الفصل الثاني والاربعون | فارس المستذئبين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهمَّ إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ اللهم إني أسألك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهمَّ استُرْ عوراتي وآمِنْ رَوْعاتي اللهم احفظْني مِنْ بينِ يديَّ ومِنْ خلفي وعَنْ يميني وعَنْ شِمالي ومِنْ فوقي وأعوذُ بعظمتِك أنْ اغتالَ مِنْ تحتي".

إفصاح آخر " ثمة ماهو أسوأ من المعصية.. الإصرار عليها ..آدم وابليس كلاهما عصى ربه ولكن الأول استغفر والثاني استكبر، أدم صار نبياً وابليس صار رجيماً!". أدهم شرقاوي

مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل الثاني والاربعون والثلاثين




فراغ!

أشبه بفجوة ضخمة تحتل صدري، تمنعني من الشعور بأي شيء، لا أعلم كم مر من الوقت وأنا أجلس مكاني أحدق بالأرضي الخشبية البادرة.

لم يكن بإمكاني إدراك ما يحدث حولي، لا أعلم إن كان صراخ الأهالي قويًا لدرجة أنه ما زال بإمكاني سماعه على بعد أميال، أم أن أصواتهم كانت تتردد بلا توقف داخل رأسي.

السرعة التي قد تسوء فيها لحظات حياتك هي أكبر بكثير من أن تتمكن من استيعابها، في لحظة كنا نحتفل بانتصارنا وفي اللحظة التي تليها حال كل شيءٍ إلى رماد.

لم أقوَ على النظر لعين أحد، لم أقوَ على مخاطبتهم أو حتى مواساتهم، لقد كنت محتجزة داخل أفكاري الخاصة وأصوات صرخاتٍ لا تتوقف.

يدي التي أسندتها فوق ركبتي كانت ترتعش بقوة، راقبت الجزء الأسود المتعفن على كف يدي بينما يتراجع ببطءٍ شديد، محاولات تحطيم الجدار بيدي لم تكن أفضل قرار اتخذته.

من المفترض لهذا العفن المنتشر على أنحاء ذراعي أن يقتلني ألمًا، لكن ما عدت أشعر بشيء، وربما هذه الحقيقة مخيفة أكثر من انتشار شيءٍ لا أعلم ما هو داخل ذراعي.

صوت باب غرفة ثونار كان كفيلًا بإعادتي أخيرًا لأرض الواقع مدركة أني ما زلت أجلس هنا ولم أختفِ بين أفكاري.

الجميع كان متجمعًا حول غرفتها، ننتظر من كرميل أن تعطينا شيئًا جيدًا وإن كان صغيرًا، ولكن يبدو أن العالم قرر التآمر ضدنا. لم أتمكن من رفع رأسي والنظر لأي شخصٍ منهم، فقط أصواتهم كانت تصلني وكانت كافية لأفهم ما الذي يجري لثونار.

"أنا أعتذر منكم جميعًا، لقد فعلت كل ما بإمكاني فعله، لكن أيًا يكن ذلك الشيء داخل جسدها فهو سيدمره ببطء، حاولت قدر الإمكان فصله عن جسدها، ولكن وكأن حقلًا من السحر حولها يمنع أي طاقة شفاء من التأثير بها، وكأنه يحمي هذا الطفيلي داخلها".

"ماذا تعنين؟ لا يمكننا خسارتها، كرميل. عليكِ فعل شيء ما!" أحدهم صرخ في وجهها وقد فقد أعصابه. "لقد فعلت ما في وسعي، كل ما تمكنت من فعله هو تأخير تقدم هذا السحر داخل جسدها، تملك فقط ثلاثة أيام قبل أن...".

ضممت يدي لبعضها أحاول منع ارتجافها القوي، رأسي ما زالت منخفضة تحدق بالأرضية ولم أملك الطاقة لرفع رأسي لكارميل والنظر نحوها.

"لكن كيف لشيء كهذا أن يحدث؟ ثونار لم تلمس الجدار، وعلى العكس جلنار فعلت!" لم أعلم من طرح السؤال بالضبط ولم أكن مهتمة بمعرفة هوية شخص أكثر من الاهتمام بإجابة كرميل. "الأمر حقًا معقد، فلا أحد يعلم من قام بصنع هذا الجدار، وأي تعويذة استخدم لإنشائه، لكن هذا الشيء قوي بشكلٍ مرعب، تملك القوى وسائل دفاع مختلفة، إن تمت مهاجمتها بطاقةٍ غريبةٍ تقوم برد تلك الطاقة لمصدر الخطر، وربما هذا ما حدث مع ثونار، لكن بالمناسبة..."

توقفت قليلًا وسمعت همسها "إن كانت جلنار أيضًا قد لمست الجدار فلابد أنها تأذت، عليك التحدث معها أغدراسيل، لا يمكنني تركها دون علاج". اتجهت عيني نحو يدي ولم أجد حاجة لعلاجها؛ فأنا لا أشعر بها من الأساس.

هل يملك أحدهم طريقة لدفع الحياة داخلي مجددًا؟ لقد أدركت أن الحزن أهون بكثيرٍ من عدم الشعور بشيء.

لم أبذل مجهودًا في الاستماع لبقية المحادثة ظللت أتذكر تلك الصرخات مجددًا، نظرة ثونار، تسببي في أذيتها، لقد دمرت الكثير من الأشياء اليوم.

حتى الفجر ظللت جالسة أمام ذلك الحاجز أحاول مرارًا وتكرارًا، لقد كان حاجزًا منيعًا حول القرى الثلاثة من كل الجهات، مهما حاولت ضربه تعود الضربة نحوي، النيران، الماء، الأرض، الهواء، لا فائدة… ولمسه يجعل الأمر أسوأ؛ لذلك حاولت ثونار حماية جسدي بتعويذة ما وصنعت حاجزًا بين جسدي والجدار، ولكن لسبب ما انعكس الأمر عليها.

يوجين حاول، لكن لم يتمكن من عبور الجدار، وكأن ذلك الشيء صنع حتى لا يعبر الهواء للداخل.

مع طلوع الفجر كانت الصرخات هدأت واستنجاد أهالي القرى اختفى والصمت ساد خلف الجدار، وعلى الجهة الأخرى جميع الجنود قد تحركوا والسيرين عادوا لأرضهم، ولم يبقَ أحد سواي!

انتظرت أن يحاول أحدهم المساعدة أو أن يتم إرسال وحدةٍ للجدار، ولكن وكأن الجميع أعلن أن المعركة انتهت هنا!

نزعني من بين أفكاري صوت كرميل وهي تنادي باسمي، حقًا لا أملك الطاقة للحديث أو التظاهر أن كل شيءٍ بخير، لا شيء بخير على الإطلاق.

حدقت بقدميها بينما تقف أمامي لثوانٍ، وعندما لم أرفع رأسي للنظر نحوها انخفضت أمامي على ركبتيها وكان بإمكاني ملاحظة يدها التي ترتجف بشكل سيءٍ.

"أنا أعتذر، منكم جميعًا، أنا حقًا آسفة لكوني فردًا من عائلة جلين. لقد تم إصدار القرار من طرف رئيس عائلتي، أنا أتحمل جزءً من المسؤولية. لا يمكنني الهرب من هذا العار، بصدقٍ أنا أطلب منكم الغفران".

كان بإمكاني سماع ارتجاف صوتها الواضح، كنت أعلم ألّا ذنب لها، كل ما فعلته أنها ولدت في العائلة الخطأ، لكن في هذه اللحظة لم يكن بإمكاني النظر لوجه أي شخصٍ له علاقة بالنبلاء.

كل ما له علاقة بهم يدفعني للجنون أكثر، كنت مدركة أن المسكينة تشعر بالذنب أكثر منا جميعًا، لكنها كانت أحد أفراد جلين، كانت تحمل دمائهم واحتجت بشدة لجعل أحدهم يتألم، أردت أذيتهم جميعًا؛ لذلك دون الالتفات لها بصقت جملتي قبل أن أبتعد بخطى متثاقلة "طلب المغفرة ليس كافيًّا".

توقفت عندما حاول تينر جام الحديث معي وطلبت بهدوء: "أريد البقاء وحدي". سمعته يتنهد قبل أن يأخذ خطواتٍ للخلف. "سأتركك أنا أيضًا لبعض الوقت" يوجين ربت على كتفي وتحرك بعيدًا وكنت ممتنة لهذا.

صفرت بقوة ما إن أصبحت خارج المنزل وعلى الفور كان كارولوس هنا، قفزت فوق ظهره وألقيت برأسي على عنقه في تعب "أحتاج لمكان هادئ".

كارولوس يعرف دائمًا أين عليه أخذي، لست مضطرةً لمراقبة الطريق أو الحذر؛ لذلك ألقيت بثقل جسدي عليه وعيني تحدق بالسحب من حولنا بخمول.

صوت الأمواج كان أول ما ضرب أذني قبل أن تملأ المكان رائحة المياه المالحة والرمال الرطبة، كنت شاكرة من قلبي لأنه اختار هذا المكان.

قفزت من فوق ظهره وأبعدت الحذاء الذي آلم قدمي والأسلحة والأحزمة، تخلصت منها جميعًا، ووقفت أنظر للمياه. موجة وراء موجة... لا معنى لما يحدث معي، مع الجميع، ربما كان البكاء ليكون مريحًا، ولكني لا أستطيع… حتى رغبة البكاء اختفت تمامًا.

كارولوس وضع رأسه فوق كتفي ومال نحوي في مواساة وعينه راقبتني بحزن، شعرت بالحزن للحظات، وعلى الرغم أنني أعرف أن هذا الشعور ليس لي، بل لكارولوس؛ إلا أنني كنت ممتنة أنه مكنني من الشعور بشيء ولو للحظات.

انحنيت فوق الأرض للجلوس وكارولوس جلس على الفور خلفي، استلقيت وأسندت رأسي على جسده وجناحه التف حولي بهدوء.

حدقت بالسماء وتمنيت في هذه اللحظة أن أنام! وعندما أفتح عيني سأسمع صوت أخي لوش يغني بصوته القبيح، سأسمع لوريندا تتذمر حول ملابسي وبأمي توبخنا لأننا سنذهب دون فطور.

 مانشستر، أصوات الزحام، ورائحة القهوة المحمصة أمام منزلي، تمنيت أن تكون مشكلتي الكبرى هي فريونكا.

ربما سأكتفي فقط بأن أنام... الهرب والنوم سيكون مريحًا.

لم أعرف أن أمنيتي سهلةً لدرجة أني غبت عن الوعي بمجرد إغلاق عيني، يمكنني على الأقل الذهاب للنوم.

.... 

ابتسمت براحة للرائحة المألوفة حولي، اليد الناعمة التي مسحت على رأسي بهدوء ولصوت الناعم والتهويدة المحببة لقلبي والتي لم أسمعها منذ وقت طويل.

"للعشرة يمكنك العد، حتى العشرة وسيصبح كل شيء بخير…

واحد، أغمض عينك وأذنك وانتظر ظهور الشمس.

اثنان، تذكر أني دائمًا بجانبك وسأمسك بيدك.

ثلاثة، أنت دائمًا في صلواتي ودعائي.

أربعة، إرادة الإله ترعانا وستحفظنا.

خمسة، ومع ظهور الليل سنردد لحننا معًا.

ستة، سأحافظ عليك دافئًا ونقيًا يا صغيري.

سبعة، لا يمكن لأحد هزم عزيمتنا.

ثمانية، صدورنا ليست فارغةً وقلبنا ينبض بالإيمان.

تسعة، هذا الوقت الصعب سيمر يا صغيري.

عشرة، كل شيءٍ أصبح بخير، من أجلك يا ملاكي سأعطيك أجنحتي لتطير بها بعيدًا".

أردت تناسي فكرة فتح عيني للراحة التي اكتسحت صدري، ولكن لأنني اشتقت لها كثيرًا رفعت رأسي ونظرت لوجهها، مبتسمةً وجميلةً كما كانت وكما ستظل دائمًا "أمي!".

أومأت نحوي ومسحت على رأسي بهدوء, "لقد كان كابوسً سيئًا" همست لتربت على رأسي، عيني تجولت على غرفتي أمسحها ببطء، أنا حقًا في المنزل!

"أمي... لكن كيف؟". ضحكت وطرقت رأسي بخفة "ابنتي الذكية أصبحت حمقاء! ماذا تعنين بكيف؟". نظرت حولي أشعر بالتشوش، أكان كل شيء حلم؟ لا أهتم، أمي هنا وهذا يكفي، كل شيء سيكون بخير.

دفعت بجسدي نحوها أحتضنها بقوة أحاول الشعور بها وبدت متفاجئة، لكنها ربتت على ظهري قبل أن تحتضنني بقوة مماثلة. "اشتقت لكِ... أنا حقًا اشتقت لكِ وللجميع، لا أريد الذهاب مجددًا، أريد البقاء هنا. أعدك أني لن أتذمر ولن أصبح صعبة المراس".

أبعدتني عنها قبل أن تلمس وجنتي برقة تمسح تلك الدموع "ولكن هذه ليست ابنتي التي أعرفها". عقدت حاجبي بتعجب "ابنتي لا تستسلم، حتى عندما تحاول إقناع نفسها بذلك فهي قوية صامدة وترد الصاع صاعين، تلك جلنار التي أنجبتها".

ارتجفت شفتاي "أمي، ماذا تقولين؟ عن أي استسلام تتـ..." توقفت أحدق بها وهي فعلت المثل، ولكن بابتسامة صغيرة، نظرت حولي مجددًا قبل أن ألاحظ تلك الدمية الصغيرة في زاوية الغرفة… أمي تكره الدخول لغرفتي بينما دمية الريش تلك موجودة؛ فهي تصيبها بالحساسية.

انخفض كتفي ببطء ونظرت نحوها بهدوء "أنا أحلم… أنتِ لستِ موجودة حقًا". تنهدت وأومأت برأسها، لكنها عادت تبتسم "لكنك بلهاء لتدركي..." رفعت شعري عن وجهي وتابعت بثقة "طالما أنا في ذاكرتكِ فأنا حولكِ دائمًا وأبدًا، وثقي بأن ابنة جايكوب روسيل ليست أي فتاةٍ عادية، ما زال هناك الكثير لفعله ولا يمكنكِ العودة الآن، ولكني دائمًا سأكون في انتظار صغيرتي".

احتضنت جسدها وحاولت نسيان حقيقة أن كل هذا من اختلاق عقلي حتى لا أموت من شدة الألم!

حتى وإن كان وهمًا صنعه عقلي في هذه اللحظة، فأنا أفضل التمسك به ولو للحظات حتى لا أفقد نفسي.

"أريهم من تكون ابنة روسيل"

همست في أذني قبل أن تختفي تمامًا ومعها اختفت غرفتي التي اشتقت لها.

كان بإمكاني سماع صوت الأمواج من حولي مجددًا، يصبح أعلى شيئًا فشيئًا، رائحة المياه المالحة والهواء النقي بدأت تعيدني لأرض الواقع، ولكن ما زال بإمكاني الشعور بيد تداعب شعري ببطء.

فتحت عيني ظنًا أنه لربما تكون أمي موجودة، ولكنها لم تكن أمي!

عقدت حاجبي باستغراب بينما أحاول أن أفيق بالكامل، صاحب اليد لم يكن ينظر نحوي، بل ظلت عينه ثابتة على الشاطئ أمامنا. متى انتقلت رأسي من فوق صدر كارولوس إلى قدمي أتريوس؟ لا أعلم ولم أشعر بهذا حتى.

ألهذه الدرجة كنت متعبة؟

عيني ارتفعت لكارولوس الذي التف حول نفسه وعينه مفتوحة يحدق بالمياه أيضًا، السماء كانت على مشارف الظلام تقريبًا.

عينه اتجهت نحوي فجأة ورفع حاجبه عندما لاحظ أني استيقظت، كلٌّ منا نظر للآخر بصمتٍ ويده توقفت عن العبث بشعري. "انظروا من استيقظ أخيرًا" قال ساخرًا وابتسامة صغيرة ارتسمت على وجهه. حاولت تدارك نفسي ونهضت جالسة بينما أفرك عيني بتعب.

"لأكون صريحًا؛ لا فكرة لدي عما علي قوله، مواساتك أم إخبارك بأن كل شيء سيكون بخير؟ أو ربما يجب أن أسخر منك وكأن شيئًا لم يحدث" رفع كتفه في النهاية مما دفعني للابتسام.

"لا شيء" أجبت بهدوء ودلكت رقبتي التي تصلبت. "ما الذي تفعله هنا؟" سألت وأنا أبدل نظراتي بينه وكارولوس، أفكر كيف لم يقتل أحدهما الآخر، ربما المعجزات تحدث بالفعل.

"أعطيكِ قبلة الحياة" رفعت حاجبًا لسخريته السيئة، لكنه قرر الضحك على نفسه قبل أن يردف: "أهرب… كما فعلتِ". فتحت فمي أكاد أعارض أني هربت، ولكن... هذه هي الحقيقة، لقد هربت!

"ثونار؟" سألت ونفضت الرمال عن ظهري. "ليست بخير" أجاب مختصرًا لأزفر. "ماذا عن يدك؟" رفعت يدي نحو عيني أنظر للسواد الذي اختفى قبل أن أرفعها أمام وجهه كإجابة.

ضممت قدمي نحو صدري موجهةً ظهري لأتريوس "رأيت أمي". لم يتحرك ولم يحاول الجلوس بجواري وهذا ما جعل الحديث أكثر راحة "كانت تغني لي تلك التهويدة التي كان يغنيها أبي من أجلي من قبل، تمنيت للحظة لو أن الحلم هو الواقع".

زفرت قبل أن أحرك يدي لأغرز أصابعي داخل الرمال الباردة وأحركها بعشوائية. "ألا يمكنها انتشالي من هذه الفوضى ببساطة؟" كان سؤالًا موجهًا لنفسي أنا، لا أتريوس، لكنه أجاب بسؤالٍ آخر "وتتخلين عن الجميع هنا؟".

التفت نحوه أحاول رؤية السخرية، لكنه لم يكن يسخر. "أنتم لستم في حاجتي" ضحك ونهض من مكانه قبل أن يمسك بيدي ويسحبني للوقوف "هذا الفريق في حاجةٍ ماسةٍ لوجود شخصٍ مثلك، ليس الفريق فحسب، المملكة كلها تحتاج وجودك، كما أنهم في حاجة لشخص بإمكانه الحزن والاهتمام بهذا القدر لحياتهم، كما…"

صمت لثانية ونظر بعيدًا مما دفعني للسؤال بإلحاح "وكما ماذا؟". زفر والتفت نحوي بجدية "إن حاول أحدهم انتشالك من هنا ما كنت لأسمح له، لا يحق لكِ المجيء وقلب كل شيءٍ في حياتي رأس على عقب، ومن ثم تذهبين بهذه السهولة".

حدقت بعينه التي تجنبت النظر نحوي بدهشة، عن ماذا يتحدث؟

"أنا؟ قلبت عالمك؟ أتمزح معي؟ أيمكن لأحدهم حتى الاقتراب منك؟ أنت واهم، لا يمكن لأحدٍ الاقتراب من عالمك، أتريوس". يده تحركت يقحمها في جيوبه وعينه حلقت لكارولوس الذي لم يزمجر في وجه أتريوس لأول مرة، بل راقبنا بهدوء. "هذا ما ظننته أنا في البداية" تمتم، ولكني سمعته.

غير الموضوع وتقدم نحوي خطوة قائلًا: "شيءٌ أخير..." رفعت حاجبي ونظرت نحوه بانتباه "أظن أن هذا الفريق بحاجةٍ ماسة لابتسامتك، عندما تبتسمين يبدو وكأن كل شيء سيكون بخير".

صدري آلمني بقوة، وشعرت حينها أخيرًا برغبةٍ في البكاء، حتى أن رؤيتي أصبحت مشوشةً ونظرت بعيدًا عنه أحاول التنفس حتى تختفي تلك الغصة المؤلمة. "ومن سيجعلني أشعر أن كل شيء بخير؟" سألت ولم أتمكن من التحكم في ارتجاف صوتي.

التفت أعطيه ظهري وأمسح دموعي بسرعة، ولكن لا فائدة. الفجوة داخل صدري امتلأت وأول ما أردت فعله هو البكاء؛ لذلك استسلمت وجلست فوق الأرض مانحةً نفسي الإذن بالبكاء بقوة.

كارولوس تحرك ووضع رأسه في حجري ينظر لوجهي القبيح الباكي بشفقة، تنفست بقوةٍ شهقةً خلف الأخرى وازداد الأمر سوء.

خبئت وجهي عندما جلس على أمشاط قدميه بجواري وحاول النظر لوجهي. "هذا معاكس للابتسام تمامًا" تمتم وأبعدت يدي أنظر له بطرف عيني أحاول التوقف عن البكاء، نظر لوجهي قبل أن يعقد حاجبيه "تبدين قبيحة".

في موقف آخر لرمقته ببرود وأجبت بشيءٍ أكثر وقاحة، ولكن في هذا الموقف كنت أبحث عن أي سبب يدفعني للبكاء وهذا ما فعلته! كدت أتوقف عن البكاء، ولكن ما إن قال جملته انفجرت مجددًا أبكي بقوة.

البكاء بصوتٍ عالٍ كان مريحًا، يدفع ذلك الثقل داخل صدري ليصبح أقل؛ لذلك أي شيء حولي في هذه اللحظة قد يبدو سببًا مناسبًا للبكاء.

"تبًا، لقد كنت أمزح! ظننتكِ ستضحكين أو ستحاولين السخرية مني في المقابل" صاح بتوترٍ يحول إيقاف بكائي. "أنت أسوأ شخص في العالم، أغبى من يمكنه المواساة" قلت من بين شهقاتي التي خرجت عن السيطرة.

حاولت مسح وجهي بأكمام قميصي، ولكني كنت أرتدي قميصًا بلا أكمام، لمَ لا توجد الأكمام عندما أحتاجها؟ لمَ الواقع قاسي؟ زاد بكائي مجددًا، ففي النهاية لن أتمكن من مسح الفوضى التي سببتها الدموع على وجهي.

يده لمست رأسي بلطف قبل أن يربت عليها "لا بأس، يمكنكِ البكاء بقدر ما تريدين، نحن الفرسان! في النهاية سنحل الأمر". يده دفعت رأسي لتستقر فوق صدره، ثم انخفضت حول ذراعي ليضمني أكثر لجسده…

لا أعرف سبب توقفي عن البكاء!

أكان تفاجئًا لحركته غير المتوقعة؟ أم لقربه الشديد واختلاف نبرته وتحوله لرجل أكثر لطفًا؟ أم لجملته الأخيرة عندما حاول النظر لوجهي قائلًا: "سأكون هنا دائمًا، وسأجعل كل شيء بخير لأجل قائدة الفريق".

منذ متى كان بإمكان أتريوس أن يرسم ابتسامة بهذا الدفئ؟

أيًا كان السبب؛ فقد توقفت عن البكاء ولم يبقَ سوى شهقاتٍ قويةٍ ولا إراديةٍ أكرهها بعد كل نوبة بكاء.

وفي هذه اللحظة اعترفت بحقيقةٍ صغيرةٍ احتفظت بها لنفسي، الاستماع لصوت نبضات أتريوس مريحٌ لدرجةٍ تدفعني للاسترخاء والخمول، حتى بعد خمس ساعات من النوم.

.... 

تحركنا نحو المنزل وشعرت برغبة في أن أكون في أي مكان عدا هنا! أريد الهرب من مواجهة بقيتهم.

وكأن أتريوس شعر برغبتي في الالتفات والركض بعيدًا؛ لذلك وضع يده على ظهري يدفعني بخفة للداخل. أول من لمحت في المكان كان زوندي، عيناه السوداوتان مغمضتان ورأسه ارتخى للخلف على ظهر الأريكة وما زالت ملابسه كما هي لم يغيرها، بشرته المائلة للزرقة كانت أكثر شحوبًا وقد تلطخت ببعض الدماء.

هذا دفعني للنظر نحو جسدي، لم ألحظ سابقًا، لكن كانت هناك بعض الدماء، في النهاية لم يتحول الجميع لرماد؛ فهناك بعض الرؤوس قد قُطعت.

فتح عينيه بخمول ينظر نحونا، ولكنه قفز واقفًا عندما وقعت عينه علي. "أنتِ بخير؟" سأل وهو ينطلق نحوي يتفحص جسدي، أومأت وحاولت الابتسام، لكن كان الأمر صعبًا نوعًا. "الحقيقة، جلنار، لا الكذب. هل أنتِ بخير؟" قفزت عيني لتينر جام الذي أعطاني ابتسامة متعاطفة، ولكن نظرة جادة.

زفرت وأسقطت ابتسامتي عن وجهي. "أنا أحتضر ببطءٍ ربما" رفعت كتفي في النهاية، لكن يد أتريوس التي بعثرت شعري بقوة دفعتني للنظر له بانزعاج لأطلب منه التوقف.

"سنقوم بإنقاذهم؛ لذلك توقفي عن الحديث بتلك النبرة ووضع هذه الملامح".

ضحكت بسخرية والتفت بكامل جسدي لأتريوس "ننقذهم؟ هذا إن تبقى شخصٌ منهم على قيد الحياة حتى يوم الغد". لم يمسح تعبير وجهه الساخر، ولكن نبرته كانت واثقةً وجادةً وكأنه يعرف جيدًا ما ينطق به "سيظلون على قيد الحياة، حتى تمر عشرة أيام". عقدت حاجبي لثقته العالية، عشرة أيام؟

"أتريوس محق، لسبب لا نعلمه الإريبوس سيبقون على الرهائن أحياء لعشرة أيام، وبعد مرورها يقومون بتصفيتهم واحدًا تلو الآخر ويبقى منهم المحظوظ فقط" أوكتيفيان انضم للمحادثة وهو يهبط السلالم، شعره الرطب والمنشفة حول عنقه دلا على أنه أنهى حمامه للتو.

"هذا حقيقي بالفعل، ولكن لمَ ينتظرون لعشرة أيام؟" تساءل زوندي باستغراب. "غير مهم، المهم في هذه اللحظة أننا نملك فرصة عشرة أيام يمكننا إنقاذهم فيها" قلت بأملٍ ليتبادل الجميع النظرات بصمت.

"كوني واقعيةً أيتها الغبية، أترين شخصًا واحدًا يحاول التدخل؟ نحن فقط وحدنا في هذه المعركة أمام جدار لا نعلم كيف ومِن ماذا تم بناءه وقد يقتل أي شخص يقوم بلمسه، بالإضافة إلى..." سكت أرتيانو للحظة ونظر نحو السلالم ثم تابع "بالإضافة إلى أننا نخسر أحد الفرسان بالفعل".

نبضاتي تسارعت وانقباض صدري دفع مجددًا فكرة أننا نخسر ثونار ونجهل العلاج.

"توقف عن إحباطنا!" صاح زوندي بتذمر. "أنا فقط واقعيٌّ أيها الميت" أرتيانو كعادته غير المبالية تحرك نحو المائدة وجلس فوقها.

"إذًا تريد منا البقاء كالبقية؟ بلا تدخل!" سألت دون النظر نحوه؛ فقد كنت أشعر برغبة كبيرة في الصراخ بأي شيء قد يخطر في بالي. "لا، لكن إن تحركنا وجميعنا مشوشٌ سنقتل المزيد، ليس إلا؛ لذلك…" قفز مجددًا من فوق كرسيه وأمسك بزجاجةٍ من الماء البارد قبل أن يرميه نحوي بقوةٍ ولولا رد فعلي السريع في التقاطه لكنت مصابة بكدمةٍ حول عيني.

"استعيدي رشدك، صفي أفكاركِ وحاولي جعل هذا العقل العطب يعمل بعقلانية، لا تجعلي مشاعرك تقودك وتوقفي عن كونك مثيرة للشفقة".

بالطبع كان عليه إضافة الإهانات، لكنه محق!

حدقت بالجميع ولم يعترض أحدٌ على حديث أرتيانو، بل بدا الجميع موافقًا جدًا، هل حقًا أبدو مثيرة للشفقة لهذا الحد؟

"لقد عدتِ أخيرًا، ظننـ… اللعنة، تبدين كمشردٍ لم يرَ الحياة منذ قرن!"

اتجهت عيني ليوجين للحظة، ولكني لم أتمكن من التركيز عليه لأن تينر جام تقدم نحوي ومسح على ظهري برقة. "لمَ لا تأخذين حمامًا دافئًا وتحظين ببعض النوم؟ وغدًا سنحل كل شيء" طلب قبل أن يخرج من جيبه لوحًا من طعامٍ غريب "يمكنك أخذ حصتي من الكينتان، قضمةٌ واحدةٌ ستجعلك تشعرين بشعورٍ جيد" قال ممازحًا ووضع القطعة بين يدي.

"أنت تقلد الدعاية بشكلٍ سيء" بصق أرتيانو في اشمئزاز ليضحك تينر جام "لست أفضل ممثل".

وقوفه بقربي جعلني أدرك شيئًا ما، تينر جام لم يكن بالراحة والسعادة التي يبدو عليها، يده كانت ترتجف بالرغم من محاولته لإخفاء ذلك، وزوايا شفتيه ترتجف حتى أن التجاعيد لا تصل لعينيه، إنه فقط يجبر نفسه بصعوبةٍ حتى يدعم الجميع.

أخذت نفسًا ووجدت نفسي أرسم ابتسامة بسيطة وأحاول إضافة بعض الحيوية لصوتي وأنا أشكره، ربما لم أنجح تمامًا في أن أبدو بخير، ولكن... كان تعبيرًا كافيًا ليخبرهم بأني سأكون بخير.

إن نظرت مرتين، الجميع متوتر... الجميع منكسر، تمامًا مثلي، لكن يبدو أنهم اعتادوا هذه الخيبات فأصبح كل شخصٍ فيهم يتفنن في إخفاء مشاعره الحقيقية.

سحبت قدمي لغرفتي ويوجين تبعني على الفور "نصيحةً مني، لا تنظري للمرآة، إلا أن أردتِ إخافة نفسك". أردت الضحك أو الابتسام لمزحته ولكن لم أستطع، كنت أرغب في البكاء مجددًا ومجددًا، فأرتيانو محق… أنا مثيرةٌ لشفقة.

كان من المفترض أن أذهب لغرفتي، ولكن قدمي قادتني لغرفة  ثونار، وقفت أمام الباب ومنعت نفسي من البكاء بصعوبة، حتى هذا حدث بسببي. أنا حقًا بلا فائدة، جميع من اعتمد علي يحق له التقزز مني في هذه اللحظة.

"جلنار، توقفي عن لوم نفسك، إنها حرب وكل شيءٍ وارد في الحب والحرب" يوجين الذي وقف أمامي ونظر لوجهي قال بابتسامة قبل أن يحتضن جسدي بخفة. "لن نتوقف هنا" قال بينما يبتعد وينظر لوجهي أتبع قائلًا: "وسننقذ الجميع".

حاولت تصديق ما يقول، ولكن الجميع فقدوا ثقتهم بنا تمامًا، بالنسبة لهم نحن أسوأ من النبلاء الآن.

لم أتمكن من الدخول لغرفة ثونار والاعتذار، ربما لشعوري بالذنب، أو الخجل من نفسي، أيًا يكن السبب فقد استدرت وابتعدت بخطى سريعة لغرفتي.

أبعدت ملابسي التي تلطخت بلون الحرب والخسارة ودلفت للمرحاض، لم أشعر برغبةٍ كبيرة في البقاء وحدي وأخذ حمامٍ باسترخاء؛ فكان هذا ليشعرني بالذنب أكثر، هم يموتون هناك وأنا أشعر بالراحة هنا!

وقفت أمام المرآة أنظر لوجهي ونصف جسدي العلوي العاري، الكثير من الخدوش والكدمات منتشرة من عنقي حتى كتفَي، يد ذلك اللعين تركت علامةً سيئةً حول رقبتي وهناك خدشٌ سيءٌ على طول وجنتي.

وغير ذلك؛ كنت مثيرةً للشفقة بالفعل، وفهمت أن يوجين لم يكن يمزح عندما قال ألا أنظر للمرآة، بل كانت نصيحةً جدية، الدموع تركت أثرًا تلطخ بالدماء والرماد، والسواد زاد الأمر سوءً على جسدي بالكامل.

فكرة أن هذه الدماء، وهذا الرماد يعود لأشخاصٍ قمت بقتلهم دفعتني لفتح المياه وفرك وجهي بعنف، وكان خيارًا سيء لأن الجروح آلمتني بقوة، ولكني لم أهتم؛ فقد شعرت برغبةٍ في التقيؤ وضحكت ساخرةً عندما تذكرت أن معدتي فارغة.

حاولت فرك رقبتي بقوة حتى أني زدت الخدوش سوءً، لكن لم يكن كافيًا، فجسدي بالكامل ملطخٌ برمادهم ودمائهم؛ لذلك وقفت تحت المياه الباردة. كان من المفترض أن يكون حمامًا دافئُا ليريح جسدي، ولكني أردت شيئًا يريح روحي.

والمياه الباردة كانت جيدةً بالنسبة لي حتى أتناسى الحرارة السيئة التي تندفع داخل روحي وتضخ شعورًا بالذنب والحزن والغضب وخيبة الأمل.

لم أستغرق وقتًا طويلًا وخرجت من المرحاض مرتديةً أول ما وقعت عيني عليه بلا اهتمام وجمعت شعري الرطب، رائحةٌ شهيةٌ ملئت الغرفة ويوجين قرأ وجهي وأنا أبحث عن مصدر الرائحة "واندر أحضرت بعض الطعام، إنه على المكتب هناك".

الصينية كانت أكثر إغراءً من أي شيءٍ آخر، ومعدتي كانت تحارب لتناول شيء، بالرغم من ذلك؛ النظر للطعام أفقدني الشهية، لمَ قد أتناول الطعام وأشبع جوعي هنا بينما تسببت في مذبحة؟

"جلنار، تناولي طعامك" يوجين أمر بصرامةٍ وأشار بيده للطعام. "لا شهية لي" تمتمت وألقيت بجسدي على السرير.

يده سحبتني بقوة مفاجئةٍ ودفعني فوق الكرسي أمام المكتب "لا أمزح معكِ هنا، سأقوم بحشر الطعام إجبارًا في فمك إن لم تتناوليه، توقفي عن التنقل كشخصٍ خرجت روحه عن جسده". ضربت المكتب بيدي ونهضت "أنا شخصٌ فقد روحه بالفعل، يوجين!" صرخت في وجهه، لكنه دفع كتفي للأسفل لأجلس مجددًا "إذًا استعيدها واللعنة! لأن هناك أشخاصًا يحتاجونها".

نظرت نحوه بصمت، لكنه كتف ذراعيه ووقف بجواري. "حتى وإن ظللنا هنا ليوم غد، لن تتحركي حتى تتناولي الطعام" قال بصرامة لأتنهد وأحاول تناول شيءٍ ما.

في البداية حاولت التملص، ولكن انتهى بي الأمر أتناول نصف الطعام وأضع الصينية خارج الغرفة حتى تأخذها واندر إن جاءت لهنا. ألقيت بجسدي فوق السرير وحدقت بالسقف بتقزز، من نفسي وليس من السقف.

حاولت تصحيح الصورة عن الفرسان، ولكن زاد الأمر سوء، الفكرة الوردية عن الخير الذي سيفوز في النهاية والشر سيخسر دائمًا دفعتني للضحك بقوةٍ سخريةً من نفسي وكنت متأكدة أن يوجين يتساءل إن كنت جننت أم لا.

لشخص نام أكثر من خمس ساعات فكرة إغلاق جفني كانت مستحيلة، ربما إن كان أتريوس هنا... اللعنة، فيما أفكر حتى؟

نهضت جالسةً بيأس أنظر حولي، يوجين كان يحدق بي منذ البداية وكأنه توقع شيء مشابه. "لا يمكنني النوم" قلت ليومئ. "متوقع" تمتم وتحرك نحوي "ماذا إذًا؟" أتبع بسؤاله لأتحرك وأخرج من الغرفة.

يوجين تبعني بصمت، ربما يريد أن يعرف أين سينتهي بي الأمر، مجددًا كنت أمام غرفة ثونار وحاولت فتح الباب والدخول، لكن يدي توقفت مجددًا.

كدت ألتفت، ولكن الباب الذي انفتح وحده جعلني ألتفت مصدومة، لكن ملامحي سقطت عندما رأيت جوزفين، بالطبع لن تحدث معجزة وتستيقظ فجأة.

"لا تضعي هذه التعابير، أشعر بالإهانة نوعًا ما" مازح قبل أن يفتح الباب مجددًا "تردين الدخول؟" حركت رأسي للجانبين. "لا أستطيع" أجبت ببساطة ليغلق الباب "لم يكن خطـ…" قاطعته بغضب "توقفوا عن الكذب! إن لم أندفع بغباء لما مسها سوء" أشرت للغرفة في النهاية.

نظرته المتفاجئة دفعتني لمسح وجهي وأتمتم معتذرةً منه، كل شيء يضغط على عقلي وبقوة. "إنه خطأنا جميعًا، لأننا فريق وخطأ أحدنا يعني أننا جميعًا أخطاءنا، لا تحملي نفسك الذنب بالكامل" ربت على كتفي وقبض عليه "سنصحح الأمر". وجهت بصري نحوه ساخرة "لا أحد يثق بنا بعد الآن". زم شفتيه وأومأ "أنتِ محقة، الجميع يظنه خطأ الفرسان وحدهم، أظن أننا نُشتم كل دقيقة" ضحك في النهاية، ولكن نظرتي الجدية دفعته ليوقع قناع المزاح ويتنهد.

"ماذا كنت تفعل في الداخل؟". رفع حاجبًا لسؤالي "أطمئن على ثونار، إنها تحمل سرًا عني، ماذا إن تحدثت خلال نومها وقالت ما أخبرتها به؟" نظرته الجدية دفعتني للابتسام هذه المرة "لا تكن أحمق، اعتنِ بها" انهيت حديثنا والتفت أهبط الدرج للأسفل.

وقفت أمام أحد الأبواب الكثيرة في المنزل ووضعت يدي فوق الأرضية وأغمضت عيني، وعندما تأكدت أنه يوصلني حيث أريد نهضت وعبرت من خلاله.

لم يكن من الصعب إيجاد المكان، وكان غباءً مني أني لم أستخدم قدرتي من قبل للذهاب للسوق وحدي.

وقفت أمام حانة سانت مارينل أحدق بمظهرها من الخارج، الموسيقى لم تكن عاليةً ولم تكن مبهجةً كما سمعتها المرة الأولى، هادئة وبوتيرةٍ بطيئة وحزينة عزاءً لما حدث.

دلفت للداخل وتجنبت النظر لأعين الجميع. الأحاديث الجانبية كانت مختلفةً هذه المرة ويمكنك سماع اسم النبلاء والفرسان ملتصقًا ببعضه.

"كان من المفترض أن ينقذوا السكان".

"عن ماذا تتحدث يا رجل؟ تلك المعركة كانت لأجل القصر ليس إلا".

"رينال محق! أظننت حقًا أن الفرسان سيقفون من أجلنا؟ لقد أنهوا المعركة ما إن عاد القصر لجلين اللعين".

ربما المجيء إلى هنا لم يكن أفضل ما يمكنني فعله، لكني تقدمت نحو الحانة وأخذت مقعدًا هناك.

"أوه، جلنار! تسعدني رؤيتك مجددًا" جاندارا صاحبة الحانة هتفت واتجهت نحوي بسرعة، حاولت الابتسام في وجهها والترحيب بها، تعابيرها بهتت وقد مدت يدها تمسك بكفي وتضغط عليه "أعلم أن الأمر صعب، إنه صعب علينا جميعًا، أنتِ كنتِ محقةً منذ البداية، كان علينا الغضب والدفاع عن أنفسنا دون الحاجة لمن يفعل ذلك".

حاولت مواساتي وشعرت بكم أنا حقيرة، إن عرف الجميع الحقيقة لقاموا بإلقائي خارج المكان.

"أتعلمين؟ أتمنى إن كان أمثالك من الفرسان، لكنت مؤمنًا أن هناك تغيير سيحصل" رجل انضم لنا وجلس بجواري قبل أن يربت على ظهري. "أنت محق، شخصٌ منا وبيننا يعرف جيدًا كيف نشعر" آخر انضم وبدأت الحانة كلها فجأة في التجمع حولنا.

"هذا غير متوقع" يوجين تمتم وحدق بالجميع.

"شخصٌ شجاعٌ كان ليقف من أجلنا، لا من أجل النبلاء!" صاح أحدهم غاضبًا ليتفق مع الجميع بأصوات متفاوتة.

"لقد وقفتِ في وجه ألفن دفاعًا عني، أنا مستعد لتقديم حياتي لأجل شخصٍ مثلك، لا من أجل الفرسان".

التفت أنظر لصاحب الجملة الذي تقدم نحوي بابتسامة ممتنة، إنه الشاب الذي خلصته من بين يد ألفن!

نظرت لكأس العصير الذي وضعته جاندارا من أجلي واستندت على البار تتابع الحوار الجاري بين الجميع. "كنتِ لتفوزي بكل تأكيد" امرأة ربتت على كتفي مبتسمة.

قبضت على الكأس بقوة وخفضت رأسي أحاول تجنب النظرات في أعينهم. "ماذا إن خسرت؟" هدأت أصوات الجميع وكررت الجملة بصوت أعلى "ماذا إن خسرت؟ ماذا إن كنت فارسةً ولم أتمكن من الدفاع عنكم وخسرت هذه المعركة؟ ماذا إن فاز النبلاء بحقارتهم مجددًا؟".

تبادلوا النظرات بينهم باستغراب ولم أحصل على أي إجابة.

كدت أنهض للخروج، ولكن جاندارا أوقفتني بكلماتها "كان إيماننا بكِ سيصبح أقوى".

عقدت حاجبي ورفعت رأسي نحوها. "لأنكِ ربما قد تخسرين المعركة، ولكننا نؤمن أنكِ ستفوزين في الحرب" أصرت ومالت نحوي بابتسامة جانبية "الحرب لا تنعني الفوز دائمًا، فالحرب فوز وخسارة، ولكن ما يشكل فرقًا بالنسبة لنا هو لأجل من تقاتلين؟ ما هدفك من القتال؟" قالت وهي تنظر لعيني بثقة.

"نحن على يقين إنكِ كنتِ لتقاتلين من أجلنا، ستفوزين من أجلنا وستخسرين من أجلنا" الرجل بجواري قال وهو ينظر حوله مشيرًا للجمع المحيط بنا. "وإن خسرتِ يومًا لوقفنا جميعًا في ظهرك، لأننا على يقين أنكِ ستقفين مجددًا من أجلنا" امرأةٌ من الواقفين قالت وأومأ الجميع معها.

"وبالرغم من أنكِ لستِ بفارسة، لكن الجميع يدرك أنكِ تحاولين النهضة بالثورة، والجميع هنا على استعداد لذلك" الشاب في النهاية تقدم قائلًا والجميع صاح بحماس معه.

"يمكننا أن نكون فرسانًا بأنفسنا!".

"نحن حماة الإلترانيوس الحقيقيون!".

"هي مملكتنا كما هي مملكتهم!".

التفت أنظر من حولي للجميع، إن خسرت لن يشكل فرقًا! إنهم لا يبحثون عن الفوز هنا، بل يريدون التغيير ويدركون أن التغيير لن يحدث دون خسائر، لأنهم عاشوا الواقع وأنا عشت الوهم في العالم الوردي حيث الخير له اليد العليا.

الفرق بيني وبين الفرسان أني كنت بين هؤلاء الأشخاص، دون قصد وضحت موقفي ووضحت ما أريد وما سأفعل، فقط إن عرفوا الفرسان وعرفوا الحقيقة... النبلاء قاموا بتشويه صورة الفرسان، ولأنني الوحيدة التي لم يتم الإعلان عن وجودها لم يتم ضمي لهم!

وبالإضافة لكل هذا أهلكت يومًا كاملًا في البكاء وفي النحيب والشعور بالشفقة على نفسي والخوف مما سيظنه الجميع، الشخص الوحيد الذي لم يتوقع الخسارة كان أنا!

ما الذي أفعله بحق الله بينما يضع كل هؤلاء آمالهم وأمانيهم في أن أكون فارسة؟ اللعنة، أنا لست مجرد فارسة، أنا قائدة الفرسان!

نهضت من مكاني لتتوجه الأعين نحوي ومسحت تعابير الشفقة والبؤس وصحت بصوتٍ عالٍ: "أتثقون بي؟".

استغرابهم من السؤال كان واضحًا، ولكن في أقل من دقيقةٍ صاح الجميع في اتفاق على أنهم يثقون بي؛ لذلك أومأت ووقفت فوق البار حتى أتمكن من رؤية الجميع.

"إن كنتم تثقون بي فعليكم الثقة بالفرسان، أعلم ما يجول في عقولكم وأعلم ما يُقال عن الفرسان، ولكنها محض أكاذيب، أنا أعرفهم، لقد تم خداعهم تمامًا كما حدث معكم".

بدا الامتعاض على وجوههم "أتمزحين؟ خداع الفرسان؟ لمَ قد يتم خداعهم وهم يقفون في صف النبلاء؟" أحدهم قال والجميع وافق بإيماءات من رؤوسهم.

"لأنهم ليسوا في صف النبلاء، ألم تفهموا بعد؟ النبلاء ما زالوا يتحكمون بما تفكرون وبما تشعرون. الكره ناحية الفرسان؟ هذه فكرة النبلاء وهم ينجحون في بثها داخل عقولكم، أتعرفون لماذا؟".

بدا التفاجؤ على وجوههم وكأن ما أقوله جديد عليهم. "لأن التوبازيوس لم تختَرهم لإنهاء حرب الإريبوس فقط! الحرب كانت قائمةً قبل الإريبوس، حرب الفرسان الأولى مع النبلاء، والنبلاء يدركون هذا جيدًا".

بدا التشوش ينتقل من بين الجميع،فحديثي يزعزع فكرةً كانت ثابتةً داخل عقولهم "سأثبت لكم، أنا جلنار روسيل، الأيام بيننا ويومًا ما، فقط انتظروا وسأثبت أني محقة".

قفزت من فوق البار وأفسح الجميع مجالًا لأسير بينهم، وعندما كدت أخرج من المكان التفت نحوهم مبتسمة "آسفة، أنتم تستحقون أفضل من هذا، أعدكم أن هذا البلاء سينتهي".

يوجين تبعني بسرعة للخارج. "حسنًا، لنتحدث بسرعة، النقطة الجيدة أنكِ عدتِ لجلنار القديمة، النقطة السيئة، أتدركين ما الذي قمتِ بقوله في الداخل؟" صاح في نهاية جملته وأومأت بثقة "أعرف جيدًا ما قلت، ولم يكن شيئًا عابرًا، يوجين. سأجعل النبلاء يندمون وسأظهر حقيقة الفرسان".

العقدة بين حاجبه أصبحت أضيق. "أنا حقًا أصبحت لا أفهم ما تنوين على فعله" تمتم لأتوقف أمامه "صدقني؛ أنا لا أعرف أيضًا ماذا سأفعل بالضبط، لكني سأفعل شيئًا، لن أضيع يومًا آخر في النحيب".

عدت للمنزل وعزمت على إيجاد حل لهذه المشكلة، ولكن أوقفني أن لا أحد منهم قد خلد للنوم!

كانوا مجتمعين حول شيءٍ ما ينظرون له بتركيز ما عدا أتريوس وأوكتيفان وأرتيانو، فثلاثتهم جالسون ولم تخفَ علي نظرة السخرية على وجه أتريوس والازدراء على وجه أوكتيفيان.

تقدمت بينهم آخذ نظرةً لما أثار اهتمامهم، صورةٌ مجسمة وكبيرة يُعرض عليها صورة لقصرٍ ضخم مُزرين بالأضواء، وهناك مجموعةٌ كبيرة من الأشخاص بملابس فخمة يستمرون في المجيء والدخول.

بصري انتقل للكلمات المكتوبة وكأنه خبر عاجل…

"عائلة جلين تقوم باحتفالٍ خاص في قصرها الـجنوبي وقد وجهت دعوة خاصة للعائلات النبيلة والملكية، أُقيم الاحتفال لأجل نصر الفرسان للنبلاء واستعادتهم لقصر جلين الشمالي من بين أيدي العدو بخسائر لا تذكر"

قرأت الخبر مرارًا وتكرارًا، ربما الضغط النفسي أثر نوعًا ما على عقلي، أو أن هناك مزحةً سخيفة تشاركها الجميع!

احتفال؟ خسائر لا تذكر؟ نصر الفرسان للنبلاء.

انفجرت في الضحك ممسكة بمعدتي، لم أكن أتصنع، لقد كان الأمر مضحكًا. الحقارة التي وصل لها هؤلاء الأشخاص كانت مثيرة للضحك، مسحت الدموع التي ملأت عيني لشدة الضحك وجميعهم نظروا نحوي وكأني مجنونة.

نظرت للخبر مجددًا وتوقفت عن الضحك وسقطت تعابير الفكاهة عن وجهي، شيءٌ ما اشتقت له بدأ يتصاعد داخلي.

الغضب تجاه النبلاء، ذلك الغضب الذي ردمته يومًا كاملًا بين مشاعر الحزن والشفقة والبؤس.

"أظن أني عرفت ما سأبدأ به تمامًا" تمتمت وأنا أنظر لصور النبلاء بحقد ليسمعني يوجين وتتسع ابتسامته بشر. "أخيرًا عادت جلنار للملعب!" صاح مصفقًا. هرولت لخارج المنزل متجاهلةً صراخ واندر بالفرسان حتى يلحقوا بي قبل أن أتسبب بشيء جنوني.

بينجو، واندر! أنا على مشارف القيام بشيءٍ جنوني بالفعل، بالنسبة لكم جنوني بالنسبة لي…

كان علي القيام به منذ مدة طويلة.

كارولوس حلق من بين أشجار الغابة واندفع نحوي ما إن صفرت بقوة. لم أملك الوقت لأنتظر هبوطه، ما إن مر بجواري ركضت وقفزت فوق ظهره "قصر جلين الجنوبي على الفور!".

يوجين لم يكن ليفوت فرصةً كهذه؛ لذلك بأقصى سرعةٍ يملكها حلق بجوار كارولوس مع ابتسامةٍ ضخمة على وجهه.

هبط كارولوس على مسافة من القصر فربت عليه قائلةً: "انتظرني هنا". بدا سعيدًا لأني لم أعد بالكآبة ذاتها التي كنت عليها صباحًا.

بخطى واسعة تحركت نحو السور الضخم للقصر، حيث كان رجلان ضخمان يقفان هناك ينظران لدعوات الجميع قبل الإذن لهم بالدخول. "الدعوة أيتها السيدة" لم تفتني نظرته لي من رأسي لأخمص قدمي؛ فلم أتزين بأدوات التبرج ولم أكن أرتدي فستانًا سخيفًا ولم أبدُ كأي نبيلة. "أخبر السيد جلين أن الفارسة الثانية عشر هنا لتهنئته" بدا مشوشًا لثانية ونظر لصديقه وأعاد نظره لي.

إن كنت أكذب ما كنت لأخبره أن يتحدث مع سيده.

تنهد وحرك رأسه لزميله حتى يهتم بالمدعوين وتحرك للداخل، دقائق من الانتظار قضاها يوجين بشتم كل نبيل يتخطى أجسادنا للداخل، الرجل ذاته عاد ويتبعه آخر ببذلةٍ رسمية وتبدو غالية.

"نعتذر منكِ فالحارسين لم يكونا على علمٍ بمجيئكِ. تفضلي، السيد جلين يرحب بكِ بكل تأكيد" الرجل ذو البذلة الرسمية قال ودعاني للداخل، وبالرغم من انحناء الحارس معتذرًا فقد التقطت نظرة الشك والاستغراب المتسائلة حول هويتي الحقيقة.

ظل الرجل يثرثر عن سعادة سيده باستعادتنا للقصر وعن شرفه بلقاء أحد الفرسان الذي يعملون من أجل النبلاء، الملاعين حقًا يريدون إثبات أن الفرسان يعملون من أجل النبلاء بأي طريقة.

"مَن مِن العائلات النبيلة حاضر؟" سألت أحاول إسكات فمه الثرثار وإعطائي معلومة مفيدة.

"جميع قادة العائلات النبيلة، باستثناء سيدة عائلة كليسثينيس، فقد اعتذرت لوجود الكثير من الأعمال، لكن بعض من أفراد العائلة قد حضروا بالنيابة عن سيدة عائلتهم، حتى الأميرة اعتذرت عن الحضور".

توقف عن الحديث وعن المشي أيضًا عندما وقفنا أمام بوابة ضخمة داخل القصر، قام بدفعها وانحنى باحترام وأشار بيده حتى أدخل. "تبًا، لو أني أملك الفُشار الآن!" صاح يوجين بتذمر وهو يتبعني للداخل.

القاعة كانت ضخمةً ومليئة بزخارف على الجدران، الأضواء الصفراء والثرية الضخمة، والشموع أضافت بعض السكينة التي ستنتهي حالًا.

كانوا يقفون في مجموعاتٍ وأصوات أحاديثهم الجانبية تتداخل بهدوء في المكان، والموسيقى الهادئة والمملة انسابت في الخلفية، وبالطبع لا ننسى كؤوس النبيذ العتيقة في يد كل نبيلٍ ونبيلةٍ.

ألفن وصاميومين كانوا موجودين، ودول كان يتظاهر بشيءٍ ما أمام مجموعة من النساء واستطعت لمح أبناء ألفن الاثنين، فلوريان وبنجامين مع خطيبته ويبدو الملل باديًا على وجهه.

صوت لطرقات شوكةٍ معدنية على كأس من الزجاج ملأ المكان وأجبر الجميع على الصمت وجذب الأعين لصاحب الكأس الذي ضرب عليه بشوكته.

السيد جلين وقف في منتصف المكان وقال بصوته القوي: "يسعدني وجود الجميع هنا ومشاركة عائلتنا العريقة -عائلة جلين- هذا الاحتفال وتقديم التهاني بعودة قصر جلين مجددًا لأصحابه، ولكن دعوني أتشرف بالترحيب بأحد أهم الأسباب التي أعادت قصر جلين لأصحابه، أحد فرسان المملكة جاء بنفسه لتهنئتنا بهذا النصر، لنشرب نخب فارستنا".

الجميع التفت حيث أشار جلين ونظروا نحوي قبل أن يرفعوا كؤوسهم في نخبٍ جماعي وارتشفوا منها، ولم ينسَ أحد الخدم أن يناولني كأسًا؛ فالنخب على شرفي.

وضعت الكأس جانبًا بهدوء وتقدمت نحو جلين بابتسامة، لم أغفل عن العدسات التي كانت تحلق من حولنا لتصور المشهد. في كل مكان وزمان ستكون الصحافة موجودة!

"أنا بالفعل هنا للتهنئة..." قلت وجمعت قبضتي بقوة وأنا أحولها إلى صخرٍ وأجمع كل تيار هواءٍ في المكان حول جسدي وادفع النيران داخل عروقي، ولم أنسَ أن أجمع الماء معهم "أنا هنا للتهنئة بطريقتي الخاصة".

دفعت قدمي عبر الهواء، وكما تصيبك التيارات في ثانية كان جسدي تحرك بسرعة الهواء والتحمت قبضتي مع معدته ليندفع جسده بقوةٍ غير متوقعة ويصطدم بالجدار مخلفًا أضرارًا قوية.

الجميع صرخ فزعًا لأن الهواء في المكان كان يتحرك بقوةٍ وغضبٍ كما كنت أشعر تمامًا.

"وعادت ابنة التوبازيوس بقوة!" صفر يوجين بإعجابٍ وصفق بيديه سعيدًا.

وعندما أخذت نفسًا وهدأت توقفت العاصفة في المكان وكل شيء هدأ.

الجميع اتجهت أنظاره حيث جسد جلين المصدوم بما حدث، وخلال ثوانٍ كان حرس العائلة يلتفون من حولي بحذرٍ في استعدادٍ للهجوم علي.

عيني تحركت نحو جلين الذي وقف على قدميه بصعوبةٍ والألم ارتسم على وجهه. "كيف تجرؤين عـ..." قاطعته بصوتٍ غاضبٍ وعالي "كيف تجرؤ أنت على إعطاء أمرٍ بتحرك الوحدة الحامية لجولد وبينيفيا أيها اللعين؟ وتقيم احتفالًا على شرف النصر؟ أي وقاحة تجري في دمائكم؟".

الصدمة كانت على وجوه الجميع واستطعت لمح ألفن وصاميومين يحدقون بي بصدمة، ودول الجبان كان يحاول تخبئة نفسه بين الجموع.

"قصري كان في خطر".

رفعت حاجبي لتبريره "قصرك أم حياة الإلترانيوسين؟". دون أي تردد قال بثبات: "قصري أهم".

وهذا كل ما كنت في حاجته.

أخذت خطوةً للأمام ليتحرك الجميع بخوفٍ وحذرٍ مني، وقبل أن أقوم بأي شيءٍ آخر اقتحم أوكتيفيان وأغدراسيل المكان.

"أبعدوا أسلحتكم حالًا!" أمر أوكتيفيان لينظر الجميع لجلين، الأخير أومأ برأسه ليبتعد الجميع، ما لعنتهم؟ ما أن تحركت خطوةً كادوا يبللون أنفسهم!

التفت أخرج من المكان لكني توقفت ألتفت نحوهم وأخرجت وجهي الحقيقي، الوجه الكاره والحاقد ونفسي التي تتمنى حرق النبلاء انعكست في نظرتي. "أنتم لستم نبلاء... أنتم بلاء وأنا هنا لإبادة هذا البلاء".

في النهاية التقطت كأس النبيذ الذي أعطاه الخادم لي ورفعته بابتسامة لطيفة قائلة: "نخبكم" وارتشفت ما في الكأس وخرجت من المكان.

عندما أصبحت بعيدة عن أنظارهم بصقت ما ارتشفت ومسحت فمي في تقزز "كيف يتركون شيئًا بهذا الطعم يمر على ألسنتهم؟ حقًا مقزز".

قارورة ماءٍ امتدت أمامي ونظرت للشخص الممسك بها، لافيان أعطاني ابتسامة ساخرة "كنت أتساءل متى بالضبط ستنفجرين في وجوههم". ضحكت وأخذت الزجاجة وشربت كل ما فيها أحاول محو الطعم من على لساني وذاكرتي.

"ماذا تظنين نفسكِ فاعلة؟" أوكتيفيان الذي اندفع للخارج قال من بين أسنانه. "أقدم تهنئتي كالجميع" أجبت ببساطة وتجاهلت أي مجادلةٍ أخرى وأنا أتحرك للخارج. "وجودكم لم يكن ذا فائدةٍ في النهاية!" صحت وأنا ألوح لهم.

الجميع حرفيًا تجنب جسدي وأنا أتجه للخارج، ربت على رأس كارولوس قبل أن أقفز فوق ظهره وآمره بالعودة للمنزل؛ فهناك ساحرة علي إنقاذها.

"لمَ لا نحرق قصره الذي يتفاخر بعودته؟ تملكين تنينًا وقوة عنصر النيران" ابتسمت لفكرة يوجين ونظرت نحوه "ليس كافيًا، إحراقه لن يفعل شيئًا، هناك فكرةٌ أفضل ومفيدةٌ أكثر، لكنها تحتاج لبعض الوقت".

ضحك يوجين قائلًا: "حقًا تعجبني أفكارك هذه الأيام". هبطنا أمام المنزل وقرر كارولوس النوم هنا عوضًا عن الذهاب لمكانه المفضل.

أردت أن أتجه للمكتبة وحاولت التملص من أسئلة واندر. "كل شيء سيذاع في الأخبار بالتأكيد، أو سيخبرك أوكتيفيان ربما" قلت متهربةً وركضت للأعلى.

توقفت في منتصف الطريق وأنا أدرك أن هذه المرة لن تفيدني المكتبة، أحتاج شيئًا له صلةٌ أكبر بالسحر.

التفت بسرعة لوجهتي الجديدة ويوجين ضرب كتفي وصاح بتذمر: "شاركيني ما تفكرين فيه!". فتحت باب مقر ثونار الفوضوي "إن كنا سنعالج ساحرة فسنحتاج لمصدر سحر". ظننته فهم ما أريد، لكنه حك فروة رأسه وقال بغباء: "لم أفهم".

تبًا لمن يحاول التفسير لك.

تحركت للداخل وأغلقت الباب في وجه يوجين، لكنه اخترقه ببساطة.

ثونار نطقت بتعويذةٍ ما عندما اندفع جسدي للجدار حتى تحميني منه، شيءٌ ما يخبرني أن تلك التعويذة هي سبب ما تمر به.

اتجهت للمكتبة والجنيات تحدقن بي بفضول، عيني حاولت البحث بين أعداد الكتب الضخمة، ربما ألتقط شيئًا ما يساعدني، لكني وجدت كل شيءٍ معقدٍ وكل شيءٍ له صلةٌ بما أبحث عنه.

جنيةٌ ما سحبت أطراف قميصي وحلقت لتقف أمام وجهي، صوتٌ صغير ويكاد يكون مسموعًا أشبه بصفيرٍ حاد. "أتدركين أني لا أفهم شيئًا؟" قلت عندما مللت لتصمت وتنظر نحوي لمدة قبل أن تحلق نحو صديقاتها ويتحاورن في شيءٍ ما مجتمعات وينظرن نحوي كل ثانية.

"إنهن ظريفات جدًا" يوجين قال وهو يحدق بهن عن قرب.

"يوجين ركز، أريد البحث عن شيءٍ له علاقة بالتعويذة التي قامت بها ثونار".

رمقني وكأني غبية "أفضل من قد يساعدك هو شخصٌ يقضي معظم وقته هنا" وأشار بيده لمجموعة الجنيات.

إنه محق!

"غبائك معدٍ" قلت لتتسع عينه ويصيح: "ما ذنبي أنا؟".

صفقت بيدي بقوة لتتوقف الجنيات عن الحديث وينظرن نحوي "أنتن تفهمن ما أقول، صحيح؟". نظرن لبعضهن وحاولن قول شيءٍ ما، صفعت وجهي بنفاد صبرٍ قبل أن تقفز لرأسي فكرة. "أنتِ! أحضري هذا القلم" أشرت لإحداهن لتحلق بسرعةٍ للقلم وتضعه في يدي، رائع! يفهمن ما أقول.

"استمعن جيدًا، هناك أخبارٌ سيئةٌ وأخرى قد تكون جيدة" نظرن نحوي ينتظرن ما سأقوله، فأخذت نفسًا "ثونار تحتضر ولـ..." لم أكمل حديثي لأنهن أُصبن بفزع وبدأت كل واحدة تتحرك بسرعة في المكان وتصرخ بصوت منخفض من الصعب سماعه.

كن يطرن في كل مكان بشكلٍ فوضوي وإحداهن سقطت فوق الطاولة وقد فقدت الوعي ربما، أتمنى ألّا تكون قد ماتت! هناك أخرى تبكي وتتدحرج فوق أحد الكتب، كل شيءٍ له علاقة بثونار غريب جدًا.

دلكت رأسي أحاول تخفيف الصداع الذي أصابني بسببهن، أغمضت عيني وصرخت بقوة "توقفن واللعنة واتركنني أكمل حديثي!". أصواتهن توقفت أخيرًا وفتحت عيني أنظر لكل واحدة، توقفن في مكانهن ونظرن نحوي. "أريدكن أمامي حالًا" أشرت للمكان أمامي لتتحركن بسرعة وتنتظمن في وقفتهن على الطاولة.

"ثونار تحتضر، لا درما!" صرخت عندما كدن يبدأن مجددًا ليتوقفوا في مكانهم ويجبرن أنفسهن على الاستماع "لكننا سننقذها، إن قمتن بمساعدتي سننقذ ثونار معًا".

صفقن بقوة بأيديهن الصغيرة جدًا وأومأن.

"جيد. الآن؛ قبل أن تُصاب ثونار قالت تعويذة، كانت تعويذةً للحماية، أهناك كتب عن تعاويذ الحماية هنا؟".

تحركن بسرعة وفي دقيقةٍ كان هناك أكثر من مائة كتاب على الطاولة، كان علي أن أكون أكثر تحديدًا.

"لنقل أنها تعويذةٌ خطرةٌ عن الحماية". نظرن لبعضهن وحلقن نحو الكتب وتقلصت الأعداد لخمسين كتابٍ تقريبًا.

هذا كثير ولا أملك أنا الوقت لكل هذه الكتب.

"إنها تحتضر بسبب التعويذة، هل أنتن متأكدات أن التعويذات في هذه الكتب قد تدفع الساحرة للموت؟". تحركن في حيرةٍ وبحثن بين الكتب لأتنهد بانزعاج.

انتبهت لشيءٍ يلمس وجنتي والتفت للجسد الصغير، كانت جنية، ولكنها بدت أصغر منهن. حاولت التحدث معي، لكني لم أفهم شيئًا. بدأت تشير بيدها لشيءٍ ما، وعندما ظهر الغباء على وجهي نفخت وجنتها ومسحت وجهها.

أمسكت خصلة من شعري وسحبتها لمكان ما فتبعتها أحاول فهم ما تريد.

توقفت أمام خزانةٍ صغيرة ومغلقة وأشارت نحوها، ولكن فجأة جنيةٌ أخرى اندفعت ودفعت الجنية الصغيرة وبدت غاضبة منها.

بدأن يتشاجرن كلاميًا، ولكني تجاهلت كلاهما وحاولت فتح الخزانة، لكنها كانت مغلقة. "كيف يمكنني فتحها؟" سألت ولكن لم يجبني أحد. التفت أنظر لهن، ولكن لم تتحرك واحدةٌ وظلت كل جنية تقف بتوتر تنظر للأخرى.

"أتمزحن معي؟ هل تردن أن تموت ثونار؟" صرخت في وجوههن وفي النهاية تحركت واحدةٌ بتردد وحلقت للخزانة، حركت يدها في حركة دائرية ولمست الخزانة لتنير بلونٍ أصفر وصوت تكة المفتاح كان دليلًا على فتحها.

اندفعت نحوها أنظر لما يوجد في الداخل، الرائحة المنبعثة من الخزانة دفعتني لكرمشة أنفي وكتم أنفاسي، عيني اتجهت لنباتٍ غريب الشكل عرفت أنه السبب، بجوار النبات كان هناك كتابان وريشةٌ وكرةٌ بلورية صغيرة.

الجنية التي أرشدتني إلى الخزانة والتي بدت أكثرهن شجاعة حلقت داخل الخزانة الصغيرة وأمسكت أحد الكتابين وأوقعته بين يدي.

أخذت مكانًا وجلست فيه ونظرت للكتاب، غلافه أسود وبلا عنوان. فتحت الكتاب أنظر لأوراقه القوية السوداء والكتابة بحبرٍ ذهبي اللون. "يبدو وكأنه خرج من فلم رعب" يوجين الذي أخذ مكانًا بجواري قال وهو يتفحص الكتاب.

الجنية ذاتها حلقت نحوي وقلبت الصفحات بسرعة قبل أن تتوقف عند واحدةٍ وجلست بجوار العنوان تشير له.

"جدار إبكاروس:

تعويذة من الشر الخالص، إحدى أعظم التعويذات الحرمة، فالشر يتصدى لشرٍ، ولكنه يُهاجم من استعمله…

حتى تتمكن من حماية نفسك من الظلام ومن العفن انطق التعويذة".

نظرت للتعويذة التي لم أفهم شيئًا منها، ولكن الجنية تحركت ووقفت فوق التعويذة وحركت رأسها للجانبين تحذرني من قراءتها. تحركت ووقفت أمام سطورٍ أخرى وأشارت نحوها لأقرأها بصوتٍ عالٍ عندما تذمر يوجين لأنه لا يفهم شيئًا. "إبكاروس تُهاجم صاحبها، إن حمتك من الظلام فسترتد لجسدك وتقتل روحك ببطء حتى تتناول قلبك بالكامل وتموت، حتى تبطل سحر التعويذة ستحتاج لنبتة إيكسثول وطحنها ودمجها مع محلول الرام وشربها".

نظرت ليوجين عندما أنهيت القراءة بينما قفز بسعادة "ماذا ننتظر؟ أين نجد هذه الأغراض؟" نظرت للجنية وكررت السؤال عليها، أشارت على كلمة محلول الرام وتحركت نحو أحد الرفوف وجذبت زجاجةً صغيرةً وأعطتها لي.

أشرت لاسم النبتة، لكنها حركت رأسها بـ لا.

إحداهن حلقت وبعثرت الأوراق قبل أن تجذب واحدةً وتناولها لي، نبتةٌ زرقاء بلونٍ فاقع شكلها جميل جدًا، كانت صورتها على الورقة وكُتب فوق الصورة اسم النبتة، إيكسثول.

"أتعرفن أين يمكنني إيجادها؟" حركن رأسهن بـ لا لأتنهد وأنهض من مكاني. "لا تقلقن، سأعيد ثونار لكنَّ". إحداهن حلقت مندفعة نحوي واحتضنت وجنتي، أو حاولت على الأقل، إنها تلك الجنية التي فقدت وعيها.

نظرت للكتاب بين يدي وكان من الواضح أنه من الخطر التحرك به في كل مكان؛ لذلك أعدته داخل الخزانة وأغلقتها ونظرت لهن "لا تدعن أحدًا يلمس هذه الكتب". ابتسمت عندما تنهدن براحة، من حقهن الخوف، لربما أخذ الكتاب واستعمله في شيءٍ سيء.

خرجت من المكان واتجهت للأسفل وشعرت بالارتياح عندما تفحصت عيني المكان ورأيت الجميع موجود، عدا ثونار وجوزفين، من الغريب أنه أكثر من يبقى بجوارها من بيننا!

"قررتِ التحدث الآن عما فعلتِ؟". نظرت لأوكتيفيان وحركت رأسي نافية "بل أنا هنا للحديث عما هو أهم" جذبت انتباه الجميع بجملتي. "أعرف كيف ننقذ ثونار" قفز بعضهم واقفًا على قدميه ونظر نحوي بتلهف لمعرفة الطريقة.

"هناك نبتة اسمها إيكسثول، إن وجدناها سنتمكن من معالجتها" قلت ونظرت لهم، لعل شخصًا يعرفها. "تبًا" خرجت من تينر جام وجلس بيأس. "ما الأمر؟" سألت والخوف تسلل لقلبي. "إيكسثول نبتة من الصعب إيجادها، بل من المستحيل أحيانًا، إنها أندر نبتة في الممالك فالمناخ الذي يجب ان يتوفر لتنبت فيه من الصعب توفيره" قال كاسرًا كل آمالي.

نظرت لصورتها في الورقة وتحرك زوندي ورومياس نحوي ينظرون لها. "تبدو بالفعل نادرة" زوندي تمتم والتقط الورقة من يدي.

"أعرف أين نجدها" جملة رومياس دفعت الجميع للنظر له حرفيًا، أمسكت ذراعه وصحت به: "أحقًا تعرف أين تجدها؟". أومأ برأسه وأشار للصورة قائلًا: "اللونا تمتلك مكانًا خاصًّا في حديقتها لتعتني بخمس نباتات من هذا النوع تمامًا".

"اللونا! أتعني زوجة الألفا؟ هل ستوافق أن تأخذها؟ سمعت أن التعامل بين طبقات المستذئبين صعب" علق زوندي، ولكن رومياس ابتسم "ليس اللونا، إنها الشخص الذي قام بتربيتي تقريبًا. ربما تكون صعبة المراس، لكنها اعتنت بي".

دفعته بسرعة للأعلى وصحت "ماذا تنتظر إذًا؟ غير ملابسك واذهب لإحضارها". أومأ الجميع وقاموا بتشجيعه. "حسنًا، اهدأوا إنه منتصف الليل تقريبًا والفجر سيدخل قريبًا، انتظروا حتى تُنير السماء" واندر قاطعت الجميع قائلة، لكني حركت رأسي نافية وقبل أن أعترض رومياس قال: "لا يمكنني الانتظار وأنا أعلم أنه يمكنني إخراج ثونار من هذه الحالة، سأذهب حالًا".

ولم يترك فرصة للنقاش وتحرك للأعلى بخطى سريعة.

الجميع تنفس براحة أخيرًا؛ فقد ضيعنا يومًا بالفعل وثونار أمامها يومين إضافيين. ركضت للأعلى لإخبار جوزفين، لكني توقفت عندما لمحت رومياس يقف على الدرج ولم يتحرك.

"رومياس!" أجفل والتفت نحوي بفزع. "لقد كنت في طريقي للغرفة، فقط شردت لثانية، سأذهب" قال وتحرك ليصعد، لكني أوقفته بسرعة ويوجين أشار نحوي على أنه مجنون.

"أهناك خطب ما؟ تبدو مرتبكًا". حرك رأسه ونفى بشدة بينما أراد التملص بأي طريقة؛ لذلك زجرته بقوة "رومياس".

ابتلع ونظر بعيدًا واحمر وجهه وبدا الضيق على عليه "الأمر فقط أني… لا أحب العودة للمنزل". صعدت درجة أخرى لأقف أمامه وأسأل باهتمام: "بسبب إخوتك؟". اتسعت عيناه وقرأت محاولة التظاهر والإنكار، ولكنه تنهد في النهاية ومجددًا أبعد بصره عني. "شيءٌ كهذا" تمتم وعض شفتيه بتوتر.

أخذت نفسًا قويًا وأخرجته في شكل جملة عالية "سآتي معك". اتسعت عيناه ونظر نحوي أخيرًا بصدمة. "حقًا؟" لاحظ أن صوته كان عاليًا جدًا فزم شفتيه. "نعم، حقًا أشعر بالفضول لرؤية كيف يبدو وطنك".

الابتسامة الضخمة التي ارتسمت على وجهه سقطت وقال بسرعة: "لستِ مضطرةً لفعل هذا من أجلي، أنا بخير وحدي ولطالما تعاملت معهم".

"ومن أخبرك أني سأتعامل معهم؟ أنا فقط سأكون معك لأني أريد رؤية كيف تبدو مملكة المستذئبين". رفع حاجبه وسأل بحذر: "حقًا؟". أومأت وضربت كتفه "اذهب وجهز نفسك وأنا سأرتدي شيئًا لائقًا، سأنتظرك في الأسفل" غمزت له في النهاية حتى يضحك ويتحرك للأعلى.

"حقًا؟" نظرت ليوجين بتساؤل. "أعني حقًا! لن تتدخلي بينه وبين إخوته؟ أم أنكِ ستقومين بمصيبة أخرى؟". تظاهرت بالتفكير قبل أن أقول: "المواقف هي ما تقرر".

ركضت لغرفة ثونار وتوقفت أمام بابها، أخذت نفسًا أحشر مشاعر الذنب بعيدًا وفتحت الباب ببطء أنظر للداخل.

على عكس عادتها؛ كانت الغرفة مرتبةً ونظيفةً، وفوق السرير كانت ثونار هناك ببشرة شاحبة وزرقاء مثيرة للفزع، هذه ليست البشر الحليبية التي اعتدت على رؤيتها، حتى لون شعرها بدا باهت جدًا وقد فقد حيويته.

يدي التي ارتجفت أقحمتها في جيبي أخفي ارتجافها وتقدمت ببطءٍ للداخل، جوزفين كان يجلس على كرسي بجوار السرير ورأسه مرتاحٌ على السرير وبدا نائمًا.

وقفت على الجانب الآخر من سريرها ويدي لمست وجنتها بهدوء، ولكني أبعدت يدي بسرعةٍ مصدومةً من تجمد جسدها ودرجة حرارته المنخفضة بالرغم من حرارة الغرفة.

"سأصلح الأمر، سنصلحه معًا ثونار" همست وأغلقت عيني بقوة حتى لا أبدأ في البكاء الآن. "لحظة صراحة، اشتقت لرائحة الكحول التي تفوح منها" نظرت ليوجين ليرفع كتفيه قائلًا: "كل شخص يشتاق لما يريد، لا تنظري لي هكذا".

"لقد جئتِ أخيرًا!" التفت لجوزفين الذي رفع رأسه وفرك عينيه بنعاس. "لمَ لا تذهب لترتاح في غرفتك قليلًا؟". ابتسم وقال: "حينها قد تفشي سرًا من أسراري". تبًا، للحجة السخيفة.

عندما دحرجت عيني صاح بقوة: "أنا جدي، ليست كذبة!". حاولت التمثيل أني صدقت.

"حسنًا، بما أنك لا تهتم، فلا أظن أن ما جئت لإخبارك به عن ثونار مهم" رفعت كتفي في النهاية والتفت لأخرج، لكنه اندفع بسرعةٍ مخيفةٍ نحوي وسحب ذراعي يديرني له "ماذا؟ هل اكتشفت ما أصابها؟ توقفي عن العبث معي".

لم أستطع تخبئة استغرابي من اهتمامه الشديد، ولكني قررت أن العبث معه في هذه الحالة سيجعلني أشعر بذنبٍ مضاعف؛ لذلك ابتسمت وبشّرته قائلة: "أظن أننا وجدنا علاجًا لثونار". اتسعت عيناه بصدمة وصرخ: "أتمزحين؟". رفعت حاجبًا وكتفت ذراعي "هل أبدو لك كشخص يمزح؟". نظر نحوي وحرك رأسه للجانبين.

"جيد. اعتنِ بها حتى نعود، حتى لا تفشي سرك بالطبع" أضفت في النهاية ساخرةً على طريقة يوجين المميزة ليزفر بضيق.

محوت الابتسامة ما إن خرجت من الغرفة وأغمضت عيني أكرر جملة واحدة في عقلي، سأنقذ ثونار كما أنقذتني.

"يمكنكِ فعل كل شيء، لا تقلقي" يوجين دفع ظهري بخفةٍ وتشجيعٍ وسحب ذراعي ليتحرك لغرفتي قبل أن يسحب الستائر ويشير للخارج "يكاد ضوء الفجر يلون السماء، عليكِ أن تجهزي نفسك، أنا متحمس لرؤية كوكب المستذئبين حقًا".

غيرت ملابسي وأخذت حقيبة ظهري التي لم أرتدِها منذ وقت طويل، ووضعت بعض الأشياء التي ربما أحتاج لها.

ركضت للأسفل حيث كان رومياس ينتظر، قفزت آخر ثلاث درجاتٍ وبدأت أشعر ببعض الحماس لأنني سأرى شيئًا آخر غير الإلترانيوس.

"هل حقًا ستذهبين معه؟" التفت لهارليك الذي استيقظ للتو، لم ألحظ أنه كان نائمًا حتى. "نعم، من حقي أنا أيضًا رؤية كيف تبدو الممالك الأخرى" اتسعت ابتسامته عندما لاحظ حيويتي وتمنى الحظ السعيد لكلينا.

"سنعود قبل غروب الشمس، صحيح؟" سألت رومياس ليرفع كتفيه "ربما! وربما نعود ليلًا". أومأت والتفت للجميع "سنعود قبل طلوع اليوم الثالث، اعتنوا قليلًا بالفوضى هنا حتى عودتنا".

رأيت بعضهم يدحرج عينيه بابتسامةٍ متذمرًا لأنظر لهم بحدةٍ مصطنعة وأتبع رومياس للمركبات.

أحدهم سحب حقيبة ظهري للخلف، فأخرجت نفسًا قويًا ووضعت ملامح متململة. "ماذا الآن، أتريوس؟" رفعت مستوى بصري نحوه. "سببي أكبر قدرٍ من المشاكل حتى أشعر أنكِ بخير" ولأن هذا كان غير متوقعٍ ابتسمت ورفعت تحيةً عسكريةً ساخرة "هاي هاي، كابتن!".

صفع رأسي بخفةٍ ولم أقاوم الرغبة في فعل الفكرة التي طرقت رأسي؛ لذلك قبل أن يذهب وقفت على أصابع قدمي حتى أصل لطوله وأبعثر شعره كما كان يفعل معي عادةً وسط صدمته.

ركضت بسرعة بعيدًا عنه دون النظر للخلف وقفزت داخل المركبة، أتريوس يصبح مراعيًا مع الأيام ولسببٍ ما أشعر بالفخر.

التفت لرومياس وفتحت فمي للحديث، ولكن جسدي اندفع للخلف عندما وجدت يوجين في وجهي وعينه الضيقة علي. "ما خطب الحركات اللطيفة بينكما بحق الله؟ إنها تزداد عن الوضع الطبيعي؟ لمَ؟ هل أنـ..." قاطعته وتظاهرت بعدم رؤيته وتحدثت لرومياس "هل سيأخذ الأمر وقتًا؟".

حرك رأسه للجانبين "معابر الزمن داخل القصر العظيم، ولأننا فرسان فلا نحتاج الإذن لاستخدامها" أجاب وحرك المركبة نحو القصر العظيم وراقبت الطريق بحماس.

المركبة هبطت وخرجنا منها، وكالعادة رجلٌ ما تحرك نحوها ووضعها فيما يبدو أنه موقف للمركبات، هل هم آليون؟ متى ينامون أو يأكلون؟

قادني رومياس خلال الحديقة الضخمة، ولكن لم ندخل القصر الضخم الذي جرى الاجتماع به سابقًا، بل استدرنا من خلفه وظهر برجٌ ضخم، حتى أن قمته لم تكن ظاهرةً؛ فالسحاب غطاها.

ظللت أتبعه دون سؤالٍ حتى دخل البرج وأشار برأسه لغرفةٍ زجاجية أشبه بالمصعد، وما إن أصبحنا داخلها لوحة ظهرت بجواره ليحرك أصبعه عليها يكتب رقمًا ما وعلى الفور تحرك المصعد للأعلى بسرعة مفزعة.

تمسكت برومياس وضحك على وجهي المرعوب. "لا تقلقي، لن نموت" سخر قبل أن يصدر الباب صوت رنةٍ وينفتح.

اتسعت عيني للمنظر ويوجين انطلق يسبقنا.

كانت جدران الغرفة حرفيًا بالكامل مثبتٌ عليها عجلاتٍ تشبه عجلة التحكم في السفن الضخمة، في كل مكان على الجدار كان هناك واحدةٌ بألوان مختلفة، وهناك لوحةٌ معلقةٌ أسفل كل عجلة مكتوب عليها اسم مكان ما.

كان هنا شخصٌ يتحرك في المكان بسرعة…. بل اثنان! نسختان متشابهتان تمامًا، شابان نحيفان أعينهما بيضاءٍ بشكل مريب، وخصلاتهما سوداء وبشرتهما داكنةٌ أقرب للسمرة، يتحركان في المكان ويحركان كل عجلةٍ بشكل معين.

"مرحبًا بالفرسان" الاثنان قالا في وقتٍ واحدٍ دون النظر لنا حتى وما زالا يتحركان في المكان بلا توقف، نظرت لرومياس بريبة ليومئ ويهمس: "لا بأس".

"مرحبًا، حاروتين وفولمارين" حيا رومياس التوأم ورد الاثنان التحية في الوقت ذاته، نظر نحوي وأشار برأسه حتى أقف بجواره.

تحركت ووقفت على دائرةٍ سوداء ضخمة، وأمامي كان هناك زجاجٌ يطل على حديقة القصر. "إلى النقطة ذاتها؟" سأل أحدهما ليومئ رومياس. لا أعلم إن كانوا ضريرين أم لا، لكن واحدًا منهم تحرك لإحدى العجلات وقام بإدارتها، ويوجين على الفور حلق ليقف بجوارنا "إن لم أنتقل معكما فسأحقد عليكِ طيلة حياتي".

نظرت ليوجين وأردت القول أن حياته انتهت!

"أعلم أن حياتي انتهت، لا تنظري نحوي هكذا".

"ثبتي قدميكِ جيدًا ولا تتقدمي أي خطوةٍ وحاولي كتم أنفاسك" نصح رومياس وقبل أن أسأل 'لماذا؟' ضوءٌ قوي ضرب الدائرة التي نقف داخلها وكتمت أنفاسي على الفور.

شعرت بجسدي يُسحب للأعلى بقوةٍ وذلك الشعور بالدوار عندما تتناول شيئًا كثير الدسم وتشعر بالتخمة أصابني، فأغلقت عيني بقوة للضوء من حولنا.

جسدي وقع أرضًا فجأة وفتحت عيني قبل أن أحاول التنفس ومقاومة ثقل قلبي المؤلم. "أول مرةٍ تكون صعبة، لكن سيعتاد جسدك" رومياس الذي مد ذراعه قال مبتسمًا، اعتمدت على ذراعه للنهوض ونظرت من حولي أبحث عن يوجين.

أول ما لاحظت أن اللون الأخضر كان في كل مكانٍ حرفيًا، الأرض من الحشائش الخضراء والأشجار، وبعض الطيور والمخلوقات الصغيرة الجميلة تحلق في المكان.

المظهر الجميل أفسده ظهور يوجين ورأسه يدور وعيناه يحاول تثبيتها على شيءٍ ما. "لأول مرةٍ أشعر برغبةٍ في التقيؤ" تذمر وحاول تثبيت جسده.

"مرحبًا بكِ داخل مملكة المستذئبين" حاول أن يبدو مسرحيًا وهو يقدم المكان بيده، لم أكن أمزح وأنا أقول إن كل نقطة في المكان خضراء. "هل تعيش في هذه المنطقة؟" أومأ برأسه مجيبًا على سؤالي. "على بعد سهولٍ من هذا المكان" أشار بيده لمكانٍ كان من الصعب التقاطه بعيني.

"هذا المكان مريح للعين، خضرته جميلة" ضحك وتحرك نحو قطيعه وأسرعت في خطواتي حتى أسير بجواره. "مملكتنا بالكامل خضراء" اتسعت عيني وصحت بصدمة: "حقًا؟" أشار بيده للمكان من حوله "الكوكب بالكامل ينقسم لماء ويابسة، ويابستنا خضراء بالكامل".

"على البشر أن يتعلموا حقًا" يوجين قال بازدراء. "مناخنا لا يساعد" تمتمت في المقابل ليرفع كتفيه.

"الجانب الغربي من الكوكب فقط هو المتجمد، هناك يعيش قطيع الليكان، فمملكتنا مقسمة لأربعة، قطيع من المستذئبين في كل جهة وقطيع الليكان في الجنوب، أي أربعة قادةٍ للمملكة".

رفع أربعة أصابع أمامي وأومأت بفهم. "هناك أسطورةٌ قديمة عن مملكة المستذئبين، لكنها درامية قليلًا" قال وحك فروة رأسه ببعض الخجل، ترجيته ليخبرني بها فتنهد واستسلم في النهاية.

"قبل ميلاد أي مستذئبٍ كان الكوكب بالكامل يعيش عليه مستذئبين فقط، ألفا ولونا وحدهما، الألفا كان يحب اللونا حبًا كبيرًا وكان مستعدًا لقتل نفسه تضحيةً لها، واللونا كذلك كانت تحبه كثيرًا، ولكن المشكلة أنها كانت تمل بسرعة، ومع الوقت بدأت تشعر بالملل من بقائها وحدها في مملكةٍ فارغة من أي شيء.

رغبة في إرضائها؛ الألفا سافر لمملكة السحر وأحضر السحر معه لإبهارها، ولكنها مع الوقت ملت السحر المتكرر وألقت به في السماء واختفى هناك. سافر الألفا مجددًا للإلترانيوس على أمل إسعادها، وأحضر معه عنصر الماء لتعبث به، ولكنها ملت مجددًا مع الوقت وألقت الماء بعيدًا. سافر مجددًا إلى العباقرة وأحضر أفضل الأغراض التي قد تشعرها بالتسلية، فرحت بها، ولكن في النهاية شعرت بالملل وتركتهم..."

يوجين انفجر ضحكًا وأعرب عن إعجابه حتى قبل انتهاء القصة "ألفا مسكين، إن كانت تلك فتاتي لعلقتها على برجٍ عالٍ وأرحت عقلي من تذمرها المزعج".

"سافر الألفا مجددًا إلى العمالقة وطلب منهم شيئًا يسعد زوجته، فأعطوه بعضًا من خصال شعرهم الزرقاء وصنعوا منها صبغةً زرقاء يمكن أن ترسم بها، وصانعو الأدوات صنعوا لها الفراشي الضخمة لترسم كما تريد، وبالفعل الهدية أدخلت الفرح لقلب اللونا، ولكن كالعادة مع الوقت ملت من الرسم ومن اللون الأزرق وتركتهم وطلبت شيئًا آخر.

سافر الألفا لكوكب المجنحين وطلب هديةً لزوجته، فصنعوا بريش أجنحتهم الكثير من الملابس المختلفة وأرسلوه بها لزوجته، وكما حدث بكل مرةٍ؛ اللونا أُعجبت بالخامات المختلفة للريش وكانت تبدل بينهم بسعادة، ولكنها ملت في النهاية وطلبت شيئًا جديد، فذهب للأموات وطلب منهم هدية، فأعطوه بعض الجليد الذي يكتسح كوكبهم، ولكن ككل مرة شعرت اللونا بالملل من هذه الهدية.

الزوج قرر أن يطلب من المتنكرين بعض الهدايا التي قد تسعد زوجته، فأرسلوا معه قناعًا أبيض اللون يغير المزاج والصوت لأي شخصٍ تنظر له، ولأن اللونا كانت تشاكس زوجها ظلت تقلده كثيرًا بالقناع، ولكنها ملت وألقته بعيدًا مجددًا، قرر الألفا المخاطرة وذهب للإريبوس وحكى مشكلته وطلب هديةً منهم، فأرسلوا معه الظلام..."

قبل أن يكمل رومياس قلت أنا ويوجين في الوقت ذاته: "وملت من الظلام وألقته بعيدًا". أومأ رومياس ضاحكًا وأكمل: "في النهاية لم يكن أمام الألفا إلا مملكةً واحدةً وهي متحكمو الكائنات، أراد شيئًا يشغل زوجته لوقتٍ طويلٍ دون ملل، شيئًا جديدًا يسعدها، وهناك وجد إجابته، فقد منحه متحكمو الكائنات أنواعًا لا تنتهي من البذور والشتلات لأزهارٍ ونباتات مختلفة يمكنها زرع واحدةً كل يوم.

الزوجة لم تعجب بالهدية التي كانت عبارة عن بذورٍ مملةٍ وشتلات، ولكن الألفا أصر أن تزرعهم وتجرب وفي النهاية وافقت. مع الأيام كانت اللونا تنشغل بزراعة النباتات المختلفة والأزهار الغريبة والجميلة، وكان الامر كهديةٍ داخلها مفاجأة، تنتظر كل مرة البذرة حتى تنمو وتكتشف ما نوع النبات أو ما شكل الزهور التي ستنمو، ومع سعادة اللونا الكبيرة بالهدية كانت قد زرعت نصف المملكة بالخَضار؛ مما أسعد سيلين فمنحتهم هديةً صغيرة، أربعة أطفال. ومع مجيء هؤلاء الأطفال السحر الذي ألقته اللونا في السماء سقط فرحًا فأصبحت المياه التي جلبها الألفا من الإلترانيوس أنهارًا وبركًا وبحيرات، والجليد الذي أعطاه الأموات له غطى على النصف الجنوبي من الكوكب، الأدوات التي منحها العباقرة لهما تحولت لمنازل وأدواتٍ مفيدة، وهدية العملاقة وصانعي الأدوات رسمت وحدها عبرات الترحيب والسعادة بالمستذئبين الجدد، الخامات التي أهداها لهم المجنحون أصبحت كثيرةً وقابلة للطرق والسحب، والنباتات ازدادت وغطت الكوكب بالكامل، ونزل المطر وعاش اللونا والألفا وأولادهما في سعادة".

رائع، بالرغم من خيالية القصة إلا أنها جميلة.

"يقولون أن أطفال اللونا الأربعة هم أول قادةٍ للملكة، وأحدهم عبث بالظلام من كوكب الإريبوس فسكنته قوة الظلام، وهذا هو ألفا الليكان".

الليكان دائمًا مظلمون وقساةٌ في كل أسطورة، مثير للاهتمام!

توقفت عندما لاحظت شجرةً ضخمةً أوراقها وبتلاتها بنفسجية اللون، وقفت بذهول أنظر لها من بعيد. "إنها المارفلان. جميلةٌ، صحيح؟" أومأت باندهاش قبل أن أركض نحوها. "اسبقني أنت، رومياس، وسأتبعك" لوحت له وأسرعت إليها.

ستكون ورقةٌ واحدةٌ منها هديةً جميلة لأمي عندما أعود، هي تحب اللون البنفسجي كثيرًا.

بتلاتها كانت غريبة الشكل ومميزة، تشبه الفراولة ولكنها ملتفةٌ حول بعضها، التقطت ثلاثًا ووضعتها في حقيبة ظهري؟ "تعلمين أنها قد تموت وتجف" يوجين قال وهو يحدق بالشجرة. "سأطلب من تينر جام أن يهتم بها حتى أعود". التفت ونظر نحوي ورفع حاجبًا "تملكين أملًا كبيرًا في العودة". ركلت قدمه، ولكنها مرت من خلاله فقلت على مضض: "لا تقتل هذا الأمل إذًا".

هرولت حيث تحرك رومياس أحاول اللحاق به. لم أخف من الضياع ،في النهاية يمكنني التحدث معه من خلال السوار.

توقفت عن الركض وأبطأت خطواتي وأنا ألاحظ مجموعةً من الأطفال تلعب في المكان وبعض المنازل المتفرقة كانت جميلةً جدًا، الأجواء كانت مسالمةً جدًا هنا، أنا سعيدةٌ بقرار المجيء.

تحركت بين المنازل أنظر للمستذئبين الذي بدأوا يومهم بشكلٍ طبيعي ويتحركون في الأرجاء، يوجين قفز وحلق ينظر من الأعلى قبل أن يشير لمكانٍ ما قائلًا: "رومياس هناك".

حيث أشار يوجين اتجهت أنا أبحث عنه بعيني بين الجميع حتى وجدته، كان يقف وتلتف حوله مجموعةٌ كبيرةُ من الفتيات والفتيان ولم يبدُ كترحيبٍ ودي!

راقبت الوضع من مكاني أحاول فهم ما يحدث واقتربت قليلًا عندما لم أتمكن من سماع ما يُقال.

"إذًا هل طردوك من فرق الفرسان لفشلك؟ لقد استغرق طردك وقتًا أكثر مما توقعت، أخي" فتى بشعرٍ أشقر قال وربت على كتف رومياس بسخرية. "لا أحد يلومك؛ فالأمر متوقع" شخصٌ آخر قال بسخريةٍ وضحك الجميع.

شاب أكبر منهم تقدم ممسكًا بيد فتاة تحاول التملص وتزجره بنظراتها.

"مرحبًا، رومياس! ظننتك قد مت في تدريباتهم القاسية. تعلم، الأميرة لا يمكنها تحمل التدريبات القاسية". قبضت يدي بغضب وأنا أراقب رومياس يقف في المنتصف ولم يفعل شيئًا، ولم يزد غضبي سوى جملة الشاب نفسه وهو يحتضن كتف الفتاة "ألن تلقي التحية على آرثي؟".

آرثي! إنها رفيقة رومياس سابقًا، من المفترض أن هذا الشاب شقيقه! أتمزحون؟

الفتاة كانت تتجنب النظر لرومياس وترسم ابتسامة مغصوبة، من الجيد أنها تشعر بالخجل من نفسها... عديمة الخجل الوقحة.

كان من الواضح أن هناك حفلة من السخرية على رومياس الذي وقف دون أن يدافع عن نفسه. هذا ليس رومياس الذي أعرفه، رومياس شخص يضحك ويحب الجميع، يحاول الاعتناء بنا والابتسام من أجلنا، إنه الشاب الذي يبدو لطيفًا ومنعزلًا وهو خجولٌ ولطيفٌ، قوي ومراعي ومنفتح. رومياس الذي أعرفه كان يقاتل ويعترض وقد تخطى خجله وصمته.

ثم يأتي إخوته وأفراد قطيعه ليسحبوه لتلك الشخصية الصامتة مجددً!

لن أسمح بهذا.

ابتسمت واتجهت نحو رومياس اشق طريقي بين تجمهرهم قبل أن أحيط رقبته بذراعي "ماذا تفعل بإضاعة الوقت هنا؟ لدينا مهمة لننجزها".

الجميع نظر نحوي باستغراب ورومياس تفاجأ من مداهمتي المجنونة، لكنه ابتسم في النهاية واعتذر مني لتأخره. "يبدو أنك وجدت فردًا جديدًا يشفق عليك" فتى بشعرٍ أشقر وأعين بندقيةٍ سخر ناظرًا نحوي وعندما قرأ عدم الفهم على وجهي فسر شقيقه: "شقيقي قولان يعني أن فتاةً جميلةً مثلك مع شخصٍ كرومياس، إنه شقيقنا الأصغر ونعلم جيدًا كيف هو..." نظر الشاب الذي يمسك برفيقة رومياس سابقًا لأخيه الأصغر وضحك مكملًا "أحمق".

قولان ذو الشعر الأشقر ضحك لشقيقه وقال "هذا ما أقصده بالضبط، دايموند".

رومياس تنهد ونظر نحوي يحثني للتحرك، لكني وجهت نحوهما نظرة 'هل أنتم حمقى؟' وقلت وكأنه شيء بديهي "رومياس أحمق؟ إن كانت دعوة أقوى الفرسان بأحمق شيئًا سهلًا فلا بد أنكم المجانين هنا".

اتساع طفيف في أعينهم جعلني أرقص داخليًا بسعادة. "رومياس أقوى الفرسان! هل دفع لك لقول هذا؟" فتى آخر انضم لنا بشعرٍ ناري مصبوغ. "شقيقي رومياس، شقيقك ثاندين اشتاق للتدرب معك" شاب آخر قال بصخب وتقدم مبتسمًا. "تقصد التدرب عليه!" الفتى بالشعر الأصهب قال بسخريةٍ مما دفع الثاني للنظر ببراءة وقد سأل: "أليس الاثنين واحد، جان؟".

تنفست بغضب وكدت ألكمه، ولكن رومياس أمسك ذراعي وهمس في أذني "لا تفعلي" وعلى الجهة الأخرى وقف يوجين وهمس كشيطانٍ يحاول إشعال الأمر "الكمي وجهه بقوة".

"هذا يكفي!"

صوت قوي ضرب المكان والتجمع حولنا تفرق يفسح الطريق للشخص الجديد وبشكل تلقائي وجدت جسد رومياس يأخذ موقفًا منغلقًا حول نفسه وهو يهمس: "رولياند".

مما فهمته فرولياند شقيق رومياس، ولكن لما هذا التوتر، ليس فقط رومياس، أشقاء رومياس الأربعة بدوا متوترين.

شاب بدا في الثلاثين من عمره تقدم نحونا وعينه ثابتة على رومياس، لم يكن ساخرًا أو مرحبًا، فقط جاد!

"ماذا تفعل بمجيئك لهنا بينما هناك معركة كان على الفرسان خوضها؟" طريقته أغضبتني أكثر ورومياس الذي انحنى ورحب بأخيه الأكبر قائلًا: "يسعدني لقاؤك، بيتا". دفعني للكز ظهره بقوة ليجفل، لقد كذب للتو؛ فلا ملامح للسعادة كانت على وجهه.

هذا هو البيتا إذًا!

"لا تقسو عليه، رولياند" صوت هادئ تقدم ووقف بجوار البيتا، شقيق رومياس أيضًا على ما يبدو، يرتدي ملابس أكثر رسميةٍ ويمسك بكتابٍ في يده، ووجه نظرة باردة لرومياس الذي زاد توتره.

"من رفيقتك؟" الفتى ذو الكتاب سأل ورومياس ظل على صمته؛ لذلك أجبت: "ما شأنك؟". نظر تفاجئًا لي قبل أن يخرج ضحكة صغيرة "قطة شرسة، ها!".

شخص ما وضع يده حول كتفي. "نريد فقط التعرف بالفتاة التي ترافق شقيقنا، لهذا سأل نايلت عنكِ، أنا نايت بالمناسبة، نحن توأم" فتى بشعرٍ بني مشابه لشعر نايلت ذاك وأعين واسعة قال بابتسامةٍ جانبية كبيرة، توأم! لا أرى أي تشابه في الشخصيات.

أبعدت يد الفتى بتقزز ونظرة تهكمية وجهتها نحوه ليأخذ خطوةً بعيدًا عني. "لا نملك الوقت لكم، في النهاية رومياس فارس مهم وأظن أنكم تدركون أنه لا يمكنه إضاعة الوقت معكم".

رومياس صفع وجهه ويوجين صفق بفخر.

"ومن تظنين نفسك بحق الله؟" دايموند ذاك ترك رفيقته واتجه نحوي بانزعاج. "لمَ يحب أخوتك حشر أنوفهم فيما لا يخصهم؟ كيف تحملتهم بحق الله؟" رومياس ترجاني لأتوقف، ولكني ألتفت أسحبه خلفي حتى نتحرك.

سُحب رومياس بقوةٍ من ملابسه ودايموند ذاك نظر لعينه بشر. "عليك أن تخيط فم فتاتك المرة القادمة التي تأتي فيها لهنا، أوميغا" بصق كلمة أوميغا بتقزز ورمياس راقبه بهدوء أغاظني. "دايموند، توقف" آرثي ترجت ونظرت للبيتا ليتدخل.

نظرت للبيتا أيضًا، لكنه وقف في مكانه وكتف ذراعيه والنظرة التي على عينه كانت منزعجة، لكنه لم يتدخل.

دايموند دفع رومياس للخلف وابتسم باستهزاء. "ما الذي يحدث هنا؟" التفت الجميع نحو امرأةٍ بملامح صارمة تقدمت نحونا، ولكنها تجمدت عندما وقعت عينها على رومياس. "لقد عدت!" اتسعت ابتسامتها واتجهت نحوه.

"من هذه الفاتنة؟" سؤالي كان عاليًا نوعًا ما مما دفع المرأة للنظر نحوي بصدمة قبل أن تضحك. "إنها اللونا" همس بإحراج وانحنى لها كما فعل الجميع.

وقفت أحدق بها كالحمقاء. كانت جميلة، ولكن بشكل قوي ومشاكس.

"يبدو أنك حصلت على رفقةٍ جيدة". ربتت على رأس رومياس.

أحد الأخوة ضحك وتقدم نحوي يتفحصني بعينه، كان صاحب الشعر الأصهب جان.

"جيدة كفاية للشفقة عليه". اللونا رمقته بحدةٍ، لكنه لم يتوقف "أخبريني كم مرة حاولتم طرده من فريق الفرسان؟" ضغطت على نفسي حتى لا أقتله.

"أعني أني فقط أحاول فهم ما حدث لشقيقي الأصغر، فكلنا نعرف أنه قد يكون عبئًا عليكم! في النهاية الأوميغا يظل نكرةً لا فـ..." كان هذا كثيرًا؛ لذلك جمعت قبضتي ووجهتها لوجهه لتلتحم مع فكه وتلقي بجسده بعيدًا.

الشهقات التي خرجت من حولي كانت دليلًا على أنهم لم يتوقعوا أنه بإمكاني القتال، ولكني لن أقاتل فحسب، بل على استعداد لمحوهم من على الأرض، لا أحد يمكنه مس رومياس خاصتنا بأذى.

"اللعنة، جلنار!" رومياس صاح، وعلى العكس تمامًا يوجين رفع يده للأعلى صارخًا بسعادة "هكذا يكون العدل!".

أعلم أن هذا قمة الشر، لكني لم أتمالك نفسي. أردت بشدة أن يوقفهم رومياس عند حدهم، لذلك نظرت نحوه متجاهلةً حقيقة أن شقيقة قفز على قدميه وركض نحوي ونيته في قتلي كانت واضحة كالشمس.

رومياس الذي أعرفه لم يكن ليترك أحدهم يلكم أحد من الفرسان بهذه البساطة.

ابتسمت عندما اختفى رومياس في ثانية وكجدارٍ وقف بيني وبين شقيقه ممسكًا بقبضة جان. "أعتذر عن هذا، أخي" بهدوء قال وهو يقصد لكمتي، لكن يبدو أن جان لا ينوي قبول الاعتذار المهذب. "أيها اللعين!" صرخ في وجهه ورفع قدمه نحو وجه رومياس ولمحت أحد التوأم يغلق عينه ويقول: "أوتش" بسخرية.

في الواقع كان عليه الشعور بالألم لجان، لا لرومياس، لأن رومياس تصدى لقدم جان برفع ذراعه وبدا جان متألمًا بسبب ضربته القوية وذراع رومياس الصلب.

لم أتمكن من محاربة الرغبة في الضحك وأنا أراه يتألم فقط من دفاع رومياس. "يبدو أنني أعرف من هو المثير للشفقة الحقيقي!" صحت ومسحت دمعة وهمية وحركتي زادت غضبه وغيظه.

ابتعد وأخرج مخالبه وبدأ الجميع يلتف حولهما. راقبت اللونا بطرف عيني حيث كادت تتدخل في البداية، لكنها ظلت تراقب رومياس بدورها بتركيز، وكأنها لاحظت أن هناك شيء مختلف حوله.

"توقف، جان!" صاح رومياس، ولكن شقيقه اندفع نحوه يحاول إصابته بمخالبه، حاول رومياس تجنبها قدر الإمكان، ولكن الانزعاج بدأ يظهر على وجهه وفي النهاية قبض على مخالب شقيقه قبل أن يحطمها ويلتف ليركل وجهه.

الجميع صرخ بصدمة وشقيق رومياس الأكبر -البيتا- وقف بجواري على الجهة الأخرى وحدق بهم بحاجبين معقودين ونظرةٍ غير مصدقة. "أنا فخور بكِ، أشعلتِ الأمر في ثانية" كتفت ذراعي وابتسمت بجانبية ليوجين "فخورة بنفسي أيضًا".

"جان، لا تدعني أدخل في قتال لا أريده!" صاح رومياس في وجهه، ولكن كبرياء جان كان قد تحطم بالفعل، زمجر بقوةٍ وتحطمت عظامه ليتحول إلى ذئبٍ بني اللون ويهجم على رومياس.

دفاعًا عن نفسه رومياس أمسك بفك جان وألقاه بعيدًا بيديه العاريتين. عاود جان الهجوم بعنادٍ وغضب، ولكن رومياس لكم وجه ذئبه بقوةٍ وثبته على الأرض وصرخ في وجهه قائلًا: "توقف!".

اندفع جسد رومياس بعيدًا عندما تدخل دايموند للقتال. "الأوميغا يظل أوميغا أيها الأحمق!" صاح بغضب، ولكن رومياس حدق به بهدوء والتفت ليذهب.

دايموند أراد دفعه للقتال بأي طريقة؛ لذلك ركض خلفه وحاول لكمه بقوة، رومياس تجنبها وأمسك بذراع أخيه ودفعه بعيدًا دون أن يقوم بأذيته. "لمَ لا تقاتل كالمستذئبين؟ قاتلني رومياس! ألست من سرق رفيقتك؟" جملته أوقفتني لوهلة، شخص طبيعي ما كان ليقول شيئًا مشابهًا، والغرض من قولها لم يكن لإثارة غضب رومياس فحسب…

هذا الفتى، يشعر بالذنب!

إنه يحاول التخلص من شعوره بالذنب كلما رأى رومياس؛ ولذلك يحاول جعل رومياس يقاتله بأي طريقة.

رومياس تجاهله مجددًا وقرر الذهاب، ولكن ديموند قفز أمامه ولكم وجه بقوة أكثر من مرةٍ وهو يصيح به: "قاتلني أيها اللعين! لمَ لا تريد قتالي يا جبان؟".

ولأن لكل شخصٍ حدٌ معين؛ رومياس أوقف قبضة أخيه ولكم أنفه بقوةٍ مؤلمةٍ وركل معدته يرفعه في الهواء قبل أن يدفع جسده نحو الأرض وصوت الارتطام وحده كان سيئًا.

أمسك بعنقه وصرخ في وجهه "لأنك أخي واللعنة!".

الصمت ساد بين الجميع وصراخ رومياس كان الصوت الوحيد المسموع، توقف وأخفض رأسه يخفي ملامحه الغاضبة. "لأنكم إخوتي مهما حدث ومهما سيحدث، وللأني أدرك هذا جيدًا" أضاف بهدوءٍ وسط نظرات إخوته المتجمدين.

"لكني تمنيت لو أنكم أدركتم أني شقيقكم أيضًا".

ترك رقبة أخيه واستقام، التفت وتحرك بعيدًا عن الجميع وقد ترك إخوته يتخبطون في صراحته المفاجئة. "أتمنى أن تكونوا فخورين بأنفسكم، أنتم لا تستحقون شخصًا مراعيًا وعظيمًا كرومياس أخًا لكم" قلت في النهاية وأنا أعلم أن البيتا والتوأم الواقف على مقربةٍ مني يمكنهم سماعي.

التفت وتبعت رومياس بسرعة ويوجين مد لسانه لدايموند الذي ما زال مستلقي فوق الأرض ينظر للفراغ بصدمة.

.... 

وقفت أنظر لظهره من بعيدٍ بينما يقف وحده ينظر للبحيرة أمامه. شخصٌ ما وضع يده على كتفي ووقف بجواري يحدق برومياس.

"إخوته لا يكرهونه، ولكنهم يشعرون بأنه سلب منهم شيئًا مهما، كان الوحيد الذي يشبه والدتهم بعينها الزرقاء الصافية وشعرها الفحمي، عندما أنجبته ماتت بعد أسبوعٍ واحد ووصموه نذير شؤم".

نظرت للونا التي تحدق به بابتسامة صغيرة. "أي تفكير أحمق هذا؟ جميعهم امتلك فرصةً للتعرف على والدتهم وتذكرها وصنع الذكريات معها، رومياس الوحيد الذي لم يعرف والدته وبالرغم من هذا كان هذا خطأه؟".

اللونا حدقت بي لوهلة قبل أن تتسع ابتسامتها. "أنا سعيدةٌ لأن رومياس تعرف على أشخاصٍ مثلك" قالت وبعثرت شعري، ما خطب الجميع مع شعري؟

كلانا التفت لرومياس الذي وقف أمامنا "ماذا تفعلان هنا؟". رفعت كتفي وتفاجأت من اللونا التي قامت بالحركة ذاتها. "أظن أننا تأخرنا كثيرًا في العودة" قلت لينظر للسماء ويعتذر، سأتجنب الحديث عن أخوته الآن.

"نحتاج شيئًا ما، لونا" جذب انتباه اللونا والتي أيضًا تجاهلت الحديث في المشكلة. "هناك نبتةٌ زرقاء تقومين بزراعتها في حديقتك، الإيكسثول، نحن في حاجة لواحدةٍ منها". ارتفع حاجبها باستغراب "هل لي أن أعرف لما؟" سألت كلينا ورومياس نظر نحوي. "أحد الفرسان يحتضر، النبتة ستنقذ حياته".

عينها اتسعت وصاحت "ماذا تنتظران؟ هيا! تحركا". أوه! هذا كان أسهل مما توقعت، تبعناها إلى منزلها والذي كان أكبر ما في المكان، وعبرت السور للحديقة الخلفية. في زاويةٍ من المكان رأيت النبتة أخيرًا، قطعت اثنتين وأعطتهما لنا قائلة: "أتمنى أن تتمكنوا من إنقاذ الفارس في الوقت المناسب".

شكرناها وانحنينا باحترام. "اعتني به" همست لي لأبتسم بسعادة وأومئ.

"لونا، لــونا!" التفت ثلاثتنا بفزعٍ نحو صاحب الصرخات الذي كان يتعثر في خطواته بينما يركض نحونا في خوف. "ثلاثة أفرادٍ من الليكان يهاجمون الألفا والبيتا".

 ماذا؟ ليكان؟ "أخي!" نظرت لرومياس الذي ركض بسرعةٍ ولحقته اللونا.

انطلقت خلفهما ويوجين يتبعني بسرعة، كان هناك تجمعٌ كبير بينما البيتا بذئبه يقف أمام ذئبٍ أسود أكبر منه حجمًا ورجلٍ آخر لم يتحول، وهناك ثالث وقف يشاهد من بعيد.

الجميع أخذ خطوةً للخلف عندما تدخل الألفا بذئبه الضخم ووقف في وجه الليكان. "هل الليكان يهاجمونكم بهذه الطريقة عادة؟" دون النظر للونا وجهت سؤالي لها. "إنهم المنشقون من الليكان، قطيع الليكان في صلح معنا" أجابت وزمجرت عندما هجم أحدهم على زوجها.

البيتا كان مصابًا بقوةٍ والذئاب زمجرت عندما أُلقي بجسد الألفا، اللونا تحولت على الفور ووقفت في وجههم دفاعًا عن زوجها.

الليكان الأسود اندفع نحو اللونا وكاد يفصل رأسها عن جسدها لولا أن شرارةً زرقاء أصابته ودفعت بجسده على مسافة أمتار، وكلٌّ من ذئبَي البيتا والألفا نظرا لرومياس.

دراكوس قرر إثبات حضوره واندمج مع رومياس وسط نظرات الجميع المتفاجئة، الليكان الأسود قفز نحو رومياس ليهجم عليه، ولكنه ببساطة أمسك بفكه وفصل رأسه عن جسده، مقزز.

بالرغم من ملامح رومياس الباردة، لكن تمكنت من استشعار غضبه القوي، شخص ما يمس عائلته وهذا آخر ما تريد فعله ما فارس المستذئبين.

الشخص الثاني تحول على الفور وانطلق بشراسةٍ نحو رومياس، وهنا تعالت الهتافات باسم رومياس ليقضي عليه.

زمجر رومياس وركض نحو ذئب الليكان وما إن قفز ليهجم تحول جسده ودراكوس حضر للساحة، قبض على جسد الليكان بأسنانه بقوة وألقاه بعيدًا وزأر بقوةٍ دافعًا الجميع للتراجع خطوةً للخلف.

غرز مخالبه في قلب الليكان بقوةٍ وألقاه بعيدًا بعدما لطخ فروه الأبيض بالدماء.

الشخص الثالث صفق بيده وتحرك ببرود "هذا هو فارس المستذئبين إذًا، يبدو أن الأخبار التي وصلتنا عنه كذبة". حدقت بهيئته وجذبتني الهالة السوداء حوله، لم أقابل ليكان من قبل سوى طالب أكاديمية أولبابوس وهذه الهالة لا تشبهه أبدًا.

زمجر رومياس في وجهه واندفع نحوه، الرجل تفاداه بصعوبة وضحك باستمتاع، ولكن متعته لم تكمل لأن اللونا غرزت أنيابها في معدته وألقت بجسده بعيدًا.

تنهدت براحة فالأمر لم يصبح أسوأ من هذا.

رومياس نظر للونا والألفا يتأكد من أنهما بخير، ومن بين الجميع لاحظت رجلًا ربما في نهاية الخمسينات يقف ويحدق برومياس بصدمة، كان من الواضح أنه والده فالشبه بينه وبين رومياس كان كبيرًا وواضح.

"جلنار" يوجين سحب ملابسي وأشار للرجل الذي ألقته اللونا للتو، كان يتحرك ليجلس على الأرضية وعيناه ارتفعت لرومياس بحقد، ظلامٌ التف حول يده مكونًا سيفًا طويلًا، تمامًا كما حدث مع وليد الظلام.

نهض وركض نحو رومياس، ولكن البيتا دفع رومياس ووقف في مكانه، سيناريو بطيءٌ لما سيحدث ارتسم داخل عقلي.

أردت الركض بسرعة، أردت إيقافه بأي طريقة، لو أن الوقت يتوقف لثانيةٍ واحدة فقط!

حركت قدمي بسرعة أندفع نحو شقيق رومياس وفجأة حركة الجميع أصبحت بطيئة، وكأن العالم بالكامل توقف مكانه بينما أنا الوحيدة التي تتحرك.

لم أكن أملك الوقت لأدرك أنني أنا من كنت أسرع من الجميع لأن كل ما كان يدور داخل رأسي هو منع موت شقيق رومياس بأي ثمن.

وقفت أمام جسد البيتا رولياند وأمسكت نصل السيف بيدي، لم أفكر أو أجد الفرصة لتحويلهما لصخرٍ مما سبب جروحًا فظيعة على يدي.

بالرغم من ذلك لم أترك النصل ورفعت عيني بابتسامةٍ جانبيةٍ كارهةٍ نحو الليكان الذي حدق بي مصدومًا. "لن أسمح لك بفعلها أيها اللعين" قلت قبل أن أحول يدي لصخر صلب وأكسر النصل لنصفين.

"كـ... كيف؟" نظر للسيف بين يده ورفع عينه نحوي، ولكني أشعلت ذراعي قبل أن أقبض على عنقه وأدفعه نحو أحد الأشجار. "من أنت بالضبط؟" سألت وأنا أحرق رقبته وبالرغم من الألم الذي ارتسم على ملامحه إلا أنه ابتسم ابتسامةً جنونيةً ومهووسةً "نحن من سندخل الظلام لقلوبكم أيها اللعناء".

خائن ضمن الإريبوس!

نظرت لعنقه واتسعت عيني للعلامة التي رأيتها هناك، قبضت فكي وضغطت أكثر على رقبته "ستبقى حيًا لسببٍ واحدٍ فقط، ستذهب لملك الظلام وستخبره بأن ابنة التوبازيوس قادمةٌ من أجله، باسم كل شخصٍ لا ذنب له سأقطع رقبته وأعلق رأسه بجوار رؤوس النبلاء على أسوار قصورهم".

ألقيت بجسده بعيدًا ونظرة الفزع على وجهه دفعت القوة والثقة داخل جسدي، أمسك رقبته وتحولت نظرته لحقدٍ وهو يتعثر ويحاول النهوض "ستموتون جميعًا أيها المغيبون على يد سيد الظلام!".

الضباب الأسود أحاطه قبل أن يختفي.

سيء!

هذا سيءٌ جدًا، الخونة أيضًا يملكون قوة الظلام بالإضافة إلى قوتهم، لقد تساهلنا كثيرًا مع الأمر ولم نفكر لما يخطط ملك الظلام وكيف تسير أفكاره بالضبط، هناك شيءٌ سيءٌ جدًا يحدث من حولنا ونحن لا ندركه.

الثلاثة كانوا ضعفاء، لمَ قد يرسل ضعفاء لنا إلا إذا لم يكن يعلم أننا سنكون هنا اليوم؟ أو… هو فقط أراد أن يرسل رسالة.

أمسكت رأسي الذي آلمني بسبب التفكير، أشعر وكأن الظلام بالفعل يحيطنا من كل مكان.

التفت أنظر للمستذئبين، جميعهم يبدلون أعينهم بيني ورومياس بصدمة، ومجموعةٌ انتقلت نحو الألفا والبيتا تتأكد من سلامتهما وجروحهما كانت تتعافى وحدها.

"هل أنتِ بخير؟" نظرت لدراكوس وأومأت برأسي. "أظن ذلك" تمتمت قبل أن أرفع بصري لإخوته ووالده وأكمل: "أظن أن على رومياس التفاهم معهم، سأنتظركما عند شجرة المارفلان لنعود معًا".

وبهذا تخطيت أجسادهم واتجهت حيث الشجرة الضخمة ذات الأوراق البنفسجية.

يبدو أن الفرسان أصبحوا عاملًا خطرًا للطرفين، النبلاء والإريبوس، ولكني عازمة على التصدي ورد الضربة.

سأنهي هذه الحرب وسأعود لرؤية أمي وأخوتي.

هذا وعدي.


******************************************

هالووووووووو

اسفه على الفصل الي نازل متأخر بس ارجو تتفهموا ان ورايا مذاكره والله وواجبات كومه

اتمنى يكون رمضان ماشي معاكم فل

انا حاسه انه بيعدي بسرعه اوي ومش بحس بيه والله 

المهم الاحداث من هنا هتبدأ تاخد منحنى اقوى بكتير 

خسارة معركة لا تعني خسارة حرب

وفوز الحرب مش بيجي بسهوله 

افتكروا وعود جلنار كويس بس

عشان مفيش حاجه بتقلها هدر 

بي والله

لوف يو

باي

Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

43 تعليقات

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. كل فصل يزيد حمااااس

    ردحذف
  3. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  4. ياااااااا ربي على جمااااالك يااااخ ❤️❤️❤️

    ردحذف
  5. العد التنازلي للفصول الجديدة
    "خمسة"

    ردحذف
    الردود
    1. ما اريد احطم معنوياتكم بس الروايه حتكون اكثر من 47 فصل حتى نوصل للاحداث الجديده لأن باقي لسه 11 فصل تقريباً واكو منهم كلش طوال الا اذا سوت كل فصل جزئين

      حذف
    2. هي دمجت فصول وغيرت فيهم شوي و هدا الفصل فارس المستذئبين مزال وراه داهية البشر و نزال من أجل الصهباء و يبدا الفصول الجديدة ما تتبعيش الترقيم القديم ♥

      حذف
  6. الفصل تحفة و تطور علاقة اتريوس و جلنار tooop 🤍🤍🤍🤍

    ردحذف
  7. روايتك رجعتلي شغف القراءة

    ردحذف
  8. كنت حزينة اوييي وببكي بكاء يقطع القلب بس رغم ذلك دخلت اقرا الفصل😭

    ردحذف
  9. ومن هنا بدأنا ندرك انه جلنار بدأت تاخذ جزء من قوة كل فارس من الفرسان 😆😆🤍🤍

    ردحذف
  10. بدأت بقرآءة هذه الروايه البارحه و كملتها اليوم...بالعاده ما احب اقرأ الروايات على الأنترنت و ما احب اقرأ الروايات اذا كانت لكتّاب مبتدئين بس قبل يومين شفت فيديو بالأنستا عن هالروايه و اثارت فضولي و الحمدلله لأن قرئتها......حرفيا من اجمل الروايات الي قرأتها و استمتعت بيها اكثر من كل كتب الروايات الي عندي....الكاتبه موهوبه و متحمسه جدا للفصل القادم❤️❤️❤️

    ردحذف
    الردود
    1. احنا كا قراء قدماء يسعدنا انك انظميتي النا وصرتي ميلاجروس مرحبا بكِ إلى أرض العجائب أرض التوبازيوس

      حذف
    2. ميلاجروس لقب معجبين الروايه؟ اذا بكل فخر اقول اني ميلاجروس❤️‍🔥❤️‍🔥اكثر شخصيات حبيتها بالروايه هم يوجين و التنين كارلوس و رومياس🫶🏻🫶🏻

      حذف
    3. بقدر اعرف عن ايش يتكلم الفيديو الي شفتيه 🙂

      حذف
  11. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  12. ❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  13. الاحداث صارت توللعع تسلم ايدك على الابداع

    ردحذف
  14. المهم انك فرحتينا ونزلتيه رغم انشغالك ، مشكورة جدا وممنونين لوفاءك

    ردحذف
  15. عععععع مشتااااقه مش قادره استنى بارت بكرا

    ردحذف
  16. جميل كالعاده ♥️♥️

    ردحذف
  17. انتظر فصل الهالة بحماس 😉🤫

    ردحذف
  18. هذا الفصل برد قلبي شوية حقارة النبلاء واخوة رومياس ..مشكورة على البارت الجميل

    ردحذف
  19. انتظاري الروايه من مده طويله ما راح عبث من افضل واجمل الروايات اللي ما تفشل أنها تخليني اندمج و اعيش أحداثها بمخيلتي دائماً ❤️🔥

    ردحذف
  20. الردود
    1. الفرحه مش واسعاني😭😭😭احلى شي التنزيل اليومي💗💗💗💗💗💗💗

      حذف
  21. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  22. الفصل القادم برعاية فارس مملكة الالترانيوس😂😂

    ردحذف
  23. والله انوو يستااهل النبلااء الموت ياااربي امتى تتخلص منهم جلناار ونتهنى منهم ومن حقارتهم

    ردحذف
  24. شطراا على ابداعك الحلو و الاحدات الشيقة افضل روااية قراتها ❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  25. كنت متوقعة تحرق القلعة 😭

    ردحذف
  26. هل الفصول مش مكتملة لأني ملقيتش الفصل الثالث والرابع......؟
    قارئة جديدة 🤍

    ردحذف
    الردود
    1. ازاي يعني، لا مكتمله دوري انتي بس

      حذف
  27. شكلي و اني داخله كل ساعتين اتأكد نزل فصل لو بعد🤡🤡 اول مره ياخذني الحماس لهاي الدرجه علمود روايه

    ردحذف
  28. يارب بقي بقالي ساعتين مستنيه الباااااارت

    ردحذف
  29. اخاف من اسراء تكول ركزو على فلان شغلة وعلي أرعب احس وراه كارثة

    ردحذف
  30. سببي أكبر قدرٍ من المشاكل حتى أشعر أنكِ بخير" محتاجة هيك شخص بحياتي🥺🥺🥺♥

    ردحذف
  31. الفصل عبارة عن 🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥 من كل جهاته 😍🤣

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال