الفصل التاسع والعشرون | على أرض الواقع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللّهم إني عبدُك وابن عبدِك وابن أمتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمُك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك سمّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمت به أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همّي".

إفصاح آخر "قاوم يداً، وسوف تقاتلك. ولكن أقنع عقلاً بأن يفكر بالطريقة التي تريدها، ويكون نصيراً لك". دان بروان

 مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل التاسع والعشرون



ظل يوجين منذ أن دخلنا الغرفة حتى ذهبت للاستحمام وخرجت يتحدث عن مدى روعة ما حدث اليوم، الكثير من التحقير للعين المسمى ببنجامين والكثير من الثناء على فعلي الانتحاري.

ما كان يشغل عقلي هو شيء آخر تمامًا بعيدًا عن أحداث السوق، ما حدث في الغابة! ولا أعنى ما حدث مع أتريوس لأنني إن بدأت التفكير في هذا الأمر أيضًا لن أستطيع الحصول على أجوبة.

أتحدث عن تلك القوة أو ذلك السحر أو أيًا يكن ذلك الشيء غير الطبيعي الذي فعلته! ماذا كان؟ وما هو؟ لا يعقل أنه أحد العناصر، صحيح؟ فكرت ربما أنه أحد عناصر الهواء، لكن بدا أتريوس جاهلًا بما فعلت…

لاحظ يوجين انشغالي بعيدًا عن حديثه لأنه حلق وجلس متربعًا أمامي وقال "لا تكوني قلقة مما حدث اليوم، في النهاية لا أظنهم سيكونون قادرين على إيذائك، أنتِ ابنة التوبازيوس". نظرت نحوه وقررت مشاركته أفكاري؛ فدائمًا ما يجد يوجين حلًا أو يفعل ما هو أفضل... طمأنتي.

"لا أفكر فيما حدث في السوق، بل ما حدث قبله" عقد حاجبيه وقال "أغدراسيل؟ أقال شيئًا؟" حركت رأسي ليقول "لا بد أنه أتريوس؟" حركت رأسي مجددًا لينظر نحو باستغراب "في نهاية اللعبـ... أعني التدريب، تأخرت في بحثك عن أتريوس وتأخر أتريوس في إيجادي مما سبب قلقًا لي".

اترفع حاجباه ثم قال بسرعة "أعتذر عن ذلك، لم أقصد أن أقلقك ولكني... ضعت!" حاولت ألا أضحك على ملامح وجهه لينظر نحوي ويرفع أحد حاجبيه "لا، لا بأس. الأمر هو أنني في تلك اللحظة فكرت، ماذا إن تمكنت من إيجاد أتريوس وأنا في مكاني؟ تعلم، كما يفعل هو بعنصر الريح. ترددت ثم حاولت الثقة بنفسي، فكرت إن كنت أنا ابنة التوبازيوس فلا بد وأن شيئًا ما يميزني".

هنا بدا على يوجين اهتمامًا كبيرًا بمجرى الأحداث وهو ينحني أكثر للأمام نحوي "كنت طيلة الوقت أحاول استعمال حواسي، السمع والبصر والرائحة والملمس، لكن ذلك لم يكن ليجدي نفعًا وأنا أبحث في المجهول؛ لذلك فكرة غريبة قفزت لرأسي، ماذا إن لم أستعمل حواسي؟ أغمض عيني، أتوقف عن السمع والبحث عن الرائحة وحتى الملمس، حاولت الشعور بالغابة، الغابة من صنع أتريوس؛ إن شعرت بها شعرت باتريوس، لا تسألني كيف فكرت بهذا وكيف اقتنعت حتى ولكني فعلت...".

"هذا عبقري جلنار! من كان ليفكر بشيء مماثل؟ ماذا حدث بعد ذلك؟" رفعت كتفي وأجبت "وضعت يدي على أرضية الغابة وكنت مؤمنة بأن شيئًا ما سيحدث ولم يستغرق مني الكثير في الواقع. عندما أغمضت عيني رأيت الغابة كلها، يوجين… أشبه بخطوط رسم مبدأية بيضاء، كانت هناك بعض الألوان ولكنها باهتة أو مشوشة، كان الأمر أشبه بصورة صامتة، ولكن بعد ذلك كان يمكنني سماع أقل صوت يصدر في الغابة، لدرجة أنني سمعت حفيف الأشجار بدقة، يوجين! وبعدها أصبح بإمكاني الشعور بالملمس، كانت يدي على الأرضية ولكني شعرت بملمس الأشجار والأوراق والتربة وحتى الأحجار، كان بإمكاني اشتمام الرائحة، كان الأمر متتاليًا وسريعًا. أمكنني الذهاب حول الغابة بينما أنا في مكاني، هذا فقط كان كثيرًا في الوقت ذاته وقد سبب الصداع ولكنه بعد ذلك كان مذهلًا". 

ظل يحدق بي لمدة ربما يحاول استيعاب الأمر فيها قبل أن يقول "تقولين أنكِ رأيتِ وشعرتِ بكل شيء بينما أنتِ في مكانك؟" أومأت وأنا أترقب رد فعله "كل ذلك حدث بينما أنا كالأحمق لم أكن موجودًا" حاولت ألا أضحك وأومأت مجددًا "ما تعنيه أن لديكِ شيء شبيه بالقدرات الخاصة، بل أنتِ تمتلكين قدرات خاصة؟" رفعت كتفي وقلت "على ما يبدو". 

وضع يديه أسفل ذقنه ونظر بعيدًا وهو يحرك قدمه بطريقة أصابتني بالتوتر "هل يمكنكِ فعلها مجددًا؟" قبضت كف يدي وأنا أنظر نحوها وقلت "لا أعلم" نهض وقال بحماس "جربي إذًا!". أخذت نفسًا قبل أن أزفره ببطء، انحنيت فوق الأرضية ووضعت كف يدي عليها وأغمضت عيني، كل ما علي فعله تكرار ما فعلته من قبل.

"هل رأيتِ شيئًا؟"

عقدت حاجبي وقلت "ليس بعد" أعدت تركيزي في محاولة للرؤية "ماذا عن الآن؟ هل ترين شيئًا؟" تنهدت ونظرت ليوجين وقلت "ليس بعد، يوجين".

أغمضت عيني مجددًا وحاولت التركيز هذه المرة و "والآن أهناك شـ...".

"اللعنة، يوجين! لن أرى شيئًا وأنت تشتتني بكل ثانية، اهدأ قليلًا أرجوك، لا تفقدني أعصابي" أجفل لصوتي العالي قبل أن يزم شفتيه ويومئ. "ستظل أنت صامتًا حتى أرى أنا شيئًا ثم سأخبرك، اتفقنا؟" طرف قبل أن يومئ ويقول "خطة جيدة، لنلتزم بها" زفرت وأعدت تركيزي مجددًا لما أفعل.

عندما هدأ يوجين أخيرًا استطعت استعادة تركيزي وحاولت تكرار ما فعلته في الغابة. لا حواس، فقط علي إغلاقها، دقيقة… اثنتان، وعندما ظننت أن الأمر لن ينجح وقررت فتح عيني استطعت الرؤية مجددًا، لقد نجح الأمر! 

كان المنزل مختلفًا عن الغابة كل ما أمكنني الشعور به ملمس خشب الغرفة الذي ألمسه صوت طقطقة تدل على عدة أشخاص يسيرون، تحركت خلال الباب لخارج الغرفة، كان الأمر أشبه بمنظار مكبر إن أردت التركيز على شيء ما، وكأني أتحرك وأرى ولكن بطريقة أكثر سلاسة.

تحركت للطابق السفلي ومنه لخارج المنزل، أصوات الحيوانات الليلية في الغابة كان أعلى من المعتاد وأكثر وضوحًا، ثم خطوات شخص ما فوق الحشائش الخضراء، انتقلت ناحية الصوت لأرى رومياس يتحرك ناحية شجرة ما قبل أن يجلس عليها.

فتحت عيني وشعرت باللسعات ذاتها في باطن كفي ولكنها أخف، لمست أنفي بسرعة متوقعةً رؤية الدماء ولكن لم أنزف هذه المرة.

التفت ناحية يوجين الذي ينظر نحوي ويضع كلتَ يديه فوق فمه حتى لا يتحدث "يمكنك التحدث، يـ...".

"كيف كان؟ نجحتِ مجددًا، صحيح؟ هل تمكنتِ من الرؤية؟ تمتلكين قدرات خاصة الآن؟" ظللت أنتظر انتهاء أسئلته وعندما سكت وأخذ نفسًا أجبته "لقد حدث مجددًا، تمكنت من فعلها" اتسعت عينه قبل أن يبتسم ويقول "هذا يبدو رائعًا يا فتاة".

أومأت قبل أن أنظر لباب الغرفة ثم أتحرك، التقطت معطفا صنعته مونيكا من أجلي وارتديته فوق ملابس النوم الخفيفة. "إلى أين؟" نظرت ليوجين وقلت "لن أجد وقتًا آخر سوى هذا للتحدث مع رومياس، إنه في الحديقة، سأذهب" عقد حاجبيه وقال "كيف عرفتِ أنه في الحد... أها، لقد رأيته بقدرتكِ الخاصة لأنكِ رائعة جدًا الآن" أرسلت نحوه نظرة 'هل أنت طفل؟' ليقول "ماذا؟ إن لم تفرحي بقدراتكِ دعيني أنا أفرح بها" حركت رأسي بيأس، إنه حقًا ميؤوس منه.

"هل تريد المجيء معي؟" حرك رأسه للجهتين وقفز ليطفو على ظهره ويقول "لقد رأيت قصة سندفال من قبل، لن يختلف رومياس عنها. اذهبي وحدك، أحداث اليوم جعلتني متعب" نظرت نحوه باستغراب وقلت "أنت؟ متعب!" تنهد ونظر نحوي بطرف عينه وقال "ألا يمكن للأشباح التظاهر بالتعب؟ أغلقي الأنوار والباب عندما تخرجين" أحيانًا.. بل كثيرًا ما يكون هذا الرجل مغيظًا.

تحركت للخارج لمقابلة رومياس وما إن لاحظني أقترب ابتسم ولوح لي، تقدمت وجلست مقابلة له فوق الأرض ليسأل "لمَ لستِ نائمة بعد؟" رفعت كتفي قائلة "من الواضح لأني أريد التحدث معك" عقد حاجبيه وكأنه يتذكر لما قبل أن يرتفعا. "ماذا تفعل هنا وحدك على أي حال؟" سألته ليدحرج عينيه ويقول "لست وحدي، تلك المجنونة ذهبت لتحضر ما تملأ به معدتها وستعود" عقدت حاجبي وقلت متعجبة "سكارليت؟ مدربتك؟" أومأ ويبدو عليه الملل.

"تعلم؟ تبدو معتادًا عليها، لقد أخذ الأمر منك وقتًا حتى أصبحت تتحدث معي بلا خجل... أتعرفان بعضكما من قبل؟" أخفض رأسه وعبث بشعره بضيق وقال "للأسف نوعًا ما، ليست معرفة شخصية ولكنها مشهورة جدًا بين المجموعة، إنها من مجموعة مجاورة لنا. تعلمين، أي شخص يرتاد أكاديمية أولبابوس يصبح ذا شعبية بين رفاقه يكون شخصًا مميزًا وسكارليت كانت طموحة جدًا ومثابرة لدخول جحيم أولبابوس والنجاة منه".

صمت لوهلة وابتسم ولكن هناك لمحة تذمر في صوته "إنها حقًا صبيانية ومن الصعب التخلص من إزعاجها، عندما جاءت لمجموعتنا أول مرة ظلت ملتصقة بي بسبب ما سمعته عني وهذا سبب لي مشاكل بين الجميع، لا أعرف كيف يتحملها رفيقها".

"رفيقها! تمتلك رفيقًا؟" 

أومأ وقال "رجل مسكين عليه تحمل هذه المأساة طيلة حياته التعيسة، إنـ... تبًا!" صاح متألمًا عندما قاطع حديثه علبة معدنية أُلقيت في منتصف رأسه "من هو البائس أيها الطفل؟ جونيور أكثر الرجال حظًا لأني في حياته، كما أ... أوه، سيدة جلنار، أنتِ هنا؟ أعتذر عما بدر مني أمامكِ".

هناك الكثير من التقدير الذي لم أعتد عليه أبدًا، هل انحنت للتو لي؟ هذا يعطيني شعورًا غريبًا، شعور غير مريح أبدًا.

"يمكنكِ فقط مناداتي بجلنار" قلت لتبتسم بحماس وتقفز لتجلس بجوار كلينا. "أتنوين قتلي؟" صاح بوجهها لتفتح أحد العلب وتبدأ في تناوله "ليس قبل أن تنقذنا جميعًا" زفر بانزعاج ورمى العلبة المعدنية نحوها لتلتقطها بسرعة.

"جونيور رجل رائع بكل ما تعنيه الكلمة، إنه مراعٍ وفخور بي دائمًا، انتظري حتى أخبره أنني جلست في مكان واحد مع ابنة التوابازيوس، سيجن بكل تأكيد" يبدو كرجل جيد!

"حسنًا، لنتحدث فيما هو مهم لأنني لا أعتقد أني سأمتلك وقتًا أفضل من هذا للتحدث معك... مع كلاكما في الواقع، لقد كان يومًا حافلًا بالأحداث بالنسبة لي رومياس، لذلك لا تحاول مقاطعتي أو رفض ما سأقول، استمع للنهاية" بدا عليه القلق بينما بدت سكارليت متحمسة جدًا.

"بدايةً؛ من الجيد أن سكارليت تؤمن بأنك مختلف بطريقة جيدة وهذا سيساعدك كثيرًا في التدريب، عليكما نسيان الطريقة العادية في تدريباته لأنه ليس كباقي المستذئبين" أومأت سكارليت وقالت "هذا تمامًا ما أحاول إيصاله ولكن المشكلة هي أنني لا أعرف أي شيء عن ذئبه أو عنهما معًا، كل ما أعرفه هو رومياس بهذه الهيئة، نقاط قوته وضعفه، وهذا يشكل فقط ثلاثين بالمائة من قوته الكاملة، لا أعرف ما علي فعله تمامًا".

ربت على كتفها وقلت "سأخبركما بذلك ولكن على رومياس أن يتوقف عن التقليل من ذاته كبداية" إن كان يوجين هنا لقال: انظروا من تتحدث عن تقليل الذات.

"من الصعب أن نصبح شيئًا ما، جلنار… دراكوس لا يمضي دقيقة دون الشجار معي" حسنًا، هذا يذكرني بشخص ما! "انظر! هناك تقدم، أنت تناديه باسمه الآن. فقط استمع جيدًا لي، أنت ودراكوس عليكما إثبات نفسيكما في هذا الفريق، ليس فقط الفريق، بل أمام مجموعتكم. فقط لو تعرف ما يمكنك فعله وما يمكن لدراكوس فعله لحاولتما بجدية التدرب معًا".

بدت سكارليت مهتمة جدًا وهي تنظر نحو كلينا وتضع بعض المقرمشات داخل فمها بينما رومياس صامت، لوهلة ملامح وجهه تغيرت قبل أن يقول "تابعي، دراكوس مهتم بما تقولين" حاولت ألا ابتسم بسعادة وفضلت قناع الجدية وقلت "وأنت أيضًا ستهتم، رومياس! ستتوقف عن الشعور أنك بلا فائدة لأنك أحد الأركان الأساسية في قوة هجوم هذا الفريق".

أومأ ولم يعترض لذلك أكملت "بداية؛ هناك شيء سأطلبه قد يبدو جنونيًا ولكنه الأفضل لكليكما، عندما تتحول لهيئة الذئب لمَ لا تتفقان وتقسمان التحكم بينكما؟ يوم كامل لدراكوس سيتحكم بطريقتكما وتحركاتكما ويوم كامل لك دون أن يعترض دراكوس، توقفا عن المقاومة لأن ما أنتما فيه ليست مشكلة تنتظران حلها! إنه حالكما وهذا ما أنتما عليه، لا يوجد حل لأن حالكما ليس بمشكلة، بل هكذا خلقتما وهكذا ستبقيان، وعجلًا أو آجلًا ستوقنان أن لا مهرب من وجودكما معًا".

صمت لمدة وهو يعقد حاجبيه بتفكير "إن كان دراكوس لـ..." قاطعني "داركوس موافق!" ارتفع حاجبي بتفاجؤ، هذا كان سريعًا جدًا. "لكن ماذا إن ظل على هيئة الذئب ورفض أن يعود مجددًا؟" سأل رومياس بقلق ولكن ارتفع حاجبيه وقال "رأيتِ؟ لقد قال أنها فكرة جيدة". 

ابتسمت ابتسامة جانبية وقلت "لن يستطيع، صحيح، دراكوس؟ أنت تعلم لماذا!" ارتفع أحد حاجبي رومياس وقال "حسنًا، هذا مفاجئ، لقد تذمر للتو، ماذا تعرفين؟" رفعت كتفي وقلت "إن لم تعد لهيئتك الطبيعية سيضعف دراكوس وسيصعب عليه التحكم بجسده، لذلك هو مجبر على العودة". 

بدت الصدمة على كل من رومياس وسكارليت من هذه المعلومة ولكن رومياس قال مجددًا "ولكن يوم كامل لدراكوس؟ ماذا إن فعل شيء سيء ماذا لـ.."

"رومياس، توقف! إنه ذئبك، ولد وسيموت معك، إنه الشخص الوحيد الذي عليك الثقة به أكثر من ثقتك بأحد آخر وعليه أن يفعل المثل. أنتما واللعنة مذهلان معًا! توقفا عن محاربة نفسيكما لأن كل واحد منكما يكمل الآخر... أسبوع، أسبوع واحد حاولا فيه تنفيذ ما قلته تحت مراقبة سكارليت، أعدك بأن حالات الإغماء لن تصيبكما مجددًا".

ظل ينظر نحوي بتفكير قبل أن يتمتم "تبًا، إنه يوافق على كل ما تقترحين يظن أنكِ تعرفين ما تفعلينه كقائدة" أومأت كموافقة وقلت "إن ظلت الأمور كما هي لا تستمعا لما أقول أو أقترح مجددًا" أومأ قبل أن يبتسم وقال "بما أن علي الثقة بدراكوس كما تقولين فعلي الثقة برأيه، ورأيه أن نثق بكِ" ابتسمت وحركت رأسي كشكر له.

التفت ناحية سكارليت وقلت "اسمعيني جيدًا، سأخبركِ بأفضل طريقة لتدريبه، مهما تذمر لا تستمعي له وكلما قلل من ذاته اصفعيه من أجلي" اتسعت ابتسامتها وصفقت بحماس "أنتما تتفقان علي بينما أنا بينكما" دفعته سكارليت ليقع فوق ظهره وتقول "ابقَ هادئًا عندما تتحدث القائدة".

ظللت طيلة الوقت أتحدث مع سكارليت وأحاول إخبارها بكل ما سينفع رومياس، كل ما أتذكره من تدريبات سندفال أخبرت سكارليت به بينما رومياس ينظر نحونا بهلع وكأننا نتفق على قتله ودفنه.

"لا تقلقي، مع هذه الإرشادات سيحتاج الأمر أسبوعين وسيكون الأفضل" رمقته بعينها في نهاية الجملة بنظرة لا تبشر بخير، الرحمة على روح رومياس منذ الآن.

تركت رومياس تحت رحمتها قبل أن أتمنى ليلة طيبة لكليهما وأنهض متجهة نحو المنزل، سأحول إيجاد بعض الوقت من يوم لآخر لمراقبة حال رومياس، أتمنى أن يصبح أفضل.

أغلقت باب المنزل والتفت للصعود ولكني فُزعت عندما رأيت خيالًا لأحدهم يتحرك في غرفة الجلوس "من هناك؟" قلت في الوقت ذاته الذي قاله الشخص الذي تحرك ناحية الباب… أتريوس!

"ألم تنامي بعد؟" سأل لأكتف ذراعي وأقول "انظروا من يتحدث، وكأنك تحدثني من سريرك" دحرج عينيه وقال "سخريتك تصبح مبتذلة مع الوقت" زفرت بيأس وقلت "لمَ عليك التشاجر معي في كل مرة تراني فيها؟ ظننت أن هذا سيتوقف!".

عقد حاجبيه وفتح فمه وأغلقه وبدا مشوشًا قبل أن يقول "أنا من بدأت الشجار؟ ألم يكن أنتِ؟" ضحكت بذهول وقلت "أنا! لا، ما إن رأيتني قلت: ألم تنامي بـ... وهذا كان سؤالًا عاديًا ثم سخرت أنـ... حسنًا، أنت محق، كان خطئي، أنا من بدأ الشجار" بدا عليه الرضا بأني المخطئة لذلك قلت "ما يزال خطأك، أنت من جعلتني أهاجم كنوع من الدفاع عن نفسي في كل مرة أراك بها" نظر نحوي تلك النظرة التي تخبرك 'هل أنتِ سخيفة؟' وقال "أهذا عذركِ؟".

اللعنة، هذا محرج!

"دعيكِ من هذا، علينا التحدث" ارتفع حاجبي بتعجب وقلت "نتحدث؟" أومأ وقال "ما حدث اليوم صباحًا في الغابة" اتسعت عيني وشعرت أني أختنق وقلت "لا... لا بأس، يمكننا التصرف وكأنه لم يحدث" عقد حاجبيه وقال "ظهرت قدراتكِ الخاصة وتريدين أن نتصرف وكأن شيئًا لم يحدث؟".

تجمدت لثانية وشعرت بعقلي يتوقف عن العمل وكأن عطلًا ما أصابه، أكان يقصد... "أنت تقصد... ما حدث الـ… قدراتي، هذا ما تقصده" طرف عدة مرات بتعجب وجلس فوق يد الأريكة وقال "بالطبع، أهناك شيء آخر علينا التحدث فيه؟" في هذه اللحظة شعرت بالصداع لشدة الأحراج، الدماء التي تتدفق للرأس قد تقتلني حاليًا.

"لا، لا شيء لنتحدث فيه" حدق نحوي لوهلة قبل أن ترتسم شبه ابتسامة وقال "أكنتِ تظنين أنني أقصد الـ..." قاطعته بسرعة وبصوت عالٍ دون النظر نحوه "قلت لا شيء، أتريوس. قل ما كنت تريده فحسب" لم أتحمل النظر لوجهه وأنا متأكدة أن هناك ابتسامة لعينة عليه، هذا قد يصنف من أكثر المواقف إحراجًا في حياتي كلها.

ما زال رأسي يؤلمني، أريد أن أختفي من أمامه حالًا... أرجوك تحدث وكأن شيء لم يحدث.

صمت لمدة ولمحت جسده يهتز وهو يحاول منع ضحكتها ولكنه كبح نفسه ونظف حلقه قبل أن يقول "حسنًا، دعينا نحاول معرفة ما حدث اليوم" أومأت وجلست على الكرسي المقابل للأريكة.

بدأت شرح ما حدث معي كما قلت ليوجين من قبل، ظل يستمع بتركيز دون أن يقاطعني حتى انتهيت وأخذت نفسًا وقلت "بأي طريقة هل يشبه هذا قدرتك مع الرياح؟" كان ينظر للأرضية ولكن تفكيره كان بعيدًا تمامًا قبل أن يقول:

 "لا، لا يبدو هذا تحكمًا بالرياح البتة، الرياح فقط تخبرني بتحركات من حولي والشعور بتيارات الرياح حتى الصغيرة منها حول أجسادهم، ولكنها لا تعطيني الصوت أو الصورة أو الملمس. كل ما أفعله هو أن قدراتي في الشعور بتيارات الهواء قوية جدًا ولكن ما فعلتِه أنتِ مختلف تمامًا، الأمر أشبه وكأنك تشعرين بالمكان بالكامل، تتحكمين به، الأمر لا يعتمد على مجرد الرؤية. في الغابة لقد تحكمتِ بكل ذرة هواء حول المكان وأخفيتها أو قمتِ بإيقاف حركتها بطريقة ما دون أن تدركي ذلك".

فركت كفي يدي بتوتر قبل أن أنظر نحوه وأقول "وما العمل الآن؟" وضع يديه بين خصلات شعره وأعادها للخلف ونظر نحوي قائلًا "الآن علينا التركيز في تدريباتكِ القتالية، تبقت ثلاثة أيام وستكون الحكيمة هنا لاختبار مقدرتكِ على القتال، جسديًا أنتِ مقاتلة جيدة ولكن في ثلاثة أيام القادمة عليكِ اتقان استخدام السيف كمحاربة".

أومأت موافقة ليصمت لمدة وهو يفكر بشيء ما ثم قال "بما أنكِ بالفعل لديكِ المقدرة على امتلاك قدرات خاصة فعلينا محاولة اكتشاف العناصر التي قد تتمكنين من التحكم بها" زممت شفتي ونظرت نحوه لمدة قبل أن أميل برأسي باستغراب وأقول "ظننت أن الإلترانيوسيين وحدهم القادرون على التحكم بالعناصر" تنهد وأجاب "أنتِ لستِ شخصًا عاديًا ينطبق عليه قوانين الطبيعة، هناك قوانين خاصة تنطبق عليكِ لا أحد يعلمها بعد، نحن نحاول معرفة المجهول هنا ونحن في سباق مع الوقت، علينا اكتشاف ما تتقنيه وما لا يمكنكِ فعله".

تنهدت وأنا أشعر بالمزيد من الأوقات الصعبة قادمة في الطريق وقلت بتذمر "وكيف ستعرف؟" رفع كتفيه وقال بنبرة تدل أن الأمر حتمي ولا فرار منه "علينا تجربة كل شيء، سنبدأ فيما أبرع به، الأرض والهواء، سنحاول اكتشاف إن كان بإمكانكِ التحكم بهما ولكن حتى نعرف الطريقة علينا التحدث مع شخص ما".

نظرت نحوه بتعجب وقلت "من؟" زم شفتيه ونظر نحوي بحذر وقال "الشخص الوحيد القادر على إعطاء حلول ذكية هنا" عقدت حاجبي في محاولة لتخمين من يقصد بينما حدق هو بي ينتظر رد فعلي.

من يقصـ... ارتفع حاجباي واتسعت عيني في ذات اللحظة التي لمع اسمه أمام عيني لانظر نحو أتريوس بسرعة أقول بنبرة نهائية "مستحيل، لن أطلب المساعدة من ذلك السافل النذل! انسَ أنه علي التحدث معه أساسًا" تنهد وقال "علينا ذلك، جلنار. إنه من الفريق ويجب عليه مساعدتكِ" حركت رأسي رافضةً الفكرة وقلت "أي شخص غيره، أرجوك" لم يستجب لذلك كتفت ذراعي وقلت "انسَ الأمر، إن قطعت رأسي لن يخاطب لساني ذلك المعتوه العبقري".

 

....

 

في اليوم التالي كان كلانا واقفًا أمام باب غرفة تدريبه، لن يخاطب لساني ذلك المعتوه وإن قطعت رأسي! أحسنتِ، جلنار. أشعر بكبريائي الذي اكتسبته فجأة يختفي مع مرور الوقت.

نظرت ناحية أتريوس لعلنا نتراجع عن الأمر ولكن نظرته كانت حاسمة. اطرقي الباب وادخلي، جلنار. اجعليه يسخر منكِ وترجيه للمساعدة… خطة رائعة.

زفرت ورفعت يدي لطرق الباب ولكني توقفت ونظرت لأتريوس وقلت "لمَ لا تتحدث أنت معه؟" رفع حاجبًا وقال "إن خاطبت ذلك القزم يومًا كل ما ستراه عينه هو جسده وهو يسقط ورأسه تتدحرج أرضًا، هذا ليس زوندي الذي ستنمو له رأس جديدة" زممت شفتي ونظرت للباب ورفعت يدي مجددًا لأطرقه ولكني لم أتحمل أكثر من هذا لذلك فتحته بقوة وصحت "شئت أم أبيت ستساعدني لأنني القائدة هنا وهذا أمر!".

تحرك أتريوس ليقف خلفي وقال "أجل، هكذا سيساعدنا بكل سرور" نظرت نحوه بطرف عيني وهمست من بين أسناني "كبريائي يا رجل، لن أتركه يدهسه". 

نظر كلانا لأرتيانو الذي يجلس فوق كرسي دوار عالي، التفت ينظر لكلينا ببرود وقال "يا لها من طريقة متحضرة للاستئذان والدخول" ها قد بدأنا.

التفت بكرسيه مجددًا وقد أعطى ظهره لكلينا وقال "أغلقا الباب خلفكما". ممن أخاف؟ ذلك الصبي بطول ذراعي! تحركت نحوه وأدرت الكرسي بقوة ولكن في الثانية التي أدرته فيها ضغط على زر ما لجهاز صغير بين يده ليتمدد بسرعة تكاد تُلحظ ويتوقف تمامًا أمام عنقي… تبًا، طرف هذا الشيء أكثر حدة من السكين!

"اغلقي الباب وراءك" قال ببرود لآخذ خطوات للخلف بحذر وعيني مثبتة على أيا يكن تلك اللعنة بين يديه. "اسمع، العنف لن يوصلنا لنتيجة، دعنا نصل لحل سلمي!" نظر نحوي قبل أن تتحرك تلك الآلة وتتقلص لتصبح بحجم يده.

"نحن نحتاج مساعدتك هنا" قلت كبداية. "أنتِ" قال أتريوس كتعديل على الجملة، وكأنه الوقت المناسب ليتدخل!

"ولمَ علي مساعدتكِ؟" رفعت كتفي وقلت وكأنه شيء بديهي "لأننا فريق! ولأنني القائدة!" ارتفع حاجبه ونظر نحوي دون أن يرفع رأسه "هل لاحظتِ أنني لا أهتم؟" تنهدت وقلت "ماذا تريد في المقابل؟ لا أعرف حتى لما تكرهني، لا مبرر لك".

قفز من فوق الكرسي ووقف على قدميه وقال "اعترفي أولًا أنني كنت لأتمكن من فتح البوابة" اتسعت عيني بدهشة، أما زال غاضبًا لهذا الأمر؟ "أعترف، لو كنت وجدت المزيد من الوقت لفتحتها قبلي، اتفقنا؟ كل ما في الأمر أن الرموز كانت بلغة خاصة للبشر وهذا تحيز من صانع البوابة، إن كانت بلغة أخرى لتمكنت من فتحها في دقائق وحللت الألغاز كلها قبل وجودي حتى، هل أنت راضٍ؟".

زم شفتيه قبل أن يومئ برأسه ويتمتم "هذا يبدو مرضيًا لحد ما" زفرت بغيظ وحاولت التحكم بذاتي وقمع الرغبة التي تصرخ بركله ككرة لخارج النافذة. "هل ستساعدنا الآن؟" رفع كتفه وبنبرة غير مهتمة قال "اعرضي مشكلتكِ أولًا وحينها سأقرر" أكره هذا الفتى.

"بما أنه من المفترض أنني ابنة التوبازيوس…" قاطعني "والذي هو شيء سيقتلنا جميعًا" تجاهلت التعليق الساخر وأكملت "فلابد أنني سأمتلك قدرات ما و..." ومجددًا تمت مقاطعتي "والذي هو شيء جنوني سيؤدي لموتنا". 

"توقف عن إلقاء تعليقات تهكمية واستمع للنهاية!" صحت به ليلوح بيده لأكمل، أخذت نفسًا وأكملت "لذلك لا نعلم تمامًا من أين نبدأ و...". 

"من الظاهر أنكِ لست محتاجة لتدريب جسدي بعد الآن؛ فقد تطور جسدك بنسبة ستون بالمئة عن جسدك السابق الضعيف والبالي. لا تنطبق عليكِ قوانين العناصر والإلترانيوس ولكنكما تحاولان اكتشاف نقاط قوتك وضعفك وقدراتك. دعيني أحزر، ظهرت قدرة ما لك ولكنها ليس عادية؛ لذلك سيبدأ ذلك الهمجي بمحاولة تعليمك شيئا ما مما يعلم ولأن يتقن استخدام عنصري الأرض والرياح وخاصة الأرض سيبدأ بمحاولة اكتشاف إن كنتِ قادرة على التحكم بعنصر الأرض وهو قرار ذكي وغبي في الوقت ذاته، ولكنكم هنا تسألونني كيف يمكن أن تبدأوا؟"

واو! هذا كان سريعًا..؟ أسرع مما تخيلت. أشرت للهمجـ... أعني لأتريوس بأن يتمالك أعصابه ولكنه بدا باردًا عني، ألا يستفز هذا الشخص أحدًا سواي؟ 

"يا لك من ذكي قلت كلمتين فاستنتجت الباقي، هل يمكنك أن تعطينا إجابة إذًا؟" قررت استخدام استراتيجية التملق بما أن هذا الفتى نرجسي لحد ما.

 نظر نحوي بطرف عينه وقال "هناك شيئان عليكما فعله، أولًا؛ التحدث مع تينر جام فهو جيد في التحكم بالطبيعة وثانيًا؛ عليكما زيارة أرض الوسطاء" أنا مذهولة! لقد قال تينر جام دون أي سخرية!

"تينر جام هو الشخص الأكثر عقلانية بين الجميع هنا، أحترم العقلانيين! إنهم أشخاص مختلفون عنكِ تمامًا" وها هو التعليق الساخر.

"ظننت أن تنير جام يتحكم فقط بالمخلوقات الحية؟" همست لأتريوس ولكن للأسف سمعني ذلك القزم "النباتات مخلوقات حية بالمناسبة، سجلي ذلك في مكان ما حتى تتمكني من تذكره لاحقًا بينما أسجل اسمكِ في قائمة الأكثر غباءً لهذا الأسبوع". 

هذا يكفي! لقد أخذت أجوبتي والآن سأقتله، لا أبالي بالعواقب؛ فأنا أعطي خدمة للعالم أجمع.

تحركت ناحيته بغيظ ولكن أتريوس سحبني بعيدًا. "أيها الأحمق، عليك أن تكون فخورًا أن لديك لسانًا يتعدى طول جسدك!" صرخت بينما يسحبني أتريوس للخارج "انتظر، عندما أكتسب قوة ما سأقوم بتعليقك فوق الأشجار طيلة اليوم ولن تصل قدميك للأرضية ودعني أرى كيف سينفعك عقلك".

ظللت أحاول الوصول إليه وأتريوس يمنعني وهو يدفع بجسدي للخارج قبل أن يغلق الباب ويتنفس براحة، ركلت الباب بقوة لأسمع صوته قادم من الداخل "همجية!". سأقتلك يومًا ما، هذا وعد مني.

"توقفي عن إثارة أعصابك، هذا ما يسعى إليه" نظرت نحو أتريوس وقلت "لست أنت الشخص الذي يتم إهانته بين كل جملة وأخرى"


....

 

كان من الصعب مقابلة تينر جام في هذا الوقت لأنه ذهب لمكان ما لإحضار بعض بذور النبات، كما أن أتريوس قرر تأجيل هذا الأمر لبعد ثلاثة أيام، لأن في هذه الأيام الثلاثة كان علي تعلم استخدام السيف، في ثلاثة أيام! تحدثوا عن الجنون.

قررت أنني لن أخطو السوق إلا بعد أسبوع من الآن، ولكن لم أحتج الذهاب للسوق لأن الأخبار كانت تنتشر كالنار في الهشيم! ما إن عادت واندر من السوق صباحًا كان وجهها ينذر أن ما سمعته كان سيئًا بالنسبة لها، بالطبع كعادة أي شعب كان هناك بعض البهارات في الموضوع، في الواقع! كان هناك الكثير من البهارات الزائدة هنا!

أعني أني لم أقفز في وجهه وألكمه ولم أصنع سلاحًا في ثانية أو ألقي تعويذة من السحر الأسود وأضربهم بها، كل ما في الأمر أنه مسدس وطلقات… 

ولكن المغزى كان واحدا، هناك فتاة وقفت في وجه ابن عائلة ألفن الأوسط مهما كان الدافع لهذا الفعل الانتحاري.

نشب شجار بسيط بيني وبين واندر… على من أمزح؟ لقد صفعت رأسي عشر مرات وصاحت وأنبتني وقتلت كرامتي وظللت أنا أتلقى كل هذا بصمت. إنها جديًا مخيفة عندما تغضب، لقد كانت تلوح بسكين المطبخ! أفهم سبب خشية الجميع منها، حتى أتريوس، إنها جبارة عند الغضب.

لحسن الحظ حاول كل من أغدراسيل وثونار تهدئتها وتم طرد جوزفين من المنزل بسبب تعليقاته الساخرة والتي زادت غضبها سوءً ولكنها هدأت في النهاية وكان الحل الأفضل هو انتظار آل ألفين ليأخذوا خطوتهم الأولى.

في ذات اليوم تلقيت الكثير من المديح المبالغ فيه من ثونار والكثير من المشاحنات مع أوكتيفيان لأن ما فعلته كان حماقة، ولكن بعيدًا عن كل هذا... كنت فخورة! تلك كانت الحماقة الأولى التي أفعلها دون أي ندم.

أصر الجميع حرفيًا على رغبتهم في رؤية المسدس وظل هارليك يتفاخر بمعرفته بأمر السلاح قبل الجميع، احتاج الأمر طلقتين لإبهارهم وثمانين طلقة أفرغها جوزفين بكل سعادة وهو يظن أن ما في يده لعبة!

بدأت التدريب مع أتريوس عندما أصبح الجو أقل حرارة في الخارج، بدأنا مع سيف خشبي خاص بالأطفال لذلك كنت مطمئنة؛ فلن أتأذى طالما لا شيء حاد، ولكن من قال أن التدرب مع أتريوس قد يتم دون أي أذى؟ لقد تحول جسدي لرقعة شطرنج بين الكدمات الزرقاء والبنفسجية.

كان الأمر مؤلمًا وقاسيًا ولكنه أصبح ممتعًا مع الوقت عندما توقفت أنا عن تلقي الضربات وأصبح بإمكاني الدفاع والهجوم. كان معقدًا في البداية، ثم تحول ليصبح أقل تعقيدًا حتى أصبح بسيطًا، وأصبح أكثر متعة عندما تمكنت من التغلب على أتريوس وتوجيه بعض الضربات... كان شعورًا جميلًا.

ما كان يذهلني ويُخيفني في ذات الوقت هو سرعة استيعابي للأمر! لقد بدأنا صباحًا وأنا لا أعرف كيف أمسك بالسيف ومساءً كنت أتعادل مع أتريوس وأكاد أهزمه أكثر مما يهزمني، أعني… كنت أتعلم دائمًا بسرعة، ولكن هذه السرعة كانت مخيفة، حتى أن أتريوس لاحظ ذلك منذ مدة. كان أمر التدريب هذا صعبًا منذ البداية حتى ظننت أن أتريوس مجنونًا بظنه أنني سأتعلم استخدام السيف في ثلاثة أيام، ولكن لقد أتقنته في يوم!

رفض يوجين مرافقتي، رغم أنه يظن أن مبارزة السيف من أكثر الأشياء متعة إلا أنه قال مبارزة بسيف حقيقي، لا لعب أطفال! 

اليوم التالي حصل يوجين على رغبته، كان التدريب بسيف حقيقي قادر على قطع رقبتي، ظننتها مزحة من أتريوس ولكنه كان جادًا. الأخبار السعيدة هي أنه غير عازم على قتلي، والأخبار السيئة هي أنني أصبت بجروح في جميع أنحاء جسدي، لم تكن ذلك النوع من الجروح الذي يقتلك من الألم! كان ذلك الألم المزعج الذي يلسعك كل ثانية.

لاحقًا فهمت المغزى من استخدام السيوف الحقيقية؛ وهو التوقف عن استخدام جسدي كدرع وتنمية الإحساس بالخطر من كل ضربة ومحاولة تجنبها حتى لا أُجرح مجددًا.

أكثر من استمتع كان يوجين وجوزفين، ظل كلاهما يراقب باستمتاع… أتمنى أن يُرسل جوزفين للتدريب المكثف مجددًا.

انتهى التدريب وكذلك قميصي الأبيض الذي حال لونه إلى بقع حمراء من الدماء في كل مكان، لحسن الحظ كانت الطبيبة الملكية هنا من أجل أوكتيفيان، ولا، لم يكن هو المُصاب؛ لقد أُصيب مدربه… حمدًا لله أني لست عالقة مع جندي الحرب ذاك.

عندما دخلت للمنزل ارتميت على الأريكة وحاولت مقاومة اللسعات في كامل جسدي، جاءت واندر كالعادة للاطمئنان علي وهلعت من منظر الدماء وحاولت ركل أتريوس بالطبع، ولكن كل ذلك توقف عندما انتقلت أعين الجميع للسلالم.

التفت أنظر لما ينظر له الجميع، خاصة أن يوجين بدا خارجًا عن الواقع!

كانت فتاة! لكنها لم تكن فتاة عادية، شعرها الأشقر الفاتح قد جمعته للخلف ورغم ذلك يصل طوله لخصرها، عينان عسليتان لامعتان، جسد متناسق وفك بارز وشفاه وردية صغيرة، أنف مثالي وأهداب طويلة، أظنني وقعت في الحب!

كانت ترتدي رداءً طويلًا سكري اللون مع سروال فضفاض أبيض أسفله وتمسك حقيبة زرقاء بين يديها، ما إن هبطت السلالم وقفت تنظر نحونا قبل أن تضع ابتسامة بسيطة عندما وقعت عيناها على واندر "سيدة واندر، لقد عالجته، يمكنه العودة لتدريب السيد أوكتيفيان" يمكن لأي رجل مهما كان أن يشرد بهذا الصوت... اللعنة، تمتلك بحة مثيرة في صوتها... أنتِ تنجذبين للرجال فقط جلنار، تذكري.

اختفت ابتسامتها ما إن وقعت عيناها على جسدي وبدت في صدمة قبل أن تقول "هل أنتِ بخير؟ إلهي، قميصكِ مليء بالدماء" ظللت فاغرة فاهي ببلاهة وأنا أحدق فيها وأكاد أضع ابتسامة بلهاء وكبيرة كخاصة يوجين وجوزفين.

"هذه هي جلنار التي أخبرتكِ عنها" قالت واندر كاسرةً الصمت الغبي بيننا، اتسعت عين الفتاة وانطلقت نحوي وقالت "لي الشرف بمعرفة سيدة التوبازيوس. أرجوكِ، هل يمكنكِ إبعاد القميص حتى أتمكن من معالجتك؟" ظللت أنظر لوجهها وكل ما تفوهت به هو "ها!".

كان يوجين يجلس بالقرب منها وهو يسند وجهه على كلتَي كفيه وقال "هذه هي ملاك الرحمة بالفعل" بينما ظل جوزفين مع ابتسامة كبيرة بلهاء.

"أوه، أعتذر، لم أعرف بنفسي. أنا جومان كراميل ليبارتا، الطبيبة الملكية" أفقت من تحديقي وتداركت غبائي وأومأت كترحيب، أعادت طلبها بأن أخلع قميصي لأنظر حولي حيث جوزفين وأتريوس وهمست "هنا؟" نظرت حولها لتدرك الأمر وتقول "أعتذر، كانت حماقة مني، يمكننا الصعود للأعلى".

"لا بأس، يمكنكِ خلع قميصك، الجميع مشغول بالتحديق بقطعة السكر هذه" أكثر ما أتمناه مستقبلًا طريقة لصفع يوجين.

تحركت بصعوبة وتبعتني كراميل للأعلى، دخلت غرفتي وخلعت قميصي بسرعة لأنه كان يزيد الأمر سوء.

لم يكن علاجًا تقليديًا كما أعرفه، مليء بالمطهرات المؤلمة والضمادات! كل ما كان عليها فعله هو تحريك يدها فوق الجرح فيختفي، بكل هذه البساطة! عندما داوت كل جراحي شكرتها لتومئ برأسها قائلة "إنه لشرف لي".

ما إن فتحت الباب لتخرج وجدنا جوزفين ويوجين واقفان أمام الباب، تحرك جوزفين بسرعة وقال "سيدة كراميل، دعيني أساعدكِ في حمل الحقيبة" لم ينتظر موافقتها وسحب الحقيبة وأشار لها كي يوصلها لخارج المنزل وتبعهما يوجين كالأحمق.

تنهدت بيأس وعدت للغرفة وأغلقت بابها.

 

....

 

اليوم التالي كان الأخير قبل مجيء الحكيمة. الإصابات كانت أقل، بل تكاد تكون معدومة. كانت وتيرة أتريوس في القتال أسرع وأكثر شدة. بدأ الأمر بيوجين يشاهد قتالنا باندماج قبل أن تنضم ثونار ثم هارليك وجوزفين ولحقهما تنير جام قبل أن يتجمع الجميع حولنا يتابعون القتال بين كلينا.

ثم جاء اليوم الذي ينتظره الجميع، أو يخشى الجميع مجيئه! جاءت الحكيمة مجددًا مع وجهها الجاد وتلك الهالة المخيفة من حولها، كان سيف متحمسًا للغاية لأنه من سيعلن عن بداية القتال ونهايته، ولكن لم يكن أحد آخر يشارك سيف سعادته.

حضرت كراميل مجددًا مع الحكيمة تحسبًا لأي إصابات قد تحدث وبذلك تمكن يوجين من مشاركة سيف سعادته.

أُعلن ترتيب اختبار كل منا وكنت أنا الأخيرة بينهم مما أعطاني وقتًا طويلا من التوتر!

أربعة كان الجميع متأكدًا من فوزهم ونجاتهم من التدريب المكثف، اأوكتيفيان وثونار وأغدراسيل وأتريوس، دون مراقبة قتالهم كان الجميع يعرف أنهم سينجون، وفي كلٍ من الاختباريين الشخص الوحيد الذي كان يملك الجرأة للوقوف أمام أتريوس هو هاميدال، عندما أرى قتال أتريوس أوقن أنه كان يرأف بحالي في التدريب وأنا التي ظنت أنه يبذل كل طاقته في قتالي.

التالي كان لافيان، تعلم من المرة الأخيرة أن الحكيمة ليست محبة للمقالب والمُزاح لذلك كان جديًا هذه المرة، لم أرَ لافيان يقاتل سابقًا لأنه لم يُعطَ الفرصة لذلك وقد تم حسابه ضمن من أخفقوا بسبب مزحته، ولكن الآن هي مرتي الأولى في مشاهدة قتاله.

كان مذهلًا! سواءً كان القتال جسديًا أو باستخدام الأسلحة، ليس هذا فحسب! الرجل موهوب! كان يصنع سلاحا من أي شيء يراه أمامه! قطعة خشبية، رباط حذاء، ربطة للشعر، وأي شيء معدني حتى وإن كان علبة مياه يتمكن لافيان من جمعه وتكوينه وصنع سلاح في دقائق بينما يحارب في الوقت ذاته.

رؤية قتاله ثم قتال أرتيانو من بعده أعطتني فكرة، لمَ لا يعمل هذان الاثنان معًا؟ شخص يعطي الإرشادات وشخص ينفذ، حينها لن يستغرق لافيان سوى ثوانٍ لصنع الأسلحة الغريبة!

أرتيانو كان... عبقريًا! 

أجل، أكره هذا الفتى كثيرًا ولكن علي الاعتراف بأنه دائمًا ما يضع الجميع في ذهول، يمكنه تحويل أي هجمة للمنافس ضده بطريقة أو بأخرى، مناوراته الذكية تعطيه الوقت للتفكير والتحليل ومن ثم... بوم، يفوز!

لقد استخدم جهازًا لا أحد تمكن من رؤيته وألصقه بظهر منافسه بحركة لم يستطع أحد فهم متى قام بها ثم صعقه بكل بساطة، أنهى القتال في الثلاث دقائق الأولى!

جوزفين لم يهرب هذه المرة، ظننته سيستغرق وقتًا نسبةً لمزاحه وعدم جديته ولكنه أنهى قتاله في عشر دقائق تقريبًا، أفقد منافسه أعصابه بسبب سخريته المستمرة واستغل هذا لهزيمته، وبذلك نجا ذو المائة وجه من التدريب القاسي.

هارليك… ماذا علي القول؟ كان يشبه كرة زرقاء في القتال كما قال يوجين، لم يتوقف عن الحركة للحظة، كان من الصعب رؤية أين سيتحرك وأين يخطط للذهاب، في ثانية يهرب من بين قدمي منافسه ويستعمل الشجر ويتسلقه بسرعة ثم يقذف جسده نحو منافسه ليقوم بإصابته، يتحرك هنا وهناك بلا أي توقف، كمية الطاقة التي يخزنها هذا الفتى مخيفة.

وعندما أتعب خصمه هزمه ببساطة ووقفت أصفق له بفخر، أشعر كأني أرى طفلي يكبر... هذا درامي.

تينر جام تحسن كثيرًا وأنا أعنيها، استطاع دمج أسلوب قتاله الجسدي مع هجوم الطيور الذي نظمه وتثبيت الخصم بنباتات متسلقة. مشكلة تينر جام كانت من قبل أنه يُشتت عندما يستخدم قدرته على التحكم بالمخلوقات الحية فيخفق في القتال الجسدي، ولكنه لم يعد يعاني من هذه المشكلة.

زوندي نجا بصعوبة من التدريب المكثف، كان يقاتل ولكنه ما زال يعتمد على جسده كدرع. المثير للصدمة أن جسده سابقًا كان يستغرق ما بين الأربعين إلى الستين دقيقة للتجدد إذا فقد أحد أطرافه، ولكنه أصبح يستغرق خمس عشر دقيقة! وهذا ما شفع له، ليس سهلًا أبدًا.

عندما جاء دور رومياس كنت أنا وسكارليت أكثر المترقبين لقتاله، وأجل! توقف أخيرًا عن التردد في القتال. بلا مبالغة؛ رومياس قد يتمكن من هزيمة أتريوس يومًا ما في قتال جسدي وهذا واضح للجميع، هذا الفتى هو أهم ركن في القوة الهجومية ولكن تردده المستمر وتقليل الذات كان الشيء الذي يصيبه بالنكسة.

يمكنني معرفة السبب عندما أخبرتني سكارليت عن إخوته، كان جميعهم تقريبًا يسخرون منه؛ فقد كان الأصغر والأضعف بينهم، أتمنى مقابلتهم يومًا ولكم كل واحد منهم.

عندما قاتل رومياس بجدية أنهى القتال قبل أن يبدأ حتى؛ مما جعل سكارليت تقفز صارخة تصفق بقوة وبفخر بتلميذها وشاركتها القليل من هذا الفخر به ونسيت لوهلة أن دوري هو التالي.

عاد التوتر الذي نسيته لمدة وكان علي النهوض والتحرك للمنتصف وانتظار خصمي. لم أجرؤ على النظر نحو الحكيمة؛ فهذا سيذكرني بالتدريب المكثف والذي لا أريد أن أكون جزء منه أبدًا.

رأيت سكارليت تتحرك بابتسامة كبيرة لتتوقف أمامي وتنحني نصف انحناءة وتقول "لي الشرف بمقاتلة ابنة التوبازيوس" تلك الابتسامة على وجهها لم تكن تشعرني بالراحة أبدًا، سأقاتل مستذئبة؟

التفت أنظر للجميع، كانوا يعطونني تلك النظرات التي مغزاها الوحيد الشفقة، حتى أنني رأيت جوزفين يدعو ويصلي من أجلي ورومياس بدا مشفقًا جدًا على حالي وتمتم بشيء ما، سكارليت ليست بهذا السوء!

كان هناك سيفان على جانب كل واحدة منا إن قررت استعماله لكن بما إن سكارليت ستستخدم قبضتها فلن أجني على نفسي وأطلب السيف.

أعلن سيف بدء القتال وما كدت ألتفت حتى شعرت بلكمة تضرب وجهي مما دفعني للسقوط أرضًا، هذا كان سريعًا.

"كم أتمنى لو أنني أستطيع تناول الطعام، لكان الفشار أفضل مع هذا المشهد" أكره يوجين.

حاولت النهوض وأمسكت أنفي أتأكد أنه ما زال في مكانه، لقد نزفت من لكمة جميل!

نهضت وأخذت وضعية جيدة ونظرت لسكارليت التي أعطتني فرصة للنهوض ولكن ما إن أصبحت على قدمي تقدمت بسرعة ورفعت قدمها لركلي، انحنيت بسرعة قبل أن تلمسني قدمها بثانية وأخذت نفسًا وحاولت تهدئة نفسي.

السرعة، القوة والدفاع… تذكري، جلنار. عندما كادت تلكمني مجددًا أمسكت يدها وثنيتها تحت ذراعي ووجهت لكمة قوية لفكها لتبعد جسدها عني بسرعة وتنطلق مجددًا في محاولة إصابتي.

حسنًا، لنلعب قاعدة الخمس دقائق.

يمكنني تحليل سكارليت نفسيًا وكل ما أحتاجه خمس دقائق. قاعدة بسيطة؛ قم بالمناورة والدفاع وتجنب العدو لخمس دقائق وخلال هذا الوقت قم بتحليل قدرته الهجومية وطريقة قتاله، يختلف الوقت من شخص لآخر ولكن سكارليت تحتاج لخمس دقائق حتى أتمكن من قراءة جسدها، إن كان قتالها مع شخص آخر لانتبهت أن أسلوبها مكشوف تمامًا وحاولت المناورة، ولكن مشكلة سكارليت أن قتالها معي وهي مندفعة تجاهي لأني ابنة التوبازيوس؛ هزيمتي على يدها ستعطيها المزيد من الفخر والثقة، كما أنها تحاول إبهاري بأسلوبها في القتال ولذلك تكشف كل أوراقها.

كما أنها ستبدأ في الشعور بالملل؛ فهي تبحث عن قتال متبادل لا شخص كل ما يفعله هو الدفاع، وعندما تحاول كسر دفاعي المتوقع بالنسبة لها سيكون من السهل مفاجأتها بهجوم.

وبالفعل كما ظننت تمامًا تقدمت سريع لتقوم بهجوم قريب وتكسر دفاعي، لم تتوقع هجومًا مبادل في المقابل، لذلك ما إن رفعت قدمها لركل وجهي تجنبتها بصعوبة وأمسكت بقدمها بيد وباليد الأخرى ضربت معدتها وركلت قدمها التي على الأرضية من الخلف لتقع على وجهها بقوة.

كان الغالبية يراقب منذ البداية وعلى وجوههم نظرة واثقة بأني سأخسر أمامها بأسلوب الدفاع خاصتي، ولكن ما فعلته الآن كان كفيلًا بتغيير تلك النظرة.

قام أتريوس بإخباري مرة بأن علي استغلال لحظة الصدمة لدى الخصم وهذا ما كنت لأفعله لولا أن سكارليت استغرقت صدمتها ثانية واحدة قبل أن تنهض على قدمها وفي نفس الثانية تضرب معدتي بقوة ألقت بي على مسافة متر منها، أشعر بأني سأتقيأ معدتي!

"تعلمين كيف تستسلمين جلنار، صحيح؟ أن تضربي يدكِ على الأرض ولكن لا تفعلي، أنا أستمتع هنا برؤيتها تركل مؤخرتكِ" فليخرج أحدكم يوجين من هذه القصة اللعينة.

نهضت بسرعة وقاومت ألم معدتي وظهري قبل أن تتمكن مني وتقدمت ناحيتها حاولت لكم وجهها ولكنها تفادتها ولذلك لم أنتظر حركتها وركلت معدتها في المقابل، لم تُقذف مسافة متر كما حدث معي، فقط انحنت بألم قبل أن تستقيم وكأني دغدغتها.

تقدمت نحوي وقبل أن أبتعد لأدافع عن نفسي وجهت خمس لكمات مؤلمة جعلتني أتذوق طعم الدماء في فمي قبل أن تركل وجهي لأقع أرضًا، ودون أن تترك فرصة لأتنفس رفعت جسدي وركلت معدتي مجددًا.

هذا قاسٍ نوعًا ما، لكنه أغضبني، لقد كانت تلك هجمات متتالية ومؤلمة ولكنها أثارت غضبي، نهضت وأسندت يدي فوق الأرضية وبصقت الدماء من فمي، لمحتها بطرف عيني تتقدم نحو ولكني اكتفيت.

ما إن حركت يدها للإمساك بي أمسكتها أنا وسحبت ذراعها بقوة قبل أن أضرب رأسها بمقدمة رأسي ولم أترك يدها حتى لتترنح، ثنيتها بقوة للخلف وركلت ظهرها بركبتي بقوة قبل أن أدفعها وما إن انحنت للأسفل تمسك رأسها أصبت وجهها بقوة بركبتي مجددًا ورفعت رأسها ولكمت معدتها بقوة مرتين قبل أن أمسك جسدها وألتف لألقيها من فوق كتفي.

بعد إلقاء تماثيل أتريوس الثقيلة كانت سكارليت كثقل طفل مقارنة بهم.

وقفت ألتقطت أنفاسي بينما جسدها فوق الأرضية لم يتحرك، هذا كان مؤلمًا. ما إن أعطيتها ظهري سمعت صوت ثونار التي صرخت "التقطتي سيفك واللعنة!" لم أفكر حتى بما يحدث، ركضت ممسكة بالسيف والتفت أصد هجومها الذي صدمني.

حرفيًا ذلك لم يكن هجومًا عاديًا، لو تأخرت ثانية لقطعت رأسي لنصفين! كنت مذهولة ولكنها لم تكن كذلك، كانت النظرة في عينها غير طبيعية، وكذلك نبرتها الباردة وهي تقول "سكارليت لا تخسر". 

دفعتها ونهضت على قدمي ولكنها لم تسمح حتى لي بأخذ نفس، هاجمت بسيفها بقوة ووجدت نفسي أتحرك بتلقائية غريبة أصد هجماتها واحدة تلو الأخرى.

كنت أرى كل هجمة وأقوم بصدها ولكن كانت حركة كلينا سريعة، سريعة لدرجة أن تصادم سيفينا كان ينتج عنه شرارة… إنها تقاتل بجدية!

عندما شعرت بأن الدفاع بدأ يؤثر على كتفي دفعت معدتها بقدمي لتأخذ خطوات بعيدًا عني "سكارليت، تكادين تقتلينني!" لم تبدُ كشخص يبالي لأنها ركضت نحوي ووجهت سيفها لمعدتي، التففت حول نفسي أتفادى هجومها ولوحت بالسيف ليلمس مؤخرة رأسها.

"هذا يكفي"

قلت وأنا أحاول التقاط أنفاسي ولكنها انحنت في ثانية وعاودت الهجوم، كان هجومها قويًا وكان الغضب باديًا على وجهها، تلك ليست سكارليت اللطيفة!

دفعتها عني مجددًا وحاولت مهاجمتها ولكنها استغلت تلك النقطة بين الدفاع والهجوم وأصابت كتفي بقوة، لم أشعر إلا بألم قوي في كتفي ووقع السيف من بين يدي كرد فعل طبيعي لتدفعني فوق الأرضية على ركبتَي وتوجه سيفها لرقبتي.

"لن تتمكني من إمساك السيف بيد مصابة، لقد فزت" كنت أحاول استيعاب مجرى الأحداث، خاصة كتفي الذي ينزف بقوة… كان من الصعب الشعور بذراعي ومن المستحيل أن أقبض على السيف بيدي.

لمحت سيف يتقدم ليعلن نهاية القتال.

لكن لست أنا من سينتهي بها الأمر على ركبتيها.

في اللحظة التي توقعت سكارليت رؤية ملامح متألمة أو مذهولة على وجهي وضعت أنا ابتسامة جانبية أثارت صدمتها، وخلال ثوانٍ التقطت السيف بيدي اليسرى والتفت على ركبة واحدة لأقف، وما إن حاولت تدارك الأمر والهجوم صددت ضربتها بسرعة وهاجمتها أكثر من مرة لتصبح هي في موقع الدفاع قبل أن أستغل أول ثغرة في أسلوبها وأضرب يدها ثم ألقي بسيفها بعيدًا وألتفت واقفة خلفها واضعةً سيفي فوق رقبتها.

"كش ملك"

قلت بابتسامة قبل أن أضرب ركبتها من الخلف لتقع فوقها وما زال سيفي فوق رقبتها، كان عليها إبعاد سيفي تحسبًا، كانت واثقة من أني لن أستخدم يدي اليمنى وهذا كان صحيحًا، إلا أن ما لا تعرفه هي ولا أي شخص آخر هو أني أستخدم يدي اليسرى منذ الولادة، لكني كنت أحاول تقليد لوش في كل شيء، حتى مقدرته على الكتابة بيده اليمنى، واستخدامها كشيء طبيعي جعلني أتعلم استخدام يدي اليمنى ولهذا كنت أستخدمها حتى الآن، ولكن في النهاية لقد ولدت مع مقدرتي على استخدام اليسرى.

كان سيف واقفًا بذهول يحدق بنا بصدمة مماثلة للصدمة المرتسمة على وجوه الجميع، خاصة يوجين الذي لامس فكه الأرض ولكنه أفاق وصرخ بحماس وهو يعلن نهاية القتال بفوزي.

ما إن نطقها ألقيت سيفي أرضًا وألقيت جسدي معه وأنا أستريح، لقد كدت أموت اليوم!

لمحت ثونار وهي تركض نحوي مع تينر جام وعلى جانبي ما زالت سكارليت فوق ركبتيها تحدق بصدمة، سحبت ثونار جسدي بقوة وقامت بهزي كأني علبة لا حياة فيها "هل أنتِ بخير؟ لا تموتي! كراميل ستعالجكِ، أتحتاجين لإنعاش؟" أبعدت يدها وصحت "ستقتلين ما تبقى من روحي، ثونار!". 

جثا تينر جام أمامي وتفقد جرح كتفي ونزيف أنفي قبل أن يقول "أحسنتِ، لقد كنت مؤمنًا بفوزكِ". تينر جام ضمن قائمة الأشخاص الذين أتمنى أن أحتفظ بهم داخل زجاجة وأتأملهم يوميًا.

لمحت كراميل وهي تهرول نحوي وجوزفين الذي يتبعها بحجة الاطمئنان علي، ركعت بجواري وعاينت جرح كتفي وقالت "إنه سيء نوعًا ما" أزاحت القميص عن كتفي ووضع يدها فوق الجرح وهذه المرة شعرت بالألم وهي تعالجه.

الجيد أن الجرح لم يترك أي ندبة، اختفى فورًا وحاولت كراميل إزالة الدماء عن كتفي ووجهي، كان الغالبية متجمهرًا هنا، أولهم هارليك الذي ظل يسألني كل ثانية إن كنت أتألم، ولافيان الذي كل ما وقعت عيني عليه أراه يصفق من أجلي، وحتى زوندي الذي كان يضع ملامح لطيفة وقلقة.

أوكتيفيان أومأ من بعيد وأشار بأحسنتِ، أما رومياس كان ينظر لسكارليت بتأنيب ربما وغضب، أغدراسيل يتحرك نحونا وأتريوس ما زال يجلس ببرود ولكن هناك تقدم؛ فأنا أرى ابتسامة فخورة ولو كانت صغيرة على شفتيه.

ما إن أفاقت سكارليت من صدمتها نظرت نحوي بأعين متسعة وصاحت "إلهي! أنا آسفة، أنا حقًا آسفة. لقد خرجت عن السيطرة، أخبرت الجميع أنه من السيء أن أواجهكِ. أنا أعتذر حقًا، سيدة جلنار، أنا أعتذر، لقد كدت أقتلك. إنها عادة سيئة، أنا آسفة، يمكنكِ فعل ما تشائين بي. أنا أصبح شخصًا آخر عندما يتمحور الأمر حول القتال والهزيمة بسبب قوانين أكاديمية أولبابوس، من قبل كان علي الفوز في كل نزال و...".

قاطعتها لتصمت وربت على كتفها وقلت "لا بأس، هوني عليكِ. لقد أفزعتني، ظننتكِ تكرهينني" هزت رأسها بعنف وقالت "أشعر بالذنب حقًا، لقد حاولت إخبار الجميع بذلك ولكنهم قالوا أن القتال لن يصل لدرجة أن تقومي بهزمي" واو! هذه توقعات كبيرة من الحكيمة.

بالحديث عنها، كانت مكانها تراقب الجميع بهدوء معتاد منها قبل أن تنهض من مكانها ليصمت الجميع ويلتفت لها، نظرت نحونا لثوانٍ تتفحص الجميع بعينها قبل أن تومئ برأسها وتقول "أيها الفرسان، أحسنتم صنيعًا، لا أحد منكم قد أخفق اليوم". اتسعت ابتسامة الجميع ولكن ابتسامتي اختفت في الثانية التي قالت فيها.

"ابنة التوبازيوس، أحتاج للحديث معكِ على انفراد"

دعونا نفكر في الأشياء المزعجة في هذه اللحظة! 

آلام جسدي وطقطقة عظامي في كل حركة، التوتر اللعين ونبضات قلبي المزعجة وبعض الخوف الذي لا أحبه، وصمت الحكيمة وهي تسير وأنا أتبعها، وعُكازها أيضًا بدا مزعجًا، وإضافة لكل هذا... يوجين!

الأمر الجيد أن جملة ' الحديث على انفراد' لم تكن حرفية، طبعًا إن تناسينا يوجين، فالأمر كان يتضمن أتريوس؛ مما جعلني أتنفس براحة لوهلة. يمكنها الانشغال بقتل كرامته وقد تنساني بينما تفعل ذلك، إلا أني لا أظن أنه يمكن قتل كرامة هذا الرجل بسهولة.

تركنا المجموعة خلفنا ودلف ثلاثتنا وشبح رابعنا للمنزل وأعين الجميع تحدق بظهورنا، قبضتي كانت قوية فوق ملابسي لعلها تخفف قليلًا من حدة الموقف، ولسبب ما أظن أنني أعلم عما ستتحدث.

"أيملك أحدكما تفسيرًا عما حدث منذ ثلاثة أيام؟"

بينغو! لقد أصبت.

وبالرغم من أن حديثها كان موجهًا لكلينا؛ إلا أن جسد أتريوس استرخى فوق الأريكة ووجه نظره نحوي. أجل، وضعني اللعين في وجه المدفع.

حاولت لعب لعبة 'فلنتظاهر بأننا أغبياء' وقلت "ماذا حدث؟" وجهت نحوي نظرة جامدة جعلتني أتراجع عن قرار التظاهر بالغباء، إنها مرعبة بطريقة سيئة للنفس. "من الغباء أن تلفتي النظر لكِ، خاصة في هذا الوقت، أتظنين أنكِ تلعبين دور البطلة؟" ها نحن ذا.

"لا، شكرًا، لا أريد أن أكون بطلة أحد ولكنني لا أريد أيضًا أن أكون نذلة يمكنها تغيير الموقف ولكنها ستظل تشاهد!" ظلت ملامحها دون أن تتغير وهي تنظر لعيني بقوة، تلك النظرة التي تشعرك أنها تعلم أعمق أسرارك. "كان هناك طرق أخرى غير إثارة الفوضى" لوحت بيدي وأعترف بأني فقدت اعصابي لثانية وقلت "أجل، كان علي إعطاءه وردة وتقبيل وجنتيه والدعاء بالخير له" هذا ليس أسلوب جلنار، هذا أسلوب أتريوس؛ لذلك رأيت ابتسامة في طريقها لشفتيه.

"الحكيم وحده يتمكن من التعامل مع أحلك الأمور ببساطة تامة دون لفت الأنظار" بحق الله! ماذا كان علي أن أفعل؟ "ألست المسئول عنها؟" أوه، دور أتريوس. وجه نحوها نظرة باردة وقال "لم أختر هذا المنصب عن حب". ضربت بعكازها الأرض مما أوقف قلبي لثانية.

"لا أحد هنا اختار أن يكون أي شيء، توقف عن التصرف بأنانية! كان عليك مراقبتها ومنعها" هنا اعتدل أتريوس في جلسته وأرسل نظرة غامضة للحكيمة وقال "لا أظن أني كنت لأمنعها، ما كان أحد ليمنعها" لم يكن ردًا تريد الحكيمة سماعه حتى، ورغم ذلك ظل جسدها ثابتًا ولم يظهر أي انزعاج أو غضب، قدرتها على إخفاء مشاعرها مدهشة، أو أنها فقط لا تشعر بشيء!

وجدت نفسي أقول فجأة "أهذا فقط لأنهم من النبلاء؟ أعني… ماذا عن البقية؟ ألا حق لأحد في الدفاع عنهم؟ ألا حق لهم في الدفاع عن أنفسهم؟" التفتت لي وتلك المرة أرسلت نظر سيئة جدًا نحوي وقالت بهدوء "هذا شيء لا يمكنكِ التدخل فيه".

نظرت نحوها بعدم تصديق وقلت "أتعنين أنـ..." قاطعتني بصرامة:

"كوني جديرة"

التفت من حولي وقلت أنا "ولكن هــ..."

"أكثر قوة"

"أتمزحين؟ لا يمـ..."

"كوني حكيمة"

"توقفي عـ…"

"أكثر ذكاءً"

تنفست بغضب ولكنها وقفت أمامي مباشرة تنظر لعيني بنظر صارمة وقالت "كوني ما أنتِ هنا لتكونيه، ولا تتدخلي فيما لا يعنيك حتى لا تفتحي أبواب الجحيم في وجهك".

ومع هذا تحركت وقد تخطت جسدي، قبل ذلك وقفت بجواري وأرسلت نظر مباشرة بطرف عينها تجاه يوجين "وجودك هنا يجب أن يجعلها أكثر انضباطًا".

وخرجت!

لم أتمالك نفسي ورميت أول ما وقعت يدي عليه، لست نادمة حتى الآن ولن أندم، هذا أمر مفروغ منه.

تنفست بغضب واتجهت عيني نحو أتريوس الذي كان جالسًا فوق الأريكة بهدوء يراقب انفعالي ولكنه أبعد عينه ونظر بعيدًا وهو يفكر بشيء ما قبل أن تتجه عينه ناحية يوجين! بدا يوجين قلقًا لوهلة ولكن أيقن كلانا أنه لا يرى يوجين، ولكنه ينظر إلى ما قد نظرت له الحكيمة، سيء!

أبعدت عيني عن يوجين ما إن اتجهت عين أتريوس ناحيتي مجددًا وظل يحدق بي لمدة جعلت كل ذلك الغضب يختفي ويتبدل لتوتر وشعور غريب مزعج؛ لذلك عندما سئمت من هذا الصمت قلت "ماذا؟".

تراجع بظهره للخلف وحك ذقنه وقال "أكان يجدر بي منعك؟" رفعت حاجبًا وقلت "ما كنت لتقدر" تفحصني بعينه لوهلة قبل أن يتنهد ويتمتم "سيكون التعامل مع تلك العجوز صعبًا" أومأت كاتفاق ولكنه أردف "ولكن التعامل معكِ أصعب".

نظرت نحوه بعدم تصديق وقلت "أتمازحني؟ أنا لست معقدة" أومأ برأسه وقال "لستِ كذلك، أنتِ فقط غبية بعض الشيء" رمقته بنظرة بائسة وقلت "ألا يمكنك تحطيم رقم قياسي ضد نفسك وتكمل أسبوعًا من التعامل اللطيف؟" رفع كتفيه وقال "أحاول تنفيذ ما اقترحته واندر ولكن التعامل بلطف صعب، خاصة معكِ" أشرت نحوه بغيظ وأنا أحاول إيجاد شيء لقوله، لكني تنهدت وقلت "هيا! لقد حظينا بأوقات جيدة كأصدقاء" بدا متعجبًا وقال بإنكار "أصدقاء؟" أومأت وقلت "نعم، قبل ثلاثة أيام قلت أنني قمت بعمل شجاع وربت على رأسي، تذكر؟".

نهض من فوق الأريكة ونظر نحوي كأني غريبة وقال "لا أذكر شيئًا مماثلًا على الإطلاق" اتسعت عيناي وقلت "أتمزح؟ ماذا عن الغابة؟ تعلم، كان هناك لحظة من الصراحة بين صديقين، صحيح؟" أخذ زجاجة العصير من فوق البار ونظر نحوي بحاجب مرفوع وقال "لا أذكر أن هذا حدث حتى".

فغرت فاهي بصدمة وصحت به "أنت سافل!" نظر بتفكير لثانية قبل أن يقول "أخبريني بشيء لا أعرفه!" أخذ رشفة من الزجاجة وتحرك للأعلى لذلك قلت بصوت عالٍ "حاول إنكار ذلك قدر المستطاع ولكنك تريد أن تكون صديقًا لي، تريد ذلك وبشدة، أتريوس فلورمان!"

لم أتلقَّ إجابة سوى صوت ضحكات يوجين الذي يحاول كتمها لذلك أعطيته نظرة 'أنت أيضًا سافل!' لينفجر في الضحك ويصيح من بين أنفاسه "إلهي! لقد أنكر كل شيء تمامًا... لا أصدق أنه فعل هذا، أعني… ألا يشبه هذا شخصا واعد فتاة مزعجة ويحاول التخلص منها؟ حياتك هنا تصلح لتكون برنامجًا واقعيًا".

كتفت ذراعي وانتظرت منه أن ينتهي من الضحك وما زلت أعطية النظرة ذاتها وعندما قرر التوقف قلت "ألا تظن أنك تملك مشكلة أكبر؟" نظر نحوي باستفهام لأقول "تلك الحكيمة، إنها تعرف بوجودك وتراك بالكامل" رفع حاجبًا وقال "مرحبًا! لقد كان هذا واضحًا منذ زيارتها الأولى" عقدت حاجبي وقلت "قد تحاول قتلك فـ... أنت ميت بالفعل، أعني التخلص منك؟" نظر نحوي وكأني أغبى كائنات المجرة وقال "ألم تُلاحظي للتو أنها قالت بصريح العبارة أن وجودي يجب أن يجعلك منضبطة؟ أي أنني هنا لسبب وليست صدفة".

أخرجت 'أها' كبيرة عندما فهمت الأمر ولكني لم أتمالك نفسي وقهقهت قائلة "إن كان هذا سبب وجودك فاللعنة، لقد اختاروا الشبح الخاطئ" كتف ذراعيه ونظر للأمام قائلًا "هذا شيء مؤكد".

 

....

 

بقية اليوم كان مريحًا في الواقع، لم يباشر أحدنا بالتدريب بعد الاختبار، عدا أوكتيفيان الذي يفضل قتل نفسه بالتدريبات ورومياس الذي فضلت سكارليت تعذيبه، وبالحديث عن سكارليت… ظلت المسكينة تعتذر في كل دقيقة تراني فيها، حتى أنها ظلت بجواري لساعة تقوم بإحضار كل الطعام في المطبخ من أجلي لأنها تظن أني أكرهها.

لست غاضبة؛ فنوعًا ما كون قتالنا كان جديًا لتلك الدرجة أعطى فكرة واحدة للجميع، لست مستعدة للخسارة هنا.

بالطبع لم نرَ أتريوس؛ لذلك افترض الجميع أنه يحبس نفسه في مكان ما ويتدرب كأوكتيفيان، هذان الاثنان متشابهان.

المفضلين عندي كانوا لافيان وزوندي وثونار وهارليك وجوزفين ظللنا نمرح طيلة اليوم سعداء بالاستراحة البسيطة التي أخذناها، أما أغدراسيل اكتفى بالجلوس مع واندر والحديث معها، تينر جام كان في السوق مجددًا ولكنه سيعود قبيل الغروب؛ مما سيمنحني فرصة للحديث معه أخيرًا.

لذلك حتى عودة تينر جام استغللت هذا الوقت في أخذ حمام ساخن لدرجة جعلت البخار يمنعك من رؤية أي شيء، أعنى… أهناك أفضل من حمام ساخن لعضلات متصلبة؟ بالطبع لا.

عندما انتهيت كان تينر جام قد عاد بالفعل وقد أخبرتني واندر بأنه يقضي وقتًا في غرفة تدريبه الخاصة، انتظرت حتى يظهر أتريوس في أي لحظة ونذهب معًا، لكن يبدو أن خططه لا تتضمن النظر لوجه جلنار لبقية اليوم؛ لذلك عندما مللت الانتظار تحركت وحدي أبحث عن غرفة تينر جام.

دعوني أخبركم عن شيء اكتشفته وهو أكثر الأشياء روعة في هذا المنزل، عوضًا عن التجول ومحاولة إيجاد الغرفة بالصدفة فقط فكر في الغرفة التي تريدها، تخيل أنك ستفتح الباب الذي أمامك وستجد الغرفة المطلوبة وذلك يعمل في كل مرة.

يعمل لدرجة أنني ما إن فتحت الباب وانطلقت للداخل كانت قدمي تحلق في الهواء، تمسكت بالباب بقوة حتى لا أقع ونظرت للأسفل بفزع، لقد نجحت! غرفة تينر جام، إلا أنني لم أتخيل الباب في المكان الصحيح! أكره كيف يمكن لهذا المنزل أن يفاجئنا، وأكره أن يوجين يجد مني متعة ليومه بينما أنا معلقة بهذه الطريقة!

"جلنار! إلهي، تماسكِي، يمكنكِ فقط القفز، زهرة البرنش لينة، لن تقعي" نظرت لتينر جام قبل أن أحول عيني لزهرة ضخمة ذات لون أحمر "لا أظنها فكرة جيدة، تينر جام" رفع كتفيه قبل أن يحرك يده نحو الزهرة لترتفع من على الأرضية بينما سيقانها تصبح أكثر طولًا حتى أصبحت أسفلي مباشرة.

تركت الباب ووقفت فوق الزهرة ليحركها تينر جام نحو الأرضية مجددًا وأتنهد براحة. "عليكِ الحذر بالمرة القادمة" قال وهو يساعدني على لنزول من فوق الزهرة.

نظرت للمكان المحاط بالعديد من النباتات والزهور وتمتمت "المكان يزداد جمالًا كل مرة" ارتفع حاجبا تينر جام وقال "أكنتِ هنا من قبل؟" نظرت نحوه وأخرجت أوه صغيرة قبل أن أفسر "سمحت لي واندر بأخذ جولة في المكان، أتمنى ألّا أكون قد أزعجتك بهذا" حرك رأسه للجانبين وقال "لا شيء حولك يزعجني، جلنار. يسعدني أن مخبئي الصغير أعجبكِ" اتسعت ابتسامتي وقلت "أعجبني! أتمزح؟ يمكنني قضاء اليوم بطوله هنا هـ… أوه! تلك الوردة لا تزال هنا!"

تحركت مسرعة ناحية الوردة السوداء التي ما زالت محمية داخل صندوقها الزجاجي، يمكنني تأملها طيلة حياتي، فقط يمكننا تصغير تينر جام ووضعه بجانبها وحينها سيكتمل المنظر الجميل.

انحنى بجانبي ينظر نحوها وقال "جميلة، صحيح؟" أومأت بابتسامة، أتمنى لو يمكنني لمسها "من الرائع أن تمتلك مقدرة على صنع شيء بهذا الجمال" قلت موجهةً حديثي لتينر جام ولكنه حرك رأسه للجانبين بابتسامة وقال "تلك ليست ملكي" نظرت نحوه بتعجب وقلت "ملك من؟".

"إنها ملك لأتريوس، أحضرها هنا أول مرة عندما تقابلنا وطلب مني -إن لم أكن أمانع- أن أضعها هنا؛ فلن يمسها ضرر معي" حسنًا! هذا صادم نوعًا ما. "إنها سوداء! تشبه أتريوس" قال يوجين باقتناع لأرمقه بنظرة سيئة، أعشق كم أنها حالكة.

"من المستحيل أن أنبت وردة سوداء، أتعلمين كم من الصعب إيجاد وردة أو زهرة بهذا اللون؟" أومأت وقلت بصوت عالٍ "بالطبع، لأنه لون مميز" أجل، أقصدك يوجين.

نظر نحوي قال "إذًا.,. أخبرتني واندر أنكِ كنتِ تنتظرين مجيئي!" تذكرت أنني هنا للحديث عن قدراتي؛ لذلك ابتعدت عن الوردة وجلست فوق الدرج الصغير ليأخذ تينر جام مكانًا بجواري ويجلس منتظرًا مني بدء الحديث.

أخذت نفسًا وقلت "حسنًا، كما تعلم، من المفترض أنني ابنة التوبازيوس" أومأ وقال "ليس من المفترض، أنتِ هي ابنة التوبازيوس" هذا الرجل ألطف من قابلت "أجل، أنا كذلك، لذلك يجب أن أمتلك بعض القدرات وما شابه. هناك شيء ما بدأ بالظهور ولكننا لا نعرف كيف نبدأ بالأمر، وبما أنني أتحدث بصيغة الجمع فأعنيني وأتريوس، ولكن يبدو أن لديه أمور أهم للاهتمام بها" قهقه للهجتي الساخرة وربت على ظهري كمواساة " أتريوس ليس سيئًا صدقيني" هززت رأسي بشبه موافقة.

"لذلك سنبدأ بما يعرفه أتريوس، عنصري الأرض والرياح، وبما أنك أفضل من قد يفهم العلاقة بين الشخص والطبيعة وهذا كان إرشاد من ذلك القزم المزعج، فأنا هنا، لربما يمكنك مساعدتي" اتسعت ابتسامته وقال "بالطبع سيسعدني ذلك، كنت أنتظر أي فرصة حتى أساعدكِ ولو كان شيئا صغيرًا".

نظرت نحوه بامتنان قبل أن أقول "تبًا، لن أكبح نفسي أكثر من هذا" عانقته ليقهقه ويبادلني العناق.

"أصبحت على يقين بأنكِ لعوبة، فليتصل أحدكم بالشرطة، هناك فتاة تتحرش بجميع الرجال الوسماء هنا!" لست مضطرة لإخباركم من صاحب الجملة.

"كبداية عليكِ أن تعلمي أن الأمر لا علاقة له أبدًا بالقوة أو الذكاء، كل ما عليكِ هو الإدراك، الشعور بالرابطة بين عناصر الطبيعة جميعها، معظم الإلترانيوسيين لا يفهمون أن عناصرهم كلها تملك ارتباطًا وثيقًا بينها ولكن في موطني نتعلم كبداية أنه إن أردنا أن نتعلم شيئا عن الطبيعة فعلينا أن ندركها ككل"

حرك يده نحو الأرضية لتخرج نبتة صغيرة جدًا وخضراء "الأرض والماء والهواء والنار، ستجدين شيئا يربطهم جميعًا وشيئا يجعل كل عنصر ذا أهمية خاصة، لن تنبت الأرض بلا ماء، ولن يتبخر الماء للسحاب بلا حرارة، ولن يتحرك السحاب بلا هواء، كل شيء مرتبط وذو أهمية كبرى عليكِ إدراكها".

"إن فهمتِ شيئًا ما فأنا على استعاد للاعتراف بأني غبي" يوجين محق! هذا معقد، ويبدو أن تينر جام قرأ هذا على وجهي لأنه ابتسم وقال "أعلم أنه من الصعب استيعاب الأمر كبداية، ولكن الأمر سيصبح بسيطًا إن لم تفكري فيه كثيرًا، فقط حاولي الشعور به".

حرك يده ليلمس جذع النبتة الصغير لينمو بشكل أسرع ويصبح وردة بيضاء صغيرة "عليكِ فهم الأرض جيدًا، جلنار… حاولي الشعور بها حين تكون جافة، وحين تكون رطبة أو صلبة، ضعي يدكِ على سطح الأرض وحاولي لمس جذور كل نبتة من حولك، إنها أشبه بالشعور بشريان ينبض أسفل أصابعكِ، الأمر فقط لا يتطرق للأرض، الماء أيضًا من الرائع الشعور به، عندما يكون ساكنًا وتشعرين بأنه ناعم جدًا وصافٍ، وعندما تتساقط الأمطار تكون القطرات أكثر قسوة، حتى عندما يجري الماء يصبح مقاومًا ومندفعًا، الهواء على سبيل المثال، لكل تيار من تياراته ملمس، أحيانا تشعرين به خفيفا وناعما وكأنه فقط يداعب بشرتك؛ وهذا ما نسميه بالنسيم، وأحيانًا يكون قويًا يضرب بقوة ويلسع؛ وهذا هو العاصف، حتى حركة كل شعلة تتحدث عن نفسها، حرارة النيران ولونها وضوئها، إن حاولتِ فهم كل هذه الأمور وتصالحتِ مع كل حالاتها فصدقيني ستجدين الأمر بسيطًا".

"بالنسبة لي لا أجده بسيطًا، يبدو الأمر وكأنني أستمع إلى كاهن في معبد بوذا فوق الجبل يتحدث" رغم أن سخرية يوجين مبالغ فيها إلا أنني أتفق معه.

"يبدو أن الأمر لن يكون سهلًا" قلت ليبتسم ويقول "لا شيء يبدو سهلًا منذ البداية، لكنه يصبح  سلسًا بعد ذلك، أحيانًا علينا وضع أنفسنا تحت ضغط هائل لنستطيع إخراج القوة المكبوتة داخلنا، أظن أنكِ من هذا النوع" أنهى حديثه بقطف الوردة وتثبيتها بضفيرة شعري "ستبدين جميلة مع طوق من الورد، ذكريني أن أصنع واحدا من أجلك يومًا ما" تنهدت للطافته وقلت "هذا سيسعدني كثيرًا".

ظل كلانا يتحدث لمدة ويمكنني القول أن الحديث معه مريح جدًا، تمنى كل واحد للآخر ليلة سعيدة قبل أن ألقي نظرة أخيرة على الوردة السوداء أو وردة أتريوس وأخرج من الغرفة متجهة لغرفتي.

ظننت أن أسهل شيء يمكنني فعله هذا اليوم هو النوم! ما إن أضع رأسي فوق الوسادة سأغرق في سبات من الصعب أن أستيقظ بعده، ولكن لم أستطع إغلاق عيني حتى، لا أنفك أفكر عن كل ما قاله تينر جام… ربما سؤاله قبل النوم كان قرارًا سيئًا!

ثم بدأ يتملكني حماس غريب للمحاولة وتجربة ما قاله، زمجرت بتذمر وأنا أنهض جالسة فوق السرير، نظرت نحو يوجين... المحظوظ نائم بعمق وهو يطفو على ظهره "يوجين" همست لعله يستيقظ ولكنه لم يفعل؛ لذلك ناديت بصوت أعلى ولكن لا فائدة ترجى.

تنهدت وألقيت جسدي مجددًا وأحاول النوم، ولكني صحت بيأس ما إن عجزت عن ذلك.

نظرت للنافذة حيث الستائر منسدلة ولكن ما زال ضوء القمر يضيء جزء من الغرفة، إنه منتصف الليل ربما. فكرة ربما تكون سيئة خطرت لي! تعلمون، ليس من حق أتريوس أن يزعجني بشأن التدريبات بينما أنا لا يمكنني!

نظرت للسقف وحاولت تقييم كم يمكن لتلك الفكرة أن تكون خطيرة؟ إنها فكرة غبية وغالبًا قد تقتلني، ولكن هيا! منذ متى أوقع نفسي في مشاكل بسيطة؟ لذلك نهضت من فوق السرير، ألقيت نظرة سريعة نحو يوجين وخرجت من الغرفة.

تسلقت السلالم نحو الطابق الخامس بينما أشعر ببعض التوتر والحماس، أعنى أنه أتريوس، مجرد شخص عادي، لمَ كل هذا؟ أوه! لأن أتريوس ليس بشخص عادي أصلًا.

توقفت أمام طابقه المظلم بشكل مبالغ فيه وقبضت ذراعي بقوة حتى أتشجع وأخذت خطواتي نحو الأعلى.

كان من الصعب رؤية المكان بسبب الظلام الدامس هنا ولكني تحسست الحائط وظللت أسير حتى لمست يدي أول باب وقمت بطرقه.

طرقة، اثنتان... لا رد. أخذت نفسًا ونظرت للباب، أو للظلام إن كنا دقيقين، ورفعت يدي وطرقت الباب مرارًا وتكرارًا دون توقف.

التفت ما إن انفتح الباب ولكنه لم يكن الباب الذي أطرقه، كان الباب الذي بجواره والذي لم أرَه بسبب الظلام، ولكن الرؤية أصبحت أوضح بسبب الضوء الذي تسلل من الغرفة. تحركت ناحية الباب ولكني توقفت ما إن لمحت أتريوس واقفًا يحاول رؤية من المجنون الذي تجرأ وظهر في طابقه الخاص.

أخذت خطواتي ووقفت أمامه وعلي القول أن هذا ليس قرارًا صائبًا، كيف سأنظر لوجه بينما هناك صدر عريض وعارٍ أمامي؟ اللعنة، شعره مبعثر بطريقة لطيفة بينما عينه النعِسة تحاول التأكد إن كنت أقف بالفعل أمامه في هذه الساعة.

"لا تغضب وبالطبع لا تقتلني، أرجوك، ولكن استمع لي" بدى مشوشًا وغير واعٍ وهو يستند على الباب ويحاول إبقاء عينه مفتوحة، وقال بنبرة مبحوحة "جلنار!" تبًا، لمَ يبدو اسمي جميلًا فجأة؟ أفيقي أيتها الحمقاء! كان علي رؤية رجال أكثر أفضل من البقاء في الزاوية أدرس!

"لا يمكنني النوم" قلت كبداية ولكنه نظر لداخل غرفته وأعاد نظره نحوي قبل أن يقول "أتقفين أمامي بالفعل؟" دحرجت عيني وقلت "لا، روحي تزورك داخل الحلم، بالطبع أقف أمامك!" رفع خصلاته عن وجهه وفرك عينه أكثر من مرة، هذه عادة لطيفة ستؤذي عينيه مع الوقت.

"ماذا تريدين مني أن أفعل؟ أحكي لكِ قصة ما قبل النوم؟" أوه! نحن نستعيد أتريوس الساخر خاصتنا مجددًا؛ مما يعني أنه أفاق!

"لا، هناك ما هو أفضل، يمكننا التدرب" ظل يحدق بوجهي لمدة قبل يرجع لخطوة و... هل أغلق الباب في وجهي؟ حسنًا، هو من طلب ذلك.

أخذت نفسًا قبل أن أطرق بقوة على بابه وأصيح باسمه مرارًا وتكرارًا، يا رجل! هذا أكثر متعة من التدريب، يمكنني فعل هذا حتى شروق الشمس… أو يمكنني فعله حتى الثانية التالية لأنه فتح بابه فجأة ونظر نحوي بأسوأ نظرة قد ينظر بها لشخص ما. "أريدكِ أن تطرقي بابي مرة واحدة أخرى، جلنار" أظنه كان تهديدًا لا طلبًا، لكني ظللت أحدق بوجهه وحركت قبضتي نحو الباب ببطء وطرقته بخفة بينما لا أزال أنظر له ورسمت أكثر ابتسامة استفزاز على وجهي، هذا حقًا ممتع! 

رفع حاجبًا وبدا غير مصدق أنني بهذه الطفولية ولكنه تنهد في النهاية ودلك ما بين حاجبيه وتمتم "ما الذنب الذي ارتكبته في حياتي؟" تظاهرت بالتفكير وقلت "ربما حاولت إلقاء فتاة بريئة من فوق منحـ... اللعنة!" صرخت بفزع عندما انحنى وأحاطت ذراعه خصري قبل أن يحمل جسدي فوق كتفه بكل سهولة.

"لقد اكتفيت" قال بسخط وتحرك ناحية السلم، حاولت جعل نفسي ثقيلة كفاية وأنا أُدلي جسدي بطريقة أشبه بالموتى قبل أن أحاول تحريك جسدي بقوة يمينًا ويسارًا حتى يقع، لكن لا يبدو عليه أنه يعاني، الأمر أشبه وكأنه يحمل قطعة قماش بالية!

"بالتأكيد أعطتكِ ثونار شيئا وشربتيه" تمتم لأصيح بتذمر وأقول "لست ثملة، أنا فقط أعجز عن النوم، ولمعلوماتك أيها المدرب الفاشل، انتظرتك لنذهب لتينر جام معًا ولكن... تبًا، معدتي تؤلمني... ولكنك كنت مشغولًا بشيء لا أعلمه فذهبت وحدي وأخبرني طريقة لأتحكم بالعناصر".

"مبارك لك"

فتح باب غرفتي وتوجه ناحية السرير قبل أن يلقي جسدي بقوة فوقه، رغم أني سقطت فوق وسائدي إلى أن السقطة آلمت رأسي نوعًا ما.

فتحت عيني لأرى وجهه قريبًا كفاية لجعلي أفزع! كان يستند بيده على ظهر السرير والأخرى بجوار رأسي وقد انحنى ناحيتي لدرجة سيئة "لا تحاولي الاقتراب من غرفتي مجددًا، لا تحاولي حتى عبور السلم للطابق الخامس، توقفي عن إزعاجي".

"ماذا إن كنت أريد الذهاب للطابق السادس؟ يفترض أن أصعد سلالم الطابق الخامس أولًا! أهذا مسموح؟" حدق بوجهي لوهلة بعدم تصديق قبل أن يقترب فجأة مما جعلني أنكمش للخلف بعيدًا عنه إن كان ذلك ممكنًا. اشتم رائحتي قبل أن يقول "أنتِ لستِ ثملة بالفعل!" دحرجت عيني وقلت "لا أشرب".

أخذ نفسًا وقال "سنفعل أي لعنة تردينها غدًا صباحًا، أنا متعب وأحتاج للنوم" عبست بقوة وقلت "لكني لا أريد النوم!" ظل ينظر لوجهي لثانية قبل أن تصبح نظرته أكثر غرابة... نظرة قاتمة جعلت قلبي ينبض بقوة ويقرب وجهه ناحية خدي وكل ما تمكنت من فعله هو التجمد "ما أحاول توضيحه هنا هو ألّا يجب على فتاة المجيء لغرفة رجل في منتصف الليل بينما الجميع نائم" همس قبل أن ينظر لعيني ويقول "من يعلم ما قد يحدث؟ فلا أحد قد يمنعني حينها".

اتسعت عيني ودفعت صدره بقوة بعيدًا عني لكنه غمز وقال "أوبس، أمسكت نقطة ضعف أخرى هنا" تغيرت ملامحه لأخرى غير مبالية وقال "لا تقتربي من طابقي" وخرج.

"يبدو هذا كمشهد من رواية عنوانها العذراء ووحش القلعة" نظرت نحو يوجين الذي ما زال مستلقيًا ولكنه ينظر نحوي، الآن استيقظت! زمجرت بسخط قبل أن أضع الوسادة فوق رأسي وأحاول النوم.

لم يكن من السهل أن أستيقظ صباحًا لأني غفوت مع طلوع الفجر وعانيت وقتًا مملًا وأنا أحدق بالسقف، لكني اضطررت للنهوض بسبب واندر التي ظلت تتردد مائة مرة على غرفتي حتى فقدت أعصابها وأصبحت صورة جميلة عن أمي وهي تصرخ صباحًا.

غسلت وجهي وكنت أكسل من أن آخذ حمامًا؛ لذلك جمعت شعري للخلف وعلي القول أن هذه ليست أجمل عقدة قد اعقدها، خرجت من الغرفة وأنا بالكاد أحاول ألا اصطدم بأي شيء في طريقي قبل أن أغلق الباب بقوة ليستيقظ يوجين بفزع، هذا مضحك وشرير في الوقت ذاته.

حاولت ألا أقع من فوق السلالم والذي كاد يحدث مرتين قبل أن أتحرك ناحية المطبخ لأحضر كوبًا من أي شيء قد أشربه ليصبح مزاجي أفضل. "أحضري كوبًا معك" قال أتريوس ما إن رآني أملأ كوبي، أومأت وملأت كوبًا له ووضعته أمامه قبل أن أجلس وأحاول عدم النوم فوق الطاولة.

"تريدين بعض الكعك؟" رفعت يدي نحوه ليضع اثنتين في يدي، كريم!

تناولتهما وما زال رأسي فوق الطاولة وبالكاد أفتح عيني، رفعت رأسي وأخذت رشفة من كوب العصير قبل أن ألمح أتريوس ينهض متجهًا للمطبخ "أحضر مزيدًا من الكعك، إنه لذيذ" قلت ليملأ الطبق ويضعه أمامي ويقول "كان عليكِ النوم مبكرًا عوضًا عن طرق الأبواب" أريد التواقح لكنه محق "أتفق معك، أشعر بالصداع" تمتمت وحشوت فمي بالكعك.

"لدي بعض الأدوية الجيدة لآلام الرأس، سأحضر بعضها" قال بينما نهض متجهًا للأعلى. واو، أتريوس لطيف جدًا في الصباح، إلا إن كان جوزفين متنكرًا مجددًا... أوه، لا! جوزفين يجلس هنا ويحدق بي كما يحدق الجميع.

عقدت حاجبي وتفحصتهم جميعًا قبل أن أقول "ما خطب نظرة 'اللعنة، هذه نهاية العالم' التي على وجوهكم؟" فتح جوزفين فمه وأغلقه قبل أن يصيح "لأنها نهاية العالم! ما اللعنة التي تحدث؟" رفعت كتفي وفضلت عدم قول 'أصبحنا أصدقاء ولكنه يحاول إنكار ذلك' وأكملت فطوري.

"أخبرتكم، هذان الاثنان بينهما شيء". صاحت بثونار "لا شيء بيننا! لمَ تصرين أنتِ أيضًا على ذلك؟" رفع حاجبًا وقالت "أهناك أحد آخر يظن ذلك؟".

"نعم، إنه أنا" التفت أنظر ليوجين قبل أن أعيد نظري لثونار وأقول "لا! لا أحد".

"هل أتريوس يتعامل بـ… لا أعلم، بتهذيب؟ لطف؟ ألا يسخر منكِ؟" قال زوندي بتشوش ولكن قاطعنا صوته وهو ينزل من فوق السلالم "أفكر في جعلكِ تركضين مائة مرة حول المنزل لإعطائك الأقراص" اتسعت ابتسامتي وأشرت ناحية السلالم وقلت "انظروا من عاد للتو؟ أتريوس!".

قد يبدو هذا غريبًا ولكن أصبحت أحب نسخة أتريوس الساخرة، أو أنني فقط تصالحت مع الأمر… نحن البشر نتأقلم بسرعة.

ألقى بعلبة صغيرة مليئة بالأقراص نحوي لألتقطها وآخذ قرصًا منها والذي كان مفعوله سريعًا جدًا!

دخل أوكتيفيان فجأة وبدا مضطربًا "هناك اتصال من الحرس الملكي" قال لتتغير تعبير الجميع ويترك كل شخص ما كان بيده، حرك أوكتيفيان السوار حول يده والذي كانت إحدى خرزاته تضيء بلون أحمر ليعرض صورة مجسمة لرجل في الأربعين من العمر.

"أعتذر لمقاطعة فطوركم اللطيف ولكن المقاطعة الخامسة تمت مهاجمتها وهي تتحول لقطعة من الفحم المحترق حاليًا، أرسلنا لكم مركبات لأخذكم إلى هناك، طاقم الإنقاذ في طريقه بالفعل، لكننا لا نعلم حجم الضرر وإن كان لا يزال هناك أي عدو هناك"

خلال ثانية كان الجميع يتحرك نحو الخارج، الجميع إلا أنا أجلس هناك أحدق بهم بصدمة قبل أن أستوعب ما قال وأنهض بسرعة معهم.

أوقفني أوكتيفيان أمام باب المنزل وقال "أين تظنين أنكِ ذاهبة؟ ستبقين هنا" نظرت نحوه بعدم تصديق وقلت "أتظن حقًا أن هذا الوقت الملائم؟" رفع حاجبًا وقال "بالضبط!" تحرك متجهًا للخارج لذلك تبعته وقلت "لا يمكنك استثنائي، أنا قادمة" توقف قبل أن يتنهد ويقول "ما زال أمامكِ الكثير، جلنار! ما تسمعينه وما ستشاهدينه شيئان مختلفان، أنتِ لستِ مناسبة لهذا بعد".

"لست أنت من تحدد هذا" نظر نحوي وكأنه لم يتوقع شيئًا كهذا مني. "أنتِ ستبقين" قال كأمر نهائي بينما كان الجميع يحدق بنا، التفت ليتجه للمركبة ولكني نظرت نحوه بسخط قبل أن أشمر ساعدي وأتحرك ناحية المركبة. 

نظر نحوي باستنكار وقال "ألم تسمعي ما أمرتـ..." قاطعته "أنا من آمر هنا لا أنت! أنا ابنة التوبازيوس لا أنت، لا تجبرني على التصرف بطريقة لا أريد التصرف بها!" أحسنتِ، جلنار. "هذه فتاتي" همس يوجين بجوار أذني لأبتسم بثقة بينما ظل أوكتيفيان ينظر بلا تصديق.

"ستأتي" التفت الجميع ناحية أتريوس ما إن قال كلمته "أنا المسئول عنها وأنا من يحدد" قال وهو ينظر لعيني أوكتيفيان ببرود قبل أن يمسك ساعدي ويسحبني خلفه ناحية مركبته "ستلازمين جانبي ولن تقومي بأي شيء غبي، إن كان هناك أحد رجال الإيربوس ستبقين في المركبة ولن تحاولي القتال، أهذا مفهوم؟" أومأت برأسي لينظر نحوي لمدة ويقول "لا تجعليني أندم على هذا" أومأت مجددًا وقلت "أحاول فقط المساعدة".

نظر نحوي لثانية قبل أن يومئ بشبه ابتسامة ويشير للمركبة حتى أصعد بجواره، أعلم أن الأمر مأساوي وأن هذه حرب لا مزحة، ولكن لسبب ما لا يمكنني التوقف عن الابتسام، الأمر وكأننا فرقة خاصة أو مشابه.

وجود يوجين كان مساعدًا في تخفيف التوتر كالعادة ولكن وجه أتريوس الجاد كان يؤلم معدتي نوعًا ما.

قبل أن يبطئ من سرعة المركبة قال "هناك سيف على المقعد الخلفي اجعليه معكِ لأي ضرورة قد تحدث، ولكن طالما كان أحد جنود العدو في المنطقة لا تتحركي من المركبة" أومأت لطلبه قبل أن أقول "لقد قال ذلك الرجل المقاطعة الخامسة، أين تقع؟" تنهد وقال "مناطق الحدود مقسمة لسبع مقاطعات، كل مقاطعة لها اسم بالطبع، أشبه بقرى متجاورة، ولكن رجال الملك يفضلون إطلاق كلمة مقاطعة عليها. المقاطعة الخامسة هي قرية تسمى تريبم، لم يتم إخلائها كما حدث مع نورث وبينيفيا وهايبر، الثلاث مقاطعات الأولى التي تم إخلائها والأقرب من منطقة الهجوم، أما جولد و تريبم و غرولي و جونري، المقاطعات الأربعة الباقية ظلت كما هي ولم يتم إخلائها حتى أصبحت عرضة للهجوم، الأمر فوضى كاملة".

هذا سيء بالفعل!

لاحظت انخفاض المركبة مما دفعني للنظر نحو الزجاج، كانت هنا ثلاث مراكب أخرى للبقية، ثونار وأغدراسيل لم يحتج أي منها لمركبة وغير ذلك… كان كل شيء بخير!

نظرت نحو أتريوس باستفهام لكنه بدا مشوشًا، أيضًا لمس جهازًا ما معلقًا بأذنه وقال "هل أنتم متأكدون أن تريبم هي ما تعرضت للهجوم؟" لا أعلم بماذا رد البقية ولكنه قال "لا يبدو لي المكان هنا يعاني من خطب!".

فتح سقف المركبة وقفز خارجها لأفعل المثل وأنظر من حولي، كان المكان مسالمًا جدًا، ساحة بها القليل من المركبات بالإضافة لمركباتنا، وعلى بعد مسافة كانت هناك منازل عادية والأشخاص يسيرون هنا وهناك. لا حرائق، لا دمار، لا ذعر!

"ما فكرة هؤلاء الأشخاص عن الحرب؟" سأل يوجين وهو ينظر للمكان من حولنا بتعجب.

خرج البقية من مركباتهم بينما أوكتيفيان يحاول الاتصال بشخص ما للتأكد من المعلومة التي جعلتنا نترك الفطور ونهرع إلى هنا!َ

"جلنار!" نظرت ناحية يوجين ولكنه كان ينظر للأشخاص الذي يمرون من حولنا بتركيز. "ماذا هناك؟" همست نحوه ليقول "هناك شيء غريب!" دحرجت عيني وقلت "أتظن ذلك؟ بالطبع هناك شيء غريب، تم إبلاغنا عن هجوم ولا شيء يحدث" أغمض عينه وحرك رأسه للجانبين وقال "ليس هذا ما أتحدث عنه، أتتذكرين العلامات التي أخبرتكِ بأني أراها؟".

عقدت حاجبي أحاول التذكر "جلنار! العلامات التي على صدوركم تشير لطبيعة الشخص وهنا يحمل الأشخاص رموز طاقاتهم" ارتفع حاجباي وأومأت بسرعة لينظر لأحد الرجال الذي مر بنا وابتسم نحوي بطبيعية "هؤلاء الأشخاص لا يحملون واحدة!".

اتسعت عيني ونظرت نحوه ليومئ برأسه كتأكيد وينظر حولنا بتشوش.

ما الذي يعنيه هذا؟ لا يحملون علامات؟ نظرت ناحية الفرسان الذي يتحدثون فيما بينهم ويبدو أنهم اتفقوا على التوجه للقصر الملكي لمعرفة ما الخطب.

نظرت حولي مجددًا قبل أن آخذ خطوات نحو أحد الأشخاص وأقوم بإيقافه "عذرًا، هل مات أحد أقربائك اليوم؟" نظر نحوي لمدة قبل أن يقول "هذا غريب ولكن لا، لم يمت" أومأت نحوه وأخذت خطوة للخلف ليبتعد "ما الذي حدث للتو؟" نظرت ليوجين وهمست "هذا الرجل لم يبدِ أي رد فعل! لغة جسده بالكامل ميتة، لا شيء يدل على الغضب أو التعجب أو... أي شيء! هناك خطب سيء".

"جلنار، هيا!" صاحت ثونار بي لأن الجميع بدأ يتحرك لمركبته. لا، لا يمكننا الذهاب، هناك خطب ما هنا. تحركت نحو المركبة وما زلت أنظر حولي وأنا أحاول إيجاد شيء يدل على غرابة ما يحدث.

كدت أصعد بجوار أتريوس ولكني توقفت لثانية ما إن لمحت شيئا ما "جلنار، هيا" قال أتريوس بنفاد صبر ولكني قفزت فوق الأرضية مجددًا وتحركت مقتربة من ذلك المنزل.

"ما الذي تفعله؟" سمعت أحدهم يسأل أتريوس قبل أن ينادي علي، حركت عيني حول المنازل الموجودة قبل أن آخذ خطواتي نحوهم وأقول "شيء ما لا يبدو طبيعيًا" تحركت ثونار وأغدراسيل نحوي وخرج أوكتيفيان من مركبته متجهًا نحونا "هل يمكنني أن أعرف لما لا تصعدين للمركبة؟" نظرت نحو أوكتيفيان وقلت "لأنه بوضوح هناك شيء ما يحدث" قلت ليتنهد بصبر ويقول "بالطبع، لقد تم إعطائنا بلاغ خـ..." قاطعته "لا أعني البلاغ، أعني المكان هنا، بجوار الأشخاص غير الطبيعيين! لمَ جدران المباني كلها تحمل هذه العلامة الباهتة؟".

التفت الجميع ينظر لما أشير لتتسع عين ثونار وتتراجع لخطوة وتنظر حولها "هذا سيء، هذا سيء!" صاحت بهم لينظر الجميع نحوها بتعجب، تمتمت بشيء ما قبل أن تصفق بيدها بقوة وخلال ثانية وكأننا كنا داخل فقاعة ضخمة وانفجرت، تبدل حال المكان من حولنا.

"إنها تعويذة من السحر الأسود، تعويذة وهم قوية... لقد تم وضعنا داخل وهم كبير"

لم أستطع الرد على ثونار ولم يستطع أي منا فعل ذلك، كنا نحدق بصدمة للمكان من حولنا، المكان المسالم كان يشتعل حرفيًا، الصراخ في كل مكان والسماء حال لونها للأحمر لكثرة النيران في المكان والدماء على الأرض.

لم يستغرق البقية ثوانٍ حتى أفاقوا من الصدمة وركض كل منهم في محاولة لإطفاء النيران والمساعدة، وظللت أنا بساقين مرتجفتين أنظر حولي بصدمة.

لا توجد أي علامة على المقاومة، فقط جاء بعض الملاعين أحرقوا القرية واختفوا. كنت خائفة من فكرة التحرك من مكاني، الشعور بالحرارة تملأ المكان ولا شيء سوى صراخٍ متكرر، سواء أكان صراخ امرأة أو طفل أو رجل، هناك فقط صراخ. 

ألم يقولوا أن هناك قوات دعم سريع أو ما شابه؟ أين هم؟

ركضت ناحية المركبة وحاولت البحث عن أي جهاز يمكنني من التحدث مع أحد ما وكنت محقة، كان هناك واحد موصول بالمركبة ما إن رفعته كان هناك صوت لرجل يقول "مركبة C4 تحدث".

"أين قوات الدعم اللعينة؟ أين طاقم الإنقاذ؟" كنت هلعة وأحاول تمالك نفسي لكن غباء الرجل الذي قال "من يتحدث؟" جعلني أفقد أعصابي وأصرخ "صلني برجال الملك أو الرجل صاحب البذلة الذي تحدث مع الفرسان هذا الصباح! هناك قرية تشتعل بالكامل أيها الغبي!".

صمت لوهلة قبل أن أسمع صوت صفير لأصرخ بجنون "لا تغلق في وجهي أيها السافل!" فجأة جاءني صوت رخيم وجهوري "هذه المركبة تم إرسالها للفرسان! عرف عن نفسك" اتسعت عيني ما إن لاحظت أنه الرجل ذاته الذي أرسل رسالة هذا الصباح "لقد قلت أن هناك قوات إنقاذ قادمة للمقاطعة، المكان يحترق ولا أحد هنا!" ما زلت أصرخ ولا يمكن لأحد لومي.

"أرسلنا قوتنا ولكن لا شيء أصاب القرية بالفعل، يبدو أنه بلاغ كاذب، أي فارس أ.." قاطعته صارخة "هذا لأن هناك تعويذة وهم أيها الحمقى الأغبياء، أرسل القوات اللعينة حالًا!" أخذت نفسًا وحاولت الهدوء وقلت "المكان بأكمله تدمر لقد وضعوا تعويذة من الوهم وقد كسرتها ثونار الفارسة الثانية، هل تذكرها أم أن علي محاولة تذكيرك أيضًا الآن؟" فقدت أعصابي في النهاية وصرخت مجددًا. "القوات في طريقها" قال لأتنهد وألقي السماعة بعيدًا.

حاولت أخذ أنفاسي ونظرت من حولي، يجب أن أساعد، علي المساعدة.

زفرت وقفزت خارج المركبة وانطلقت أبحث عن أي شخص يحتاج مساعدة. أوكتيفيان كان محق! ما أسمعه وما سأراه مختلفان تمامًا، لقد كنت أرتجف عندما وقعت عيني على عشرات الجثث الميتة، أجثو كل مرة بجوار جسد ما لربما فقط مصاب بإغماء ولكنه ميت.

ظل يوجين ينظر نحوي بقلق وظل يطلب مني العودة للمركبة ولكني لم أفعل، التفت عندما سمعت بكاءً قريبا من مكاني ونهضت أركض ناحيته، كانت فتاة مراهقة تمسك بقدمها التي اخترقها أحد أعمدة البناء الرفيعة.

ركضت ناحيتها بسرعة وتمسكت بي فورًا وهي تبكي بقوة، حاولت إزاحة عينها بعيدًا قبل أن أحاول التماسك أنا وأعصابي اللعينة وأسحب المعدن الصدأ من بين قدمها، زاد صراخها حدة لأنزع قميصي وأبقى بالقميص القطني وأقوم بربطه حول ساقها حتى لا تفقد الكثير من الدماء.

قلت الكثير من 'ستكونين بخير' والكثير من 'لا بأس' ولكني كنت خائفة، حملت جسدها بعيدًا عن الحطام المحترق، أوقفني رجل ببزة سوداء من الجلد وقناع يغطي فمه وحمل الفتاة من بين يدي وقال "حاولي نقل أكبر عدد ممكن من الناجين لمركبة مركز الإسعافات، إنها أكبر مركبة ستجدينها" أومأت وتحركت بسرعة وحاولت إبعاد الدموع اللعينة عن عيني.

سحبت طفلين من بين الأنقاض، أحدهما كان فاقدًا للوعي والآخر في صدمة ونقلتهما بسرعة لتلك المركبة قبل أن أعود للبحث عن المزيد. في الخمس عشر دقيقة ظللت فقط أنقل المصابين ولا شيء آخر يدور في عقلي.

توقفت ما إن رأيت طفلة صغيرة تجلس في منتصف اللا مكان تبكي، ركضت نحوها لعلها مصابة ولكنها ظلت تسحبني لمكان ما.

تبعتها لربما شخص ما مصاب ولكني تجمدت ما إن تركتني وركضت تجلس بجوار امرأة نصف جسدها تحت حائط ضخم، ركضت بسرعة ما إن عدت لوعي وجثوت بجوارها، كانت حية ومستيقظة وتحاول قتل أي تعبير للألم على وجهها وهي تمسك بيد ابنتها.

"لا بأس، سيدتي. سأحاول إخراجكِ من هنا" قلت بصوت مرتجف لتنظر نحوي بعينين مليئتين بالدموع وتقول "لا أشعر بنصفي الآخر، أشعر بالبرد" لا تنهاري هنا، جلنار.

حاولت طمأنتها ونظرت حولي؛ علي إيجاد شخصا يتمكن من مساعدتي في رفع الجدار عنها، نهضت وحاولت زحزحة الجدار ولكن لا شيء يجدي نفعًا، إنها تموت! لا يمكنني حتى إيجاد شخص قد يساعدني.

"خذي ابنتي بعيدًا" همست وهي تمسك بي، نظرت لأبنتها التي تكاد تبلغ الخامسة وهي تحاول دفع الجدار بعيدًا عن جسد والدتها "سأجلب المساعدة" قلت ونظرت حولي ولكن لا أحد سوى الموتى، صرخت باسم كل شخص أعرفه ولكن لا فائدة، من قد يسمعني هنا؟

ركضت نحو مركبة الإسعافات ولكني توقفت ما إن سمعت صراخ الطفلة بأمي!

التفت وعدت نحوها بسرعة كانت تحاول دفع الجدار وتبكي وهي تنظر لوالدتها التي أغمضت عينيها، بيد مرتجفة حاولت قياس نبضها وشهقت باكية عندما لم أشعر بشيء.

حاولت بيأس رفع الجدار وأنا أصرخ بسخط... لا يمكنني تركها تموت إن أخرجتها سأتمكن من إنعاشها ربما، وإن تركتها وحاولت البحث عن مساعدة لن أمتلك فرصة لإنعاشها، المركبة بعيدة ولا أحد حولي. صرخت مرات عديدة وحاولت زحزحة الجدار حتى جرحت يدي وأصابعي لتنزف.

لا فائدة، لا يمكنني إنقاذ امرأة واحدة! جلست فوق ركبتَي بيأس ونظرت للطفلة التي تبكي وتحتضن رأس والدتها. "جلنار، لقد ماتت" قال يوجين وهو ينظر نحوي بمواساة ولكني ظللت أنظر نحوها وأعاود المحاولة.

رُفع الجدار فجأة وأُلقي بعيدًا ليظهر أغدراسيل الذي ينظر نحوي بدهشة، نظرت للمرأة وتحركت نحوها بسرعة أحاول إنعاشها.

اضغطي على صدرها مرة أخرى بعد، ستستيقظ ،أنا متأكدة، يمكنني إعادتها. مسحت أنفي بذراعي وحاولت مجددًا بينما أحاول تمالك نفسي. "لقد توفت" قال أغدراسيل وهو يربت فوق ظهري ولكني حاولت مجددًا، لا! ما زلت أملك فرصة لإنقاذها. لديها ابنة، لا يمكنها الموت بهذه الطريقة!

"جلنار، توقفي" أمسك أغدراسيل بي يحاول إبعادي ولكني صرخت به ودفعته بعيدًا عني وزحفت نحوها مجددًا أحاول إنعاشها، لا يمكنها الموت!

لمحت أغدراسيل يلتقط الطفلة وينظر نحوي قبل أن يتحرك، أنا الطبيبة وأنا من يمكنني تحديد إن ماتت أم لا، ما زال يمكنها النهوض.

فقط… فقط لو تمكنت من إنعاشها أو...

توقفت عن المحاولة ونظرت نحو وجهها الذي لا ينطق بالحياة قبل أن أجلس وأضع رأسي بين قدمي وأحاول التوقف عن البكاء. "جلنار" رفعت عيني نحو يوجين الذي جلس بجواري "لا بأس" شهقت مرة تليها الأخرى قبل أن أشعر بالبرودة والمطر يهطل بقوة وهو يضرب جسدي.

أسندت رأسي فوق ركبتي وهمست:

"لا فائدة ترجى مني!"


*****************************************

ويلكممممم باااااااك

نهاية مأساوية للفصل لكن للحرب قواعدها 

مهما كنت فاهم انك قوي او جاهز فالواقع مختلف تمامًا عن افكارك 

الموت والدم مش سهلين 

الحرب مش سهله 

عشان كده كتذكير متنسوش اخوانكم في فلسطين بالدعاء 

لو دي مجرد روايه اثرت فيك ففي ناس بتعيش احداث زي دي يوميًا على ارض الواقع

الله يفك كربتهم وينصرهم يارب

اتمنى الفصل يكون عاجبكم 

لوف يو 

باي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

30 تعليقات

  1. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  2. الفصل أكثر من رائع 🥹🥹❤️❤️❤️

    ردحذف
  3. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  4. حبيت تذكيرك بفلسطين وربطك للأحداث ❤️

    ردحذف
  5. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  6. وربي دمعت الفصل هذا مرره يحزن 😭

    ردحذف
  7. للمره الثانيه اقراها بعد سنين ولسه بتاثر فيي الكثير من الدموع🖤🥺

    ردحذف
  8. 💔💔💔💔💔💔💔💔الجزء الاخير من الفصل 🥺🥺🥺

    ردحذف
  9. الفصل راااائع
    ربنا يفك كربت كل فلسطيني و يطمنه على أهله يارب ربنا معاهم أن شاء الله
    انا متحمسه للفصل الجااااي اويييييي😭❤️✨

    ردحذف
  10. فعلا البارت يوجع👩🏻‍🦯

    ردحذف
  11. شكراً عالبارت وشكرا على دعمك النا اسراء الله يارب يفك الحرب عنا قريبا اللهم انصرنا يارب العالمين 🇵🇸💪

    ردحذف
  12. مع انو نهاية البارت مأساوية لكنها محمسة للاجزاء القادمة 🥺🥺

    ردحذف
  13. نصر الله اخواننا في فلسطين ، ربنا يفك كربهم وينصرهم عن عدوهن

    ردحذف
  14. انا غرقت المخدة بدموعي، ربنا ينصر فلسطين واهلها

    ردحذف
  15. الفصل في الاول لطيييف بشكل ويضحك وفي الاخير نهاية مأساوية وكيف شرحتي وضع فلسطين مع الحرب

    ردحذف
  16. جميل كالعاده ♥️♥️

    ردحذف
  17. ياعمري الله ينصرهم يارب

    ردحذف
  18. احلى مكافأة بعد الاختبار الجميل

    ردحذف
  19. يجماعة تدروا أيش أنتظر؟
    قتال اثنين ضد واحد!!!
    ذاك القتال مستعدة أدفع أي شي عشان ارجع اقراه مرة ثاني لأنه بجد من أحسن القتالات بالرواية كلها😭😭👏🏻👏🏻👏🏻🔥🔥🔥

    ردحذف
    الردود
    1. قصدك قتال رومياس وجلنار ضد اتريوس ؟

      حذف
  20. الفاتحة لروح كل شهداءنا المسلمين والصبر لأهلهم وذويهم

    ردحذف
  21. لحظة صمت لأستوعب...
    الفصل.. اه قلبي 😞 بترك الفقره الاخيره للنهايه..
    -
    احب تعزيز يوجين لجلنار هههه تحسه فرحان فيها وبقوتها اكثر منها 😭
    -
    واو!! كيف قدرت تتقن استعمال السيف بيوم بس!! وربي رهيبة وسرعة تعلمها وتطورها تخووفف
    -
    قتال جلنار مع سكارليتتت!! عااا خفتت تخسرر بموتت بس كان كلي امل فيها وتدريباتها مع اتريوس نا بتروح عالفاضيي بغيت اصرخ من الحماس يوم فازت 😭😭 وانها تستعمل يدها اليسرى؟ واو، فاجأتني
    وابتسامة اتريوس الفخوره-- اهخخخخ قلبي
    وخوف الفرسان وقلقهم عليها💗
    -
    الطبيبة الملكية حلوهه! ما الوم يوجين يخق عليها هههههههههههه
    -
    جلنار البلاير خلصت من اتريوس واغدراسيل وحولت على تينر جام🌹🌹

    بسس! الوردة السوداء لأتريووس!! عااااا انصددممتت بس حبييتت وربي 😭 تشبهه على قولة يوجين
    جلنار واقعه للوردة وهذا يعني انها واقعه لاتريوس وانا مقتنعة بكلامي تماما😊
    -
    بككييتتت لما جلنار راحت لاتريوس عشان تبي تتدربب!😭 وضحكنيي يحسبها سكرانة من ورا ثونار متتت ههههههههههه
    بس بس-- يمه يا قلبي أتريوس غير جيد لصحتي ابدا 😵

    وكيوتت جلنار واتريوس الصباح عالفطور! ما الوم نظرات الباقين لهم لان هالمشهد النادر ما تشوفه الا مرة بحياتك هههههههه
    ويضحك كيف ان جلنار تعودت وتقبلت سخرية اتريوس لدرجة صارت تشتاق لها مرات عشان تحس انه هو الدنيا بخير واتريوس هو لسه اتريوس 😭😭😭
    -
    -
    وصلت للفقرة الاخيرة.. اوتش..
    بالبداية تحمست يمكن وقلت "اوه جلنار بتروح تقاتل! واو شي حلو!" بس لا ، لا لا لا لا.
    سيئ الوضع كان سيئ جدا ، انكسر خاطري على جلنار وهي تحاول تساعد الام، حاولت تنعشها وتنقذها رغم انها ماتت اصلا، يوجين قالها لقد ماتت عشان يخليها تستوعب واغدراسيل عاد الكلمه، واكيد هي بنفسها تعرف ان الام ماتت! بس يمكن كانت لسه تنكر وتحاول عشان توري نفسها انه في امل انه يمديها تنقذها لانها طبيبه وان لها فايده، مره زعلتنيي ودموعها اوف 💔 مع انه مو تصرف جيد لفارس ومقاتل بس هل تنلام؟ لا. اول تجربة لها طبيعي تكون بهالحالة. اتمنى تقدر تتخطى بسرعة وانا واثقة فيها زي ما قدرت تتاقلم مع وضعها هنا ومع التدريبات ومع كل شي وكانت قوية بتكون قوية هنا كمان وبتقدر تتخطى الموضوع.. جلنار فعلا قوية وفخري وثقتي فيها كبيرين وايد

    ردحذف
  22. بس اريد اعرف ليش دائماً تبالغون بشخصية البطلة!!

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال