شيء بيننا". نظر لعينيها والمسافة بينهما
كانت قصيرة جدًا "انظري لعيني وأعيدي ما قلته للتو مجددًا".
ابتلعت
بتوتر وحاولت قولها بينما تنظر لعينيه ولكن لم تستطع لذلك صاحت مستسلمة وقالت
"حسنًا هناك شيء ولكنها لم ترتقي لمستوى علاقة بعد، أعني إنها مجرد مشاعر
إعجاب.." صمتت لثانية وتذكرت ما حدث قبل ساعات لتبتسم مجددًا
وتتمتم "وهو يبادلني الأمر ذاته".
التفتت
نحو يوجين بسرعة عندما صاح بنبرة باكية "لما أنا أعيش كشبح لأرى هذا اليوم
المريب، ما الذي يحدث للعالم وغدًا ستتزوجان وتعلنان أولادكما للعالم" اتسعت
عينها بصدمة وصاحت به "توقف عن المبالغة بحقك! ارحمني قليلًا ألا أملك الحق
في الإعجاب بشخص ما؟"
أمسك
مقدمه فستانها هزها بقوة وبالغ في هذه الدراما قائلًا: "الرجال موجودون
بالملايين على وجه الكرة الأرضية وتركتهم جميعًا للارتباط بهذا الثور؟ ما الذي حدث
لذلك الشاب الذي كنتِ تدرسين معه؟ فيديد ألم يكن سيعترف لكِ؟ لما تفعلين هذا بي
وبك؟"
رفعت
حاجبًا وصححت له "تقصد ديفيد؟"
صاح
متذمرًا "لا يهم إن كان فيديد ام ديفيد المهم انه كائن بشري يملك عقلًا داخل
رأسه ولم يحاول رميك من مكان عالي أو قتلك من التدريب، بشري جلنار بشري شخص سيكون
موجود عندما..."
توقف
فجأة وتغيرت ملامحه وكأنه كاد يقول شيء لم يرد قوله!
تراجع
وحاول إخفاء الأمر ممثلًا سقوطه على ركبتيه ومبالغًا في تعبيره عن رأيه بينما
يقول: "لما انا أرى هذا اليوم في هذه الصغيرة؟"
"يوجين"
نادت لينظر نحوها "ماذا كدت تقول للتو؟" طرف بعينه وتظاهر بالغباء
قائلًا: "كدت أقول ماذا؟ لقد قلت كل ما أملك أيتها الشابة العاصية" نظرت
نحوه بحدة "لا تتذاكَ علي، سيكون موجودًا عندما ماذا؟ اكمل ما قلته".
نظر
بعيدًا متظاهرًا بالامبالة وقال: "لا أتذكر ما الذي كنت سأقوله في
الواقـ.." قاطعته غاضبة "يوجين! لا تحاول ماذا كنت ستقول؟"
انفعل
قائلًا "سيكون موجودًا عندما تعودين لمنزلك! لوطنك لكوكبك جلنار، أتريوس لن
يكون هناك، نهاية هذه العلاقة واضحة كالشمس في منتصف الظهيرة، عليكِ الابتعاد
بإرادتكِ قبل أن يصبح الامر صعبًا وأنتِ مجبرة عليه".
نهضت
جلنار واقفة وصبت جُلَ غضبها عليه "لما تفسد كل شيء جيد يحدث لي؟ ألا يحق لي
لمرة غبية واحدة في حياتي الحصول على شيء أريده دون التفكير بالعواقب؟ أنا أيضًا
أملك أحلام والكثير من الأشياء التي أريد حدوثها، لما لا تتركني وشأني ليوم واحد؟
أعطني بعض الراحة".
كانت
قد فقدت السيطرة على صوتها في النهاية ليتحول لصراخ فاجئ يوجين الذي حدق بها
مصدومًا لكنه عقد حاجبيه بغضب وصاح "فلتذهبِ للجحيم إذًا، أصبحت انا المخطئ
الآن؟ فقط لأني أتحدث عن مصلحتكِ! تبًا لك وله أنا ميت على أي حال لن يفيدني ما
يحدث وتذكري أني عالقًا في هذا المكان الغبي بسببك، انضجي وتحملي المسؤولية".
دفعت
كتفه وقالت بانفعال "بسببي! أنا لا أعلم حتى من انت، لقد ظهرت في حياتي فجأة
وأنت من كنت تتبعني منذ البداية لم أجبرك على شيء أيها الطفل الباكي، منذ ظهورك
وكل شيء تحول لجحيم حي والآن الشيء الوحيد الجيد الذي يحدث لي تريد أخذه بعيدًا،
أنت من قررت تتبعي تحمل نتيجة قرارتك.. مع من أتحدث حتى أنت ميت في النهاية أنت لا
تشعر بشيء".
حاولت
التقاط أنفاسها بينما صدرها يرتفع ويهبط بعنف كلاهما ينظر للآخر بغضب ولا يعلمان
كيف تحول الأمر لهذا الشكل.
"حمقاء"
صاح قبل أن يلتفت ويعبر من خلال الجدار للخارج لتلقي حذائها حيث خرج للتو وتصرخ
"غبي".
ألقت
بجسدها لتجلس فوق الفراش تشعر بأنها استهلكت طاقتها بالكامل.. لم تكن تخطط للغضب
على يوجين حتى!
مرت
خمس دقائق من الصمت داخل الغرفة بينما ظلت تنظر ليدها تحاول التفكير في شيء ما.
"بسست..
لقد مرت خمس دقائق تقريبًا، أمازلنا متخاصمين؟"
نظرت
نحو يوجين الذي أدخل رأسه خلال الجدار ينظر نحوها، زمت شفتيها بتفكير قبل أن تقول:
"لا، لا أظن، خمس دقائق كان وقتًا طويلًا لنبقى متخاصمين بعده، أظن أنه لا
بأس".
أومأ
وسمح لنفسه بالدخول للغرفة مجددًا "تعلمين.. لم أعني أي شيء مما قلته لكِ لقد
شعرت فقط أنه علي قول شيء لئيم مقابل ما قلته لي" قال وكتف ذراعيه ليدفعها
لتنهد ببعض الحزن قائلة:
"أنا
أيضًا لم أعني شيء مما قلت لك، أنت لا تفسد شيء أبدًا علي الأمر فقط.." مسحت
وجهها وقد بدت متضايقة ولكنها تابعت "أنت كنت محقًا فيما قلت، إن تمكنت من
العودة للأرض.. أتريوس لن يكون موجودًا وكون الامر حقيقي جدًا دفعني فقط للانفعال
وصب غضبي عليك، لأنني لم أرد مواجهة الأمر"
فك
تشابك يديه وتحرك نحوها قبل أن ينحني على ركبتيه أمامها ويمسك بكفي يدها قائلًا:
"أعلم أننا تقابلنا في ظروف غريبة ولكن أنا حقًا لا أرى أنكِ تستحقين شيئًا
سوى السعادة، لم أكن أكره أتريوس إلا لأنه الشخص الوحيد الذي سيؤذيكِ حتى وإن لم
يحاول ذلك، أنتِ ناضجة كفاية لتتخذِ قراراتكِ ولكن أحيانًا نحتاج لشخص يخبرنا
الحقيقة قبل أن نأخذ القرار الخاطئ".
أومأت
بتفهم ولكنها رسمت ابتسامة صغيرة وقالت: "وبالرغم من ذلك.. لا أريد الابتعاد
عنه يوجين، لقد أعطيته وعدًا ولا أريد أن أكون اسمًا آخر داخل قائمة الأشخاص الذين
تخلو عنه" رفع يوجين حاجبه وقال باستنكار "لما لا يكون هو الشخص الذي
تخلى عن الآخرين؟"
وجهت
نحوه نظرة واضحه وكأنها تقول (هل انت أحمق؟) قبل أن تتنهد قائلة: "أتريد أن
تخبرني أن انغلاقه التام على ذاته بسبب أن الجميع رحب به بذراعين مفتوحتين؟ يوجين
لا أحد يصبح ما عليه اليوم إلا بسبب ماضٍ سيء أو ندبة لم يختفِ أثرها! أنا مثلًا
كنت منغلقة بالكامل فقط عندما أدركت أن والدي لن يعود مجددًا ولم يحاول أحد التمسك
بي سوى عائلتي ومؤخرًا كنت اكتسب أصدقاء في الجامعة وأدركت أن الجميع ليسو بالقدر
ذاته من السوء"
أبعدت
يدها عن كفه ودفعته لنهوض والجلوس جوارها وأردفت "إنه مدمر ويحاول حماية نفسه
من أن يدمره شخصٌ آخر هذا كل شيء"
زم
شفتيه وكأنه يحاول منع حديثٍ على طرف لسانه ولكن نظرة جلنار المتقبلة شجعته ليقول
"وماذا عنكِ؟ كلما بقيتِ بجواره كلما تعلقتِ به أكثر، وعندما تعودين انتِ
الوحيدة التي ستدمر"
نظرت
بعيدًا تفكر في الأمر قليلًا لكنها ابتسمت ورفعت كتفيها قائلة "لا، سأجهز
نفسي من اليوم، وإن كتب علي العودة حينها سأكون ممتنة للذكريات التي صنعتها هنا،
لن أضع أملًا واهيًا قائلة أن من الممكن أن نتمكن من الانتقال بين الكوكبين بعد ان
اعود، لا أريد آمال زائفة ولكن.."
اتسعت
ابتسامتها وقد اخذت قرارها وقالت "طالما أنا هنا، لن أترك فرصة تضيع مني،
ربما أكون أنانية بعض الشيء ولكن.. أليس من المسموح لي أيضًا أن أتخذ بعض القرارات
الأنانية؟"
عض
شفته يحاول تحمل الفكرة قبل أن يصيح مستسلمًا "حسنًا جلنار، لكن لا تطلبي
البكاء على كتفي عندما ينتهي الأمر" دحرجت عينها وقالت بتقزز مصطنع "لن
أفعل أنت آخر كتف قد أفكر فيه".
قهقه
وقال: "الأمور حقًا تزداد غرابة، من كان ليظن ان كل هذا سيحدث" أومأت
جلنار متفقة معه وصمت كلاهما لمدة قصيرة قبل أن تقطع جلنار هذا الصمت وتقول
"لقد
حدث شيء غريب بينما كنت فاقدة للوعي، أردت أخبارك به من قبل ولكن لم أشأ أن أفسد
أجواء الاحتفال".
نظر
نحوها باستغراب لتقول: "حسنًا.. الأمر يصعب شرحه ولكن سأحاول قدر الإمكان
تبسيطه وحاول ان تكون ذو خيال واسع بعض الشيء حتى تستوعبه" أرسل نحوها نظرة
(حقًا) وقال: "جلنار.. أنا شبح عاد بعد أن فقد حياته أهناك خيال أكبر من
هذا؟"
أخذت
نفسًا وحاولت الشرح "اسمع قبل أن استيقظ رأيت حلمـ... لا لم يكن حلم الأمر
أشبه بشخص ما يزور عقلك اللاوعي أتفهمني؟" نظر نحوها لفترة قبل أن يقول:
"أظن أني سأفهم مع الوقت فقط أكملي"
"حسنًا،
هناك شخصين رأيتهما في ذلك الوقت داخل مكان ما في عقلي، الشخص الأول كان جولديان
تتذكره؟ بطل الحرب، والثاني كان رجلًا غريبًا ولكن عندما عرف عن نفسه أدركت من
يكون، لقد كان الحكيم الأكبر"
طرف
يوجين بعينه وقال بغباء "من الحكيم الأكبر؟" أدركت جلنار أن أمامها وقت
طويل ولكنها حاولت قدر الإمكان شرح الموضوع ببساطة..
أخبرته
عن ما حدث في ذلك اللقاء وعن ما أخبراها به وعن أثرهما وفي النهاية أن عليها تعلم
القتال كالبشر.
عندما
انتهت من حديثها حدقت بيوجين الذي كان يحدق بها بدوره بفم مفتوح ببلاهة وعندما لم
تتلقى رد فعل قالت بحذر "أرجوك أخبرني أنك فهمت شيء واحد على الأقل مما
قلت".
أغلق
فمه وحاول أخذ وضعية الشخص العبقري قائلًا "ببساطة إن العقل اللاوعي يقوم
بإرسال إشارات لا واعية عن قصد أو دون قصد وأن السيد جولديان رجل فكاهي والحكيم
الكبير صنع المكتبة والمكتبة صنعها الحكيم الكبير".
أومأ
باقتناع وفخر وظلت جلنار تنظر نحوه تكاد تصيح بـ (هل تمزح؟).
"لا
شيء مما قلته للتو منطقي يوجين!".
رفع
يده باستسلام وقال: "بحقك جلنار، أنا حقًا غبي في هذه الأمور والموضوع يزداد
تعقيدًا نحتاج لشخص ذكي شخص حكيم ليفك شفرة حكيم آخر، أنتِ تستعينين بشبح
غبي"
اتسعت
عين جلنار قبل أن تقفز صارخة "هذه هي! لقد وجدتها يوجين أعلم ما علينا فعله!
أنت عبقري". ارتفع حاجبيه بذهول ولكنه ما لبث حتى ابتسم بفخر وقال "أعلم
أنا عبقري". لكنه عاد مجددًا لتعبيره الأبله وقال "ذكرني لما أنا عبقري
مجددًا؟"
ابتسمت
جلنار وقالت: "ألم تقل نحتاج لحكيم حتى يفك شفرة حكيم آخر، علينا الاستعانة
بالحكيمة يوجين أتتذكر؟ إن كان هناك شخص يعلم ماضي الحكيم الأكبر فهم الحكماء
الحاليون، علينا إيجاد الحكيمة".
انكمشت
ملامح يوجين وتذمر "لا أحب تلك العجوز" دحرجت جلنار عينها وقالت:
"ليست شخصيتي المفضلة أيضًا يوجين ولكن.. لضرورة أحكام"
رفع
كتفه باستسلام قائلًا: "إذًا وجهتنا للحكيمة بعد الفطور".
صمتت
جلنار لثوانٍ وتذكرت أمرًا مهمًا كاد يذهب عن بالها " لا، بل علينا التحرك
الآن، أريد العودة قبل غروب الشمس". عقد يوجين حاجبيه باستغراب وقال
"لما؟"
"علي
مقابلة تلك الفتاة من الحدود نريليا و الفتى الإريبوسي كاريان". أومأ يوجين
بتفهم لكنه تجمد في الثانية التالي وقال متلعثمًا "لحظـ.. لحظة من؟
إر..إريبوسي؟ ما اللعنة؟".
تذكرت
جلنار أن يوجين لم يكن حاضرًا ما حدث في البرج ولم تجد فرصة مناسبة لتحكي له ما
حدث، تنهدت بإرهاق لمئات الأشياء التي عليها تفسيرها.
حاولت
تلخيص الأمر بوضوح ليوجين بينما تغير ملابسها في المرحاض وتجمع شعرها بسرعة ترتدي
حذائها مستعدة للخروج.
"إذًا
تقولين أن هناك فتاة إلترانيوسية قامت بالدفاع عن إريبوسي؟" أومأت جلنار
ليصيح يوجين بحماس قائلًا "إلهي هذه هي الرومانسية الدرامية هذا أشبه بأحد
الأفلام" توقفت جلنار عما تفعله ونظرت ليوجين كـ -حقًا!- وقالت: "أهذا
كل ما جذب انتباهك؟"
رفع
كتفيه وقال: "بالطبع هناك إريبوسي طليق بين الشعب وأنتِ تركتيه يذهب مما
يعرضك لتهمة الخيانة وقد يكون الفتى قتل الفتاة في أي لحظة وهرب إلى موطنه بطريقة
أو بأخرى ولكن الذنب سيكون ذنبك".
"يوجين!
لا تدلي برأيك مرة أخرى، كان خطأي سؤلك من البداية، هيا فلنذهب".
أمسكت
حقيبتها التي لم تستعملها من وقت طويل ووضعت داخلها الدفتر الصغير الذي اعتادت على
الكتابة فيه والقلم وبعض الأغراض التي قد تحتاجها.
خرجا
من الغرفة وهبطت الدرج بسرعة متجهة للأسفل، قابلت واندر التي تبدو أنها لم تنم فقد
تمكن منها الحماس بشكل كبير وجلنار تعلم السر لكنها اكتفت بغمزه سريعة نحوها بينما
تسألها عن أحوالها.
لم
يكن أحد استيقظ بعد ولكن ثونار كانت موجودة فوق المائدة وبدت شاردة لتبعثر جلنار
شعرها وتقول: "يبدو أنك فقدتِ إشارتكِ"
رفعت
ثونار عينها الصافية نحو جلنار وقالت عندما انتبهت لوجودها "أهه، صباح الخير
لكِ أيضًا" رفعت جلنار حاجبًا متعجبة ولكنها لم تعلق على الأمر كثيرًا.
"واندر
هل يمكنكِ إحضار شيء سريع لأكله علي الذهاب". صاحت ليصل صوتها لواندر التي
صاحت بدورها "لما لا تنتظرين الجميع؟"
"أنا
مستعجلة بعض الشيء". وعوضًا عن ان يصلها رد واندر كان أوكتيفيان وضع كفه فوق
كتف جلنار وضغط بقوة بعض الشيء وقال: "صباح الخير أيتها الهاربة"
تجمدت
قبل ان ترفع رأسها نحوه ببطء بابتسامة حاولت جعلها بريئة "صباح الخير أيها
الجندي المحترم". مال أمامها واسند يده على الطاولة ونظر نحوها بانزعاج
قائلًا بخشونة "لا أصدق أنكِ جعلتِ احد أفراد العائلة الملكية يقوم بتهريبك!
أنت لا تُصدقين جلنار"
"ماذا؟
أنا لم أدفع أحد لشيء لقد عرضت علي عندما شعرت أنني سأموت من الممل وأنا وافقت،
انت من قلت أن علينا ألا نخالف أوامر العائلة الملكية" ابتسمت في النهاية
بفخر لكنه طرق رأسها بخفة وحذرها قائلًا: "لا تتذاكِ علي"
دحرجت
عينها وأنهت الحوار قائلة: "لا يهم على أية حال إن بقيت أكثر لافتعلت المشاكل
مع أولئك الحمقى أنت أكثر من يعلم بذلك" لم يُعارض فهي محقة ولا يعلم أيهم
أفضل من الآخر مجيئها للحفل أم خروجها منه دون أن تفتعل مصيبة لذلك تنهد مستسلمًا
وسحب كرسي ليجلس فوقه.
وجه
أوكتيفيان نظره نحو ثونار وسأل "ما هي اخبارك جوزفين؟ لقد كان ثملًا بشكل
مثيرًا للشفقة ليلة أمس!" أجفلت ثونار فجأة واتسعت عينها صائحة "لم يحدث
شيء!"
الجميع
نظر نحوها باستغراب وعندما أدركت نظراتهم استوعبت سؤال أوكتيفيان لتحاول تصحيح
موقفها قائلة "أعني لم تحدث مشكلة ألقيت به في غرفته وحسب".
بالرغم
من شعوره بالاستغراب من ردود فعلها إلا أنه أومأ وقال: "جيد أنه لم يسبب
مشاكل كنت قلقًا حول هذا" أجفل عندما وجهت ثونار نحوه نظرات مشتعلة وقالت
بحقد "إن كنت قلق لهذا الحد لما لم تحمله بنفسك للمنزل وتهربت من الامر
كالجميع، أتعلم أين تضع قلقك؟"
كانت
حرفيًا على وشك الانقضاض عليه ليشيح بوجهه بعيدًا ويقول على مضض "اعتذر لكنه
سيء عندما يثمل".
عندما
لاحظت جلنار الوضع السيئ بينهما وتكاد ثونار تشعل المكان بالكامل قاطعت الموضوع
وقالت موجهة سؤالها نحو اوكتيفيان "بالمناسبة إن أردت الحديث مع الحكيمة أين
يمكنني إيجادها؟" أثار سؤالها استغرابه ليسأل بدوره "لما تريدين الحديث
مع الحكيمة؟"
ضيقت
عينها وقالت: "جاوب على قدر السؤال أوكتيفيان". كان قلقًا من أن تثير
مشكلة أخرى ولكنه يعلم أنها أعند من أن تخبره فقط لذلك استسلم وقال: "جميع
الحكماء موجودين على أرض الوسطاء، عليكِ أخذ إذن أولًا وهذا يستغرق أيامًا
عادةً".
حركت
رأسها للجانبين وقالت: "لا أملك ساعات حتى، سأتصرف بنفسي" تمتمت في
النهاية ليمسح أوكتيفيان وجهه مغمغمًا "ستجلب مصيبة ما".
قبل
ان تضع واندر طبق الفطائر الصغيرة الذي حضرته أخذت جلنار واحدة ووضعتها في فمها
وأمسكت اثنين بين يدها ونهضت مستعدة لرحيل "ماذا تظنين انكِ فاعلة؟"
صاحت واندر لتبتلع ما في فمها وتجيب بينما تهرب من المكان قبل أن تقيدها واندر فوق
الكرسي "لدي عمل مهم حقًا، شكرًا على الوجبة".
وقبل
أن تخرج صاحت لأوكتيفيان حتى يسمعها "أخبار اليوم التي ستوصلها لألفن اليوم
ستكون عبارة عن أننا نفكر في طريقة لإعادة سكان الحدود لأراضيهم خلال أسبوع على
الأكثر".
"لما
ستفعلون هذا؟" سأل يوجين الذي كان يهرول معها لتنظر نحوه قائلة "سأخبرك
لاحقًا". نظرت لهم ولوحت وخرجت من المنزل.
ظلوا
ينظرون نحو الباب وقد هدأ المكان بعد خروجها "هل كانت تخبرك بخطوة خطيرة ضد
النبلاء بينما تحشو فمها بالفطائر وتركض للخارج؟" سألت ثونار مائلة نحوه
وعينها معلقة بالباب لتقول واندر "هل تركت الفطور للتو وأخذت فقط ثلاث
فطائر؟"
"هل
أنا الوحيد الذي لاحظ انها نظرت للفراغ وتمتمت بشيء كـ لاحقًا؟" قال
أوكتيفيان بذهول قبل ان يردف "هذه الفتاة تزداد غرابة مع الوقت" رفعت
ثونار كتفيها مبتسمة برضى قائلة "إنها تعجبني".
....
شعرت
جلنار ببعض الذنب عندما اضطرت لإيقاظ كارولوس الذي كان منزعجًا بدوره لأنه لم يكمل
نومه بالكامل لذلك وجد راحة في محاولة عض يوجين كلما اقترب منه حتى يسلي نفسه.
اتجه
كارولوس نحو مركز المملكة وعندما أصبحت أرض الوسطاء تلوح من على مسافة عالية دفعت
جلنار كارولوس لتحليق بشكل عمودي للأعلى حتى يتعدى الغيوم الكثيفة والتي تغطي أي
شيء يمكن أن يُرى من أرض الوسطاء.
كانت
السحب تصبح أكثر كثافة حتى منعت جلنار من رؤية أي شيء ومن حظها ان كارولوس يتمتع
بنظر قوي أضعاف أي مخلوق آخر فاستمر بتحليقه دون توقف حتى بدأت السحب تتلاشى
الرؤيا تصبح أكثر وضوحًا.
أبطأ
كارولوس من تحليقه وأعتدل لوضعيته الأفقية مما منح جلنار فرصة لرؤية كل شيء تريد
رؤيته.
سقط
فمها بذهول وهي ترى أعداد مهولة من التنانين المختلفة من الأشكال والأحجام
والألوان تحلق فوق الجزيرة الطافية، مجموعة منهم كانت تدور في حلقات ضخمة ويقودهم
تنين ضخم الجثة يمتطيه رجل ما بينما كان البعض يحلق هنا وهناك ويحاول الهبوط
والمناورات.
شرق
الجزيرة وغربها كان هناك مسار من الحلقات الحجرية التي كانت ثابتة في الهواء ومن
خلالها كانت تمر مركبات لتهبط فوق الجزيرة حيث قمرة صغيرة مبنية عند البوابات
وهناك من يتحققون من أوراق الزائرين الرسمية.
الجزيرة
بالكامل محاطة بسور ضخم وهناك بوابة في الشرق وواحدة في الغرب وأخرى ضخمة وتبدو
البوابة الرئيسية في شمال المملكة.
لكن
السور لم يتمكن من إخفاء الأبراج الشاهقة المبنية بهندسة مثالية على الجزيرة، فقد
كانت مصنوعة من الزجاج والرخام وتمكنت جلنار من رؤية قمتها بسبب تحليقها.
التفتت
للخلف لتتسع عينها وتلاحظة ان الجزيرة بالكامل محاطة بحاجز شبه شفاف لم تتمكن من
رؤيته في البداية بسبب الغيوم الكثيفة.
كان
الحاجز يمنع خروج التنانين او دخولها و كما يبدو دخول مركبة لا تسير داخل المسار
الذي تحدده الحلقات.
لكن
كارولوس تعدى الحاجز كأنه غير موجود وقد كانت جلنار تدرك أن كارولوس ليس تنينًا
عاديًا لكن كم تبلغ قوته السحرية بالضبط؟ هذا شيء لم تممكن من تقديره.
كانت
هناك الكثير من الأسئلة تدور في خلدها، هل تمكنت هي الأخرى من العبور لأنها على
ظهر كارولوس أم لأنها تملك طاقة مماثلة لكارولوس؟ ويوجين! أهو غير مرئي للحاجز
أيضًا؟
"هذا
مذهل" هتف يوجين وهو ينظر حوله بانبهار شديد، الزخارف على الأسوار كانت
مثالية بلون الذهب والبوابات الضخمة كانت مزينة ومزخرفة ومصنوعة من الرخام.
كانت
جلنار ترى ساحات ضخمة وبدا الأشخاص من هذا الارتفاع ذو حجم صغير ولكن كانت حركة
قتالهم داخل هذه الساحات واضحة حيث كانت الانفجارت من الطاقة متتالية، مرة النيران
ومرة الرياح والمياه كانت ترتفع من بين المتقاتلين والصخور كانت تلقى داخل الساحات
المغلقة.
كان
هذا المكان خاص بتجربة كل ما يتوصل له الوسطاء من قوة الهبات وكان هناك من بين
جميع المباني واحد ضخم وعالي جدًا يقابل البوابة الرئيسية.
فكرت
جلنار أنه سيكون سيء إن قررت تخطي الأسوار للداخل على الفور لذلك دفعت كارولوس
للالتفاف حول السور نحو البوابة الشمالية.
حلق
كارولوس بمهارة وسرعة متفوقًا على التنانين من حوله والتي كانت تتنحى على الفور ما
إن يقترب منها تنين الشفق.
سرعته
سمحت له بمجارات المجموعة التي يقودها رجل ما على تنين ضخم وجميعهم تفرقوا بسرعة
خوفًا من نشوب قتال بينهم وبين تنين الشفق مما ينهي حياتهم.
الرجل
الذي كان يقودهم تعجب من حركتهم الغير منتظمة وابتعادهم ولكن ما لبث حتى رأى تنين
الشفق يحلق موازيًا لتنين الذي زمجر ما إن رأى كارولوس ليردها الأخير بصرخة قوية
لفرض سيطرته دفعت الضخم ليبطئ من تحليقه بخوف ليبتعد عن طريق كارولوس.
الشاب
الذي كان يشاهد تنين شفق للمرة الأولى شعر بالذعر لأن هناك تنين فتاك وغير مؤهل
اقتحم مجال الجزيرة وأراد الهبوط بسرعة للإبلاغ عن الامر ولكنه تجمد عندما لاحظ أن
هناك شخص يمتطي تنين الشفق!
عندما
لاحظت جلنار نظراته لوحت وصاحت معتذرة "اعتذر يا صاح، إنه متعجرف وسيء المزاج
اليوم" ودون أن تترك له فرصة للحديث ربتت على كارولوس في إشارة لتسمح له
للانطلاق للأمام بأقصى سرعة حتى وصل للبوابة.
هبط
بقوة فوق أرض الجزيرة وأصدر زئيرًا قويًا اجبر جميع التنانين حول المنطقة بالهبوط
داخل الأسوار احتماء منه.
"على
رسلك يا صاح، لن يؤذيك أحدهم هنا" قالت ومسحت على عنقه قبل أن تقفز، شعرت أنه
ليس خائفًا وليس قلقًا على أن يؤذيه أحد بل كان مغترًا ويريد فرض سيطرته ليس إلا.
دحرجت
عينها ونظرت نحوه محذرة "لا تُخف أحدًا، لا أريد مشاكل اليوم".
"من
أنتِ؟ وكيف بحق الله روضتي تنين شفق؟"
الشاب
الذي هبط بصعوبة على مقربة من جلنار صاح بها ووضع بينهما مسافة آمنه بحذر، التنين
الضخم ذو اللون الأحمر الدموي كان يأخذ خطوات للخلف وعينه مثبتة على كارولوس
وعندما زمجر كارولوس بشراسة نحوه تراجع بسرعة وحاول صاحبه تهدئه.
كان
يملك ثلاثة قرون سوداء وضخمة فوق رأسه وأسنان مدببه بينما ذيله مليئ بأشواك عريضة
وحادة سوداء وجسده ذو جلد ثخين من الصعب قطعه.
"تنين
مذهل". قالت جلنار مشيرة لتنين الشاب في محاولة لتلطيف الجو قليلًا لكن يبدو
ان كارولوس لم يعجبه مديحها لانها زمجر بقوة ودفع كتفها مما دفع الشاب لأخذ خطوات
سريعة للخلف يظن أن كارولوس يهاجم جلنار.
دفعت
جلنار وجه كارولوس بخفة وصاحت مازحة "كارولوس توقف عن هذا، اتغار؟" أشاح
بوجهه بكبرياء والتفت يعطيها ظهره لتنفجر ضحكًا.
الشاب
راقب الحدث بذهول وعندما لاحظته جلنار قالت "أنا جلنار وانت؟" تردد
قليلًا ولكنه عزم أمره ووقف بثبات وقال "كريستن أنا المسؤول عن تدريب
التنانين هنا".
كان
كريستن شاب ذو بشرة تحمل مسحة من السمار ذو أعين سوداء واسعة وحاجبين كثيفين
وأنف به انعواج صغير بالكاد يلاحظ، شعره بني اللون كان قصيرًا جدًا وهناك رباط
أصفر حول رأسه.
كان
يعطي انطباعًا بالحيوية والفضول بسبب نظرته التي تضيق عندما ينظر لشيء مثير
للاهتمام.
"حسنًا
كريستن، احتاج لدخول ومقابلة الحكيمة في أسرع وقت ممكن أيمكنك مساعدتي في
هذا؟" قالت جلنار ببساط ليعقد حاجبيه وقال "أتملكين تصريحًا؟" حكت
ذقنها وابتسمت ببلاهة قائلة "لم أملك الوقت لأخذ واحد".
ارتفع
حاجبيه بدهشة وصاح "أتعلمين عقوبة التعدي على أرض الوسطاء بلا تصريح
ملكي؟" رفعت كتفها بلا مبالة وقالت "لا اهتم حقًا فقط أحتاج الدخول
للداخل".
شعر
بقلق خاصة من تنين الشفق الذي يحدق به بشراسة خلف جلنار، كما أنها شخص غريب ظهر
فجأة من العدم قادرة على ترويض تنين شفق واجتياز حاجز الوسطاء "وإن لم
أساعدكِ؟ ماذا ستفعلين؟ تهجمين علي بتنينك؟"
تفاجئت
جلنار والتفت لكارولوس قبل أن تهتف "بالطبع لا!"
لم
تبدو كشخص يضمر شرًا لذلك اقترب منها حتى وقف قبالتها وقال "من تكونين؟"
زمت شفتيها وشعرت انها كان عليها التفكير جيدًا ولكنها لا تملك الوقت.
"أيمكنك
إخبار الحكيمة أن جلنار تريد مقابلتها، أراهنك أنها ستسمح بذلك". رفع الشاب
إحدى حاجبيه من غرابة هذه الفتاة، لما تتعامل مع الامر ببساطة؟
"سأخبرك
سرًا عن تنين الشفق إن ساعدتني في المرور خلال البوابة". راهنت جلنار على
موافقته، مدرب تنانين لابد أن يكون شغوفًا بهم وكارولوس ليس تنين يسهل رؤية مثيله
وربما الفتى لم يرى تنين مماثلًا طيلة حياتة.
أردات
جلنار الصراخ بسعادة عندما رأت نظرة التردد في عينه وهو يبدل عينه بينها وبين
كارولوس وبدا متحمسًا لمعرفة كل شيء عن تنين الشفق خاصة وأنه لا يحاول مهاجمته
وتحويله لوجبه غداء!
أومأ
في النهاية موافقًا وقال: "ولكن إن رفضت الحكيمة مقابلتكِ واتضح انكِ كاذبة
ستذهبين من هنا دون أذية أحد". كان يبدو أحمق فمن يثق بشخص غريب ظهر فجأة
بهذه الطريقة ولكن جلنار لم تبدو له مؤذية بل على الإطلاق كانت تبدو ودية جدًا.
أومأت
جلنار بابتسامة صادقة وقالت "لكِ كلمتي". تمنى داخليًا أنه لم يخطئ
بإدخال غريبة فقط لتعطيه بعض المعلومات عن تنين الشفق.
لكنه
لم يتمكن من إخفاء ذهوله وهو يمر بجوار كارولوس فقد أراد دراسته بشدة ولكنه حبس
رغبته حتى لا يؤكل خلال خمس دقائق.
توقف
أمام البوابة الضخمة ولم يضطر لفعل شيء لأن البوابة انفتحت وحدها وظهر خلفها اثنين
من الحرس الذي ألقوا التحية بشكل عفوي وغير رسمي على الشاب فبدوا على معرفة
ببعضهم.
"تعال
جابو" صاح كريستن ليتحرك تنينه ولكنه توقف ونظر لكارولوس الذي نظر نحو الآخر
بملل ولم يتحرك، زجرته جلنار ودفعته ليتحرك بعيدًا عن طريق التنين الضخم، تحرك نحو
صاحبه وتقدم صبي لأخذ التنين إلى مكانه.
الحارسين
نظرا نحو جلنار باستغراب قبل أن تقع أعينهم على كارولوس ليصيح كلاهما بفزع.
حاول
كريستن تهدأتهما وقال ونبرة من التردد تشوب صوته "إنه غير مؤذي.." التفت
لجلنار وهمس "إنه ليس مؤذي صحيح؟" أومأت جلنار بثقة وربتت على ظهره
"إنه تنين ذو كبرياء لن يهجم عليكم طالما تعاملونه بشكل جيد."
رفع
كارولوس رقبته ونظر ببعض الاستعلاء لهم وتحرك بشموخ وتعدى أجسادهم دون انتظار إذن
للداخل تحت انظارهم المذهولة.
"يبدون
كفتاة صغيرة ترى حيوان بري لأول مرة" علق يوجين وهو يضحك على نظراتهم لتنظر
نحوه جلنار بيأس وتلتفت لتتحرك نحو كريستن.
"إنها
معي" قال كريستن للحارسين لينظر كلاهما للآخر ويقول إحداهما "لكن كريس..
أنت تعلم التعليمات، التصريح أ.." قاطعته جلنار قائلة: "لا تقلقا!
الحكيمة تعرفني جيدًا وكريستن يعرفني أيضًا".
تبادلا
النظرات مجددًا بتردد ولكن إحداهما أومأ للآخر ليسمحوا لها بالدخول أخيرًا.
"اتبعيني"
قال كريستن ولوح للحارسين.
كانت
جلنار تنظر حولها بذهول للمكان، لم يكن كأي أرض عادية! الطريق كان من الصخر الناعم
والممهد حول الجزيرة كلها.
أمامها
كان قصر ضخم ذو ثلاثة أبراج عالية، لونه أبيض من الرخام والزخارف على جدرانه من
الذهب تقريبًا كما خمنت جلنار أو مادة شبيهة به.
الواجهات
كانت من الزجاج الشفاف الذي يبدو لشفافيته غير موجود حتى.
في
زاويا الجزيرة الأربعة توزعت مباني لم تبصر جلنار سوى أبراجها العالية التي ترتفع
بشموخ، البرج في الشمال الشرقي كان يلتف حوله بالكامل حلقات من الماء التي تتشكل
كل خمس دقائق بشكل مختلف وتلتف حول البرج بلا توقف.
أشار
نحوه كريستن مستمتعًا بتعبير الانبهار على وجه جلنار وقال "هناك المبنى الخاص
باختبارت عنصر الماء وهنا.." أشار نحو الشمال الغربي حيث برج آخر عالي ولكن
أحد جوانبه كانت من الصخر الخالص المنحوت وتلتف حوله جذوع الأشجار في شكل هندسي
مدروس ومبهر
قال
كريستن "المبنى الخاص بدراسة عنصر الأرض". توقف والتفت للخلف نحو الجنوب
الشرقي وأشار لبرج كانت النيران تتشكل مخلفة موجة صغيرة تلتف حول البرج ومن خلال
نوافذه تخرج وتدخل براحة "هذا الخاص بعنصر النيران كما هو واضح".
وفي
الجنوب الغربي كان برج من الزجاج بالكامل والرياح من حوله كانت تحرك أوراق الأشجار
حول المبنى بشكل فني ساحر وقال "هذا المفضل لي البرج الخاص بعنصر
الهواء".
ثم
أردف "كل برج ينتمي له مجموعة من الطلبة والوسطاء الكبراء الذي يعملون على
تعليم أصحاب المواهب والذكاء الفذ في تسخير مواهبهم لدراسة الهبات بشكل
جيد.." أشار نحو المبنى الضخم أمامنا والذي نتجه نحوه وقال "هنا حيث
يجتمع طلبة الأقسام الأربعة.. مهاجعهم هنا مقسمة لأربعة أقسام وساحات ضخمة
ليجتمعون في أوقات الراحة وتكون لهم القدرة على تبادل خبراتهم حتى ينفع بعضهم
الآخر وبالطبع في الداخل هناك قسم منفرد خاص بالحكماء حيث يقضون أوقاتهم هناك ولا
يصح لأي شخص أن يقاطع عزلتهم".
كانت
جلنار في غاية الحماس حتى أنها كادت تنسى لما جاءت إلى هنا فقد بدا كل شيء غاية في
الجمال حتى أن يوجين لم يتوقف عن الصراخ بحماس كلما شاهد شيء سحري في المكان.
"وماذا
عنك؟ إلى أي قسم تنتمي؟" سألت جلنار كريستن ليضع ابتسامة فخر ويشير إلى رداءه
المكون من قميص أسود تحتي وفوقه سترة من الجلد القوي ذو اللون الذهبي وعلى صدر
السترة شارة تشكل تنين ينفث النيران وقال "أنا من الصفوة المختارين من قسم
مروضوا التنانين لقد عينت كمسؤول منذ وقت قصير هنا انظري هناك".
أشار
نحو الجنوب خلفها حيث كان هناك مبنى ضخم ولكن كان السلم يلتف خارج المبنى بشكل
غريب وملحق بالمبنى ساحات ضخمة من العشب الأخضر والبيئة الطبيعية المغلقة للتنانين
المدربه.
المبنى
في أعلاه كان يحمل الشارة ذاتها على سترة كريستن وهنا لاحظت جلنار أن كل برج من
الأبراج يحمل شارة تشير للعنصر الذي خصص البرج له.
البوابة
الضخمة للقصر كانت غير مغلقة وما عن عبرا من خلالها حتى أخذت جلنار خطوة للخلف
بدهشة وهي ترى الأرضية تتحرك كالماء تمامًا لكنها أيقنت أنها تمشي على طبقة شفافة
من الزجاج يتحرك الماء تحتها ويمكنك رؤية أنواع مختلفة من المخلوقات البحرية
السحرية تسبح أسفل طبقة الزجاج.
لم
يدخل كارولوس معهم للداخل ولم توافق جلنار على إرساله لمبنى التنانين فسيسبب
الفوضى ولكنه فضل البقاء خارج القصر وأخذ غفوة قصيرة حتى تنتهي جلنار.
البهو
كان ضخمًا وجدرانه كانت ممتلئة بصور لوسطاء كبار وحكماء كانو موجودين في هذا
المكان أو قدموا الكثير للملكة قبل وفاتهم.
بين
جميع الإطارت المعلقة كان في المنتصف الإطار الأكبر يحمل صورة لرجل دفع جلنار
للوقف والنظر بصدمة للصورة، عينها اتجهت لبطاقة الإسم والتعريف أسفل الصورة وكان
الإسم محفورًا بوضوح ’شارفالين جاكري هاندر’ الحكيم الأكبر.
"أوه!
ألا يبدو مهيبًا بحق!" كريستن الذي لاحظ وقوفها قال قاصدًا صورة الحكيم ثم
أردف "لم اقابلة من قبل فقد توفي منذ وقت طويل كما تعلمين ولكن، كل هذا هناك
موجود بسبب ذكاء وحكمة هذا الرجل، هناك من يقول أنه من نجح في جعل جزيرة الوسطاء
طافية في الهواء بهذه الطريقة."
مال
يوجين نحو جلنار وسأل "اهذا هو؟" أومأت ليتأمل يوجين الصورة بصمت.
"هيا
اتبعيني" هتف كرستين وتحرك لتتبعه جلنار وتتأمل الاعمدة من الحجارة والتي
تلتف حولها جذور النباتات وتنمو بشكل غريب!
في
منتصف البهو الكبير كانت هناك أربعة سلالم كل سلم يرشد أصحابه لمهاجعهم، القت
جلنار نظرة سريعة لأعلى لتلاحظ أن السقف عالي جدًا.
عبروا
من خلال البهو نحو ردهة طويلة في نهايتها باب من الخشب القوي والمزخرف بنقوش فنية.
توقف
كريستن أمامه ونظر لجلنار قائلًا: "انتظريني هنا للحظة". أومأت وأسندت
جسدها للجدار، دفع الباب ودلف للداخل قبل أن يغلقه بهدوء، غاب لدقائق استغلتها
جلنار في تفحص جدران الردهة التي أسدلت الستائر عليها وبدت أكثر ظلمة وهدوء من
البهو.
عاد
كريستن وبدت تعبيره متفاجئة بعض الشيء عندما أدرك أن الحكيمة بالفعل تعرف جلنار،
أشار لها لتتحرك نحو الباب ولكن قبل أن يدخلا قال "لا تصدري أي جلبة في
الداخل ولا صوت حتى، امشي بهدوء ولا تنظري حولكِ كثيرًا".
بالرغم
من استغرابها لكل تلك الأوامر إلا أنها أومأت ليفتح الباب مجددًا ويعبر من خلاله
ويتبعه جلنار و يوجين.
ما
إن أصبحت في الداخل حتى فهمت لما كل هذه الأوامر والصمت، المكان في الداخل كان
أشبه بغرفة من البلور! الأرضية كانت تلمع وينعكس عليها الإضاءة الصفراء فيخيل
للمرأ أن المكان بالكامل من ذهب ولكنه لم يكن سوى سطح عاكس للضوء.
الأعمدة
كانت تمتد للأعلى وحفرت عليها الكثير من الكتابات صغيرة الحجم بينما في منصف
المكان كان هناك مجموعة حاولت جلنار تقدير عددهم من عشرون إلى خمسة وعشرون شخصًا
يجلسون متربعين فوق الأرضية في هدوء مغلقين أعينهم كأنهم في حالة من الاستجمام أو
غياب الوعي.
عندما
دققت جلنار النظر لاحظت أنهم لا يلمسون الأرض بل يرتفعون عنها بشيء بسيط وتيار من
الرياح يحمل أجسادهم.
لم
تحدق بهم كثيرًا وتبعت كريستن الذي كان يسير على أطراف أصابعه بحذر شديد وهو يعبر
القاعة.
توقفو
أمام سراب من المياه يسد فتحة الباب ما لبث حتى اختفى ليسمح لثلاثتهم بالمرور وما
إن أصبحو في الداخل حتى انسابت المياه مجددًا تغلق المدخل.
أبعدت
جلنار نظراتها الفضولية عن المدخل بصعوبة والتفت تحدق في الغرفة لتتسع عينها
بصدمة، المكان بالكامل كان شفافًا وكأنك تقف في الهواء وتنظر إلى إطلالة أرض
الوسطاء بالكامل.
الزجاج
كان متينًا جدًا ولم يبدو على أي شخص أنه يخشى انكساره والوقوع للأسفل.
عين
جلنار ارتفعت إلى الجسد الذي جلس أمام نافذة كبيرة وفي يدها عكازها المعهود وما
لبثت حتى قالت: "مازلتِ ترتجلين كثيرًا أيتها الفارسة". ابتسمت جلنار
ولم تعقب على هذا بينما ظل كريستن يبدل أنظاره بينهما ولقب فارسة يتكرر في عقله.
التفتت
الحكيمة بتعبيرها الساكن المعهود والذي من الصعب ان تستشف ما يوجد خلفه وقالت
بنبرة لم تهتدي جلنار إن كانت مازحة أم مستنكرة! "لأصدقكِ القول لم أظن يومًا
أنكِ ستأتين بحثًا عني"؟ ارتفع حاجبا جلنار وقالت: "ولما هذا؟"
ثقلت
جفون الحكيمة في نظرة ضيقة نحو جلنار وكأنها تختبر صدقها وقالت: "لن تتظاهري
بمحبتي الآن صحيح؟"
لم
تملك جلنار إلا ابتسامة مستسلمة وهي تقول: "اعترف ربما .." حاولت جلنار
صياغة الجملة بشكل أفضل لتقول "فقط لم يكن انطباعًا أول جيد". ارتسمت
ابتسامة على ثغر الحكيمة وأومأت برضى.
عينها
التقطت كريستن الذي لم يشأ أن يغادر هذه المحادثة فلم يسمع أحدهم يحادث الحكيمة
بهذه الإرياحية وأصبح الفضول ينهشه ليعرف هوية جلنار.
لكن
عندما لاحظ نظرة الحكيمة نحوه استقام فجأة وقال بآلية "سأذهب أنا ويمكن
للحكيمة الإرسال في طلبي ما إن أرادتني". لم يكن أحد يستطيع الاعتراض على
أوامر الحكماء خاصة الحكيمة ساليفيا فهي أكبرهم عمرًا وأكثرهم قوة.
خرج
من المكان وهو يعض أنامله في فضول ولو كان جريئًا كفاية لحاول استراق السمع ولكنه
يعلم أن المياه التي تسد المدخل لا تدع فرصة للصوت أن ينطلق من خلالها.
"ما
الذي جلبكِ إلى هنا؟" سألت الحكيمة وعادت للجلوس في مقعدها الخشبي لتقول
جلنار بصراحة "أريد معرفة بعض الحقائق". لم تنبس العجوز بكلمة وفضلت
الصمت حتى تفضي جلنار ما في جعبتها وعندما رأت جلنار استعداد الحكيمة لسماعها قالت:
"قبل
كل شيء هل لديك أي تعليق عما حدث منذ أيام؟" قصدت جلنار المعركة الأخيرة
والقرارات التي اتخذتها "لقد اخبرتكِ، الأمر بين يدكِ جلنار، أنتِ هي ابنة
التوبازيوس وإن وثقت بكِ قوة تحافظ على اتزان ممالكنا فأنا علي الثقة بك".
لم
تتوقع جلنار هذا، نوعًا ما ظنت أنها ستلقى بعض التأنيب أو العتاب على تهورها
ولكنها كانت ترى خطوتها تلك كانت ولابد منها.
أومأت
جلنار بتفهم وقالت في محاولة لفتح الحديث الذي جاءت من أجله "إذًا.. ماذا عن
البشر؟" زمت الحكيمة شفتيها قبل أن تردد "ماذا عنهم؟"
أمسكت
جلنار بمقعد صغير في زاوية الغرفة وسمحت لنفسها بالجلوس وقالت: "لقد قلتِ من
قبل أن الحكماء والملوك بالإضافة لقادة النبلاء يعلمون أن البشر حقيقة
موجودة" أومأت الحكيمة كتأكيد على هذا لتتابع جلنار "كيف اهتديتم إلا
هذه الحقيقة إذًا؟"
ارتفع
حاجبا الحكيمة في بعض الدهشة فلم تتوقع أن تسأل جلنار عن هذا ولكنها أجابت:
"لأن ما بقي من التاريخ كان يقول هذا وكانت حقيقة من الصعب إخفائها على أصحاب
المناصب فوجدنا من الحكمة إخبارهم بأنفسنا وإغلاق أفواهنا وأفواههم على أن يجدو
الحقيقة بأنفسهم ويتصرفوا بحمق".
لم
تبالي جلنار عن الطريقة التي اسكتوهم بها بل أرادت الوصول إلى نقطة معينة فقالت:
"إذًا أي الأقوال صحيحة؟" لم تحتج الحكيمة لتسأل عن مقصد جلنار فقد كانت
تفهم جيدًا المقصد من سؤالها وقالت بوضوح "لم يكن واضحًا أي الأقوال عن البشر
صحيحة فما سمعته من الآخرين كان جميع مكتوب في مخطوطات قديمة لا نعلم من كتبها وإن
كان شخصًا واحد أم عدة أشخاص كل منهم رأى الحقيقية كما يريدها".
لم
تكن الحكيمة لتكذب ولم تكن مضطرة للكذب حتى وجلنار فهمت ذلك من تعبيرها لذلك عرفت
أنها لن تضطر إلى الخدع لتعرف الحقيقة فقالت:
"اكانت
أي منهم تحوي مصطلح الكينجي؟"
تجمدت
الحكيمة قبل أن تضربها الصدمة وتقول "أين سمعتِ هذا المصطلح؟" نظرت
جلنار بعيدًا بتفكير وقالت على مضض "أخبرني به السيد هاندرا". كانت
جلنار تفكر فيما قالته الحكيمة للتو! أكثر من وثيقة! هذ يعني أن أحدهم حاول تشويه
تاريخ البشرية عمدًا؟
بالطبع
لم يكن ذلك السيد هاندر! فكرت جلنار بذلك فهو الشخص الذي يتفاخر بحبه للبشر بل
وحزن على ما حدث في النهاية، من إذا؟
كل
شيء يكمن في طيات الماضِ الامر أكثر تعقيدًا مما قرأت.. هناك أسرار قذرة لم تكتب
على الصفحات.
رفعت
جلنار عينها وانسلت عن تفكيرها عندما نهضت الحكيمة ونظرت لجلنار بجدية قائلة
"كيف تعرفين هذا الاسم؟" رفعت جلنار كتفيها وقالت "تقصدين اسم
الحكيم الأكبر؟ هو من أخبرني بأسمه أصدقك القول ما كنت لأعلم من هو قبل ذلك".
ما
لبثت الحكيمة حتى ابتسمت وعادت ساكنة في مكانها وقال "إذًا لقد تمكنتِ من
رؤية أثر الحكيم الأكبر!" رفعت جلنار حاجبيها وقالت "تعرفين عن هذا
الامر؟" أومأت الحكيمة وقالت "لقد كنت أعلم انها مسألة وقت ولكن لم أظن
أنكِ ستصلين لهذا الحد في هذا الوقت القياسي".
نهضت
من مكانها واتجهت نحو طاولة صغيرة وسكبت مشروبًا ساخنًا في كأسين واعطت جلنار
واحدًا ولم يكن من الأدب أن ترفضه لذلك ارتشفت منه على مضض ولم يكن بهذا السوء.
"أتعلمين
ان بعض الحكماء حتى مع كل ما توصلوا له من قوة وحكمة لا يمكنهم رؤية
الأثر!" رفعت جلنار رأسها عن الكأس وهتفت بدهشة "حقًا!"
أومأت الحكيمة كإجابة.
"جلنار
هل المشروب جيد؟ هل طعمه لذيذ؟" وجهت جلنار نظرة حادة ليوجين وودت لو ألقت
الكأس في وجهه فهو يختار الأوقات الخاطئة.
عاد
خطوة للخلف وغمغم "اوه نعم ليس وقتًا مناسب". التفت الاثنين لقهقهة
الحكيمة الصغيرة وقالت "يبدو أنكِ أحضرتِ حارسكِ معك".
اتسعت
عين جلنار وهتفت بلا وعي "يوجين ليس هنا" أرادت صفع فمها في اللحظة
ذاتها وهتف يوجين بسخرية "السيدة عبقرية تتحدث".
ابتسمت
الحكيمة وقالت في نبرة مطمئنة "لا تقلقِ لا يمكنني أذية حارس ابنة التوبازيوس
حتى وإن أردت ذلك" تغيرت نظرة جلنار لأخرى مشوشة وسألت "ماذا
تقصدين؟" تنهدت الحكيمة واستراحت في جلستها وقالت..
"عندما
تقابلنا في المرة الأولى كنتِ نوعًا ما دفاعية وعنيفة وكان من الصعب التحدث معكِ
لذلك تركت الوقت يحضركِ لي كما أنتِ الآن، أكثر نضجًا وفراسة دعيني أشرح لكِ بعض
مما لم أقله سابقًا".
لم
تتحدث جلنار وتركت المجال للحكيمة بالكامل لتقول: "أخبرتكِ أن وجود هذه الروح
لم يكن في الحسبان بل أنه كان خارج تفكيري تمامًا، أتعلمين لماذا؟ لأنكِ منذ أن
عرفنا عنكِ كنتِ الفارسة، فارسة أخرى لفريق الفرسان ولكن عندما قابلتكِ أدركت أنك
لست مجرد فارسة فالفرسان لا يملكون حارسًا روحيًا ولا هالة التوبازيوس ولا حتى
علامة الحجر الكريم على رؤسهم".
تلقائيًا
لمست جلنار مقدمة رأسها ونظرت ليوجين الذي رفع كتفيه بدوره دلالة على جهله بهذه
التفاصيل وتابعت الحكيمة حديثها قائلة: "المقاتل العظيم جولدايان كان يملك
حارسًا روحيًا أيضًا ولكنه مختلف عن خاصتك، فكل حارس يختلف عن الآخر وذلك يعتمد
على ابن التوبازيوس نفسه فالحارس الروحي يجب أن يناسبه وعندما رأيت حارسكِ للمرة
الأولى ادركت أنكِ لست فارسة فقط بل أنتِ قائده هذا الفريق".
نظرت
جلنار ليوجين ببعض الصدمة بينما كان هو ينظر بعيدًا عاقدًا حاجبيه وهناك أفكار
مختلفة تدور في رأسه.
الحكيمة
نقرت بعكازها فوق الأرضية لتظهر أمام جلنار صورة مجسمة لمخلوق أشبه بالحرباء ذو
ألوان مختلفة كالبنفسجي والأخضر والأصفر الفاقع وقالت الحكيمة
"ذلك الروح دانفا، كان حارس المقاتل جولديان، من النظرة الأولى ما هو إلا
مخلوق صغير وضعيف ولكن كان من الصادم رؤية قوته وما يقدر على فعله لحماية سيدة، لم
يكن هناك شخص يفهمه سوى سيده ويستطيع أن يأمره سوى سيده".
مررت
يدها فوق الصورة التتغير لصورة فتاة سمراء البشرة ذات عينين حمراء كالدماء وقرنان
صغيران برزا من مقدمة رأسها بينما شعرها الفضي كان مجدولًا لنهاية ظهرها وترتدي
ثيابًا غريبة الشكل بينما هناك خطوط بيضاء تحت عينها.
"هذه
الروح فاتير، قبل أن أولد أنا كتب في التاريخ أن هناك أبن لتوبازيوس ظهر منذ وقت
طويل جدًا وكان سببًا في أنشاء هذه الممالك ولكن كل ما نعلم عنه قليل ومنهم
الحارسة فاتير، كانت لا تنتمي لأي من المخلوقات فقط ظهرت فجأة وظلت تتبع سيدها حتى
انتهت مهمته، يقولون انها كانت تحمل قوة عظيمة تستعملها فقط لحماية سيدها".
ضحكت
جلنار فجأة عندما تذكرت كل مرة تنخرط فيها في قتال يسعد يوجين بالمشاهدة من أعلى
والتصفيق عند نهاية القتال وهذا ما دفع الحكيمة للابتسام والقول "أعلم أن
حارسكِ يبدو مختلفًا بعض الشيء.." انفجرت جلنار ضحكًا لينهض يوجين صائحًا
بانزعاج "هاي بعض الانصاف قليلًا لست مخلوقًا أسطوري حسنًا".
"لا
لست كذلك، ولكنك أكثر من ذلك، ربما أنت لا تعلم كم القوة التي تمتلكها ولكن ستظهر
عند حاجتك لهان وحينها ستعلم أنك تستحق لقب حارس ابنة التوبازيوس".
اتسعت
عين يوجين وصاح "يمكنكِ سماعي؟" جملته جاءت تزامنًا مع جملة
جلنار لتومئ الحكيمة بهدوء "يمكنني رؤية أكثر مما تظنين ولكن التظاهر بعدم
الرؤية أفضل فلم أرد جعل احد يشعر بعدم الارتياح".
بدأ
يوجين يتذكر كل مرة كان يسخر من الحكيمة، كانت تراه! جلس مكانه بهدوء والتفت
يعطيهم ظهره ويريد قتل نفسه للأبد.
ضحكت
جلنار على ردة فعله ولكنها نظرت للحكيمة وقالت: "إذًا لنتحدث عن الأهم"
التفت يوجين وصاح "أنا مهم هنا!" دحرجت جلنار عينها وقالت:
"الموضوع الأساسي الذي جئت للحديث عنه" أخرج أوه صغيرة وقال: "نعم
هذا صحيح".
اعادت
جلنار نظرها للحكيمة وقالت: "لن أخفي عليكي ما قاله لي الحكيم هاندرا لأكون
صريحة لقد قال أنني في فوضى وأني أحتاج لبعض الوقت لتفكير وثم قال شيء غريب،
أخبرني أنه كان يعيش بين البشر وأنهم كانوا قادرين على القتال بل وأن ما يميزهم
كان التأقلم ولهذا جسدي يأخذ الشكل الطاقة التي بداخلي دون أن ينفجر".
لم
تبدو الحكيمة على قدر كبير من التفاجئ حيث قالت: "هذا صحيح، لقد انبهرت عندما
رأيت مقدار الطاقة داخل جسدك ولكن كان فوضوي بشكل كبير، الامر أشبه بكرات مليئة
بالشحنة محبوسة في مكان ما وتضرب جدرانه بعنف. جسدك يتأقلم معها ولكن أنتِ كنتِ
تجهلين طريقة تهدئة كل هذه القوة ولذلك كان يصعب عليكِ استعمالها".
نظرت
جلنار بعيدًا لثواني قبل أن تبتسم وتقول "لذلك وضعتِ أتريوس مدربًا لي".
اومأت الحكيمة وقالت: "ربما هذا الرجل مشوش ونفسيًا يعيش في فوضى أكثر منكِ
ولكن الطاقة داخل جسده هادئة ومنظمة بطريقة مذهلة حتى أنني لم أرى شخصًا قادرًا
على تسخير هذا الكم من الطاقة بهذه السهولة مثله لذلك جعلته مدربًا لك
وأيضًا.."
صمتت
لتردد جلنار بنبرة متسائلة "وأيضًا..؟" ابتسمت الحكيمة قائلة:
"بدوتما على غير وفاق أكثر من أي شخص آخر وكلاكما أشبه بالآخر في العناد لذلك
لم يكن هناك شخص قد يجعل هذا العناد يلين سوى أنفسكما عندما تدركان أنكما تشبهان
بعضكما كثيرًا".
ابتسمت
جلنار وتمتمت "ويبدو أنكِ نجحت لحد لا يمكن تخيله".
"إذًا
ما الذي دفعكِ للمجيء إلى هنا في حديث الحكيم الكبير؟" رفعت جلنار رأسها
وقالت "لقد قال ان علي تعلم القتال كالبشر وأن قوة البشر ليست بشيء هين، لم
أفهم مقصده على الإطلاق ولم يبدو لي أنه يتكلم عن شيء عادي وحينها قال السيد
جولديان أن علي البحث بين أثر الحكيم".
أخذت
جلنار أنفاسها قبل أن تكمل قائلة "فكرت في البداية في المكتبة الكبيرة حيث
كاليسيو ولكن سريعًا ما طردت الفكرة لأنني سبق وسألت كاليسيو إن كان هناك شيء
كبيرًا ومهمًا عن البشر قد يفيدنا وأجاب بالنفي وبالتفكير في الامر ما كان للحكيم
أن يترك شيء عن قوة البشر الذي تم إخفاء حقيقتهم في مكتبته لأنني كما سمعت كان قد
أعطى اللغز لفتح المكتبة للكثيرين وكانت هناك فرصة لمئات الأشخاص أن يفتحها احدهم
وهكذا يمكن ان تنتشر هذه الوثائق عن البشر".
نظرت
بثقة للحكيمة وقالت بثقة كبيرة "لذلك توجهت لكِ، إن كان هناك شخص يعلم شيء عن
الحكيم الأكبر فلابد أن يكون أنتِ، لابد أنه ترك شيء ما خلفه ها هنا، حيث يمنع
الكثيرون من دخول أرض الوسطاء".
أخذت
الحكيمة رشفة من كأسها وصمتت لثواني ولم تبعد عينها عن جلنار التي بادلتها النظر
دون أن تتردد أو تتوتر لقد كانت جادة ولم يكن مجرد فضول.
في
النهاية زفرت الحكيمة ونهضت واقفة وقالت: "يجب أن تعلمي أن ما سأفعله ممنوع
تمامًا، ولكن أنتِ ابنة التوبازيوس وسأثق بأنكِ الآن أكثر حكمة من قبل وتعرفين ما
تفعلينه لذلك لا تخيبي أملي أيتها الشابة".
اتسعت
ابتسامة جلنار بحماس وشعرت بقلبها يضرب بقوة داخل صدرها لشدة حماسها، تحركت
الحكيمة عبر الغرفة ووقفت أمام الجدار غير المرئي والمطل على أرض الوسطاء بالكامل
وضربت الأرض بعكازها ثلاث مرات.
ضوء
أصفر برز خلال اللاشيء واخذ في الاتساع حتى تحول لبوابة تقود لغرفة ما.
تجاوزت
الحكيمة البوابة والتفتت لجلنار قائلة: "ماذا تنتظرين؟" قفزت جلنار من
مكانها وهرولت خلف الحكيمة ليتبعها يوجين بحذر.
الغرفة
التي دلفوا إليها كانت مظلمة إلا من مشاعل الإضائة الموجودة في الزاويا وفارغة
بالكامل من أي أثاث آخر وجدرانها ذات لون مصمت وغامق يشعر الشخص بالاختناق.
تقدمت
الحكيمة إلى منتصف الغرفة ووضعت عكازها في منتصف الأرضية حيث كان يوجد ما يشبه
دائرة صغيرة تتناسب مع نهاية العكاز.
ضغطت
الحكيمة على العكاز لتنخفض الأرضية ببطئ للأسفل وعلى جوانب الغرفة تظهر الكثير من
الأرفف التي رتبت فيها لفيفات مهمة وبعض الصناديق التي يخيل للمرئ أنها بلا جدران
زجاجية لحمايتها ولكنها محاطة بتيار خفي من الهواء الحاد الذي في شأنه قطع أي جسم
يمر من خلاله وداخل هذه الصناديق وثائق مهمة وغاية في الخطورة.
تقدمت
الحكيمة نحو أحد الصناديق وبسطت كفها أعلى الصندوق وخلال ثواني توقف تيار الهواء
بالكامل وأصبح من الآمن الإمساك بالوثائق داخل الصندوق.
أشارت
الحكيمة للوثائق الستة المتجاورة وقالت لجلنار "هذه الوثائق الست هي الوحيدة
التي تتحدث عن البشر والتي وجدت منذ زمن بعيد ويُحتفظ بهم هنا".
عندما
نظرت جلنار للوثائق عن قارب كانت صفحات متنية من الورق ولكن الكلمات عليها مكتوبة
بالحبر الأحمر وعلى رغم من هذا لم تفهم جلنار كلمة مما هو مكتوب فنظرت للحكيمة
وقبل أن تسأل كانت الحكيمة قد قرأت السؤال المرسوم على وجهها وقالت: "إنها
لغة قديمة ومشفرة لذلك لن تتمكني من قرائتها دعيني أساعدك".
أشارت
نحو الوثيقة الأولى وقالت: "هذه تتحدث عن أن البشر كانوا مخلوقات ذو قوة
كبيرة وكانوا جبابرة وعظماء ولكنهم مع الوقت اغتروا بأنفسهم فكانو سببًا في في
بداية الحرب على جميع الممالك وعقابًا لهم تم نفي كوكبهم للأبد، ولم توضح الوثيقة
إن كان النفي قد قتلهم أم أنهم على قيد الحياة في مكان ما".
فكرت
جلنار بمدى صحة الوثيقة، نعم البشر حتى الآن يتصفون بالغرور في إثبات أنفسهم.
البشر
هم تلك الكائنات التي تتظاهر برغبتها في السلام ثم تختبئ وتصنع سلاحًا نووي بعذر
الدفاع عن النفس.
ولكن
السيد هاندرا قال ان حكماء البشر رأوا الدمار فقطعوا سبيله قبل أن يحدث لذلك لا
دليل على هذا حتى. نظرت للوثيقة الثانية وأشارت عليها لتقول الحكيمة "هذه
تتحدث عن أن البشر مخلوقات بلا إرادة أو ذكاء وأنهم يومًا ما كانوا وسائل لإراحة
الممالك الأخرى وأنهم يتصرفون دون رغبات وذو أشكال غير مألوفة ولهم نزعة وحشية
والوثيقة بجوارها نظن أنها للكاتب ذاته أو كاتب آخر يثبت نظرية الأول لأننها تتحدث
عن الامر ذاته".
ثم
أشارت على الثلاث وثائق الأخيرة وقالت "هنا ذكر مصطلح الكينجي حيث كتب أن
البشر كانوا يومًا ما مماثلين في القوة لأقوى الممالك وأنهم كانو يتميزون بقدرة لم
يتميز بها أحد من قبل، وكان يطلق عليهم الكينجي ولكن لم يذكر الكاتب السبب في
تسمية هذا المصطلح، كتب أيضًا أن البشر من قرروا تدمير جسر التواصل بينهم وبين
الآخرين بعد قرار حكمائهم ولم يُذكر السبب عن هذا و.."
أكملت
جلنار تتذكر ما قاله لها الحكيم "وأن البشر كانوا يرسلون أولادهم لتعلم
الفنون المختلفة من الممالك كلها وكانوا يتسمون بإسلوب قتال لم يتمكن أحد من
استنساخه".
أومأت
الحكيمة وقالت: "بما أنكِ غير قادرة على قراءة هذه اللغة فيجب أن أخمن أن
الحكيم الأكبر من اخبركِ بهذا". أجابت جلنار بنعم وهي تتفحص الثلاث وثائق
الأخير بعينها لتتمتم الحكيمة "إذًا هذه الثلاثة هي ما كتبها الحكيم هاندرا
بالفعل".
نظرت
جلنار للحكيمة وقالت بانفعال "لقد تأكدنا أن هذه وثائق الحكيم الأكبر ألا يجب
عليكم اخبار الجميع بها؟ أعني أليس هذا بدليل على حقيقة هذه الوثيقة دونًا عن
البقية؟"
تنهدت
الحكيمة وقالت بنبرة يشوبها الأسف "لا، هذا لا يثبت أنها الحقيقة، الحكيم
الأكبر بلا شك هو مصدر موثوق به ولكن بقية هذه الوثائق تمت كتابتها من قبل حكماء
لا نعلم إن كانوا سبقوا الحكيم هاندرا أم عاصروه أم جائوا بعده، مجموعة كبيرة تثق
بكل ما أثبته الحكيم هاندرا ولكن هناك البعض يثقون بحكماء آخرين ومن الممكن أن
أُثبت أن الوثائق الأخرى من كتابتهم سيصدقونها وهكذا سينشب صراع حول الحقيقة،
علمتي الآن لما إخفاء الحقيقة كان أمرًا لابد منه!"
استقامت
جلنار بانفعال وأشارت على نفسها قائلة: "ألست أنا إثباتًا كافي؟"
"انتِ
بالفعل إثبات ولكن لا يمكننا تبين رد فعل المواطنون على هذا، نحن قلقون ليس فقط
على ثقتهم بأقوالنا بعد الآن بل قلقون أيضًا على ما قد يصيبكِ أنتِ بعد أن نعلن عن
وجود البشر، لا يمكننا أبدًا معرفة ما ستكون رد فعلهم بالإضافة إلى الممالك الأخرى
التي بالتأكيد سيصل لها الخبر، لا نعرف ما قد يحدث".
زمت
جلنار شفتيها تشعر بالغيظ ولكنها لا تستطيع معارضة الحكيمة فكلامها منطقي لذلك لم
تضف شيء لهذا النقاش ووضعت تركيزها على الوثائق الموجودة امامها لعلها تساعد في
شيء.
لم
تبالي بالوثائق الثلاث الأولى فقد كانت متأكدة أن وثائق الحكيم هاندرا هي الحقيقة
والتي ستوصلها لما تريد معرفته.
"ما
هذا؟" سألت جلنار ما إن لاحظت أن كل وثيقة تحمل على إحدى زواياها رسمًا
تشكيليًا غريبًا. اقتربت الحكيمة ونظرت عن كثب لما تشير جلنار نحوه لتقول:
"لا يبدو وكأنها تعني شيء معين، بعض الصفحات قديمًا كانت تحمل رسومًا لإضافة
شكل جيد لها".
لم
تقتنع جلنار فقد كانت تعرف الزخارف والأشكال الهندسية جيدًا وتلك لم تكن واحدة،
نظرت للحكيمة وطلبت بجدية "أيمكنني تفحص هذه الوثائق". صمتت الحكيمة
لثواني ولكنها أومأت في النهاية وقالت: "لكن كوني حذرة".
أمسكت
جلنار بالأوراق بحذر ولم تكن بالية كما ظنت فمازالت محتفظة بقوتها ولكنها على كل
حال أخذت حذرها.
تفحصت
المكتوب مرارًا لعلها تجد شيء يدلها ولكن لم تجد شيء.
الجهة
الأخرى من الوثائق كانت فارغة إلى من رسومات شبه مرئية لتزيين خلفية الصفحة وفي
المنتصف رسم صغير ربما يرمز للمكلة أو لأرض الوسطاء لم تكن جلنار متأكدة.
"هذا
الرجل يبدو قبيحًا".
يوجين
قال مشيرًا للجهة الخلفية لإحدى الوثائق مما دفع جلنار لنظر عن كثب للرمز في
المنتصف حيث أشار يوجين ورددت بتعجب "رجل!"
في
ثواني كانت تشعر بأنها امام أحد أغرب الأشياء في العالم حيث صرخت بدهشة
"مستحيل!" يوجين والحكيمة نظرا نحوها باستغراب "ماذا
اكتشفتِ؟" سألت الحكيمة وكانت مندهشة أنها تمكنت من اكتشاف شيء بهذه السرعة
فالوثائق هنا منذ قرون وقد تفحصها الكثيرون ولم يهتدوا لشيء سوى المكتوب فيها.
"الفيتروفي!
إنه الرجل الفيتروفي!" صاحت جلنار قبل أن تملئ ضحكتها المصدومة المكان وسط
تحديق الاثنين الذين معها بعدم فهم.
امسكت
جلنار الوثائق الثلاثة ووضعتهم بالترتيب فوق طاولة كانت في منتصف الغرفة وأشارت
للرسم الذي كان لرجلين متطابقين حولهما دائرة ومربع احدهما يلامس محيط الدائرة
والآخر تلامس أطرافه محيط المربع.
طرقت
جلنار بأصبعها فوق الرسم وقالت: "إنه الرجل الفيتروفي أحد أهم لوحات ليوناردو
دافنشي الفنية، يوجين ألم تسمع بها من قبل؟" رفع يوجين كتفيه وقال: "كل
ما أعرفه عن دافنشي هو لوحة المونولينا" تنهدت جلنار بأسى وصاحت بوجهه
"إنها الموناليزا أيها الجهال، إن كان دافنشي على قيد الحياة لسمحت له
بقتلك".
"هل
سيشرح لي أحد ما هذا؟" الحكيمة نبهت جلنار انها لا تزال موجودة لتعتذر على
مضض وتقول: "هناك فنان قديم نعرفه في وطننا أسمه ليوناردو دافنشي، إنه ليس
فقط فنان بل عبقري بالفطرة أعني كانت هناك مرحلة من حياتي تدور حوله بالكامل، إنه
رائع و.."
عندما
اكتشفت جلنار أنها بالغت في إظهار إعجابها حاولت التركيز على أساس الموضوع وقالت:
"أحد لوحاته تسمى الرجل الفيتروفي، كما ترين إنها هنا تمامًا مرسومة على
الجهة الخلفية للوثائق، دافنشي كان يؤمن أن الإنسان والكون متحدان بشكل كبير بل أو
كل شبر في الإنسان يتطابق مع الكون روحيًا وحسيًا".
أخذت
نفسًا وحاولت الشرح أكثر قائلة "اللوحة كانت أهم اللوحات في عصر النهضة، إنها
تحوي معلومات مفصلة عن النسب المتطابقة في جسد الإنسان، إنها شيء عظيم، حتى أنه قد
تمت الاستعانة بها هندسيًا فدافنشي كان يرى أن كل بناء يمثل الإنسان بشكل أو بأخر
في قياساته وأشكاله.."
أشارت
نحو المربع والدائرة وأردفت: "يظن الباحثون أن الدائرة هي ما تشير للوجود
الروحاني في الكون، كالروح على سبيل المثال، لا حدود لها والمربع ذو الزوايا يدل
على الوجوديات كالأرض والأحجار ويحاول دافنشي التوضيح كيف أن الانسان يتناسب مع
الجود الروحي والجمادي".
همهمت
الحكيمة وقالت: "ألهي! أنا أتمنى لو كان بإمكاني مقابلة هذا البشري، هذه
عبقرية". أومأت جلنار بإعجاب كبير.
"لكن
لما وضع الحكيم الكبير لوحة الرجل الفيتروفي هنا؟" تقدم يوجين قائلًا
"ربما هو أيضًا معجب بمضمون اللوحة مثلك؟ أو دليل أكبر على وجود البشر".
لم تقتنع جلنار وأشارت للوثيقة الثانية وقالت "لا أنظر، في الوثيقة الثانية
الرسمة ذاتها موجودة ولكنها مرسومًا بشكل مقلوب رأسيًا! لا يمكن أن يكون هذا خطأ!
والوثيقة الثالثة إنها الرسمة ذاتها ولكنها مقلوبة بشكل أفقي! لابد أن هناك سرًا
أو مقصدًا في الأمر".
حاول
الجميع في التفكير في ما المقصد من هذا وأمسكت جلنار بأحد الوثائق وقلبتها لتنظر
للجهة المدون عليها الإثباتات عن البشر.
لمست
الزخارف في الزاوية ويراودها شعور أنها أكثر من مجرد رسوم لتزين الصفحات.
فكرة
ما ضربتها وعلى الرغم من انها غير متأكدة من صحتها إلى أنها ابتسمت بقوة ونظرت
للحكيمة بسرعة قائلة "أتملكين سطحًا عاكسًا؟" عقدت الحكيمة حاجبيها تشعر
بالفضول أكثر وأكثر حول ما تفكر فيه جلنار بالضبط لذلك كررت باستنكار "سطح
عاكس؟"
اومأت
جلنار وقالت "مرآة ستكون مناسبة". أشار يوجين نحو مرآة قديمة موجودة على
الحائط من البداية وقال: "هناك واحدة هنا". أمسكت جلنار بالوثيقة الأولى
واتجهت نحو المرآة وثبتت الوثيقة أمامها.
أخرجت
المذكرة خاصتها والقلم وحاولت كاتبة ما انعكس على المرآة فوق صفحات المذكرة ما إن
انتهت نظر لما كتبته ولم يكن شيء مفهوم.
التفتت
للحكيمة ووضعت أمام وجهها المذكرة وقال "أيبدو لكِ هذا كشيء مفهوم؟"
نظرت الحكيمة لما كتبته جلنار لثواني قبل أن تتسع عينها بصدمة وتقول "كـ..
كيف!" شعرت جلنار بالحماس يتدفق داخلها مجددًا وقالت "ماذا؟ أخبرني ماذا
هناك؟"
"إنها
اللغة ذاتها التي كُتبت بها وثيقة الحكيم الأكبر، إنها جملة!" صاحت جلنار
بسعادة "كنت أعرف" .لم تفهم الحكيمة ما الذي فعلته جلنار بالضبط لكنها
وضحت "لوحة الرجل الفيتروفي كتب دافنشي عليها بعض الملاحظات التي تشير لمعنى
اللوحة وكانت مكتوب تمامًا كجميع مذكراته، طريقة المرآة المعكوسة، إنه يضع مرآة
أمامه ويكتب النص معكوسًا وحتى تفهمي المكتوب عليكي وضع المرآة وقراءة المكتوب،
دافنشي كان مذهلًا ويبدو أن الحكيم الأكبر استعمل طريقته لكتابة شيء ما لم يرد من
الجميع رؤيته".
ابتسمت
حينها الحكيمة وقالت: "بل أراد من بشري فقط أن يقرأه، فما كان يمكن لأي شخص
أن يعرف هذه المعلومات سوى بشري".
اتسعت
ابتسامة جلنار ووضعت الوثيقة مكانها وقالت: "ما المكتوب إذًا؟" أعادت
الحكيمة نظرها للمذكرة وقالت "ليس شيء مفهومًا، مكتوب (الحرمُ المقدس)"
دونت جلنار الكلمتين في مذكرتها وأمسكت بالوثيقة الثانية ووضعتها امام المرآة
وكتبت انعكاسها.
نظرت
الحكيمة للمكتوب ولكنها قال هذه المرة متعجبة "هذه المرة لا أفهم شيء مما هو
مكتوب!" نظرت جلنار لمذكرتها وتمتمت "أنا على يقين أني نقلت تمامًا ما
رأيت في المرآة!"
التفتت
نحو يوجين الذي صفق فجأة وقال: "ربما عليكي قلب الكلمات!" عندما ظلت
جلنار تحدق به بغباء أشار لخلفية الوثيقة وقال "الرسم في الوثيقة الثانية
مقلوب رأسيًا، لذلك المقصود هو أن تعكسي الكلمات ثم تقلبيها رأسيًا".
الحكمية
وجلنار تبادلا النظرات وعلى الفور أمسكت جلنار المذكرة قلبتها رأسيًا لتبتسم
الحكيمة مستمتعة بحل هذه الأحجية وقالت: "حارسكِ محق، لقد أصبحت مفهومة الآن،
المكتوب ( عند ملتقى المُضيء والمُضاء)" دونت جلنار الجملة بجوار صاحبتها
الأولى وهرولت للثالث وعكست كلماتها..
هذه
المرة قلبت جلنار المذكرة بشكل أفقي لتقرأها الحكيمة، صمتت ثواني وبدت هي ذاتها
غير مدركة إن كان هذا النص يعني شيء ولكنها قرأته على كل حال "لا تبحث عن
النهاية، النهايات ما هي إلى نتيجة فنٍ لم يرضى عنه فنان".
توقفت
جلنار لثواني ونظرت للحكيمة تحاول البحث عن المعنى خلف الجملة ولكنها لم تجد شيء
يدلها على المقصد لذلك دونت الجملة بصمت ونظرت للحكيمة التي قالت: "ماذا
الآن؟"
زمت
جلنار شفتيها في تفكير تحاول معرفة الخطوة التالية، نظرت للجمل التي دونتها ولم
يكن يوجد سوى الجملة الأولى التي جذبت انتباهها فقالت..
"الحرُم
المقدس.. هذا يبدو كمكان ما أو حرمٌ هنا، أيوجد شيء كهذا؟" أخذت الحكيمة
ثواني في التفكير قبل أن تلتمع عينها وتقول "هناك خمسة، كل برج من أبراج
العناصر هنا يحمل حرم خاص به والخامس.. إنه يقبع هنا ولكن.. لم نستخدمه منذ وقت
طويل! أيقعل أنه يقصد الساحة ذاتها؟"
عقدت
حاجبيها في تفكير وأردفت: "هناك مكانًا في هذا القصر أشبه بساحة ضخمة ولكنها
مغلقة ولها سقف على عكس الحرم الموجودة في الأبراج والمكشوفة، لم يكن يستخدمه أحد
منذ وقت طويل ولكن.." اتسعت ابتسامتها ونظرت لجلنار بثقة قائلة "هذه هي
ضالتك، اتبعيني".
تبادل
كل من يوجين وجلنار نظرة مندهشة من انخراط الحكيمة معهما ولكن ما لبثا حتى ابتسما
وتبعا الحكيمة التي فتحت بابًا بواسطة عكازها ومرو خلاله إلى الغرفة الأخرى التي
كانوا فيها بعد إعادتهم الوثائق مكانها.
....
بعيدًا
عن أرض الوسطاء وتحديدًا داخل قصر ألفن..
جميع
قادة النبلاء كانوا مجتمعين في مكانٍ واحد عادا سيدة عائلة كليسثينيس فقد تم تجاهل
دعوتها وفي المقابل كان أحد أكبر رجالها موجودًا، ولكن وجوده هنا لم يكن برغبة من
سيدة العائلة، في الواقع السيدة لا تعلم حتى أن أكبر مساعديها يجلس الآن على
الطاولة ذاتها مع قادة النبلاء.
"إن
كان اجتماعنا هذا لمجرد الحديث فأنا أملك أشغالًا أكثر بكثير من الجلوس هنا، وإلا
فلتقولوا أننا سنفعل شيء حيال ما يحدث" جلين بدأ الحديث باقتضاب لينظر نحوه
صاميومين بغضب قائلًا: "لست الوحيد الذي يملك أشغالًا سيد جلين جميعنا حلت
بنا المصائب منذ ذلك القرار لذلك لننتظر ونسمع ما لدى السيد ألفن".
ماليزا
شقيقة صاميومين ربتت على ذراعه كطلب لهدوءه والتريث حتى يتبينوا لما هم هنا.
"أنا
لا يمكنني الصبر أكثر من هذا، وجود أولئك الملاعين على أراضي النبلاء يثير حفيظتي،
ألا يجب علينا فقط ذبحهم عوضًا عن الجلوس هنا؟" صاح بها دول.
عين
ألفن تجولت على وجوههم لبرهة من الصمت قبل أن يقول بصوت الأجش "هل
انتهيتم؟" الجميع التفت نحوه وقد ابتلعوا حديثهم وأجبروا على عدم المعارضة
تحت نظرته القوية.
فقد
كان ألفن رجلًا عسكريًا من الطراز الأول، الأوامر تتبع دون اعتراض ولن تحب الوقوف
في وجهه عندما يُطالب بشيء ما.
وبرغم
من أنه رجل عسكري فقد كان رجلًا طويل النفس، يحب المعارك الطويلة والتي تعتمد على
الاستراتيجيات والخطط والضربات المفاجئة، وإن كان ما فعلته جلنار أثار غيظ الجميع
فقد أثار لدى ألفن شيء مختلف..
رغبة
جامحة كانت قد اختفت مع الوقت مع نهاية الحرب وحصوله على الكثير من رغباته!
رغبة
القتال، الشعور بالهزيمة ثم الانتصار الذي يمحو هزيمته، تلك الأيام التي كان يخطط
ويضع كامل استراتيجياته ضد العدو ألا ان السلام لم يجلب له عدوًا منذ وقت طويل.
الآن
يملك بشرية قادرة على التخطيط والوقوف في وجهه، هذا هو التحدي الذي طالما أراده،
الرغبة القوية للقائد العسكري في الحرب والقتال والتي لا تزول مع زوال الحروب.
ألفن
كان يُلاعب جلنار ليس إلا، كانت خطواتها عادية، رتيبة بالنسبة له ولكن في النهاية
أصبحت تشكل تحدي، أصبحت بمثابة العدو الذي يمكنه أن يخوض الحرب معه ومع ضربتها
الأخيره كان ولابد ان تنتصر نشوته على سكونه وقد حان أوان رد الضربة.
"أنا
لم أجمعكم للحديث عن السلميات! ما سنفعله منذ الآن سيكون مدروسًا، لا ارتجالات، لا
أخطاء، تلك البشرية آن الآوان لتعرف حقيقة النبلاء.. لقد توقفنا منذ وقت طويل عن
القتال منذ أن أصبحنا نملك خمسون في المئة من أراضي المملكة، لكن الآن سنعود كما
كنا منذ سنوات، سنرد الصاع صاعين".
تبادلوا
النظرات فيما بينهم ببعض الريبة ولم ينبس أحدهم بكلمة مما أثار استحسان ألفن ورفع
ذقنه قائلًا: "جميعنا سنتحرك.. واليوم! إنها تظن انها قادرة على إلهائنا لعدة
أيام قبل أن يعود سكان الحدود إلى أراضيهم بكل هدوء ولكن لن نمنحها الهدوء الذي
تريده، نحن سنطرد سكان الحدود".
الدهشة
ارتسمت على وجوههم وهنا تحرك مساعد السيدة كليسثينيس قائلًا: "اتفهم رغبتك
سيد ألفن ولكن.. هذا خرق واضح لأوامر جلالتها، وهذا يعرضنا جميعًا للعقاب!"
وهنا
ارتسمت ابتسامة باردة، جامدة وخالية من الحياة على ثغر ألفن وقال بثقة "لن
تملك الوقت لتذكر إسمها حتى، فما سيحدث سيكون ضربة في مقتل".
....
وقفت
جلنار بجوارها يوجين في ساحة ضخمة وفارغة، كانت مهجورة منذ مدة بينما الأغصان
المتشابكة والمتسلقة خذت من المكان بيتًا لها.
جدران
المكان كان الغبار قد غطى معالمها وبهتت ألوانها، وعلى عكس أي حرم معروف فالمكان
هنا كان ذو سقف مغلق وعالي جدًا.
كانت
الجدران في المكان مستديرة بلا زوايا وفي أعلى الحائط كانت هناك نوافذ دائرية
صغيرة تحيط بالمكان وتنشر ضوء الشمس في المكان.
وكان
محفورًا على الجدار الامامي للمكان بوضوح
(تعاهدنا
على حماية أرضنا
وحلفنا
اليمين على السلام بيننا
وفي
هذه الأرض المرفوعة..
اقسم
الحامي على الدفاع عن قوتها بالحياة
بالمجد
والسيف والطبيعة
هنا
في الحرمِ المقدس..)
كان
من الجلي لجلنار أن هذا المكان كان حيث اقسمت الممالك بالسلام بينهم، وسن قانون
منع الحروب.. لم تفهم المغزى من المقطع الخاص بالحمي والدفاع عن شيء ما ولكن هذه
الكلمات ليس ما هي هنا من اجله.
غير
هذا.. المكان كان فارغًا بالكامل من أي جامدات من الممكن أن يستعينون بها.
نظرت
الحكيمة لجلنار تنتظر وترى ماذا ستفعل بعد.
أمسكت
جلنار بالمذكرة وأعادت قراءة الجمل مرارًا وتكرارًا تحاول التفكير في طرف خيط
يساعدها..
"الحرمُ
المقدس، عند ملتقى المضيء والمُضاء، لا تبحث عن النهاية النهايات ماهي إلى نتيجة
فن لم يرضى عنه فنان.. ما الذي تريد إضاحه هنا أيها الحكيم هاندرا؟"
ظلت
تتمتم وتقطع المكان ذهابًا وإيابًا بتوتر.
وقف
يوجين بجوار الحكيمة التي كانت تراقب جلنار بصمت وهمس قائلًا: "إنها عادة ما
تفعل هذا عندما تتورط في أحجية ما، تعلمين أحينًا أشعر أنها ليست طبيعية لديها
علاقة غريبة مع الألغاز، لكن لا بأس! أنا هنا وأعرفها أكثر من الجميع". نظرت
له الحكيمة بطرف عينها بصمت بينما كان يقف متفاخرًا ولكن ما إن لاحظ نظرة الحكيمة
أخذ خطوة صغيرة بعيدًا وقال: "أوه نعم، علي مساعدتها".
أخرج
ضحكة متوتر قبل أن يحلق مبتعد عن الحكيمة وهو يتمتم بانزعاج "لازلت لا أحب
هذه العجوز".
لم
يكن يعلم يوجين عن ماذا يبحثون بالضبط هو فقط ظل يتفقد النوافذ والجدران بملل
ينتظر سماع صرخة جلنار عندما تتوصل لحل.
ضحك
بينما توقف أمام دائرة في الجدار مغطاة بلوح خشبي وقال "الشخص الذي أنشأ
المكان لابد أنه يملك حسًا فنيًا من نوع ما". ضحك في النهاية قبل أن يطفو على
ظهره مرتاحًا ولكنه أجفل عندما صاحت جلنار قائلة "ماذا تقصد؟"
نظر
نحوها وتوتر بينما يقول "أعني.. بسبب الرسوم المنتشرة على الحائط! بالرغم من
أنها بهتت بسبب تراكم الغبار فوقها".
"رسم!
أي رسم؟" سألت جلنار ليقول يوجين مشيرًا على النوافذ الدائرية الصغيرة قائلًا
"الرسوم حول النوافذ، هناك نجوم وأخرى عبارة عن نباتات غريبة والشمس وما
شابه". رفع كتفيه في النهاية ولم يجد ما قد يهم في الأمر لكن على عكسه جلنار
كانت تتضح داخل رأسها الصورة بالكامل.
"أهناك
شمس!" سألت بدهشة ليومئ يوجين لتضحك بحماس وتقول محدثة نفسها بصوت مسموع
"شمس! هناك شمس.. المُضيء! الشمس هي المضيء إذًا لابد من وجود قمر!"
رفعت رأسها وقالت ليوجين "ابحث عن رسم لقمر بسرعة".
تحرك
حول النوافذ يبحث عن رسم للقمر وما إن وجده كما توقعت جلنار صاح "إنه هناك
جلنار، أنتِ محقة هناك رسوم لقمر" كان الرسم حول المكان المغطى بلوح خشبي
قديم.
"هذا
هو المقصود، المضيء و المضاء، مصدر الضوء وهو الشمس والقمر الذي يأخذ نوره من
الشمس هذه هي". صاحت بسعادة عندما أمسكت بطرف خيطها أخيرًا.
"يوجين
ماذا ترى بالضبط؟" سألت لينظر يوجين للدائرة الكبيرة داخل الجدار ويقول:
"إنها شبيهة بالنوافذ الأخرى إلا إنها مغطاة بلوح خشبي بالكاد يمكنه
الصمود".
نظرت
جلنار للحكيمة وكأنها تطلب الإذن لتؤمئ برضا بينما فضلت مراقبة جلنار عن كثب لترى
إلى أين ستصل في النهاية.
اعادت
جلنار نظرها ليوجين وطلبت قائلة: "أيمكنك نزع ألواح الخشب يوجين؟" ابتسم
قائلًا: "من دواع سروري". أمسك بألواح الخشب محاولًا نزعها، تحركت
قليلًا لكن لم يكن كافيًا لذلك بدأ في ركلها بقوة بقدمه حتى بدأت تتكسر لينزعها
ويلقيها أرضًا.
نظر
لما وجده ليرتفع حاجبيه بدهشة وقال: "هل من المفترض وجود مرآة في مكان
كهذا؟" رددت جلنار باستغراب "مرآة!"
اتسعت
عينها عندما أدركت المقصد وقالت: "عند ملتقى المضيء والمُضاء! نعم بالتأكيد
يجب أن تكون هناك مرآة."
الحكيمة
التي فهمت المقصد من الامر ابتسمت باستحسان وبعض الدهشة من ذكاء جلنار التي لم
تستغرق أحجية لكبير الحكماء معها سوى وقت قصير وكانت بالفعل تصل للحل الصحيح.
"يوجين
القمر يستمد ضوءه من الشمس، المرآة هنا هي القمر التي سينعكس عليها ضوء الشمس
فتضيء المكان هذا هو المُضاء" صفق يوجيت صائحًا "الآن فهمت".
"يوجين
أي النوافذ عليها رسم الشمس؟" سألت جلنار ليشير يوجين لنافذة المقابلة للمرآة
"حسنًا المرآة قابلة للتحريك صحيح؟" أومأ يوجين لتقول "حركها حتى
تصطدم أشعة الشمس بها". نفض يوجين غبارًا وهمي عن كفي يده وتمتم "هاهو
يوجين ينقذ الموقف مجددًا".
أمسك
المرآة ووجهها حيث أشعة الشمس حتى اصطدمت بها الأشعة وعلى الفور انعكست على السقف
والذي بدوره كانت هناك مرآة صغيرة لم يلاحظها أحد معلقة هناك عكست الضوء فوق
الأرضي.
ثواني
قصيرة انقضت قبل أن تتسع دائرة الضوء وحدها وكأن أحدهم يتحكم بها وتهتز الأرضية
والجدران فيتبعثر الغبار الساكن منذ سنوات وينتشر في المكان.
ثبتت
جلنار نفسها بسرعة حتى لا تقع وغطت وجهها لتحميه من الغبار وأصابتها نوبة سعال
خفيفة.
الجدران
كانت تتحرك وحدها وفجأة بدأت قطع من الجدار تتبدل وتتحرك كأنها تسحب للأسفل تاركة
فارغًا في الجدار ومن داخل الجدار كانت هناك لوحات فنية متناسبة مع قطع الجدار
التي اختفت تحركت بشكل أوتوماتيكي وثبتت لتغطي الفجوات في الجدارن.
توقفت
الضوضاء وثبت المكان وبدأ الغبار ينقشع ببطء، نظرت جلنار حولها ولاحظت أن حول
الجدار كانت هناك عشر لوحات فنية معلقة في المكان وثابتة على الجدران.
كانت
اللوحات كلها متشابهة!
صورة
مرسومة لرجل ذو ملامح قوية يرتدي زيًا ملكي، تقدمت الحكيمة وقالت: "إنه أحد
أبرز ملوك الإلترانيوس قديمًا". لاحظت جلنار أن اللوحات تتشارك بوجود الرجل
نفسه ولكن كل لوحة كانت مختلفة عن الأخرى في أشياء طفيفة.
فمثلًا
أحد اللوحات كان الرجل بها لا يضع شارات على صدره الأيسر! ولوحة أخرى لم يكن هناك
عرش من خلفه على عكس واحدة كان هناك عرش مرسوم خلفه!
لوحة
أخرى كان يمسك فيها الرجل بمخلوق غريب الشكل ويبدو أشبه بالأسود واقفًا بجوار
الملك ولوحة أخرى لم تُرسم فيها هذا المخلوق.
لم
تفهم جلنار ما الذي عليها فعله؟
لقد
حلت أمر الجملتين،الحرم المقدس، وملتقى المضيء والمضاء، والآن تبقت الجملة
الأخيرة، نظرت لمذكرتها وتمتمت بالجملة " لا تبحث عن النهاية، النهايات ماهي
إلى نتيجة فن لم يرضى عنه فنان.. فن! هذه إشارة واضحة لهذه اللوحات الزيتية ولكن
ما الذي علي فعله الآن بالضبط؟"
بدأت
تحدق في كل اللوحات، تلتف حول المكان، في كل لوحة كان هناك شيء يضاف للرجل الذي
كان موضوع الصورة.
نظرت
إلى صورة كان يقف فيها وخلفه عرش ضخم بينما على يمينه ذلك المخلوق الشرس، عباءة
حمراء على ظهره والشارات على صدره وهناك تاج ووثيقة على طاولة بجواره..
النهايات!
هذا
ما تجلى لجلنار وهي تنظر للصورة "نهاية اللوحة!" قالت قبل أن تخطر لها
فكرة وتقول: "فنان لم يرضى عن فنه، إنه يتحدث مجددًا عن دافنشي!" قالت
بينما بدأت تتفحص اللوحات جيدًا في كل مرة تقول "لا، ليست هي".
"ما
الذي تقصدينه؟" سأل يوجين لتشرح جلنار "الحكيم لا يريد منا رؤية الصورة
النهائية بل البداية، انظر جيدًا اللوحات في كل مرة يُضاف لها شيء جديد، مرة
الشارة ومرة التاج ثم العباءه والعرش والوثيقة.. إن الأمر مشابه للوحة دافنشي،
لوحة (سيدة مع قاقُم) مؤخرًا تم اكتشاف أن اللوحة مكونة من طبقات، فقد كانت الطبقة
الأولى لسيدة تدعى سيسيليا غاليراني ولكن الطبقة الثاني اكتشف العلماء أن دافنشي
أضاف حيوان قاقُم ذو فراء رمادية ووشاح أزرق على كتف السيدة وفي الطبقة الأخيرة
تحول حيوان القاقم إلى اللون الأبيض وكانت هذه هي النتيجة النهائية للوحة".
توقفت
جلنار أمام صورة الملك الواقف دون أي إضافات أو شارات وابتسمت قائلة "ربما
قصد الحكيم أن دافنشي في كل مرة لم يكن راضي عن اللوحة فكان يضيف لها شيء آخر،
بالرغم من أن بعض المفسرين قالوا أن الإضافات على اللوحة كانت طلبًا من الرجل الذي
كانت سيسيليا عشيقته، على كل حال، كلما أضاف الفنان شيء للوحته فهذا يعني أنه غير
راضي عن بدايتها.."
أمسكت
أطراف اللوحة أمامها ودفعتها بقوة للداخل وبالفعل تحركت لداخل الجدار وتبدلت
اللوحات مجددًا لتعود داخل جدران الحرم وتتمتم جلنار برضى "هذه اللوحة كانت
البداية".
في
منتصف الحرم تحركت الأرضية وانفتح جزء صغير منها ليبرز من خلاله حامل طويل فوق
علبة من الزجاج.
تحرك
الثلاثة لمنتصف المكان ينظرون لسبب كل هذه الجلبة، كان كتابًا كبير الحجم ذو غلاف
ضخم وبجواره لُفافة صغيرة وقديمة.
أزاحات
جلنار العلبة الزجاجية بعدما أذنت لها الحكيمة وتلمست الكتاب الذي لم يمسسه الغبار
حتى، كانت تشعر بأنها على حافة شيء لم يراه احد من قبل.
نظرت
للحكيمة التي لم تقل شيء ولم تلتقط الكتاب أو اللفافة لذلك أعادت نظرها للكتاب
ومدت يدها ببطء حتى تقوم بفتحه لكنها أجفلت عندما قالت الحكيمة بسرعة "لا
تفعلِ".
ارتسمت
الدهشة على وجه جلنار لتقول الحكيمة "أيًا ما يكن داخل هذا الكتاب فلا أظن
أنه يحق لي رؤيته، الحكيم الكبير أخفى هذا الكتاب وهذه اللفافة جيدًا ولم يخبر
عنها أحد سواك، كان يعلم أن لا شخص قادر على حل ألغازه سوى بشري".
تناولت
الحكيمة الكتاب بحرص ووضعت فوقه اللفافة ولم تحاول النظر لما داخلها حتى ونظرت
لجلنار بجدية وقالت: "إنهما لكِ الآن! لا يحق لي المساس بهم، ولا تخبري أحدًا
عن هذا، احتفظي به لنفسك فلا نعلم خطورة المكتوب هنا.. كوني حذرة".
حاولت
جلنار منع ارتجاف يدها والتقطت الكتاب واللفافة معًا وأومأت للحكيمة وتعبير
الامتنان مرتسمة على وجهها.
أخذت
الحقيبة التي على ظهرها ووضعت الكتاب واللفافة داخلها بحرص وارتدت الحقيبة مجددًا.
"أشكرك
حقًا لمساعدتكِ لي، لم أكن لاتمكن من الوصول لهذا إن لم تكوني هنا". وجهت
جلنار شكرها للحكيمة التي ردت قائلة: "واجبي هو إرشادك أيتها الشابة، أتمنى
ألا تضلي الطريق، فأمامك مسافة طويلة".
صمتت
جلنار وحاولت استجماع شجاعتها وشعورها بالتفاؤل ولم تجد شيء يمكنها أن تقوله.
نظرت
إلى النوافذ التي أشارت أن وقت الغروب قد اقترب لتتمتم "ألهي الوقت يمر بسرعة
عجيبة!" أعادت نظرها للحكيمة وقالت: "علي الذهاب، فهناك ما يتوجب علي
فعله الآن".
لم
تكن تعلم إن كان إخبار الحكيمة عن أمر الإريبوسي ذاك جيد أم لا لكنها في النهاية
فضلت الاحتفاظ بالأمر لنفسها حاليًا فلا يمكنها توقع رد فعل مناسب ولا تريد إفساد
الامر بعد أن قطعت وعد لثنائي.
خرجت
جلنار من المكان مودعة الحكيمة واتجهت نحو كارولوس الذي كان يأخذ قسط من الراحة
وعلى مسافة أمتار منه كان كريستن يراقبه بصمت عن كثب وكأنه يراقب ولادة طفله
الأول!
نهض
ما إن رأى جلنار وقال: "لقد تأخرتِ كثيرًا". ابتسمت جلنار بحماس وقالت:
"في النهاية حصلت على ما أريد" رفع كتفيه ولم يحاول التدخل في شؤنها.
كارولوس
نهض ما إن سمع صوت جلنار وتحرك نحوها بخمول بينما يوجين ربت عليه مرحبًا
باستيقاظه.
قفزت
جلنار فوق ظهر كارولوس واستعد للتحليق بها ولكن كريستن أوقفها قائلًا: "لقد
وعدتني باخبار سرًا عن تنين الشفق إن ساعدتك!"
"هذا
صحيح لقد كدت أنسى..." تمتمت ثم ابتسمت قائلة "هذا السر.. اسمع
جيدًا" اقترب كريستن والفضول يأكله لتقول جلنار "تنين الشفق يملك جسدًا
أسودًا مخططًا بالأبيض". تجمد كريستن لثواني يحاول استيعاب الأمر ولكن قبل أن
يقول شيء كان كارولوس قد ابتعد عن الأرض وحلق بسرعة وقوة مبتعدًا عن أرض الوسطاء.
"أتمزحين؟
أهذه هي المعلومات الخطيرة؟" صرخ كريستن قبل أن يركل الأرض بغيظ ويشتم نفسه
لأنه سمح لها بخداعه.
"أهناك
شيء يزعجك أيها المدرب". أجفل لصوت الحكيمة خلفه وستقام بسرعة قائلًا:
"على الإطلاق أيتها الحكيمة".
أخرجت
من ثوبها مذكرة كبيرة بعض الشيء وقال "على كل، قيل لي أن أسلمك هذه".
تناول المذكرة باستغراب بينما تجاوزته الحكيمة عائدة لحيث كانت.
كادت
الصدمة تقتله عندما رأى أن المذكرة بالكامل تتحدث عن تنين الشفق مع رسوم توضيحة
ومعلومات تفصيلة عن كل شيء عرفته ولاحظته جلنار في كارولوس.
كانت
قد كتبتها سابقًا ووجدتت أن كريستن شغوف بالأمر أكثر منها، من يعلم ربما ينجح
يومًا في ترويض تنين شفق؟
احتضن
كريستن المذكرة وتمتم "اليوم أفضل الأيام في حياتي".
....
"ماذا
تظنين أنكِ ستجدين داخل الكتاب؟" سأل يوجين بينما يحلق بجوار كارولوس متجهين
إلى أرض كليسيثينس حيث السوق "لا أعلم حقًا يوجين، الكثير من الأفكار تضارب
داخل رأسي ولن نكتشف ذلك إلى عندما نفتح الكتاب".
نظرت
نحوه وابتسمت قائلة: "ولكن الآن هناك مقابلة علينا الانتهاء منها" اتسعت
ابتسامة يوجين وقال بحماس "نعم ذلك الثنائي الاستثنائي! كيف ستنتهي هذه القصة
يا ترى، نهاية سعيدة أم ستتحول إلى قصة تراجيدية؟" غير يوجين صوته محاولًا
تقليد مذيع النشرات لتدحرج جلنار عينها..
"لسنا
ذاهبين للاستمتاع، ربما ما سيقوله سيكون خطيرًا جدًا" ضحك يوجين وقال
:"بالطبع سيكون كذلك، لكني لا يسعني سىوى التفكير بحماس حول علاقتهما اللطيفة
كم هذا شاعري".
وجدت
جلنار أفكارها تنسحب تدريجيًا إلى الليلة السابقة، تتذكر ما حدث مع أتريوس، لقد
قال أنه سيتوقف عن إبعاده على الرغم من عدم تأكدها من هذا الوعد.
لقد
قبلها! كان الامر لطيفًا وهادئ، لو يمكنها أن تعلق داخل هذه اللحظة لفعلت للأبد..
كانت
تبتسم كالحمقاء وقد تحول وجهها بالكامل للون أحمر قبل أن تصرخ بحماس واحراج وتسند
رأسها فوق رقبة كارولوس.
"ما
اللعنة؟" صاح يوجين عندما أفزعته صرختها لتقول على مضض "لا شيء"
ضيق عينه وقال "تفكرين بذلك الغبي مجددًا، ماذا حدث ليلة أمس؟" وجددت
جلنار نفسها تجاوب بكل شفافية "رقصنا".
ابتسم
يوجين وقال: "أوه لطيف" لكنه تجمد في اللحظة التالية وصرخ
"ماذا؟" لم يكن الوحيد الذي أصدر رد الفعل هذا فكارولوس التفت برأسه
ينظر لجلنار بدهشة لتصبح بهما "توقفا هذا محرج كفاية".
"لا،
هذا غريب كفاية". صاح يوجين قبل أن تتحول تعبيره لأخرى متقززه "لما أنا
موجود لأرى هذا اليوم؟"
لم
تعره جلنار اهتمامًا فهو لن يتقبل أتريوس بهذه السرعة..
هبط
كارولوس قريبًا من أرض السوق وكعادته كان بارعًا في التخفي عن الأنظار. قفزت جلنار
من فوقه وثبتت الحقيبة على ظهرها بحرص تتأكد أن الكتاب واللفافة سليمة.
دلفت
لسوق المزدحم كعادته يتبعها يوجين الذي ظل يحاول التخمين كيف يبدو الثنائي.
توقفت
جلنار عند حدادة جولدامون وألقت عليه التحية سريعًا "لما لا تدخلي
لنتحدث؟" دعاها جولدامون لكنها رفضت بلطف ومازحت "لا أريد مزاحمة أفكارك
يكفي أن واندر تزاحمه" غمزت في النهاية ليبتسم ويكتف ذراعيه قائلًا:
"أتظنين أن ما فعلته خطوة جيدة؟" رفعت جلنار كتفيها وأجابت بصراحة
"أنتما وحدكما من يمكنه تحديد ذلك ولكن، أنا على يقين أن دعوتك أسعدت واندر
حقًا".
ابتسم
وبدا أكثر اطمئنان وقال: "الآنسة واندر حساسة كما أنها بسيطة التفكير كنت
قلقًا إن كانت دعوتي سترسم لها صورة سيئة أو متسرعة لي". ربتت جلنار على كتفه
العريض وقالت: "لا تترك هذه الأفكار تغزوا عقلك، تريث وكن سيدًا مهذبًا واندر
منجذبة لبساطتك".
اتسعت
ابتسامته وتنهد قائلًا "أرجو ذلك"
أنهت
جلنار الحديث بسرعة مشيرة أنها تملك عملًا سريعًا حول السوق وستحاول المرور عليه
في وقت لاحق عن تفرغت لذلك.
حاولت
عدم جذب الانتباه بينما تقف على مسافة قريبة من الحدادة تحاول ملاحظة أي وجه مألوف
ولكن ظلت هكذا لمدة ولم ترى أحد الاثنين حتى ظنت أنهما هربا وقررا عدم المجيء.
كادت
تيأس من قدومهم لولا أنها لمحت وجه ناريليا الفتاة من الحدود واقفة بجوار الورشة
وتبحث بعينها بين الجميع.
تقدمت
جلنار نحوها ولم تنتبه ناريليا لوجود جلنار حتى ربتت جلنار على كتفها، اتسعت عينها
ما إن رأت جلنار وقالت بتوتر "لقد جئتِ!" رفعت جلنار حاجبًا وقالت مازحة
"من المفترض أن تكون هذه جملتي".
نظرت
جلنار حول ناريليا تبحث عن الشاب كاريان لكنها لم تجده وعندما لاحظت ناريليا ذلك
قالت "إنه ينتظر خلف الورشة حتى لا يراه أحد، من الصعب التحكم في لون عينه
طالما ضوء الشمس موجود".
أومأت
جلنار بتفهم وتبعت ناريليا إلى حيث ينتظر كاريان.
لمحت
جسده مستندًا إلى الجدار بينما يرتدي معطفًا ذو قلنسوة يغطي معظم ملامحه بها
ومكتفًا ذراعيه.
ما
إن رآهم اعتدل في وقفته وقبل أن يقول شيء قالت جلنار "اتبعاني". سارت
بهم إلى مخرج آخر في السوق حيث مساحة خالية مليئة بالخردة لا يستعملها أحد ولا
يأتِ أحد إليها.
"هنا
لن يسمعنا أحد، يمكنك أخذ راحتك" قالت جلنار وأمسكت العلبة المعدنية الطويلة
والملقاة بإهمال لتجلس فوقها.
رفع
كاريان القلنسوة عن رأسه لتظهر مقلتيه السوداء بالكامل وتبرز ملامحه الحادة
والبشرة الشاحبة "هل انت بخير؟ تبدو مرهقًا" قالت جلنار بتعجب وتجاهلت
يوجين الذي كان يصيح كطفل مكررًا "عينه سوداء! إنه لوسيفر، هذا حماسي".
أشاح
كاريان بنظره بعيدًا ولم يجب وبدت ناريليا قلقة وهي تقول: "أرأيت! لقد لاحظت
منذ النظرة الأولى كاريان يـ..." قاطعها كاريان بخشونة "أنا بخير
ناريليا" صمتت وعبثت بأصابعها ببعض التوتر لم تبدو راضية.
بدلت
جلنار نظرها بين الاثنين قبل أن تنظر لكاريان قائلة: "أين تبقى الآن؟ من
الصعب الاختفاء طيلة النهار!" صمت لمدة وجيزة وحينها أجابت ناريليا عوضًا عنه
"نملك قبوًا صغيرًا في المنزل الذي نبقى فيه لا نستعمله، كاريان يبقى هناك
دون ان يلاحظ أحدهم".
نظرت
جلنار إلى كاريان وقالت: "دعنا نتحدث بصراحة، أعلم أنك لم ترد المجيء إلى هنا
في المقام الأول.." قطاعتها ناريليا بقلق قائلة "لـ.. لما تقولين هذا؟
نحن قد جئنـ.." قاطعها كاريان بنبرة حاده موجهًا الحديث إلى جلنار "نعم،
أنتِ محقة لم أرد المجيء وإن لم تكن رغبة ناريليا لما وجدتني اليوم هنا".
ابتسمت
جلنار مثيرة استغرابه وقالت: "جيد، أريد منك أن تكون صريحًا حتى نهاية هذا
النقاش". تبادل كاريان نظرات سريعة مع ناريليا وكلاهما يشعر بتوتر فمن المخيف
البقاء مع شخص لا يمكنك التنبؤ بأفعاله.
أشارت
جلنار إلى كرسي شبه سليم ليجلس فوق كاريان وفعل دون اعتراض.
"أريد
أن أعرف كل شيء، بالتفصيل.. منذ سبب مساعدتك لناريليا إلى حقيقة شعبك بالضبط"
حدق بها لمدة قبل أن يكتف ذرعيه ويقول "ولما تريدن معرفة كل هذا؟ أليس من
الأسهل تسليمنا واستلام مكافئة؟"
رفعت
جلنار كتفيها بلا مبالة وقالت: "لا أريد تسليمكما ولا أريد مكافئات، أخبرني
الحقيقة وسأخبرك حقيقتي" توقف كاريان عند كلمة (حقيقتي) ما هي حقيقة هذه
الفتاة حقًا؟
أراد
أن يعاند أكثر لكن ناريليا سئمت من عناده المستميت لذك قالت بحدة منهية الموضوع
"أنا سأخبركِ بكل شيء" كاد كاريان يعترض لكنها منعته بقسوة قائلة:
"توقف عن كونك صبي غير ناضج، إنها تعلم أنك إريبوسي بالفعل وتريد أن تفهم
الأمر كما شرحته لي، لن نخسر شيء بحقك كاريان!"
اتسعت
عينه لثواني قبل أن يشيح بوجهه بعدم رضى ولكنه لم يعترض، زفرت ناريليا بتعب ووجهت
حديثها لجلنار قائلة "أعتذر، إنه فقط يأخذ موقفًا دفاعي ولا يمكنكِ
لومه"
نظر
نحوها وكاد يعترض بغضب "أنا لـ.." قاطعته ناريليا بنظرة حادة وقالت
بجدية "إن أردت الانفصال عني قل كلمة أخرى" العقدة بين حاجبيه أصبحت
أكبر وكبت غيظه واحتفظ بحديثه لنفسه.
نظرت
لجلنار مجددًا وأخذت مقعدًا بالقرب منهم وأخرجت تنهيدة قوية قبل أن تبدأ حديثها
قائلة:
"لقد
كنت محظوظة لأن كاريان وجدني.. أو لنكن صريحين أنا من وجدت كاريان، كان الأمر
مرعبًا، انسحاب الجنود فجأة ثم اكتشفنا أننا محبوسون داخل جدار أسود ضخم مع جنود
الظلام، مازلت أسمع صراخات الجميع وحالة الهلع التي كنا نعيشها.. لقد تأكدنا أن
المملكة تخلت عنا".
قبضت
جلنار على حقيبتها بقوة وأرادت لعن جلين مجددًا ولكنها كبحت نفسها وتركت مجالًا
لناريليا حتى تنتهي..
"لقد
هربت حينها إلى أبعد مكان يمكن أن يجدوني فيه وحاولت الاختباء بقدر المستطاع ونجحت
ليومين في الاختفاء عن الأنظار حتى.. حتى رأيت كاريان، كان يقف أمام أحد الفتية
الذين هربوا وكان يجب عليه قتل الفتى، كنت خائفة، ولم أقوى على فعل شيء فقط انتظرت
ان ينتهي الأمر وأهرب بعيدًا مجددًا ولكن.."
ابتسامة
صغيرة ارتسمت على وجهها ونظرت لكاريان الذي مازال يتحاشى النظر نحوهما ولكن ملاحه
بدأت تلين وبدا وكأن ما تسرده ناريليا يمر أمام عينه..
"لم
يقتل كاريان الصبي، لقد بدا كشخص في صراع مع ذاته، كنت أرى هذا يحدث لإريبوسي
للمرة الأولى فقد كان يمنع ظلامه من الوصول للفتى، كان يعاني بل أنه لم يقوى وسقط
لاهثًا فوق الأرضية مما سمح للصبي بالهروب، لم أفهم ما يحدث وظللت مكاني أراقبه
حتى فقد الوعي".
توقفت
ناريليا عندما زفر كاريان وهدأ انفعاله وبالرغم من أن نظرته لم تواجه جلنار إلى أن
أكمل القصة من منظوره الخاص..
"عندما
فقدت الوعي يومها لم استفق إلى بعد ساعات ليلًا! كنت في مكان مختلف بالكامل،
الحمقاء أخذتني لمخبئها ووضعت وسادة أسفل رأسي" ابتسم سخرًا ليتلقى ضربة على
رأسه من ناريليا التي انفجرت إحراجًا وقالت: "لقد كنت فاقدًا للوعي ماذا تريد
مني أن أفعل؟"
مسح
رأسه مكان الضربة وقال: "لا تُدخلي العدو لمخبئك كأبسط مبدأ!" عبست
وتمتمت "لم تكن تبدو عدواني حينها"
ابتسم
بلطافة نحوها وعندها صاح يوجين "أليسا لطيفين؟ جلنار أيمكنني البقاء معهما
لحمايتهما؟" نظرت ليوجين بملل قبل أن تنقل تركيزها للثنائي الذي لاحظت أنهم
تناسيا وجودها تقريبًا لذلك أصدرت سعلة بسيطة أعادتهم لأرض الواقع.
أجفل
كاريان بخفة لكنه تحكم بتعبيره مجددًا وقال: "في النهاية عندما نهضت حاولت
تهديدي بأن معها سيف و سلاح آخر وما شابه وفي النهاية اكتشفت أنها تخبئ ملعقة طعام
خشبية تهددني بها!" انفجر يوجين ضحكًا وكان من الصعب على جلنار التماسك لذلك
التفتت بسرعة وحاولت كتم ضحكها حتى لا تحرج ناريليا..
في
المقابل اتسعت ابتسامة كاريان عندما تلقى توبيخًا من ناريليا التي صاحت "أحكي
المهم فقط أيها الغبي، توقف عن إحراجي" خبأت وجهها وركلت قدمه ليعتذر على مضض
ويحاول ألا يضحك بسبب صوت ضحك جلنار المكتوم.
تمالكت
جلنار نفسها وأخذت نفسًا قويًا ونظرت لهما قائلة "كنت فقط أحاول منع نفسي من
السعال، ليس إلا.." رفع كاريان حاجبه فصوت ضحكها كان واضحًا بالرغم من
محاولاتها في كتمه ولكنه لم يعقب على الأمر.
"في
النهاية لم يقتلني كاريان..." تدخلت ناريليا وقررت أن تحكي المهم بعيدًا عن
التفاصيل المحرجة ثم تابعت "كنت خائفة ولكن عندما أدركت أنه لن يقدم على
أذيتي حاولت الحديث معه، حينها فقط تعارفنا وحاولنا فقط أن يطمئن كل منا للآخر ولم
يطول الامر حتى وجدني حراس الإيربوس وألقوني في الزنازين مع البقية، ظننت انني هذه
المرة هالكة فهم يبدأون بالفارين أولًا ويسحبونهم إلى حيث يعلم الإله ولكن للمرة
الثانية كاريان أثبت أنه مختلف عندما تسلل في أحد الليالي واستطاع تخبئتي في
الزنزانة التي وجدتني داخلها، لم يجدني أحد هناك ولم يتذكر أحد أني كنت موجودة
أصلًا وكان هذا في صالحي وأعطاني الوقت الكامل لفهم ما يحدث مع كاريان".
تعبير
وجهها كان يتحول ببطء إلى آخر حزين وباهت وعندما صمتت وحاولت ترطيب شفتيها نظرت
بزاوية عينها لكاريان الذي كانت قبضته فوق معطفه قوية لتقوم بالتربيت على يده
وتتماسك قائلة:
"إنهم
يعانون كثيرًا، أكثر منا.. على الأقل مؤخرًا لدينا الفرسان لدفاع عنا ولكنهم..
إنهم لا يملكون شيئًا على الإطلاق". عقدت جلنار ذراعيها فوق صدرها وقالت:
"إنهم يحاولون السيطرة على المملكة هنا؟ لما يحتاجون شخصًا للدفاع عنهم بحقك
الله؟"
كاد
كاريان أن يصيح بوجهها ولكن قبضة ناريليا التي ضغطت فوق يده دفعته للصمت وتذكر أن
جلنار كمثل الجميع هنا، كيف لها أن تعلم شيئًا؟
"ليس
الجميع" قالت ناريليا قبل أن تنظر لعين جلنار بقوة وثقة وبغض شديد قائلة:
"إنهم يموتون في الأزقة ويلقى بيهم في المحارق! فقط بسبب انانية ملكهم
اللعين، لم يفعلوا شيئًا ولن يفعلوا شيئًا، مهما كانت الاختيارات فالعواقب تنعكس
عليهم.. عندما تم نفي كوكبهم، لقد تم نفيهم جميعًا بلا استثناء، هل يمكنكِ التخيل
أنك تعيشين داخل منزلك تستمعين عن حرب بين مملكتكِ ومملكة أخرى وأنتِ معارضة للأمر
لم تشتركي حتى في المعركة فجأة تجدين نفسكِ ملقية في العدم! ماذا عن الأطفال الذين
كانوا يعيشون على أرض الإريبوس، لما تم نفيهم؟ لما تمت معاقبتهم على شيء لم
يقترفوه؟ أتعرفين ما الذي يعنيه النفي لكوكب كامل؟"
انفعال
ناريليا كان قويًا حتى أن عينيها امتلئت بالدموع وتعبيرها كان ينفجر من الغضب
"نفي كوكبك إلى العدم يعني اختلاف كلي بالظروف المحيطة بالكوكب، نجاة الكوكب
من النفي هو نسبة تكاد تذكر، ستموت محاصيلك وتجف مياهك ويختلف الطقس وتتغير
التركيبة الجغرافية للكوكب بالكامل، أيمكنكِ تخيل الكوارث الذي وجد الإريبوسيين
أنفسهم فيها لأن الملك قرر الحرب!"
كانت
جلنار تحارب شعور الفزع الذي كاد يبدأ يتصاعد داخلها، أرادت أن تقف وتمسك أحدًا
يمكنه شرح ما يحدث حولها وتصرخ في جهه، ما اللعنة التي تحدث؟
من
الجيد ومن السيء؟
ما
الذي تحارب من أجله وضده؟
كاريان
حصل على انتباهها عندما أكمل هو بصوت قتله الغضب "لقد كنت طفلًا ولدت داخل
المنفى، كان علي رؤية أطفالًا أمثالي يقتلهم الجوع كان علي القتل لأجل النجاة! كان
علي رؤية أبي يُقتل من أجل وجبة لعينة طلبتها بسبب أني جائع، كان علي العيش داخل
واقع يحتم علي فيه أن انضم لجنود الملك عندما أبلغ عمر المراهقة إجبارًا وكان
علينا جميعًا أن نعاني من اللعنة.. فقط لان الملك قرر ذلك!"
عقدت
جلنار حاجبيها وقالت "اللعنة!" رفع عينه التي بدأت تعود لطبيعتها واللون
الأسود كان يختفي شيء فشيء مظهرًا لونًا رمادي لامع، عينه كانت حمراء وكان يحاول
منع دموعه بصعوبة وقال "نعم، اللعنة! ألم تسمعي بما حدث؟ قرر الملك استخدام
لعنة لسحر محرم لنفوز في حرب غبية وانقلب الأمر علينها وأصبحت تسير مسرى الدماء في
أنسالنا".
رفع
أكمامه عن ذراعه لتتسع عين جلنار بصدمة، عروق جسده كانت سوداء بالكامل بشكل مرعب
وبدا وكأن السواد يغزوا أماكن وينحصر في أماكن أخرى.
"إنها
لعنة الظلام! لنصبح أكثر قوة، عندما لم يعجب ملك الظلام مدى قوتنا استخدم سحرًا
محرم ضاعفة مئات المرات، كانت قوتنا تتشكل في الاختفاء مع الظلام والتحكم بالظل
ولكن تلك اللعنة حولتنا لوحوش، أصبحنا نحن الظلام وما إن نلمس أحدًا بدخان ظلامنا
يحول لرماد.." أخذ نفسًا قويًا وأردف
"إن
قاومت، يصبح الامر أسوء وإن لم تفعل سيصل هذا الظلام إلى قلبك وعقلك، وستتحول
لكائن مجرد من المشاعر، كائن يعيش ليحول الآخرين إلى رماد، كائن ميت ولكنه يتحرك
كدمية للملك، نصف من يقاتلون في جنود الملك هم اشخاص توقفوا عن المقاومة في وقت ما
أو فشلوا في المقاومة، لا يريدون أذية أحد ولكنهم أصبحوا مسلبوا الإرادة وإن توقفت
عن المقاومة سأصبح واحدًا منهم.."
أخفى
ذراعه مجددًا تحت اكمام ملابسه وقال "المقاومة أصعب جزء في الموضوع، الامر
شبيه بأنك تمنع وصل الدماء لقلبك وعقلك، إنها مؤلمة كالجحيم، ذلك الألم بمقدوره
قتل شخص ذو مقدرة ضعيفة على المقاومة، علينا على الأقل تدمير شيء ما واستخراج هذه
القوة التي نمنع تحكمها بنا كل فترة وأخرى، تلك القوة التي تحرق كل شيء وتحوله
لرماد!"
رفع
عينه الرمادية بالكامل بنظرة بائسة نحو جلنار وقال "نحن لم نطلب الحرب،
ولكننا نتحمل نتائجها."
صمت
جال بينهم لمدة طويلة، كانت جلنار تحاول استيعاب كل ما قيل لها للتو! طيلة هذا
الوقت كان هناك أمرًا ليس في مكانه الصحيح، كان هناك شيء يقلقها ولكنها ألقته
بعيدًا والآن كان يضرب وعيها بقوة.
لقد
سألت نفسها يومًا، ماذا عن أطفال الإريبوس؟ أو أولئك الذي لم يريدوا الحرب؟ ولكنها
ألقت بالموضوع بعيدًا لأن الإجابة لم ترق لها..
هكذا
نحن البشر، مستعدون لمحو الحقائق التي تدمر الواقع الذي رسمناه لأنفسنا وصدقناه.
كانت
يد جلنار ترتعش وحاولت التحكم في انفعالها بينما تمسح وجهها وتشعر أنها تلقت صفعة
قوية للتو.
"أنتِ
تعلمين كل شيء الآن، إن كاريان أكثر من يحتاج إلى المساعدة.." قاطع جلمة
ناريليان صوت كاريان الحازم "بل أكثر ما نحتاجه هو ان تبتعدي عني! إن تمكن
ذلك السحر مني فأنتِ أول من سأقتله ولا أريد هذا ناريليا.." نظر لجلنار ولأول
مرة رأت الرجاء في عينه بينما يقول: "يمكنكِ تبليغ السلطات عني، لابد أن هناك
زنزانة ما ستكبح ما يحدث لي وإن قتلوني سيكون أفضل للجميع".
ناريليا
نهضت بغضب وصاحت في وجهه وحاول هو اقناعها أن هذا هو الأمر الصحيح لفعله بينما ظلت
جلنار محتفظة بصمتها..
كانت
تشعر بأن جدران من الأوهام تتهدم واحدة تل والأخرى بقوة، شعرت بالصداع وبرغبة في
البقاء وحدها وتصفية عقلها، وبدأ شعور بالذنب يقتلها.
نظرت
لكفي يدها التي ترتجف بقوة وشعرت انها ملوثة بالدماء، لقد قتلت أبرياء كانوا
يقاتلون لأنهم لم يملكوا خيار آخر.
وحينها
تكررت الجملة التي كانت تقولها أكثر من مرة داخل عقلها.
ابنة
التوبازيوس ليست موجودة لحماية فرقة احدة! إنها موجودة لحماية الجميع..
الجميع!
ما
الذي يمكنها فعله لأجل الأشخاص ككاريان؟ هل ستستمر في قتالهم بالرغم من معرفتها
لكل هذا؟ المزيد من الدماء التي ستلطخ يدها بها.
أجفلت
عندما أمسك يوجين بيدها وضغط عليها في محاولة لإيقاف ارتجافها "لستِ المذنبة
جلنار، لقد سعيتِ خلف الحقيقة، والساعي خلف الحقيقة عليه تحمل تبعاتها".
أخرجت
زفرة حارة وحاولت تهدئة نفسها قليلًا.
"أنا
لست من الإلترانيوس".
جملتها
أوقفت المشاحنات بين الثنائي ودفعتهما للاتفات نحوها، تبادلا النظرات بتعجب وقالت
ناريليا "أنتِ من الساحرات!" حركت جلنار رأسها نفية.
لقد
كان صادقًا معها لذلك هي مدينة له بالصدق أيضًا..
"أنا
من كوكب مختلف وبعيد بعض الشيء". قالت في محاولة تقريب الأمر "تقصدين
المتنكرين؟" سأل كاريان للتنهد وتنظر لهما قائلة "أنا من البشر".
صمت
مر بينهم انتهى بانفجار الاثنين ضحكًا لتدحرج جلنار عينها متمتمة "ها نحن
مجددًا".
عندما
توقفت ضحكتهما قال كاريان "حسنًا اعترف محاولة جيدة لإضحاكنا، لقد
نجحتِ" اومأت ناريليا موافقة تمسح الدموع من زوايا عينها.
ظلت
جلنار تنظر لها دون أي رد فعل يدل على أنها كانت مزحة "أنتِ جادة!"
تحولت تعبير كاريان لصدمة لتومئ ببساطة "هـ... هذا مستحيل" قالت ناريليا
ونظرت لكاريان بشك.
"لا،
ليس كذلك، في الواقع لقد تم سحبي إلى هنا لأصبح أحد الفرسان" اتسعت عينهما
وقفزا معًا وصرخت ناريليا "انتِ من الفرسان؟"
أزاحت
جلنار القميص عن رقبتها مظهرة علامتها لتضرب الصدمة الاثنين "اجلسا"
طلبت بهدوء لينفذا بتردد وقلق كلاهما شعرا ان ما يتورطان به سيء.
"لست
فارسة بالمعنى الحرفي" قالت وحكت رأسها ولم تجد سوى الصراحة فقالت: "انا
ابنة التوابازيوس" لم يبدو وكأن أحدًا صدقها، كان الاثنين ينظران بتردد
لبعضهما وكأنهما يتخاطرا الامر ذاته، الفتاة امامهم ربما مجنونة او تتلاعب بهما.
"لم
تصدقا" قالت جلنار مؤكدة لينظر لها كاريان بجدية قائلًا "ما تقولينه ضرب
من الجنون! بشرية! وابنة التوابازيوس! اعتذر ولكن كيف لي تصديقك أصلًا؟"
أومأت
بتفهم ونظرت لناريليا قائلة "كم عنصر يمكن أن يتحكم بهم
الإلترانيوسيين؟" نظرت ناريليا لكاريان قبل أن تعيد عينها لجلنار وبتردد قالت
"عنصرين كحد أقصى" أومأت جلنار وبسطت يدها.
أشعلت
النيران في كف يدها قبل أن تقبضها وتفتحها مجددًا لتظهر المياه التي التفت حول
أصابعها ووقعت فوق الأرض لتحرك جلنار يدها مخرجة جذورًا خضراء من تحت الأرض وفي
النهاية تحكمت في الهواء لتقطع به الجذور.
كانت
المفاجئة قتلت العبارات داخلهما ولم تستطع ناريليا سوى الهمس بصدمة "يا
ألهي!"
نهضت
جلنار واقفة بينما لا تزال عين الاثنين معلقة بالجذور المقطوعة فوق الأرضية
"لقد صدقت قصتك" قالت مما دفعهما للنظر نحوها لتردف "ولكما الخيار
في تصديق قصتي..."
نهض
كاريان ليقف قبالتها بنظرة جادة وقال: "إن كنتِ حقًا من تدعين فما أنتِ فاعلة
بشأننا؟" زمت شفتيها لثواني قبل أن تقول "اختبئ في مكان جيد وإن شعرت
أنك لا محالة ستؤذيها اتجه إلى هنا وأخبر جولدامون الحداد أنك صديقي وفي حاجة
لرؤيتي".
يده
اتجهت لكتفها وقبض عليها بقوة وكرر غير مبالي بما قالت: "هل ستفعلين شيء من
أجلنا؟" نظرت لعينه التي كان الرجاء مختبئ بين نظراته لتجد نفسها تمسك بذراعه
وتقول: "إن كنت مستعدًا لمساعدتي بحياتك، فنعم.. حان الوقت لتغيير كل
شيء".
كان
لا يصدق أذنيه، بصيص من الامل كانت نظرتها تحمله ولكنه حاول قتل الامل قبل أن يكبر
حتى لا تخيب ظنونه واحلامه.
"سأفعل
أي شيء من أجل انقاذ الإريبوس من هذا الواقع اللعين".
عقدت
جلنار حاجبيها عندما صدر رنين خافت من سماعة الأذن لتلمس السوار بسرعة فيصلها صوت
أغدراسيل على الطرف الآخر لاهثًا وغاضب "جلنار أين انتِ؟"
"ماذا
هناك؟" سألت باستغراب وأخذت خطوتين بعيدًا عن الثنائي الذي راقبها باستغراب
بالإضافة ليوجين الذي لم يقل شيء حتى الآن.
"نحن
جميعًا داخل أرض ألفن في الغرب، إننا في حاجة إليكِ جلنار اللعناء سيطردونهم
قسرًا". اتسعت عين جلنار وصاحت "ماذا تقصد؟"
"ألم
تري الإعلان الذي طلب من جميع سكان الحدود التوجه إلى أرض ألفن، لقد جمع جنوده
وجنود العائلات النبيلة، ينوي طرد الجميع".
ارتجف
جسد جلنار بغضب قبل أن تخرج ذلك الغضب وتلكم السور المعدني الذي كانت تقف بجواره
مسببة في تدميره وتصرخ غاضبة "ذلك اللعين".
"أنا
في الطريق" قالت قبل أن تنهي المكالمة وتلتفت إلى الاثنين الوافقان بصدمة
"ماذا هناك؟" سأل يوجين لكنها نظرت لناريليا وقالت آمرة "عودي
للمنزل ولا تفتحي بابكِ لأي شخص تحت أي ظرف" عينها اتجهت لكاريان وقالت:
"احمها مهما كان الثمن".
التفتت
متجهة حيث تركت كارولوس وتجاهلت نداءات ناريليا التي شعرت بالخوف فجأة مما يحدث.
أغدراسيل
كان محقًا!
السوق
بأكمله فارغ الجميع اتجهوا لأرض ألفن ليتم طردهم تحت قوة السلاح.
ما
إن رأت كارولوس حتى صفرت بقوة وقفزت فوق ظهره قائلة "إلى أرض ألفن"
استشعار الغضب في صوتها كان كفيلًا بجعل كارولوس أيضًا غاضب لذلك ارتفع بها وحلق
بسرعة إلى أرض ألفن.
ما
إن اقترب لمركز أرض ألفن حتى تمكنت من رؤية مشهد لم تتخيل ان تراه يومًا!
سكان
الحدود جميعًا مجتمعين ومتزاحمين بينما أمامهم صف طويل من الجنود المسلحين الذي
بإمكانهم قتلهم بسهولة.
الفزع
والخوف والضياع كلها كانت مرسومة على تعبيرهم وفي مقدمة صفوف الجنود وقف ألفن
بكبرياء رافعًا سيفه يطرد الجميع باسم النبلاء.
لمحت
جولدامون الذي تصدر صفوف السكان في وجه ألفن وكان يتحدث له بغضب وكره واضح وفي هذه
الثناية رفع ألفن سيفه بكل بساطة ولوح به نحو رقبة جولدامون.
في
تلك الثانية صرخة كارولوس القوية والتي تردد صداها في الارجاء ألقت الرعب في قلوب
الواقفين جميعًا تلى صرخته هبوطه القوي على الأرض بين ألفن وجولدامون وكشر عن
أنيابه في وجه ألفن قبل أن يخرج صرخة أقوى من سابقتها أجبرت الطرفين على أخذ خطوة
بعيدًا عن كارولوس الذي كان في زمرة غضبه وكأنه يتشارك الشعور ذاته مع جلنار.
قفزت
جلنار من فوق ظهر كارولوس تكاد تشعل النيران فيهم جميعًا، عينها اتجهت صوب جندي
كان يثبت أحد سكان الحدود أرضًا واضعًا قدمه فوق كتف الرجل.
لم
تشعر جلنار بالكره والغضب كما كانت تشعر اليوم، وكأن كل شيء جاء متتاليًا لتصبح
كتلة من الكراهية الغضب.
عينها
تحولت للون دموي وتكشيرتها المرعبة أفزعت الجندي عندما قالت "أبعد قدمك
اللعينة عنه إن لم ترد التحول لقطع من اللحم المشوي".
عندما
ابتعد الجندي بسرعة تقدم أحدهم بكبرياء ليركل وجه الرجل وكاد يصيح في وجه جلنار
لكنه لم يجد الفرصة لذلك لأنه لم يجد قدمه في مكانه فقد قُطعت لترتمي بعيدًا عن
جسده.
جلنار
لم تكن في حالة عصبية مناسبة، حديث كاريان.. شعورها بالذنب، الغضب، الكراهية
والحقد كان يعميها تمامًا بل كانت لا تدرك حتى في هذه اللحظة ما تسمعه، صوت عقلها
كان قد اختفى وبدت داخل حالة عصبية.
ألفن
لم يتوقع أن بإمكانها الهجوم على أحد جنود حتى سمع صرخة الرجل الذي سقط أرضًا
ممسكًا بقدمه المبتورة.
"لقد
أعطيتكم الكثير من الفرص". صوتها المرتجف غضبًا دفع الجميع للنظر نحوها
ولكنها نظرت لألفن بينما اسود وجهها وتقدمت خطوات نحوه "لكنكم أيها الملاعين
لا تفهمون عندما يطلب أحدهم شيئًا، أخبرني ألفن، هل تريد الموت؟"
كان
الجميع مذهولًا بما فيهم ألفن، توقع غضبًا لكنه لم يتوقع وحشًا!
وهذا
أثاره، عدوه أصبح أشرس من قبل لذك تقدم نحوها خطوة وقال بكبرياء وصوت جهوري
"هذه أرضي، من سمح لكم بتخطيها؟ من سمح لكِ أنت تتعدي على جنودي أ.."
اختنقت
الكلمات داخله عندما شعر بتيار هواء حاد حول رقبته، لم تكن تمزح أو تهدد كان
بالفعل على شفير فصل رأسه عن جسده..
كدفاع
عن النفس كان عليه تشتيتها فأطلق ضربة صخرية قوية نحوها وصاح بغضب "أنا
أندريس خوليو هاووس ألفن، وأنا من يقرر ما يحدث هنا".
الصخرة
القوية التي ألقاها نحوها تفاجئ بتحطمها وتحولها لرمال بينما جلنار لم يصبها شيء
ولكنها كانت تشع بشكل مرعب.
عينها
الصفراء والعلامة التي برزت على مقدمة رأسها عروقها بالكامل تحولت للون اصفر
وتقدمت نحو ألفن بخطى ثابتة قوية وقبل أن يدرك ما يحدث كان قد تلقى ضربة كسرت
ذراعه.
لم
يترك نفسه ليسقط أرضًا بل ظل واقفًا على قدميه بينما صاحت جلنار بأعلى صوت تملكه..
"وأنا
ابنة التوبازيوس.."
نظرت
نحوه بشراسة وبنبرة مرعبة قالت:
"ذكرني..
من تكون مجددًا أيها النكرة؟"
كان
يعلم أنه وصل حده إلى هنا ودهشة الجميع المصاحبة لعودتهم للخلف ابتعادًا عن الهالة
التي أصدرتها جلنار إشارة أنه عليه التوقف الآن.
لقد
سمع الجميع الحقيقة ورأوها بأنفسهم.
عاد
خطوات للخلف وأشار لجنوده ليتراجعوا على الفور.
ولكن
جلنار لم تلحظ تلك الابتسامة الخبيثة، تلك النظرة التي تدل على الانتصار.
لم
تدرك جلنار ما يحدث إلا عندما بدأت منشورات ورقية تتساقط فوقهم من السماء بأعداد
كبيرة ليتمكن الجميع من النظر إليها.
وقعت
أمام قدمها منشور منهم لتتسع عينها بصدمة بينما تقرأه.
’ جلنار
روسيل
الحقيقة أمام الشعب!
الفارسة الثانية عشر وابنة التوابازيوس
القادمة من كوكب الأرض.. حيث البشر موجودون.
على الشعب معرفة الحقيقة ’
لم
تهتم جلنار بمحتوى المنشور بقدر اهتمامها بشيء واحد.
رسم
العنقاء الذي لا يستعمله سوى إيراكوس.
السيد
الغامض إي.
******************************************
هالوووووووو
واخيرا وصلنا للجمله المنتظره
ومن هذا المنبر احب ابشركم
3 فصول تفصلنا على الفصل الجديد
خليكم مستعدين بس متتحمسوش اوي لان امتحاناتي هتبدأ بعد 3 أيام بس
الخبر الحلو ان امتحاناتي كمان هتخلص في 3 ايام
رفم 3 عمال يتكرر بشكل غريب والله
المهمممم
حابه انوه على حاجه مهمه نوعًا ما
شخصيتي دلوقتي غير شخصية المراهقة الي بدأت الرواية والي لازم اقول مش كل حاجه كنت بعملها او بكتبها فخورة بيها دلوقتي
قد يكون بعضكم لاحظ او هيلاحظ تغير من نوع ما في الروايه، مش الاحداث لكن مثلا اللعن الكتير بحاول على قد ما أقدر اغيره او احذفه وبعض الشتايم بحاول اقلل منها او ابدلها بحاجه احسن
مش حابه ابدا اكون سبب في ان بنات اصغر مني او اكبر حتى اكون سبب انهم يحسوا ان الشتم والالفاظ دي حاجه حلوه وخطيره او حتى تُتقرن بالروايه
ده طبعا مع بعض المواقف زي موقف جوزفين وثونار الي اتغير عن النسخه القديمه.
فقبل ما حد يعترض احب انوه بس انه كلنا بنحاول نحسن من نفسنا وبنحاول اي عمل نعمله ممكن يسيب اثر بعد ما نموت يكون عمل كويس مش سيء ومش حابه حاجة كنت زمان بشوفها عادي -رغم انها اكيد حرام ومش عادي- تنتشر كأثر ليا سواء وانا ربنا مديني العمر او بعد ما ربنا ياخد امانته
حبيت بس انبه عشان محدش يتضايق واظن الروايه اصلا تصنيفها خيال مش رومانسي فتركزنا هنا على الاحدث مش الرومانسية.
هتفضل علاقتهم موجوده لكن على قد الإمكان هخليها بريئة فشعاري:
keep it halal brother
فشكرا اوي لاي حد نبهني وشكرا لشخص الي كلمني في الموضوع اكتر من مره ♥
بس والله اتمنى ده ميضايقش حد.
الفصل ده كمان 18 الف كلمه يعني انا اتنفخت النهرده بس انتم تستاهلوا والله وكل سنه وانتم طيبين
لوف يو
بايييي
اول تعليق❤️❤️❤️
ردحذف❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذفثالث تعليق 🔥❤️
ردحذف💗💗💗💗💗💗
ردحذف💝💝💝💝💝💝💝
ردحذفالفصل نار❤️🔥❤️🔥❤️🔥 انا كمان عندي امتحانات وان شاء الله بس خلص نكون وصلنا للفصل الجديد، يلي كنا عم نستنا من سنيننن. ذكريات والله جلنار بهاد الفصل تحفة وهيبة😭💙
ردحذفباقي 3 فصول بس عل فصول جديدة مبعرف أتحمس ولا ابكي بعد متعودت عل نزول فصول سريع بعرف أنو ليكي حياة خاصة و دراسة بس بليز حوالي قد متقدري تكملي نزول فصول فهي كل إدمان لم نستطيع تخلص من بعد هل سنين
ردحذفالوقت يمر بسرعة بذكر ب 2018 لما بدأت أقرأ رواية وكنت لسا منزلة 10 فصول بس وكنت كل فصل بلاقي شخصية فتى أعجبتني بقول خلاصة هاد بطل حتى يجب ما أحلى منو وأنتي كل مرة تقوليلنا البطل لساتو مظهرش كنت لساتني بدرس في معهد وهلا خلاص قربت أنهي جامعتي
ردحذفبأمانة مبسوطة كتييييييييير أنك رجعتي تكتبي تاني و كفاية اني بخش ع المدونة كل شوية على أمل أني ألاقي فصل جديد فلاقي فصلين شكرا على مجهودك و أمانتك و اتمنى أقرأ نهاية توبازيوس مع العلم أن نهاية أي رواية انا بحبها بتبقى صعبة عليا لس كفاية اني بحس اني مبسوطة وكأني معاهم مش مجرد رواية و شخصيات تسلم ايدك يا قمر و هفضل مستنية بشوق الفصول الجديدة واتمنى تتحول لكتاب مطبوع باسمك يا اسراء قريب و أكيد هضمه لمجموعة كتبي 😍😍😍😍😍😍😍❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذفبعشق فصول الالغاز
ردحذفThaank uu💗💗
ردحذفلا اسراء ارجوج كلشي لا تغيرين بالرواية سواء أحداث او مواقف😭😭😭😭
ردحذفلاحظت، مرت خمس او ست سنوات واكيد تغير تفكيرك ونصجتي واكيد كلنا تغيرنا.
ردحذفلما رجعت قرأت الرواية من اول وجديد تذكرت نفسي المراهقة، في كثير اشياء ما كنت ملاحظتها وفي كثير اشياء ممكن ما رح تعجبني في بنفس القدر الي أعجبت فيه نفسي المراهقة ، اسلوبك تغير لكن الموضوع مش سلبي، اسلوبك نضج وصار افضل وصار مثير للاهتمام اكثر، أفكارك صارت أعمق وادق، انا جدا معجبة بهذا التغير، استمري كلنا معجبين باعمالك ❤️
ألفن الحقير مش ناوي على خير 😭
ردحذفبترجاك ما تتأخري على الفصل الجاي والله ما اقدر نام عادي من كتر التفكير فيها
ردحذف😍😍😍😍😍
ردحذفاكره إن البشر يكرهوا التغيير حتى وهو منطقي، طبيعي حد يكبر ويكون بنفسه يغير اشيا وينضج وذا من حق كل المخلوقات الحية، وبنفس الوقت يحزن انو "منطقة الراحة" اللي نتعود عليها تبطل تكون موجودة، الصراحة تغيير جوزفين وثونار احزنني جدن لأن المراهقة داخلي كانت تتذكر الجزئية وتحبها، بس بنفس الطريقة النسخة الأكبر مني الان تتفهم وهذا لا ينفي وجود قليل من الامتعاض عامة والسبب مش الرواية او الكاتبة الغالية او ايشي، السبب هو انو بنغادر منطقة الراحة والمألوف اللي حبيناه زيما هو.
ردحذفايني واي بست اوف لاك بامتحاناتك، ونحن هنا ننتظر الفصول على أحر من الجمر ونتمنى لك كل التوفيق💜💜💜💜
Tuhfaaa♥️♥️♥️♥️♥️
ردحذفالالغاز و حماس جلنار وفهاوه يوجين بعدين غضب جلنار و حقاره النبلاء واااو 🔥🔥🔥🔥
ردحذفأنا فخورة جدًا بكل التعديلات الي بتعمليها استمري لأن هذا هو الأفضل❤️
ردحذفحسيت بتغيير فى مشهد ثونار و جوزفين فعلا كان فى kiss scene قديم و استغربت ليه اتشال
ردحذفبس بعد ما قريت كلامك فهمت 👍🏻❤️
بالتوفيق فى امتحاناتك ♥️
الفصل كان خييياااال تكفين لا تتأخري على الفصل الجاي الحماس بيقتلني😭
ردحذفحبيت keep it halal + اتوقع ان مش اي هوا الي عمل المنشور ممكن مزيف من النبلاء لانه اخر مره قال انه رح يعلم جلنار بخططه
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
حذفحلو النضوج بالفكر وتغيير المواقف صراحة ما احب اقرأ رواية مليئة بالقبل والرومانسية الغلط .ما استلطف هذا النوع من القصص لان ممكن تغير الموقف وتوصل لنفس النتيجة لكن باسلوب راقي وبعيد عن قلة الحياء ايضا احب احيي الكاتبة المبدعة على تقبل النقد وتغيير بعض الاحداث بما يناسب مجتمعنا
ردحذفهو كان في kiss قبل كدا
حذفالبارت امتي فضولي هيموتني؟؟ 😔
ردحذف🥰🥰🥰
ردحذفنزلي بارت واحد الله يسترك 🥹🤌🏻
ردحذفاسراء.. اسراااء الحلوة.. الستار صرلو اسبوع مفتوح.. معليش تسكريه وتنزلي الفصل الي بعده.. بليييز.. هرمنا..
ردحذفطوووولتي 😭😭😭😭
ردحذفشكل الستار معلق😭 مشتاقين وين الفصل اللي بعده
ردحذفوالله بجد.. يارب تنزلها بقي
حذفمتى بينزل البارت
ردحذفاخر بارت كان من اسبوع.. الغيبه طالت ي اسراء
ردحذفالمفروض اخر امتحان لها امبارح
ردحذففا ان شاء الله انها تنزل بارت النهاردة ♥️
يارب تنزل بارتين ولا حاجه انهارده او بارت المهم تنزل
ردحذفمشتاااقين لفصولك يا جميييلة ارحميينا 🥺😂❤️❤️❤️
ردحذفمتى تنزل الفصول ..طولت 🥺
ردحذفاسراااااء انا تعبت من الانتظار اوعى تخلى بينا ومتنزليش فصل انهاردة☝️😅
ردحذفيا اسراء بقي فين البارت
ردحذفياجماعة في أحد يتواصل مع اسراء.. يطمننا عنها.. ماعاد بدنا فصل.. بدنا اياها تكون بخير..
ردحذفالله ييسر امرها يارب..
انا بقلق من الغيبه دي والله ف يارب تكوني بخير
ردحذفاتمني تكون بخير هي فعلا طولت بس اكيد في شيء مانعها
ردحذفشوكت تنزلين بارت جديد ..رجأء كملي القصة ولا تسحبين علينا صارت بينا خوفة بسبب انقطاعك
ردحذفصارت عندي تروما بسبب كل مره تختفي بيها اسراء
ردحذفطب طمنينا عليكي🥺
ردحذفمسرمسرمسنسرميرخسسوخيوكيوحيوظح!!!!!!! عاااااااااااا!!! حمماااسسسس 😭😭😭😭😭😭😭😭😭!!!!!!!!!
ردحذفبدايةً، اشتتتققتتت جدا لاجواء الالغاز! اللغز بهذا الفصل رجعني لاجواء الفصول الاولى على كوكب الارض، لما بدأ كل شيء! 🥹
ردحذفداهمتني مشاعر قويه وانا اتذكر كيف كانت البدايه ووين صرنا الحين والتغير والاحداث وكل شي.. واو
كاريان!! ما توقعت اني بتعاطف مع الاريبوس.. طبعا مو مع الجانب السيئ منهم! بس مع الاريبوسيين الابرياء الي ما كان لهم اي دخل بالحرب.. فكرة ان الكوكب كله تم نفيه بينما هم مالهم شغل ابدا بالي صاررر!! اوتش
ردحذفحزنتني جلنار وتفكيرها بانها مذنبة لقتلهم، بس من وجهة نظري ما اشوفها غلطت بالعكس هالشي هو الصح ولازم يكملون عليه، الي قتلتهم كانوا ناس مافي شي يقودهم الا الظلام اصلا.. مو ناس عاديين، لذلك طبيعي بيموتون بالنهايه
بس اتمنى يكون في حل لحالة لكاريان.. كاسر خاطري هو والبنت الي معه 😞
الفن المعفن!! كل فصل يزداد كرهي له اكثر واكثر
ردحذفوبعدين شسالفه الابتسامه؟
«ولكن جلنار لم تلحظ تلك الابتسامة الخبيثة، تلك النظرة التي تدل على الانتصار.»
ابتسامه الفن يعني ولا احد غيره ؟ هو مخطط لشي زي كذا ولا شنو؟ عااااا
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفونسيت اتكلم عن الكتاب الي اخذته جلنار بعد حل اللغز، متحمسه جدا اعرف وش ممكن يكون جواته وايش الاسرار الي فيه! واضح انه بيكون شي قوي لذلك الحماس ماكلني عشان تفتحه
ردحذفوما توقعت جلنار بتقطع رجل الجندي .. 💀💀💀
ردحذفصح هي معصبه الحين اكثر من اي مره من قبل وتراكم كل شي عليها، بس... يممهه عصبيتها تخرع ما اقدر اتوقعها
-
بعيدا عن الموضوع صرخة او زمجرة كارولوس لما وصل لمكان الفن كانت رههييببهه ❤️🔥❤️🔥❤️🔥❤️🔥
-
"وأنا ابنة التوبازيوس.."
"ذكرني.. من تكون مجددًا أيها النكرة؟"
يارهيبة انتتييي!!!!! 😭❤️🔥❤️🔥❤️🔥
رغم المشهد القوي هذا ورغم فخامه جلنار الي جابت راسي ورغم حماسي وصراخي لكني خايفه اكمل، خايفه من رده فعلهم💀
وايراكوس!!! شوضعه؟؟؟ بالله تراني احبه بس وش ذي الحركه الي سواهااا مو وقتتكك بعدين ليش ينشر هويتها كذا من غير ما يعلمها حتى ؟
مع اني اكثر وحده كنت انتظر تنكشف هويتها بس ما احس انه شي صح، كنت استنى يعرفون بالموضوع بطريقه انسب من كذا
وما توقعت جلنار بتقطع رجل الجندي .. 💀💀💀
ردحذفصح هي معصبه الحين اكثر من اي مره من قبل وتراكم كل شي عليها، بس... يممهه عصبيتها تخرع ما اقدر اتوقعها
-
بعيدا عن الموضوع صرخة او زمجرة كارولوس لما وصل لمكان الفن كانت رههييببهه ❤️🔥❤️🔥❤️🔥❤️🔥
-
"وأنا ابنة التوبازيوس.."
"ذكرني.. من تكون مجددًا أيها النكرة؟"
يارهيبة انتتييي!!!!!
تدرون؟ رغم المشهد القوي هذا ورغم فخامه جلنار الي جابت راسي ورغم حماسي وصراخي لكني خايفه اكمل، خايفه من رده فعلهم لان الشي الي صار غلط غلط غلط 💀
وايراكوس!!!! شوضعه؟ ليش نشر شي زي كذا مو وقته! اساسا كيف ينشر هويتها كذا بدون ما يعلمها؟ تكفون تراني احبه بس وش ذي الحركه الي سواها
ردحذفلسه عندي امل يطلع مو ايراكوس الي ناشرها💔
احس يمكن اي احد من النبلاء منتحل هويته ومسوي نفسه ايراكوس ولا اي شيييي😞 يعني ليش ايراكوس بيسوي كذا بعد ما اتفق معها؟؟
ومع اني اكثر وحده كنت انتظر تنكشف هويتها بس ما احس انه شي صح ابدا كنت انتظر تنكشف بطريقة انسب من الي صار وبوقت افضل من هذا!
واظن الفن كان متعمد حركته اصلا انه يخليها تعصب لين تنفجر وتفضح نفسها او شي فعشان كذا ابتسم ابتسامه انتصار بعد ما صرخت بانها ابنة التوبازيوس
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف