الفصل السابع والثلاثون | على مشارف المعركة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهم إني أسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سألت به أعطيت، أن تهدني هداية لا يعقبها ضلال".

إفصاح آخر "لا تنحسر الحضارة أبدا، فقانون الحاجة دائما ما يدفعها إلى الأمام". جول فيرن

 مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل السابع والثلاثين

أخرجت ثونار نفسًا ما إن وضعت جسد كاراميل فوق سرير جلنار، بالرغم من أن كاراميل ليست بذلك الثقل، إلا أن فاقدة الوعي نتيجة الشراب المفرط كانت ترمي بكامل ثقلها على ظهر ثونار. 

مسحت على ظهرها بألم واستندت على الجدار تنظر للجسد الملقى على السرير بينما تتمتم بكلمات غير مفهومة. "عليها أن تدفع لي عندما تستيقظ مقابل هذا" تذمرت لتقهقه جلنار وتعتذر عوضًا عن كاراميل. "أين ستنامين أنتِ؟" وجهت سؤالها لجلنار، فالأخرى تحتل السرير بالكامل كما أن جلنار تمقت رائحة الكحول التي أصبحت تفوح منها.

"سأتدبر أمري" أجابت وهي ترفع كتفيها وتنظر للغرفة حولها. يوجين كان نائمًا وهذا دفع جلنار للتنفس بالراحة؛ فهذا يعني مصائب أقل. 

"حسنًا إذًا، يجب علي النوم أيضًا، أراكِ غدًا" ودعتها ثونار لتومئ الأخرى، مالت ثونار نحو كاراميل وربتت على رأسها ساخرة "أيتها المرأة المسكينة، احصلي على نوم جيد" دحرجت جلنار عينيها مبتسمة.

ضحكت وابتعدت عن المسكينة الثملة لكنها ارتعبت عندما أمسكتها الأخيرة من عنق ملابسها وفتحت عينيها بصعوبة وبنبرة آمرة قالت "إنه مؤلم؛ لذلك لا تكسري قلبه" اتسعت عينا جلنار وكادت تتدارك الأمر، لكن ثونار لم تترك فرصة وهي تسأل "أكسر قلب من؟".

صفعت جلنار رأسها ما إن هتفت كاراميل كطفلة "جوزفين بالطبع! أنه معجب كبير بك" عين ثونار اتسعت أضغاف حجمها الطبيعي وصاحت جلنار تتدارك الأمر "إنها لا تعرف ما تقول، هي فقط ثملة" وجهت ثونار نحوها نظرة بطرف عينها تحاول اكتشاف ما يحدث. 

"لا، أنتِ قلتِ ذلك! جوزفين قال ذلك… إنه واضح" نهضت جالسة بالكاد توازن رأسها لتدفعها جلنار بسرعة لتعود للنوم وتغطي جسدها حتى رأسها بالغطاء.

 "ماذا يعني هذا؟" نظرت لثونار التي كتفت ذراعيها تنظر نحوها.

"ماذا يعني ماذا؟"

 رفعت ثونار حاجبًا "لا تلعبي هذه اللعبة معي، أنا أفضل من يلعبها جلنار، هل كنتِ تعرفين أن جوزفين معجب بي؟".

حركت رأسها للجانبين بسرعة "إنه ليس كذلك" نفت بينما تصلي أن تصدق ثونار "بل هو كذلك" صوت كاراميل من تحت الغطاء خرج قبل أن تغط في نوم عميق. 

"جوزفـ..." قاطعتها جلنار وهي تدفعها لخارج الغرفة بسرعة "يمكنكِ سؤاله غدًا، لا شأن لي!" صاحت قبل أن تغلق الباب وتسند ظهرها عليه بإرهاق.

تنهدت وهي تنظر نحو كاراميل التي زادت الأمر سوءً دون إدراك، لم تستطع لومها أو الشعور بالغيظ منها، خاصة عندما تذكرت ما حدث في طريقهم للمنزل وما قالته عن نفسها.

لم تكن جلنار تعرف أن غنائها سيؤثر في كاراميل لهذه الدرجة، بالرغم من أن كراميل من العائلات النبيلة، عائلة جلين خاصة -وهي ثالث أقوى عائلة- إلا أن كاراميل مختلفة عنهم. 

أرادت أن تعمل كطبيبة ملكية منذ الصغر، لكنها كانت تحمل حلما خفيا آخر، أرادت أن تكون طبيبة لسكان الحدود والعامة، حتى أنها خططت لتنظيم دوامها وكانت تترقب التخرج فقط لتحقيق أمانيها.

عائلتها رفضت بشدة أن تختلط ابنتهم بالعامة وسكان الحدود ووضعوها أمام خيارين: إما العمل في القصر الملكي -وهو حلم كل طبيب- وإما الخروج من العائلة والعمل كطبيبة للضعفاء بلا أجر كبير أو منزل أو عائلة، ولن تعمل حينها في القصر الملكي. 

جلنار كانت تؤمن أن الأشخاص في الحقيقة لا يمكنهم التضحية والإيثار كما يفعل أبطال الأفلام؛ فليس كل شخص جيدٌ بلا عيوب أو سيءٌ بلا محاسن. 

كاراميل فضلت العمل في القصر الملكي على حلمها بمساعدة من هم أضعف منها، ومنذ ذلك اليوم كلما نظرت في المرآة رأت فتاة أنانية فضلت العمل ضمن الطبقة الأفضل متجاهلة تلك الرغبات التي لن تخاطر لتحقيقها، لم تشعر جلنار بأن كاراميل حقيرة أو أنانية كما وصفت نفسها. 

هي فقط اختارت ما لن تتمكن من التخلي عنه، لا يتحلى الجميع بالتضحية والإيثار، كل شخص يشعر بالخوف وليس الجميع يمكنه أن يكون قويًا واثقًا وطيبًا لدرجة غير منطقية… كاراميل لم تملك الجرأة، ولكن على الأقل امتلكت الرغبة في فعل شيء يكرهه الأشخاص من حولها ويمقتونه، هذه قد تكون شجاعة. 

"تبدين كشخص يختار بين بابين مجهولين خلف أحدهما الجحيم، ما الأمر مع هذه النظرات؟" نظرت جلنار نحو يوجين الذي حلق نحوها قبل أن تلمس قدميه الأرض.

"كاراميل أخبرت ثونار للتو بأن جوزفين معجب بها" اتسعت عيناه قبل أن ينفجر ضحكًا "لو كان يمكنني شرب الماء الآن لفعلت حتى أبصقه من الصدمة".

زفرت جلنار قبل أن تترك الغرفة للخارج "إلى أين؟" صاح يوجين وهو يتبعها "المكتبة، لا أشعر بالرغبة في النوم، وحتى إن شعرت بذلك؛ فلن أتمكن من النوم" قالت قاصدة كاراميل التي تحتل سريرها. 

"ماذا ستفعلين في المكتبة إذًا؟" نظرت ليوجين قبل أن تجيب "سأقرأ" دحرج عينيه وعلق بتهكم "ظننتكِ ذاهبة لتناول الغداء" قهقهت بخفة ووضحت "سأقاتل أتريوس بعد يومين، إن قرأت أكثر عن أساليب القتال سأتمكن من فهمها وتنفيذها، الدروس العملية وحدها ليست كافية".

"إذًا عليكِ قراءة ذلك الكتاب الضخم عن التوبازيوس عوضًا عن تركه في غرفتك" ارتفع حاجب جلنار باستغراب "لمَ سأحتاج له؟" ظهر نفاد الصبر على تعبير يوجين قبل أن يقول "لأنه يبدو ككتاب يحتوي على كل المعلومات المختلفة عن أجساد وقوة الإلترانيوسين ولا أحد يمكنه قراءته سواك؛ مما يعني أنه بالتأكيد هناك معلومة جيده مخبأة هنا أو هناك ستفيدك".

توقفت جلنار لوهلة تدرك مدى غبائها ومدى ذكاء يوجين لتصفق قائلة "أنت رائع يا رجل، لم أفحص الكتاب جيدًا آخر مرة، لكن ما زلت في حاجة لما هو أكثر من هذا" أنهت جملتها وهي تتمتم بتفكير.

"يمكنكِ إذًا التدرب معي؛ فأنا لا أشعر بالألم" عبرت جلنار القاعة الكبيرة قبل أن تدلف للمكتبة وتجيب يوجين ساخرة "ولا يمكنك القتال أيضًا" نظر نحوها بصدمة وصاح "أنتِ تقومين بإهانتي، أنا مقاتل جيد و..." توقف عندما اخترقت لكمة جلنار رقبته "المقاتل الجيد يملك رد فعل جيد، ولا يعرض رقبته لضربة مكشوفة قد يقوم بها طفل كهذه".

رفع كتفيه بلا مبالاة "لا أهتم، ما زلت مقاتلًا جيدا" أيقنت جلنار أن لا فائدة من الحديث معه؛ لذلك انطلقت تبحث عن كاليسيو في هذا المكان، نادت باسمه أكثر من مرة، لكنه لم يظهر. "أين هو؟" تمتمت وهي تنظر حولها، يوجين مال نحوها قائلًا "أقسم أن هذا الرجل شبح أكثر مني". 

"أنا هنا" قفز الاثنان فزعًا عندما ظهر كاليسيو خلفهم بابتسامته الودودة كعادته "يا رجل، أعترف! لقد فزت، تمكنت من إرعاب شبح لا تراه حتى!" صاح يوجين ومال يتمالك نفسه "أعتذر، لم أقصد التنقل بلا صوت، لكنها خصلة لا يمكنني التخلص منها" اعتذر وانحنى بأدب "لا بأس، إنها خصلة جيدة" تمتمت جلنار وحاولت تهدئة ضربات قلبها.

"ألا تخرج من هذا المكان أبدًا؟ ألا تأكل وتشرب وتقضي حاجتك أبدًا؟" سأل يوجين وهو يتفحص كاليسيو بعينه، الأخير حرك رأسه للجانبين مجيبًا "لا نحتاج لأشياء كهذه إلا على مدار القرون، عائلة دي سنا لونيو أخذت عهدًا على نفسها بحماية هذه الكتب والبقاء معها طيلة حياتنا وحتى مماتنا، أبي، وجدي من قبله، وجده من قبله".

تبادلت جلنار نظرات حذرة مع يوجين الذي سأل بنظرات فزعة "أنت لا تعني أن والدك وجدك ماتوا هنا!" أومأ كاليسيو بابتسامة وأجاب بكل صراحة "بالطبع فعلوا" اقترب يوجين من جلنار حتى التصق بها "هناك جثث في المكان!" كان صوته بالكاد يخرج، ولكنه كان مسموعًا لكاليسيو الذي قهقه "ما إن تدلي بقسم الولاء للمكتبة، تحصل على ميزات كثيرة لا يحصل غيرنا عليها، عندما نموت لا تبقى أجسادنا كجثث، بل تتحول إلى كلمات".

قرأ كاليسيو الاستنكار على وجه جلنار وصمت يوجين؛ مما دفعه ليطلب منهما أن يتبعاه، تحرك الاثنان خلف كاليسيو وأصبحوا بين أرفف الكتب التي تبدو أكبر وأكثر عددًا وأنت تسير بينهم. اختلف المكان وأصبحت الإضاءة أقل ونزل ثلاثتهم ثلاث درجات صغيرة قبل أن يتوقفوا أمام مساحة دائرية كبيرة في منتصفها طاولة فوقها مثبت خشبي لكتاب ضخم ذي غلاف غامق بلون أخضر وزخارف من ذهب مغلق بإحكام ضخم ومليء بالصفحات يحميه غطاء من الزجاج.

"هذه هي مقبرتنا" أشار كاليسيو نحو الكتاب الضخم ليقترب كل من يوجين وجلنار خطوات ليتفحصا الكتاب قبل أن يوجها نظرة متسائلة نحو الأمين "هنا ستجد قصة كل أمين حرس هذه الكتب، ما أن نموت تتحول أجسادنا لكلمات تظل في هذا الكتاب حيث يتم تسجيل أهم الأحداث التي مرت على كل أمين في المكتبة".

بدلت جلنار نظرها بين الكتاب وبين كاليسيو الواقف بجواره بصدمة "أنت تعني الأمر حرفيًا؟ أجسادكم تتحول لكلمات داخل كتاب؟" أومأ مؤكدًا قبل أن يقول "منذ زمن طويل أوصى الحكيم الأكبر بعائلتي كأمناء للكتب وهذا كان قبل وجود هذه المكتبة حتى، أينما كانت الكتب نحن سنجمعها ونحرسها ونحافظ على انتقالها من جيل لآخر، وما إن يقسم أحد أفراد دي سنا لونيو بكامل عقله وبرضاه الكامل على أن يعطي حياته لأجل المكتبة؛ تتغير حياتنا وتتغير طبيعتنا التي تعود لسكان الإلترانيوس قديمًا".

فرقع يوجين أصابعه وأشار ناحية كاليسيو قائلًا "هذه هي النقطة، هل تعيش كامل حياتك هنا؟" أومأ كاليسيو "ما إن أدلي بالقسم فأنا جزء من الكتب".

"وكيف إذًا يأتي فرد جديد للعائلة؟ كيف تتكاثرون؟" سأل يوجين قبل أن ينظر لجلنار ويهمس "لا تخبريني أنهم يقومون بتلك العملية هنا!" تحولت ملامح جلنار للتقزز ونظرت نحوه بحده ليهمس "ماذا؟ إنه أمر يحصل". 

"في سن معين يُسمح لي بترك المكتبة تحت حراسة تعويذة ضخمة لا تسمح لأي شخص بالدخول للمكان إلا من أسمح أنا لهم بذلك، حينها يمكنني البحث عن شريك لحياتي، ما أن يأتي مولود لعائلتنا أعود مجددًا لحراسة المكتبة، وما أن يبلغ طفلي سن معين يمكنه المجيء والبقاء معي في المكتبة حتى يصبح الأمين التالي"

زمت جلنار شفتها تحدق بالكتاب الذي يجمع ملايين الصفحات "إذًا أنتم إلترانيوسيين؟" أومأ برأسه وأجاب "سابقًا، لكن القسم يغير طبيعتنا، تؤخذ منا العناصر وعوضًا عنها نتمتع بالقدرة على صناعة التعاويذ والتحكم بالكتب وقدرات أخرى مفيدة لحراسة الكلمات هنا، أعمارنا تكون طويلة جدًا قد تعادل أعمار العمالقة حتى نحرص على انتقال الكتب من جيل لآخر، كما أننا لا نشعر... يتم سلب مشاعرنا وفي المقابل كل ما نشعر به هو الوفاء والحرص على الكتب".

يوجين ظل فاغرًا فاهه بصدمة قبل أن يهمس "هذا جنون". لوهلة شعرت جلنار بالشفقة على كاليسيو وعائلته، وكأن كاليسيو قرأ مشاعرها مما دفعه للضحك بينما قال "هذه ليست عقوبة، تذكري أننا نملك خيار القسم، نعرف ما سيحدث لنا بعد القسم، بل أننا ننتظره بفارغ الصبر، لا أحد يجبرنا على حب الكتب وإن كان ثمن البقاء معها التخلي عن مشاعرنا؛ فالكلمات في كل صفحة تعوض عن ملايين المشاعر". 

لم تتمكن من الاعتراض، إنه محق؛ فيبدو شغوفًا جدًا بالمكان وأن تختار مسؤولية كهذه مقابل التخلي عن أشياء لا تقدر بثمن كالمشاعر لهو قرار صعب، ولكن عائلة دي سنا لونيو تنتظر يوم القسم وتعيش لأجل الكتب وحمايتها، لا معاناة هنا، إنه اختيار.

"إذًا، لماذا جئتِ للمكتبة في هذا الوقت؟" سؤاله أعادها لأرض الواقع، كما أنها نسيت بالكامل أنها هنا للقراءة عن الفنون القتالية، فحديث كاليسيو من شأنه أخذك بعيدًا كل مرة.

"أردت قراءة بعض الكتب عن فنون القتال" رفع حاجبًا وصمت للحظة ثم ابتسم "أمامكِ وقتٌ طويل إذًا" لم تفهم جلنار ما خطب هذه النبرة حتى ابتعدوا عن كتاب تاريخ عائلة الأمناء واتجهوا لمركز المكتبة، بحركة واحدة من يد كاليسيو كانت مئات الكتب -ربما ألف وما يفوق- سقطوا على الطاولة وفي كل مكان بانتظام فوق بعضهم البعض. 

سقط فك جلنار بصدمة، ويوجين استمتع بتعبير وجهها وقضى دقائقه في الضحك. "هذه الكتب كلها تخص فنون القتال، ليلة سعيدة" لم تغفل عن السخرية والاستمتاع في صوت كاليسيو لتلقي جسدها فوق المقعد وعينها تجول عليهم جميعًا.

كانوا موضوعين بانتظام وترتيب معين ساعدها في معرفة من أين عليها أن تبدأ وما هي الأساسيات -والتي كان أتريوس يكررها في كل مرة- والأفضل بالنسبة لجلنار هو أن الكتب كانت مرفقة بصور، لكنها لم تكن صور عادية فبمجرد فتح الصفحة تصبح الصورة مجسمة أمامها وتتحرك في الشكل الذي يشرحه الكتاب.

لم يكن الأمر يقتضي الجلوس فوق الأريكة والقراءة، بل كان عليها تنفيذ كل كلمة تقرأها، شرح الكتب جعلها لا تنسخ ما تراه، بل تدرك ما تقوم بفعله وتغير قوانينه لقوانينها الخاصة.

حتى طلوع الشمس جلنار كانت قد أنهت خمسين كتابًا وأكثر، بالرغم من أنه لم يكن رقمًا كبيرًا بالنسبة للكتب الموجودة؛ إلا أنها شعرت بالإنجاز. 

قامت بتحويل عشرات الكتب لغرفتها، وألقت نظرة على كاراميل التي لا تزال نائمة، لم تقاوم إغراء فتح الستائر كما تفعل واندر كل صباح قبل أن تدلف للمرحاض لأخذ حمام سريع، وعلى عكس ما كانت تظن؛ لم تشعر برغبة في النوم أو الإرهاق بالرغم من أن اليوم السابق كان متعبًا جدًا، لكن يبدو أن جسدها أصبح أكثر قابلية لاحتمال البقاء لأيام دون نوم.

أخذت خمسة كتب واتجهت للحديقة التي أنارها ضوء الشمس، وبما أن اليوم كان منعشًا اختارت إكمال تدريباتها هناك.

 

....

 

"ماذا تفعل؟"

لم يرفع عينه عن الألواح الضوئية التي تحمل الكثير من المعلومات والصور الشخصية وأجاب على مضض "أعمل" ارتفع حاجب الأكبر بدهشة وأخرج ضحكة ساخرة "بنجامين ألفن يعمل! هل انشقت السماء وجاءت نهاية العالم؟" لم يرسم بنجامين ابتسامة صغيرة حتى لمزحة أخيه الأكبر، بدا منغمسًا في عمله. 

فلوريان أدرك أن الأمر جدي، خاصة أنه يرى شقيقه الصغير للمرة الأولى يجلس على مقعد العمل؛ فلطالما كان مختلفًا عن أفراد ألفن الذين يطمحون للمال والقوة، بنجامين لم يكن في نظر الجميع سوى الفتى المدلل الذي لن يفهم أحد تصرفاته، لكن فلوريان كان يعلم جيدًا مدى ذكاء شقيقه المخيف.

"عن ماذا تبحث؟" سأل وهو يتقدم نحو الطاولة البيضاء الكبيرة، يحاول أخذ نظرة لما ينظر له شقيقه في هذه الألواح الإلكترونية "شيء ما" تمتم وعقله بعيدٌ كل البعد عن حديث أخيه "شيء ما أم شخص ما؟" ارتسمت ابتسامة جانبية على وجه بنجامين، وبالرغم من أنه لم يجب؛ إلا أن الإجابة كانت واضحة لفلوريان. 

"توقف عن تجاهلي وأخبرني ما الذي يجذب انتباهك وتركيزك ويجعلك تجلس داخل مكتب للعمل الذي تكرهه"

ألقى بنجامين اللوح الذي بيده ونظر نحو أخيه من بين خصلات شعره الشقراء التي تركها تنساب فوق وجهه. "إنها غير موجودة" عقد فلوريان حاجبيه بتعجب ولم يفهم عمن يتحدث بنجامين "من تقصد؟" رفع الأخير شعره للأعلى لتتساقط بعض خصلاته مجددًا على وجهه "هي، ليست ضمن السجلات". 

ظل فلوريان مشوشًا واتجهت عينه للألواح الأربعة فوق الطاولة والتي تحمل أسماء الكثير من السكان ومعلوماتهم الشخصية. طرق بنجامين الطاولة بأصابعه وعينه تنظر لنقطة وهمية والكثير يدور داخل عقله "هل يمكنك إعطائي اسمًا حتى أعرف من الذي تتحدث عنه؟" صاح بانزعاج لشعوره بالغباء في هذه اللحظة.

"تلك الفتاة فلوريان" نظرة بنجامين ضربت الإدراك في عقل فلوريان وعلى الفور تذكر من تركت الفوضى في حياتهم لأسبوع.

"كان أمر سيدة كلسيثينيس واضحًا بنجامين، لا نحتاج للكثير من المشاكل، خاصةً في هذا الوقت" أخرج بنجامين ضحكة ساخرة ورفع نظرة إهانة نحو أخيه "كلسيثينيس! نحن أكثر نفوذًا من الاستماع لامرأة تؤمن بالمساواة" أومأ فلوريان وقال "وأنت أكثر ذكاء من أن تضرب بأوامر سيدة عائلة تملك ثاني أكبر نفوذ عرض الحائط، لو عرف أبي بالفوضى التي خلقناها فأنت تعلم أن الأمر لن يمر على خير".

تنهد بنجامين وأسند ظهره على المقعد "إذًا لربما سيهتم أبي بمعرفة أن هناك فرد من الحدود لا يملك سجلات رسمية" حدق فلوريان به لثانية قبل أن يعلو صوته "أتعني أنها ليست من ضمن من تم نقلهم إلى هنا بعد هجوم الإريبوس؟ تقصد أنها هاربة غير قانونية!".

ضحك بنجامين بصوت عالٍ أغضب فلوريان؛ فأخيه يستخف به، لكن لم يعرف أن ضحك بنجامين يحمل السخرية مما اكتشف ليس إلا.

"أخي، الأمر ليس بهذه البساطة، أنا هنا منذ الأمس، هذه الفتاة لا تملك أي هوية في أي من سجلاتنا، لا من العامة ولا من الحدود ولا النبلاء ولا حتى السيرين أو العائلة الملكية، بالمعنى القانوني... هذه الفتاة لا وجود لها"

ارتفع حاجب فلوريان ونظر بعيدًا يحاول التفكير فيما قاله أخيه "ربما هي ليست إلترانيوسية!" نهض بنجامين وتحرك نحو الخارج وقبل أن يترك المكان نظر لأخيه بطرف عينه قائلًا "لمَ إذًا كذبت وقالت إنها من سكان الحدود؟ ولمَ قال الحرس أنها استخدمت عناصر الطبيعة؟ عنصرين في الوقت ذاته، أخي".

 .... 

 ألقى بجسده على الأريكة وكاد يغمض عينيه مجددًا بالرغم من أنه استيقظ للتو، لم يهتم حتى بصوت الضربات خارج المنزل، ولا صوت جلنار التي تتحدث مع شخص ما، كل ما أراده هو العودة للنوم. 

شعور ما مزعج منعه من إغلاق عينيه، وكأنه مُراقب، شخص ما يحدق به، بل يثبت عينه وبقوة عليه... عندما لم يتمكن من تجاهل الأمر رفع رأسه ينظر حوله ليبحث عن تلك الأعين التي تراقبه، لم يستغرق وقتًا لأن نظره وقع على العين الزرقاء الفاتحة والشعر الأصهب المجموع بصعوبة ويكاد ينفجر من المشبك الأزرق حوله. 

ثونار كانت تحشر فمها بطعام ما وعينها لم تبتعد عن جوزفين للحظة تحاول قراءة ما يدور في عقله، لم تعرف أن عقل الرجل لا يحتوي سوى الرغبة في النوم مجددًا. 

أعاد رأسه فوق الأريكة وأغمض عينيه متجاهلًا ثونار؛ فقد اعتاد غرابة أطوارها وجنونها، لكنه ما لبث حتى تأفف بانزعاج لأنها لم تبعد عينها عنه؛ لذلك نهض جالسًا ونظر نحوها بانزعاج "ماذا؟ هل أصبحت جذابًا الآن؟". 

مضغت طعامها ببطء مستفز وهي تنظر نحوه دون كلمة مما زاده انزعاجًا "ما خطبك بحق الله؟" صاح لتترك الصحن وتسأل بنبرة هادئة "بل ما خطبك أنت؟" رفع حاجبًا ولم يفهم ما المغزى من الحديث. 

نهض من مكانه ورفع شعره أكثر من مرة بضيق للنوم الذي هرب بسبب ثونار، أغلق أزرار قميصه الأولى وتحرك نحو المطبخ ليحضر شيئًا ما؛ فواندر ما زالت تعاني بينما تحاول إيقاظ رومياس.

"هل تواعد؟" نظر جوزفين نحوها بطرف عينه وأجاب على مضض "لماذا؟ تريدين الخروج في موعد معي؟" كتفت ذراعيها وقالت "هل تتمنى ذلك؟" قهقه ووضع طبق الفاكهة أمامه وأجاب "لستِ نوعي المفضل من النساء، إن كنتِ الخيار الوحيد فلن أختاره، لا أفضل المجانين" قهقهت بصوت عالٍ وهي تتفحصه بعينها وتمتمت "الإنكار! الطريقة الأكثر شيوعًا".

توقف عن مضغ ما في فمه ووجه نظرة مستغربة نحوها "إنكار ماذا؟ أنا جاد" رفعت حاجبًا عندما بدأت تشعر بالإهانة "لست أنا من قلت أني معجبة بك" رفع كتفيه وأجاب ببرود "ما الذي قد يدفعكِ للإعجاب بي؟" دحرجت عينيها وتمتمت بصوت مسموع "غبي!".

تجاهلها وعاد لتناول طعامه، بروده دائمًا ما يستفزها. "أنت معجب بي" لم يكن سؤالًا، ولأنه لم يكن سؤالًا بصق جوزفين ما في فمه بصدمة قبل أن تتوقف قطعة من طعامه في منتصف حلقه حاول التخلص منها وسط نوبة من السعال القوي. 

عندما التقط أنفاسه نظر نحوها بأعين دامعة قبل أن ينفجر ضحكًا "أنا ماذا؟ من وضع هذه الفكرة الحمقاء في عقلك؟ أنا؟ معجب بك؟ هذا من المستحيلات" كان قد نسي تمامًا أن جلنار كذبت أمام كاراميل.

 بعدم تصديق ضحكت ونهضت تلقي طبقها الفارغ في المغسلة وسخرت وهي تمر من خلفه "أنكر كما تريد، ولكن في النهاية سأخبرك بصراحة، من المستحيل أن أشعر بالانجذاب لك أو أن تفعل أي امرأة. لا تأخذها شخصيًا، لكنك لا تبدو كرجل في نظري". 

ابتسمت بانتصار عندما لاحظت يد جوزفين التي توقفت في منتصف الطريق للطبق لأخذ فاكهة أخرى وقد تجمد لثانية، كتمت رغبتها في الاحتفال وهز جسدها حتى لا تفسد خروجها البارد وغير المهتم. 

لكن احتفالها لم يكتمل، لأن جسدها اندفع نحو الجدار عندما أمسك جوزفين رسغها وسحبها بقوة قبل أن يحجز جسدها بين الجدار وبينه. 

اتسعت عيناها بصدمة تحاول استيعاب ما حدث للتو. "هل جننـ..." توقفت وانتفض جسدها ليده التي التفتت حول خصرها وعينه الثابتة فوق عينها بنظرة أصابتها بالقشعريرة. عينه الفاتحة كانت تحمل لونًا رماديًّا أغمق وملامح وجهه لم تكن مازحة على الإطلاق، لم تلحظ سوى الآن أن جسد جوزفين ضعف حجم جسدها، وصدره الذي يرتفع ببطء وعضلاته التي كانت ظاهرة بسبب زر قميصه الأول المنزوع جعلتها لأول مرة تدرك أن جوزفين لا يملك جسدًا نحيفًا مخبئًا تحت ملابسه الفضفاضة كما كانت تظن. 

رفعت عينها ببرود نحوه وحاولت الحفاظ على نبرتها "ماذا تظن أنك تفعل؟" ابتسامته الجانبية جلبت نظرها لشفتيه، ولكنها منعت نفسها بصعوبة، ولم تصدق فزعها وقلبها الذي تسارع في نبضاته ما إن انحنى مقتربًا منها، وفي ثانية لم تتمكن من الحفاظ على قناع البرود أمام تلك النظرات، تحرك جسدها يقترب منه وأغمضت عينيها دون إدراك. 

"يا لكِ من كاذبة سيئة"

همس أمام شفتيها ساخرًا قبل أن يترك جسدها مبتعدًا نحو الخارج. 

تجمدت في مكانها وشعرت بحلقها جاف، وللمرة الأولى كانت تشعر بإحراج لم تشعر به في حياتها كلها، أصابها الدوار وتحول وجهها للون أحمر قانٍ، استندت على المغسلة تلتقط أنفاسها وعينها لا تنظر لمكان محدد. 

لعنت نفسها، ولعنت جوزفين وجلنار وكاراميل وكل شخص تمكنت من تذكره في هذه اللحظة.

 فقط الآن استطاعت معرفة لما تدعوا واندر جوزفين بزير النساء على الدوام، لم يكن عليها الاستخفاف به! كان خطئًا، جوزفين فقط كان يعاملها كأحد أصدقائه الرجال؛ لهذا لم تشعر مرة بأنه شخص قد تنجذب له. 

الآن فقط أراها الجانب الآخر الذي بسببه حصل على سمعته بين الرجال والنساء، لهذا كانت كل امرأة تتحدث عن فارس مملكة المائة وجه، ابن الملك. 

"أنت من بدأ الحرب أيها الأمير" همست بغضب منه ومن نفسها، ثونار للتو وضعت رجلًا في رأسها وبشكل جدي. 

 ....

 

 زفر جوزفين بضيق ما إن خرج من المنزل، بعثر شعره؛ عله ينفس عن انزعاجه وما زال يتساءل من الذي وضع هذه الفكرة السخيفة في عقل ثونار. 

تجمد عندما وقعت عينه على جلنار التي تنهك نفسها في التدريب على مسافة بعيدة عنه وعادت الأحداث التي حدثت من قبل أمام كاراميل في عقله، شعر فجأة بالرغبة في قتل نفسه وقتل جلنار معه. 

"جــلنـار!"

صوته العالي أفزع جلنار وأوقفها عن التدريب، التفتت تنظر نحو الغاضب المتجه نحوها، تتسابق خطواته في حركة سريعة وكان من المستحيل ألا تلاحظ هالة القاتل التي تحيط به! 

لم تحتج وقتًا لتعرف ماذا يحدث، ثونار وجوزفين تصادما وهي ستكون جثة مدفونة اليوم. 

أخذت خطوات حذرة وسريعة بعيدًا عن جوزفين المندفع وأطلقت سيلًا من الاعتذارات تحاول كبح غضبه، توقف مكانه وهو ينظر نحوها بغضب وانزعاج لم تعتدهما على ملامح جوزفين الباسمة طيلة الوقت. "ماذا حدث؟" سألت ليرفع شعره بحركة عصبية "الكذبة كانت تتوقف عند كاراميل، وليس ثونار!". 

أجفلت لصوته العالي وحاولت تبرئة نفسها "لم يكن خطئي، كاراميل ثملت ليلة أمس ولم تكن واعية وأخبرت ثونار بكل شيء" ارتفع حاجبه وصاح "لم يكن خطأك؟" حركت رأسها بسرعة نافية "لم أعنِ هذا، أعني أن معرفة ثونار ليست خطئي، الكذبة خطئي".

قضمت شفتيها تراقب محاولات جوزفين في كبت غضبه. "لن تلكم فتاة، ليس من شيمك" قالت بحذر وهي تتخذ وضعية دفاع، نظر نحوها بسخرية "أجل، فتاة قاتلت أتريوس، هه! صدقيني لن أشعر بالذنب وسألكمكِ بضمير مرتاح".

"أريد رؤية هذا يحدث!" صاح يوجين وهو يرتفع في الهواء للحصول على مشهد أفضل. 

"لقد عبثت مع ثونار واللعنة! نسيت تمامًا أمر الكذبة وعبثت معها" صاح بضيق وهو يدور حول نفسه "ماذا فعلت؟" نظر نحو جلنار وهز قدمه بتوتر "فقط… ضايقتها، أزعجتها، حسنًا؟" صاح مجددًا مما دفع جلنار للنظر نحوه بدهشة "هل أنت خائف من ثونار؟".

ضحك بقوة قبل أن ينظر لجلنار بلا تعبير "أتمزحين معي؟ بالطبع أفعل، ستحول حياتي إلى جحيم حي. واللعنة هذه ثونار، جنون الساحرات كله مجتمعًا داخل عقلها! لقد كادت تقتل الملكة و…" صمت وتنفس بقوة وحاول الهدوء. 

"لحظة، ماذا؟" نظر لجلنار الذي ارتسم التشوش على وجهها بالكامل "لا شيء" تمتم ونظر بعيدًا، لكن جلنار أصرت "ما الذي تعنيه بقو..." قاطعها بحدة "انسي الأمر، جلنار".

 لم يعجبها الأمر، هناك شيء آخر يعرفه الجميع وهي فقط جاهلة بينهم… ما زالت بعض الأسرار مخفية. 

لكنها سكتت هذه المرة لأن جوزفين كان يثور حرفيًا وبدا بالفعل كشخص يمنع نفسه من لكمها بكل سعادة، طرقت فكرة رأسها مما رسم ابتسامة على شفتيها وأمرت "قاتلني" رفع عينه نحوها باستغراب، لكنها أردفت "أنا أتدرب، أنت غاضب، كلانا سيستفيد، تريد إفراغ غضبك؟ فقط قاتلني".

بعقدة بين حاجبيه ونظرة مترددة نظر نحوها، ولكن الرغبة في قتلها قتلت صوت العقل لديه، فشمر أكمامه ودون أي ملامح رفع قبضتيه "لا تتذمرِي لاحقًا". انطلق نحوها بسرعة وفي لكمة كانت سريعة بالكاد يمكنك رؤيتها كاد يحطم أنفها؛ لولا أنها انحنت في اللحظة الأخيرة متجنبة قبضته.

لم يترك فرصة لأنه رفع ركبته ضاربًا معدتها بقوة دفعت الألم ليعتصر معدتها، دفعته بمرفقها وقفت بعيدًا تحاول إدراك سرعة قتاله!

جوزفين لم يتوقف ولم يعطِ لها أو لنفسه فرصة، ركض نحوها بلكمة عالية صدتها بذراعها لترفع قدمها وتلكم فكه في المقابل، جلنار كانت تناور وتعطي فرصة للتفكير، جوزفين كان يتحرك دون توقف وكأنه دمية مشحونة بطاقة عالية.

طيلة قتالهما جلنار كانت تُدهش من كل ضربة يضربها وكل حركة منه. لطالما كان جوزفين ضمن الفئة الأضعف بدنيًا في الفريق، قتاله كان سيئًا وغير جدي بالمرة! ماذا حدث؟ ما تراه هو شخص متمرس قادر على الوقوف بوجه قائد كأوكتيفيان. 

من المستحيل أن يرتفع مستوى شخص لهذا الحد في هذه الفترة القصيرة، كما أنها نادرًا ما كانت ترى جوزفين يتدرب أو يتحرك حتى، لكنه الآن يمكنه مجاراة سرعة رومياس الذي يدفعه ذئبه بقوة إضافية... أي سرعة رومياس ودراكوس معًا. 

حاولت تمالك أفكارها وجعلت فكرة واحدة تشغلها… كلما كان خصمها ماهرًا؛ ازدادت مهارتها.

جسد جلنار لم يكن يجد أي صعوبة في نسخ حركات جوزفين بعد رؤيته يكررها لثلاث مرات فقط، ما إن تنسخ الحركة تنفذها بطريقتها الخاصة فتقتل كل الثغرات فيها. 

لا تعرف كم من الوقت ظل كلاهما يتقاتلان، لكنها كانت تفقد أنفاسها وجوزفين بدا بكامل لياقته، إلا أن حركته أصبحت أبطأ نوعًا ما.

توقف الاثنان في الوقت ذاته وكل منهما يكاد يوجه لكمة لوجه الآخر. "هل هدأت؟" ابتسم وأجاب بسؤال "هل تعبتِ؟" أومأت ولم تجد أي مشكلة في الاعتراف. ترك الاثنان بعضهما وألقت جلنار جسدها فوق الأرضية بإرهاق كما فعل جوزفين، بالرغم من أنها لا ترى أي علامات من الإرهاق عليه سوى صدره الذي يعلو ويهبط بسرعة. 

"لماذا؟" نظر نحوها باستغراب لتكمل "لماذا تتظاهر بالغباء؟ الضعف وعدم القدرة على القتال؟" ضحك وأجاب "لا أتظاهر، أنا بالفعل لم أكن أعرف كيف أقاتل، لقد تدربت" رمقته بطرف عينها وقالت ببرود "أتظنني غبية أم غبية؟ بحق الله طفل لن يصدق ما تقول، أنت بالكاد تتدرب، ولم يمر الكثير على اختبارات الحكيمة، قتالك في الاختبار لا يقارن بقتالك في هذه اللحظة جوزفين".

وضع يده فوق عينه وصمت دون رد، فقط ابتسامته الصغيرة بقيت على وجهه.

ظنت جلنار أنه لن يجيبها؛ لذلك لم تحاول السؤال مجددًا، لكنه قال بهدوء "لأنني أكره هذا، أكره أني قادر على القتال" عقدت حاجبيها والتفتت برأسها نحوه "من قد يكره قدرته على القتال؟" قهقه دون سبب واضح وأجاب "أنا". 

صمتت جلنار تحدق بوجهه "لا أحب أخذ الأمور بجدية، أعرف أنها حرب وأعرف أننا مسئولون عن كل روح يتم إزهاقها، لكني فقط لا أحب الشعور بالضغط، أن تكون جديًا حول كل شيء هو فقط مؤذٍ للصحة، وأنا لا أريد أن يأخذني أحدهم بجدية. أعلم أن الجميع يطلق أحكام مسبقة علي، ولكن طالما أقوم بعملي على أكمل وجه فلمَ قد أهتم؟". 

أخذ نفسًا وأبعد يده عن عينه ينظر لجلنار.

"كل شخص سيعلو صوته قائلًا ما يريد، لكني سأستمع لصوت واحد... صوتي"

لم تقاوم جلنار نظرة الدهشة على وجهها وهي تنظر لجوزفين، يمكنها أن تعترف بأنها لطالما نظرت لجوزفين نظرة سطحية كما يفعل الجميع، لكن ليس الجميع ماهرًا في كشف خبايا الأشخاص، منعت نفسها بصعوبة من أن تصرخ بسؤالها 'من أنت؟' حتى لا تبدو حمقاء.

عندما طال صمت جوزفين أدركت أنه يريد فقط تغير الموضوع ولكنه لا يجد طريقة؛ لذلك ساعدته قائلة "إذًا… لم تعد غاضبًا مني؟" نهض جالسًا لتنهض هي الأخرى "لا، القتال كان مفيدًا" تنهدت براحة؛ فلا واحدة من خططها تتضمن حقدًا بينها وبين أحد الفرسان.

نهض واقفًا ومد يده نحوها يساعدها على النهوض "هل ستعتبر إهانة إن قلت آسف لأني كنت قاسيًا؟" ضحكت وأومأت برأسها وأرسلت نظرة محتقرة مصطنعة نحوه ليضحك كلاهما.

"سأخبر ثونار بكل شيء، أنا فقط أشعر بالفزع عندما يتطرق الأمر لقول الحقيقة" تنهد ونظر بعيدًا "لن يحدث الأمر فارقًا الآن، هي ستقتلني، لا محالة" ربتت جلنار على كتفه ناصحة "حاول كسبها في صفك إذًا" ضحك على تفكيرها البريء "ليست من النوع الذي قد يُكتسب" رفعت جلنار كتفيها وقالت باقتناع "كل شيء يمكن اكتسابه بطريقة أو بأخرى".

حدق بها يتساءل عن نوع هذه الفتاة أمامه بالضبط، فقط منذ أشهر كانت ترتجف رعبًا ولا تكاد تضع عينها في عين أحد منهم، واليوم يكاد يجزم أنها قادرة على إلقائهم جميعًا من فوق المنحدر ذاته الذي رُميت منه.

جلنار قررت الدخول وتناول شيء ما؛ فالسهر والانقطاع عن الطعام معًا سيكون سيئًا جدًا لها، زفرت براحة عندما لم تجد ثونار أمامها؛ فلا تحتاج للمزيد من الأشخاص الغاضبين. لاحظت للتو أن يوجين تركها منذ مدة طويلة عندما كانت تقاتل جوزفين وخمنت أنه ذهب لكارولوس كعادته؛ فهو الكائن الوحيد الذي يمكنه أن يراه في هذا المكان بجوار جلنار.

دلفت واندر في اللحظة ذاتها للمطبخ وألقت رومياس فوق كرسي المائدة ليسند الأخير رأسه على المائدة ويعود للنوم. "هل ستستغرق اليوم بطوله لتستيقظ؟" ارتفع رأسه لصراخها وفتح عينه ينظر حوله بفزع قبل أن تغلق وحدها مجددًا وتصطدم رأسه بالطاولة.

"لا بأس، عندما يشتم رائحة الفطور سينهض" ربتت جلنار على كتف واندر الغاضبة والتفت حول المائدة ولم تنسَ بعثرة شعره الأسود وهي تحييه بـ 'صباح الخير' مما دفع رومياس للابتسام وهو مغمض العينين.

"أين زير النساء الغبي أيضًا؟ إن عاد للنوم أقسم أنني سـ…" قاطعها جوزفين الذي تبع جلنار للداخل وقال "لا داعي لإكمال الإهانة، أنا مستيقظ" نظرت نحوه بطرف عينها وتمتمت "جيد".

ثلاثتهم فوق المائدة، انضم لهم تينر جام ولافيان بعد فترة قصيرة، ولم يسد الصمت إلا لدقائق قبل أن يبدأ الجميع بتبادل الأحاديث بينما رومياس ما يزال نائمًا في المنتصف. أغدراسيل لم يكن نائمًا كما ظنت جلنار، كان يتدرب كما كانت تفعل؛ فلم يبدُ كشخص استيقظ للتو على الإطلاق.

الشجار المعتاد بين أغدراسيل وجوزفين بدأ، ونفس المشكلة ككل مرة… جوزفين يأخذ شكل أغدراسيل ويصنع الفوضى هنا وهناك. "هذا صبياني جدًا، أنت رجل بالغ" بانزعاج تمتم أغدراسيل وكالعادة قابل ابتسامة جوزفين المستفزة وكأنه لم يقم بشيء "يا رجل! أنت لا تستمتع بحياتك على الإطلاق، دعني أفعل هذا عوضًا عنك" ضحك ولم يتوقف إلا عندما ألقى أغدراسيل أحد أدوات المائدة نحوه. 

"حسنًا، هذا يكفي، شجاركم كل صباح لا ينتهي، دعونا ننعم بواحد هادئ... جوزفين عليك التوقف حرفيًا، وأغدراسيل، أعلم أنه مخطئ، لكنه أخذ أشكالنا كلنا وصنع الفوضى بقدر ما يريد" ضحك جوزفين مشيرًا لتينر جام صائحًا "أصبت!".

بدلت جلنار وجهها بينهم وسألت "أخذ أشكالكم جميعًا؟" أومأ الجميع، حتى رومياس النائم رفع يده بخمول كمشاركة، نظرت لجوزفين الذي بادلها نظرات متعجبة "أنت لم تأخذ شكلي من قبل، صحيح؟". اتسعت عينه ونظر بعيدًا متظاهرًا بعدم سماعها "جوزفين!" نظر نحوها ببراءة، لكنه تلقى صفعة قوية خلف رأسه.

أرتيانو تقدم وجلس على الطاولة ونظر نحو جوزفين قائلًا "حاول خداعي وإهانتي في شكلك، لكن الغبي نسى الندبة على ذقنه والتي تشير للمتنكرين" دحرج جوزفين عينه ولم تتمالك جلنار ابتسامتها لرؤية أرتيانو يشاركهم الحديث، بالرغم من أن حديثه ليس إلا إهانة لأحدهم والملامح الباردة نفسها على وجهه. 

"هل تمازحني؟ لم تجد غيره؟" همست بحدة لجوزفين وهي تخبئ وجهها بعيدًا عن أرتيانو حتى لا تبدو واضحة "هيا، لا تكوني جدية، أغدراسيل يعاني أكثر من هذا بكثير" أرادت جلنار قول 'يمكنني تخمين هذا' لكنها فضلت الصمت وإعطاءه نظرة حادة أخيرة كانت تعلم أن جوزفين لن يبالي بها، بل سيظل يتلاعب بحاجبيه بنظرة مستفزة نحوها. 

التفت الجميع ناحية زوندي الذي تعثر بالدرجة الأخيرة بالسلم وتقدم نحوهم بخطوات مسرعة، بالرغم من أنه دائمًا شاحب؛ إلا أن وجهه كان أكثر شحوبًا هذه المرة. 

جلس بصمت على الطاولة ينظر حوله برعب. "ما الخـ…" قاطع تينر جام وهو يشير له بالصمت، اقترب وانحنى فوق المائدة نحوهم وهمس "هناك شيء غير عادي في المنزل" تبادل الجميع نظرات متسائلة ليردف زوندي "هناك شبح في المكان".

عين جلنار أخذت أكبر اتساع لها وهي تحدق بوجهه المذعور، لافيان الذي قفز واقفًا صاح "هل لاحظت ذلك أنت أيضًا؟" نظر الجميع نحوه ليقول "منذ أيام… ستائر غرفتي تتحرك وحدها، والأغراض تنتقل من مكان لآخر، وحتى يوم أمس قمت بترتيب سريري وعندما عدت وجدته فوضى".

ضحك أغدراسيل وحاول طمأنتهم "توقفوا عن قصص الأطفال هذه، ربما شخص ما دخل غرفتك، ربما كانت واندر" حرك لافيان رأسه نافيًا بإصرار "سألتها وقالت أنها كانت في السوق طيلة اليوم". جوزفين وأغدراسيل لم يصدقا، ورومياس فجأة قفز مستيقظًا يحدق بهم بخوف، بالرغم من أن لا شيء عبث معه. 

"الأمر ليس هذا فحسب..." نظر الجميع لزوندي المتجمد الذي تابع بهمس وكأن شيئًا ما سيسمعه "منذ ثلاثة أيام وحتى الآن هناك شيء ما يتنفس بجواري... أشعر بالهواء يضرب عنقي وكأن أحدهم ينفث هناك، لثلاثة أيام يحدث هذا الأمر".

الصمت طغى على المكان والجميع ينظر بتركيز نحو زوندي المرتعب وجلنار تقاوم الرغبة في كسر الطاولة على يوجين وسؤال الشبح إليف عن طريقة للتخلص منه.

قفز الجميع صارخًا عندما هب أغدراسيل على قدميه بفزع واضعًا يده على رقبته، لافيان وقع من فوق كرسيه ورمياس تدحرج فجأة وبشكل ما وصل لزاوية المطبخ بسرعة مفاجئة، جوزفين تجمد بمكانه، حتى أنه لم يطرف لثانية. 

زوندي قفز فوق تينر جام يحتضنه بقوة وأرتيانو راقب أغدراسيل باستغراب؛ فقد كان الوحيد الذي لم يبدِ رد فعل قوي... لم يبدِ رد فعل على الإطلاق. 

"هذه مزحة سخيفة!" صاح بهم، لكن الجميع نظر نحوه بفزع وعدم فهم، الجميع عدا جلنار التي تلقي نظرات قاتلة نحو يوجين الذي نام فوق الأرض من كثرة الضحك. "لقد أخبرتكم!" صرخ زوندي وابتعد عن تينر جام وأخذ أبعد مقعد عن أغدراسيل.

"أغدراسيل، أخبرني أن هذه مزحة سخيفة للانتقام مني" همس جوزفين وقد ذهب لون وجهه، وعينه ثابتة لا تتحرك وكأن شيء سيصيبه إن طرف لثانية. 

"هناك شيء للتو مس عنقي!" صاح وهو ينظر نحوهم ينتظر أن يرفع شخص يده قائلًا 'هذا كان أنا، كنت أمزح'. 

"هذا كان أنا" رفع يوجين يده قبل أن يعود للضحك مجددًا، تنهد تينر جام وقال "رفاق توقفوا عن هذا، ربما هواء سببه النافذة المفتوحة، لقد أرعبت جلنار تمامًا" جلنار كانت مرتعبة بالفعل، لكن ليس مما يرتعب منه الجميع، رعبها كان من أن يكتشف الجميع وجود مختل عقليًا بصورة شبح يتجول حولهم. 

"من المفترض أنكم ستحاربون جنود الظلام، وخوفكم هو شبح؟" نظر الجميع لواندر التي ترمقهم بأسف "إنه حقيقي، لقد شعر أغدراسيل به أيضًا!" صاح زوندي ولافيان أومأ بقوة، لكنها دحرجت عينها "لا أهتم، وماذا إن كان شبح يسكن المنزل؟ هناك جنيات، وهناك قزم لا ترى وجهه لشدة شعره يعمل مع لافيان، وهناك تعاويذ سحرية تتحكم بالمنزل بالكامل وأمين ظل داخل مكتبة لنصف قرن تقريبًا… الآن تخافون الأشباح؟".

جلنار نظرت لواندر وبدأت تفكر جديًا بإخبارها عن يوجين، لكن يوجين لا يترك فرصة لأحدهم لأنه نهض واتجه نحوها بابتسامة خبيثة، كادت جلنار تقفز من مكانها لتمنعه، لكن هذا سيكشف كل شيء. 

اتسعت ابتسامته قبل أن يسحب مشبك شعرها وسط نظرات الجميع المفزوعة ليسقط شعرها على كتفيها ويتجمد الجميع للمشهد الذي حدث.

نظرت واندر نحو مشبك الشعر الذي سقط بجوارها بأعين متسعة قبل أن تنحني ببطء وتلتقطه تنظر نحوه وانتظر يوجين رد فعلها بحماس. "أوه! أنتم محقون، يبدو أن شبح ما في المنزل..." راقب الجميع رد الفعل الذي لا يحتوي على أي دهشة، رد فعل واندر المستغرب تحول لواحد غاضب وصاحت "توقف عن العبث إذًا يا عديم المسؤولية! وإن كنت تشعر بفراغ تعال وساعدني في أعمال المطبخ واحمل الأشياء عني أيها الصبياني!". 

التفت وهي تتمتم بانزعاج وتلتقط الطبق الفارغ من فوق المائدة لتتحرك للمطبخ.

جلنار لم تتمكن من تمالك نفسها أكثر من هذا وانفجرت في الضحك، بالنسبة لها تعبير يوجين كان أفضل تعبير تراه على وجهه منذ أن تعرفا على الأرض… رد فعل واندر خفف من حدة الجو، وفجأة أصبح الجميع يجد الأمر مضحكًا حتى يطمئن نفسه ويطمئن من بجواره.

"لم أكن أعلم أن المنزل أيضًا يحوي أشباحًا" تمتم أرتيانو وهو يريح ظهره للمقعد قبل أن يلقي نظرة نحو جلنار التي تحاول إيقاف ضحكها وهي تحدق بشيء ما ليس ضمن الموجودين على المائدة، لم يستطع أن يقاوم ابتسامته الصغيرة لأن توقعاته كانت في محلها تمامًا، مرة أخرى يفوز ذكاء أرتيانو.

شعر البقية ببعض الإحراج لرد فعل واندر غير المتوقع، وكأنها كانت تعيش في منزل مليء بالأشباح سابقًا؛ لذلك حاول الجميع إعادة الوضع للمزاح والضحك بالرغم من أنهم كانوا ينظرون حولهم كل دقيقة، رومياس لم يمانع في إظهار رعبه عكس البقية وظل ملتصقًا بواندر طيلة الوقت؛ فهي في نظره حاليًا قاهرة الأشباح.

يوجين ظل كما هو يحدق بالفراغ بصدمة وحاولت جلنار تجنب النظر نحوه حتى لا تخونها ضحكتها. "من هذه المرأة؟ الرجل الحديدي بنفسه كان ليخاف من الأشباح!" صرخ بصدمة وهو ينظر نحو واندر بخوف وقضمت جلنار شفتيها بقوة حتى لا تضحك. 

انضم البقية لمائدة الفطور عدا كاراميل التي ما زالت تغط في نومٍ يبدو أنها ستواجه صعوبة في الاستيقاظ منه، لم تغفل جلنار عن النظرات القاتلة التي وجهتها ثونار نحو جوزفين، والأخير تظاهر بأنها شخص خفي لا يراها ولم ينظر نحوها. 

لاحظ الجميع الهالة السوداء حول ثونار، حتى أنها مرتين فقدت السيطرة على قوتها واحترقت أدوات المائدة بالبرق ولم يعلق أحدهم، الجميع يعلم أنها كمتفجرات حساسة إن أصدرت صوتًا بسيطًا بجوارها ستنفجر في وجهك. 

الجميع أنهى الفطور ونهض كل منهم لما يجب عليه فعله، أتريوس أوقف جلنار لسؤالها عن إن كانت تحتاج مساعدته في تدريبها، بالرغم من أنه سؤال يحمل سخرية كبيرة؛ إلا أن جلنار اعتادت هذا الأسلوب منذ مدة. 

عندما لمحت ثونار تخطو خارج المنزل أنهت حديثها سريعًا مع أتريوس ولحقتها مهرولة.

"ثونار!" نادت عليها لتتوقف الأخيرة، وأول ما يمكنك ملاحظته بعد شعرها الأصهب هي العقدة الضخمة بين حاجبيها "ماذا تريدين؟" أسلوبها الفظ في الإجابة أجفل جلنار، لكنها تذكرت من قبل أن جوزفين أخبرها أن ثونار ما أن تغضب فإنها لا تعرف عدوًا من صديق.

"أريد الحديث معك" طلبت بحذر ويوجين بجوار أذنها يهمس بجمل مرعبة لكيف ستقوم ثونار بقتلها "وأنا لا أريد الحديث في الوقت الحالي" ومع هذا الرفض التفتت وتحركت بعيدًا "أنا السبب في مشكلة جوزفين".

تجمد جسد ثونار ولم تستطع إخفاء صدمتها وهي تلتفت بأعين متسعة ناحية جلنار، وقبل أن تضيف جلنار أي حرف أمرت بجمود "اتبعيني".

طيلة الطريق كان يوجين يعلق بجمل كـ "ستأخذكِ بعيدًا لدفنكِ" أو "ستقتلكِ ولن يعلم أحد، تذكري ثونار أكثر الأشخاص غموضًا هنا" وجلنار ظلت تتلو صلوات تذكرتها منذ أن كانت في سن الثانية عشر تزور الكنيسة مع والدتها. 

توقفت ثونار في مكان خالٍ من الأشجار قريبٍ جدًا من ذلك المكان الذي كان هارليك يأتي ليتحول فيه، وتوقفت جلنار تنتظر هدوء ثونار. "فسري" كتفت ذراعيها ونظرت نحو جلنار التي قضمت شفتيها "أنت تعلمين نصف الحكاية بالفعل" قالت لتعقد الصهباء حاجبيها بتشوش.

أخذت جلنار نفسًا وأخذت تحكي كل ما حدث منذ مصارحة كاراميل حتى كذبتهم عن جوزفين إلى ليلة أمس التي تحولت الأمور فيها لفوضى، استمعت ثونار حتى النهاية بلا أي تعبير يطمئن جلنار أو يخيفها. 

انتظرت رد فعل ما، لكن ثونار ظلت تحدق بجلنار بصمت، ولدقيقة كان كل شيء هادئ قبل أن تتجمع السحب بطريقة مخيفة ومئات الصواعق الرعدية ضربت بقوة حيث تقف ثونار، الصوت وحده كان من شأنه إداخل الرعب في قلب أي شخص يسمعه. 

لم تتمالك جلنار الصرخة التي هربت من فمها وهي تغلق عينها للضوء القوي، الصفير كان مزعجًا جدًا لأذنها وبدا كل شيء مشوش لشدة الصفير.

المنطقة حول ثونار تفحمت بالكامل وتحولت للون أسود قاتم ورائحة الأدخنة كانت قوية، الشيء الوحيد الذي أراح جلنار هو أن ملامح ثونار أخذت تلين حتى تنهدت ومسحت على وجهها. "في عقلي كنتِ أنتِ وهو داخل دائرة البرق هذه" أشارت نحو الأرض المتفحمة لتبتلع جلنار وتحاول الاعتذار.

الصفير أصبح أخف داخل أذنها وأصبح بإمكانها سماع صوت يوجين مجددًا "هذه المرأة فيلم رعب وحدها" منعت جلنار رغبتها في الإيماء بقوة متفقة معه.

"لمَ لم تخبريني منذ البداية؟" صاحت بجلنار لتعتذر مجددًا وتبرر "ظنت أن الأمر سيقتصر على كاراميل وأنها ستنسى على أي حال" وقفت ثونار أمام جلنار وقالت "يجب أن أفعل هذا" قبل أن تسأل عما تقصد لكمتها ثونار بقوة لتتراجع خطوات للخلف وتمسك بوجنتها "لست غاضبة الآن" قالت بابتسامة. 

دحرجت جلنار عينها، وبالرغم من أن اللكمة كانت قوية؛ إلا أنها تمتمت "أستحق هذا" أومأت ثونار متفقة، رفعت جلنار عينها نحو الصهباء تسأل بحذر "هل نحن بخير؟" زمت ثونار شفتيها بتفكير قبل أن تقول "معكِ؟ نعم، مع ذلك اللعين؟ لا".

هذه مشكلة جوزفين إذًا، لكن حتى هذا لم يمنع جلنار من الشعور بالذنب للمسكين جوزفين الذي قامت بتوريطه وخرجت من المشكلة مع صفير في الأذن وكدمة على وجنتها.

"وبما أنكِ هنا فستساعدينني" التساؤل أخذ مكانه على وجه جلنار "ماذا تعنين؟" أخرجت ثونار كتابًا قرمزيًا من حقيبتها المعلقة فوق خصرها وألقته ناحية جلنار "الصفحة السابعة والستون".

فتحت جلنار الصفحة وكشيء معتاد قرئ المكتوب داخل عقلها في ثوانٍ. "أترين الرسم الهندسي؟" نظرت جلنار نحو الرسم المعقد على الصفحة قبل أن ترفع عينها لثونار بتشوش. 

تحركت ثونار وأخرجت علبة طويلة سحبت طرفها الذي اتضح أنه ريشة رسم، لكنها أكثر نعومة ومليئة بحبر أحمر ذي رائحة قوية. "أريد منكِ أن ترسميها حيث تقفين تمامًا، رأيت رسمكِ في دفتر الملاحظات ذاك، إنه جيد" توقفت جلنار ونظرت نحوها باستفهام "هل أخذتِ دفتر ملاحظاتي؟".

رفعت الأخيرة كتفها وقالت "لقد فتشتِ في كتب التعويذات خاصتي قبل أن أعرفكِ حتى! الجنيات تخبرنني بكل شيء" دحرجت جلنار عينها وهمست "متعادلتان" قبل أن تنحني وتبدأ الرسم فوق الأرضية. 

انتهت في وقت قياسي وصفقت ثونار وهي تنظر لإنجازها، مطابق للكتاب. "الآن نصيحة، خذي خطوات بعيدة عن المكان" نصحت والتقطت الكتاب من يد جلنار تردد التعويذة المكتوبة وتحاول حفظها "ستقومين بتعويذة لا تحفظينها؟" صاحت جلنار لتضحك الأخرى صارخة "جنوني، ها!".

ألقت الكتاب نحو جلنار لتمسك به وتقف في منتصف الدائرة، بسطت ذراعيها وبدأت تردد في صوت منخفض يعلو كل ثانية، عينها أضاءت بلون أزرق قوي ولم تشعر جلنار بالراحة؛ لذلك نظرت للكتاب حيث عنوان التعويذة. 

"بريكادوس، خسف أرضي" اتسعت عيناها وهي تقرأ العنوان وأخذت خطوات سريعة للخلف "أتنوي القيام بخسف الأرض؟" أومأت نحو يوجين ولاحظت الأجواء التي أصبحت ثقيلة وصوت ثونار يعلو، عقدت حاجبيها وهي تلاحظ أخطاء ثونار المتكررة في تلاوة التعويذة.

وكما توقعت تمامًا، ثونار لم تنجح؛ فبعض الكلمات كانت كارثة. ركلت ثونار الأرض بيأس "ما الخطأ بحق الله؟" رفعت جلنار الكتاب وصاحت "تنطقينها بشكل خاطئ، إنها ليست هارذولين كامليت دو بريكادوس، بل هيرذيلون كارميت بريكادوس". 

تجمدت ثونار والتفت نحو جلنار بصدمة تحاول إدراك كيف يمكن لجلنار قراءة التعويذة التي من المفترض أنها مشفرة بتعويذة أخرى.

وقبل أن تسألها اهتزت الأرض بقوة قبل أن تبتلع المنطقة داخل الرسم نفسها وتُخسف بالكامل. الغبار ملأ المكان، ولولا قدرة ثونار على التحليق لدُفنت حية. صرخت جلنار باسم ثونار تحاول البحث عنها بعينها بين الغبار الكثيف. 

بحركة من يد ثونار وبتعويذة بسيطة اختفى الغبار وانقشع، نظرت نحو الثقب الضخم في الأرضية قبل أن تحول نظرها نحو جلنار وتتجه نحوها بسرعة "لا أعرف أيهما علي الشعور بالدهشة منه! قدرتك على قراءة التعويذة أم..." صمت قبل أن تصرخ "تنفيذك لها!". 

ألقت جلنار الكتاب نحو ثونار وصاحت ساخطة "اللعنة، لقد توقف قلبي لثانية! ظننتكِ دفنتِ حية" ضحكت ثونار بدهشة وأمسكت كتفيها تهزها "هل تدركين ما الذي فعلته للتو؟ لقد قمتِ بتعويذة ولست بساحرة! هل هذا شيء يخص ابنة التوبازيوس؟" لم تنتظر من جلنار أن تجيب لأنها تحدثت بحماس وبسرعة "يبدو أنه كذلك، ربما البشر لا يسري عليهم قوانيننا ويمكنهم تنفيذ التعاويذ، أو لأن التوبازيوس اختاركِ، ربما هناك بعض الأشياء الأخرى التي يمكنكِ فعلها، سيكون هذا رائعًا، سأجعلك أقوى ساحرة… انتهى عصر تدريب أتريوس وبدأ عصر ثونار، منذ اليوم أنتِ طالبة سحر، لا نقاش، لا أصد...".

مال يوجين نحو جلنار وهي تراقب حركة ثونار الحماسية وصوتها الذي يعلو وينخفض "هل هذا أنا أم أن تغير مزاج هذه الفتاة به خطب ما، لقد أعلنت منذ دقائق عن رغبتها في قتلك بالصواعق، والآن تبدو... سعيدة كطفل في ليلة الكريسماس".

أومأت جلنار ببطء وهي تراقب مزاج ثونار الذي تحول بشكل مخيف وحماسها القوي، من جهة أخرى لا يمكنها فهم كيف بحق الله نفذت التعويذة، فكل ما فعلته هو نطق الكلمات بشكل صحيح والرسم فوق الأرض!

إليف مهد الأمر لها وأخبرها أن بإمكانها القيام بالعديد من الأشياء، هذا ما كان يقصده، أن قوتها لا تقتصر على العناصر فقط!

 في النهاية هي المستفادة، ولكن سيظل الأمر مرهقًا جدًا.

أوقفت ثونار عن حماسها وقالت بنبرة نهائية "حسنًا، لنتفق، أعلم أنكِ متحمسة لهذا الأمر…" أومأت ثونار بقوة وصاحت "كثيرًا!" زفرت جلنار وأكملت "لكن أنا حاليًا أضع تركيزي على القتال؛ لذلك... لا تضعي هذا الوجه الحزين، استمعي للنهاية… لذلك بعد اختبار الحكيمة يمكننا العمل على هذا".

اتسعت عينا ثونار وأومأت برضا كامل وابتسامة ضخمة تزين ثغرها. 

....  

 صفير هادئ كسر صمت الغابة، بصوت لحن عذب مندمج مع صوت الأغصان ونسيم الرياح، كانت الكائنات من أضعفها لأقواها تنجذب لا إراديًا لهذا الصفير وتتجه لمصدره، وكأنها منومة مغناطيسًا ومسلوبة الإرادة. 

بين مجموعة ضخمة من المخلوقات المختلفة والغريبة، الجميل منها والقبيح كان تينر جام يجلس في المنتصف مغمضًا عينيه وابتسامة صغيرة فوق شفتيه، بعض الجنيات الصغيرات حلقن حوله وكائنات الكرافين اللطيفة والزغبية الصغيرة كانت فوق قدمه وكتفيه تستمع لغنائه باستمتاع. 

من بين الجميع صوت غناء تينر جام أزعج أضخم وأشرس ما في الغابة، نهض بكسل وحرك جسده الأسود نحو مصدر الصفير ينوي إخافته حتى يتوقف ويهرب ويتمكن من النوم من جديد. 

توقف أمام كم المخلوقات الكبير حول تينر جام المنسجم في صفيره، وبالرغم من أن صوت الصفير كان هادئًا ويثير شعورًا محببًا داخل تلك المخلوقات، حتى كارولوس؛ إلا أنه يفضل الصمت عند نومه.

زمجرة واحدة كانت كفيلة لإعادة إرادة تلك المخلوقات لها والهرب فزعًا، حتى أشرسهم لم يحاول الزمجرة في وجه تنين الشفق وفر هاربًا، ولم يبقَ سوى تينر جام الذي توقف عن الصفير وفتح عينه ينظر لكارولوس. 

"مرحبًا يا صاحبي" حياه تينر جام بابتسامة وأخفى أي شعور بالرهبة قد يظهر عليه أو يمسه، كارولوس لم يهتم وتحرك بخطوات بطيئة ناحية تينر جام الذي راقبه بهدوء. 

توقف أمام وجهه تمامًا بنظرة مخيفة ينتظر منه أن يهرب، ولكن تينر جام أمال رأسه متظاهرًا بالغباء "أتريد قول شيء ما لي؟" الأخير زمجر بقوة دفعت تينر جام للضحك قائلًا "أوه! أعتذر إن أزعجك غنائي، لم أكن أعلم أنك تتخذ هذا الجزء من الغابة مسكنًا لك". 

مل كارولوس منه؛ لذلك زأر بقوة مرعبة في وجهه وطرف تينر جام لثانية "يبدو أن وجودي وحده مزعج، ها" تمتم ونهض ليبتسم كارولوس بانتصار ويلتفت ليذهب للنوم "ظننتك تريد معرفة شيء ما عن جلنار، لكن… يبدو أنك لا تريد مني البقاء".

توقف كارولوس عن الحركة وأخفى تينر جام ابتسامته بصعوبة والتفت يتحرك نحو المنزل، وقف كارولوس في وجهه مزمجرًا، لكن تينر جام رفع كتفيه وقال "لا تبدو ودودًا لأكون صديقًا لك" كارولوس أراد قضم رأس الرجل، لكن هذا سيجعل جلنار غاضبة جدًا؛ لذلك دفعه بخفة ليجلس على الأرض مجددًا وانحنى يجلس أمامه.

كتف تينر جام ذراعيه وقال "أنت متعلق بها! لأنك تشعر بالوحدة، لأنك تخيف الجميع" أشاح كارولوس عينه بعيدًا عن تينر جام ولم يبدِ رد فعل "تعلم، هي منشغلة كثيرًا في تدريبها؛ لذلك لا تقم بلومها والجميع يضع آمالًا عالية عليها، خاصة بعد تطورها الأخير". 

نظر كارولوس نحوه مهتمًا بما يقول "أتعلم؟ أنا أقضي الكثير من الوقت في الغابة، إن شعرت بالملل فيمكننا التحدث" أشاح بوجهه بعيدًا، ولكنه شعر بالسعادة لأنه وجد شخصًا آخر لا يرتعب منه. 

زمجر في وجهه ما إن ربت الأخير على رأسه، ولكن تينر جام بادله ابتسامة واسعة قائلًا "سررت بالتعرف عليك أيضًا، كارولوس" لم يهتم وأراح رأسه فوق الأرضية وهو ينظر نحو البركة الصغيرة التي انعكست عليها أشعة الشمس. 

....  

لم يستطع تينر جام إخفاء ابتسامته في طريق عودته للمنزل، بالرغم من أنه لم يتحكم بكارلوس، لكن أن تبقى بجوار أخطر المخلوقات وأشرسها دون أن يتم التهامك لهو شيء يدعو للفخر. 

دلف للمنزل ولم يكد يتجه لغرفته حتى لاحظ تجمع الجميع حرفيًا حول المائدة واقفين كل شخص ينظر للآخر.

اتجه نحوهم ونظرته سألت دون الحاجة للحديث "ألم تلحظ سوارك؟ لدينا استدعاء" رفع لافيان يده وحول رسغه السوار السوداء يضيء بالأحمر، نظر لذراعه قبل أن يصفع رأسها لأنه نسى السوار في غرفته "ماذا يحدث؟".

لم يكد أن يجب أحد على سؤاله حتى جاء أوكتيفيان يحمل شيئًا طويلًا في يده ووقف أمام المائدة التي اجتمع حولها الاثنى عشرة فارس.

توقف أمامهم قبل أن يقوم بفرد ما بين يده على طول المائدة، اللوح النحيف أضاء بلمسة قبل أن ترتفع صورة ضوئية لخريطة معقدة حاولت جلنار فهم الموجود فيها.

"اختبار الحكيمة أصبح قريبًا، لم يتم إخبارنا متى، لكن توقعوا شيئًا الأسبوع القادم" توقف أوكتيفيان يتفحص وجوههم وبنبرة عسكرية لم يستخدمها من مدة قال "سنقوم بعدها بالقتال في الميدان" تبادل الجميع النظرات التي لا تشير لشيء معين "ماذا تعني؟" عينه حلقت نحو زوندي قبل أن يقول بنبرة جدية:

"سنستعيد قصر جلين الذي تم الاستيلاء عليه من قبل الإريبوس" التفت ينظر لجلنار بالذات وقال "إنه حيث وجدتِ نفسك عند مجيئكِ إلى هنا".

تسلل التوتر لقلب جلنار وشعرت فجأة بصدرها يضيق مع جملة أوكتيفيان، صورة لزنازين متجاورة وعفنة عادت فجأة لعقلها وأصبح بإمكانها تذكر رائحة الرطوبة الخانقة. لقد كانت تدرب طيلة هذه الفترة لسبب معين؛ لتقاتل، لكنها لم تتوقع أن يكون الأمر بهذه السرعة، أن ترى إريبوسي حقيقي وتقوم بقتاله لم يكن شيئًا يسهل التفكير فيه.

حاولت تجاهل الأفكار السلبية التي بدأت تظهر واحدة تلو الأخرى ووضعت كامل تركيزها على شرح أوكتيفيان للمنطقة، تحاول تذكر كل شيء مرت به هناك.

"نحن على أرض خاصة على أطراف المملكة في هذه المنطقة الزرقاء، أراضي عائلة جلين تقع وسط الأراضي الخاصة بـ عائلة ألفن ودول وكلسيثينيس، شمال أرض جلين تقع قرية نورث حيث كان سكان الحدود هناك سابقًا قبل نقلهم إلى هنا، قصر جلين في هذه المنطقة على الحدود الغربية لنورث"

كان يشير بأداة رفيعة نحو كل منطقة ينطق باسمها فتضيء بلون مختلف "نورث وقصر جلين بهذه المنطقة الداكنة، تم الاستيلاء عليهما من قبل الإريبوسيين، هناك الكثير من الأسرى هناك. نحن نخطط لاستعادة قصر جلين وأرض نورث، ولأن بينيفيا أقرب لقصر جلين سنقيم معسكرا هناك على الحدود".

خريطة الإلترانيوس


أومأ الجميع في حركة واحدة، وهنا أخذ أرتيانو دفة الحديث قائلًا "سنحتاج إلى خطة محكمة بحيث نتفادى أي خسائر قد تصيب الجنود أو الأهالي، المشكلة أن نورث من الشرق يحدها خليج مائي؛ لذلك من الصعب أن نقوم بحصارهم من هناك، حتى إن استعملنا الجنود الذين يستعملون عنصر الماء، سيحتاجون إلى يابسة للبقاء عليها وأرض تريبم مليئة بالسكان الذين سيرفضون ترك منازلهم".

نظرت جلنار نحوه وسألت "ماذا عن سكان بينيفيا التي سنقيم المعسكر فيها؟ ألا يوجد سكان هناك أيضًا؟" أومأ أرتيانو وشرح "لكنهم متعاونون أكثر من سكان تريبم، لقد وافقوا على الانتقال لهايبر وجولد مؤقتًا حتى تعود أرض نورث بسلام، سكان تريبم متعصبون ويكرهون النبلاء والفرسان وكل ما له علاقة بالطبقة العليا، إن ذهبنا إلى هناك سنصبح في حربين، واحدة ضد الإريبوس وواحدة ضد السكان المحليين".

نظر أرتيانو لوجوه الجميع ينتظر أن يخرج أحدهم بحل لهذه المشكلة. "أملك خطة، لكني لست واثقة..." انتقلت أنظارهم لجلنار التي زمت شفتيها تراجع في نفسها إن كانت هذه فكرة جيدة لطرحها أم لا.

رفعت نظرها للجميع تراقب فضولهم لتأخذ نفسًا وتشير نحو الخليج المائي بين نورث وتريبم "ماذا عن سكان الماء؟ السيرين؟" تبادل الجميع النظرات وكأن كل شخص يحاول رؤية رأي الآخر "سيرفضون التعاون، السيرين خاصة لن يفعلوا أي شيء ليساعدوا النبلاء".

نظرت نحو أوكتيفيان بدهشة قبل أن تصيح "بحق الله أتمزحون؟ أي حرب هذه؟ المملكة بالكامل مفككة ولا أحد يحاول إصلاح الأمر! سيستغرق الإريبوس يومين لقتل الجميع والاستيلاء على المملكة بالكامل".

نصفهم أومأ متفقًا وبشدة مع جلنار، ولم يتمكن أوكتيفيان من قول شيء أمام الحقيقة التي يصعب إنكارها.

"ذلك اليوم الذي جئت فيه إلى هنا؛ أتذكر جيدًا أن أسفل الماء كان هناك حراس من السيرين يحرسون المداخل للإريبوس، نحن نحتاج لسكان الماء في هذه الحرب، سواء لمحاصرتهم أو لاستعادة القصر بالكامل، هذه هي الطريقة الوحيدة" أنهت جلنار حديثها وتفحصت وجوه الجميع، بعضهم يظهر عليه الرضى التام بما قالت، والبعض الآخر غير واضح فيما يفكر بالضبط.

"أتملكين طريقة إذًا لضمهم لنا؟" اتجهت أعينهم نحو أتريوس الذي لم ينظر سوى لجلنار والتي بدورها تفاجأت بسؤاله، كيف يفترض بها أن تعرف؟ كل من تعرفهم من السيرين هم بورالدو وأخيه أميراديل و مونغستا.

 توقفت لثانية تتذكر الضوضاء الضخمة حول مونغستا، كان يبدو كشخص ذي شأن بين الجميع.

"لست متأكدة من الطريقة" تمتمت بتفكير قبل أن ترفع عينها نحوه، وكأنه قرأ ما تفكر به ليضحك بقوة قبل أن يأخذ نفسًا ويقول "هذه طريقة مجنونة، ستحتاجين ما هو أكثر من الحظ لتنجح" زفرت ثونار وصاحت بهما "هل يمكن لأحدكم التفسير؟ لا يملك الجميع التواصل العقلي الذي تملكانه!".

نظرت نحوها جلنار وأخذت نظرة سريعة نحو أوكتيفيان "كنت أفكر في رجل يدعى مونغستا، أظنه قد يساعد". لاحظت صدمة الجميع ونظرة 'هل أنتِ مجنونة؟' أخذت مكانها على وجوههم. "أنت تطلبين المستحيل" نظرت نحو أوكتيفيان الذي لا يبدو على وجهه الرضى "لا أعلم ما المشاكل بينكم، لكني سأنجح في هذا" قالت بإصرار وقبل أن يرفض أوكتيفيان قال أغدراسيل "من رأيي أننا سنحتاج لكل شيء قد يساعدنا، لن تضرنا المحاولة".

ابتسمت نحوه بامتنان لدعمه ليومئ بخفة. تنهد أوكتيفيان قائلًا "لكننا لن نعتمد على هذا، سنضع خطة بديلة إن لم يوافقوا" أومأ الجميع متفقًا لهذه النقطة "لن نبدأ في التحرك إلا بعد اختبار الحكيمة، في هذه الأثناء يتم نقل السكان من بينيفيا بهدوء وإنشاء معسكرات على حدودها حتى مجيئنا" وضح أوكتيفيان مشيرًا لحدود بينيفيا.

"هذه ستكون حرب حقيقة وليست أحد القتالات التي نخوضها مع أعداد قليلة، إن تمكنا من طردهم من نورث فهذا يعني أننا نبعد التهديد عن المملكة وسيعود الإريبوس للتعسكر داخل القفار، وحينها سنتمكن من طردهم من المملكة بالكامل"

حديث أوكتيفيان أدخل بعض الأمل لصدورهم، لكن أرتيانو قال "لا تدعوا الأمل يفقدكم الواقعية، نحن نملك خطة وهم يملكون خطةً أيضًا، علينا وضع احتمالات لكل شيء؛ فلا أحد يعلم، ربما يسوء الأمر أكثر بكثير مما هو عليه".

بالرغم من الضيق الذي كان واضحًا على بعض من تعبيرهم، لكنهم كانوا يعرفون أن أرتيانو محق وعليهم تذكر هذه النقطة دومًا؛ فالعدو الذي يقفون في وجهه ليس ضعيفًا، بجوار قوتهم فاللعنة التي استخدمها ملكهم جعلتهم أكثر خطورة.

"جلنار، أنتِ الوحيدة التي لم تقاتل ضد الإريبوس يومًا، عليكِ أن تعرفي جيدًا ما الذي تواجهينه، نقاط الضعف والقوة، وبما أن أتريوس هو مدربكِ فعليه توضيح هذا لكِ" أشار أرتيانو نحوهما لتلقي جلنار نظرة سريعة نحو أتريوس الذي لم يبدِ أي رد فعل واضح.

"بالإضافة إلا هذا..." نظرت نحو أوكتيفيان الذي دفع بعلبة سوداء متوسطة الحجم نحوها لتنزلق فوق الطاولة الناعمة وتلتقطها جلنار "السوار هو أداة التواصل بيننا، له الكثير من الاستعمالات، لافيان سيشرح لكِ كل أداة وكيفية عملها" شرح بإيجاز بينما تتفحص جلنار العلبة التي تحتوي على سوار مشابه لما يضعه الجميع حول معصمه مع كرة أكبر حجمًا ولاصقة بيضاء، رفعت عينها في النهاية نحو لافيان الذي غمز لها.

"ضعوا كامل تركيزكم على التدريب، أي شيء قد يجعلكم أقوى لا تترددوا في استخدامه، أي فرصة قد تدفعنا للفوز على الإريبوس استغلوها جيدًا. سيد عائلة جلين سيرسل معنا أفضل رجاله وأكثرهم معرفة بمداخل القصر وأسراره"

قبضت جلنار يدها على العلبة بقوة وأخذت نفسًا عميقًا تحاول التخفيف من الخوف داخلها "مبارك لك، أصبحتِ ضمن فريق سلاحف النينجا" ابتسمت جلنار وأدركت أن يوجين موجود لتخفيف كل شيء سيء، ليس عليها التوتر.

الصورة الضوئية للخريطة اختفت وانسحبت نحو الورقة الكبيرة فوق المائدة وقام أوكتيفيان بلفها مجددًا ونظر للجميع نظرة أخيرة "سنتحدث عن هذا بعد اختبار الحكيمة، حظ جيد للجميع". 

وبهذا كان اجتماعهم الأول معًا كاثنى عشرة فردٍ مع شبح ساخر قد انتهى. أخذت جلنار نفسًا قويًا والصمت الذي كان يسود المكان اختفى بمجرد خروج أوكتيفيان، وكل شخص أخذ يحدث الشخص الذي يجاوره.

"جلنار" التفت تنظر نحو الهامس باسمها، رأس أزرق تحرك يسحبها بعيدًا قبل أن يقول "هل علي إخبارهم عن قدرتي الجديدة؟ يجب على الجميع أن يعلم، صحيح؟" هارليك محق، هذا أول ما فكرت فيه جلنار. نظرت نحوهم وقد بدأ كل واحد منهم يتجه لما سيفعله.

ربتت على كتفه وقالت "سنخبرهم صباح الغد عندما نجتمع على الفطور" لم يتمالك نفسه واتسعت ابتسامته لتملأ نصف وجهه حماسًا لإخبار الجميع.

ألقت جلنار نظرة للعلبة السوداء بين يدها قبل أن تفتحها وتحدق بالأدوات الموضوعة بعناية داخلها، التقطت السوار ذا الخرز الأسود تحدق به؛ إلا خرزة واحدة بيضاء.

"معكِ المعلم الكبير، هل نبدأ درس التوضيح؟" أجفلت نحو الصوت خلفها لتقابل وجه لافيان المبتسم "أرجوك، نعم" ضحك قبل أن يسحبها نحو مقاعد المائدة ليجلسا.

التقط السوار من بين يدها ورفع يده قائلًا "أي يد ستضعين السوار فيها؟" رفعت جلنار يدها اليسرى وأشارت لمعصمها، أومأ لافيان وأمسك يدها اليمنى وسحب إصبعها الإبهام ووضعه فوق الخرزة البيضاء الوحيدة.

طنين صغير سبق تحول خرزات السوار كلها لألوان مختلفة، الأحمر والأصفر والأرجواني، كل خرزة امتلكت لونًا خاصا، ابتسم لافيان عندما صدر صوت آلي قائلًا "اسم المالك…" بادلت جلنار نظرات متعجبة مع لافيان الذي رفع السوار نحو فمها لتنطق باسمها، وما إن فعلت جلنار عادت الخرزات كلها للون الأسود وصدح الصوت ذاته "تم أخذ بصمة الصوت والإصبع". 

وضع لافيان السوار في يدها وصفق قائلًا "والآن أنتِ المالكة الرسمية للسوار، هذا السوار متصل بكل أداة موجودة في هذا الصندوق، كل شيء هنا أصبح مسجل داخل ذاكرته بصمة صوتك وإصبعك، وما إن يلمس سوارك شخصٌ آخر ويحاول الولوج للمعلومات داخله سيُدمر نفسه ذاتيًا بعد دقيقة إن لم يتم إلغاء أمر التدمير بصوت صاحب السوار، كما أنه مضاد للماء والنيران ومضاد للكسر، إنه مصنوع ليقاوم أصعب الظروف".

تفحصت جلنار السوار الأسود في يدها قبل أن ترفع عينها باستنكار نحو لافيان "أي ذاكرة؟ الخرزة حجمها أصغر من عقلة الإصبع، لافيان" ضحك بصخب قبل أن يضع نظرة فخر "هذا كان اختراع أرتيانو وتنفيذي، الذاكرة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، أي أنها في حجم الميكروبات" فغر فاه جلنار، ويوجين الذي انضم لها لم يكلف نفسه عناء فهم ما ينطق به لافيان.

"استمعي جيدًا وحاولي تذكر ما أقوله، الخرزة هنا عندما تضيء بلون أحمر فهذا يعني أن الأمر عاجل، خطر، لا يمكن تأجيله لوقت لاحق… ستكون رسالة مسجلة من أحد الفرسان أو من قادة الجيش أو الحرس الوطني، ليست مكالمة مباشرة، وهذا يعني أن الأمر خطر ولا وقت للسؤال أو الإجابة عن الأسئلة... عليكِ التحرك فور رؤية الرسالة، سواء أكانت تسجيل صوتي أم مرئي"

أومأت جلنار وهي تحدق به بتركيز ليكمل "اسم الشخص الذي أرسل الرسالة سينطق تلقائيًا قبل عرض الرسالة، انظري..." رفع لافيان معصمه ولمس خرزة أضاءت بالأحمر إضاءة متقطعة، وفجأة كرة سوداء في حجم الجيب حلقت نحو لافيان وبدأت تصوير فيديو لوح فيه لافيان بيده قبل أن يقول "انتهى، أرسل إلى جلنار روسيل".

على الفور طنين مستمر صدر من سوار جلنار وأضاءت الخرزة بلون أحمر، وما إن لمستها جلنار بسبابتها حتى عرض التسجيل الذي سجله لافيان قبل قليل كصورة مجسمة قبل أن ينتهي وتختفي.

"إذا أردتِ تسجيل رسالة عاجلة عليكِ الضغط على الخرزة الثانية هنا، الكاميرا الخاصة بكِ ستتحرك وستقوم بضبط زاوية التصوير والإضاءة، كما أنها مزودة بمسجل صوت عالي الحساسية سيقوم بتسجيل كل حركة وكل كلمة تقولينها، وما إن تنهي تسجيلكِ فقط قولي انتهى وانطقي باسم الشخص الذي توجهين الرسالة نحوه، وإن أردتِ من رسالتك الذهاب للجميع فقط قولي الجميع".

التقطت جلنار الكاميرا السوداء الصغيرة وعدستها اللامعة تتفحصها "الخرزة التي تضيء بالبنفسجي هي خاصة بالمكالمة، أي أن شخص يريد الحديث معكِ على الفور وبشكل مبـ..." قاطعته قائلة "أعرف ما هي المكالمة" أخرج 'أوه' صغيرة قبل أن يومئ ويكمل "حسنًا إذًا، وهذه التي تضيء بالأزرق ترسل مكانكِ لأي شخص تنطقين باسمه، فإن وقعتِ في ورطة ولا يمكنكِ الحديث فقط المسي هذه الخرزة لخمس ثوانٍ" أومأت جلنار.

"وهذه الصغيرة هنا سأضعها خلف أذنك، إنها ليست لاصقة عادية ستأخذ لون جلدك؛ فلن يراها أحد، كما أنها ستأخذ ملمس الجلد أيضًا، باختصار؛ لن يعرف أحد عن وجودها، إنها سماعة صغيرة مضادة للمياه وللغبار والنيران حتى، أي أن استخدام عناصرك لن يدمرها، لن تشعري بها ومن الأفضل ألا تقومي بنزعها فإضاعتها ستكون أمرًا سيئًا، الأدوات المستخدمة في صناعتها غالية جدًا"

أمسكها بحذر ونظر نحوها وكأنها أغلى من حياة الجميع في المكان، استدارت جلنار عندما طلب منها وتلقائيًا وقعت عينه فوق العلامة على جانب عنقها "علامتكِ غريبة" بعفوية قال لتضحك جلنار وتومئ كتأكيد على حديثه وضع اللاصقة خلف أذنها لتشعر بملمس بارد يليه طنين واضح وكأن الصوت داخل أذنها وصدح صوت عالي أجفل جسدها له "جلنار روسيل، تم التسجيل".

ضحك لافيان لفزعها وقفزها في مكانها "أعتذر، كان علي خفض صوتها، يمكنكِ التحكم بمستوى الصوت بلمس الخرزة الصفراء هنا، لرفع الصوت المسيها نحو الأعلى ولخفضه حركي إصبعكِ على ذات الخرزة نحو الأسفل".

نظرت جلنار للسوار بيدها قبل أن تنظر للافيان نظرة 'حقًا!' رفعت معصمها أمام وجهه قائلة "كل شيء جيد، إلا أن الخرزات كلها سوداء" طرف قبل أن يخرج 'أها' كبيرة بلهاء ويسحب ذراعها.

"اضغطي مرتين فوق الخرزة البيضاء" نفذت ما قاله لتتحول الخرزات كلها لألوان مختلفة وعلى كل واحدة علامة معينة "الأمر أننا نستعملها منذ فترة؛ فحفظنا أماكن كل خرزة، كما أن اللون الأسود أكثر فخامة من كرنفال الألوان هذا؛ لذلك يمكنكِ تغير لونها متى ما أدرتِ. الكاميرا تستشعر مكانكِ على الفور؛ لذلك يمكنكِ تركها في أي مكان، وعندما تحتاجينها فقط اضغطي زر التسجيل وستجد طريقها لكِ"

قبضت يدها فوق الكاميرا وباليد الأخرى لمست المنطقة خلف أذنها، لا شيء! كل ما يمكنها الشعور به ملمس بشرتها العادي، وكأن لافيان لم يضع أي لاصقة قبل قليل.

"وهكذا أصبحتِ ضمن دائرة التواصل المزعجة، قد تشعرين أنه شيء محمس، ولكن صدقيني هؤلاء المزعجين سيقتلونكِ كل يوم بكثرة الرسائل، خاصة الحرس الوطني، إنهم يستعملوننا وكأننا رجال تنظيم المرور، لا للحروب"

نبرة الانزعاج كانت واضحة في صوته، وحتى أنه دحرج عينيه مع نهاية جملته.

شكرته جلنار وأصر أن تسأله هو عن أي شيء خاص بالتقنية، لا أرتيانو، فهذا يرضي غروره.

تحركت جلنار نحو غرفتها تضع الكرة الصغير التي من المفترض أنها الكاميرا فوق المكتب الصغير، تفاجأت عندما رأت سريرها فارغ وتم ترتيبه وهناك ورقة صغيرة فوقه، تحركت نحو السرير تلتقط الورقة لتقرأ الأسطر الثلاثة المكتوبين بخط منمق وجذاب.

"شكرًا على الوقت الذي قضيته معي، أعلم أن هذا قد يبدو مبتذلًا جدًا ومصطنعًا، ولكن بكل صدق؛ اليومين الماضيين بكل ما حدث فيهما كانا أفضل أيام حياتي التي اكتشفت كم كانت مملة.

ملاحظة: أنا شخص سيء جدًا عندما يثمل، أعتذر لأي ضرر قد أكون سببته لكما.

مع كل الحب: كاراميل جلين"

لم تتمكن جلنار من منع ابتسامتها وهي تقرأ الرسالة الصغيرة للمرة الثانية، ربما عليها الاعتذار لجوزفين عن الضرر، لا لهما. تنهدت ووضعت الرسالة داخل أحد الأدراج وأخذت المزيد من الكتب التي لم تنهِها بعد، وتحركت للتدريب.

اختارت مكانا بعيدًا عن المنزل وتبعها يوجين بملل يتذمر كل ثانية، لم تلقِ جلنار له بالًا وهي تتابع حركاتها ببعض الضيق.

"تواجهين مشاكل في السرعة؟" توقفت والتفت الاثنين نحو إليف الذي ظهر فجأة مبتسمًا يراقب كلاهما "ألا تملك مواعيد محدده للظهور؟" تظاهر بالتفكير قبل أن يجيب يوجين "لا أظن ذلك مع الأسف، لا أظنني شخص قد يلتزم بالمواعيد".

"يصعب إغضاب هذا الشخص" تمتم يوجين بغيظ فلا شيء قد يجعله يستمتع بوقته هنا. "من الصعب تنفيذ بعضها بسرعة" هتفت بحنق وأسندت جسدها لشجرة "لمَ إذًا لا تدمجي العنصر مع جسدك؟ النيران على سبيل المثال؟" حدقت به بتعجب "حينها سأستعمل النيران في الهجوم وهذا قتال جسدي" حرك رأسه نافيًا وقال "ما أقصده مختلف، أنتِ تتمكنين من دفع النيران خارج جسدك، لمَ لا تعكسين الأمر وتدفعيها للداخل؟".

ارتفع حاجبيها قبل أن تعتدل في وقفتها وتضع ابتسامة جانبية وراقبهما يوجين بطرف عينه وهو يهمس "ليس الأمر وكأنه وضع خطة لسرقة لوحة الموناليزا، مبالغة درامية".


***********************************

هالوووو

اعتذر على تأخير اليومين لكن ظروف خارجه عن ارادتي 

الدنيا بتلطشك لكن يجب ان تعود 

وانا بعود الحمد لله وبتلطش برضو الحمد لله 😂

انا اكتشفت اني شخص بيروق اوي لوحده

مش توحد، مش انطوائية، بالعكس انا شخص اجتماعي وممكن في قاعده ادير دفة الحديث كلها لو حابه

لكن بلاقي في سلام غريب لما اكون لوحدي حاجه كده قمه في الحرية 

هتقولولي واحنا مالنا هقلكم لا ملكمش انا بحب ارغي وخلاص

حد خد بااااااالللله من الحاجه الجامده الي معموله في نص الروايه؟

محدش؟

القراء الجديدين مش هياخدوا بالهم بس زمان كانت خريطة الالترانيوس حاجه قمة في السوء وقمة في العشوائية واللا منطقية

عملت وااااااااااااحده جديده

عجباني موت رغم انها مش متقنة ومش قد كده بس لانها اتعلمت في وقت قليل بناء على بحث مش كبير اوي 

لا وفي منها نسخه مرسومه على ورق لما اخلصها هورهالكوا

الموضوع ممتع اوي والله نصيحه لو حد ليه في الفانتازيا يجرب يعمل خريطة لعالم روايته حقيقي هتستمتع اوي

اتمنى تعطوا الخريطه دي كل عبارات التبجيل والحب عشان انا حباها اوي 

بس كده 

يارب تنجوي بالفصول 

وباااااااي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

25 تعليقات

  1. اولللللل 🙋🏻‍♀️🙋🏻‍♀️💃🏻

    ردحذف
  2. ثااالث😂😂😂😂😂

    ردحذف
  3. تبجييل عظييم للخريطة قبلما اشوفها لأني جيت أعلق قبلما اقرا😂😂😂

    ردحذف
  4. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  5. بدأت الأحداث تأخذ منعرجا محمسا 🔥🔥🔥🔥

    ردحذف
  6. الخرييييييطة الجديدة نار وشرار نتكلم عن الدقة والوضوح من جميع النواحي الفنية رووووعة شكرا لجهودج المبذولة 💜

    ردحذف
  7. هفتتح كلامي بمومنت جوزفين و ثونار اللي خلاني اصيح اكتر من مومنتات ارتيوس و جلنار حقيقي بعشق ذا الثنائي😭😭💕، ابغى اقول كمان ان تينار جام بجد عسول اووي حرفيا يتاكل من حلاوته😭💕، واندر و تهزيقها ليوجين حتى الشبح مترحمش من تهزيقاتها😭😭، بالنسبة بقى للخريطة فبجد شكرا انك غيرتيها لان الخريطة القديمة انا مكنتش فاهمه منها حاجة خالص غير ان في اجزاء اتضافة و اتوضحت و حاجة في قمة الجمدان، اخيرا و ليس اخرا بالنسبة لعلامة جلنار محدش علق على العلامة دي غير اتريوس حتى الحكيمة متكلمتش عنها فهموت و اعرف اشمعنا اتريوس هو الوحيد اللي عارف معناها الا اذا كان عنده نفس العلامة يارب مطلعش كلاون و علامته تطلع مختلفة، متحمسه للبارت الجاي

    ردحذف
  8. بجد انتى موهوبه اوى بسم الله ماشاء الله عليكى الروايه روعه بجد احلى حاجه قرتها والله بجد استمرى وياريت لو عرفتى تعمليها كتاب انا متأكد انها هتنجح اكترمن كده كمان 🤍🤍

    ردحذف
  9. ❤️❤️❤️❤️❤️🖇️

    ردحذف
  10. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  11. صراحه خدت بالى فعلا منها و انبهرت خصوصا انى فاكره القديمه و اللى كانت فوضى 😂😭♥️ + متحمسه للقادم ♥️♥️

    ردحذف
  12. الخريييطة بتجنننن، اخخخ قلبي كتتتير حلوة كيف عملللتيها انا بدي اعمل وحده لروايتي 😭😭

    ردحذف
  13. عوافي ي قلبي الفصل حلو بس احداثه قليلة وكالعادة السرد جميل والخريطة انا قعدت صافنة فيها لمدة وانا منبهرة فيها مبدعة حبيبتي اسراء

    ردحذف
  14. وااو الفصل احلى شي صار بيومي 🔥

    ردحذف
  15. بس شفت الخريطة صرت افكر لو كل شخص بيكتب خيال يعمل خريطة كيف حتكون.

    ردحذف
  16. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  17. الثنائي الجديد طلع بسبب غلطت جلنار 😂😭و الخريطه تجننين حبيييتتتتت🫶🏻🩶تخيلت كارلوس ف منطقه الأشجار قرب منزل الفرسان😭

    ردحذف
  18. ععع فين البارت فضولي هيموتني

    ردحذف
  19. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  20. الخريطة أكثر شي لفتني وأبهرني حتى الآن

    ردحذف
  21. حبيتهااااا ونازلة اشوف كلامك مخصوص عشان عارفة انك هتتكلمي عنها🥺 بجد كل حاجة عظمة، انشغلت فترة وراكمت عليا فصول بس انتظرينيي

    ردحذف
  22. اول كلمة كنت بقولها انه الخريطة واااااو بكا معنى الكلمة بجد 😍 ذا افضل الف مليون مرة من الخريطة القديمة الى دوخت راسي ولا فهمت منها حاجة 🤣🤣😂

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال