السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إفصاح: "اللهم اقض حاجتي وفك كربتي وآنس وحدتي وفرج همي".
إفصاح آخر "ثمة لحظات لا يعود فيها الغريق راغبًا في النجاة!".
مساحة لذكر الله
*******************************
الفصل الثامن عشر
صباح اليوم التالي كان مشحونًا وصامتًا، ظل كل من هارليك وأنا نتظاهر
بالبراءة ونتصرف بشكل طبيعي وكأن ما حدث ليلة الأمس ليس بالمشكلة الكبيرة؛ بينما
ظل البقية يرمقون بعضهم بنظرات ذات معنى قبل أن يرمقوا كلينا بحدة.
ورغم توتر الأجواء إلّا أن الجميع كان جالسًا حول المائدة يتناولون فطورهم بهدوء، كان يوجين هو الشخص الوحيد القادر عن التعبير عن سعادته بهذه الأجواء؛ حيث وظف نفسه كمعلق لملامح كل واحد منهم، وبالطبع ليس علي إخباركم من كان أكثر من يوجين استمتاعًا بما يحدث!
نظرات أتريوس التي كان يبدلها بيننا وابتسامته التي بالكاد تُرى جعلتني موقنة أن هناك أشياء بإمكانها جعل هذا الرجل الغاضب مستمتع بوقته.
عندما طال الصمت بيننا ونحن ننتظر من واندر إحضار آخر الأطباق تنهدت ونظرت نحوهم قائلة "أنتم لستم منزعجون بسبب ليلة الأمس، صحيح؟ أعني أنكم بالطبع لن تُخاصِمونا بسبب هذا!" جعلت نبرة صوتي مندهشة وساخرة في الوقت ذاته مما جعلهم ينظرون لبعضهم البعض ويقولون بأصوات متفاوتة:
"خصام! هذا سخيف بالطبع لا".
"لمَ سننزعج؟".
"خصام وانزعاج؟ أنحن أطفال؟".
عضضتُ على شفتي في مقاومة للضحك ووكزت هارليك الجالس بجواري حتى لا يضحك فجسده كان يهتز بصمت وجهه احمرّ بالكامل وبدأ يملأ فمه بالطعام حتى لا يضحك.
صوت ارتطام طبق بالطاولة جعلني أجفل بفزع، نظرت نحو واندر التي كانت غاضبة بشكل واضح ولا تمانع في الاعتراف بهذا.
"واندر، مـ..." قاطعتني مشيرة بملعقتها نحوي "لا تتحدثي معي!" اتسعت عيني بعدم تصديق، إنها جادة!
"إنها محقة في غضبها بالمناسبة، إن كنت مكانها لفعلت المثل" نظرت ليوجين الذي رفع كتفيه في النهاية.
حسنًا، لقد كانت المرأة قلقة طيلة اليوم كما أنها الوحيدة التي تعاملني بلطف وتخبرني بكل شيء أسأل عنه تقريبًا، وجدت نفسي أتنهد وأقول "حسنًا، لا تغضبي. كنت أخطط لإخبارك بكل شيء على أي حال فقط إن صبرتي قليلًا".
نظر نحوي هارليك بقلق لكني أومأت بخفة "هذا ليس عدلًا، لمَ تخبرينها ونحن..." انفجر جوزفين فجأة وهو يضرب الطاولة بكف يده لكنه توقف عندما أدرك اندفاعه وتحديق الجميع به بصدمة.
"كنت أعني أني لست مهتمًا على الإطلاق" تمتم بصوت منخفض مما دفع هارليك لبصق ما في فمه والانفجار في الضحك.
لم يكن من السهل تمالك نفسي بينما كل من هارليك ويوجين يمران بنوبة ضحك هستيرية، وما زاد الأمر سوءً أن ضحكة يوجين كانت أكثر إضحاكًا مما حدث!
أعترف أنني لوهلة ضحكت، لكني وكزت هارليك عندما لاحظت الاحمرار على وجه جوزفين، كان أغدراسيل يبتسم أخيرًا، حتى رومياس بدا يتمالك نفسه حتى لا يصبح في صف الضاحكين، ورغم ذلك ظل أوكتيفيان يرمق كلينا بنظرات باردة ومنزعجة.
عندما أنهى الجميع فطورهم نهضوا متجهين لساحة ما خلف المنزل يتدربون فيها، فهناك خبير قتالي سيأتي اليوم لمساعدتهم في معرفة أساليب قتال جنود الإريبوس حتى لا يتكرر الضرر الذي حدث بالمرة الماضية.
عندما سألت هارليك عن غرف التدريب داخل المنزل قال "يستخدمونها عادة عندما يتدربون بشكل فردي، بما أنكِ رأيتها فربما لاحظتِ أن كل غرفة مناسبة لشخص معين" أومأت برأسي بتفهم وهذا بالفعل ما لاحظته مع يوجين.
"ماذا عن ذلك الشخص القزم؟ أنا لا أراه مطلقًا هنا!" بدا على هارليك التشوش ثم ارتفع حاجباه كأنه تذكر وقال "أنه مساعد لافيان، لا تقلقي، إنه لا يغادر الغرفة أبدًا طيلة فترة غياب سيدهِ، قد ترينه بالصدفة في المكان إن كان لافيان هنا، إنه أحد المخلوقات الغريبة جدًا، يمكنه البقاء سنوات بلا طعام".
لم أصدم كثيرًا بهذه الحقيقة فقد اعتدت الغرائب وتوقعت الأغرب أيضًا.
عندما رأينا واندر متفرغة نوعًا ما حاولنا التحدث معها وشرح الأمر، أخبرتها سبب اختفائي وأخبرتها عن الكرة والأرقام، ولكني فضلت الاحتفاظ بجزء يوجين وكارولوس بالطبع حتى لا تُصاب المرأة بنوبة قلبية.
حاولت جعل الأمر يبدو طبيعيًا قدر الإمكان، ثم أخبرناها أن محاولة جعل الأمر يبدو خطيرًا ومُهمًا كانت حتى نغيظ البقية، فقد كان هارليك يكره طريقة تعاملهم معه كطفل.
عندما انفجرت في الضحك وجدت نفسي أخرج نفسًا براحة، فرؤيتها جادة في انزعاجها مني جعلني متضايقة نوعًا ما، والآن عادت المياه لمجاريها.
حصل كل واحد منا على تأنيب خاص وقرصة أذن مؤلمة لأننا سببنا لها الكثير من القلق في هذا السن الكبير على حد قولها.
عرض هارليك الخروج ومشاهدة تدريبات الفرسان بما أننا لا نملك ما نفعله حتى طلوع قمر هذه الليلة، ورحبت بالفكرة.
ما إن خرجنا بدا وكأنه كان يتمالك نفسه بالقوة وسأل بسرعة "لمَ لم تخبريها بشأن تنين الشفق والسيد يوجين؟".
"لأن واندر عقلانية ولكن بطريقتها الخاصة وسترى أنه من الصواب إخبار الجميع عن يوجين مؤمنةً بأنهم سيصدقون، أما كارولوس… هل حقًا تظنها ستتقبل الأمر بهدوء؟ إنها أكبر من كلينا وقد عاشت حياتها وهي تسمع أن هذا التنين هو متوحش، ستفزع بكل تأكيد".
أومأ نحوي وتمتم "وجهة نظر سليمة".
"هي! بالمناسبة" التفت نحو يوجين الذي قال "ألا يبدو ذلك التنين مألوفًا؟" عقدت حاجبي في تفكير وقلت "هل شعرت بذلك أيضًا؟ بدا حقًا مألوف بطريقة ما" صمت كلانا ونحن نحاول التذكر، أين بإمكاني رؤية تنين من قبل؟ إلا إن كان هذا في أحد أفلام الخيال أو الكتب الخياليـ...
"الكتاب!" صاح كلانا في نفس الوقت، ذلك الكتاب الذي بدأ من عنده كل شيء، لقد كانت هناك صورة لكارولوس بين الكثير من صور التنانين لكن كان الكلام بلغة غير مفهومة وقتها.
"هل هذا السيد يوجين؟ عن أي كتاب تتحدثون؟" نظرت نحو هارليك وقفزت فكرة إلى رأسي، ماذا إن حصل كل الفرسان على كتاب مماثل كما حصل معي؟ هل يملك هارليك فكرة عن الأمر؟
"هناك كتاب، كتاب مميز وكبير منذ أن وجدته بدأت كل هذه الفوضى، كان يتحدث عن مماليك التوبازيوس، يتحدث عنكم وعن التنانين، حتى أنه كان فيه قسم عنا نحن البشر لكنه كان بالكاد يتعدى ست أو عشر صفحات، هل تعرف شيئًا عن هذا؟".
عقد حاجبيه وحرك رأسه للجانبين ثم قال "كتاب به كل شيء؟ لا أظن أن أحدًا يعلم به وإلا لكنا نعلم عن وجود البشر قبل مجيئك". إنه محق، الكتاب كان يحمل معلومات عن البشر ولا أحد منهم كان مصدقًا بوجودنا، هذا يعني أني الوحيدة التي حصلت على كتاب.
"أين هو هذا الكتاب؟" نظرت بعيدًا وأنا أتذكر "ليس معي، كان في حقيبة ظهري عندما جئت لهنا للمرة الأولى، ولكن بعد ما حدث ظلت الحقيبة عند واندر وكلما حاولت سؤالها منعني شيء ما" اتسعت عيناه وبدا أن ما أقوله شيء غريب "هل تمزحين معي؟ شيء مهم كهذا وقد أهملته بهذه الطريقة، هل تعلمين كم كان ليكون مفيدًا لكِ؟ إلهي! أنتِ لا تُصدَقين".
لوهلة كنت أنا الطفلة وهو البالغ الذي يعاتب، وجدت نفسي أرتبك وأقول "نسيت أمره عندما انشغلت بالبوابة" تنهدت بشكل درامي وقال "لا بأس، عندما نعود سأذكركِ به وسنسأل واندر عنه اليوم" ربت على رأسه وقلت "من حسن الحظ أنني التقيت بك" بدا سعيدًا بهذا المديح مما أجبر ابتسامتي على الظهور.
جفل جسدي فجأة وصرخت بفزع عندما دوى صوت انفجار قوي، وحينها أدركت أننا وصلنا لساحة التدريب، كنا على بعد خطوات منها. كانت منخفضة عن الأرض بارتفاع لا يتجاوز الخمسة أقدام؛ مما سمح برؤية شاملة لمن يقف بالأعلى لما يحدث بالأسفل.
كان هناك دخان يتصاعد من منتصف الساحة يمكنني رؤيته من هنا، عندما اقترب كل منا بخطوات سريعة تبينت مصدر الدخان حيث أن منتصف أرضية الساحة كانت سوداء متفحمة وكأن قنبلة قد انفجرت هنا، أما تلك القنبلة فكانت يد أوكتيفيان المشتعلة.
لمحت أربعة أجساد تقف في الأسفل، أوكتيفيان الذي كان صدره يرتفع ويهبط بقوة وبالكاد يلتقط أنفاسه، ثم رومياس الذي كان يقف في زاوية بعيدة عن مساحة نيران أوكتيفيان… عاري الصدر بينما كان هناك شعر أسود غزير فوق وجنتيه وظهره وصدره وقد نمت أنيابه الحادة ومخالب أكثر حدة، أغدراسيل الذي كانت أجنحته متحولة لمادة حادة أشبه بالنحاس، ثم أتريوس الذي يقف على مسافة قريبة من أوكتيفيان بهدوء متناولًا فأسه بيده اليسرى.
"لقد بدأوا حقًا، انظري! رومياس لم يتحول إلى مستذئب بشكل كامل، إنه نصف مستذئب" نظرت نحوه باستغراب ليوضح "إذا تحول لمستذئب كامل فسيشبه كلبًا ضخمًا بلا أي ملامح لشخص طبيعي لكنه الآن بين الاثنين، طبيعته وتحوله، كان من الصعب عليه أن يتحكم فيهما، فكان إما أن يكون شخصًا بالكامل أو مستذئب، ولكن أن يكون بين البينين فهو صعب، هو أوميغا في النهاية، أضعف من في مجموعته لكنه تدرب بجد حتى يلحق بالبقية".
نظرت لرومياس الذي بدا مشتتًا ينظر في كل مكان، فجأة من اللا مكان انقذف جسده بقوة ليصطدم بالجدار المحيط بالساحة ليمسك معدته ويتأوه بألم.
نقلت عيني إلى كل من أوكتيفيان وأتريوس وأغدراسيل أحاول اكتشاف من هاجمه لكن كل منهم بدا متأهبًا فجأة ولم يتحرك أحدهم من مكانه.
لوح أوكتيفيان بيده فجأة لتعلو النيران حوله بشكلٍ سريع ولكن لم تصب أحدًا، أما أتريوس ظل واقفًا بلا حركة.
خلال ثانية قد تم قذق أوكتيفيان بعيدًا، ومن اللا مكان كانت هناك موجة قوية من الماء ضربته لتطفئ نيرانه بسهولة.
لاحظت أن أتريوس استقام فجأة وأغمض عينيه لثوانٍ قبل أن يلوح بفأسه جهة اليمين ويركل شيئًا ما بقوة، وهنا رأيته... هيئة ما ظهرت فجأة عندما أمسك أتريوس بفأسه الآخر وألقاه خلفه.
كان رجلًا في عمر أوكتيفيان تقريبًا ذا شعر بني اللون جمعه للأعلى وبشرة برونزية، لم أتبين ملامح وجهه من هنا لكني تبينت هيئته الجسدية القوية، القميص السكري حول الجزء العلوي من جسده وبنطال فضفاض أسود اللون.
رفع الرجل يده اليمنى ولمس كتفه الأيسر حيث أصاب فأس أتريوس قميصه ومزقه وربما كان ليمزق ذراع الرجل أيضًا إن كان أكثر دقة.
"إنه السيد هاميدال". أشار هارليك نحو الرجل في منتصف الساحة وهو يصيح بصوت غلبه الحماس وتابع "إنه أقوى مقاتلي الملك، حقًا الأقوى والأذكى، إنه يعتبر المنافس الأول للسيد أوكتيفيان، تعلمين، فالسيد هاميدال الأقرب لمقاتلي الملك وقد حصل بالفعل على لقب المقاتل العبقري؛ لذلك يحاول أوكتيفيان الفوز عليه، كما أن السيد هاميدال قد توقع الجميع أن يكون هو الفارس وكان واثقًا من ذلك؛ فحصل السيد اوكتيفيان على العلامة وأصبح هو الفارس".
"أي أنها منافسة متبادلة" أومأ برأسه وقال "كلاهما قويان، فالإلترانيوسيين يملكون هبة تسمى عناصر الطبيعة: ماء، هواء، نار وأرض، يحصل كل فرد على إحدى هذه الهبات الأربعة ما إن يبلغ العاشرة من عمره، لكن هناك أشخاص مميزون يحصلون على هبتين معًا".
أشار نحو أوكتيفيان وأكمل "السيد أوكتيفيان يحمل قوتين متضادتين، الماء والنار، بينما السيد هاميدال يملك الهواء والماء. من الصعب تحديد الأقوى بينهما".
جذب ذراعي أقرب قليلًا وقال "انظري هناك إلى يد السيد أوكتيفيان اليمنى، ذلك الخاتم حول إصبع البنصر يمده بكبسولات صغيرة عندما تحطمها بين يديه تولد شرارة نيران مما يسمح له باستخدام النيران، فمتحكم العناصر لا يمكنه صنع العناصر من فراغ، هم فقط يتلاعبون بها ويدمجونها بأجسادهم لكنهم لا يمكنهم خلق النيران بلا مصدر للنار أو الماء بلا مصدر للماء، وهناك خاتم إصبعه الخنصر يحوي كبسولات الماء".
ركزت بعينَي على حركة يديه حيث قبض كفه على شيء ما ثم اشتعلت النيران مجددًا حول قبضته " هذا يحدد أقوى العناصر وأضعفها، فالهواء والأرض هما الأقوى لأنكِ لستِ بحاجة لكبسولات لتوليد الهواء، فهو حولك في كل مكان كما الأرض، إنها تحتكِ تمامًا، لذلك من يملك أحد هذين العنصرين فهو قد يتفوق على البقية".
بينما كان هارليك يشرح الأمر كان أوكتيفيان قد اندفع تجاه هاميدال في محاولة تفجيره أو إصابته، لكن هاميدال تحرك بسرعة عالية جعلت من الصعب رؤيته فلم تصبه محاولة أوكتيفيان.
"ألا يعني هذا أن هاميدال أقوى من اوكتيفيان؟ فهو يملك الهواء".
"يمكنكِ قول هذا، لكن السيد أوكتيفان رغم كونه يملك فقط ماء ونار ولكنه عبقري جدًا، مما دفعه لمجابهة أشخاص يمتلكون عناصر قوية وهزمهم في قتال عادل، إن جاءت القوة مع عقل جاهل فهي قد ذهبت هباء الريح، هؤلاء الأشخاص أقوياء وأذكياء حقًا".
حاول رومياس خدش هاميدال بأظافره لكن تحرك هاميدال مجددًا بسرعة في الوقت الذي حاول أوكتيفيان ضربته من الجهة المقابلة بالنيران، ثم اختفى هاميدال فجأة عن الأنظار مجددًا.
"كيف يفعل ذلك؟" سألت بدهشة ليقول "أخبرتكِ أنه عبقري، لقد تعمق بدراسة قوته حتى وصل لمرحلة عالية من دمج الجسد والعنصر معًا وقد استغرق الأمر سنين طويلة، إنه يصبح كذرات الهواء، غير مرئي للعين" عقدت حاجبي بعدم فهم بينما ما زلت أراقبه وهو يركل مؤخرتهم في الأسفل.
"تعلمين، للهواء من حولنا ذرات لكن من الصعب رؤيتها ولكنها موجودة، وهذا ما يفعله السيد هاميدال يحول نفسه كذرات الرياح أو يختفي مثلها". بدا الأمر معقدًا وصعب الاستيعاب حقًا.
مرة أخرى كان أتريوس الوحيد الذي كاد يصيبه "لاحظتِ أتريوس، صحيح؟" سأل عندما لاحظ تحديقي به لأومئ "أتريوس في كل مرة يغمض عينيه يحاول اكتشاف جسد هاميدال، فرغم أن هاميدال يندمج مع الريح إلا أن جسده ما زال يضربه الهواء عندما يتحرك، الأمر أشبه بتحريك يدك بسرعة، حينها تشعرين أن الهواء يضرب يدك، هذا ما يحاول أتريوس اكتشافه، أين يضرب الهواء جسد هاميدال".
"كيف تعرف كل هذا؟" رفع كتفه وأجاب "هذه ليست مرتي الأولى وأنا أشاهد تدريبهم على عكسك" ثم أردف "أتريوس يحمل عنصري الهواء والأرض مما يجعله حاملًا لأقوى عنصرين، ورغم ذلك سمعت أنه رفض الانضمام لجنود الملك عندما عُرض ذلك عليه، لذلك يدعونه بالمجنون".
كان القتال ما يزال مستمرًا رومياس يحاول إصابة هاميدال ما إن يظهر، أوكتيفيان يشعل النيران في أي مكان يشك أن هاميدال يقف فيه وأتريوس هادئ ويراقب ويهجم في اللحظة الحاسمة، ثم أغدراسيل الذي يراقب بتوتر ويحاول محاصرة هاميدال وإصابته بإحدى القطع الحادة التي يقذفها جناحه، ورغم ذلك بدا وكأنهم سيستمرون للأبد.
لاحظت حركة على الجهة المقابلة من الساحة في الأعلى، كان ذلك جوزفين الذي كان يجلس فوق الأرضية وهناك كوب في يده بينما فوق رأسه كانت هناك عدسة تطفو أشبه بعدسة النظارات "أليس هذا جوزفين؟".
نظر هارليك وضحك "نعم، إنه هو، من الصعب عليه المشاركة في قتال هؤلاء الأشخاص لذلك يدون الملاحظات ويسجل كل حركة حتى يتصدى لها، هذه هي طريقته" عندما لاحظ تشوشي وضح "أترين العدسة الصغيرة التي تحلق فوق رأسه؟ إنها تسجل كل شيء".
رفع جوزفين رأسه فجأة وكأنه شعر أن هناك من يحدق به، واتسعت ابتسامته عندما لوح له هارليك ونهض من مكانه والتف حول الساحة متجهًا نحونا.
"يا رجل! حقًا يتم ركل مؤخراتهم في الأسفل" صاح يوجين
بحماس وهو يتابع القتال "لو كنت مكان هاميدال ذاك لركلت حقًا مؤخرة أتريوس ثم
ركضت بسرعتي الخارقة" أردت أن أسخر بصوتٍ عالٍ قائلة 'حقا!' لكني تماسكت
وصمت.
"لم أتوقع رؤيتكما هنا، على الأقل رؤية جلنار" ابتسمت نحوه وقلت "أصبح من الممتع فجأة رؤية الآخرون يتقاتلون" صفر بإعجاب وقال "وجودك بين مجموعة هوجاء مثلنا حقًا سيترك أثره عليكِ" لم أعارضه؛ فهو محق.
"ما رأيكِ بقتالهم إذًا؟" وضع كلتَي يديه في جيب سرواله وهو يحدق بهم لأرفع كتفي وأقول ما أظنه "لن يفوزوا عليه" رفع حاجبًا ونظر نحوي وقال "ما الذي يجعلكِ متأكدة هكذا؟" زممت شفتَي وصمت لثوانٍ وأنا أراقبهم مجددًا ليقول جوزفين "ألا تظنين أنهم أقوياء بشكل كافٍ؟ أعني أربعتهم ضد واحد، ألا ترين أنها مسألة وقت؟".
حركت رأسي للجهتين وقلت "لا أتفق معك، ما أظنه أنهم إن ظلوا من الآن وحتى الغد فلن يفوزوا، أظنها مسألة وقت حتى يفوز الطرف الآخر، هاميدال".
بدا مندهشًا من ثقتي فيما أقول، قد أكون مخطئة لكني حقًا أرى أنهم لن يفوزوا "إنها ليست مسألة من أقوى" قلت دون النظر تجاه جوزفين ثم تابعت "إنها مسألة من أذكى ومن أكثر تلاعبًا".
استشعرت فضوله المعتاد قبل أن يقول "تكرمي ووضحي أرجوكِ" زفرت وقلت "انتظر قليلًا" نظرت بتركيز نحوهم قبل أن يظهر هاميدال مجددًا ثم قلت:
"انظر الآن، أنهم يقاتلون بحماقة وغباء، دعني أخبرك ما سيحدث خلال دقائق، سيحاول أوكتيفيان الهجوم ثم رومياس، يناور هاميدال بطريقة ما فيشوش كلا الطرفين، ثم يأتي دور أتريوس فيحاول وضع خطة لإصابته، يفكر أغدراسيل كيف يوقف حركة هاميدال فيعيق أتريوس أغدراسيل، ويعيق أغدراسيل أتريوس، إنهم حمقى لدرجة تجعلهم يقاتلون في نمط مكرر دون أن يلاحظوا أنهم يفعلون".
"ما اللعنة؟".
تمتم جوزفين عندما بدأ يراقب ما يحدث على ساحة القتال ورأى أن النمط الذي سردته هو ما يحدث مجددًا وإن اختلفت مواقعهم ولكن الهجمات والمناورات هي نفسها.
"إنهم غير مندمجين، لا يتعاونون أبدًا كل واحد منهم يقاتل لرغبة ودافع خاص به لا لأجل المجموعة، وهاميدال يستغل ذلك بمهارة ويتلاعب بهم، أوكتيفيان مشوش بفكرة واحدة وهي هزيمة هاميدال، أخبرني هارليك أنهم يتنافسان ضد بعضهما وهذا ما يثير حفيظة أوكتيفيان ويجعله يفكر بطريقة للتخلص منه دون التفكير في الأذى الذي يسببه للمجموعة".
أشرت نحو رومياس وقلت "وفي الطرف الآخر رومياس، لم يتحرك من موقعه منذ جئت إلى هنا، يتجنب أن يكون في القتال بشكل مباشر، وأنا متأكدة أنه يفعل لاعتقاده أنه سيعرقل البقية، يحتفظ بنفسه في زاوية بعيدة ويهجم عندما يرى أن محيط هاميدال فارغ وأن لا أحد يحاول النيل منه، إنه يشعر بعدم الثقة لكونه أوميغا وأفراد المجموعة لا يلقون له بالًا وأولهم أوكتيفيان. انظر، سيحاول رومياس إصابة هاميدال وتظن أنه سينجح، لكن انظر، من يقوم بإعاقته؟ أوكتيفيان، إنه يهجم بشكل قوي بنيرانه مما قد يصيب رومياس رفيقه بضرر بالغ؛ وهذا ما يدفع رومياس للقفز بعيدًا وهاميدال يرى هذا بوضوح، فهو يتظاهر بأنه غير مستعد للهجوم من طرف رومياس حتى يتقدم نحوه فيهاجم أوكتيفيان في اللحظة ذاتها ويصيبه".
تنهدت وتابعت "ثم أغدراسيل يحاول بشدة تعويض إصابته، عقله مشوش بالكامل بسبب ما حدث منذ يومين، يحاول بشدة لكنه مشتت بين إصابة هاميدال ومساعدة أي فرد من بينهم أو حتى التحليق في الوقت المناسب، لا يرى فرصة جيدة للهجوم، يبدو وكأنه مراقب أكثر من مقاتل، وكأنه يحاول تصفية نزاع ما دخل عقله".
نظرت لأتريوس وأكملت "وفي النهاية سيد 'أنا أفضل من الجميع' أتريوس، لا يتعاون البتة مع أي منهم، رغم أنه يضع خطط جيدة خلال مدة قصيرة لكنها لن تنجح لأنها خطة فردية وهذا قتال جماعي، أتريوس ماهر وأعترف بذلك لكن كبريائه يجعل منه غبيًا، إن شارك رفاقه بإحدى أفكاره لفازوا منذ البداية، عندما يختفي هاميدال يتمكن أتريوس من كشفه، لكن ذلك يستغرق وقتًا وهو ما يُعيقه عن إصابة عدوه؛ لذلك عليه أن يتعاون مع رفاقه قليلًا".
تنهدت وحركت رأسي للجهتين وقلت "ميؤوس منهم".
عندما طال صمت كل من جوزفين وهارليك أبعدت عيني عن القتال نحوهم وكان كل منهم ينظر نحوي ببلاهة حتى يوجين.
"هذا بالتأكيد لم يكن مكتوبًا داخل أحد كتب مكتبة الجامعة!" قال يوجين وتبعه جوزفين "كيـ... لحظة، كيف بحق الله حللّتِ أسلوبهم ونقاط ضعفهم و... أنتِ تشاهدينهم يقاتلون للمرة الأولى!".
كدت أقول شيئًا ما لكن هارليك صاح "أخبرتكِ، لقد أخبرتكِ! أنتِ مقاتلة لا متفرجة، إن تدربتِ لأصبحتِ الأفضل!" زفرت وقلت "بحق الله لا تضخموا الأمر، أي شخص يمكنه ملاحظة الأمر بما أنه يقف وينظر لهم من أعلى".
نظر نحوي جوزفين بطرف عينه وقال "أنا هنا منذ ساعة ولم أصل لنصف ما قلته، إما أنني غبي بشكل مبالغ فيه أو أنكِ عبقرية بشكل مبالغ فيه" دحرجت عينَي قائلة "لا تبالغ".
صمت لوهلة وهو يراقبهم يعيدون الكرة مجددًا وكأنهم في دائرة مغلقة، يهاجم أوكتيفيان بأقصى قوته فيتفادى هاميدال ثم يحاول رومياس إصابته فيهاجم أوكتيفيان فيختفي هاميدال فيحاول أتريوس معرفة أين يكون وإذا فشل هاجمه هاميدال من مكان خفي وإذا نجح وضع خطة حمقاء للمهاجمة فلا تصيب هاميدال.
"هل ترين فرصة لفوزهم على الأقل؟" نظرت لجوزفين الذي يحدق بهم بنظرة جدية وبدا منزعجًا من طريقة قتالهم.
"أن يتعاونوا! كخطوة أولى، ثم يغير كل منهم طريقة هجومه، عليهم استغلال معرفة هاميدال بنمط قتالهم ليقلبوه ضده في نقطة ما، على أوكتيفيان التوقف عن تضييع الوقت بهجمات قوية لا طائل منها، عليه أن يدفعه تجاه رومياس ويسمح لرومياس بالهجوم عليه، وعندما يعتقد هاميدال أن أوكتيفيان سيطلق أحد قذائفه النارية على أوكتيفيان يفاجئه ويبدل النار بالماء، مما سيسبب تشوش هاميدال لثوانٍ ويعيق نظره، وحينها لن يختفي بسرعة، بل سيستغرق ثوانٍ لاستيعاب الأمر والاختفاء، في تلك الثواني على أتريوس وضع خطة جيدة لدفع هاميدال بقوة وإصابته حيث يسهل لأغدراسيل وضع أحد نصاله الحادة على رقبة هاميدال وإنهاء الأمر. إنهم غير متعاونين في شيء، ولكنهم يتفقون على رغبة واحدة وهي الفوز، مهما كانت الدوافع مختلفة إن بدأ واحد بالتعاون سيفهم الآخرون الأمر".
أدركت من نظرات جوزفين أنه لم يتوقع أن أخرج بخطة كاملة حتى النهاية وربما علي القول خطة محكمة. لست واثقة مما قد يحدث، فهي خطة مبنية على افتراضات لرد فعل هاميدال، ولكن ظل جوزفين يبدل نظره بيني وبين الساحة قبل أن يصيح "بحق الله أنتِ عبقرية! لمَ لم تخبريهم منذ البداية؟ كان عليكِ الصراخ وتوجيههم!".
ابتسمت نحوه حتى أنى كدت أضحك وقلت "هل حقًا تظن أن واحد منهم سيستمع لي؟" كان مندفعًا للرد لكن بدا أنه لم يتوقع هذا السؤال بالتحديد لأنه صمت فجأة "أرأيت؟ أنتم تستثنون كلينا" رأى هارليك أنها لحظة مناسبة لإظهار اعتراضه واحتجاجه.
نظر جوزفين نحوي مجددًا ثم نحوهم قبل أن يقترب من حافة الساحة وقد سحبني معه، توقف يراقب جيدًا عندما حاول أوكتيفيان الهجوم ودفع بهاميدال نحو رومياس صارخًا بصوتٍ عالٍ "أوكتيفيان، لا نيران، توقف! اترك القط ينجز ما يستطيع".
لم أدرك ما يحاول قوله، كما أن كل من أوكتيفيان وأغدراسيل وأتريوس نظروا نحوه، ولكن رومياس بدا متأهبًا للهجوم ولم يلحظ الأمر.
عاود جوزفين الصراخ وقال "أنت تضر القط، لا نيران، استخدم قوتك بشكل معكوس" بدا أوكتيفيان مشوشًا لوهلة ولكن تجمد وجهه عندما أدرك الأمر. فهمت الأمر من الجهة الأخرى أنه يتحدث عن رومياس بقوله قط.
وفجأة وجدت نفسي مهتمة جدًا لمتابعة ما سيحدث، فعندما اندفع هاميدال نحو رومياس تحرك رومياس نحوه بسرعة للهجوم ولم يبالي هاميدال بصده عندما لمح أوكتيفيان يتجه نحوه، فهو يظن أن أوكتيفيان سيتكفل برومياس بحماقة، لكن رأيت الصدمة على وجهه عندما بدل أوكتيفيان بحركة سريعة النار بالماء.
كما توقعت لم يجبر الماء رومياس على التراجع كما تفعل النيران مما سمح له بالجهوم عليه وخدش ظهره بأظافره، قفز هاميدال للخلف وبدت خطواته غير متزنة ويحاول ألا يغمض عينيه بسبب الماء الذي ضربها بقوة.
"أتريوس، لا تدعه يختفي بسرعة!" صرخ جوزفين بحماس عندما رأى الأمر ينجح، في البداية ظننت أن أتريوس سيتصرف بحماقة ولكنه بدا مأخوذًا بالثغرة التي ستجعلهم ينتصرون ونفذ ما قاله جوزفين بشكل أوتوماتيكي حيث رمى أحد فأسيه ليستقر بجوار رأس هاميدال، وفي اللحظة التالية ركله بقوة من الجهة المعاكسة ليندفع جسده نحو أغدراسيل، وقبل أن يدرك هاميدال الأمر كان أغدراسيل يبتسم في وجهه وقد حرك أحد جناحيه الذي تحول لشفرة حادة بالكامل على عنق هاميدال.
صمت جال الساحة لثوانٍ وبدا الجميع مأخوذًا بالنصر السريع الذي حدث فجأة في وقت لم يتوقعوه، ووجدت نفسي مأخوذة بسخافة بما حدث وقد صرخت بأعلى صوتي بسعادة، صرخ جوزفين أيضًا بينما يقفز وهو يقول "كنتِ محقة، كنتِ محقة!".
لم أدرك أن الحماس أخذ كلينا، فعانق كل منا الآخر وهو يقفز ويصرخ كالمعتوه وكأننا من انتصر.
عندما استعدت اتزاني قليلًا ابتعدت عن جوزفين لكنه بدا غير مبالٍ، فقد ضم كتفي وهو يضحك ويصيح "لقد هُزِمت يا هميدال!". بدا هارليك سعيدًا ومتفاجئًا في الوقت ذاته بينما يوجين ظل يصيح بـ "نجحت خطتكِ!" ولوهلة ظننت أننا مشجعون لفريق كرة قدم وأخذنا الحماس عند إحراز الهدف.
كان كل شيء بخير حتى هذه النقطة، حتى قرر جوزفين إمساك مرفقي وسحبي خلفه وهو يسير بخطى واسعة نحو الدرج الأسمنتي على الجهة الأخرى.
اتسعت عيني وحاولت مقاومته وسحب ذراعي من قبضته، لكنه بدا متحمسًا جدًا ليتحدث معهم، اتجه الجميع نحوه بما فيهم هاميدال الذي ساعده أغدراسيل على الوقوف.
أمكنني رؤية ملامح وجهه من هنا، ذا فك عريض وحاجبين كثيفين وهناك علامة صغيرة أشبه بندبة على ذقنه، ورغم أن عينيه واسعتين فنظرته الحادة تشعرك بأنه تم تقييمك خلال الثواني التي ينظر فيها لك.
"يا رفاق! كنتم رائعين، كنتم حمقى في البداية لكن رائعين في النهاية" صاح بحماس وهو يقهقه، ابتسم أغدراسيل وبدا سعيدًا بهذا النصر بينما ظل أوكتيفيان يحدق في الفراغ وعقله مشغول بشيءٍ ما، رومياس ينظر لوجوههم ويبتسم، أما اتريوس كان يضع يده في جيبه وثبت نظرته على جوزفين.
"كيف وجدت طريقة لهـ...".
"تلك الخطة، كيف قـ...".
قاطع كل من أوكتيفيان وأتريوس بعضهما ونظر كل منهما للآخر بانزعاج وبدا سؤالهما واحد على كل حال.
"لقد كنتم تعيقون بعضكم البعض، كان رومياس يحاول المهاجمة لكن أوكتيفيان لا يترك فرصة ويؤذيه بنفس النيران الذي يحاول أذية عدوه بها" نظر أوكتيفيان لرومياس بدهشة وتمتم بـ "حقًا!؟" توتر رومياس وأشار بيده قائلًا "لا بأس، لم تصبني، تجنبتها".
أكمل جوزفين على أي حال "كان هاميدال يلاحظ هذا ويستعمله ضدكم، وحتى أن رومياس كان خائفًا من الهجوم حتى لا يعيق تقدمكم، ثم أغدراسيل الذي كان مشوشًا ولا يعرف أين رأسه من قدميه بسبب أفكاره عن مواجهة الإريبوس، وبعدها أتريوس الـ...".
صمت قليلًا وكأنه كاد يقول لفظًا سيئًا وعدل حديثه "كان يعمل وحده، كلكم كنتم تفعلون، لكن أتريوس كان لا يبالي حقًا و… كان يضع خططًا جيدة لذلك كان هميدال يتجنبه، لأنه أيضًا الوحيد القادر على كشف مكانه، ولكنه ما زال يضع خططًا فرديةً بينما قتالكم جماعي وكان هذا ما يعيقه".
كان الجميع متفاجئًا، كانوا كما توقعت لا يدركون ما كانوا يفعلونه أثناء القتال، رغبتهم بالفوز بجانب دوافعهم الشخصية جعلتهم حمقى. "أي أنني أضرب بالنيران كالأحمق" تمتم أوكتيفيان "وأنا غبي مشوش عن القتال" أكمل أغدراسيل بابتسامة، وصمت رومياس وهو يعض على شفتيه. "وأنا الأناني غير المتعاون" ابتلع جوزفين وهو ينظر نحوهم فالجميع نظر نحوه فجأة "لم أقل ذلك في الواقع، لست أناني، ربما فقط تملك كبرياء فوق الحاجة، ثم أنني لم...".
قاطعه هاميدال "إنه محق، لاحظت صراخك لكني كنت أحمقًا لأنني لم أنتبه لما قلت، يمكنكم القول أن من هزمني هو رجلكم الذي يأخذ الملاحظات، لقد تفوق عليكم جميعًا، لا تشعروا بالانزعاج لكن أحكامه أيضًا صائبة، هذا متوقع من فارس مملكة المتنكرين" نطق هاميدال بابتسامة وبدا جوزفين فخورًا بنفسه.
هارليك كان قد تبعنا وانفجر في الضحك وهو ينظر لجوزفين الذي دحرج عينيه وقال "حسنًا، أريد التفاخر لكن سأكون خسيسًا إن نسبته لنفسي. لست من لاحظ واستنتج ووضع الخطة، أنا فقط أخبرتكم بما تم إخباري به".
حاولت إخباره ألا ينطق بشيء لكنه سحب ذراعي لأتحرك من خلفه حيث لم أكن مُلاحظة من قبل أحد.
"أقدم لكم صاحبة الخطة الناجحة. لست من وصفكم بتلك الأوصاف، بل جلنار" أردت بشدة الصراخ وقول 'يوجين، وجدنا من ينافسك في النذالة' لكنه كان أمرًا غير ممكن.
عندما اتجهت أعينهم نحوي شعرت بجميع التوتر الذي تخلصت منه يعود دفعة واحدة، اتسعت أعينهم وكأنهم أدركوا ما يحاول جوزفين قوله قبل أن يصيح أغدراسيل "مستحيل!" حاولت الابتسام وقول جوزفين يمزح معكم، لكني كنت بالكاد أتماسك حتى لا أركض بعيدًا.
"هل حقًا أنتِ من وضع تلك الخطة؟" سال أوكتيفيان وبدا كسؤالٍ لن أجاوب عليه أبدًا، لذلك أجاب جوزفين عوضًا عني هذه المرة "نعم، عندما رأيتها وسألتها: هل تظنين أنهم سيفوزون؟ قالت: لا، لن تفعلوا، لأنكم تقاتلون بحماقة و..." وكزته بمرفقي بقوة ليصمت وحاولت وضع ابتسامة وقلت "لم أقل ذلك تمامًا".
"أخبرتكم هناك أمور لا يمكن لأحد فعلها عدا جلنار، هل تصدقون الآن؟" صاح هارليك باستماع وكدت أصفع رأسه ليصمت.
"هل قاتلتِ من قبل؟" نظرت لأوكتيفيان وأجبت "لا، لم ولن أفعل، كما أن أي أحدٍ يمكنه ملاحظة الأمر إن شاهد قتالكم من بعيد".
"لا، لا يمكن لأي أحد ملاحظة نقاط ضعف الجميع ونقاط قوتهم ووضع خطة محكمة لمجرد أنه ينظر من الأعلى" تدخل هاميدال لأول مرة ثم أردف "من أنتِ؟ فارسة أم مقاتلة أم ابنة أحد النبلاء؟" نظر نحوي من أعلى لأسفل وقال "أعرف أن من بين الفرسان هناك فارسة أنثى واحدة وهي... نوعًا ما كما سمعت فوضوية وصاخبة، وأنتِ لا تبدين صاخبة أو فوضوية".
بحركة لا إرادية أزحت شعري إلى جانب عنقي أغطي العلامة حتى لا يراها ونظرت لأغدراسيل مستنجدة "إنها قريبة واندر" قال أغدراسيل وأردف "أحد سكان الحدود" انعقد حاجبيه وبدا غير مصدق وهو يقول "حقًا!؟" أومأت بصمت كتأكيد ليبتسم ويمد يده ويقول "لا يمكنك أن تتوقع من أين تأتي العبقرية، أنا جينفال... هاميدال جينفال" صافحت يده بابتسامة صغيرة وقلت "جلنار روسيل".
"ربما عليكم تدريبها أكاد أجزم أنها ستصبح خارقة" ابتسمت بخفة لمديحه وبدا هارليك أسعد مني. "هل يغازلك؟" نظرت ليوجين تلك النظرة التي تخبرك بـ 'هل أنت سخيف؟' ليرفع كتفيه ويقول "إنه غزل المحاربين".
"ربما أنت محق" نظر الجميع نحو أتريوس الذي تحدث فجأة "ربما عليها أن تقاتل، حينها ستضع خططها داخل ميدان القتال وستحسن منا جميعًا، تخبرنا بنواقصنا ومناطق قوتنا ستكون مفيدة" كان يتقدم خطوة مع كل كلمة حتى توقف أمامي وحمل فأسه وقال "كما أني أشهد على براعتها في حصد الرؤوس".
وكالعادة ينجح في تبديل الأجواء لأخرى موترة ومترقبة ليمرح هو بوقته على حسابي "ماذا! هل أنتِ خائفة؟ لم تكوني كذلك صباح الأمس" وهنا بدت نظرات الجميع فضولية حول... صباح الأمس.
دفع بفأسه نحوي وقال "ماذا تنتظرين أيتها المحاربة؟" قبل أن يهمس بصوتٍ لا يسمعه سوى كلانا قائلًا "ألستِ فارسة؟".
أمسكت الفأس الذي يدفعه نحوي ونظرت نحوه بينما كان يستمتع كثيرًا بالأمر "أتريوس، تـ..." كان هميدال سيتدخل لكني لم أسمح له.
بكل قوتي ألقيت بفأسه بجوار قدمه لينغرز في الأرضية، قفز الجميع فجأة بسبب الصوت المزعج والعالي للفأس، بدا كل منهم غير متوقع لرد الفعل هذا.
"لست محاربة ولا أريد حمل فأسك، الشخص الذكي يعلم من عليه أن يقاتل ومن يتجنب، وإن كان هذا سيشعرك بالرضى فأنا لست ندًا لك في القتال" صمتُ لوهلة وكدت أنسحب لكني لم أقاوم إغراء بصق الجملة في وجهه فقلت "ولكنك لست ندًا لي في الذكاء، لا تجعل هذا يشعرك بالغيرة، الغيرة عادة سيئة، كان على والدتك إخبارك بذلك عندما كنت طفلًا".
ونجحت بجعل عينيه تشتعل، كان غاضبًا، حقًا غاضب وهنا عرفت أن من الذكاء الانسحاب بينما أملك اليد العليا في الموقف.
التفت وابتعدت عنهم دون قول كلمة بينما يحدق الجميع بكلينا بارتباك، لم ألتفت للخلف وتابعت طريقي نحو المنزل حتى ابتعدت عن الساحة بمسافة كافية تجعلني آخذ نفسي براحة، أو هكذا اعتقدت، حتى شعرت بمفصل يدي يكاد يُخلع من مكانه عندما سحبني أحدهم بقوة للخلف.
كان قد تم سحبي بعنف وقوة مفاجئة أجبرت جسدي على التعثر ولكني تمسكت بسرعة بالشخص الذي اصطدمت بصدره بقوة، كدت أصرخ بسخطٍ لكن عينَي أتريوس الغاضبة أفزعتني.
كان يضغط على يدي بقوة مما جعلني أصرخ به قائلة "اترك يدي!" لكنه لم يفعل، بل على العكس، أمسك بفكي بقوة وهسهس من بين أسنانه "ألم أخبركِ أن تنتبهي للهراء الخارج من فمك؟" أردت البكاء والتذمر ولكن في ذات الوقت تماسكت، ورغم أن غشاوة من الدموع غطت عيني لكني عضضت لساني بقوة حتى لا أبكي أمامه.
"وأنا أخبرتك أن تبقى بعيدًا عني" لم تخرج بالقوة التي أردتها لكنها كانت ممتازة لفتاة فزعة تكاد تبكي، حدق نحو وجهي بكره وحاولت التحرر من بين يديه وخدشها بأظافري "لا تلعبي دور البطلة إذًا منذ الآن" عضضت شفتي وضربت بيدي الحرة صدره بقوةٍ ليبتعد، وبالفعل ترك فكي أخيرًا ولكنه ظل ممسكًا بمعصمي.
"هذا ليس من شأنك إن لعبت دور البطلة أم الشريرة، لا يعنيك هذا في شيء، توقف عن مضايقتي، تظاهر بأنني غير موجودة، أغلق عينيك عندما تراني، توقف عن جعلي الوقت الممتع الذي تقضيه لأني لست فتاة يمكن التنمر عليها بعد اليوم. هذا يكفي، لا أريد نسخة أخرى من المتنمرين على هذا الكوكب! أنت فقط مثلهم تمامًا، أيشعرك الأمر بالقوة؟ أيجعلك تشعر بأنك أفضل؟ ماذا تريد مني أن أفعل؟ أقتل نفسي؟ أقفز من فوق ذلك المنحدر؟ هل علي شنق نفسي كما أرادوا؟ ماذا تريد مني بحق الله؟ لأنني لن أقتل نفسي لأجلك".
لا تبكي، لا تبكي، لا تبكي. كنت أرددها مرارًا داخل عقلي بعد أن صرخت به بقوة آذت حنجرتي، كانت محاولة عدم البكاء أصعب من البكاء نفسه، لذلك ضربته بعنف ليبعد نفسه عني.
عندما تيقنت أنه لن يبتعد توقفت عن محاربته ولكني التفت للجهة الأخرى عندما كان من الصعب تمالك دموعي، إن كنت سأبكي كالغبية فلن أسمح له على الأقل برؤية ذلك.
يدي اليمنى تخدرت بسبب قبضته القوية حولها بينما اليسرى أخفيت بها وجهي أحاول التوقف عن البكاء كطفلة، كانت قبضته قد خفت على معصمي ودخل كلانا في حالة من الصمت جعلتني أتسأل: ماذا سيفعل الآن؟
"اترك يدي" طلبت بهدوء وكرهت ارتجاف صوتي لكنه كان شيئًا من الصعب التحكم فيه.
"انظري نحوي" طلب بهدوء أثار استغرابي، لكني ببساطة رفضت متجاهلة طلبه. كرر جملته مجددًا مما دفعني للإجابة بغضب "لن ترى جانبًا ضعيفَا مني مجددًا، أتريوس".
صمت لثوانٍ قبل أن يقول "إذًا لا تدعي شخصًا آخر يراكِ تبكين منذ اليوم" لم يكن ساخرًا، كان جادًا فيما يقول؛ مما أثار تعجبي.
ترك معصمي أخيرًا لألتفت بالكامل موجهةً ظهري له أحاول مسح دموعي وإيقافها.
"ما زلت لا أحبك" رمى جملته قريبة من أذني قبل أن أسمع خطواته تبتعد، وجدت نفسي أبتسم بسخرية قائلة بصوت حاولت إخفاء ارتجافه "هذا أفضل، إياك أن تفعل".
أبعدت يدي أنظر لظهره يبتعد دون الالتفات نحوي مما جعلني أتنفس براحة أخيرًا.
عم الصمت المكان من جديد، لم يكن الصمت من حولي فقط، ولكن كان داخلي أيضًا، لم أفكر في شيء ولم أقل شيئًا، وحتى بدا الأمر كأني توقفت عن التنفس حتى لا يقطع صوت أنفاسي هذا الصمت المريح.
إنه منفصم! هذا أول ما كان بإمكاني التفكير به وأنا أحاول إعادة مجرى حديثنا أو نزاعنا منذ دقائق داخل عقلي، هذا الرجل يعاني من انفصام في الشخصية، لا يمكن لشخصٍ واحدٍ أن يصيح بك غاضبًا ثم تختلف نبرته بشكل جذري وينهي حديثه بشكل... لا يمكنني وصفه بكلمة 'لطيف' ربما كلمة 'هادئ' هي الأنسب.
مسحت آثار بكائي عن وجهي وكرهت كثيرًا كم أني لا أزال هشة وضعيفة خاصة بسببه! لكن هذا سيتوقف... لن أبكي بسبب هذا اللعين مجددًا.
"هل أنتِ بخير؟" التفت حيث يوجين الواقف بصمت وملامح جامدة "لا بأس، أنا بخير" تمتمت دون أن أسأل إن كان شاهد ما جرى أم لا "هل أنتِ بخير؟" عقدت حاجبَي وقلت "أخبرتك، نعم، أنا بخير".
أخرج نفسًا ثقيًلا وقال "جلنار، أنا أعني سؤالي. هل أنتِ حقًا بخير؟ ربما نقول هذا السؤال كل يوم لبعضنا البعض ونجيب عليه بابتسامة كبيرة وكلا الطرفين يعلمان أنهما يكذبان، نقول 'نعم، بخير' ونحن نبعد كل البعد عن كلمة خير، لذلك جلنار؛ هل أنتِ بخير؟".
تجمدت لثانية وحديثة تكرر مرارًا داخل عقلي، كم مرة في حياتي قلت 'نعم، بخير' وأنا لستُ كذلك؟ لا أحد ولا شيء بخير. "لست بخير" قلتها ليبتسم ويتجه نحوي "ولكنكِ ستصبحين بخير مع مرور الوقت" بدا متأكد مما يقول؛ ما أجبرني على الابتسام.
"في بعض الأحيان أتمنى أن أعود للحياة ولو لدقائق فقط حتى أستمتع بشعور ملمس قبضتي وهي تطحن عظام فك ذلك الرجل" لم أتمالك نفسي عندما قال يوجين جملته وانفجرت في الضحك ليشاركني هو الضحك، عندما توقفت وتنفست بعمق "لقد قال ألّا أدع شخصًا يراني أبكِ بعد اليوم!" وضع ابتسامة جانبية وقال "أنا لست شخص إذًا" ابتسمت نحوه بصدق واكتفيت بالصمت.
"ربما ستكرهينني على ذلك لكن الشيء الوحيد الإيجابي حيال أتريوس أنه يجعل منكِ شخصًا أقوى" عقدت حاجبي واعترضت "أظن العكس، أكره الاعتراف بذلك لكنه يجعلني أنهار أحيانًا".
"وماذا بعد الانهيار؟ ألا تعودين أقوى مما سبق؟ إن لم يسبب لكِ انهيارًا لما أصبحتِ أقوى في مقاومة ما يحدث" ربما هو محق، وربما لا، ومن يهتم؟ لا أريد منه شيئَا سوى أن يتجنبني.
"المذياع قادم" صَرَّحَ يوجين وهو ينظر نحو هارليك الذي يركض نحونا، مسحت وجهي بأطراف كم ردائي وأخذت نفسًا حتى لا يكتشف هارليك ما حدث.
"جلنار، إلهي! لقد كنتِ رائعة، كان الأمر مذهلًا! أخبرتِ الجميع بكم هم حمقى بالقتال ثم انتقديهم و وضعتِ خطة لم يستطيعوا وضعها، بدا الأمر وكأنكِ من هزمتِ السيد هاميدال؛ لا هم. كان وجه السيد أوكتيفيان كمن تلقى صفعة، وظل جوزفين يخبرهم بما قلتِ بالضبط، وأغدراسيل كان غير مصدق، حتى رومياس سألني إن كنت رأيتكِ تقاتلين من قبل، ثم أتريوس! يا إلهي، لقد أغضبته حقًا! أهنته أمام الجميع، حتى أن السيد هاميدال لم يتمالك نفسه بعد ذهابك وصرخ قائًلا 'من هذه الفتاة بحق الله!؟' ولحقكِ أتريوس إلى هنا وهو يشتعل، هل لحقك؟ هل آذاكِ؟ لا أراه في أي مكان، كما أن...".
جلست على ركبةٍ واحدةٍ لأصل إلى طوله، ووضعت كلتي يدي على كتفه وصحت به قائلة "تنفس قليلًا يا فتى! اهدأ وخذ نفسًا" أومأ وأخذ نفسًا عميقًا كما قلت، التفت جهة يوجين عندما ضحك فجأة ليفسر "لقد جاءت فكرة ما على بالي، تخيلي لو أن هذا الفتى يعمل كاتم أسرارٍ في القصر الملكي؟ لسقط الملك والقصر والدولة في يوم واحد" نظرت نحوه بانزعاج وقلت "لا تتدخل بطبعه".
"هل هذا السيد يوجين؟" أومأت نحوه وقلت "لا تناديه بالسيد، يقول أنه لا يجب عليك أن تكون رسميًا معه؛ فأنت كصديقه" ابتسم هارليك باتساع وصاح "حسنًا، يوجين يسعدني أننا أصدقاء!" ابتسمت برضى والتفت حيث يوجين.
كانت عيناه متسعةً ويكاد يسقط فكه أرضًا "متى قلت هذا بحق الله؟ هذا تزوير رسمي!" صرخ لأكتم ضحكتي وأقول "إنه سعيد أيضًا، هارليك" سب يوجين وهو يحاول ركل الأرض بقدمه "لمَ تقفين أمام متعة هذا الشبح؟ لقد كان الشخص الوحيد الذي يسبق اسمي بكلمة سيد، تبًا لك".
"تحركنا نحو المنزل وعندما اقتربنا منه فكرت قائلة "علي أن أطلب الكتاب من واندر قبل أن أنسى مجددًا" توقف هارليك وظهر الانزعاج على وجهه وقال "لماذا تذكرتِ؟ كان يجب علي أن أذكركِ أنا!" ربت على رأسه وقلت "لا بأس، لنعد الأمر وقم بتذكيري" بدا راضيًا بهذا الاقتراح.
"لقد عدنا للمنزل أخيرًا، والآن ماذا علينا أن نفعل؟" تظاهرت بالتفكير "لقد نسيتِ، ألم نقل أننا سنسأل واندر عن الكتاب!؟" قال هارليك عاقدًا ذراعيه حول صدره "آه! جيد أنك ذكرتني" أومأ باستحسان وهناك ابتسامة زينت ثغره.
"أصبحت لا أعرف من الطفل فيكم!" تجاهلت سخرية يوجين وتحركت إلى الداخل بجوار هارليك، لمحت واندر على إحدى أرائك غرفة الجلوس وأمامها ما يشبه الشاشة المجسمة تعرض نصًا تقرأه واندر بتركيز، ما إن انتبهت لوجودنا حتى رفعت رأسها وابتسمت.
"واندر، أريد محادثتكِ في موضوع ما" قلت قبل أن تتحدث هي مما أثار تعجبها وأجبرها على إغلاق ما تقرأه وتعطي كامل تركيزها لنا "عندما جئت للمرة الأولى هنا كنت أحمل حقيبة ظهرٍ ذات لون أسود وأزرق أضع بها أغراضي، ولكن بعد ما حدث مع أتريوس بقيت الحقيبة عندك كما أظن، نسيت سؤالكِ عنها من قبل".
ترقبت ملامح وجهها كما فعل الفتيان بجواري، عقدت حاجبيها وبقيت تتمتم بـ "حقيبة... حقيبة سوداء" قبل أن تتسع عيناها دلالةً على تذكرها، فقالت "تذكرتها! تلك الحقيبة الثقيلة، لقد تساءلت كيف تحملينها على ظهرك طيلة الوقت، أين وضعتها يا ترى؟".
نظرت نحوها برجاء وألححت "أرجوكِ، تذكري" نهضت من مكانها بصمت واتجهت إلى إحدى الغرف، تبادلت الأنظار مع هارليك ويوجين وبدأت أشعر بالتوتر وأدعي داخليًا أن تجدها.
لم تغب واندر سوى لعدة دقائق ولكنني شعرت بها كعدة سنوات وأنا أهز قدمي بعصبية وأعض أصابعي في توتر، وعندما فتح باب الغرفة ارتفعت عيني بسرعة ناحيتها واتسعت أضعاف حجمها عندما رأيت الحقيبة بين يديها، نهضت راكضة وسحبت الحقيبة وأنا أتنهد براحة "شكرًا جزيلًا، واندر!" صحت قبل أن أركض نحو غرفتي ويتبعني كل من يوجين وهارليك.
أغلقت باب الغرفة جيدًا ونظرت لمرافقيَّ بحماس، خصوصًا هارليك الذي كاد يقفز من مكانه ليرى الكتاب. فتحت سحاب الحقيبة ونظرت للداخل، كتاب عن الأورام وآخر عن الجهاز العصبي كنت قد تركتهما في حقيبتي قبل خروجي من المنزل، دفتر ملاحظات محاضرات الدكتور جينيفر و... دفتر ملاحظاتي الخاص بالألغاز التي واجهتني ثم...
الكتاب الضخم.
أفرغت الحقيبة من محتوياتها كاملة وألقيتها جانبًا، كانت أعين هارليك متسعة وهي تنتقل بين الأغراض بسرعة، أشار نحو الكتاب الذي يحمل صورًا للسيالات العصبية وقال "ما هذا؟" أمسكت الكتاب وناولته إياه ليفتح ويقلب بصفحاته وينعقد حاجباه قائلًا "لم أفهم شيء!" قال هارليك وأردف "من الصعب فهم جملة واحدة، إنه معقد" قرأ أول سطر وقعت عليه عينه وقد كانت معلومة عن طرق تدفق المعلومات من المخ للجسد.
"هذا أحد الكتب التي أدرسها" اتسعت عينيه وصاح "كل هذا؟ إنه مليء بالسطور وهو كبير حقًا، أنتم لستم حمقى كما يظن الجميع، هذا يثبت أنكم تتعلمون!" ابتسمت بصمت قبل أن أزيح الأغراض الدراسية جانبًا. "ما هذا؟" أمسك بالقلم الرصاص والحبر لأقول "أقلام كتابة، تشبه خاصتكم" أومأ بفهم ووضعها جانبًا.
"هذا هو" قلت مشيرة إلى السبب في بداية كل هذه البعبعة، تلمس هارليك الغلاف بحذر قبل أن يصيح "افتحيه افتحيه!" نظرت نحو يوجين الذي أومأ نحوي لأفتح الكتاب أخيرًا.
هناك الكثير من الأحداث التي قد نسيتها أو تناسيتها إن كنا أكثر دقه؛ لأن عقلي كان مشغولًا بمئات الأشياء في اليوم الواحد، أحد تلك الأشياء التي تناسيتها كان ما حدث داخل إحدى غرف التدريب، عندما فتحت أحد الكتب داخل تلك الغرفة المليئة بالجنيات وكان كل شيء يترجم حرفيًا داخل عقلي.
ما حدث الآن أعاد ذكرى الأمر لعقلي، عندما فتحت الكتاب اختلف الأمر عما حدث عندما فتحته على كوكب الأرض داخل غرفتي. ما حدث هو أن المكتوب أصبح منطوقًا لكن داخل عقلي، ما إن أفتح صفحة ما حتى ينطق صوت داخل عقلي بالعناوين الرئيسية والجانبية ثم يصبح كل شيء مفهومًا.
لم يكن يتحول للإنجليزية كما حدث من قبل، عندما مررت يدي على النص كان بلغة إلترانيوسية، لكنها أصبحت مترجمة داخل عقلي بطريقة لم أعتدها، الأمر يشبه جملة بالفرنسية لم أستطع قراءتها وأنا في الثانية عشر وعندما تعلمت الفرنسية في الخامسة عشر أصبحت أوضح ومفهومة، ولكن كان هذا يحدث خلال ثوانٍ.
السيء في الأمر أنه من الصعب التحكم به! ما إن أفتح صفحة حتى ترددت الأصوات بشكل متتابع داخل رأسي، مما أجبرني على إغلاق الكتاب بقوة وأخذ نفسٍ عميقٍ وكأنني في سباق مع عقلي.
كل من يوجين وهارليك نظرا نحوي بقلق "هل أنتِ بخير؟" سأل هارليك لأومئ برأسي بدون أن أجاوب "ماذا حدث؟" نظرت ليوجين وقلت "هل تستطيع قراءة المكتوب؟" فتحت إحدى الصفحات الأولى التي فتحتها من قبل، عقد حاجبيه وحرك رأسه للجانبين.
كانت الصفحة مفهومة تمامًا بالنسبة لي ولم أسمع صوتًا ينطق المكتوب، وهنا تيقنت أن ما ألقيت نظرة عليه سابقًا وفهمته لن يعاد داخل رأسي.
نظرت لهارليك بتساؤل إن كان يفهم النصوص المكتوبة فحرك رأسه بالرفض وقال "لا يمكنني فهمه" عقدت حاجبي وقلت "كيف؟ هل هو بالإلترانيوسية؟" مجددًا حرك رأسه نافيًا وقال "تعلمت الإلترانيوسية منذ عمر صغير لكن الأمر مختلف هنا، هذا الكتاب مشفر".
سألت هارليك "كم عمرك؟" زم شفتيه وبدأ يحسب على أصابع يده وهناك عقدة بين حاجبيه؛ مما جعلني أوقن أنه فيما بين الثانية عشر أو العشرة.
"خمسة وثمانون" كدت أختنق من الصدمة بينما صرخ يوجين بعدم تصديق، كانت نظراته الواسعة نحوي تجبرني على تمالك رد فعلي وعدم إخباره أن هذا عمر جدتي عندما توفيت. "هذا الفأر يبلغ الخامسة والثمانون وأنا ميت قبل أن أبلغ الثلاثين" صرخ يوجين لأنظر نحوه قائلة "أتتذكر عمرك؟" حرك رأسه للجانبين وقال "لا ولكن انظري إلي، أيبدو هذا الوجه الوسيم لشخص في الثلاثين؟" دحرجت عيني وتمتمت "لا شكل ولا عقل".
"كم عمرك، جلنار؟" نظرت نحو هارليك وشعرت بتوتر، إن أخبرته هل سيفزع؟ لا أعلم، هل علي أنا أن أفزع؟ "في الحادية والعشرين تقريبًا" أومأ برأسه بتفهم على عكس ما كنت أتوقع؛ مما أثار استغرابي.
قرأ تعبير وجهي ليضحك ويقول "لا بأس، العمالقة يكبرون بسرعة وهذا طبيعي، كما أن نمو جسد الشخص يختلف من كوكب لآخر كمرور الزمن كذلك، في الواقع من الصعب علي الشرح لأنني ما زلت لا أفهم علاقة الزمن بين الكواكب".
حسنًا، هذا يبدو مقنعًا، أو معقدًا لدرجة تجعل من الأسهل عدم السؤال.
"وماذا عن كون الكتاب مشفر؟ أخبرني الرفاق من قبل عن وجود ما يدعى بالمترجم؛ مما يسهل فهم أي لغة أخرى؟" أومأ برأسه متفقًا مع حديثي وفسر قائلًا "هذا صحيح لكن هذا الكتّاب لا يمكن للمترجم ترجمته، لإنه ببساطة مشفر بواسطة تعويذة قوية، الأمر لا علاقة له باللغة، مهما كانت اللغة التي كُتب بها الكتاب ما كنت لأفهمه لأن هناك تعويذة تمنعني من فهم المكتوب".
"حسنًا، هذا غريب" تمتمت وأنا أنظر للكلمات الواضحة تمامًا لي "ما الغريب؟" سأل كلٌ منهما معًا في الوقت ذاته لأجيب "لأنني أفهم المكتوب تمامًا".
ارتفع حاجب يوجين تزامنًا مع شهقة هارليك المتحمسة التي تبعتها صراخه بحماس قائلًا "لابد أنها إحدى قدراتك! لإنك فارسة، ربما يمكنك فهم الكتب المشفرة!" أشرت له بسرعة ليخفض صوته قبل أن يسمعه أحدهم.
هذا بالفعل لا يحدث للمرة الأولى، ففي إحدى الغرف حيث كانت تلك الجنيات الصغيرة، تمكنت من فهم الكتب هناك بسهولة على عكس يوجين.
وجهت انتباهنا للكتاب بعد ما اتفقنا على عدم الخوض في التفاصيل الغريبة التي من الصعب تفسيرها.
قلبت أوراق الكتاب بسرعة حتى توقفت أمام قسم التنانين حيث أتذكر أنني رأيت صورة كارولوس لأول مرة، كانت النية هي أن أبحث فقط عن معلومات كارولوس لكن الأمر كان ممتعًا، بالانتقال من تنين إلى آخر شعرت أنني أريد معرفة كل شيء عن التنانين، بل ومقابلة كل نوع على حدى.
تنين كيما: أجنحة صغيرة وبدن رشيق ومخالب حادة. تنين سامش: جسد ضخم ووزن يصل للخمسة أطنان! ذيل أشبه بمطرقة قوية تطحن كل ما يعترض طريقها.
لكوني الوحيدة التي تفهم المكتوب كنت أحاول قراءة المعلومات بإيجاز لكليهما.
"اسمه أشبه بـ سماش 'تحطيم' يبدو مناسبًا له" علقت ليومئ يوجين متفقًا وهو يتصفح صورته.
هناك التنانين الأليفة وآكلة الأعشاب، وهناك آكلات اللحوم وقد وضع ترتيب لخطورة كل واحد منهم على حدا. أساليبهم القتالية من التحطيم إلى التقطيع ونفث النيران والغازات السامة، بل وإن هناك تنين يسمى رولوف يتغير لونه كالسحالي فيندمج مع البيئة حوله، وما إن تقترب منه يقطع رأسك بأطراف جناحه الحادة.
تنانين ذات قوائم عالية وأخرى صغيرة، هناك المئات هنا. كان هارليك يشير إلى بعضهم قائلًا: هذا قد انقرض، وهذا لا يوجد منه سوى في المنطقة كذا، وهذا فقط موجود عند الساحرات.
ثم وصلنا أخيرًا لتنين الشفق... كارولوس، لم تكن هناك الكثير من المعلومات، فقط أنه من آكلات اللحوم، وهو على رأس أخطر التنانين، إن رأيته لا تركض بسرعة؛ فهو أسرع منك بمائة مرة.
تراجع بدون إصدار صوت واحد أو ابقَ ثابتًا واختفي، لا تحاول قتله أو السيطرة عليه؛ فسيفتك بك. أنيابه قادرة على تقطيع أقصى المواد وأشدها، كما أن أطراف جناحه الأشبه بقرون قادرة على اختراق الجسد. جناحاه بحجم جسده؛ لذلك هو قادر على الطيران بسرعة عالية، ويمكنه التخفي في الليل أفضل من الصباح.
كل تلك المعلومات كانت عبارة عن تحذيرات عن مدى وحشيته، وحتى الأطوال المأخوذة قد كتبت تقريبيًا لأن لا أحد اقترب منه ليرى طوله ووزنه جيدًا، لا توجد معلومات عن توهج الخطوط الفضية على جسده في الظلام ولا عن قدرته العالية على الرؤية، ولا عن اسوداد عينيه عند الغضب ولا عن كم هو تنين نرجسي ولكنه يجيد الاستماع.
هارليك كان محقا، لا أحد تجرأ على الاقتراب منه لأنه كان يقتل الجميع... إذا لمَ أنا؟ لم يقتلني ولم يحاول تناولي عندما حاولنا أنا ويوجين مجابهته في تلك اللحظة، عندما ظهر اسمه في عقلي حينها، فقط عندما تحليت بالشجاعة أصبح مطيعًا.
"جلنار" أجفلت بخفة على يد هارليك التي هزت جسدي "تبدين مستغرقة في التفكير بشكل سيء" تنهدت وأومأت برأسي لأطمئنه "أنا فقط مشوشة، إن كان كارولوس بهذه الوحشية؛ لماذا يبدو لطيفًا جدًا بالنسبة لي؟ الأمر أشبه بكلب شرس عندما وقفت وربت على رأسه أصبح مطيعًا" هز هارليك كتفيه وقال "هذا ما أحاول قوله منذ ليلة الأمس، لماذا كان لطيفًا؟ وكيف عرفتِ حتى اسمه؟".
"لا أعلم، ظهر الأمر فجأة داخل عقلي" تنهد كلانا بيأس لمعرفة الغموض الذي يغلف ما يحدث "انظري للجانب الجيد، بجانبكِ تنين الآن لا يقدر أحد على السيطرة عليه، أريد رؤية وجه ذلك الأتريوس عندما يطارده كارولوس" أنهى يوجين جملته بضحكة شريرة سينمائية.
أعدت انتباهي للكتاب مجددًا وقلبت الصفحات المتبقية بشكل سريع، توقفت عند صفحة مألوفة ليصيح يوجين "هذه الصفحة!" أومأت نحوه ونظرت نحوها، رسم لرمز تنين أشبه بالتنين الذي كان على مفتاح هذا الكتاب وصفحة فارغة إلا من عدة سطور.
"اقرئي بصوت عالٍ" صاح يوجين..
" مهما بحثت عنه فلن تجده، بل ادعُ الرب ألا تجده، حامي الأكوان وقادر على تدميرها…
ماغلادروث
فلندعو الرب ألا ينتهي سُباته، وأن يحفظ الأكوان من غضبه، التنين الأب والأعظم من بين التنانين: ماغلادروث".
ثوانٍ من الصمت مرت بنا قبل أن يقول يوجين "هل من الطبيعي أن يقشعر جسدي؟" نظرت نحوه وقلت "لا جسد لك" اومأ بصمت ونظر للكتاب مجددًا.
"لا تقلقي، أظن أن هذا التنين بحد ذاته أسطورة" نظرت لهارليك ليردف "ماغلادروث، إنه التنين الحامي لتوازن الأكوان، إذا اشتدت الفوضى فهو قادر على محو كوكب كامل ببساطة، يسمى أيضًا بتنين الفراغ، من المستحيل معرفة أين يكون بالرغم من أن له حجمًا ضخمًا، بل أن هناك روايات تقول أن جناحه الواحد بحجم جبلين مجتمعين، لكن بدأ الأمر يشبه الأساطير القديمة؛ فلم يره أحد أبدًا ولا يعرف أحد أين يعيش. يقدر عمره ببلايين السنين، لكن من يصدق وجوده هم قلة فقط".
نظرت نحو يوجين في تردد ليرفع كتفيه في صمت.
غيرت الصفحات لقسم آخر كبير، إنه خاص بالإلترنيوس لنرى ماذا لدينا هنا "إلترنيوس من أكبر الكواكب وأقواها، على مر القرون كانت الإلترانيوس بشعبها هم الأقوى من بين الكواكب، يتميز الإلترانيوسيين بـ أوه تبًا، القوى والثراء وبلا بلا المزيد والمزيد من التبجح دعنا ننتقل للأهم" ضحك هارليك وهو يومئ موافقًا لكلامي.
"قوانين الإلترانيوس، ما لعنتهم؟ هناك ما يفوق المليون قانون!
عقوبة الوسيط الذي يهب علمه لأشخاص آخرين غير الملكيين والنبلاء هي الإعدام أو النفي.
يمنع مغادرة أرض الوسطاء بدون إذن خطي من سيد الوسطاء.
يمنع التحليق إلى أرض الوسطاء دون إذن خطي من الملك.
يمنع زواج أفراد العائلة الملكية من العامة وسكان الحدود.
تبًا، هناك الكثير مما يمنع هنا!"
علقت ساخرة وأنا أتفحص البقية بعيني.
"أوه، هذا القانون لا يحتوي على منع. يمكن لتجار الحدود أن يبيعوا سلعهم في أسواق النبلاء، وهناك أيضًا أنه يمكن للنبلاء الزواج من أي ممن يريدون، و يمكن للجميع أن يستعمل المعبر للسفر من كون لآخر مع دفع الثمن المشروط".
أخذت نفسًا عميقًا ثم قلبت عيني بين القوانين بسرعة "أوه، هناك قوانين صارمة بشأن الإيربوسيين. عقوبة إخفاء مواطن إيربوسي وعدم التبليغ عنه هي الإعدام، وهناك جوائز معروضة لمن يبلغ عنهم ويمنع التعاون معهم بأي شكل من الأشكال. عقوبة الإعدام لمن يحاول الحصول على قوة الظلام الخاصة بالإيربوس. ينفى أي إيربوسي، ما هذا بحق الله؟".
"إنها قوانين قديمة، عندما حصلت الحرب بين الإترانيوس والإيربوس تم نفي كوكبهم ووضع عقوبات صارمة مع أي متعاون معهم، لكن الآن كان من المستحيل رؤية إيربوسي واحد؛ فقد قتلوا كلهم ونفي الباقي مع كوكبهم، كان هذا قبل أن يستطيع الإيربوس أن يجدوا طريقة ويعودوا من المنفى، الأمر أشبه بكابوس".
شرح هارليك وهو يشير للقاونين المكتوبة ولكنه توقف لثوانٍ مفكرًا ثم أردف "لكن كان هذا منذ وقت طويل وقد انتهى هذا العصر منذ سنوات، لماذا هذا الكتاب يحتوي على تلك القوانين؟".
رفعت كتفي كإجابة وعلق يوجين "هؤلاء الناس مجانين" أتفق معه.
تعديت الكثير من الصفحات الغير مهمة وتوقفت عند صفحة تصف قوى الإلترانيوسيين لأقرأ بصوت عالٍ...
"تم منح الإلترانيوسين هبات من قبل التوبازيوس، فيمكنهم التحكم بأربعة عناصر وهي:
الأرض
والهواء
والماء
والنار
أما متحكمو الأرض والهواء فلا يحتاجون
لاستعمال الكبسولات لأن عنصري الأرض والهواء موجودان من حولهم بشكل دائم، لذلك
يمكن لمتحكم العناصر أن يتلاعب بها لكن لا يمكنه توليدها".
توقفت لثانية متذكرة موقف ما "هذا ما كان يقصده ذلك الأهوج عندما زرنا قصر العائلة النبيلة، أتتذكر الذي رفع السيف على رقبتي؟ ماذا كان اسمه؟ سيفار أو كليسفار تقريبًا، سخر من مونغستا قائلًا: يمكن لمتحكم العناصر أن يصنع العناصر" صاح يوجين قائلًا "صحيح، أتذكر هذا جيدًا".
"هل رأيتِ السيد كليسفار؟" نظرت لهارليك التي بدت أمارات الدهشة واضحة على وجهه "نعم، لم تكن زيارة حميدة" سخرت لتتسع عيناه ضعف حجمها ويقول "مستحيل! كم أنتِ محظوظة! إنه من أفضل المقاتلين في العائلات النبيلة الخمس، إنه رائع جدًا ودائمًا في صفوف القتال الأولى، يا لكِ من محظوظة".
"ما كنت لأسميه حظًا" سخرت بصوت منخفض وأنا أتذكر دماء هذا الشاب الحارة، لقد ناداني بالوقحة! لكن لن أفسد خيالات الفتى.
نظرت للكتاب وأكملت القراءة "الموهبة: هي قدرات خارجة عن نطاق عناصر الطبيعة تولد مع البعض، يتميز بها قلة من الأشخاص. لا يوجد نمط معين للمواهب، فقد تكون موهبة شخص ما هي رؤية مقتطفات من المستقبل، وقد تكون موهبة شخص آخر معرفة الصادق من الكاذب، فتختلف من شخص لآخر، وقد يحمل شخصان أو ثلاثة الموهبة ذاتها، كما أن سكان الحدود قد يحصلون على المواهب أيضًا؛ فهي ليست مقيدة بطبقة معينة".
نظرت لكل من الاثنين بجواري وقلت "موهبة مونغستا كانت معرفة وطن أي شخص، وشقيقة سيدة العائلة النبيلة كانت اكتشاف الصادق من الكاذب، كما أن موهبة الحداد الذي قابلته مع واندر هي صنع أي سلاح يرى تصميمه".
"أنتِ محقة، لقد لاحظت اختلاف الهبة عن الموهبة. الآن الأمر واضح، الهبات هي عناصر الطبيعة وتظهر عند الشخص من عمر العاشرة، أما المواهب فهي تولد مع الشخص" وضح يوجين أفكاره بعد سماع ما قلت.
"انظروا، كُتِبَ أيضًا ما قاله هارليك لي، أن هناك أشخاص يحملون هبتين معًا ولكن الطبيعي هو أن يحصل الشخص على هبة واحدة؛ وعلى هذا الأساس يكون ترتيب الأقوى، فمن يحمل هبتين أقوى مِمن يحمل واحدة، ومن يحمل الهواء أو الأرض أقوى ممن يحمل الماء النار... لكني أظن أن الأمر يعتمد على التدريب أكثر من كونه يعتمد على العناصر والهبات" اتفق هارليك معي قائلًا "أنتِ محقة؛ فالسيد أوكتيفيان يحمل النار والماء وهما متضادتان، `لكن رغم ذك فهو أقوى قادة الجيوش".
ألقيت نظرة سريعة لباقي الصفحات التي تتحدث عن الإلترانيوس، رسوم عن تكوين أجسادهم ومناطق الطاقة والضعف التي تختلف من شخص إلى آخر، بروتوكولات الأسرة الحاكمة والكثير من المعلومات التي تحتاج إلى وقت لقراءتها بتأني.
القسم الثاني كان خاصًا بالساحرات، لم يكن مليئًا بالمعلومات الكثيرة لكنها كانت كافية.
"اقرئي بصوتٍ عالٍ، لا أستطيع فهم المكتوب" تذمر يوجين لأبدأ بالقراءة…
"الساحرات: من أقوى المخلوقات وأخطرهم، يمتلكن أعمارًا طويلةً تصل لمئات القرون ولا تشخن أبدًا، ذكائهن في دراسة التعاويذ وتوليد الطاقة الروحية ساعدهن في خلق كونٍ مستقلٍ لهن. حسنًا، الباقي يتحدث عن كم هن قويات وخطيرات ويعتبرن تعويذاتهم الأفضل، وهناك أقسام سرية ومحرمة لا يجوز استعمالها من قبل الساحرات، ثم هناك القوانين…
طاقة الكون الروحية للساحرات تختار كل خمسة عشر قرن ساحرة جديدة لتحكم عالمهن مع إزاحة كل المساعدات والمستشارات وتعين أخريات جديدات حتى لا تثار فوضى النزاع على العرش... حسنًا، خطوة ذكية. انظر، هذا قانون غريب… الساحرة التي تتزاوج مع رجلٍ من كوكبٍ آخرٍ تسلب منها قوة السحر التوليدية ولكن تبقى مهارتها في استعمال التعاويذ كما هي، ويحرم عليها إحضار رجلها إلى أرض الساحرات وإلا ستنفى تمامًا دون عودة".
"لديهن قوانين صارمة تجاه الرجال، أظن أن هذا الكوكب حلم كل امرأة تطالب الموت للرجال" سخر يوجين لأدحرج عيني "أحيانًا يستحق الرجال أن يحرقوا، لا أن يقتلوا فقط" أخرج صوت يدل على السخرية دون أن يعلق، بينما ظل هارليك يحدق نحوي باستغراب.
"لكن ما هي قوة السحر التوليدية؟" تمتمت وأنا أقلب الصفحات لعلي أجد تعريفًا لها "ها هي!" صحت عندما لاحظت المصطلح في إحدى الصفحات لأتوقف عندها " قوة السحر التوليدية: هي قوة تولد مع الساحرة منذ لفظها من شجرة الحياة، واسم كل ساحرة يكون دالًا على قوتها التي ولدت معها، ويحق للساحرة استخدام هذه القوة والتلاعب بها وتطويرها ولا تحتاج لرسم أو نطق التعاويذ الرسمية حتى تستحضر تلك القوة" توقفت لثانية وأنا أعيد قراءة الجزء الخاص بـ تلفظ من شجرة الحياة!
بحثت عن هذا المصطلح ولم يكن بعيدًا حيث كان علي النظر للوجه الآخر من الصفحة " الساحرات هن كائنات مميزات لا يتكاثرن بطريقة مشابهة لباقي المخلوقات؛ فهن يطلقن عليها عملية همجية، ولكن رغم ذلك لا ينقطع نسلهن؛ وذلك بسبب وجود شجرة الحياة. الشجرة أصلها غامضٌ ولا وجود لأي وثائق تثبت كيف وجدت، لا يمكن قطعها أو المساس بها، بل إنها من أخطر المقدسات الموجودة على أرض الساحرات، فعلى مدار العام تلفظ الشجرة مائة ساحرة على فترات معينة، ويحصلن على أسمائهن كما يحصلن على قوى التوليد، فما أن يولدن حتى تولد معهن قوتهن وأسمائهن، ويربون في صرحٍ ضخمٍ حيث هناك آلاف الساحرات الموجودات لتربيتهن وتدريبهن ليصبحن قوياتٍ لا يمكن كسرهن، ومع الوقت تتولد لكل واحدةٍ منهن حب لوظيفة معينة حيث تتدرب عليها وتبدأ في العمل فيها".
توقفت وأنا أنظر لهارليك متسائلة "هل هذا صحيح؟" أومأ برأسه قائلًا "إنهن قاسياتٍ جدًا، ولكنهن قويات وناجحات. كوكب من الإناث، قد تبدو فكرة سخيفة لكنهم في الواقع أقوى من أي كوكب، حتى أنهن حليفاتٍ قوياتٍ في أي مواجهة".
أردت قراءة المزيد لكن اهتزاز الخريطة نبهنا أنه الوقت للبحث عن الرقم الثالث.
توقعت مغامرةً مخيفةً أخرى عندما خرج ثلاثتنا من أحد الأبواب السرية في المنزل دون أن ينتبه أحدهم لخروجنا، لكن هذه المرة حالفنا الحظ فلم يكن المكان بعيدًا ولا حتى خطيرًا، كان علينا فقط تسلق بعض السلالم المتهالكة للوصول إلى أعلى سطح أحد المباني المهجورة والحصول على الرقم اليوناني سبعة.
عندما عدنا أدراجنا إلى المنزل كان الوقت قد تأخر مما دفعني لإعادة الكتاب إلى الحقيبة وتخبئة الحقيبة بعيدًا عن الأعين ثم خلدت للنوم.
...
ارتعش جسدي بقوةٍ مما أجبرني على فتح عيني، لم يكن السقف هو ما قد وقعت عيني عليه، بل سماءٌ زرقاء.
أغلقت عيني بقوة وأعدت فتحها لكن لم يتغير المنظر، نهضت جالسةً وحينها ضرب جسدي شعورٌ قوي بالبرد. نظرت من حولي لتتصاعد أنفاسي بقوةٍ عندما لاحظت أين أنا.
هذا المكان الجليدي مجددًا! دون تفكير وجدت جسدي ينهض واقفًا وركضت بسرعةٍ نحو الشمال عندما وقعت عيني على المنظر ذاته، ذلك الطفل الملقى فوق الأرضية. أخذت أركض وأحاول تحريك قدمي في الجليد الذي غطى المكان بالكامل فبدى أشبه بصفحة بيضاء.
عندما كدت أقترب منه، كدت ألمسه، اختلف كل شيء وتغير في ومضة عين!
اختفى الجليد والبرد والفتى!
نظرت بفزع حولي أدرك أين أصبحت، الكثير من المنازل الفارغة بالكامل، بالكاد يمكن سماع صوت ما سوى صوت حفيف أوراق الأشجار الجافة وهي تضرب بعضها بخفة، بدى وكأن المكان لحقه دمار كامل، فبعض المنازل كانت محطمة وبعضها محترق، وهناك الكثير من الملابس الممزقة والأواني المحطمة.
بدا المكان وكأن كارثةً قد مرت من هنا وتركته فارغًا من أي وجه من أوجه الحياة.
أجفلت بخفة عندما استمعت لصوتٍ ضعيفٍ قادم من مكانٍ ما هنا، أشبه بصوت معدني، أمسكت بأول قطعة خشبية وجدتها أمامي وسرت بحذرٍ وكلما اقتربت ازداد الصوت، توقفت أمام أحد المنازل الفارغة والتي تحطمت أبوابه ونوافذه، ألقيت نظرة حذرة للداخل فلمحت جسدًا يتحرك.
تحركت بخطى خفيفة حتى أصبحت رؤية ذاك الشخص واضحة، كان فتى صغيرًا يلتف حوله غطاءٌ بالٍ بينما صوت الارتطام كان صوت الملعقة التي تضرب الصحن الشبه فارغ.
توقف الفتى عن الحركة فجأة وتجمد مكانه، نظر ببطء للخلف حيث أقف وعندما كدت أرى وجهه استيقظت فزعةً بينما أتصبب عرقًا.
نظرت من حولي حيث الغرفة المعتادة والستائر البنفسجية تغطي ضوء الشمس، يوجين النائم وكل شيء كما هو، مسحت وجهي بكف يدي أُهدئ من نفسي قليلًا.
تحركت متجهة للمرحاض وأخذت حمامًا سريعًا وعندما خرجت وبدلت ملابسي فتحت الستائر، لكن تفاجأت بأن الشمس لم تشرق بعد! أظن أن الوقت في بداية الفجر؛ فالسماء تحمل لونًا بنفسجيًّا مائلًا للزرقة.
تركت النافذة مفتوحة وخرجت متجهة للأسفل. لم أقابل أحدهم؛ فالجميع نائم عَداي، سيئة الحظ التي تعاني من كوابيس غريبة. اتجهت نحو المطبخ أحاول تحضير شيءٍ لأتناوله فأنا تجاوزت وجبة الغداء يوم أمس، لحسن الحظ تعلمت بعض الوصفات من واندر فكان تحضيرها سهلًا.
"واندر، لمَ أنتِ مستيقـ...".
تجمدت مكاني كما تجمد صاحب الجملة، التفت للخلف لأصطدم بوجه أتريوس الناعس، جمع خصلاته بالكامل للأعلى مما أوضح ملامح وجهه وخط فكه العريض، كان قميصه مجعدًا وقد فتح أول ثلاثة أزرار منه، بدا لثانية كطفل أخرق يرتدي منامة والده وهو يفرك عينيه بطريقةٍ سيئةٍ قد تتسبب في التهابها.
هل يمكن لهذا الصباح أن يكون أسوأ؟
****************************************
هاااييييي
والله المرادي معنديش رغيي كتير ارغيه
بس ان شاء الله تكونو بخير يعني
انا شخصيًا الحمد لله النهرده كان يوم حلوووووو اوي ولطيف جدا بالنسبالي
اتمنالكم ايامك زيها يارب
الفصل يارب يكون عجبكم
جلنار واتريوس الوضع بينهم بيحتدم كل شويه
القراء القدماء يمكن يلاحظوا شويه تغيرات وده لان رتبت كام حاجه ووضحتها من ناحيه اللغة وفهم الكتاب كانت متلخبطة قبل كده
المهممممممم
الفصل الجي اظنننننننن فيه مومنت كلنا بنحبها مش متأكده ان كان هو ولا لا
بس ان شاء الله هو
انجوي بالفصول
لوف يو
باي
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذف😌💗🤍
ردحذف❤️❤️❤️❤️❤️🔥🔥
ردحذفصيااااححححح نزللل!!! من امس وانا اهوجس واحلم فيه واصحى افكر فيه حممااااسسسسس😭😭😭😭💗💗💗💗
ردحذفصرت ما اقرأ الفصل طبيعي، كل شوي اخاف يخلص، بس الفصل كالعادة كان رهيب وبيجنن وحلو ولطيف ويجنن 😭😭✨💗💗
ردحذفواخيرا نزلتي الفصل صار عندي جفاف ، عفية خلي موعد محدد للفصول لأني تعبت من الترقب والانتظار 😞♥️😂
ردحذفروعة 🔥🔥🔥❤❤
ردحذفبارت روعة بجد تسلم ايدك يا إسراء
ردحذفيمههه شكرا على الفصل إجا في وقته
ردحذفCRYING لان الفصل يجنن
ردحذفنتكلم عن ذكاء جلنار وقوة تحليلها وتخطيطها؟ فعلا رهيبة ومدققه بالتفاصيل وياخي فديتك بسس قد ما اتكلم عن فخري فيها ما اتعب
بخصوص لما اهانت اتريوس قدامهم سلايي 😭😭
بس شنو هذا سيد اتريوس ما يسكت الا يتهاوش، وفعلا مافي وصف ادق له غير منفصم! شوي يستهزا ومستانس شوي يعصب شوي يهدا يخوي حدد موقفك!😭 مع ذلك احبههه احبه احبه مقدر اكرهه
عمر هارليك ؟؟!!!؟!!؟ خدت الصدمه بقا.. اجل ليش يقولون له قاصر وهو اكبر منهم يراسي 😭 مفروض ما انصدم من لما تكلم عن عمه هذاك الي عاش ترليون سنه علبال ما مات ههههههههههه
جوزفين كيوت وهو فرحان مع جلنار ويحضنها ههههه
اخيرا رجعت كتاب التوبازيوس! والله غني بالمعلومات وودي اعرف سره وليش طلعلها هي بالذات وكلشيييي عنه وعنها اخخخ حماس
كوابيس جلنار غريبه والولد الي يشبه اتريوس بالثلج والولد الثاني الي بالبيت (الحلم الثاني) يخرع..
نهاييهه الباارتتت اااااااااا شكله في مومنت 😭😭🙏🏻 يارب ما يتهاوشون يارب ما يتهاوشون مع ان هوشاتهم تونس بس لاا خلهم طبيعيين لمره
حمممااااااسسسس 😭😭💗💗💗
❤️❤️❤️🤩🔥
ردحذف🥺🖤🦋
ردحذفكل مره اخلص فصل يجيني ذاك شعور خايس ان ليش خلصته بسرررعه 😭😭😭😭😭😭
ردحذفيعطيك العافيه
ردحذفلا خلي المومنت لوقت اخر بس يكون قريب
ردحذفو بالزيادة ليش دايمن تخلي حماسنا يزيد و توقفي عند لحظة مهمة 😭 . اول مرة اقرأ روايتك و هذا الصنف المفضل لي من الروايات صرت ادمنها كل دقيقة ادخل اشوف اذا نزل بوست جديد حيييييل كتييير
حصل المحادثه بين جلنار و هارليك عن عمرها هى اتغيرت موضوع انو هو ينصدم و يقف لها على السرير و هى تفسر الموضوع بس انا اللى انصدمت لما لقيت بيفسر هو
ردحذفقولت اكيد الحته دى متغيره 😂😂
البارت جميل مستنيه المومنت القادم ♥️♥️🥲
ردحذف❤️❤️❤️
ردحذف"انت لا تبدين كواندر"😂😂😂😂😂😂😂😂😂 كان لازم الفصل يكمل مع هذه الجملة و يبدأ بها الفصل القادم😂😂😂
ردحذفياخي مقدر الرواية تجنن تجنن تجنن انا جالسه اقراها للمره الاولى ومن اول فصول الروايه استحوذت قلبيي ادمنتهاا صرت انام افكر فيها واصحى افكر فيها😭 والفصل الواحد اجلس اعيده كل شوي لحد ما ينزل الفصل الي بعده، مقدر اعبر بالكلمات عن كثر حبي للروايه بس مجرد ما اتذكرها تجيني مشاعر قويه واحسس ابي اصارخ من الحماس😭😭 حتى واحنا تونا بالبدايه حطيتها من ضمن افضل الروايات الي قريتها بحياتيي 💗
ردحذفما اتخيل كيف قدرتي تكتبي كل ذي العوالم، الافكار، المخلوقات، القوانين، الحروب والتاريخ والالغاز مبددعهه!
احسني صرت نفس هارليك من كثر ما اسولف بتعليقاتي ههههههههه
اذكر الفصل هذا من زمان عن حلم جلنار و مكان التدريب بس فيه اجزاء ما اذكرتها يمكن من حظي عشان استمتع للمره التانيه😭
ردحذفبموووت المنتصر الحقيقي كان من من اكتر الفصول اللي متحمسه ليها، طريقة شرح لغة الكتاب و الاعمار اختلفت بس بقت اكثر وضوح و لسه ابغى اعرف فرق العمر بين جلنار و اتريوس 😭😭😭
ردحذفهل يمكن لهذا الصباح أن يكون أسوأ؟ هاد بالنسبة الك اما النا فهو الافضل😭😭💫
ردحذفمدري اشتقت لديفيدد ، احنا مش هنشوفه تاني؟🥹
ردحذف♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
ردحذفبينقو 😍✊ جلنار ابدعت
ردحذف🫶🫶🫶🫶🫶🫶🫶🫶😭❤️🔥
ردحذف