الفصل الخامس عشر | ما بين سطور التاريخ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

إفصاح: "وما الله بظالم للعباد" 

 إفصاح آخر "عشقتُ ذنوبي عندما رأيتُ إيمانكم المُزيّف !" دوستويفسكي

مساحة لذكر الله

 ********************************

الفصل الخامس عشر




 

"ما زلت لا أصدق أنه بإمكانك قراءة هذا، ذكريني أي لغة هذه؟" سأل يوجين وهو يتفقد الكتابة المحفورة.

حركت رأسي مرتين بيأس مع ابتسامة صغيرة بدأت تنمو على شفتي "الرومانية القديمة... لها مسمى آخر متأكدة أنك سمعت به". قلت مفكرة لينظر متظاهرًا بالاهتمام "الإغريقية". وهنا ظهر بعض الاهتمام الحقيقي في نظرته وميلان جسده الشاحب نحوي. 

"يمكنكِ قراءة الإغريقية؟ لمَ بحق الله قد تتعلم طالبة طب اللغة الإغريقية؟" لم أقاوم دحرجة عيني، بل استمتعت بذلك "إن سمعك أحدهم لربما نعتك بالجاهل الأحمق، دعني أتلو عليك بعض الحقائق التي ربما لا تتذكرها أو لم تحاول معرفتها في حياتك".

لم أترك له فرصة الرد لأنني أردفت "منذ عصر النهضة في أوربا كانت دراسة اللغة الإغريقية واللاتينية ذات مكانة هامة، وحتى بداية القرن العشرين عزيزي يوجين، وفي وقتنا الحالي دراسة الإغريقية تتفاوت ما بين الإجباري والاختياري في كثير من المدارس الخاصة كتلك التقليدية أو مدارس النخبة.

على سبيل المثال، جيمنيزيوم في هولندا دراسة الإغريقية إلزامية، وفي بعض الفصول في النمسا وفي كرواتيا أيضًا وفي ليتشيو كلاسيكو في إيطاليا وفي ألمانيا تأخذ كلغة ثالثة بعد اللاتينية والإنجليزية من عمر الرابعة عشر إلى الثامنة عشر".

كان يطرف بعينيه بغير تصديق "لكن لمَ لم أدرس الإغريقية أيضًا؟ لم تكن في مناهج المملكة المتحدة على أي حال". حركت رأسي بـ لا وصححت "إنها موجودة في مدارس النحو، ودعني أخبرك بهذا، سوف تُدرس الإغريقية لطالب الابتدائية في المملكة المتحدة كنوع من تعزيز مهارات الطفل اللغوية وقد أدرجت في جميع المدارس الابتدائية في عام 2014 كلغة أجنبية وكجزء من خطة كبيرة لتعزيز أساسيات التعليم".

التقطت أنفاسي ثم قلت " تظن أن قلة فقط من يدرسونها؟ هل تتخيل أن بين عامي ألفين وستة وألفين وسبعة درس خمسة عشر ألف طالب الإغريقية في ألمانيا، وفي إيطاليا كان هناك مئتان وثمانون ألف طالب قد درسها! تخيل كم طالبًا اليوم يمكنه التحدث بها وقراءتها". كان يوجين يحاول استيعاب الأعداد التي قلتها رغم أنها لا تبدو لي كبيرة البتة، أظن أنه من الجيد تعلم جزء من ذلك الزمن وتلك الحقبة التي لا يعلم عنها الكثيرون. 

"إذا هل الإغريقية هي اليونانية أم العكس؟ لقد قلتِ لتوكِ اليونانية القديمة، هذا يجعلني كالأحمق!" منحته ضحكة قصيرة قبل أن أحاول تبسيط الأمر له، وهذا ما كان يعجبني بيوجين! رغم أنه لا يفقه فيما أقوله شيئًا يظل فضوليًا حول كل شيء وأنا استمتع بدوري كمعلم، أستمتع بتعبير وجهه وأستعرض المفردات التي لم يسمع بها من قبل كعالم يدخل إلى قاعة المحاضرة على مئة عقل فارغ.

" يمكننا القول أن الإغريقية ليست اليونانية، لكنها تشمل أنواع من اللغة اليونانية التي استخدمت في اليونان القديم والعالم القديم، اللغة الإغريقية مرت بمراحل عدة على مر التاريخ يمكنك تقسميها كالآتي: 

من القرن التاسع إلى السادس قبل الميلاد كانت لغة عصر اليونان العتيق

والقرن الخامس والرابع قبل الميلاد لغة اليونان الكلاسيكي

ومن الثالث قبل الميلاد إلى الرابع ميلاديًا كانت لغة العصر الهلينستي، أو ما تسمى بـ اليونانية العامية المختلطة.

تعتبر العامية المختلطة مشابه لليونانية العتيقة في أشكالها الأولى، ورغم ذلك كانت تعتبر مرحلة منفصلة من التاريخ، ولربما سمعت بأثينا! ففي أثينا كانت الإغريقية هي لغة هوميروس ولغة مؤرخي القرن الخامس قبل الميلاد. لا أريد حقًا الغوص في الإغريقية؛ فهي أيضًا كما العالم الآن، تحمل لهجات كثير، كالشرق الأوسط فهم يتحدثون لغة واحدة لكن لكل دولة لهجة ومفردات خاصة بها، أمريكا وبريطانيا كلاهما يتحدث الإنجليزية لكن بطرق مختلفة وإن لم أتوقف هنا فقد يطول بنا الحديث حتى نهاية اليوم التالي".

احتفظ يوجين بصمته حتى أنهيت تبجحي الأدبي في تاريخ اللغة، رمقني بنظرة احترام مصطنعة وقال "أن يكون لكِ الوقت لتعلم كل هذا، تشعرينني كل مرة بأني أفنيت عمري في الحماقة". ورغم كوني أحب مضايقة يوجين غلبًا بذكر حياته المفقودة، إلا أن شيئًا من الحنين في صوته دفعني لأقول:

"من يعلم!؟ لربما في حياتك كنت شخصًا ذا معرفة في مجال ما كان ليشعرني بالدهشة بكل تأكيد، تفكر بشكل نمطي وتعتمد على ما ترى وتستنتج الكثير من التكهنات التي أفاجئ بصحتها، لا تبدو لي كشاب كان فاشلا في حياته". رفعت كتفاي في نهاية حديثي إلا أنه ظل يحدق بصمت لدقائق مربكة.

"هذا مقرف… لا تحاولي مواساتي، أنتِ سيئة في هذا". لعنته وألقيت عليه سبة ما "إنه خطئي أيها الأحمق". ورغم أنني كنت متأكدة أن يوجين كان ذلك النوع من الأشخاص الذي يستبدل الأقوال العاطفية بالإهانة ويجعل من ألمه ومعاناته نكات مضحكة إلا أنني جاريته، وهو يعلم أنني أفعل وكلانا متأقلم مع هذا وممتن للآخر. 

"إذًا يا فهيمة، أي نوع من الإغريقية هذا؟" تفحصت رموز النص بعيني وقلت "إنها مزيج ما بين الإغريقية العتيقة وصورة أولى لليونانية العامية المختلطة، لكن يمكننا القول أن أغلب النص هو الإغريقية العتيقة". نظر للنص وهو يحاول فهم الرموز "ما المكتوب؟" قرأت النص بعيني أولًا كأنني أراجعه قبل أن أقرأه بصوت عالي.

" أوجه ثلاثة للمقدمة قلبٌ قوي، عقلٌ متفتح ومعرفة واسعة.

حتى تستوي الضلوع الثلاثة وتساعدك الجمعة وما بعدها إلى الخميس. 

عيون الملائكة ترشدك وإن كانت يدك طاهرتين... فبداية الكون لك 

عند طلوع أربعة أقمار اجعل الخمسة متساوية ودعها تنير طريقك".

مررت أصابعي على الرموز البارزة وأنا أقرأها وعندما انتهيت نظرت إلى يوجين، كان فاغًرا فاهه كالأحمق، وعندما طال صمتي رفع يديه قائلًا "لدي فكرة أفضل، لمَ لا نذهب للنوم؟" 

دحرجت عيني قبل أن أقرأ النص بسرعة مجددًا "دعنا نحاول تحليلها شيئا فشيئا". قلت ليتنهد ويومئ. أمسكت الدفتر الفارغ والقلم وبدأت بكتابة كل ما أريد تذكره.

"أوجه ثلاثة للمقدمة، عن أي مقدمة يتحدث؟" فكر يوجين بصوت عالي "قلب قوي وعقل متفتح ومعرفة واسعة، هذه المصطلحات واضحة، أظن أنه لا يتحدث عن مقدمة شيءٍ ما، بل يقصد القائد الجيد، لذلك المقدمة هنا هي للتشبيه... فكر بها، من يملك قلبا قويا وعقلا متفتحا ومعرفة واسعة هو فقط القائد الجيد". هز رأسه باقتناع.

"إذًا ماذا؟ هل يحاول أيًا يكن من صنع هذا أن يعظنا؟" سخر لأزم شفتي في تفكير "لا، لا أظنه سيكتبها للعظة". تحركت تجاه اللوح الذي يحمل عشرين رقمًا وضغطت على أحدهم، ففُتح فراغان في اللوح ظهر خلفهما حرفان مختلفان، هل الأمر له علاقة باللوح؟

"ماذا عن عيون الملائكة والأقمار الثلاثة؟" سأل يوجين وهو يجوب المكان يبحث عن شيء ما "إنهم أربعة… الأقمار الأربعة. لا أعلم، لقد ذكر رقمين في النص، أربعة أقمار وخمسة، ولا أعلم ما الشيء الذي عدده خمسة، لم يوضح، هناك خمسة أشياء علينا جعلها مستوية". جلت بأنظاري في المكان بالكامل أحاول إيجاد صلة. 

توقفت أمام العمود الطويل وتلمست المقابض الملتفة حوله بيدي "هل يمكن تحريك هذه الأشياء؟" تساءلت ممايلة رأسي نحو جهة يوجين دون النظر إليه "لمَ لا؟ جربي!" اتجه نحوي يحثني على تحريكها "ماذا إن دمرنا شيئًا ما؟"

 دحرج عينيه "لم يحذرنا أحد، كما أنكِ فارسة، فليذهبوا للجحيم! افعلي ما تشائين". تبًا، عدوى التمرد ستنتقل إلي تلقائيًا إن واظبت على نصائح يوجين. 

رفعت بصري نحو السقف حيث الأذرع الثلاث التي تحتوي على حلقات مفرغة والأذرع المنخفضة التي تتعلق كرات معدنية في نهايتها، تجمدت لثانية عندما لمعت الجملة في رأسي "ربما علينا فعلًا تحريكها". تمتمت مفكرة "يسعدني اقتناعكِ بهذه السرعة، لكن ما السبب؟".

"أتتذكر؟ ذكر في النص أوجه ثلاثة لمقدمة، لدينا ثلاث كرات وثلاث حلقات أيضًا، لقد ذكر الضلوع الثلاث، هناك ثلاث أذرع".

"إنها ستٌّ جلنار، ثلاثٌ في نهايتها حلاقات مفرغة وثلاثٌ تحمل كرات معدنية".

"نعم، لكن حين تستوي الست ضلوع تصبح ثلاثًا، أعني انظر جيدًا". ابتعدت قليلًا لأخذ نظرة أوضح "كل حلقة مفرغة تمثل زواية مثلث، والكرات المعدنية تمثل زوايا مثلث. إنهما مثلثان إحداهما مقلوب". وضحت ما أحاول شرحه بالرسم على الدفتر وعرضته على يوجين. 

"كيف يمكننا إدارتها إذًا؟" نظرت نحو المقابض كإجابة ليرتفع حاجباه بإدراك "لكن ما أدراك بما هو الترتيب الصحيح؟" عقدت حاجبي بعدم فهم ليقترب ويشير على الرسم الذي رسمته "دعينا نضع أرقام على كل حلقة وأحرف على الكرات لدينا، الكرات1 و2 و3 والحلقات "A"و "B" و "C". لابد أن كل كرة يجب أن تستقر أمام حلقة ما! لذلك لدينا ثلاثة احتمالات، وقد يختلف الأمر مع اختلاف اتجاه دوران المثلث، فقد يـ…"

"يدور المثلث الأول باتجاه عقارب الساعة، والثاني عكس عقارب الساعة أو العكس. نعم، أنت محق، لا يمكننا إدارتها بشكل عشوائي، حينها ستكون مضيعة الوقت" أكملت عوضًا عنه ليفرقع أصابعه ويتمتم "بالضبط".

صمت كلانا لكن يوجين قاطع ذلك الصمت "شاركيني أفكاركِ، شارلوك هولمز، ماذا يدور داخل عقلك؟".

"لا أعلم، أحاول التفكير في دليل! شيء ما يقودنا للترتيب الصحيح، لابد من وجود مرشد. علي محاولة التفكير مثله... الشخص الذي صنع هذه البوابة وهذه الألغاز؛ ما نوع الأشخاص الذين ظن أنهم قادرون على فتح بوابته وحل لغزه؟" رفع كتفيه وقال "لا أظن أنه كان يفكر في شبح وبشرية!" لا أظن أن هيئة الشخص كانت ما فكر به، معرفتنا تحدد من نحن، لا أشكالنا. 

"أوجه ثلاثة للمقدمة... قلب قوي وعقل متفتح ومعرفة واسعة... حتى تستوي الضلوع الثلاث، وتساعدك الجمعة وما بعدها للخميس. لن يضع بيتًا كاملًا حتى يعظنا بالتأكيد! هناك خطب ما في أول بيت" ظللت أطرح أفكاري بصوت عالٍ. 

"أوجه ثلاثة للمقدمة، حتى تستوي الضلوع الثلاث. هل يقصد..." قاطعني يوجين هذه المرة "الأوجه الثلاثة للكرات والحلقات، أهذا ما يقصده؟" نظر كلانا للآخر قبل أن أرفع نظري للسقف نحو الأذرع الست "أملك فكرة ما، لكن لست متأكدة منها". أشار يوجين يحثني على التحدث "يمكنك الطيران، صحيح؟" حرك رأسه "بلا تواضع، أفضل من سوبرمان!".

"حسنًا، هل يمكنك التحليق إلى هناك؟ أريدك أن تنظر عن كثب للكرات، أخبرني إن كان هناك شيء مميز ما عليها، رمز ما أو شعار، لا أعلم، ربما نجد شيئا ما!" لم يتردد في فعل ما قلت، فقد قفز خلال ثانية وحلق نحو السقف إلى الكرات "إلهي! هل أنتِ عرافة من نوع ما؟" اتسعت ابتسامتي بحماس "ماذا وجدت؟".

"إنه رمز ما و..." حلق للكرة الأخرى وقال "وهناك رمز آخر هنا مختلف، كل واحدة منها تملك رمزا غريبًا محفورًا عليها".

"هل يمكنكِ وصف الرمز لي؟" صحت ليقترب من أحد الكرات "حسنًا، لست الأفضل في هذا، لكن هذه تشبه حرفَي K معكوسين" حاولت رسم ما وصفه قبل أن أرفع الدفتر وأصيح "هكذا؟" حلق مقتربًا "نعم، بالضبط". تحرك نحو الثانية ليقول "هذه أشبه بحرف V مقلوب وفوقه حرف M وهناك خط يتوسطه" توقفت عن محاولة رسمه "هذا صعب، اقترب هنا وحاول رسمه بإصبعك على الدفتر". تذمرت ليقهقه ويقترب ويفعل ما قلت بينما أسير بالقلم خلف أصبعه. 

"نعم، تمامًا هكذا. الثلاثة رموز كهذه تمامًا، هل تعني شيئا ما؟" بقيت أعض على القلم مرارًا محاولة التفكير فيما قد تعنيه. "توقفي عن نقر قدمك بالأرض، هذا يوترني!" تذمر لأوقف حرك قدمي اللا إرادية دون الرد عليه، لكني متأكدة أنني عدت أفعلها مجددًا دون قصد.

"قلب قوي، عقل متفتح ومعرفة واسعة. ما الذي يريد إيصاله؟" تمتمت بينما أدور في دوائر حول نفسي "تبًا، يا فتاة اثبتي! ألم تشعري بالدوار؟" تجاهلت يوجين مجددًا وأنا أنقل أنظاري بين كلمات البيت الأول والرموز.

قلب قوي، عقل متفتح، معرفة واسعة. لحظة، لا يعقل أنه… "لقد توقفتِ عن الدوران، ماذا اكتشفتِ؟"

"إنه يعطينا معاني الرموز، تبًا، كيف بإمكاني نسيان رموز كهذه؟ لقد كنت متأكدة أنني رأيتها سابقًا. قلب قوي، وعقل متفتح ومعرفة واسعة... الشجاعة والحكمة والذكاء، تلك الرموز كانت في إحدى ألعاب الفيديو التي كان لوش يلعبها، إنها رموز خاصة بآلهة الإغريق، كل رمز كان يخص صفة ما وإلهًا ما. حرفا k المعكوسان، إنهما إشارة للذكاء، معرفة واسعة. أما حرف v المعكوس و M يكونان الحكمة، عقل متفتح. والرمز الأخير الأشبه بحرفي U و P يكون الشجاعة، قلب قوي... أوجه ثلاثة للمقدمة، الشجاعة والحكمة والذكاء، هذا هو المقصود. لقد كان ملك الآلهة زيوس ما يرمز له بالمقدمة لأنه يملك الصفات الثلاث للقائد".

التقطت أنفاسي لأني لم أترك فرصة لنفسي بينما أشرح الأمر، ويوجين فقط يحدق وهو يحاول استيعاب الأمر. 

"توقف عن محاولة تفسير ما قلت، فقط حلق نحو الحلقات وأخبرني إن كنت ترى شيئا ما محفورا عليها". أشرت لأعلى ليغلق فمه أخيرًا دون قول شيء ويحلق نحو الحلقات "للمرة الثانية، أنتِ محقة. هناك ثلاث كلمات محفورة على كل حلقة، لكنها بالإغريقية نفس اللغة التي كتب بها النص على الباب".

"هل يمكنك محاولة رسمها بإصبعك على الدفتر؟" هبط نحوي قبل أن يرسمها بيده على الدفتر وأمرر القلم خلف حركات إصبعه "الحلقة الأولى كتب عليها ملاحظة، صبر وتجارب، الثانية قوة، نقاء ونزاهة، والثالثة حذر، فضول وممارسة". 

ترجمت ليوجين ليضع يده على وسطه وبتفاخر "هذا سهل كل ثلاث كلمات ترمز لصفة من الثلاث صفات، الملاحظة والصبر والتجارب هي صفات الشخص الحكيم، القوة والنقاء والنزاهة صفات الشجاع، والحذر والفضول والممارسة هي صفات الذكي. علينا إدارة الأذرع بحيث تتقابل كل صفة على الكرة بالثلاث الصفات التي ترادفها على الحلقات".

نوعًا ما شعرت بالفخر، لم يستغرق الأمر منه وقتًا لاستنتاجه "لو بإمكاني التربيت على رأسك لفعلت". اتسعت ابتسامته ولكنه حاول إخفائها بنظرة غير مبالية. 

"حسنًا إذا... الحلقة A عليها الملاحظة والصبر والتجارب، والكرة 1 عليها رمز الشجاعة

الحلقة B عليها القوة والنقاء والنزاهة، والكرة 2 عليها رمز الذكاء

الحلقة C عليها الحذر والفضول والممارسة، والكرة 3 تحمل رمز الحكمة 

لذا إن كنا سنرتب كل صفة مع مرادفها فالترتيب سيكون كالآتي: الحلقة A مع الكرة 3، والحلقة B مع الكرة 1، و C مع الكرة 2".

اتجهت نحو العجلتين الملتفتين حول العمود، أمسكت بالأولى وحاولت دفعها بقوة لكنها لم تتحرك "ربما عليكِ دفعها للجهة المعاكسة". اقترح يوجين وحاولت فعل ما قال، لكنها لم تتزحزح. فعلت الشيء ذاته مع العجلة الأخرى لكن كان الأمر بلا فائدة "هراء، إنها لا تتزحزح! ربما كان استنتاجك خاطئا". قال يوجين "لا، استنتاجنا صحيح هذه المرة أنا متأكدة من ذلك، هناك شيء ما يمنعها عن التحرك، ربما...".

توقفت قليلًا قبل أن أفحص العجلات بعيني "ربما علينا تحريك كليهما في اتجاهين متعاكسين في الوقت ذاته!".

"رائع، من سيساعدك في ذلك، ستطلبين من أحد أولئك الفرسان مساعدتك!" تنهدت بملل "لن يبالي أحدهم حتى، سيظنون أنها مضيعة للوقت".

"إذا ما العمل؟".

عضضت شفتي أحاول التفكير قبل أن تلمع في رأسي فكرة ما، رفعت عيني ليوجين بصمت لفترة مما جعله يعقد حاجبيه "لا تعجبني هذه النظرة، فيمَ تفكرين؟" تذمر وقد تراجع خطوة للوراء "لمَ لا تساعدني أنت في تحريكها؟" عرضت لكنه هز رأسه بسرعة بدون اقتناع.

"هذه فكرة سخيفة، لا يمكنني لمس الأشياء جلنار، هذه أحد قواعد الأشباح". سخر لكنني تحدثت بجدية "لقد قلت الشيء ذاته عند المطرقة ميولنر، أتتذكر؟ ولكن في النهاية استطعت تحريكها معي!"

"نعم، وإن كنتِ تتذكرين عندما ساعدتك سادت الفوضى وتحطم المكان، وبوم! أصبحنا في مكان أشبه برواية خيالية". 

"مجيئنا هنا لم يكن له علاقة بمساعدتك، فقط أرجوك، حاول مساعدتي هذه المرة، أنت هو الشخص الوحيد الذي بإمكاني طلب مساعدته والوثوق به".

 نظرت نحوه بترجٍ ليصمت للحظات قبل أن يصيح باستسلام "سنجرب لمرة، إن لم ينجح لن نحاول مجددًا". أردت الاعتراض لكني اكتفيت بإيماءة راضية. أمسكت مقابض العجلة الأولى وتوقف يوجين في الجهة المعاكسة لي، نظرت نحوه بتشجيع "لن تخسر شيئا، فقط أمسك المقابض". شجعت بإيماءة ليتنهد، رفع يديه ليضعها على المقابض، راقبت يديه وملامحه بترقب وشيء ما جعلني مقتنعة أنني لن أنجح في هذا بدونه.

رفع عينيه نحوي واتساعها جعلني واثقة من أني كنت على حق "اللعنة، يمكنني لمسها!" صاح لأقهقه بسعادة "أرأيت؟ أخبرتك أنك ستفعلها. عند ثلاثة ستدفعها في الجهة المعاكسة عكس عقارب الساعة". أومأ ولا تزال الصدمة تعتريه وتعبيره أصبح مشوشا. 

"يوجين، تمالك نفسك، ليست المرة الأولى". أومأ بطريقة مكررة دون أن يتحدث "واحد". أخذت أنفاسي وقد بدأت أتوتر "اثنان". نظر كل واحد منا للآخر قبل أن أقول "ثلاثة!".

بدأ كل واحد منا بالدفع وتمالكت صرخة السعادة عندما تحركت بالفعل. دفعت العجلة بقوة وصوت الصرير الضخم جذب انتباهي لأنظر للأعلى، لقد كنت محقة! إنها تتحرك بالفعل الست أذرع، ثلاث مع اتجاه عقارب الساعة وثلاث عكسها.

"لا تتوقف حتى تصبح الكرة الثالثة والحلقة A معًا". صحت ليوجين حتى يسمعني فصوت الصرير كان عالٍ جدًا. ظل كلانا يدفع العجلات بقوة، يبدو أن الصدأ أصابها نوعًا ما.

عندما استوت الضلوع الثلاث بذات الترتيب توقفنا عن الدفع، تبادل كلانا النظرات قبل أن نعيد نظراتنا للأعلى. "ربما فاتنا شيـ..." قاطع يوجين صوت ارتطام ضخم أفزع كلينا، تحركت الأذرع الست بشكل أوتوماتيكي نحو الأعلى، بينما كل حلقة التفت حول الكرة التي كانت أمامها.

عندما ارتطمت الأذرع بالسقف ما يشبه السلاسل الحديدة تحركت نحو الكرات، كل سلسلة تعلقت بإحدى الكرات حتى أصبحت معلقة أعلى السقف. أما الأذرع فتحركت مجددًا وكأن وظيفتها قد انتهت هنا، هبطت بشكل رأسي وأصبحت جزء من العمود الكبير في منتصف الغرفة، وكأنها لم تكن موجودة سابقًا.

صوت تكتكة خافتة جعلتني أدرك أن الأمر لم ينتهي، خلال ثانية جميع الأنوار في المكان أغلقت وحدها وأصبح المكان مظلمًا بشكل مخيف.

"ماذا حدث؟" هَمَسَ يوجين وكان همسه مسموعًا بسبب الصمت الذي أصم أذني، كدت أتحدث لكني صمتُّ عندما التقطت بعيني بريقًا على الجدار، خلال ثانية كانت جدران الغرفة بأكملها تلمع بشكل مبهر وكأنك في منتصف سماء مليئة بالنجوم في ليلة بلا قمر. 

ظللت التفت حولي أنظر للجدران بدهشة "هذا... هذا ساحر، واللعنة. من صمم هذا المكان بالضبط؟" استطعت رؤية يوجين وهو يتحرك نحوي، فقد كان بريق النجوم على الجدار قد أضاء المكان بشكل خافت جدًا، أو ربما اعتادت عيناي على الظلام. 

"ما اللعنة التي تحدث هنا؟".

التفت كلانا نحو الصوت الذي كسر حدود الصمت بقوة، فقد كان عالٍ على جو الهدوء الذي طغى على المكان.

استطعت رؤيتهم بوضوح، أوكتيفيان وأغدراسيل ومعهم واندر. كانت وجوههم المصدومة واضحة بسبب يد أوكتيفيان التي كانت عبارة عن كتلة من النيران التي أضاءت نصف المكان. 

"لديكِ صُحبة". همس يوجين وكأنهم سيسمعونه، "جلنار، هل أنتِ بخير؟ سـ…" قاطع سؤال واندر أوكتيفيان "ما الذي فعلتِه بالضبط؟ لم أرَ الجدران تلمع هنا من قبل، كيف فعلتِ هذا؟".

نظر الجميع نحوي بترقب وهذا أثار بعض الفزع داخلي "لا داعي للخوف، الأمر فقط تلك الضوضاء، ثم.. ثم هذا! ماذا حدث؟" سأل أغدراسيل هذه المرة بلطف.

"حاولت حل لغز البوابة و.. حسنًا، أظن أن السطور الأولى قد تم حلها!" قلت بترقب لكن ظلت ملامحهم ثابتة وكأني قلت شيئا غريبا.

"لا تنظر لي، عندما قلت أنها قد تتمكن من فهم الأحجية لم أعرف أن الأمر سيكون بهذه السرعة". قالت واندر لأوكتيفيان الذي يبدل أنظاره بيني وبينها "هي لم تفهم الأحجية وحسب، لقد حلت أحد سطور الأحجية، هل تعلمين كم ظل أرتيانو يحاول فعلها ولم ينجح!؟ إنها بشرية وأرتيانو أحد العباقرة، واندر!" لا أعلم سر انزعاج أوكتيفيان لهذا الحد؟ لم يخبرني أحدهم أن المحاولة محرمة على البشر!

"حسنًا! أظن أنه حان الوقت لنعترف أننا مجرد حمقى وأن ما نعرفه عن البشر هو لا شيء! ربما علينا أن ندرك أخيرًا أن البشر أفضل بكثير مما كنا نظن".

ربما كان علي الاستماع إلى يوجين عندما قال لنخلد للنوم.

لم أستطع اكتشاف سر غضب واندر ودفاعها المستميت عني! أعني أنا لم أغضب رغم أن نصف تلك الإهانات موجهة لي، في النهاية هؤلاء الرفاق عاشوا حياتهم أمام حقيقة أن البشر جنس من الحمقى كأسطورة ولا وجود لهم كحقيقة.

خرجت واندر من المكان وخطواتها تضرب الأرض بقوة لتوضح مدى استيائها، وحدق الرجلان ببعضهما قبل أن تنتقل أنظارهما إلى.

"حسنًا، إما أن يقولا شيئا ويخرجا، وإما أن يخرجا دون قول شيء وهو الأفضل بالطبع، إنهما يضيعان وقتنا". تذمر يوجين ونوعًا ما هو محق. "اطلبي منهم الذهاب، افعلي شيئًا، لم تتركي سريركِ من أجل أن تقفي أمامهما كطفلة تنتظر عقابًا لخطأ لم تقترفه". الشيء الذي فكرت به بعد حديث يوجين عالي الصوت هو كم أن هؤلاء الرفاق محظوظين لأنهم غير مضطرين لسماع هذه الضوضاء.

ثانيًا، أنه محق فيما يقول، لذلك تشجعت قليلًا و تنحنحت قاطعة صمتهما "إذا! هل ستبقيان واقفين هنا؟" لوهلة وضع الاثنان نظرة مشوشة.

"عفوًا!" نظرت لأوكتيفيان "لا أعني شيئا، لكن تعلم، أنتم مشغولون بتدريباتكم يا رفاق، أتملكون وقتًا للوقوف هنا؟" حاولت قدر الإمكان جعل نبرة صوتي لطيفة؛ لا أريد أن أبدو ساخرة، فلا أظن أن أوكتيفيان سيعجبه هذا، خصوصًا أنه يملك يد مشتعلة قد تحولني للحم مقدد.

"حقًا! أهذا كل ما تملكينه؟ أنا أشعر بالخوف". سخر يوجين ولم يترك أوكتيفيان فرصة لأنه قال "وماذا إذا قررت البقاء هنا؟" التفت لأوكتيفيان لكن يوجين قال قبل أن أفتح فمي "لا يمكنه البقاء هنا، هل نلعب هنا؟ أنتِ وهو متساويان في المكانة، ارفضي وتوقفي عن كونك جبانة". كدت ألتفت ليوجين لكن أوكتيفيان أوقفني قائلًا:

"ماذا؟ هل تفعلين شيئا ما لا تريدين مني رؤيته؟".

"يمكنكِ فعل ما تريدين جلنار، أنتِ فارسة مثله تمامًا، هو لا يخبركِ بكل ما يفعل، صحيح؟".

"أتخفين شيئًا ما أيتها الصغيرة؟ كيف فعلتِ هذا في ليلة فقط؟".

"هذا ليس من شأنه جلنار، أوقفيه عند حده".

"أيتها البشـ…".

"هـــذا يكــفي!" مع فقداني لأعصابي صرخت بكليهما، لا أستطيع تحملهما أكثر من هذا. "أنتما الاثنان توقفا عن هذه الحماقة، ماذا؟ ألا يمكنني التفكير؟ أريد فرصة لأتنفس واللعنة عليكما، كليكما تتحدثان دون توقف! أحمقان كالأطفال تمامًا، ما خطبكما بحق أيها السافــ..." توقفت عن الصراخ ألتقطت أنفاسي، كما أني أدركت أني انفجرت بشكل... حسنًا، بشكل مختلف عن جلنار.

"ما ذنبي أنا؟ لم أنطق بكلمة حتى؟" نظرت نحو أغدراسيل المشوش كليًا، وحينها أدركت أنني أنبت يوجين بجوار أوكتيفيان بصوت عالٍ، تبًا.

"هل كدتِ تشتمين فارسًا للتو؟" التفت لأوكتيفيان الذي استنفر حديثي. حسنًا، طفح الكيل "نعم، لقد كدت أفعل، لأني إن لم تكن تتذكر؛ فأنا فارسة مثلي مثلك تمامًا. و أنا أعتذر أغدراسيل، بطريقة أو بأخرى لم تكن المقصود". رغم أن جملتي الأخيرة كانت موجهة لأغدراسيل إلا أنني ظللت أحدق إلى وجه أوكتيفيان البارد.

"لا، نحن لسنا متماثلين أيتها 'الفارسة'! لأنه بينما نحن يمكننا الدفاع عن مدينة بأكملها؛ لا يمكنكِ قتل حشرة، لذلك نحن لسنا متماثلين ولو قليلًا، نحن نتدرب في الخارج بينما تعبثين هنا، والله وحده يعلم ما الذي تفعلينه هنا وأي شيء قد تدمريه بغبائك. أنتِ بشرية وأنا إلترانيوسي، وهذا يضع بيننا مائة فرقٍ وفرق، لذلك انتبهي لطريقتكِ في التحدث معي منذ الآن".

هذه المرة لم يكن على يوجين تحفيزي لأن فمي تحرك دون إرادة وبكل غضب "إذًا ما رأيك بالتالي أيها الإلترانيوسي العظيم؟ ما تسميه بالعبث قد حل أحجية لم تستطيعوا حلها منذ سنوات، هيا أيها العبقري! أرني مهارتك وافعل نصف ما فعلته هنا".

نظرته المتفاجئة لم تمنعني من الحديث، وكاد يفتح فمه لكني أشرت نحوه بإصبعي وأردفت:

" أتعلم؟ القوة والقتال ليسا كل شيء، إن كان رأسك فارغًا من الداخل فسلاحك ومهارتك لا تعني لي شيئًا. الآن أنا على مشارف فتح هذه البوابة التي لم تستطيعوا فتحها وأنت تعطلني بوقوفك هنا، أردت قولها بطريقة مهذبة، لكن هيهات! أنت أردت هذا. استمع لي جيدًا، إن كانت حياتك تدور حول المؤامرات والأكاذيب فدعني أخبرك، ليس الجميع بالطريقة ذاتها. تريد رؤية ما أفعل؟ تفضل، اختر زاوية واستمتع بالعرض لأنني عكس بعض الأشخاص، لا استثني أحدًا لأنني أظن أنه ضعيف".

لم أدرك القدر الذي اقتربنا فيه إلا عندما شعرت بحرارة النيران حول يده تضرب وجهي، أعرف أن ما دفعني لقول التالي لم تكن الشجاعة، بكل بساطة كان الغضب والسخط، وعندما شعرت أن التحديق في وجهه لن يكسبني شيئا ابتعدت عنه والتفت لأكمل ما أفعل، لكني توقفت وعدت ملتفته نحوه وقلت:

"ولمعلوماتك فقط، لم أختر يومًا المجيء إلى هنا، ولم أختر أن أكون جزء من فرقة الفتيان خاصتكم، وإن كنت أمتلك الخيار ولو للحظة لفضلت البقاء مع المتنمرين عوضًا عنكم".

لا أنكر شعور الخوف من رد فعله، لكن شعور الراحة كان أفضل بكثير. "حسنًا، الآن أنا فخور". ما إن توقفت بجوار يوجين نطقها بكل سعادة. "هل كنت رائعة؟" همست ليومئ برأسه "خارجة عن المألوف مع قليلٍ من الجنون عندما صرختِ، لقد سحقته تمامًا". كدت أرد لكن صوت أغدراسيل جذب انتباهي لألتفت.

حسنًا، الآن الجزع قد تغلب تمامًا علي. أدركت أن الغرفة بأكملها مضاءة وهذا بسبب أن جسد أوكتيفيان بأكمله مشتعل، وأظنه كان متجهًا نحوي لولا أغدراسيل الذي وقف في طريقه. رائع، سأتحول إلى لحم مقدد، هل يمكن أن تزداد الليلة روعة؟ "وهذا ما نسميه حرفيً بأنه يحترق حماسًا". بدأت أتأكد من أن يوجين لا يعطي لعنة عندما تزداد الأمور خطورة.

"فقط لأننا أشفقنا عليكِ تظنين أن فمك بإمكانه التحرك بالهراء!" لن يتحرك بعد ثانية لأنه سيشتعل. "أوكتيفيان، توقف، أنت لا تريد فعل هذا، إنها بشرية. هل هذه أخلاقك كجندي بحق الله؟ لا يمكنها الدفاع عن نفسها حتى". أوتش، هذه إهانة، لكن لا أمانع إن كانت ستجدي نفعًا في إطفائه.

"أنت غاضب بسبب ما قاله أتريوس، ولكنك تفجر غضبك في المكان الخاطئ!" صاح أغدراسيل وهنا أصبحت أرى الأمر منطقيًا، لما تحول أوكتيفيان فجأة إلى سافل بغيض، بالطبع كانت هناك قطعة ناقصة من الأحجية عليها اسم 'ابن العاهرة أتريوس'.

"واو، تتقدمين. لقد قلتِ لفظًا بذيئًا للتو" قال يوجين "أي جزء قلته بصوت عالٍ؟" همست بينما عيناي تراقب أغدراسيل أو ظهره، ولا أعلم لما… ربما لأن هناك ثورًا مشتعلًا قد يقذفني ككرة بولينغ. "الجزء الخاص بـ ابن العاهرة أتريوس، ماذا؟ ماذا دار في عقلك قبلها؟" نظرت ليوجين بمعنى 'حقًا؟' إنه يختار الوقت السيء للحديث وأنا أجاريه، لماذا أجاريه حتى؟

"أوكتيفيان، توقف حالًا!" صاح أغدراسيل ويبدو أن الأمر نجح، لأن النار التي تحيط بجسده بدأت تهدأ حتى اختفت تمامًا. "لا تحاولي الظهور أمامي غدًا". قالها من بين أسنانه قبل أن يلتفت ويخرج من المكان "من دواع سروري". تمتمت بها ولم أخاطر بقولها بصوت عالٍ.

"اعذريه، لقد كان غاضبًا و... أنتِ فقط أشعلتِ الفتيل". تنهد أغدراسيل بضيق لأرد قائلة "هو من بدأ أولًا، أتتوقع مني التغاضي عن إهانته في كل مرة؟" حسنًا، لحظة صراحة، لقد كنت أتغاضى عن كل الإهانات من قبل، لا أعلم ما حدث للتو، جسدي بدأ يندفع وحده والأمر غريب.

"أعرف، لذلك قلت في بداية حديثي أن تعذريه". أومأت على مضض وصمت كلانا بعدها. رغم كون المكان مظلم استطعت تمييز ملامح أغدراسيل نوعًا ما، وهو بدا... سيء!

 متعب، مرهق، وغيرها الكثير من الأشياء التي لم ألحظها مسبقًا، وبالحديث عن أغدراسيل يبدو الفرد الوحيد العاقل هنا منذ أن عرفت هؤلاء الرفقة.

"هل أنت بخير؟" أعلم ليس من شأني، ولكن بحقكم الرجل يبدو كفوضى.

"ماذا؟" بدا متعجبًا من سؤالي، نظفت حلقي قبل أن أطرق قدمي بالأرضية "تبدو في حالة سيئة، ربما عليك أن تحظى بحمام و… بعض الراحة".

ابتسامة طبيعية ولطيفة ارتسمت على محياه قبل أن يقترب مني ويقف قبالتي مربتًا على رأسي، انخفض قليلًا ليصل لطولي "شكرًا لاهتمامك، أن يهتم أحدهم يجعلني أشعر بالراحة". حسنا، واو! هذا كان... لطيفًا! ربما ليسوا جميعًا بغيضين.

ابتعد أغدراسيل متجهًا للخارج لكنه صاح بصوت عالٍ قبلها "عمل جيد! أكملي ما تفعلينه وافتحي تلك البوابة، اثبتي أنهم مخطئون بشأنك". حسنًا، لقد تم الأمر وقُرر، أغدراسيل مستثنى من كل صفة سيئة سأشتم بها هذه المجموعة، هذا قرار نهائي.

"هذا غريب كليًا". نظرت ليوجين "ماذا تقصد؟ أنه لطيف؟" حرك رأسه بلا "أنتِ الغريبة، حسب علمي بجلنار القديمة، إذا رأت رجل مشتعلا أمامها ستركض بأقصى ما تملك من سرعة أو... ستفقد الوعي وتموت من أزمة رعب".

"ها ها ها، ظريف جدًا".

"لا أمزح حقًا، فكري بالأمر، لقد وقفتِ تراقبينه بكل برود جلنار، وكأنكِ تشاهدين أضواء الكريسماس! لقد تغيرتِ حقًا يا فتاة، فقط خلال يومين!"

"حسنا، يومين كانا كافيين لجعلي أرى الكثير من الأشياء التي لن تخيفني بعد الآن". التفت حول المكان أنظر نحو كل نجمة تضيء الجدار. "يا رجل! كيف تستوعبين الأمر؟ لقد تغيرت حياتكِ بشكل جذري وأنتِ فقط تتكيفين معه، بل وتتفوقين على نفسك القديمة، هذا…" قاطعته بسرعة "هاي! توقف، توقف حالًا، أنت تجعلني أهلع. عقلي متماسك بمعجزة ما! وأنت تفسد الأمر، لا تتحدث عنه، تصرف وكأنه شيء طبيعي، اتفقنا؟" رفع كتفيه وقال "اتفقنا". 

زفرت قبل أن أعيد انتباهي للمكان "والآن دعنا نعيد انتباهنا لما كنا نفعل" أومأ موافقًا.

"هذه النجوم تتحرك بالمناسبة".

"نعم، لاحظت هذا يوجين".

"المشكلة أني لا أرى أي شيء له علاقة بأيام الأسبوع هنا! لا الجمعة ولا الخميس ولا ما بينهما، ربما ترجمتِ الأمر بشكل خاطئ". حركت رأسي قائلة "متأكدة أن النص كان حرفيًا".

صمت قليلًا أحاول معرفة أين يقع الخطأ بالضبط! "أتعلم؟ أحتاج لقليلٍ من الضوء". اتجهت للخارج بعد أن نبهت يوجين، وكان الطابق الثالث أكثر إضاءة من المكان في الداخل.

أمسكت الدفتر وأعدت قراءة النص مرتين، هناك شيء ما جذب انتباهي في حديث يوجين، لقد قال 'ترجمت الأمر بشكل خاطئ' هل فعلت؟

 تساعدك الجمعة وما بعدها إلى الخميس! لم تذكر أسماء الأيام حرفيًا، لكني توقعت أنها حرفية. 

"ماذا اكتشفت؟" التفت أنظر ليوجين الذي توقف بجواري بشكل مفاجئ "كيف تتنقل بهذا الهدوء؟" رفع كتفيه وقال "أنا شبح!" دحرجت عيني متمتة "لا تهتم". أعدت قراءة النص بالإغريقية وقلت ليوجين "حسنًا، ربما لم أترجم النص حرفيًا". ارتفع حاجباه باستغراب.

جلست فوق الأرضية وأسندت ظهري للحائط وفعل يوجين المثل "انظر، جملة 'الجمعة وما بعدها للخميس' إن نطقتها فستكون Fri و Thu أي جمعة وخميس، ولكن إن ترجمتها حرفيًا فستكون Frige و Thor. لا أعلم إن كان هذا سيشكل فرقًا لكـ...".

"لحظة، ثور؟ أيقصد إله الرعد ثور؟" عقدت حاجبي والتفت ليوجين "ماذا تقصد؟".

"بحقك! ثور، أنت الأعلم بهم، حتى أنك تعلمين اسم مطرقته ميوما أو أيًا يكن". ميولنر، يقصد ميولنر، مطرقة ثور و... لحظة واحدة ."أنتِ تبتسمين بشكل مريب، ما الذي تعرفينه؟".

"ربما هو بالفعل لا يقصد أيام الأسبوع، بل شيء له علاقة بأيام الأسبوع، انظر هنا، هذه أيام الأسبوع، صحيح؟ لو محونا الجمعة والخميس وبدلناهم بالترجمة الحرفية، ثم فعلنا المثل بباقي الأيام…


Sat – Saturn

Sun – Sunna

Mon – Munna

Tue – Tiw 

Wed – Woden

Thu – Thor 

Fri – Frige

 

أرأيت؟ هذا ما كان يقصده تمامًا، لم يقصد أيام الأسبوع أو الجمعة والخميس، بل كان يقصد شيء يدل على أيام الأسبوع".

نظرت ليوجين لكن ملامح وجهه البلهاء أوضحت أنني أتحدث مع جدار "أنت لم تفهم شيء، صحيح؟" فتح فمه وكاد يقول شيئا لكنه تراجع وقال "لا، ولا حرف". دحرجت عيني وبدأت أشرح الأمر.

"كان يا مكان، عندما كان هناك الكثير من المساكين في عهد قديم، كان البشر يميلون لعبادة إله ما، ولكن لم يعرفوا ماذا عليهم أن يعبدوا فاتجهوا حينها لأكبر الأشياء وأبعدها، الشمس والقمر، وسموهما الإلهين Sunna و  Munna وكما ترى، إنهما أصل كلمتي sun وmoon اللتان نعرفهما اليوم. مع مراقبتهم للسماء لاحظوا خمسة أجرام سماوية تتحرك بطريقة غريبة، فكروا وفكروا! لماذا تتحرك بهذه الطريقة الغريبة، ثم... ظهر استنتاجهم، تلك الحركة بسبب خمسة آلهة أخرى، وراحوا يعبدونها بجوار الشمس والقمر، وحتى يعدلوا في العبادة بينهم خصصوا يومًا لكل إله، اليوم الأول للإله كذا والثاني للإله كذا، وهكذا أصبح لكل إله يوم يعبدونه فيه، ومع تطور الحضارات أصبحت أسماء هذه الآلهة هي أسماء أيام الأسبوع مع تغير طريقة كتابتها ونطقها و... انتهت القصة".

ظل صامت لوهلة قبل أن يحرك رأسه "فهمت الأمر، لكن لمَ كانت تتحرك الخمسة أجرام بطريقة غريبة؟".

"بسبب جاذبية الكواكب الخمسة، زحل والمشتري والمريخ وعطارد والزهرة".

ارتفع حاجبيه وضحك "هؤلاء المساكين آلهتهم كانت جاذبية كواكب". الأمر مضحك نوعًا ما بالفعل، لكن من وجهة نظرهم كانت تلك أشياء غامضة وعظيمة لبعدها عنهم وتفردها بالسماء، من حسن الحظ أن العلم موجود.

عندما توقف عن الضحك قال "إذا علينا أن نبحث عن خمسة نجوم تتحرك بطريقة غريبة". أومأت برأسي ثم قلت "ستجدها تتحرك بشكل مستقيم ثم تأخذ شكل منحنى وتعود لمسارها مجددًا". نهض واقفًا "ماذا ننتظر إذًا؟ هيا!" حرك رأسه مشيرًا للباب لأبتسم وأنهض نافضة غبارًا وهميًّا عن ملابسي.

دلفنا للداخل مجددًا وقلت ليوجين "اذهب أنت من هنا وأنا سأذهب للطرف الأيمن، هكذا سنجدها أسرع" تحرك إلى الجهة التي أشرت إليها لأذهب للأخرى.

كان هناك الكثير من مجموعات النجوم التي تتحرك بشكل معين، الكثير منها... حاولت التركيز والبحث عن مجموعة مكونة من خمسة نجوم ولم أضطر للبحث كثيرًا لأنني وجدت حركة مميزة جذبت انتباهي "يوجين، أظن أني وجدتها!" صحت منادية إياه ليتحرك متجهًا نحوي.

"هنا، انظر، إنها تتحرك بالطريقة ذاتها". أشرت نحو الخمسة أجرام التي تتحرك بذات الطريقة، لمست أحدها لتضيء باللون الأخضر، نظرت ليوجين بتعجب وقد كان يضع النظرة ذاتها، أعدت أنظاري نحوها قبل أن أحرك إصبعي بين الخمسة نجوم لتتصل ببعضها ويتكون بينهم خط رفيع من اللون الأخضر.

"ما اللعنة؟" تمتم يوجين وهو ينظر من حوله، فقد كانت الأجرام على الحائط تتحرك لتكون مجموعات وتتصل كل واحدة بالأخرى حتى أصبح الجدار عبارة عن مجموعة ضخمة من الأجرام المتصلة ببعضها البعض قبل أن تبدأ في التجمع مكونة… مجرة!

كان الأمر مبهرًا، حتى باتت تلك المجرة تتضخم إلى أن انفجرت فجأة مضيئة المكان بالكامل كوميض الكاميرا، مما أجبرني على إغلاق عيني متأوهة.

فتحت عيني بعد وهلة وكان كل شيء قد اختفى وعادت إضاءة المكان مجددًا "هذا… كان أفضل عرض فلكي رأيته في حياتي وما بعد حياتي كلها". تمتم يوجين بدهشة وما كان مني سوى أن أومأت موافقة.

"لقد حللنا أول بيتين وتبقى اثنين، إذًا ما الذي تغير؟" تساءلت بصوت عالٍ "ربما هذا!" التفت ليوجين الذي كان ينظر إلى السقف حيث كان هناك عشرة أحجار تضيء باللون الأخضر "إنها أعين الملائكة". تمتمت بينما أتفحص الرسم على السقف لخمسة ملائكة وأعينهم عبارة عن أحجار خضراء مضيئة.

"البيت الثالث" تمتمت "عيون الملائكة ترشدك!" قلت أنا ويوجين في الوقت ذاته "هذا واضح، إذًا أينما تنظر عيون هذه الملائكة فهو المكان الذي يجب أن نتجه له تاليًا" قال يوجين لأوافقه الرأي.

وقف كلانا ننظر نحو رسم الملائكة من زاوية الغرفة "إنها تنظر إلى... هنا!" أشار نحو البوابة الكبيرة "رائع، نحن نحاول الدخول إلى هنا منذ البداية، لقد أناروا طريقنا لمكان جديد". سخر كعادته وفضلت الاحتفاظ بصمتي هذه المرة.

اتجهت نحو البوابة أنظر إليها عن كثب، الزخارف ذاتها، النص ذاته ولا شيء تغير. فحصت الزخارف والرسوم جيدًا، القليل من الصقور والأفاعي وأشياء أخرى غريبة لا أعلم ما هي، لماذا قد تنظر الملائكة إلى البوابة حيث المكان الذي نحاول فتحه منذ البداية؟

حاولت إيجاد شيء ما قد يساعد، أعدت أنظاري نحو السقف ثم البوابة... ماذا يقصد بالنظر للبوابة، إلى ماذا أو إلى أين ترشدنا هذه الأعين بالضبط؟ لا يمكننا فتحها بعد، نحتاج إلى أرقام اللوح لفتحها، لا وجود لأرقام هنا وما زال هناك بيتين آخرين، لذلك... ما الذي فاتنا؟

"هل فهمتِ شيئا ما؟" سأل يوجين لأحرك رأسي نافية "هذا سخيف بحق، نريد فتح البوابة، لذلك ظهرت النجوم التي أضاءت أعين الملائكة، وأعين الملائكة تنظر للبوابة، والبوابة لا يمكن فتحها. واو، نحن داخل دائرة مغلقة". أغمضت عينَي بصبر "ربما إن كنت أكثر هدوء سأتمكن من فهم هذه الدائرة، يوجين". رفع يديه دلالة على استسلامه وأخذ خطوتين للخلف "ساحة الحرب ملكك، أنا منسحب حتى إشعار آخر". دحرجت عيني على سخفه قبل أن أعود بتركيزي للبوابة.

لا شيء من هذه الرموز تعني شيئًا على الإطلاق، ثم… الأفاعي والصقور، لا شيء حقًا قد يساعدنا، ولا شيء له علاقة بالنص! وكأن أعينهم تنظر للمكان الخطأ، ربما هناك شيء حول البوابة قد فوته. تبًا، هذا مشوش حقًا.

ظللت واقفة هناك لفترة أحدق نحو تلك الأفاعي، هناك شيء ما متعلق بها... الأفاعي والملائكة؟ لا يوجد شيء مشترك! هناك تضاد بينهما، لماذا قد تنظر الملائكة للأفاعي؟ إلا إذا...

توقفت لوهلة أفكر في الأمر قبل أن أنظر للسقف مجددًا، أعين الملائكة ترشدك! إلا إذا كانت ما ترشدنا ليست بملائكة! 

"أظنني فهمت الأمر!" صحت بها لينهض يوجين الذي كان مستلقٍ على الأرضية "سأكون سعيدًا إن شرحتِ الأمر".

"ماذا إن لم تكن هذه ملائكة، يوجين! نظر، إنها تنظر إلى الأفاعي، لماذا قد تنظر ملائكة إلى رسم أفاعٍ؟ إلا إذا كانت هذه شياطين، لا ملائكة. انظر، هنا كما توقعت تمامًا، هذا ليس بملاك، إنه متنكر كملاك، فوق رأسه هناك قرنين يحاول إخفائهما، وهذا هنا!" أشرت لآخر في الزاوية "أطراف يديه سوداء وهناك طلاء أبيض عليها، إنه يحاول التنكر في شكل ملاك".

تحركت نحو الجهة الأخرى مشيرة للثالث "وهذا هنا إحدى عينيه نصف حمراء، كما أنه يمتلك ناب شيطان. هؤلاء شيطانين، لا ملائكة".

"ماذا عن الاثنين الآخرين؟" نظرت نحوهما وقلت "هذان هما الملائكة الحقيقة، لقد كان الأمر كله منوط عن الإيهام. ثلاثة شياطين وملاكين، إذا نظرت لهم جميعًا كمجموعة كاملة ستراهم ينظرون إلى الأفاعي على البوابة، وهذا هو عمل الشياطين، التضليل والوهم والمكر تمامًا كالأفاعي الماكرة، لكن...".

تحركت لزاوية أخرى حيث يصبح الملاكان مواجهين لي "إذا غطيت الثلاثة شياطين بيدك ونظرت لأعين الملاكين فسترى إلى أين حقًا يريدون إرشادك". فعل يوجين المثل متجهًا حيث أقف وغطى الشياطين بيده لينظر نحو الملاكين "إنها تنظر لأعلى السقف". قلت ولم أحتج أن أطلب من يوجين لأنه خلال ثانية حلق نحو قمة القبة يرى ماذا يوجد هناك.

"أترى شيئًا ما؟" صحت أحاول أن أرى من موقعي "لا، لا شيء هنا جلنار، لكن…" صمت قليلًا يفحص شيئًا ما "أكاد أجزم أن هناك شيء ما على الجهة الأخرى." عاد نحوي ووقف أمامي "أتقصد سطح القبة من الخارج؟" أومأ برأسه "نعم، بالضبط بدا وكأن هناك بعض التروس والمعادن المحورية موصلة بشيء على الجهة الأخرى".

حركت قدمي أطرق الأرضية وأنا أنظر حولي أحاول إيجاد شيء ما قد يساعدني، توقفت عيناي على النافذة الطويلة على الحائط المقابل "لا تعجبني هذه النظر على الإطلاق، لم تنظرين إلى النافـ... أوه، لا لا، إياكِ والتفكير في الـ..." قاطعته بسرعة وأنا أتحرك نحوها "أحتاج إلى شيء يجعلني أصل إليها، فهي عالية عن الأرضية".

"حسنًا، لقد فكرتِ في ذلك وانتهى الأمر". تمتم باستسلام "هل هناك طريقة تجعلك تتراجعين عن هذا الجنون؟" وضعت ابتسامة جانبية "لا أظن!".

"حسنًا، في هذه الحالة، هل هذه الطاولة الخشبية في الزاوية قد تفي بالغرض؟" التفت حيث أشار، كانت هناك طاولة صغيرة عليها إناء زهور، اتجهت نحوها وأبعدت الإناء قبل أن أحملها وأضعها قبالة النافذة، أدرت المزلاج وفتحت النافذة، ألقيت نظرة نحو الأسفل ولم يكن المنظر لطيفا ومشجعًا حقًا.

كان بإمكاني رؤية جوزفين وأغدراسيل من هنا يتدربان بقتال يدوي، وعلى بعد أقدام كان أوكتيفيان ويبدو أنه قد هدأ ويتدرب على شيء ما بالنيران، وأتمنى أنه تخلى عن فكرة إحراقي، وبين الأشجار كانت هناك حركة سريعة قد تعود لشخصين، إما رومياس أو الغبي الآخر.

أخذت نفسًا عميقا ونظرت للأعلى. لا بأس، سيكون تسلقها سهلًا، لن أسقط ولن أموت، لنفكر بالأمر على أنه نزهة للأعلى.

أمسكت بطرف الإطار الخارجي للنافذة ودفعت جسدي للأعلى، تمسكت بالقضبان المعدنية الملتفة حول القبة من الخارج وبدأت تسلقها.

 "في الأمس كنتِ تخافين مجموعة متنمرين حمقى واليوم تتسلقين سطحا يبعد عن الأرض ما يفوق الثلاثمائة قدم، هذا أفضل دليل على أن الإنسان يتطور". توقفت عن التسلق ونظرت نحو جسده الطافي "هلا توقفت عن هذا؟ لا أظن أن تذكيري بالارتفاع يساعدني هنا". مال برأسه وتمتم "حسنًا، سأحاول أن أكون هادئًا". تنهدت وقلت "نعم، من فضلك".

أعدت انتباهي إلى أين سأضع قدمي تاليًا وبدأت أتسلق مجددًا "تعلمين؟ إن لم نجد شيئًا في الأعلى فليس ذنبي". دحرجت عيني ولم أتوقف عن التسلق "ظننتك ستكون هادئًا!".

"لقد قلت سأحاول، وقد حاولت لثانيتين".

"نعم بالطبع، شكرًا لمحاولتك". تمتمت بسخرية بينما أدفع جسدي بقوة، توقفت لثانية ألتقطت أنفاسي "ماذا؟ هل بدأتِ تخافين؟ لا بأس، لا تنظري للأسفل وكل شـ…" صرخت فيه ما إن نظرت للأسفل بالفعل "اللعنة، يوجين! أنت لا تساعد هنا، اخرس لثانية".

أغمضت عيني أحاول تهدئة نفسي ونسيان منظر المكان في الأسفل "إلهي، جلنار! هل أنتِ بخير؟" هذه المرة لم يكن صوت يوجين، التفت أنظر نحو الصوت ولم تكن فكرة سديدة نوعًا ما. كان كل من أغدارسيل وجوزفين ينظران نحو الأعلى... نحوي.

"لقد جنت تمامًا". كان صوت جوزفين واضحا كفاية لأسمعه "أوتش، هذا ليس لطيفًا". صحت به بينما عاودت الصعود للأعلى "إذا سأقولها بصراحة أيتها الصغيرة، ما الذي قد يفعله عاقل في الأعلى؟ كما... مع من كنتِ تتحدثين؟" توقفت بسرعة ونظرت ليوجين بطرف عيني "أكان صوتي عالٍ؟" أومأ برأسه بابتسامة كبيرة، تبا.

"جلنار، ستؤذين نفسكِ، لمَ تتسلقين إلى القمة بحق الله؟" صاح أغدارسيل هذه المرة "لأن أعين الملائكة ترشدني إلى هناك!" صحت بالمقابل بينما تابعت التسلق "حسنًا، قضي الأمر، لقد جنت". قال جوزفين مجددًا لأدحرج عيني.

"فقط تجاهلاني كما يفعل أوكتيفيان وعودا لتدريبكما". صحت بهما ليأتيني صوت أوكتيفيان هذه المرة "أظن أن أوكتيفيان طلب منكِ ألّا تظهري أمامه مجددًا". زفرت بنفاد صبر "هذا شيء خارج عن إرادتي، إن أردت شيّ جسدي انتظر حتى أصل إلى القمة، ستكون نذالة إن جعلت هذا الجهد يضيع…" توقفت لثانية أدفع جسدي بقوة ثم أكملت "يضيع هباءً".

كان صوت ضحكته ما أجابني وهذا أجبرني على الابتسام، لقد هدأ الرجل الأخضر أخيرًا.

تنفست الصعداء عندما وصلت أخيرًا إلى قمة القبة، ثبتُّ جسدي جيدًا حتى لا أنزلق ونظرت نحو الشكل الأسطواني المعدني المتمركز هنا. "هناك فتحتان هنا". أشار يوجين نحو فتحتين عن يمين وشمال الهيكل الأسطواني، أدخلت يدي في الأولى ويبدو أنه كان خيارا سيء.

"يدي عالقة". قلت من بين أسناني وأنا أحاول سحبها "ماذا تعني؟" نظرت نحوه بحدة "ماذا تظنني أعني؟ يدي عالقة في هذه الفتحة اللعينة". ارتفع حاجباه بإدراك لأمسح وجهي بنفاد صبر. "هل أنتِ بخير؟" ألتفت للجهة الأخرى و... واو، هذا مذهل.

كان أغدراسيل محلقًا بـ… بجناحيه الضخمين، الكثير من الريش واللون الأبيض و... تبًا إنهما رائعان "جناحان جميلان". قلت ليبتسم "شكرًا". الآن علمت لما منعته واندر من إخراج أجنحته داخل المنزل.

 "دعيني أنزلكِ من هنا". حركت رأسي بلا "لن أنزل قبل أن أعرف ماذا يوجد هنا، كما أن... يدي عالقة نوعًا ما". قلت مشيرة ليدي اليمنى. "ألا يوجد شيء في الداخل؟" سأل يوجين لأقول "مقبض".

"ماذا؟" التفت لأغدراسيل، ولعنت بين أنفاسي، أحيانًا أنسى أمر أنهم لا يرون يوجين. "داخل هذه الفتحة مقابض". فسرت على مضض.

أخذت نفسًا قبل أن أدخل يدي اليسرى في الفتحة الأخرى وأمسك بالمقبضين "إن انقطعت يدي سيكون هذا ذنبك". همست ليوجين لتتسع عيناه "هذا صبياني جدًا!".

في الوقت عينه أدرت المقبضين في اتجاهين متعاكسين ثم سحبتهما للخارج ولحسن حظي لم تكن يدي عالقة هذه المرة، فقد تحررت. تركت المقابض وراقبت ما يحدث فقد كان الشكل الأسطواني يتحرك باستمرار ملتفا بطريقة أوتوماتيكية "حسنًا، هذا جديد!" تمتم أغدراسيل وهو يقترب ليأخذ نظرة أقرب.

انقسم الشكل إلى نصفين لترتفع كرة معدنية مصمتة موضوعة على قابض صغير يثبتها، انتزعتها وأخذت أنظر إليها عن كثب "هناك كرة معدنية داخل شكل أسطواني فوق سطح منزلكم وهذه أول مرة تعرفون عن الأمر؟" نظرت لأغدراسيل رافعة حاجبا ليرفع كتفيه "لم يخبرنا أحد بهذا، كيف بإمكاننا أن نعرف الأمر حتى؟" تكنيكيًا إن كنت أملك منزلًا من السحر لبحثت في كل مكان عن الكثير من الأشياء.

"حسنًا، هل وجدتِ ما تبحثين عنه؟" رفعت يدي الممسكة بالكرة "ماذا يبدو لك؟" دحرج عينيه وتمتم "لا تكوني وقحة". أحاط بإحدى يديه خصري وخلال ثانية كان يرفعني وكأنه يرفع… طفلة في الثانية! أمسكت ذراعه بقوة، فلا أخطط للسقوط اليوم، كما أنني لا أحلق كل يوم.

"تنفسي، ليست المرة الأولى التي أحلق بأحد بها". صاح ضاحكًا "بالطبع ليست الأولى، كان عليك إدهاش صديقتك من قبل". سخرت ليقهقه "لسوء الحظ لا أملك واحدة لإدهاشها". رفعت رأسي نحوه بصدمة في الوقت ذاته الذي نظر يوجين نحوه "يا رجل، هل نظرت لوجهك بالمرآة؟ إن لم تملك أنت صديقة أنا من سيفعل؟" صاح يوجين ساخرًا بينما فضلت الصمت.

 وقف على الأرض أخيرًا لآخذ أنفاسي "هل أنتِ بخير؟ لقد كانت رحلة موفقة". دحرجت عيني "لا تتصرف كالرجل الحديدي، أرجوك". عقد حاجبيه قبل أن يسأل "من هو الرجل الحديدي؟" رفعت كتفي بملل "بطل خارق على الأرض… في التلفاز، ولا تسألني ما التلفاز لأنها قصة طويلة". ظل مشوشًا ولكني تجاهلت الأمر.

"هبوط موفق أيتها الأميرة، هل يمكنني أن أعرف سبب هذا الجنون؟" رفعت حاجبًا ثم رفعت يدي وأنا ألقي بالكرة في الهواء ثم ألتقطها "ليس بجنون، لقد وجدت ما أريد". نظر للكرة بدهشة "ما هذه؟" ابتسمت بخبث وقد وجدت فرصتي أخيرًا لاستفزازهم، فقد لمحت أوكتيفيان بطرف عيني يقترب بفضول.

"هذه... لا شيء، إنها مجرد تفاهة تخص بشرية، أتعلم؟ تابعوا تدريباتكم الشيقة والممتعة، لا أظن أن ما قد تفعله بشرية أكثر من ممل، أعني أجرام وأحجية وكرة في قمة القبة... هذا كله ممل بالنسبة لكم، أراكم لاحقا".

تحركت نحو المدخل وأنا أعبث بالكرة "هذا ليس عدلًا!" تذمر أغدراسيل وتمالكت ضحكتي بقوة "تعلمين؟ لا بأس، لا أشعر بالفضول، لا أشعر به على الإطلاق، ما هو الفضول أصلًا؟" إلهي، جوزفين يتصرف حقًا كطفل صغير.

التفت ناحيتهم لأمشي بشكل عكسي "أعلم، جوزفين، لا داعي لتكرار الأمر أكثر من مرة". سخرت بثقة ولكنها تلاشت لثانية عندما كدت أتعثر بخطواتي.

بطرف عيني لمحته يقف بعيدًا عند شجرة كبيرة يحدق نحوي، أتريوس.

حاولت تجاهله والتفت بلا مبالاة متظاهرة بأني لم أكد أقع على وجهي منذ ثوانٍ مكملة طريقي للداخل، إن كان علي التأقلم إذًا علي تجاهله.

عدت مجددًا إلى البوابة مع يوجين ليجلس كلانا فوق الأرضية ووضعنا الكرة بيننا "حسنًا، لقد حللنا ثلاثة أبيات، البيت الثالث تحدث عن عيون الملائكة وقد حللنا هذا الجزء، وتحدث عن بداية الكون ويدين طاهرتين وأظنه يقصد هذه". أشار للكرة في نهاية حديثه. "وما الذي يجعلك متأكدًا؟" رفع كتفيه وقال "لأنها تشبه بداية الكون! تعرفين، نظرية الانفجار الكبير ’بيغ بانغ’ كان الكون عبارة عن كرة مصمتة، شيء صغير ثم انفجر" أومأت برأسي "نعم، أعرفها، هكذا إذًا، أشار لكرته ببداية الكون! متفاخر جدًا".

أمسكت الكرة أقلبها بيدي أتفحصها بتأنٍ، كانت مقسمة بالطول والعرض، وكأنه بإمكانك لفها وفتحها، حاولت ذلك أكثر من مرة ولكن لم يحدث شيء، كانت مغلقة بإحكام، هناك خمس قطع حديدية كانت الشيء الوحيد البارزة من الكرة موزعة بطريقة ما حولها، حاولنا تحريكها لكنها لم تتزحزح.

ألقيت الكرة بملل فوق الأرضية لتصدر ضجيجا عالٍ "والآن ماذا؟" تمتم يوجين لأحرك قدمي بضيق "لم أتسلق مسافة ثلاثمائة قدم لعينة لأستسلم أمام هذه! سنعرف كيف نستعمل هذا الشيء واليوم!".


*******************************************************

هالوووووو

الواحد مش نايم ووراه بعد كام ساعه مشوار وحاجه قمة حب الرواية على طبيعة الحياة البشرية

انتبهوا اني بكلمكم والساعه لسه سته وشويه او سبعه والفصول دي هتنزل الظهر تقريبًا

كله فدى عيونكم 

رجعنا للألغاز تاني

ناس كتير كانت مستنية الغاز بوابة العلم اتمنى الفصل عجبكم -للمرة الثانية-

جلنار بدأت تعيش فترة التمرد بتاعتها على حساب الفرسان

احيان بسأل نفسي عقلي فين وانا بكتب شخصية يوجين

المهم اننا بنحبه كلنا والله 

الفصل ده كان 6000 كلمه -فخوره اوي-

هروح اكمل فصل كمان لاني متحمسه اكملهم اكتر منكم والله 😂

الفصل الجي 12 الف بس يستاهل التعب لانه في ناس هتنبسط اوييييييي لما تفتكره

انجويييييي

باااااااااي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

16 تعليقات

  1. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  2. الفصل مذهل مذهل مذهل، عيبه الوحيد انه قصير😢، جلنار تغيرت حقًا، كما قلت بدأت تعيش فترة التمرد 😂😂
    ويوجين ملح الرواية حقًا، نكاته تضحكي فعلًا 😂😂
    على كلٍ، الفصل كله على بعضه ولا غلطة الالغاز شيقة وممتعة والمعلومات المذكورة صحيحة وهذا ما اعجبني، تعلقت بهذا الفصل حقًا،

    ردحذف
  3. يوجين سكر وعسل الروايه 😭💕

    ردحذف
  4. يا الله الفصل الي بعدو 😂

    ردحذف
  5. مش عارفه اجيبها لكم ازاي 😊😊
    بس تعرفوا أن نهاية الفصل الخامس عشر ده هي نهاية الفصل السادس والعشرين سابقا 💅💅
    روووووووووووعة علي كده هنوصل للفصل السبعون قبل رمضان 😍😍😍😍😍

    ردحذف
  6. افرحوا ياشباب 💃💃💃💃

    ردحذف
  7. can't stop reading you're awesome 💗💗💗💗💗

    ردحذف
  8. يسعد ذكائك يا جلنار!

    مين شارلوك وواتسون؟ ما اعرف غير جلنار ويوجين

    اهخخ احس بفخر مو طبيعي 😭😭

    ردحذف
  9. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  10. اغدراسيل اعقل فارس بالمجموعه 😂

    ردحذف
  11. لسى انتظر ظهور ثورنار 😭😭😭

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال