السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بين ظلام الليل داخل أحد المباني العالية ذات
الهيئة التي تثير الفزع داخل من يراها، عميقًا تحت سطح الأرض بين تلك الزنازين
القذرة كان صوت تصادم المخالب بقضبان الزنازين ينتشر في المكان…
أنينٌ متألم وبكاءٌ ونشيجٌ وزمجرةٌ لا تنتهي كانت
تلف المكان بجوار الظلام.
لقد وعد أولئك الأشخاص بالقوة والمكانة العالية
فقط عند انضمامهم لجانب الظلام، ولكنهم تجاهلوا حقيقة أن الظلام يبتلع كل شيء، حتى
الوعود الكاذبة.
صوتٌ حاد مزعج تلا انفتاح الباب الحديدي الذي يفصل
بين الزنازين وباقي المبنى، انكمش كل واحدٍ منهم في زاوية داخل زنزانته هلعًا من
أن يكون المقصود بمجيء هذا الرجل.
صوت خطواته كانت كعداد النهاية لشخصٍ ما، أحدهم
سيكون عليه الدور هذه المرة ليؤخذ ويتنشر صوت صراخه داخل المكان.
توقف الرجل ذو العينين الحادتين
والنظرة التي لا حياة فيهما ولمعت عدستا نظاراته تحت ضوء القمر وعينه ثابتةٌ على الشاب الذي ارتعد بقوةٍ ولم يجرؤ على
النظر في وجه الواقف أمام زنزانته.
ما أن سمع صوت فتح باب الزنزانة حتى أصابه الرعب وشعر بقلبه يتوقف
عن النبض وبدأ في الصراخ ومحاولة الهرب، ولكن انتهى به الأمر كباقي من كان في
الموقف ذاته.
خرج الرجل من الزنزانة ممسكًا بشعر ذلك الشاب
بينما يجر جسده وكأنه لا شيء فوق الأرضية الباردة، الشاب ظل يرفس الأرض ويحاول
الهرب ولكن بلا فائدة، فقد كان يشعر
بأن فروة رأسه تكاد تمزق.
حاول الصراخ وسؤال المساعدة، ولكنه وجد الجميع
مختبئًا في
زاوية ولم ينظر له حتى، لم يجرؤ أحدٌ على الحراك
وسط صراخه ونحيبه حتى خرج الاثنان وأُغلق الباب
على المساجين مجددًا.
ألقى الرجل ذو الجسد الطويل النحيل والملامح
الجامدة بجسد الشاب داخل مهدٍ كبير الحجم أُغلق بغطاء زجاجي ما أن ثبت
الرجل به أطراف الشاب حتى لا يتحرك.
ضغط عدة أزرارٍ على الألواح الإلكترونية أمامه
لتتحرك بعض الأذرع الآلية التي تحمل إبرًا
ممتلئة بمحاليل ذات ألوان مختلفة وتُحقن ذراع
الشاب الذي يرتجف جسده بقوةٍ ولا يتوقف عن طلب إخراجه من هنا.
ثوانٍ حتى بدأ الأوكسجين ينفذ
داخل المهد المغلق ويبدأ الشاب في محاولةٍ لأخذ أنفاسه وقد أصبح التنفس أصعب بكثير.
دخان أسود بدأ بالتسرب من خلال مخارج الهواء الصغيرة وملء المهد بالكامل حتى أصبح من الصعب رؤية ما في داخله.
هدوءٌ ملأ المكان وعينا الرجل السوداء الحادة ركزت في
الشاشات المجسمة أمامه يقرأ معدلات الشاب الحيوية قبل أن تبدأ نبضات قلبه في
الازدياد بشكلٍ جنوني والمهد بالكامل كان يهتز بقوةٍ لارتجاف الشاب داخله وحركته
الهستيرية.
يدٌ متضخمة بدأت في خدش زجاج
المهد في محاولةٍ للخروج بينما زئير وحشي صدر من داخله.
تنهد الرجل ونظر لمدةٍ لزر أحمر اللون أمامه قبل
أن يقوم بضغطه ليصدر صوت انفجارٍ مكتوم من المهد ويتلطخ زجاجه بالدماء وبقايا جسدٍ تفجر
لقطع.
"قمامة!" زمجر الرجل قبل أن
يضرب زجاج المهد بيده بشكلٍ هستيري وهو يصرخ: "جميعكم قمامة! تجارب فاشلة لا تصلح لشيء، قمامة!".
تنفس بقوةٍ وهو ينظر للزجاج المحطم والذي علق بعضه
داخل قبضته، حاول تهدئة أنفاسه وتحكم في تعبير وجهه ليعود للبرود مجددًا، وبيد
مرتجفة أعاد تنظيم خصلات شعره القصير للخلف.
"مجموعةٌ مقززة لا ترتقي لشيء" قال وهو ينظر بطرف عينه
للمهد الممتلئ بالدماء.
عينه اتجهت نحو المرآة الصغيرة المحاطة بضبابٍ أسود كالظلام
بينما ظهر داخله انعكاسٌ لوجه جلنار، عينها الصفراء وطاقة التوبازيوس تجري داخل
جسدها…
تلك كانت رؤية جانغو الأخيرة قبل أن يُقتل على
يدها.
"إن لم أحصل عليكِ، أيتها الدمية البشرية، فسأصنع ما يفوقكِ
قوة. من تظنينني حتى تقتلي
الدمى الثمينة خاصة بي بكل هذا البرود؟ أنا الوحيد الذي يملك حق لمسهم
وقتلهم..."
اتسعت ابتسامته واقترب من الصورة ينظر لها كمدمن
"سأحصل على هذا الجسد البشري بأي ثمن، هذا الوعاء اللا محدود
تذكرتي لقوة الخلود". لعق شفتيه وبنظرة استعلاءٍ وتقزز وجهت لصورة جلنار قال: "لا أحد يجب أن يكون أفضل مني
في هذا العالم سوى سيد الظلام، سأدمركِ، أيتها الدمية".
....
كان يحمل جسدها بين ذراعيه ورأسها ملقى فوق صدره
مغمضة العينين، نظر لوجهها بقلقٍ وحاول التربيت على وجنتها بخفةٍ لتعقد حاجبيها
ببعض الضيق وتبدأ بفتح عينيها.
للمرة الأولى في حياته شعر أتريوس أنه لا يريد
النظر لعينها، لا يريد هذه المواجهة، ولكن عينها البندقية التي التمعت بفعل ضوء
القمر وهي تنظر نحوه كانت بمثابة المرساة التي تثبته في مكانه.
"هـ… هل أنتِ بخير؟" سأل
بحذرٍ لتمسك برأسها وتغمض عينيها بقوةٍ وتحاول النهوض. "ماذا تتذكرين؟" سأل مجددًا
وما زال الحذر والترقب يشوبان نبرته.
"لا أعلم، لقد كنت واقفةً عند
المنحدر، وظهرت أنت، ثم... لقد وقعت كالحمقاء، أذكر أنني كنت أهوي وألمٌ كبير أصاب
رأسي، ثم..." زمت شفتيها قبل أن تغمض عينيها مجددًا بقوةٍ وتمسك رأسها قائلة:
"لا أتذكر شيئًا، لا بد من أن سرعة سقوطي دفعت الكثير من الدماء لرأسي وهذا
سبب في فقداني الوعي".
لم تلاحظ جلنار النفس المرتاح الذي أخرجه أتريوس
لأنها كانت مشغولةً في محاولة النهوض. "هل أمسكت بي؟"
سألت لينهض ويساعدها على النهوض ويقول: "شيءٌ كهذا".
أومأت بلا تعقيبٍ ونظرت بعيدًا ممسكةً برأسها. "متأكدةٌ
من أنكِ بخير؟" سأل بحاجبين معقودين لتومئ بسرعة
وتقول: "لا بأس، فقط… أشعر بصداعٍ سيء، سيذهب إن استلقيت لفترة، سأعود للمنزل".
أومأ متفقًا قبل أن يضع ابتسامةً جانبية ويقول:
"أتريدين مني حملكِ إلى هناك؟ لن أمـ...".
ضربت صدره بقوةٍ قبل أن تلتفت وتذهب مهرولةً للمنزل ليضحك ببعض الراحة وهو يراقب خطواتها المسرعة، أراد اللحاق
بها، ولكنه لم يتمكن فقد تجمد
مكانه وابتسامته تلك اختفت تزامنًا مع اختفاء جلنار عن مرمى بصره…
نظرته أصبحت أكثر جمودًا والتفت ينظر للمنحدر الذي
وقعت منه مرتين، وضع يده فوق صدره يشعر بذلك الانقباض السيء يختفي تمامًا كالعلامة
التي أخذت تختفي.
....
دلفت جلنار إلى غرفتها وأغلقت الباب بسرعة، لم
تتحمل ساقاها حملها
أكثر من هذا لتقع أرضًا وتمسك بصدرها الذي كان يعلو
ويهبط لتنفسها السريع.
عينها مشتتةٌ وهي تنظر لغرفتها المظلمة بينما يتكرر كل
شيءٍ داخل رأسها كفيلم لا ينتهي، مرارًا وتكرارًا،
أتريوس كان سببًا في انتشار الظلام حولهما…
أتريوس يستعمل قوة الإريبوس!
كانت الجملة تتكرر داخل رأسها مجددًا ومجددًا
ككابوس لا يريد الانتهاء، كيف يمكن حدوث هذا؟ لماذا؟ متى؟
ملايين الأسئلة كانت لا تنتهي، نظرت لكفيها المرتجفتين
بقوةٍ تتذكر ما حدث مجددًا، ارتجفت شفتاها وشعرت برغبةٍ في الاستيقاظ،
لربما الأمر مجرد حلمٍ آخر…
لكنه لم يكن كذلك.
في هذه اللحظة أخذت تتذكر كل شيءٍ مريب حول
أتريوس، والذي لم يكن بالقليل، كل شيءٍ يدور حوله بدأ يتصل الآن أمام عينها…
هالته المظلمة، العلامة التي تختفي في كل مرة،
فارسان للإلترانيوس! أشياء لم تحدث سابقًا كان فقط أتريوس سببًا فيها.
في اللحظة التي أدركت جلنار فيها أنها رأت شيئا لا يجب
عليها رؤيته قررت أن التصرف المناسب هو التظاهر بعدم الرؤية، حجة الإغماء كانت مناسبة، حاولت قدر الإمكان التصرف بشكلٍ
طبيعي والابتعاد عنه.
عمن؟
من يكون أتريوس حتى؟
هل هو الشخص ذاته الذي تعرف؟ الذي وقعت في حبه؟ من
يكون أتريوس فلورمان بحق الإله؟
عينها ارتفعت لسريرها لتتحرك نحوه بجسدٍ متثاقل
وتلقي بنفسها تحت الأغطية تحاول إيقاف ارتجاف جسدها. "جلنار، هل عدتِ؟" صوت يوجين الذي دلف للغرفة للتو سأل لتومئ على مضضٍ
وتقول حتى لا تثير شبهته: "أنا فقط متعبة".
لم تعجبه نبرتها، ولكنه رفع كتفيه في النهاية، فقد
كان يومًا طويلًا بالنسبة لها، تحرك نحو النافذة وحلق
في الهواء ليغلق عينيه وينام بدون أن يحاول أن
يزعج جلنار.
لم تتمكن هي من إغلاق عينيها، لم تتمكن من إيقاف أفكارها، ماذا عليها أن تفعل؟ كيف ستتصرف
حول أتريوس بعد اليوم؟ لمَ كل شيءٍ يصبح أكثر
تعقيدًا فجأة؟
جميع تلك الأسئلة ظنت جلنار أنها ستبقيها مستيقظةً
حتى طلوع الصباح، ولكن على العكس، كان جسدها منهكًا وعقلها كذلك ولم تشعر بمضي الوقت
قبل أن تغط
في نوم عميق.
....
"هل ستختفين أنتِ أيضًا؟"
عقدت جلنار حاجبيها للصوت الذي صدر من حولها،
وحاولت فتح عينيها
والنهوض.
"هذا يعتمد عليك، لا أنا، إن وصلت إلى وجهتك أظن أنك أنت
من سيختفي"
صوت طفلةٍ أجاب لتنظر جلنار حولها حيث وجدت نفسها فوق سريرٍ
صغير في حجرة عادية.
"سيكون من السهل عليكِ نسياني"
جلست جلنار فوق السرير ونظرت حيث صاحبا الصوتين
جالسان في
زاويةٍ بعيدة عنها في الغرفة.
كانت طفلةً صغيرة اعتادت على رؤيتها في أحلامها،
ولكن الآخر كان شابًا يبدو في التاسعة عشر أو الثامنة عشر، لم تتمكن جلنار سوى من
رؤية شعره الأشقر القصير.
"لن أفعل، أيها العجوز! لدي ذاكرةٌ قوية، حتى إن اختفيت
سأكتب قصصك في مذكراتي وأقرأها كل يوم، وحينها فقط لن أتمكن من نسيانك" صمت
تبادله الاثنان قبل أن يقول الفتى: "وعد؟". أومأت الصغيرة وصاحت بثقةٍ مفرطة: "وعد!".
ما إن طرفت جلنار بعينها حتى وجدت أن الاثنين
اختفى كلٌ منهما فجأة، التفتت حولها بحثًا عنهما ولكن لم تجد أيًا منهما.
نهضت واقفةً وهرولت لخارج الغرفة لتجد نفسها داخل
منزلٍ فارغ وشبه متهالك، ولكن يبدو وكأن شخصًا عاش فيه لفترة.
فتحت جلنار باب المنزل وخرجت منه تنظر حولها،
ولكنها وجدت نفسها في مكانٍ عشبي فارغ من أي مخلوقٍ أو مبنى حتى.
"توقفي عن إعطاء وعودٍ أنتِ لستِ قادرةً على الإيفاء
بها" التفتت خلفها حيث صاحب الصوت كان يقف داخل المنزل ينظر نحو جلنار،
ولكنها لم تتمكن حتى من رؤية ملامح وجهه.
"من أنت؟" سألت وتقدمت بخطى مهزوزةٍ نحو باب المنزل، ولكنها أجفلت عندما صرخ الشاب: "توقفي عن الكذب! أنتِ فقط لم تنسي من أنا، لكنكِ مذعورةٌ من وجودي بالكامل!".
توقفت واحتضنت نفسها قبل أن تصرخ: "من
تكون؟". تقدم الشاب خطوةً وقال بألم: "أنتِ لم تعودي يومًا، لقد أعطيتني وعدًا وقد ظننت أنني مجنون
بسببكِ، أنتِ مجرد وهم".
حركت رأسها للجانبين وتقدمت بسرعةٍ قائلة: "لحظة، أنا... أنا لا أفهم، من تكون؟".
ركضت بسرعةٍ نحو المنزل عندما بدأ الظلام يعصف به
وجسد الشاب يختفي بين الظلام. "من تكون بحق الله؟" صرخت بينما تغطي
وجهها بسبب الرياح القوية التي حولت كل شيءٍ داخل المنزل إلى فوضى.
يدٌ صغيرة أمسكت يدها وصوت طفلةٍ قال: "أحقًا
لا تتذكرينه؟ أم أنكِ تخافينه؟". نظرت ناحية الطفلة لتتسع عيناها وهي
ترى وجه تلك الطفلة.
لقد كانت هي جلنار، لكن في عمر الثماني
سنوات!
نهضت بسرعةٍ وهي تحاول التنفس وجسدها يتعرق بشكلٍ
سيء، وضعت يدها على صدرها تحاول تهدئة تنفسها ونبضاتها وتنظر حولها في فزع.
يوجين الذي أيقظته بصوتها تحرك بفزعٍ ينظر حوله،
ولكنه ثبت نظره على جلنار عندما لاحظ حالتها. "إلهي! أنتِ بخير؟" سأل
متوجهًا نحوها لتومئ دون إجابة وتحاول ترطيب شفتيها، ناولها يوجين كأس الماء
الموجود بجوار السرير لتتجرعه بالكامل ويعيده يوجين إلى مكانه.
"ماذا حدث؟" سأل بينما يربت على ظهرها لتتمتم:
"حلم، أو ربما
كابوس". عقد حاجبيه وقال: "لا بد من أنكِ رأيتِ أتريوس في أحضان امرأةٍ
أخرى، إنها نبوءة لا كابوس، عليكِ الحذر".
جديته في الحديث لم تدع لجلنار خيارًا سوى
الابتسام وساعدت في تهدئة حالتها. "حقًا، يوجين!" قالت بنبرةٍ شبه
مستنكرة ليرفع كتفيه ويقول: "إذًا إن لم يكن أتريوس في أحضان امرأةٍ أخرى فلا
بد من أنه كان
مثليًّا في الحلم ويواعد بنجامين ألفن، لا شيء أبشع من هذا ليفزعكِ".
ظهرت ملامح التقزز على وجهها وقالت: "توقف عن
هذا، بدأت تخيلهما معًا، اللعنة، تبا، يوجين! من سيمسح الصورة من
رأسي الآن؟" صاحت في النهاية لينخرط في الضحك
وتدفعه هي لتأخذ حمامًا بعيدًا عن أفكاره الغريبة.
أرادت أخذ حمام لتريح رأسها، لكن ما إن أغلقت باب
المرحاض وجدت أحداث ليلة الأمس تعود لرأسها مجددًا ولا تتوقف كشريط فيلم سيصيبها
بالجنون.
أخذت تتحرك جيئةً وذهابًا بينما تتمتم لنفسها:
"ماذا علي أن أفعل؟ كيف سأقابله؟ هل هو إريبوسي؟ لحظة، إنه يستعمل العناصر،
كيف يمكن هذا؟ هل علي إخبار الآخرين؟ بالطبع لا، أيتها الحمقاء! سيحاولون قتله على
الفور، إذًا لمَ هو بيننا بينما نقاتل أبناء جنسه؟ لحظة لحظة...".
توقفت مكانها قبل أن تقول بصدمة: "لقد تم
اختياره كفارس! ماذا يعني هذا؟ التوبازيوس لن تختار شخصًا بنوايا خبيثة؟ ما الذي
أقوله؟ إنه أتريوس، جلنار! إن كان يريد قتلكِ لفعل
منـ... لحظة، لقد كان يحاول قتلي كثيرًا... لا لا لا، لا تفكري بهذه الطريقة…".
أرادت صفع نفسها لتتوقف عن التفكير، اتجهت لحوض الاستحمام وملأته بالماء وذهبت
لغسل وجهها، ولكن عوضًا عن ذلك وجدت نفسها تحدق بالمرآة وتتذكر كل موقفٍ بينها
وأتريوس حتى كادت تصاب بالجنون.
نظرت للمياه التي ملأت الحوض وبدأت تفيض من حوله
لتضع رأسها داخل المياه تكتم أنفاسها حتى تشعرت
بأن قلبها سيتوقف عن النبض.
أرادت إخراس جميع تلك الأصوات داخل رأسها، وكأن هناك مجموعة
ضخمة تتحدث في الوقت ذاته وكلٌ يلقي بفكرته ورأيه وآخر يعارض هذا والثاني يصرخ
بقناعته وما يؤمن به والثالث يحاول إخبار الجميع أن عليهم التفكير بعقلانية والأخير يفكر بكم هو جائعٌ في هذا الوقت.
أخرجت رأسها من داخل حوض الماء أخذت نفسًا قويًا
تعيد الهواء لرئتيها قبل أن تعيد النظر للمرآة مجددًا، تنظر لنفسها عن كثب، كانت ترتجف،
تشعر بالهلع.
إنها تحب أتريوس، إنها واقعة له تمامًا، ولكن…
ألقت جميع ملابسها بعيدًا ووضعت نفسها داخل حوض
الاستحمام محتضنةً جسدها بينما تنظر لانعكاسها على سطح الماء.
تريد طرح الكثير من الفرضيات، لكنها لا تريد
الاستماع لها، كيف لها أن تتهم الشخص الوحيد الذي كانت تشعر بالأمان بين ذراعيه؟ فقط
بالأمس شعرت أن وجوده معها كافٍ لمحو كل شيءٍ مخيف،
والآن…
لا، لقد أعطت وعدًا، لقد قالت أنها لن تكون كسائر
من تركوه خلفهم، لقد أعطته وعدًا ببقائها دائمًا معه، ولكن…
هل أتريوس الشخص نفسه الذي وقعت في حبه أم مجرد
شخصيةٍ مزيفة، ماذا يريد أتريوس وما هي نواياه؟
شعرت الصداع يكاد يفجر رأسها وأرادت البكاء بشدة،
ولكنها لم ترد لشخصٍ أن يسمع صوتها، ماذا ستخبر يوجين؟ لا يمكنها -فقط- الذهاب
وقول الرجل الذي أحبه اتضح أنه ينتمي للمملكة التي أقاتلها!
أرادت الصراخ لعلها تخرج قليلًا مما تكبته.
دفعت جسدها لأسفل المياه قبل أن تصرخ بأقوى ما
تملك ولم يصل صوتها لأحد، اعترضت
المياه مجرى تنفسها ولكن رغبتها في البقاء أسفل الماء
لوقتٍ أكثر دفعتها لاستخدام عنصر المياه لصالحها، لم تكن تعلم حتى أن بمقدورها
التنفس تحت الماء من خلال عنصر الماء، ولكنها فعلتها ولم تهتم
في هذا الوقت.
ظلت تحدق بلمعان الضوء فوق سطح الماء وتستمتع
بالصمت، كان كل شيءٍ هادئ، جسدها أصبح خفيفًا وأصبح من السهل أن تريح أعصابها في
هذه اللحظة.
أغلقت عينيها لترى صورة أتريوس الجالس أمامها بابتسامته الصغيرة والهادئة،
عينه التي كانت تختلف كثيرًا عن المرة الأولى التي تقابلا فيها، كيف لشخص أن يزيف هذه الابتسامة بحق الجحيم؟
صور صامتةٌ لهما يرقصان وحدهما، نظرته
نحوها، لا يمكن أنه قادرٌ على التمثيل لهذا الحد! ماذا عن لمساته؟ شفتيه التي
أصبحت تطبع الكثير من القبل على وجهها…
كيف يمكن أن يكون هذا الشخص مخادعًا؟
نهضت بهدوءٍ من الحوض وشعرت بالتنفس أسهل خارج
المياه، أخلت الحوض من الماء وأخذت حمامها بسرعةٍ قبل أن تخرج من المرحاض إلى
الغرفة وترتدي ملابسها.
كان يوجين قد قرر العودة للنوم بما أن الوقت مبكرٌ
بالفعل والجميع يأخذ راحةً لأجل بثهم الذي سيكون بعد الظهيرة.
هبطت جلنار السلالم واتجهت للمطبخ لتجهز شيئًا سريعًا
تتناوله.
ابتسمت عندما تذكرت الفطائر التي أعدتها سابقًا
ولم يتمكن أتريوس من إخفاء رغبته في تناولها، وجدت نفسها تلقائيًا تعدها مجددًا
لتتناولها.
وقفت أمام خزانة المقادير لتأخذ ما
تحتاج وتضعه في إناءٍ كبير وتبدأ خلطه وهي منسجمةٌ تمامًا في ذلك وقد نجحت أخيرًا في إبعاد أتريوس لوهلة عن رأسها.
"هل هذه فطائرك المعتادة؟"
أجفلت وتوقفت يدها عن العمل وشعرت بقلبها يكاد
يتوقف بسبب صوته الذي صدر فجأةً بجوار اذنها، شعرت بجسده الذي كان يقف خلفها
تمامًا قبل أن يضع ذقنه فوق كتفها ينظر للطبق بعينين ناعستين.
حاولت التقاط أنفاسها وتهدئة أفكارها وتوترها في
هذه اللحظة، ولكن جميع تلك الخطط ذهبت عرض الحائط عندما التفت ذراعه اليسرى حول
خصرها لتسحبها نحوه أكثر ويده اليمنى تسللت نحو طبق العجين في محاولةٍ للحصول
عليه.
كانت جلنار فزعةً تمامًا من مدى قربهما في هذه اللحظة، ولكنها لاحظت يده اليمنى
لتمسك بها بسرعةٍ وتلتفت نحوه قائلة: "لم ينضج بعد، أتعلم كم من المضـ…".
توقفت عن الحديث وأرادت لعن نفسها بسبب التفاتها
لتواجهه وجهًا لوجه وقد ظنت أنه سيبتعد، ولكنه احتجز جسدها بينه
والطاولة الخشبية يراقب تعبيرها غير مهتمٍ بالمرة بما تقوله.
ابتلعت بتوترٍ وعادت أحداث يوم الأمس لرأسها لتنظر
بعيدًا عنه وتقول بسرعة: "أحتاج لمساحتي هنا!". رفع حاجبًا واقترب أكثر منها مما
جعلها تنحني بسرعة وتمر من تحت ذراعه وتضع مسافة مترين بينهما. "توقف عن هذا، أتريوس" قالت وهي تتجنب
النظر نحوه ليرفع يده باستسلام ويجلس فوق أحد المقاعد يراقبها وهي تعمل.
لم تحاول حتى النظر باتجاهه، وكل ما تسمعه داخل رأسها
كلمة (إريبوسي) تتردد بلا توقفٍ لدرجة أصابتها بالغضب لتصيح:
"توقف!".
ارتفع حاجبا أتريوس وقال بصوتٍ ناعس: "لكني
لم أفعل شيئًا!".
نظرت نحوه وقالت بعصبية: "لم أتحدث إليك". نظر نحوها مستنكرًا قبل أن
يقول: "أوه، صوت عقلكِ مجددًا".
دحرجت عينها ووضعت الطبق بعنفٍ على الطاولة لتسكب
محتوياته على اللوح الحراري.
ظل ينظر نحوها بعينٍ ضيقة، يراقب تحركاتها مما
جعلها متوترةً بشكلٍ ضخم لتنظر نحوه وتقول: "أيمكنك التوقف عن التحديق
بي؟". عقد حاجبيه وسأل: "هل أنتِ بخير؟".
وضعت ابتسامةً مهزوزة وقالت: "بالطبع بخير،
ماذا؟ هل أبدو غير ذلك، أنا بالكامل بخير، هل أبدو كشخصٍ يمر بأزمةٍ ما؟ لا،
لأنني لا أمر بشيء، كل الأمور بخير وتحت السيطرة
وأنا بخير كليًا". حاولت التقاط أنفاسها وقد ظل
أتريوس ينظر لها لمدةٍ قبل أن يقول:
"الفطائر تحترق".
التفتت بسرعةٍ نحو الفطائر لتضعها في الطبق -فقد كادت بالفعل تحترق- وأغلقت اللوح الحراري، توقفت لثوانٍ مستندة على الطاولة موجهةً ظهرها لأتريوس تحاول تهدئة نفسها
وأفكارها.
أمسكت الطبقين ووضعت أحدهما بصمتٍ أمام أتريوس ووضعت
الآخر على مسافةٍ منه وجلست تتناول طعامها بصمت. "جلنار، أسبب هذه العصبية ما
عليك فعله اليوم؟"
صوته الهادئ قال وقد نظر نحوها باهتمامٍ بينما ظلت
تنظر لطبقها بصمت، في الواقع أرادت الصراخ في وجهه:
"لقد نسيت حتى موضوع خطاب
اليوم بسببك!" لكنها فضلت الصمت على
ذلك.
"ستبلين بلاءً حسنًا، جلنار، لأن هذا ما تفعلينه دومًا… حتى وإن لم تفعلي، سيكون الجميع هنا من
أجلك" ابتلعت طعامها بصعوبة وحاربت رغبة النظر نحوه، لكنه أردف:
"سأكون هنا من أجلك".
لم تستطع منع دموعها وحمدت الإله لأنها لم تجمع
شعرها حتى الآن، لأنه يعمل جيدًا على
تغطية وجهها.
لا تعلم ما الذي عليها فعله بعد الآن؟ كيف لها أن
تظن بأتريوس شيئًا سيئًا، كيف يمكن لرجلٍ مثله أن يكون سيئًا تحت أي ظرفٍ كان؟
مسحت دموعها بشكلٍ سريع وحاولت وضع ابتسامةٍ
طبيعية ونظرت نحوه قائلة: "لا بأس أنا بخير". قابلها بوجهٍ متجهم وقال
بنبرة منزعجة: "عندما لا تكونين بخير أفضل أن تخبريني بذلك عوضًا عن الكذب
علي".
حدقت بوجهه لوهلةٍ قبل أن تسقط تلك التعبير
المصطنعة وتضرب رأسها بالطاولة وتقول بإحباط: "كل شيءٍ عبارة عن
فوضى".
أغمضت عينيها تشعر برغبةٍ في إخباره بأنها تعرف أنه إريبوسي، ولكنه
ضربٌ من الجنون؛ لذلك عضت
لسانها وكتمت الأمر داخلها.
شعرت بيده تربت على ظهرها قبل أن تحرك شعرها الرطب
بخفةٍ وقال: "أنتِ محقة، إنها فوضى". مالت برأسها ونظرت نحوه
بينما لا تزال تضع رأسها فوق الطاولة لترى ابتسامته الصغيرة قبل أن يردف:
"لكن لا بأس إن كانت الأمور فوضوية بعض الشيء، من المستحيل أن تظل مثاليةً طوال الوقت، لا شيء يظل مثاليًا دائمًا".
ظلت تحدق نحوه بصمتٍ وما زالت يده تحرك شعرها ببطءٍ مما
بعث لها شعورًا بالراحة والمزيد من التشوش الذي لا تريده في وقتٍ كهذا.
"ماذا علي أن أفعل؟" قالت بنبرةٍ يائسة ليضع رأسه فوق الطاولة يقابل نظراتها ويقول: "لا شيء،
أحيانًا يجب علينا ألا نفعل شيئًا وستعود الأمور لنصابها
الصحيح".
ظلت تحدق بعينيه الزجاجية، لعنت داخلها وتساءلت… كيف يمكن له أن يكون مصطنعًا؟ كيف له أن يكون سيئًا؟
"أتريوس... هل تثق بي؟"
لم تكن تعرف حتى كيف أخرجت هذا السؤال، لكنه كان
تلقائيًا وكأنها أرادت -فقط- معرفة إجابةٍ لهذا السؤال،
حالًا…
نظر لها لمدةٍ بصمت قبل أن يقترب من وجهها كفايةً ويقول: "غالبًا إن تم سؤالي هذا السؤال سأقول بكل ثقة: لا… أنا لا أثق سوى بنفسي، ولكن الآن...". صمت بينما تحركت يده نحوه وجنتها يداعبها
بنعومةٍ وقال: "لم أعد متأكدًا من أي شيءٍ يدور حولك،
أنا أثق بكِ، جلنار، وهذا يسبب لي الفزع".
مر الصمت بينهما وقد اكتفى كلٌ منهما بالتحديق بالآخر، وأدركت جلنار إنها إن استغرقت وقتًا أطول
في التحديق به سينتهي بها الأمر تخبره بكل شيءٍ يثير جنونها؛ لذلك
نهضت والتقطت حقيبة ظهرها وقالت: "سأذهب للتدرب".
لم تترك له فرصة الحديث، وفي الواقع لم يكن ليقول شيئًا يعبر عن ضيقه في هذه اللحظة، شعوره بأنها ما
زالت مشوشةً تعاني ولم تحاول حتى إخباره ما يربكها كان يجعله منزعجًا.
وهذا كان سببًا إضافيًا ليثير خوفه لأنه وصل
لمرحلةٍ لا يستطيع أن يخبر نفسه فيها ما هي جلنار بالنسبة له.
هو لا يثق بأحدٍ عدى واندر والذي قضى معها نصف
عمره، والآن في بضعة أشهر هو يثق بجلنار! إنه يحب التواجد حولها، بالكاد يمنع نفسه
من أخذها والهرب من هنا، وأصبحت تقتحم جميع أفكاره بشكلٍ أو بآخر، يكره طريقتها
الودودة مع الجميع ويظن أنه يحق له فقط أن يرى هذا الجانب منها.
ضرب رأسه بالطاولة وبعثر شعره بانزعاجٍ وتمتم بين
أسنانه: "ما الذي يحدث معي بحق؟".
...
نظرت جلنار للبوابة التي انفتحت أمامها ولم تتردد
في دخولها، أرادت
تشتيت انتباهها عن أي شيءٍ آخر وما زالت تملك تقريبًا سبع ساعات حتى تعود إلى
المنزل وتجهز نفسها للحدث الكبير.
أُغلقت البوابة فور دخولها ونظرت حولها للمكان
المختلف عن سابقه، ارتفع حاجبيها بتعجبٍ عندما لاحظت أنها تقف فوق سطح محيطٍ كبير ولا أثر لأي يابسة، نظرت للأسفل وقد تمكنت من رؤية بعض
المخلوقات البحرية تسبح تحت قدميها.
أظهر الكتاب وقت دخولها وجملة (تمت ملاحظة دخول متدرب) خُطت فوق الصفحات
البيضاء، ثم انقلبت
الصفحة وبدأت المهمات تظهر أمامها…
(مهام
اليوم:
-اقتل 30000 من أشباه السيرين الشيطانية.
-اجمع 30 من لؤلؤة البحر السوداء.
-اقتل السيرين الشيطاني لورانيس)
"حسنًا، هذا جديد عـ..." لم
تستطع إكمال جملتها لأن جسدها سُحب للأسفل فجأةً داخل الماء، نظرت لشخص الذي يسحب
قدمها ولم يكن سوى سيرين، لكنه نسخةٌ أكثر قبحًا
وشيطانية، ذو أسنان مدببةٍ وجلد خشن وأعين تلمع تحت الماء كالقطط في الظلام.
دفعته بموجةٍ من الماء للخلف قبل أن تتحكم بالهواء
داخل جسده لتفجره من الداخل.
أخذت نفسًا عندما مكنت نفسها من التنفس تحت
المياه، ولكنها لم تحصل على راحة؛
فقد تم دفعها للخلف بقوةٍ خدشت ظهرها بسبب السيرين الذي
اندفع نحوها.
التفت نحوه، وبما أنها تحت الماء تمكنت من التحكم
بالماء حوله ودفعته بقوةٍ نحو أحد الأحجار الموجودة حولهم، التفتت للمجموعة التي
بدأت تحاصرها لتبتسم وتفكر أن هذا ما هي بحاجةٍ له حتى تشتت تفكيرها.
بدأت بقتلهم بينما تحركها تحت الماء كان يصبح
سلسًا وسريعًا مع الوقت، كانت تسبح بسرعةٍ نحوهم وتقوم بتحطيم
رقبتهم أو بضغط الهواء داخلهم.
بينما تقاتلهم بدأت في ملاحظة كراتٍ صغيرة الحجم
بين الصخور، لم تكن تلك سوى مهمتها الثانية، فبدأت بجمع كل لؤلؤةٍ سوداء صغيرة
تراها بينما تقاتل.
في كل مرة يصبح تحركها أسهل وكذلك تنفسها، وهذه
المرة كانت تقتلهم دون توقفٍ أو راحة، أرادت إبعاد تفكيرها عن أتريوس، وكلما وجدت
نفسها تفكر فيه انغمست أكثر في قتالهم وتقطيع أجسادهم.
بالرغم من صعوبة القتال؛ فهي غير قادرةٍ على استخدام أي
عناصر سوى الماء والهواء وخياراتها قليلة، إلا أنها
وجدت فائدةً كبيرة في الحركة والقتال تحت الماء؛
فقد كان يساعد عضلات جسدها لتصبح أقوى والقتال جسدي مع قلة الاعتماد على العناصر
كان مفيدًا لها.
لا تعلم كم من الوقت ظلت تقاتلهم، فقد كانت تصارع
عقلها أكثر منهم كلما تذكرت أتريوس.
توقفت عن قتالهم عندما لاحظت أنه لم يبقَ
أمامها سوى مجموعةٍ صغيرة هربت على الفور عندما لاحظوا أن جثثهم تتساقط بشكلٍ مرعب
من حولها.
الكتاب ظهر أمامها وقد شطبت المهمة الأولى وبجوارها
كتب: (رقم قياسي: 60 الفًا)
وضعت يدها داخل جيبها تتحسس الكرات الصغيرة تتساءل
كم ظل بعد لتجمعه؟
ضوءٌ صغير في الأعماق جذب انتباهها لتسبح نحوه، وكلما غاصت أعمق أصبحت
الرؤية أكثر صعوبةً حتى بدأت تستحيل تمامًا ولم ترَ سوى الظلام الدامس.
توقفت عن الغوص ونظرت خلفها مترددةً في العودة؛ فلا تعلم
ما يوجد داخل الظلام أو ما قد يصيبها.
التفتت عندما شعرت بحركةٍ من خلفها سريعة، لكن لم
تستطع أن ترى أي شيءٍ سوى السواد، التفتت بسرعةٍ في الثانية الأخيرة عندما شعرت
بتحرك تيار ماءٍ من خلفها ووضعت ذراعيها أمام وجهها كوسيلة دفاع.
اندفعت للخلف بعد أن أصاب خدشٌ قوي لأظافر حادةٍ
ذراعيها.
شعرت بالقلق والتوتر في هذه الحالة، هناك شيءٌ
عدواني هنا، ولكنه يملك أفضلية
الرؤية. دفعةٌ أصابت ظهرها من الخلف قبل أن تصيبها أخرى من
الجانب.
لم تتمكن من رد الضربات أو حماية نفسها، الشيء
الذي حولها سريعٌ جدًا ويحاول استهداف رقبتها.
ضربةٌ أخرى كادت تصيب صدرها بجرحٍ عميق لولا أنها تحركت بسرعةٍ لتصيب خصرها، سبحت للخلف بسرعةٍ وحاولت
تهدئة نفسها قبل أن تغمض عينها.
عقدت حاجبيها تحاول التركيز قبل أن يبدأ كل شيءٍ
بالاتضاح، استعملت قدرتها على رؤية كل شيءٍ حولها وهي مغمضة عينها، وبسرعةٍ لاحظت الجسد الذي اندفع نحوها مشهرًا أظافر طويلة لترفع
قدمها وتركل وجهه بسرعةٍ ليعود للخلف ممسكًا أنفه الذي أُصيب.
خلعت قميصها وقامت بربطه حول عينها حتى لا تفتحها،
وعندما اعتادت الأمر كانت صورة كل شيءٍ كالرسم داخل عقلها وحواسها الأخرى أصبحت
أفضل؛ فقد كان
بإمكانها سماع أقل حركةٍ داخل الماء والشعور بأي تيارٍ صادر من حركة الأجسام
حولها.
وضعت ابتسامةً جانبية وفكرت: "الآن يمكننا
القتال".
خصمها كان سيرين، ولكنه أقبح سيرين رأته من قبل،
عينه بيضاء بالكامل عدا من بؤبؤ أسود رفيع كعينين سمكة قرشٍ غاضبة، جسده كان مغطى بالحراشف
الخشنة وأسنانه حادةٌ وأكثر طولًا من السيرين الطبيعي، وأظافره أشبه بمخالب طويلةٍ
تراكمت عليها الدماء.
اندفع نحوها بسرعة للهجوم لتتجنب
جسده وتضرب ظهره بموجةٍ من الماء ليرتمي جسده فوق إحدى الصخور.
حاولت استعمال ضغط الهواء عليه، لكنه كان أسرع في
الحركة وعاود الهجوم عليها ليصيب وجنتها بخدشٍ ويلكم صدرها بقوةٍ مستعملًا قوة السيرين.
حاولت التنفس بسبب الضغط الذي جثم على
صدرها وقد انحت تحاول الهدوء، شعرت بحركة الماء حوله تتجه نحوها لترفع رأسها
بسرعةٍ وتحرك قبضتها، ولكن لسوء الحظ أمسك بها وضرب معدتها بقوةٍ قبل أن تلتف يده
حول رقبتها ويدفعها نحو صخرةٍ خلفه لترتطم بها رأسها بقوة.
حاولت تخليص نفسها بركله، ولكنه أشهر مخالبه
وغرزها داخل معدتها.
صاحت بألمٍ وبسرعة أمسكت رقبته وضغطت عليها تحول
التحكم بالهواء داخل جسده، ولكنه لم يسمح لها وقام بثني يدها حتى كادت تكسر وألقى
بها لترتطم بالأرض
الصلبة.
التوت حول نفسها تحاول تخفيف الألم الذي مزق
معدتها وحاولت الزحف بعيدًا عنه، ولكنه اتجه نحوها بسرعةٍ ممسكًا بشعرها ورفع
جسدها ليرفع يده عاليًا مستعد لتمزيق رقبتها بأظافره.
شعرت جلنار بالسخط لفكرة أنها تركت مخلوقًا كهذا
يقضي عليها، أمسكت ذراعه وبيدها الأخرى أمسكت برقبته بقوةٍ وضغطت عليها حتى بدأت تشعر بجريان الدماء داخله.
قدرتها على الرؤية تخطت الحدود عندما تمكنت من
رؤية كامل تفاصيل أعضائه الداخلية وجريان الدماء داخل عروقه ونبضات قلبه.
أبعدت القميص عن عينها لتفتحها وتظهر بيضاء
بالكامل وتنظر لعيني السيرين الذي أصابه الفزع عندما شعر بشيءٍ خاطئ يجري بجسده.
كانت جلنار في هذه اللحظة تتحكم بكل السوائل التي
تتحرك داخله، بداية من الماء، حتى الدماء.
تركت عنقه ليسقط أرضًا ويرفع رأسه لينظر نحوها،
رفعت يدها نحوه وشعرت بجميع تلك السوائل تحت تحكمها، وبحركةٍ واحدة تحكمت بحركة دمائه لتخرجها جميعها من داخل جسده.
أنفه، فمه أذنيه وعينيه،
جميعها كانت تنزف بشكلٍ مرعب حتى اختلطت الدماء بالماء حولهما وسقط ميتًا.
الكتاب تحرك نحوها وشطب على مهمة (اقتل السيرين
الشيطاني لورانيس) قبل
أن تظهر صفحةٌ جديدة أظهرت المزيد من المعلومات عن
المهارة التي أتقنتها جلنار: (إدراك خاص بالسوائل)
استطاعت جلنار فهم تلك المهارة، من الصعب الوصول
إليها كما أنها تساعد المتدرب على تحكمٍ أسهل بعنصر
الماء، يمكن لمتقنها الشعور بكامل السوائل في الطبيعة بدايةً من الموجودة داخل
أجساد من حوله إلى الأشجار والنبات والمخلوقات الأخرى، وكلما استعملتها أكثر تمكنت
من التحكم بها أكثر.
التفتت نحو الضوء الذي جذبها منذ البداية ولم تكن
إلا لؤلؤةً بيضاء ضخمة، ما أن لمستها تحطمت لتظهر داخلها الكثير من اللآلئ السوداء
الصغيرة.
جمعتها داخل جيبها لتشطب المهمة الأخيرة من الكتاب
ويظهر أمامها الخيارين، إما الخروج أو قبول مهمة أخرى.
نظرت للوقت الذي قضته هنا لتجد أنها قضت
ثلاث ساعاتٍ ونصف.
حسمت أمرها واختارت قبول مهمةٍ أخرى؛ فما زالت تملك بعض الوقت
للعودة، كما أنها ليست جاهزةً لمواجهة أتريوس
الآن.
بوابةٌ زرقاء فُتحت أمامها لتعبر من خلالها على
الفور.
اندفع جسدها فوق أرضيةٍ يابسة وأخذت نفسًا عميقًا
مستمتعةً بسهولة التنفس خارج الماء، نهضت على قدميها وهي تحاول التخلص من الماء الزائد
بعصر ملابسها وحدقت بالأرجاء تحاول تبين أين هي، كانت تقف داخل مدينةٍ مهجورة، التفتت خلفها حيث أُغلقت البوابة ليتبعها الكتاب مظهرًا
أوامر جديدة.
هذه المرة كانت مختلفةً عن سابقتها؛ فقد كان من
المفترض منها أن تبحث عن فرائسها، لا العكس، عليها إيجاد مخلوقات جيدةٍ في الاختباء داخل هذه الأبنية وتقوم بقتل ألفين منهم، ولكن في خلال أربعين دقيقة فقط تبدأ
من الآن.
لم تكن جلنار تعرف ما سيحدث إن لم تنفذ مهمتها في خلال
الأربعين دقيقة ولم ترد معرفة ما قد يحدث إن انتهى الوقت قبل أن تنتهي هي.
جسدها كان في حالته الطبيعية وجروحها بالكامل قد
شُفيت، كأنها لم تكن تخوض قتالًا
قبل قليل ضد سيرين متوحش، وأظهر الكتاب أن قبول مهمةٍ جديدة تأتي معه بعض المزايا
كشفاء الجسد وأعراضٍ
كالإرهاق والتعب.
كانت جلنار تركض وتبحث حولها، لكنها لم تجد أي
مخلوقٍ غريب في المكان؛ لذلك قررت البحث داخل
الأبنية العالية.
استعملت الرياح لتحملها بسرعةٍ عابرةً الطوابق
ذات النوافذ المحطمة لتنظر داخلها، ابتسمت عندما رأت مخلوقين أشبه بالكلاب
المسعورة ولكنهما يملكان قوائم شبيهة بالبشر؛ فقد كانا يقفان على قدمين ولكن ظهريهما منحنيان.
زمجرا في وجه جلنار قبل أن تقفز
للهجوم عليهما، وقتلت الاثنين بسهولة. كانت هذه المهمة الغرض منها ليس التمرن على قوة القتال؛ فهذه
المخلوقات ضعيفة، ولكن الغرض منها السرعة.
أخذت جلنار نفسًا قويًا وأغلقت عينها لتتمكن من
رؤيةٍ أوسع لمحيطها، ابتسمت عندما رأت أربعة أبنيةٍ يختبئ داخلها تقريبًا
ثلاثون من هذه المخلوقات لتتمتم: "أمسكت بكم".
صنعت صخرةً كبيرة ودفعتها لتحلق بالرياح لتأخذها
حيثما تشاء كلوحٍ طائر.
بدأت في قتل تلك المخلوقات واحدًا تلو الآخر
بسهولةٍ وأصبحت تسابق الوقت لتنتهي.
سحقت قلب أحدهم بالضغط عليه مستعملةً تحكمها في الهواء،
ثم نظرت لعينه السوداء بالكامل قبل أن تنغلق ويسقط
ميتًا.
وجدت نفسها تفكر مجددًا في أتريوس وليلة الأمس.
كانت أكثر فكرةٍ ترعبها هي اتهامه
بالخيانة، لأن ذلك لن يكون فقط اتهامًا بالخيانة، بل سيكون اتهامًا لها
بالسذاجة التامة…
فقط لا يمكنها سوى التفكير في نظرات السخرية من
الآخرين بينما يتهامسون: "تلك الساذجة وقعت في حب
رجلٍ قام بخداعهم جميعًا".
بدأ جسدها يصبح أسرع وقتالها يصبح أكثر وحشيةٍ
بينما تتمتم: "لا تفكري بهذه الطريقة، توقفي عن التفكير بهذه الطريقة، هذا
يكفي، توقفي عن هذا...".
كانت تحاول إسكات عقلها الذي تحول لشاشة عرض، أسوأ
شاشة عرض؛ فتارةً تعرض صورًا وهمية للآخرين يقومون باتهامها والضحك والسخرية من حالها، وتارةً أخرى تعرض جميع ذكرياتها الجيدة مع أتريوس.
ذكريات لشخصٍ من المستحيل أن يكون وحشًا، شخص قد
يظهر كشريرٍ أو يحاول الظهور كواحد ولكنه أفضل من هذا بكثير، فقط إن تعرفت عليه.
"تبًا لك، أتريوس، أيها الأحمق. تبًا لك، أيها الغبي،
اللعنة…" ظلت تشتمه بكل
شتيمةٍ تعرفها، لقد وضعها في موقفٍ لا تحسد عليه، بينما هي تعذب نفسها بالتفكير هو
مرتاح البال في الجهة الأخرى.
....
في مكانٍ آخر بعيدًا عن تدريبات جلنار القاسية…
كان الفرسان قد استيقظوا من وقتٍ قريب وبدأ كل منهم يتناول فطوره ويلقي بقلقه على الطاولة أمام
الجميع حتى يشعر أنه ليس الوحيد الذي يشعر بالتوتر.
سكان الحدود كانوا يلاحظون أن شيئًا ما
سيحدث اليوم؛ فالتجهيزات
تحدث في أكبر ساحات الإلترانيوس في الأرض الملكية ويمنع على العامة أو سكان الحدود
تخطيها إلا في مناسباتٍ خاصة جدًا أو عندما يلقي
الملك خطابًا مهمًا.
كانت إيفولا ابنة التاجر ديكاري تبذل أقصى ما في
وسعها للحفاظ على ثباتها وقوتها قبل أن تقوم بحشد سكان الحدود أجمع لتتحدث بصوتٍ
عالٍ وتخبرهم أنه في
خلال هذا اليوم سيكون عليهم الاستماع للفرسان.
أخذت أنفاسها وثبتت بموقفها عندما بدأت الاعتراضات
الغاضبة تترامى عليها وحدها، حتى عندما نعتت بالمجنونة تماسكت ونظرت لوالدها الذي
لم يفتح فمه ونظر نحوها بثباتٍ وثقة؛ فهو يعلم
ابنته، ويعلم أنها إن أرادت فعل
شيءٍ ستفعله.
أخذت نفسًا ونظرت لهم بغضبٍ وبدأت في إقناعهم،
أخذت بطرح الأسباب، بامتصاص غضبهم وبزرع الشك داخلهم ناحية نوايا النبلاء منذ البداية...
وقد كانوا يعلمون كل هذا، ولكنهم فقط بحاجةٍ لحبل
قوي من الثقة ليتمسكوا به.
بينما في الغابة بعيدًا عن منزل الفرسان كان
أتريوس يجلس فوق إحدى الصخور أمام البحيرة الموجودة داخل الغابة.
كان يفكر في الكثير من الأشياء، الكثير من
المخاوف، لأول مرة لا يعلم ما عليه أن يفعل…
لأنه وللمرة الأولى منذ وقتٍ طويل يشعر بخطورة
فقدان أحدهم.
تنهد ونظر للورود الصغيرة البيضاء الموجودة حول
المكان، أمسك واحدةً بين يديه ونظر نحوها لمدةٍ قبل أن يلمس أوراقها
بأطراف أصابعه لتتحول للونٍ أسود بالكامل في ثانية…
لكنها لم تذبل.
حدق بها لوهلةٍ قبل أي يضعها فوق سطح الماء لتطفو
بعيدًا عنه.
نظر لكفيه اللتين ارتجفتا ما إن تذكر ما حدث يوم الأمس، لقد ارتعب لفكرة أنها قد تموت وتناسى تمامًا قدرتها على
إنقاذ نفسها هذه المرة…
لم يتمالك نفسه حينها وقد شعر أن يومها الأول يمر
عليه، ولكن بدون أغدراسيل يحلق
فوقهما وتصرف بتلقائية.
حك ذقنه وفكر أن ردة فعل جلنار كانت عادية، إن
حقًا رأت حقيقته كان من المؤكد بالنسبة له أنها ستقوم بقتله أو تسليمه أو على
الأقل تقييده حتى تعرف كل شيءٍ عنه، ولكنها بدت طبيعيةً
جدًا.
بالرغم من أنها بدت مشوشةً بعض الشيء هذا
الصباح فإنه أسند هذا لسبب ما يجب عليها فعله
اليوم، فالحديث أمام الممالك كلها قد يغدو قاتلًا بعض الشيء.
عقد حاجبيه وتجمد لثوانٍ بينما يفكر، كيف ستكون حقًا رد فعل
جلنار الحقيقي إن عرفت
حقيقته؟
....
يد جلنار انتزعت قلب المخلوق أمامها والتفتت لتفصل
رأس الآخر عن رأسه "أتريوس، أيها اللعين".
صرخت بغضبٍ قبل أن تلكم وجه مخلوقٍ آخر هاجمها من
الخلف، كانت تتعمد القتال اليدوي حتى تفرغ طاقتها بالكامل عليهم عوضًا عن تفريغها
على أتريوس.
"لمَ لم تخبرني بحق
الله؟" صرخت ممسكةً بعنق واحد منهم لتكسره وتلتف للآخر وتقوم بتحطيم فكه
بقدمها وكل ما تراه أتريوس وهي تقوم بتحطيم عظامه.
توقفت أخيرًا عندما سقطت تلك المخلوقات المصابة
بالسعار قتلى وهي تقف بينهم
مغطاةً بالدماء تلتقط أنفاسها
بصعوبة.
الوقت في الكتاب انتهى وقد قتلت العدد كاملًا قبل
خمس دقائق من النهاية.
جلست فوق الأرضية ونظرت ليدها المغطاة بالدماء
لتجمعها كقبضةٍ وتقول بينما تكاد تحطم أسنانها من الضغط عليها: "أكرهك، أيها الغبي".
نهضت واقفة عندما لاحظت الشخص الذي تحرك من بين
الأبنية المحطمة والمهجورة نحوها، عقدت حاجبيها عندما لاحظت أنها امرأةٌ وتملك
شكلًا آدميًا مختلفًا
عن تلك الوحوش…
إلا أن عينها بالكامل حمراء وأظافرها
طويلةٌ وحادة بعض الشيء.
رفعت تلك المرأة حاجبًا وقالت بنبرةٍ آسفة مصطنعة:
"لقد قتلتِ كل أولادي، أيتها المتوحشة". رفعت نظرها لجلنار بشرٍ خالص
وتحولت نبرتها لأخرى حاقدة: "سأذبح هذا العنق".
لم تلحظ جلنار السرعة التي تحركت بها المرأة وقلصت
المسافة بينهما بها، إلا أن حواسها كانت جيدة جدًا واستجابتها الدفاعية جعلتها
تقفز للخلف لتتجنب
قبضة المرأة التي حطمت المكان الذي كانت جلنار تقف فيه.
التفتت للكتاب الذي أظهر صفحةً جديدة مع مهمةٍ
جديدة وهي: (القضاء على إنداراليا ساحرة العالم الموازي)
"أوه، ساحرة! رائع" تذمرت جلنار قبل أن تتجنب بسرعةٍ
الأعمدة الخشبية التي كانت تتحكم بها الساحرة وتقوم بإلقائها نحو جلنار.
ردت جلنار الهجوم بآخر لتقوم بتقييدها
مستخدمةً الكثير من الجذور وتوجه نحوها موجةً حادة لقطع رأسها، لكنها أفلتت
بسهولةٍ لأن الموجة لم تصبها بأي أذى.
نظرت جلنار ليدها وتمتمت: "ما اللعنة؟".
رفعت رأسها بسرعةٍ وحركت ذراعها لتصد قبضة الساحرة
والتي كانت متشكلةً ككرةٍ من الأشواك وقامت بمحاولةٍ لكسر ذراعها بقوة وقفزت
بعيدًا.
ابتسمت الساحرة بكل برودٍ ونظرت لذراعها المكسور
بشكلٍ سيء لتبدأ في العودة لشكلها الطبيعي وتلتئم العظام مجددًا.
كرمشت جلنار وجهها لصوت العظم: "هذا مقزز، لا تفتخري به".
التفتت للكتاب عندما بدأ بإظهار تعليمات جديدة: الساحر لا يهزمه إلا السحر، ولن تؤثر فيها ضربات العناصر.
صفحات الكتاب بدأت تتغير فجأة وتحول لونها لبنفسجي
مزخرفٍ بالأسود وأصبح أمام جلنار ككتاب تعاويذ يساعدها.
"لمَ لم تفعل هذا من
البداية؟" هتفت باستهجان، ولكنها ما لبثت حتى حلق جسدها مبتعدًا بسبب تحكم
الساحرة بجسدها وإلقائه بعيدًا ليدمر أحد الأبنية.
أبعدت جلنار الأنقاض عن جسدها ونهضت بغضبٍ وقامت
بمحاولةٍ لإبعاد الغبار عن ملابسها "حسنًا، لقد أثرت غضبي، أيتها الشمطاء".
حركت يدها فوق الكتاب وفكرت بالقوة التي تحتاجها
لتظهر أمامها تعويذةٌ لإشعال نيران تؤذي الساحرات، ابتسمت بشكلٍ ساخر وقالت:
"أهلًا بكِ في عالم البشر، هكذا كنا نتخلص من المشعوذات قديمًا".
نظرت للكتاب لتحرك يدها نحو الساحرة وتنطق بسرعةٍ
التعويذة: "فايرلان إناميوران بيستا إيك". نيران بنفسجية أحاطت الساحرة فجأة
وأعطت جلنار وقتًا للنظر جيدًا لكتاب وأخذ فكرةً
سريعة عن التعاويذ فيه.
"يعجبني هذا" غمغمت وهي ترى عدد التعويذات واستخداماتها،
وبسرعةٍ التفتت نحو الساحرة التي خلصت نفسها من النيران وقفزت نحو جلنار مستعدةً
للإنقضاض عليها لترفع جلنار يدها وتصيح: "كاندير نوتيفياتوس!".
تجمد جسد الساحرة لثوانٍ سمحت لجلنار بلكم وجهها بقوة وركل معدتها لتندفع بعيدًا.
بدأت معركةٌ بينهما باستخدام تلك التعاويذ التي
كانت تعيق خصم جلنار، ولكنها لم تكن تقضي
عليها، لم تتمكن من استخدام تعويذةٍ أقوى لأنها لم تتمكن منها بعد وكانت تعتمد على
التعويذات الضعيفة في الكتاب
فقط.
مهاجمتها المستمرة أغضبت الساحرة لتقوم بإلقاء
تعويذةٍ ضخمة بدلت المكان حولهما
لتجد جلنار نفسها في مكانٍ مظلم لا شيء فيها سواهما.
"استمتعي بالظلام يبتلعك" قالت الساحرة لتتسع عينا جلنار
عندما فهمت ما ستفعله، وقبل أن تمنعها كانت الساحرة قد اختفت وتركت جلنار وحدها.
الوجود في الفراغ والظلام كان ليكون مفزعًا لأي
شخص، مهما حاولت الركض أو السير لن تصل لمكانٍ ولن
ترى شيئًا سوى السواد من حولك.
انحنت جلنار ممسكةً بركبتها والتقطت أنفاسها بسبب
القتال بينهما قبل قليل قبل أن ترفع رأسها وتنظر حولها بتمعن.
زمت شفتيها لثوانٍ قبل أن تقول محدثةً نفسها: "بعد تفكير، لا أجد وجودي في مكانٍ
مظلم مرعبًا جدًا… عزيزتي، أنا واقعةٌ في حب شابٍ يعيش داخل الظلام ويستمد قوته منه، أتظنين أنكِ ستعنين أي شيءٍ لي بعد ما فعله ذلك اللعين؟".
زفرت ونظرت للكتاب الذي أظهر تعليماتٍ جديدة
دفعتها للهتاف بحنق: "رائع!".
كل خمس دقائق تقضيها في هذا العالم الفارغ الذي
صنعته الساحرة يستنفذ قوتها الروحية والجسدية، أي أن الساحرة تقتلها ببطء.
جلست بهدوء ونظرت للا شيء الذي حولها في كل مكان،
لا توجد تعويذة قد تساعدها في الخروج من هنا، هذا ليس ظلامًا فقط، إنما فراغ.
نظرت جيدًا بين التعاويذ ولم تجد سوى واحدةٍ قوية
لكسر الظلام والفراغ عليها استخدام النور فيها، ولكنها تعويذةٌ لا يمكن إلا
لساحرةٍ ذات مستوى بارع بتنفيذها.
قرأت نص التعويذة بعينها قبل أن تأخذ نفسًا قويًا
وتقرأه بصوتٍ عالٍ.
الألم الذي ضرب جسدها دفعها للتوقف واحتضان نفسها
بينما تتأوه بألم، وكأن مئات الأسواط كانت تضرب جسدها.
حاولت التحمل والهدوء مجددًا وأغمضت عينها بهدوء
تتذكر حديث الحكيم الأكبر عن قوتها وجسدها الأشبه بوعاء مرن…
الهدوء الكامل من حولها وإغماضها لعينها ساعداها على الشعور
بشيءٍ مختلف، لقد بدأت تشعر بمسرى الطاقة داخل جسدها،
حتى أنها
يمكنها أن تميز أماكن القوة التي تجتمع فيها طاقة كل عنصرٍ في جسدها؛ فقد كان كفيها
مجمع لطاقة الرياح، في حين قدميها كانتا تسري بداخلهما قوة عنصر الأرض بشكلٍ أعلى…
قوة الماء كانت تجتمع داخل عنقها ورأسها، والنار في منتصف صدرها، كانت مراكز القوة الأساسية داخل جسدها، تندمج
وتسير معًا مكونةً طاقة أكبر تتحرك بشكلٍ شبه فوضوي وغير منظم…
هذا ما كان الحكيم الأكبر والحكيمة يتحدثان عنه.
بدأت جلنار بعملية تنفسٍ منتظم من الشهيق والزفير؛
فخبرتها كطالبة طب وكشخصٍ مهتم بالقراءة في جميع الأمور الخاصة بالجسد ساعدتها في
معرفة أن التنفس يعتبر عمليةً علاجية أكثر من كونها
روتينية.
كلما تنفست بشكلٍ أفضل تمكنت من التحكم
بمشاعر داخليةٍ كالغضب
والتوتر والسعادة والقلق، وحتى الحزن، جميعها مشاعر مشابه للقوى التي تمتلكها
الآن، وكلما تنفست بشكلٍ صحيح وبتركيز استطاعت التحكم فيها.
كانت تشعر بتضارب القوة داخل جسدها يصبح أكثر هدوء
وانتظام، حتى أنها شعرت بقدرة أكبر على التحكم بمراكز قوتها وتحريكها كيفما تشاء.
نظمت سير الطاقة داخل جسدها ووزعتها بالتساوي على
جميع الأطراف قبل أن تبدأ بنطق التعويذة مجددًا وبهدوء أكبر.
عقدت حاجبيها للألم الذي أصابها عندما بدأت تشعر
بالطاقة تصبح أكبر كلما أكملت التعويذة، ولكن هذه المرة كلما
تضخمت الطاقة في مكانٍ معين داخل جسدها تقوم بتوزيعه بالتساوي لتصبح الطاقة
متساويةً في أطراف جسدها.
بدأت التعويذة ترتسم على كامل جسدها كضوءٍ أبيض،
كلمات بلغة السحر الأسود كانت تملأ
جسدها، حتى رقبتها ووجهها.
ومع نهاية نطقها للتعويذة فتحت عينها التي تحولت
لأخرى بيضاء بالكامل وضرب الضوء المكان ليبدأ بتمزيق الفراغ.
الساحرة بالطرف الآخر شعرت بتوعكٍ داخل
معدتها قبل أن يبدأ الضوء بغزو جسدها بالكامل ليمزقه
إلى أشلاء حتى ملأت المكان صراخًا.
تحول جسدها للرماد بالكامل ليتحطم العالم الفارغ
الذي صنعته لجلنار وتعود للبعد الذي كانت داخله سابقًا.
نظرت حولها حيث بقايا جسد الساحرة كان منتشرًا في
المكان كرمادٍ لورقة احترقت للتو.
التعاويذ على جسدها بدأت تختفي ببطء…
لكن تحكمها بالطاقة داخل جسدها كان أكبر بكثيرٍ
وأضخم مما كان عندما دخلت للبوابة.
الكتاب الخاص بها شطب المهمة، وكان أمامها خيارين:
إما العودة أو البقاء.
أخذت نظرة سريعة للوقت لتجد أنها استنزفت يومًا
وست ساعات هنا…
لقد غابت عن الواقع لـخمس ساعات تقريبًا ومن
الأفضل لها أن تعود
الآن قبل أن يُصاب أوكتيفيان بالفزع.
اختارت العودة لتفتح البوابة أمامها وتخرج منها
لحيث كانت سابقًا، وضعت الكتاب داخل الحقيبة وتوجهت للمنزل، كادت تفتح الباب لتلج
للداخل، ولكن صوته أوقفها ودفعها لتتجمد…
"تبدين وكأنكِ خرجتِ من الجحيم!" التفتت تنظر لأتريوس
الذي وضع كفيه داخل
جيوبه ونظر نحوها وأحد حاجبيه مرفوعٌ بتعجب.
نظرت سريعًا لنفسها لتلاحظ أن ملابسها شبه ممزقةٍ والدماء
تملأها بسبب
قتالها الوحشي.
رفعت رأسها لأتريوس وقالت بسرعة: "كنت أتدرب، وداعًا". كاد يقول شيئًا ولكنها لم تترك له فرصةً وفتحت
الباب منطلقة إلى الدرج ومنه إلى غرفتها.
نظر الفرسان حيث دخلت جلنار للتو بصدمة. "لمَ كانت تركض؟" سأل زوندي ليرفع الجميع كتفيه بعدم فهمٍ ويكمل
كلٌ منهم تناول طعامه.
زم أتريوس شفتيه وكتف ذراعيه وعينه ثابتةٌ حيث
كانت تقف للتو. "ما كان هذا؟" تمتم وهو يتذكر ذلك الشعور للتو، الضغط في
الهواء حولهما كان قويًا، وكأنه يقف أمام شخصٍ ذي
قويةٍ ليست عادية، جلنار حتى يوم الأمس كانت لا
تبعث هذا النوع من الشعور على الإطلاق، ولكن الآن...
حاول إلقاء هذه الأفكار في مؤخرة رأسه، فمن الجنون
أن تزداد قوة شخصٍ ما في خلال يوم بهذا الشكل.
ولج للمنزل وأغلق الباب من خلفه واتجه للمطبخ
ليحصل على زجاجةٍ من الماء البارد.
توقف لوهلةٍ ونظر لشاشة العرض المجسمة حيث بدأت
أخبار جديدة تُعرض عليها، التفت الجميع لشاشة التي كانت تظهر صورةً حية لأكبر ساحةٍ في الإلترانيوس حيث تم نصب منصة ضخمة و كاميرات
البث أصبحت تسجل في كل مكانٍ داخل وخارج المملكة.
الجميع يتحدث عن سبب هذه المنصة ويتناقشون حول
البشر ووجودهم وإن كان اليوم هو اليوم الذي ستُعرض فيه الحقيقة…
الجميع كان يتحدث عن الأمر، مما جعل شعور التوتر
لديهم يصبح أكبر.
تحرك أتريوس وأغلق الشاشة ونظر للجميع بجديةٍ
قائلًا: "لا تدعوها ترى
هذا". كان يقصد جلنار بحديثه وقد
فهم الجميع هذا ليتبادلوا النظرات ببعض القلق، ولكن لم
يعترض أحد.
زفر أغدراسيل وهو ينظر بانزعاجٍ لأتريوس، لا تعجبه تصرفات أتريوس حول جلنار وكأنها تحت تصرفه فقط!
نهض من مكانه ومر من جوار أتريوس نحو الدرج في نية
الصعود للحديث مع جلنار، لم يكن من الصعب على
أتريوس معرفة هذا وظل يحدق بظهره بينما يصعد الدرج ببرود.
في جهةٍ أخرى كان يوجين يملأ الغرفة بتذمره لأن جلنار ذهبت للتدريب
وحدها دون أن توقظه، خرجت
جلنار من المرحاض وهي تعدل ملابسها والتقطت الجاكيت الأسود المصنوع من الجلد لتدرتيه.
جلست فوق السرير لتقوم بإحكام رباط حذائها ذي الرقبة
الطويلة، ثم رفعت رأسها ليوجين وقالت على مضض:
"أردت أن أشتت نفسي لبعض الوقت، يوجين".
كتف ذراعيه ونظر نحوها قائلًا: "تبدين مشوشة!
تعلمين أنه ليس عليكِ القلق حول ما سيحدث اليوم، فقط اصعدي وقولي الحقيقة للجميع
وليحترق المكان بعدها، تلك ليست مسؤوليتكِ".
رفعت حاجبًا نحوه ليرفع كتفيه ويقول: "ماذا؟ لن تتحكمي بكل ردود الفعل بالتأكيد".
صمتت لوهلةٍ وهي تفكر بكم هو محق، ولكنها تفكر أيضًا بشخصٍ آخر بعثر كل أفكارها تمامًا.
نظرت ليوجين تحاول توقع رد فعله إن أخبرته بما
حدث، ولكنها تعرف جيدًا أن إخبار يوجين عن هذا خاصةً هو قرار غبي؛ لذلك احتفظت به لنفسها، حاليًا على الأقل.
التفتت نحو الباب عندما سمعت صوت الطرقات عليه
لتسمح للواقف خلفه بالدخول.
دلف أغدراسيل للغرفة مبتسمًا وقال: "لا
تخططين للهرب، صحيح؟". ابتسمت وردت قائلة: "تبدو فكرةً جيدة،
ولكن لا أريد الموت على يد أوكتيفيان والأميرة".
اقترب منها أغدراسيل وجلس بجوارها وقال بجدية: "ستتغير الكثير من الأمور الآن". فركت يديها معًا ببعض
التوتر وقالت: "أعلم، لكن حان
الوقت لنخطو بجديةٍ لإنهاء هذا".
نظر نحوها لوهلةٍ يراقب طريقتها في أخذ أنفاسها ومحاولة تمالك نفسها وتهدئة روعها "سنكون جميعًا هناك، خلفكِ
تمامًا ولن نسمح لشيءٍ سيء بالحدوث لكِ". رفعت حاجبًا مبتسمةً وقالت:
"هل أبدو لك كشخصٍ لن يتمكن من الدفاع عن نفسه؟". قهقه وقال: "قد
تكونين أي شيءٍ إلا هذا".
في الواقع قالها كمزحة، ولكنه كان يدرك مدى حقيقة
هذه المزحة، فبالنظر لجلنار ومقارنتها بأول يومٍ لها هنا إنها مختلفة تمامًا، ليس
فقط كقوةٍ جسدية، وإنما كشخصيةٍ أكثر قوةً وثقة وحدة.
"هل جهزتِ خطابكِ إذًا؟" سأل وهو يبحث حوله عن ورقةٍ أو
ماشابه، لكنه تفاجأ عندما كررت جلنار ببعض الاستغراب: "جهزت؟". رفع
حاجبًا وسأل: "ألم تجهزي شيئًا
لقوله؟". حركت رأسها للجانبين وصمتت قليلًا تنظر لأصابع يدها قبل أن ترفع
رأسها بنظرةٍ واثقة وتقول:
"لست بحاجةٍ إلى تحضير شيء، أريد فقط التحدث بما أفكر، أريد
قول الحقيقة فحسب"
كان لا يشعر بالابتسامة الصغيرة على ثغره وهو
يحدق بها، كان مفتونًا كليًا بهذه الشخصية والنظرات، ولكنه يعلم أنه أمرٌ غير صائبٍ من كافة النواحي؛ لذلك كتمه لنفسه… حاليًا.
"في حال شعرت أنني سأفر هاربة أرجوك منعي" قالت وهي تبتسم ببعض
القلق لتتسع ابتسامته ويقترب ليحتضن جسدها مربتًا على ظهرها بخفةٍ ويقول: "لن تفعلِي، لا أظنك
النوع الذي قد يهرب من ساحة المعركة".
ابتسمت وبادلته العناق القصير، تشعر ببعض الارتياح.
"أتريدان موسيقى في الخلفية وبعض الشموع؟" ابتعد الاثنان ونظرا
نحو الباب حيث يقف أتريوس مكتفًا ذراعيه مستندًا على حافة الباب.
"تبًا! لقد سرق جملتي الساخرة التي كدت أقولها" هتف
يوجين بانزعاجٍ ونظر لأتريوس بطرف عينه بحقد.
"ستكون تلك لمسةً لطيفة منك"
لا يعرف أغدراسيل كيف خرجت هذه الجملة الساخرة منه، إنه شخصٌ عقلاني وغالبًا كان ليدحرج عينيه أو يلقي كلمةً تنهي أتريوس عن مضايقته ويذهب، لكنه كان
حانقًا بسبب قرب أتريوس من جلنار.
لم يرَ
أن له أي أحقية في هذا؛
فهو الشخص الذي حاول قتلها في المقام الأول حتى وإن كان المقصد التخويف، لكنه كان
أفظع شخصٍ بين الجميع.
أتريوس رفع حاجبًا وقابله أغدراسيل بنظراتٍ هادئة
ساخرة. "اخرج" الجملة
التي خرجت جافة وقاسية من بين شفتي أتريوس دفعت جلنار لرفع حاجبيها بدهشة.
"لا أظن أن صاحبة الغرفة طلبت مني هذا ولا أذكر أنها سمحت لك بالدخول أيضًا" قال أغدراسيل بلا مبالاة بينما كانت جلنار تبدل
نظرها بينهما بتوتر. "الجو ثقيل لدرجة أنه يمكنني قطعه بضربة الضوء
خاصتي" همس يوجين بجوار أذن جلنار وهو يفرك يده بحماس.
"لن أكرر ما قلته مجددًا"
أجفلت جلنار لنظرته الباردة والتي يمكن وصفها
بالقاتلة في هذه اللحظة نحو أغدراسيل والذي يبدو لجلنار كشخصٍ لم يدرك خطورة أتريوس بعد.
ابتلعت جلنار وحاولت الابتسام وهي تتذكر ما حدث في
الأمس وقالت: "لا أرى مشكلةً في وجود أغدراسيل، أعني... أنا لا أريد منه
الخر..." ابتلعت جملتها عندما شعرت بتلك الهالة تزداد وقد وجه نحوها نظرةً
حادة جعلت رغبة القفز من النافذة داخلها تكبر.
قرر أغدراسيل تجاهله ووجه نظره نحو جلنار وكاد
يمسك بيدها ليحثها على النهوض، لكنه سُحب فجأةً لينهض وأتريوس ممسكٌ بمقدمة ملابسه بقوة. "لا… تلمسها" ضغطت على أسنانها بينما
تخرج كل كلمةٍ من بين شفتيه بغضب.
هذا لم يكن أول شجارٍ ينشب بينهما، لقد
كان الأمر معتادًا لدرجةٍ تجعل الجميع يزفر
بمللٍ عندما يبدأ هذا، وقد كان أغدراسيل معتادًا
على الأمر بشكلٍ كبير، لكنه المرة تجمد.
الضغط الذي شعر به ونظرة أتريوس التي تكاد تخلو من
أي نوع من المشاعر الجيدة جعلت أنفاسه تتوقف لوهلةٍ وقد تذكر ما حدث الليلة
الماضية.
لقد شعر لوهلةٍ بأن حياته مهددة مجددًا وكأنه أمام
عدوٍ من الصعب الفوز أمامه، ولكنه تمالك نفسه وأمسك معصم أتريوس وصاح: "ماذا
تظن نفسك فاعلًا بحق
الإله؟".
نهضت جلنار من مكانها بسرعةٍ وصاحت:
"أتريوس، توقف!".
"أغدراسيل، اخرج" قالت بسرعةٍ عندما شعرت بالفزع وهي تلاحظ أن أتريوس
يكاد يفقد سيطرته على نفسه، نظر نحوها أغدراسيل
بتفاجؤ، لكن الرجاء في عينها جعله يكتم غيظه
ويبعد يدي أتريوس بقسوةٍ ليخرج من الغرفة.
وجهت جلنار نظرها لأتريوس بغضبٍ وقالت، "لا تتجاوز حدك معي، أتريوس! لا يحق لك معاملة
أصدقائي بهذه الطريقة، أنت لا تملكني".
التفتت واتجهت نحو الباب ممسكة بمقبضه وفتحته
تنوي الخروج، لكنها أجفلت عندما ارتطم
كف يده بالباب ليغلقه مجددًا.
التفتت نحوه بغضبٍ تنوي الصراخ في وجهه، لكنها تراجعت
عندما رأت ذلك التعبير الخالي من المشاعر.
عينها سريعًا اتجهت ليوجين الذي كان يراقب الوضع
بتركيزٍ قبل أن يلاحظ نظراتها ويقول: "ماذا؟". دحرج عينيه
وانخفض كتفاه عندما فهم مقصدها "حسنًا يا
عصفورا الحب، سأخرج، أتمنى أن يقوم بتعليقك على إحدى الأشجار في الخارج وحينها ستصرخين قائلة: ساعدني، يوجين".
"ما الذي تحاولين فعله؟"
عينها اتجهت نحوه مجددًا وتراجعت لتلتصق بالباب
عندما لاحظت المسافة الشبه منعدمة بينهما. "لا أفهم عما تتحدث" تظاهرت
بالغباء، لكنه لم يتزحزح لثانيةٍ وظل يحدق بوجهها وقال: "صدقيني هذا أسوأ وقتٍ
تتظاهرين فيه بالغباء".
أبعدت نظراتها عنه وقالت: "أنا حقًا لا أملك
وقتًا لهذا، أتريوس، هناك مهمةٌ أكثر أهمية علينا إتمامها". تجنبت الحديث ووضعت
يدها فوق صدره تدفعه للابتعاد حتى تخرج.
نظر لعينها لثوانٍ قبل أن يمسك بكف يدها ويسحبها نحوه مسببًا تصاعد توترها وبالكاد
يمكنها التنفس.
يده الثانية وجدت طريقها نحو وجنتها ليداعبها
وصولًا لفكها ورقبتها، شعرت بقلبها يكاد يتوقف وبالكاد تستطيع التركيز فيما يحدث
حولهما.
"أخبريني لمرةٍ واحدة وبصدق…" همس بينما عينه
تتردد بين عينيها.
"جلنار، ما بيننا... حبٌ أم خوف؟"
نظرت لعينيه في تلك اللحظة، التبدل الكامل لحالته
ونظراته، الرجاء داخلهما جعلها تدرك كل شيءٍ في هذه اللحظة.
ابتسامةٌ صغيرة وجدت طريقها
لثغرها قبل أن ترفع يدها لتضعها فوق وجنته وتنظر لعينيه بثبات.
لا تعلم كيف اكتسبت الجرأة أو الشجاعة لقولها، لا تعلم
كيف تحملت نبض قلبها الجنوني وارتجاف يدها، لكنها كانت تتصرف بتلقائية.
بعد يومٍ كامل من التخبط والتساؤلات، فقط عندما
نظر لعينيه وسمعت تلك النبرة عرفت إجاباتها كاملة…
"أنا أحبك، أتريوس"
حاولت تمالك نفسها حتى لا تفقد أنفاسها
وأردفت بهدوءٍ مخالف لحالتها النفسية: "أعرف أنني واقعةٌ لك بالكامل، والخوف منك ما هو إلا أحد المستحيلات بالنسبة لي، أيها
الأحمق".
صمتت لثوانٍ قبل أن تقول: "إنه
دورك الآن لتعرف ما
الذي تشعر به بالضبط، أتريوس".
ثم ابتعدت عنه والتفتت لتفتح الباب
وتخرج من الغرفة.
كف يدها وجد مكانه فوق صدرها وكأنها تهدئ نبضها
وهي تتنفس بصعوبة، وملامح الصدمة ارتسمت على وجهها قبل أن تتحول لابتسامة، ابتسامة أصبحت ضحكةً سعيدة، غطت وجهها وتمتمت:
"ما الذي فعلته للتو؟".
لم تشعر جلنار بسعادةٍ كهذه من قبل، لقد أدركت
للتو وأيقنت ما هو أكثر شيءٍ كان يخيفها.
هي لم تكن خائفةً من أتريوس، لقد كانت خائفةً من خوفها منه!
لقد أعطته وعدًا بألا تترك يده، بألا تبتعد، ولكن
عندما اكتشفت حقيقته ارتعبت من حقيقة أنها قد تنقض وعدها له، ارتعبت من حقيقة أنها
إن بقيت معه
في غرفةٍ واحدة ستبدأ بالهلع من حقيقته وحينها لن تكون سوى خيبة أملٍ أخرى له…
لكنه في اللحظة التي نظر لعينها بذلك الرجاء، ذلك
الدفئ والتبدل الكامل لتعبيره، عندما أصبح يتحدث معها، جعلتها تدرك أنه وإن تحول
أتريوس لوحشٍ كامل أمامها، لن تخافه يومًا.
داخل غرفة جلنار كان لا يزال أتريوس متجمدًا في
مكانه يشعر بالفراغ داخل رأسه…
لقد جاء لهذه الغرفة متوقعًا مشهدًا مختلفًا
بالكامل قد يحدث، ولكن جلنار ستبقى جلنار، ملكة المفاجئات!
نظر لكفيه بعدم استيعاب قبل أن يرفع عينيه
وينظر للباب حيث خرجت للتو. "ما الذي…" تمتمت بذهولٍ قبل
أن ترتسم ابتسامة على ثغره.
وضع يده فوق صدره يشعر بالارتباك الذي سببته للتو
قبل أن يضرب رأسه بخفةٍ بالباب مغمضًا عينه ويغمغم: "تبًا لك، أتريوس. تملك الجرأة للاعتراف في وجهك بينما لم تتمكن
حتى من الاعتراف بشيء!"
فتح عينه وتذكر جملتها للتو، الخوف منك هو شيءٌ
مستحيل…
بدت الجملة كحلمٍ قد يستيقظ منه، ولكنها كانت صفعةً له زعزعت كل أفكاره.
ضرب رأسه بالباب بشكلٍ أقوى هذه المرة وتذمر
قائلًا: "ما الذي تفعلينه بي، جلنار؟".
....
كان اليوم يمر بشكلٍ بطيء جدًا بالنسبة لهم،
جميعهم مجتمعون في المنزل يجلسون بهدوء، كلٌ منهم منخرط في أفكاره.
"جلنار!" بدت غارقةً في
أفكارها لدرجةٍ منعتها من سماع أوكتيفيان الذي سحب الكرسي الموجود جوارها وجلس
عليه، نظر نحوها لمدةٍ ليلاحظ أنها غائبةٌ بالكامل عن الواقع، ولكن لم يستطع منع نفسه
من الاستغراب للشعور الذي بدأت تعطيه جلنار فجأة.
ذلك الشعور بالضغط كان غريبًا عليه، لقد اعتداد
شعورًا مماثلًا عندما
كان يقف أمام أشخاص أقوياء كرؤساء العائلات النبيلة أو حتى الملوك، ولكن أن يصدر
من جلنار كان غريبًا.
حاول تجاهل الأمر ونقر كتفها لتجفل وتنظر نحوه.
"يبدو أنكِ بعيدةٌ كل البعد عن
الواقع" قال ساخرًا لتتنهد وتعتذر على مضض.
"أنا
فقط أفكر في بعض الأشياء" قالت ليومئ وفضل ألا يتدخل في هذا الأمر.
"لقد تحدث معي ألفن"
التفتت نحوه بكامل حواسها وقالت: "متى؟".
"اليوم" أجاب وأشار نحو الخارج قائلًا: "يسأل عن
سبب وجود منصةٍ ضخمة في الأرض الملكية ولما يتحدث الجميع عن جمع السكان
هناك". عدلت من جلستها وقالت: "لمَ لم تخبرني سابقًا؟". رفع حاجبه وأجاب: "أعتذر، كنت لأفعل
إن وجدتك، لكنكِ كنتِ مختفيةً لساعات". نظرت بعيدًا تتذكر وجودها داخل البوابة لتنظف حلقها
وتغمغم: "أنت محق".
"ماذا قلت له؟" سألت مجددًا ليجيب أوكتيفيان: "ظننت
أنه من المناسب التظاهر بالغباء، تظاهرت أن الأمر بالكامل من تخطيط الأميرة وقد
استدعتك يوم الأمس ولم تفصحي أنتِ بدورك عما كان سبب الاستعداء".
ابتسمت جلنار بفخرٍ مصطنع وقالت: "عملٌ جيد، أيها التلميذ!". ضيق عينيه نحوها لترفع يدها بسرعة
كاستسلام وتقول: "مزحة، لا تكن جديًا".
"لكني أخبرته أنه غالبًا ما يحدث سيكون بيانًا لتهدئة الشعب
والترويغ خلف حقيقة البشر، وحاولت التلميح أنكِ تبحثين حول الغامض إي بشكلٍ مكثف
وأنه أحد أعداءك؛ لذا…"
أخذ نفسًا وأردف: "لا يملك النبلاء أي فكرةٍ
عن خروجك اليوم وتفجير الحقيقة في وجوه الجميع".
أومأت جلنار بصمتٍ وشبكت يديها معًا ببعض التوتر
"لنأمل فقط أن يسير كل شيءٍ على ما يرام".
التفت الجميع نحو باب المنزل الذي تم طرقه قبل أن
يبرز ثلاثة حرس ملكيين تقدمهم واحدٌ وقال: "بأمرٍ ملكي نحن هنا لمرافقة الفرسان وحمايتهم في الطريق إلى المنصة".
رفع لافيان أحد حاجبيه ومال لتينر جام هامسًا "أنبدو كأشخاصٍ يحتاجون
لحراسه؟". ابتسم تينر جام وقال: "في الغالب هم يحرسون الناس منا، لا
العكس، تعلم، لا نبدو كمجموعةٍ عقلانية في عين المسؤولين".
ابتسامةٌ جانبية ارتسمت على شفتي لافيان وقال: "هذا أفضل".
نهضت جلنار من مكانها وحاولت منع توترها وقلقها من
الظهور، ولكن واندر التي ربتت على ظهرها كانت تعلم جيدًا ما تشعر به جلنار؛ فقد كانت
تهز قدمها باستمرارٍ وتعض أظافرها بشكلٍ مبالغ فيه.
"لا تبالغِي
ولا تحاولِي/ جلنار، يكفي أن تكوني
أنتِ وسيتفهم الجميع"
حاولت رسم ابتسامةٍ ممتنة لواندر بالرغم من شعورها بالغثيان في هذه اللحظة، يدٌ أحاطت كتفها وهتفت
ثونار قائلة: "لا تقلقِي يا صغيرة، سأحرق
أي شخصٍ يعترض".
نظرت لها جلنار ببرود وقالت: "لا أظن أن هذا
هدفنا". رفعت ثونار كتفها وقالت: "لا أهتم، ما زلت سأحرق من يعترض".
حركت جلنار رأسها بيأس وتحركت للخارج مع الجميع.
ظلت ثونار تنظر لظهرها وقد اختفت الابتسامة
الواسعة التي كانت تزين ثغرها قبل أن تنظر لكفها وتشعر بارتجافها. "ماذا
هناك؟" التفتت لجوزفين الذي نظر ليدها بتعجبٍ لتقول: "هل يعقل أن تزداد
قوة أحدهم عشرة أضعافٍ في خلال يوم؟".
عقد حاجبيه لمدةٍ وبدى جادًا في تفكيره لثوانٍ قبل أن يقول: "في الواقع؛ أنا لا
أملك أي فكرةٍ عما تقولين". أومأت برأسها وغمغمت: "بالطبع، ماذا
توقعت؟". نظرت نحوه بمللٍ وقالت:
"عد
لما كنت تفعله، جوزفين".
رفع كتفيه بلا مبالاةٍ وتحرك للخارج لتتنهد بيأس.
المراكب التي جاء بها الحرس كانت وسيلة نقلهم حيث
استقرت خلف المنصة الضخمة داخل الأرض الملكية، كان بإمكانها سماع أصوات الموجودين المتداخلة
والعالية، مما يعني إن إيفولا
نجحت في جمعهم وإقناعهم
بالذهاب نحو المنصة.
كان عددًا ضخمًا من الحرس حولهم مما
أثار استيائهم؛ فهم ما زالوا يتعاملون مع العامة وسكان الحدود كهمجٍ يجب الخوف
منهم!
استقبلهم رجلٌ بدا منمقًا جدًا ذو نظرةٍ ثابتة وقوية كان نحيف
الوجه، حدق بعينه الجاحظة بجلنار قبل أن يتقدم نحوها وفي يده لوحٌ إلكتروني مجسم.
"يسعدني ويشرفني لقاء ابنة التوبازيوس" قال وقد أحنى رأسه لثانيتين باحترامٍ
قبل أن يبدأ بالتعريف عن نفسه: "أنا ألبرت برينر، المسؤول عن خطابات المناسبات الرسمية للأميرة، في خدمتك". بدلت جلنار
نظرها بين الرجل وأوكتيفيان ببعض الاستغراب، لكن ألبرت تابع وهو يناولها الجهاز
لتمسك به وتنظر له.
"لقد تمت كتابة كل شيءٍ عليكِ قوله هنا بطريقةٍ منظمة وستحافظ
على هدوء الشعب لفترة، عند خروجكِ على المنصة وبعد نزول المتحدث الرسمي للمملكة
عليكِ قراءة المكتوب هنا بصوتٍ واضح بينما تنظرين لأعين تاموودين بثقة
وعـ..."
أوقفته جلنار بسرعة: "لحظة لحظة، أتقول أنني
سأقرأ ما علي قوله؟ الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع سأقوم بقراءتها من على لوحٍ كتبه شخص آخر بينما أتحدث عن نفسي؟".
زم الرجل شفتيه لثوانٍ قبل أن يقول: "أعلم ما تفكرين به، سيدتي، لكننا لا نحاول السيطرة على الشعب بكلامٍ معسول كما
تظنين، كل شخصٍ قابل لأن يخطئ، أظن أنه عليكِ إلقاء نظرةٍ على المكتوب قبل أن
تحكمي على طريقتنا. فعلنا هذا ليس رغبةً في السيطرة
والتزييف، إنما قد تقولين شيئًا
بمقصدٍ جيد ولكن سيفهمه الآخرون بشكلٍ سيء، وهذا ما
نحاول تجنبه".
نظرت جلنار للوح بين يديها، خطاب رسمي… عليها أن تعترف بأنه لا كذب فيه،
ولكن جامد! جامد جدًا.
قرأ ألبرت عدم الاقتناع على وجهها فأردف:
"ستقومين بالتحدث أمام الممالك كلها وليس فقط مملكة الإلترانيوس، أي خطأ قد
تقولينه وإن كان بلا
قصد سيقع على عاتقك، سيدتي، هل أنتِ مستعدةٌ لتحمل شيء كهذا؟".
تعلم أنه محق، وفكرة أن تخطئ بكلمةٍ أمام الممالك
جميعها تثير الفزع حد الغثيان.
تنهدت وأومأت بصمتٍ وعينها تراجع الكلمات المكتوبة
على اللوح...
الكثير من الحديث عن أهمية إخفاء المملكة لهذا
السر، وحديثٌ أكبر عن كون البشر لا يشكلون أي خطورة،
ثم تعريف نفسها واعتذارٌ
رسمي مع انحناءٍ خفيف ووعود تشبه الكلام المكتوب في الأوراق الرسمية.
رفعت رأسها عن اللوح عندما علت فجأةً أصوات الاستهجان من الخارج، صوت المتحدث الرسمي باسم الأميرة بدأ الحديث في المكبرات.
كان كلامًا رسميًا في محاولةٍ لتمهيد الأمر وتبرئة النبلاء والعائلة الملكية كالعادة من أي شيء،
كلمات مثل: كان
إخفاء هذا لمصلحة الشعب ونتمنى التفهم والتعايش مع الأمر…
كانت تثير غضبهم أكثر.
كانوا يشعرون وكأنهم مجبرون على قبول كذبة!
أصوات الاعتراضات أصبحت أعلى بكثيرٍ والشتائم
أصبحت تشمل الجميع، منهم الفرسان، بدأ الأمر يتحول لفوضى
تقريبًا.
كان الجميع ينظر من خلف المنصة للحشد الضخم
والغاضب، يتساءلون عما عليهم أن يفعلوا ولم يلاحظوا اختفاء جلنار من بينهم.
حاول الحرس تهدئة الموجودين مرةً والتهديد مرة، ولكن لم ينفع.
فجأة بدأ الصمت يجوب المكان، وجميع الأنظار اتجهت
إلى ما خلف المتحدث الرسمي الذي توقف عن محاولة الحديث باستغراب.
التفت للخلف ينظر حيث اتجهت أعينهم
ليصاب بصدمةٍ وهو يرى ابنة التوبازيوس
واقفةً خلفه بصمت، لم يكن وقت ظهورها الآن حسبما تم التخطيط، كان عليه قول
الكثير من التمهيدات، ثم سيخرج المتحدث باسم النبلاء، ثم بعد أن يضمنوا أنه من
الصعب الهجوم على أحد الفرسان تظهر هي وتلقي خطابها…
لكنها تقف خلفه ممسكةً باللوح بين يدها.
ارتبك للحظةٍ كما شعر المسؤول عن الخطابات بالفزع
لصعودها فجأة، وبدأ بسرعةٍ يأمر الحرس بالتوجه للمنصة، لكنهم توقفوا جميعًا عندما منعهم
أتريوس.
"سيدي، علينـ..." قاطعه
أتريوس بنظرةٍ بطرف عينه وقال ببرود: "لن يصعد أحدٌ إلى هناك ما لم تطلب
هي ذلك".
ارتبك ألبرت ونظر لأوكتيفيان ليتفاهم مع أتريوس، لكنه صُدم عندما كتف أوكتيفيان ذراعيه وقال: "أتبدو لك كشخصٍ
يحتاج لحماية؟". أشار برأسه لجلنار
الواقفة فوق المنصة ليصمت ألبرت وينظر نحو جلنار التي لم تتردد لثانية.
المتحدث الرسمي اتجه نحو جلنار وهمس: "سيدتي،
لا أظن أنه حسب المخطط أن تظهري الآن". رفعت عينيها نحوه ووضعت يدها على كتفه
مربتةً وقالت: "لا بأس، سأتولى الأمر من هنا".
نظر لها بترددٍ وأراد الاعتراض، لكنها لم تترك له
مجالًا وقد تعدت جسده وتقدمت لتقف أمام الجميع.
أخذت نفسًا تنظر لأعداد العدسات التي تحيطها لتنقل
البث لممالك أخرى، لكنها تمالكت نفسها ورفعت اللوح الإلكتروني تنظر فيه وقد وقفت
أمام مكبر الصوت.
"كما يرى الجميع، لقد جمعناكم هنا من أجل... من أجل إخباركم
الحقيقة، المملكة لم تفعل يومًا ما قد يؤذي شعبها و..." ارتجفت شفتيها وعينها
تراجع الخطاب مجددًا قبل أن ترفع عينيها نحو الواقفين، كانوا يحتاجون لتفسير…
تفسيرٍ حقيقي، لا أعذار سخيفة.
"مع من أمزح؟" تمتمت بسخريةٍ قبل أن تغلق الجهاز اللوحي
وتضعه بعيدًا.
"ماذا تفعل؟" صاح ألبرت خلف المنصة، لكنه وجد فقط
ابتسامة الفرسان تجيبه، وضعت ثونار يدها حول عنقه وقالت: "اهدأ يا صاح وشاهد
جلنار الكلاسيكية".
نظرت جلنار لوجوه الجميع لثوانٍ قبل أن تقول بصوتٍ واضح: "أعلم أنكم غاضبون".
تبادل الجميع النظرات بينما ظل البعض معلقًا عينه
بجلنار بصمت لتتابع:
"إنه حقكم، من حقكم الشعور بالغضب، لقد تم الكذب عليكم، لقد
تم خداعكم، من حقكم أن تثوروا وتشعروا بالسخط، من أنا لأسلب منكم
حق السخط؟"
أخذت نفسًا مرتجفًا وعينها تنتقل من
وجهٍ لآخر "أعلم، إنه شعورٌ سيء أن تشعر بنفسك
داخل خدعة، ولكن... من منا لا يعيش داخل خدعةٍ على أي حال؟ جميعنا نعيش داخل خدعةٍ
سخيفة وكبيرة، كل يومٍ نستيقظ صباحًا نعيش الخدعة ذاتها وهي أن كل شيءٍ على ما
يرام".
صمتت لثوانٍ وتحركت على المنصة
لتتمكن من مواجهتهم جميعًا وقالت بقوة: "جميعنا نعيش داخل الوهم السخيف الذي
يقول أن البقاء على قيد الحياة فقط كافٍ، جميعنا نعيش داخل خدعة أننا لا نواجه شيئًا قد يقضي علينا كل يوم، تلك التفرقة اللعينة التي وضعتها مجموعةٌ من الأشخاص الذي يحلمون
بالسلطة والمال على حسابكم".
كانت تشعر بالكثير من المشاعر المختلطة، كانت تشعر
بأنها أخيرًا قادرةٌ على الحديث كما تريد دون قيود، أنها وجهًا لوجهٍ يمكنها قول
ما تريد دون خوف.
"أتعلمون؟ أجل،
أنا بشرية"
بدت الصدمة على الجميع وأصوات الشهقات والصدمات
تفاوتت بينهم، الصدمة تجاوزت مملكة الإلترانويس للممالك جميعها، كانت الشعوب كلها
تشاهد شاشتها وتشعر بأنها أمام حقيقةٍ كانت مجرد خيال.
أخرجت جلنار من جيبها منشور ألفن وأشارت نحوه قائلة:
"هذه المنشورات، إنها صحيحة، كل ما قُيل فيها صحيح، كان علي إخبار الجميع
بالحقيقة منذ البداية...".
بللت شفتيها وأشارت على نفسها قائلة: "ولكني
ذعرت!".
صمت الجميع مستمعين لها، لا وجود لحديثٍ رسمي أو
كلمات مكتوبة بإعدادٍ
سابق، هناك شخص يتحدث إليهم مباشرةً بما يشعر.
"لقد أُرسلت إلى هنا فجأة وقد تبدلت حياتي بالكامل. أجل، أنا
بشرية ونعيش على كوكب الأرض ولا نملك أي فكرةٍ عن الجنون الذي يحدث هنا، أنا بشرية، ولكني مثلكم تمامًا، أشعر وأعيش
وأتنفس، أغضب وأحتفل وأفرح، لأن هذا ما خُلقنا جميعًا عليه... عندما جئت إلى هنا
للمرة الأولى كنت مرعوبة، إن كنتم
تظنون أن فكرة وجود البشر شيءٌ مرعب فيمكنكم
تخيل كم كان من المفزع أن أجد نفسي على كوكبٍ غريب وقد عرفت أن كل حياتي كانت مجرد
كذبة، لقد أردت الاختباء حتى انتهاء هذا الكابوس، أردت أن ينتهي بأي طريقةٍ قبل أن
أموت هنا تاركةً عائلتي خلفي،
ولكن..."
صمتت لثواني تتذكر كل شيءٍ مرت به حتى الآن.
"لقد شعرت بالانتماء! الوقت الذي قضيته بينكم
هنا جعل كل شيءٍ آخر بالنسبة لي سهلًا، للمرة الأولى شعرت بالانتماء أكثر مما شعرت
به في وطني الحقيقي"
الجميع كان منصتًا، ليس فقط داخل الإلترانيوس، كان
البث يُذاع مباشرًا من خلال تقنيةٍ لا سلكيةٍ بين جميع الممالك، جميع الشاشات
المجسمة في الطرقات كانت تعرض صورة جلنار وصوتها وقد بدا وكأن الحياة توقفت فجأةً
داخل العشر ممالك والرؤوس جميعها مرتفعة تنظر
للبث المجسم.
"لقد شعرت بأن كل شيءٍ بخير، ومهما كان اليوم
صعبًا علي كان ينتهي بي الأمر داخل إحدى الحانات أستمع للموسيقى وأستمتع
بمشاهدة الجميع يعيش حياته هنا، وحينها أدركت أنكم لا
تستحقون هذا، لا أحد يستحق أن يُحطم
كبيدقٍ في هذه الحرب!"
صوتها أصبح أعلى وأكثر ثباتًا وقوةً وهي تقول:
"أنتم تعاملون أنفسكم كأعداءٍ في حين أن العدو
الحقيقي ينتظر لحظته المناسبة ليدع الموت يمر بيننا كغريب، ألا تظنون أن هذا يكفي؟ في هذا الوقت نحن نحتاج إلى دعمكم أكثر من
إلقاء الاتهامات في وجوهنا، نحتاج إلى وقفوكم معنا
عوضًا عن كراهيتنا! ألم تسأموا من هذا؟ هذه
مملكتكم، هذه أرضكم، ولا أحد يملك الحق في
سلبكم ما هو لكم"
صراخها الغاضب دب داخلهم شعورًا كانوا قد نسوا كيف
يبدو من فترةٍ طويلة، شعروا
بأن قلوبهم أصبحت دقاتها مسموعة، لكنها لم تتوقف وتابعت
بقوة:
"كل شخصٍ من الفرسان يريد حماية مملكته، يريد حماية وطنه، كل
شخصٍ منا يتحمل مسؤولية هذه الحرب ومسؤولية هذه الكراهية، ولكننا لم ولن نتوقف،
حتى وإن وقفتم جميعًا في وجوهنا سنظل نحارب، سنظل نقاتل حتى وإن دفعتمونا بعيدًا، لأن هذه هي مهمتنا،
لهذا تم اختيارنا وهذا هو واجبنا، هذه هي لحظتنا! لطالما عُومل كل شخصٍ
فينا وكأنه غير مرأي بشكلٍ أو بآخر، كنا جميعًا نمتلك حياةً أقل ما يُقال عنها عادية، جميعنا
لم تكن لنا لحظات من الفخر أو لحظات نتمكن فيها من الصراخ بأعلى صوتنا، ولكن الآن…"
نظرت لهم جميعًا وصرخت بأعلى صوتها قائلة:
"الآن يمكننا الصراخ، الآن يمكن للجميع أن يسمع صوتنا، الآن هي لحظتنا ولا
نريد في هذه
اللحظة سوى أن نؤدي ما اخترنا لأجله!".
توقفت لوهلةٍ واتجهت عينها حيث أكبر عدسة تصوير
وبدت في هذه الثانية وكأنها تحدق بعين كل ملكٍ جلس على
عرشه يحدق في شاشة عرضه ويشاهد للمرة الأولى في حياته هذه البشرية…
"أنا جلنار روسيل، الفارسة الثانية عشرة والموسمة كابنة
التوبازيوس، مكلفةٌ بقيادة الفرسان وحماية وطني الأرض. أنا بشرية، هذه هي
الحقيقة… أنا هنا لأجل مهمةٍ
واحدة وهي إنهاء هذا الكابوس، لا أنتظر تقبلكم ولا أنتظر احترامكم، لا أريد سوى تعاونكم حتى تنتهي هذه المأساة، لن تسقط مملكةٌ واحدة
تحت حمايتنا، توقفوا عن القتال ضد بعضكم وافهموا أنكم جميعًا إلترانيوسيون…"
تحركت عينها لباقي العدسات وتابعت:
"كل نبيلٍ يعرف حق المعرفة أن النبلاء ليسوا مجرد
حفلاتٍ وقصور فارهة، كل نبيلٍ يعلم أن وظيفته في هذه المملكة هي حماية الجميع، هذا الوقت ليتصف بالنبل الحقيقي، هذا هو الوقت لتنتفض لأجل
مملكتك، هذا هو الوقت للتخلي عن حياة الرفاهية
لأجل هذه المملكة، هذا هو الوقت الذي تظهر فيه كنبيلٍ حقيقي لمرةٍ في حياتك!"
صرخات الجميع ملأت الساحات والحماس دب داخلهم
جميعًا ليعلو صوت
جلنار…
"جميع الممالك التي تسمعني الآن! نحن وحدنا ضعفاء، لن
نقدر على ردعهم ونحن واقفون في هذه الحرب وحدنا، هذه حربنا جميعًا وليست حرب
الإلترانيوس وحدها، هذا التهديد هو تهديدٌ لوطنكم، لعائلاتكم، حان الوقت لتنتفضوا لحماية أراضيكم، حان الوقت لنثبت أننا لسنا مجرد أشخاصٍ عاديين، بل بإمكاننا الصراخ والمعارضة والقتال! نحن لسنا أبطالًا، فلا وجود للأبطال، نحن
أشخاصٌ اخترنا الحرب، اخترنا الصراخ على
الصمت، نحن أشخاص مستعدون للموت لئلا تتلوث أراضينا بدماء من نحب ولن يوقفنا شيءٌ عن إنهاء مهمتنا!"
الصرخات علت في أرجاء المملكة، الجميع شعر أنه
قادرٌ على المواجهة، على الحرب، ليس في الإلترانيوس فقط، جميع الملوك كانوا أمام موجةٍ عارمة من المطالب للمشاركة في
الحرب، الصرخات والمطالبات علت في أرجاء الممالك حينها.
وكان ذلك اليوم هو اليوم الذي لن يُنسى، اليوم
الذي شعر به الجميع بالأمل، اليوم الذي لم يلتفت شخصٌ لطبقته الاجتماعية أو مكانته في المملكة…
اليوم الذي شعروا فيه أن زعيم الحرب جولديان كان
له خليفةً مختبئة بين البشر، وها
هي ذا تقف بينهم.
بعد هذا البث كل شيءٍ بدأ يحدث بسرعةٍ لم تكن
متوقعة، وحينها فقط أدركوا أن قوة الكلمة أخطر من أي سلاح.
جميع ورش الحدادة ضاعفت إنتاجها من الأسلحة يدوية
الصنع، تم اتخاذ قراراتٍ بفتح معاهد تدريب القتال للجميع،
وليس فقط لأبناء
النبلاء…
ليس هذا وحسب،
سادة النبلاء كانوا في
موقفٍ لم يوضعوا فيه سابقًا؛ فقد صدموا أنه بعد ساعةٍ واحدة من البث ما يفوق
الثلاثين نبيلًا قرروا فتح قصورهم الفارغة لسكان الحدود.
وتلك كانت خطوةً كافية لتشجيع السيدة كليسثينيس
لتكون أول سيدةٍ لعائلةٍ نبيلة تقرر أن أراضيها بالكامل مفتوحةٌ لسكان الحدود،
الأسواق والمنازل، كما أنها خصصت أماكن خاصةً بأسعارٍ مناسبة لهم.
بالطبع لم يكن الجميع يملك التفكير ذاته؛ فنسبةٌ
كبيرة من النبلاء عارضت الأمر كعادتها وما زالت تظن أن اختلاط النبلاء بغير
النبلاء جريمة، ولكنهم جميعًا كانوا مكتوفي الأيدي أمام قرار الأميرة الرسمي بعدم
التعرض لأي شخصٍ من الحدود.
داخل القصر الملكي، ظلت الأميرة واقفةً أمام
شاشتها الضخمة الكبيرة لمدةٍ طويلة حتى بعد انتهاء البث!
ما زالت صرخات جلنار تتردد داخل رأسها، صياح شعبها
المؤيد الذي لم تسمعه يومًا منذ أن تولت الحكم بعد اختفاء الملك كان يدفع قلبها
للنبض بسرعة.
وحينها فقط تذكرت كلمات والدها، لم تفهم يومها ما
كان يقصد، ولكنها الآن تفهم كل
كلمةٍ قالها، عندما رأت جلنار أدركت عما كان الملك يتحدث، يمكنها سماع كلماته
وكأنه قالها اليوم…
"لا تحكمي على مظهر أحدهم مهما بدا ضعيفًا أو فقيرًا، بعض الأشخاص
يعيشون حياتهم العادية بشكلٍ غير ملحوظٍ حتى تأتي لحظتهم، حينها فقط تظهر معادنهم
التي خلقوا عليها. لا تحكمي عليهم لأن
هؤلاء الأشخاص لا يشبِهوننا نحن الذين ولدنا كأشخاصٍ مهمين، إنهم لا يشبهون أي
شخصٍ قد تعرفينه يومًا، نعيش نحن الملوك والمسؤولون طيلة حياتنا في محاولةٍ لإظهار بعض الأشخاص كالأبطال، أشخاص لا صلة لهم بالبطولة، ولكن الشخص الذي أخبرتكِ عنه لا يحتاج لأحدٍ ليصنع منه بطلًا،
لأنه خُلق كبطلٍ للجميع. إن قابلتِ
شخصًا كهذا لا تقفي في
وجه، بل قفي في صفه وثقي به، لأنهم أعظم منا نحن الملوك"
ما زالت الأميرة تتذكر يومها عدم
رضاها عن الأمر؛ فلطالما رأت والدها الملك هو الأعظم والبطل الحقيقي! لذلك سألت:
كيف لها أن تعرف هذا الشخص عند مقابلته؟ ما زالت
تتذكر ابتسامة والدها عندما أشار لصدرها قائلًا:
"ستشعرين به هنا! عندما تستمعين لهذا الشخص، عندما تشاهدين كفاحه
ستشعرين به، بقلبك ينبض بجنون، لأنكِ ستذهلين به، وستريدين أن تكوني يومًا مثل هذا
الشخص"
لم تكن مقتنعةً بهذا الحديث ولم تحاول التفكير
فيه؛ فبالنسبة لها بطلها الوحيد الذي أرادت أن تكون مثله بل وتتغلب عليه كان
والدها، ملك الإلترانيوس والشخص الذي يحترمه الجميع…
لكنها أدركت أن هناك فرقًا بين طاعةٍ واجبة وطاعة
احترام.
ما رأته اليوم في أعين شعبها وما سمعته في نبرة
أصواتهم كان احترامًا، ربما كانوا يطيعون والدها لأنه الملك فقط، ولكن جلنار كسبت
محبتهم واحترامهم.
ليس فقط لأنها تحدثت بارتجالٍ فوق المنصة؛ فأي شخصٍ ماهر يمكنه ارتجال حديثٍ قوي ومحمس، ولكن لن
يؤثر في أشخاصٍ كسكان الحدود…
لكن جلنار كانت تشعر بهم، كانت ترى أن من
مسؤوليتها خلق حياةٍ أفضل لأجلهم، لقد شعروا أخيرًا بأن هناك شخصٌ مستعد للمخاطرة والتضحية من أجلهم.
وهذا ما لم يفعله والدها، لم يكن والدها مخاطرًا،
كان ملكًا جيدًا ولكنه كان يخشى كثيرًا المخاطرة، كان يظن أن الحفاظ على الأمان
الحالي أفضل من المخاطرة بغضب النبلاء،
فحينها قد يفقد
الكثير من أرواح الأبرياء من سكان الحدود.
لكن ما لم يفقه الملك أن سكان الحدود كانوا
مستعدين، كانوا لا يخافون بعد الآن إزهاق أرواحهم، فقط كانوا يحتاجون للشعور بأن
شخصًا ما سيضحي لأجلهم.
وضعت الأميرة كف يدها فوق صدرها تشعر تمامًا
بالشعور الذي وصفه والدها لها، ابتسمت وهمست لنفسها: "لقد قابلته، لقد قابلت شخصًا كالذي أخبرتني عنه، أبي… ولن أتوقف عن دعمه حتى
أصبح أفضل منه، سأصبح أميرةً
أفضل لأجل المملكة ولأجلك، أبي، حتى إذا عدت… تكون فخورًا بي".
كانت تشعر في هذه اللحظة بأنها قادرةٌ على فعل كل
شيء، لا شيء يخيفها بعد الآن، فتاةٌ بشرية لم تخف من الصراخ بالحقيقة أمام العشر
ممالك، من هي
لتخاف؟
كانت تشعر تمامًا وكأن والدها يقف معها ويربت على
كتفها بتشجيع…
لكن ما لم تبصره هو أنه كان بالفعل يقف معها، كان
يقف خلفها وكلتا يديه فوق كتفها بينما يملأ الفخر عينيه، ابتسم وهو
ينظر لابنته وقال: "اصمدي، صغيرتي. أعلم أنكِ قادرةٌ على
فعلها، أعلم أنكِ أفضل مني بكثير".
...
واجهت الأميرة رسائل من كل الممالك تسألها عن
حقيقة هذا البث وبعضهم أظهر رغبةً قوية في مقابلة ابنة
التوبازيوس بنفسه، في البداية ظنت الأميرة أنها ستواجه كل هذا بفزعٍ تام، ولكنها لم تشعر بالفزع على الإطلاق، بل كانت تستمد الشجاعة من كلمات جلنار
ذلك اليوم.
أرسلت في طلب الملوك جميعهم في اليوم التالي
وأرسلت رسالةً لابنة التوبازيوس تطلب منها الالتزام بموعد الحضور لتقابل جميع
الملوك هذه المرة وجهًا لوجه.
لم تتفاجأ جلنار كثيرًا؛ فهذا كان متوقعًا
بالتأكيد، لكنها شعرت بالكثير من الإصرار بعد هذا اليوم، طريقة تقبل المملكة لهذا
الخبر كانت أكثر من مذهلةٍ بالنسبة لها، والآن أصبحت تملك سببًا آخر يدفعها للدافع
عنهم حتى آخر نفسٍ تملكه...
لكنها كانت تعلم أنها وحدها لا تكفي؛ لذلك جمعت
الفرسان جميعًا تلك الليلة.
"لم أكن أعلم أن بإمكانكِ التحدث بهذه البراعة!" صاح جوزفين بحماسٍ ليتفق معه الموجودون، أشار لافيان لذراعه
قائلًا: "لقد أصبتني بالقشعريرة تمامًا، كان ذلك مشابهًا لحالتي عندما سمعت
قصصًا عن السيد جولديان".
ضحك الجميع ليقول أوكتيفيان بهدوء: "إنه محق،
بالرغم من أنني كدت أفقد عقلي عندما ألقيتِ بالجهاز وبدأتِ الحديث دون تجهيز، لكن لم أتوقع أنكِ ستنجحين لهذا الحد".
ابتسمت لهم تشعر بالإطراء ليربت يوجين على ظهرها
قائلًا: "كنتِ أشبه بالمرأة العجيبة، لا أستطيع التصديق أنكِ
الفتاة ذاتها التي كانت تبتلع لسانها في الجامعة".
دحرجت عينها تتذكر تلك الأيام وتشعر بسخف الأمر.
"أتعلمين؟ لقد تحدثت مع عائلتي اليوم للمرة الأولى" التفتت جلنار
نحو تينر جام الذي كان يرسم ابتسامةً دافئة
ممتنة وأردف: "في الواقع كنت أملك خلافًا مع عائلتي
مما دفعني لتركهم والذهاب بعيدًا، لم نتواصل لمدةٍ طويلة حتى بعد أن أصبحت فارسًا،
لم يحضر أحدٌ منهم حفل تنصيبي كفارسٍ
في مملكتي ولم أحصل على اتصالٍ منهم عند مجيئي إلى هنا، لكن اليوم لم يحتمل أخي
الخبر واتصل بي".
ارتفع حاجبا ثونار بدهشةٍ وقالت: "ما هو
الخلاف؟". رمقها الجميع بقوة ونكز جوزفين ذراعها هامسًا: "ما الذي تفعلينه؟". نظرت لهم جميعًا وقالت: "ماذا؟ أنتم أيضًا تشعرون
بالفضول!".
ابتسم تينر جام وقال: "ليس شيء حساسًا كما
تظنون، الأمر أنني لطالما تمتعت بموهبةٍ أكبر من أي شخصٍ آخر في التحكم
بالمخلوقات الحية، لقد كنت أعيش على أطراف الريف حياةً بسيطة، مع ثلاثة أخوة وشقيقةٍ صغيرة،
والدي يرون أن طاقتنا
مسخرةٌ لخلق التناغم البيئي فقط، لا للقتال، فكرتهم عن الحياة بسيطة؛ لذلك عندما
أعربت عن رغبتي في الالتحاق بمعهد تدريبٍ في العاصمة
بعد أن لاحظ أحد المعلمين موهبتي وعرض علي مكانًا هناك غضبوا كثيرًا،
وكان علي الاختيار بين ما
أريد أنا وما تريده عائلتي".
"وأنت اخترت تحقيق أحلامك وذهبت للعاصمة" أكمل زوندي
ليومئ تينر جام بابتسامته المعتادة. "يا رجل، كل العائلات تملك مشاكل كهذه، لا تقلق، سيكونون فخورين بك بالتأكيد" قال أغدراسيل مخففًا عليه
ليقول تينر جام: "أنا فقط أريد منهم أن
يفتخروا بي في المكان الذي أريده".
نقرت جلنار الطاولة بأصبعها بخفةٍ مبتسمةً وهي
تنظر بعيدًا تتذكر عائلتها الصغيرة وقالت: "لا داعي للقلق،
إنهم فخورون بالفعل
وقلقون جدًا عليك، لكنهم يحاولون إخفاء الأمر فقط،
هذا ما يفعله الأباء العنيدون دائمًا".
اتسعت ابتسامته وقال: "أبي كان مصدقًا كبيرًا
لأسطورة
التوبازيوس واليوم لم يتمالك نفسه وسمح لأحد أشقائي بالاتصال بي ليسألني كيف أبلي ويخبرني أن علي أن أكون اليد المساعدة وأحمي
ابنة التوبازيوس مهما كلف الأمر".
ضحكت جلنار كما فعل الجميع "لا تقلق، سينتهي
الأمر وسنذهب معًا لزيارتهم، يبدو الريف لديكم مكانًا لطيفًا". أومأ متفقًا
معها وقال: "سيجن جنونهم إن وقفتِ أمامهم وجهًا
لوجه".
"الكثير من الأشياء الجنونية ستترتب على ما فعلتِه
اليوم" قال أوكتيفيان بهدوءٍ لتومئ جلنار متفهمة، ثم صمتت لوهلةٍ قبل أن ترفع
عينها نحوهم بتعبيرٍ جدي وتقول: "عليكم أن
تعلموا جميعًا أننا لن نفوز إن ظللنا على هذا الوضع...".
تبادلوا النظرات فيما بينهم بصمتٍ لتردف: "على الجميع البدء بتدريباتٍ جدية، على الجميع
أن يضع نفسه داخل خطرٍ حقيقي ليتمكن من حماية نفسه في هذه الحرب، منذ اليوم سنبدأ
جميعًا تدريبًا مكثفًا داخل الأكاديمية تحت خبرة أقوى المقاتلين لمدة أسبوعٍ
واحد".
رفع جوزفين أحد حاجبيه وقال: "أنبدو لكِ
ضعفاء لهذا الحد؟". نظرت له بجديةٍ وبنبرةٍ فاجئتهم قالت: "لا، بل لأنني لا أريد خسارة أي شخصٍ جالسٍ هنا عند نهاية هذه الحرب".
بالرغم من شعورهم بالامتنان فإن
الجدية والنبرة الواقعية في صوتها ضربا الواقع بوجوههم…
لأن الحرب مكسبٌ وخسارة.
"لذلك لن أسمح لشخصٍ أن يكون في موضع لن يتمكن فيه من حماية
نفسه تحت أي ضغط، لن أسمح بفقدان أحدكم مهما كلفني الأمر، دخلنا هذا الأمر اثني عشرة شخصًا وسنخرج منه أيضًا اثني عشرة شخصًا، ستبدأون
جميعًا برفع مستواكم أكثر مما تعتقدون أنكم تستطيعون، لن تصلوا لحدودكم القصوى فقط،
بل ستتعدونها" قالت جلنار بثقةٍ وقوة تدفع الحماس داخلهم.
"كما تفعلين أنتِ!"
نظر الجميع نحو ثونار التي بدورها ركزت نظراتها
على جلنار، كانت تشير لارتفاع مستوى طاقة جلنار المفاجئ بشكلٍ مدهش.
كانت تقيس رد فعلها، ليس هي وحسب؛ فبعض الموجودين
فهم تمامًا ما الذي تتحدث عنه ثونار والبعض الآخر لم يفقه الحديث المبطن خلف جملتها.
ارتفع حاجبا ثونار عندما أجابت جلنار بكل ثبات:
"لا، بل ستفعلونه أفضل مني حتى".
تحدثت جلنار مسبقًا مع الأميرة عن هذا الطلب وقد
قبلت الأخيرة بحماسٍ وأرسلت لجميع المقاتلين الشرسين الذين بإمكانهم تدريب الفرسان
ليتعدوا حدودهم.
استشفت جلنار نوعًا ما من نظرات ثونار الفضولية
أنها لاحظت ارتفاع مستواها في أيامٍ قليلة، لم تكن تنوي إخفاء الأمر عنهم على أي
حال، لكنها شعرت بأنه إخبارهم أمرٌ خاطئ، خاصةً لأن
الكتاب ظل مخبأ طيلة تلك السنوات.
غيرت جلنار اتجاه دفة الحديث وقالت: "غدًا
جميعًا سنتوجه للقصر العظيم". التفت الجميع نحوها لتردف: "سنجتمع مع
الملوك غدًا".
لم يبدِ البعض رد فعل والآخر كان
متفاجئًا والصدمة والحماس ظاهرا على وجهه.
ثونار اتسعت عيناها لوهلةٍ قبل أن تلتفت فورًا نحو جوزفين الذي تجمد بينما ينظر لجلنار
قبل أن يشيح بوجهه لجهةٍ أخرى بنظرةٍ لا تحمل أي معنى واضح.
يده المنقبضة بقوةٍ ومحاولاته لتمالك نفسه جعلت ثونار
تتمنى لو أنها قادرةٌ على قراءة أفكاره في هذه اللحظة.
أغلقت عينها لثوانٍ تكرر داخل عقلها أن لا شأن لها، ليس عليها أن تهتم، لم ولن تهتم
يومًا.
كانت تحارب نفسها بقوة، ولكن مشهد لقاء جوزفين
ووالده كان يتكرر، ملامح جوزفين، مشاعره السيئة، جميعها كانت تكرر داخل رأسها
كصورٍ سينمائية.
"هل يجب أن نذهب جميعًا؟"
التفت الجميع نحوها بينما لم تحاول رفع عينها نحو
جلنار، بدت للجميع وكأنها فقط تتذمر بسبب كراهيتها لملكة الساحرات، ولكن شعرت
جلنار بأن هناك شيءٌ مختلف في هذا الطلب.
"ولـ..." كادت تسأل، ولكن تمت مقاطعتها من قبل جوزفين
الذي نظر لثونار ببرودٍ وقال: "لا، سنذهب جميعًا، هذه ليست لعبة، إنها
حرب".
وضع ابتسامةً كبيرة ونظر للجميع قائلًا: "بما أن اجتماعنا اللطيف
انتهى هنا، سأذهب للراحة؛ فقد كان يومًا طويلًا".
أومأت جلنار دون أن تضيف أي ملاحظةٍ وراقبته وهو
ينهض من مكانه وقد وضع يديه داخل جيبيه وبدا -رغم ابتسامته
المعتادة- منزعجًا بطريقةٍ ما، فك مشدود وشفاهٌ حارب
رغبته في رفعها باشمئزاز.
ورغم ملاحظة جلنار لكل هذا فقد لاحظت
الأهم في حركاته ونبرته.
هذا ليس من شأنها، أيًا يكن ما يتعرض له جوزفين
فهو يفضل بقاء الجميع خارجه لأنه شأنه وحده.
لم تنظر نحوه ثونار وظلت عينها ثابتةً حيث كان
يجلس قبل ثوانٍ، تنهدت والتفتت تنظر نحو
ظهره قبل أن يختفي عن أنظارها.
في اليوم التالي كانت المملكة مختلفةً
بشكلٍ كلي، كانت الطرق بالكامل مهيئةً لاستقبال زيارة الملوك والتي لا تحدث سوى في حالاتٍ نادرة.
الجميع كان يتحدث عن الأوضاع الجنونية التي تشهدها
المملكة، الكثير من التغيرات بدأت في الحدوث من اليوم التالي بسرعةٍ لم يعهدها أحد السكان من قبل.
القصر العظيم كان في حالةٍ من الجنون، الخدم
يتحركون في كل مكان، رجال القصر يتأكدون من أن كل شيءٍ جاهز وفي مكانه الصحيح،
طاقم الحراسة ملتفٌ حول القصر وعلى طول الطريق بالكامل.
وقفت الأميرة أمام المرآة الضخمة في غرفته تنظر
لثوبها العتيق الذهبي والممزوج بالأبيض، اللون الملكي.
جمعت خصلاتها للأعلى بينما يتأكد الخدم من حولها
من ارتدائها الثوب
بشكلٍ مناسب، رفعت عينها من على الثوب تنظر لوجهها الذي لطالما كان شبيهًا
بوالدتها.
عينها كانت تقول شيئًا واحدًا لا جدال فيه، مهما
حدث، هي الملكة اليوم وهي من تترأس قرارات هذا الاجتماع.
تحرك الخادم ممسكًا بوسادةٍ مخملية ذات لونٍ دموي وضع فوقها التاج الضخم المرصع بأغلى أنواع الأحجار الكريمة.
أمسكته الوصيفة بحرصٍ لتثبته فوق رأس أميرتها.
لم تتمالك نفسها وقد كانت تنظر بدهشةٍ لهيئة
الأميرة، لم تعد طفلةً بعد الآن، الآن فقط فهمت ثقة الملك عندما كان يشير لابنته في
كل مرةٍ قائلًا إنها ستكون ملكةً أفضل من أي ملكٍ حكم
الإلترانيوس سابقًا.
....
وقفت جلنار أمام مرآة غرفتها تنظر لملابسها
السوداء والذهبية، كان الثوب الأسود ينسدل بنعومةٍ على جسدها بينما أحزمةٌ ذهبية
من الحديد كالدرع حول خصرها وصدرها وعباءةٌ ذهبية اللون منسدلة خلفها.
لم تكن الوحيدة التي ارتدت شيئًا لائقًا اليوم؛ فالأميرة أرسلت منسق ملابسٍ
ملكي ليهتم بهندامهم جميعًا أعجبهم الأمر أم لا.
ضفرت جلنار شعرها من مقدمة رأسها إلى الخلف بشكلٍ متداخل
ومنظم.
نظرت لهيئتها مرةً أخرى، تشعر أنها تحولت لشيءٍ
مختلف تمامًا، ونظرت إلى كف يدها، تحديدًا إلى سوار ذهبي اللون حُفرت عليه كلمات
لم تستطع قراءتها أو فهمها.
تذكرت هذا الصباح دخولها للبوابة مجددًا برفقة
يوجين هذه المرة، كانت داخل أحد الكهوف وقتالها كان مع مخلوقات تدفن نفسها بين
الجدران.
السوار كان داخل آخر حجرةٍ في الكهف، وكما فهمت أنه
يساعد على استقرار مستواها الروحي ويزيد من قوتها بشكلٍ بسيط كل ساعة.
التفتت نحو يوجين الذي انشغل بمهارته الجديدة في
تشكيل قوته بأشكالٍ مختلفة وقد بدا جادًا في موضع تدريباته مع جلنار.
"علينا الذهاب" قالت لينظر نحوها ويقبض يده لتختفي قوته
داخلها ويقول: "هل أنتِ مستعدة؟". نظرت نحوه لوهلةٍ قبل أن تومئ قائلة: "نعم، علينا إشراك الجميع في هذه الحرب وعلينا التوصل
لاتفاقٍ اليوم".
رفع يوجين حاجبًا وقال: "لم أسأل عن هذا، لقد
سألت عنكِ أنتِ إن كنتِ مستعدة".
صمتت لثوانٍ تحاول إيجاد إجابة، لكنها رفعت كتفيها في النهاية وقالت: "سنكتشف ذلك عندما نكون
هناك". ابتسم وقال: "رائع، يبدو أنها
ستكون زيارةً
كارثية".
ضحكت وتعمدت عدم الرد وهي متجهة للخارج، توقفت
مكانها عندما صادفت أتريوس
وجهًا لوجهٍ يهبط السلم.
توقف بدوره ونظر نحوها، عينه نظرت لجسدها كاملًا ولم يكن بارعًا في إخفاء ذهوله.
لوهلة نسي تمامًا ما أراد قوله، بل نسي سبب وجوده هنا
تقريبًا، ابتسمت جلنار وهي تنظر لهيئته المهندمة، بدلةٌ سوداء اللون ذات
معطفٍ طويل وحزام خصر، وبالطبع أحزمة فأسيه اللتين لا يتركهما، جمع جزءً من خصلاته للأعلى وترك البقية.
"تبدو وسيمًا" علقت جلنار ليجفل
ويقول: "ماذا؟". اتسعت ابتسامتها عندما لاحظت تحديقه وقالت: "كنت
أتغزل بك للتو". رفع حاجبًا مع ابتسامةٍ صغيرة وقال: "بينما أنا لا
أجد شيئًا يمكنه أن يكفي للتغزل بك".
لم تتمكن من كتب ضحكتها وقالت: "حسنًا، سيد
كازانوفا، لنذهب". عقد حاجبيه وقال: "من هو كازانوفا
ذاك؟". ابتسمت بخبثٍ وقالت: "حبيبي
السابق على الأرض".
عندما رأت تعبيره الذي لا يمزح دحرجت عينها وقالت:
"أمزح، أيها الأحمق! والآن علينا
الذهاب". أمسك بمعصمها بخفةٍ
وقال: "علينا الحديث". اختفت الابتسامة من وجهها ونظرت له بجديةٍ
قائلة: "أعلم أنك ستسألني عن إن كنت موقنةً مما أنا مقبلةٌ عليه". ارتفع حاجبه، ولكنه
أومأ متفقًا.
بللت شفتيها وابتسمت بثقةٍ قائلة: "أجل،
أعلم، لن يُظلم أحد، سينتهي هذا الكابوس بطريقةٍ عادلة، بطريقةٍ تضمن حياةً
عادلة للجميع، الحياة التي يستحقها أي
فرد". توقف بدوره ونظر نحوها، كاد يفتح فاهه لقول شيءٍ ما، لكنها أوقفته قائلة: "يمكننا التحدث لاحقًا، ولكن ليس الآن،
نحتاج لتصفية أذهاننا".
حدق في وجهها لوهلةٍ قبل أن يومئ، ولكنه صعد
السلالم ووقف أمامها وجهًا لوجه وقال: "ولكننا سنتحدث". ابتسمت وأومأت
موافقةً دون اعتراض.
ظل متجمدًا في مكانه، الكثير من الأفكار تتضارب
بقوةٍ داخل رأسه، حاول أن يدرك المقصد خلف جملتها، وعلى رغم من عدم مقدرته على
تفسير هذه الثقة وتلك النبرة التي تخفي بجعبتها الكثير فقد شعر لأول
مرةٍ في حياته بالأمل…
شعر بشيءٍ كان قد فقده منذ وقت طويل، يده المرتجفة حطت فوق
صدره يستشعر نبضات قلبه التي ازدادت فجأةً
وكأنها تنذر بعهدٍ جديد، عهد كان يحلم به
منذ الصغر، ولكنه عمل على محوه لأنه بدا كقصةٍ خيالية لن تحصل أبدًا.
التفت ينظر حيث كانت منذ ثوانٍ وقد أدرك أن جلنار شخصٌ لا يمكن أبدًا وضعه داخل قالبٍ ما لوصفه،
في كل مرةٍ يظن أنه قد فهم هذه الفتاة وحفظ تصرفاتها تخرج بشيءٍ جديد.
في كل يومٍ كان يدرك أنه كان مخطئًا، وأنها لم تكن
مجرد غلطةٍ اختيرت
بشكلٍ عشوائي، هذه الفتاة تحمل عهدًا جديدًا بين يديها وداخل قلبها الذي ينبض
بعدلٍ وشجاعة لم يعهدها…
ينبض بثقةٍ تدفع الدماء داخل الجسد، ثقة تترك
الأمل...
تلك الفتاة تنبض بالثورة.
...
الفرسان الاثنى عشرة تحركوا بمركباتهم خلف جلنار التي
استعانت بكارولوس لتصل إلى القصر، كان ظل جناحيه يمر على المملكة فترتفع الرؤوس محدقةً وقد ارتبط اسم تنين
الشفق بابنة التوبازيوس.
هذه المرة كانت الأصوات تعلو هاتفةً ومشجعة ما أن يحلق كارولوس فوقهم، كانت الأعين تحمل داخل نظراتها الثقة،
الأمل والحلم.
لم يعهد كارولوس أن يحلق حول المملكة دون أن يرتعب
منه الآخرون ودون أن يحاولوا رميه بالسيوف والنيران، كانوا يحترمون وجوده
ويهابونه، ولكنهم لم يحاولوا أذيته.
ما أن حلق حول القصر الملكي حتى زأر بصوتٍ عالٍ مستعرضًا نفسه وهبط بقوةٍ
على الأرض لترتجف لثوانٍ.
تسعة ملوك قد وصلوا لتوهم إلى القصر الملكي وقفوا
أمام الزجاج الضخم المطل على بوابة القصر ليراقبوا بفضولٍ وأعين ثابتة على كارولوس الذي ما زال بعض
الحرس يهابون وجوده.
ملكة مملكة البرومفينا (متحكمي الكائنات) قد
أصابتها الدهشة وهي تشاهد بأم عينها تنين شفقٍ تم
ترويضه، لطالما كانت تطمح لترويض واحد، وعندما سمعت بعض الشائعات عن ترويض واحدٍ لم تصدقها،
ولكن الآن…
كانت تنظر بعينها لذلك التنين المهيب الذي يأبى أن
يقترب أحدٌ منه سوى صاحبته، عينها اتجهت لجلنار التي قفزت من فوق ظهره وربتت على عنقه
ملاطفةً له.
كانت تراقب أكثر من أي شخصٍ آخر الصلة بينهما
وأصابتها صدمةٌ
عندما شعرت بها، كانت الملكة فلورفي
تتمتع بقدرةٍ مذهلة على الشعور بالصلة بين أي مخلوقٍ وصاحبه، وهذه الموهبة مكنتها
من التفاهم بشكلٍ أكبر مع
الكثير المخلوقات…
ولكن الصلة بين كارولوس وجلنار لم تكن صلة عادية
يمكن فهمها من نظرةٍ واحدة، كانت معقدةً وقوية لدرجةٍ تجعل من المستحيل أن يرتبط
هذا المخلوق بصلةٍ أخرى مع أي شخصٍ آخر.
دائمًا ما تُعرف تنانين الشفق بأنها تبني حول
نفسها جدارًا صلبًا وضخمًا، حتى أنها من الصعب أن تتواصل مع أبناء جنسها مما يجعل
التكاثر صعبًا؛ لهذا تتعرض هذه الفصيلة النادرة للتهديد بالانقراض.
لكن يبدو أن هذا التنين قد أسقط جدرانه وأصبح هو جدارًا
لصاحبه، مشاعر الحماية والانتماء القوية التي تنبعث من هذا التنين نحو صاحبته كانت
مذهلة، جعلت الملكة فلورفي تشعر بحماسٍ لم تشعر
به منذ وقت طويل.
ذلك الحماس الذي كان ينتابها عندما تقابل مخلوقًا
جديدًا ومعقدًا وتريد أن تفهمه وتفهم تصرفاته وتبني صلةً بينهما.
على الرغم من شعورها باستحالة بناء صلة بينها
وتنين شفق، لكنها وجدتها فرصةً تمكنها من استغلال ابنة التوبازيوس لتهدئته، وحينها
فقط ستتمكن من رؤية واحدٍ عن قرب دون سلاسل وأغلال تكرهها.
في المقابل راقب الملوك عن كثبٍ تلك الفتاة التي
اتشحت بالسواد وتزينت بالذهب تمشي بين فرسانها بكل ثبات.
كانت من هذه المسافة تبدو عادية، بعيدةً كل البعد عن الصورة التي رُسمت لها داخل أذهانهم، لم تكن مختلفةً
كثيرًا عن الفتاة التي كانت تصيح بغضب، ولكنها أكثر هدوءً الآن، لا يمكن أخذ
انطباعٍ خاص من هذه المسافة.
التفتوا جميعًا نحو مساعد الأميرة الذي دعاهم إلى
غرفة الاجتماعات الخاصة.
ما أن أخذ كل ملكٍ مكانه على الطاولة أعلن
المساعد عن وصول أميرته التي دلفت بثوبها الأبيض المزين بالذهب الخالص برأسٍ مرفوع
ونظرةٍ جامدة، لم تبدِ أي تعبير
وقد بدا وجهها كوجه تمثالٍ منحوت صامت.
وقف جميع الملوك احترامًا لانضمامها تمامًا كما
كانوا يفعلون مع والدها الملك.
جلست على رأس الطاولة وجالت عينها على الحضور
جميعًا تحصي عدد الوجودين، وعندما لم تجد أحدًا ناقصًا أومأت إيماءةً خفيفة باستحسانٍ وقالت:
"جميعنا هنا اليوم لتوضيح بعض النقاط، ولتعريف الجميع بشكلٍ لائق ومناسب بحارستنا، ابنة التوبازيوس"
لم يقل أحدهم شيئًا وانتظروا تفرغ الأميرة من
حديثها والتي أردفت بدورها قائلة:
"أرجو منكم جميعًا مراعاة أن ابنة التوبازيوس ليست من عوالمنا، بل وأنها لم تملك أي
معرفةٍ مسبقة عن وجودنا؛ لذلك لا أريد أي
مبالغةٍ في الحديث أو محاولةٍ لوضعها في موقفٍ غير مناسب"
ابتسامةٌ جانبية ارتسمت على وجه رجلٍ يبدو في
بداية عقده الخامس يتسم
بالوسامة وعرض الفكين، يملك أنفًا ذا طرفٍ مقوس
بالكاد يلحظ، بينما عيناه البنيتان الداكنتان كانتا هادئتين وساكنتين شبه ناعستين.
ملك صانعي الأدوات إثدوليان بانتريس نظر للأميرة ولم يمحُ ابتسامته الجانبية تلك وقال: "يبدو أن الأميرة تحرص
جيدًا على ألا تصاب حارستها بالأذى، أعلينا القلق أن من عليه حاميتنا هشةٌ لهذه
الدرجة؟".
لم يلاحظ بانتريس الابتسامة الساخرة على وجه ملكة
الساحرات التي سبق لها تجربة (هشاشة) جلنار.
أما الأميرة وجهت عينها له ببرودٍ ووضعت ابتسامةً صغيرة لم يفهم مغزاها وقالت: "يمكنك اختبار
هشاشتها بنفسك، جلالة الملك بانتريس، فهي ستنضم لنا حالًا برفقة فرساننا".
نظرة الأميرة بزاوية عينها لمساعدها الذي كان يقف
كتمثالٍ بجوارها دون أن يحرك ساكنًا، ولكن ما إن لاحظ نظرتها حتى أومأ باحترامٍ
وتحرك في خطواتٍ أشبه بالآلية نحو البوابة وخرج منها بهدوء.
القصر بالكامل كان يعمه السكون والهدوء احترامًا
لهذا الاجتماع، كان الجميع ينتظر نتائج وجود الملوك كلهم في مكانٍ واحد بصحبة شخصٍ
غير مألوف... بصحبة بشرية!
ماهي إلا ثوانٍ ودلف المساعد بصحبته خادمان قام كلٌ منهما بفتح باب غرفة
الاجتماعات الضخم، ثم أعلن بصوتٍ جهوري وصول الفرسان بصحبة ابنة التوبازيوس.
الرؤوس التفت تنظر للزائرة الجديدة على هذه
الطاولة.
دلف الفرسان في صفين متجاورين بهدوءٍ ليأخذ كلٌ منهم مكانًا بهدوء، كل فارسٍ جلس مقابل ملكه، عدا أتريوس
وأوكتيفيان الذين جلسا مقابلًا لمقاعد فارغة.
دلفت جلنار من خلفهم وصدى خطواتها الواثقة تردد في
المكان كله، عباءتها الذهبية كانت جاذبةً للانظار، خاصةً وجودها على ثوب أسود
بسيطٍ وغير مكلف.
انحبست أنفاسهم فجأةً وكرد فعلٍ غريزي تأهب جسد
كل واحدٍ منهم في اندفاعٍ تلقائي نتيجةً للضغط المفاجئ الذي تعرضت له الغرفة،
الثقل الذي أصاب جو المكان كان مخيفًا، استشعارهم الخطر بسبب القوة التي أحاطت المكان تركت الملوك العشرة في
شيءٍ من الثبات الحذر.
كانوا يراقبونها بأعينٍ متفاجئة وكل شخصٍ منهم يشعر بقوتها الروحية تملأ
المكان بالكامل، وكأن وحشًا أحاط بمخالبه المكان وجاهزٌ للانقضاض على فريسته.
الأميرة حاولت إخفاء ذهولها؛ فقد كانت الوحيدة
التي قابلت جلنار قبل يومين تقريبًا، القوة المنبعثة والضغط الهائل الذي سببته منذ
دخولها كان مختلفًا وبعيدًا كل البعد عن قوتها منذ يومين، بل إنه من المستحيل أن تزداد قوة شخصٍ بهذا الشكل الهائل في خلال
يومين فقط! لذلك تساءلت عن إن كانت قوة الفتاة
أمامها تزداد بوتيرةٍ جنونية أم أنها أخفت هذا القدر الهائل من قوتها ببساطة.
أكثر شخصٍ كان يمكنه الشعور بالرعب لمقدار القوة
التي يحملها جسد جلنار كان ملكة الساحرات، تتذكر جيدًا آخر لقاءٍ لها مع جلنار،
ولكن هذه النسخة التي تقف أمامها الآن هي أكثر قوةً وصلابة، بل إنها أشبه
بمصدرٍ للقوة!
وكما أجثم هذا الثقل على صدورهم اختفى وتلاشى في
ثوانٍ كأنه لم يكن!
كان من السهل لملك العباقرة الذي تبعت عينيه جلنار
أن يدرك أن ظهور هذا الضغط واختفائه لا يعني سوى قدرتها على التحكم في سير الطاقة
داخل جسدها، وقد أظهرتها منذ ثوانٍ عمدًا، لا صدفة.
لم يكن هو الوحيد الذي أدرك ذلك فملكة المجنحين
شعرت بالأمر
أيضًا وتساءلت عن إن كان إظهارها لقوتها عند دخولها عرضًا أم إعلانًا لأنها ليست كائنًا
ضعيفًا كما يُخيل للجميع، وإن كانت قد تمكنت من
التحكم في مقدار قوتها؛ فهل حقًا قد أظهرت مقدار قوتها الحقيقية الآن لهم؟
تحركت جلنار للكرسي الفارغ بين أوكتيفيان وثونار
وجلست بهدوء، ولكن عينها جالت في سرعةٍ على الحضور أمامها.
عشرة ملوك، ظنت أنها لن تستطيع تحديد ملك كل
مملكة، ولكنها تفاجئت من مقدرتها على الشعور بذلك، كانت تشعر بكل نقاط القوة لكل
واحدٍ بشكل مذهل.
فأولهم على الصف كانت قوته أشبه بقوةٍ خاملة
وباردة ولكنها موجودةٌ في جميع أرجاء جسده، كان رجلًا نحيفًا، ولكنه حاد العينين ذا حاجبين كثيفين وشعرٍ أسود اللون مع بشرةٍ شاحبة، بدا في نهاية العقد السادس
تقريبًا،
كان ملك الأموات.
بجواره كان رجلًا كل شيءٍ يصرخ فيه بأنه ملك
المتنكرين، رجلٌ في عقده الخامس
أو السادس، عينه التي تطابق تمامًا عين جوزفين وكذلك
لون شعره وشكل وجهه وفكه، وكأنه نسخةٌ مطابقة
ولكن أكبر وأكثر جديةً وبرود، الطاقة التي كانت تحوم حول جسده كانت تدل على قدرته على
تغيير شكله بشكلٍ سهل
وسلسل جدًا.
على يمينه كانت امرأةً ذات شعرٍ أشقر طويل ذي لونٍ فاتح عقدته خلف رأسها، ترتدي ملابس أشبه بالدروع وملامحها حادة، كانت تتفرس جلنار منذ
دخولها بشكلٍ ملحوظ، عينها كانت زرقاء وأهدابها شقراء مميزة، حتى حاجبيها كانا شقراوين، ولكنها أشبه بالجمال الهادئ، قوتها
كانت تتركز عند كتفيها وظهرها وهذا يجعل منها ملكة المجنحين.
تعرفت جلنار فورًا على ملكة الساحرات التي كانت
تبتسم باعتزازٍ وهي تنظر لجلنار فخورة بانضمامها لهذه المرأة القوية والموسومة
كابنة التوبازيوس.
بجوارها جلس رجلٌ قوي الجثة ذو جسدٍ ضخم وعينٍ
صفراء حادة كعين صقر وشعرٍ طويل أزرق اللون كان من الواضح أنه ملك العمالقة، كان
يبدو كمصارعٍ أكثر من كونه ملكًا، ولكنه يملك نظرةً مسالمة وهادئة وابتسامةً صغيرة على شفتيه.
ملك العباقرة كان ذا الكرسي الأعلى ليتمكن من الجلوس مساويًا للجميع، كان يملك نظرةً ماكرة، وبالرغم من شكله الشبيه بالأطفال فإن تعبيره كان يثير الريبة؛ فقد
كان من الصعب قراءته، ذو شعرٍ أشبه بلون القهوة وجسدٍ صغير، ولكنه يملك عينين تشير
إلى خبرته وعمره الأكبر من شكله.
ملكة البرومفينا أو متحكمي الكائنات جلست على
المقعد بجوار ملك العباقرة، كانت تملك ملامح بريئةٍ تشير لعمرٍ صغير جدًا قريب
لعمر جلنار، عينها الخضراء كانت واسعة وأهدابها السوداء كانت مميزة، شعرها الفحمي انسدل بنعومةٍ على طول
ظهرها وقد برزت بثوبها المطرز بدقةٍ وقد كان يناسبها لنعومته.
بجوارها كان يجلس رجلٌ في عقده الرابع ما زال
مرتبكًا من حقيقة جلنار، كان ملك متحكمي الأدوات؛ فقوته كانت تبرز في ذراعيه وكفيه.
وفي النهاية جلس رجلٌ ذو شعرٍ أشيب، ولكن جسده قوي وصلب جدًا وعينه حادة فضية، العين اليمنى كان يقطعها
جرحٌ أشبه بخدشٍ ناتج عن مخالب حادةٍ زادت من هيبة تعبيره، لم تحتج جلنار للكثير
من الوقت للتخمين، فقد تأكدت من أنه موجودٌ هنا نيابةً عن قُطعان المستذئبين
والليكان، وهذا بسبب شعورها بذئبه القوي والذي كان يزأر تحذيرًا ورهبةً من وجود جلنار.
ابتسمت جلنار بهدوءٍ وأزاحت عينها عن ملك
المستذئبين الذي استشعر أنها تسمع زمجرة ذئبه، ولكنه أبعد تلك الفكرة؛ فقد كان هذا
أمرًا مستحيلًا.
"يسعدني أن أقدم للجميع ضيفة كوكبنا، ابنة التوبازيوس، السيدة
جلنار روسيل"
صدح صوت الأميرة في المكان واتجهت معه الأعين
نحوها لثوانٍ قبل أن تعود لجلنار لتردف الأميرة: "ويسعدني أن نرحب مجددًا
بفرساننا على هذه الطاولة مجتمعين معًا في مكانٍ واحد مع ملوكهم".
أومأ الفرسان بخفةٍ كاحترامٍ مقدمٌ للملوك أمامهم.
"لندخل إذًا في صلب الموضوع"
قال الملك راميوس أورال بجمودٍ ولم ترتفع عينه
لثانيةٍ نحو
ابنه جوزفين الجالس قبالته والذي بدوره لم يضع أي تعبيرٍ معين على وجهه.
"جميعنا كان يعرف مسبقًا بوجود كوكبٍ خاص للبشر، لطالما
أخفينا هذه الحقيقية، لكننا كنا نعلم بوجودها؛
لذلك لا أظن أنه من الصعب للجميع تقبل وجود بشريةٍ بيننا"
قالت الأميرة لتخرج نبرةٌ ساخرة من أندريا إلياس
ملكة المجنحين وقد قالت: "معرفتنا بوجودهم
شيء، ووجود أحدهم بيننا وإخفاء الأمر عنا شيءٌ آخر".
أومأ ملك العمالقة نيكوس آثيريا وقال مؤيدًا:
"شيءٌ كهذا لا يخص المملكة وحدها، بل يخص جميع الممالك، إخفاء الأمر عنا طيلة
هذه المدة ليس أمرًا يمكن التغاضي عنه".
"لكننا أيضًا لم نكن متأكدين من حقيقية ما نتعامل معه هنا، وكان
الأمر ليكون أخطر إن أشركنا جميع الممالك في هذه المسألة قبل أن نعرف من هم البشر
وكيف نتعامل معهم" قالت الأميرة بهدوءٍ دون أن تظهر أي تأثرٍ بهجومهم، في
حين ظلت جلنار صامتةً
ومسترخية في مقعدها دون أن تظهر أي رد فعلٍ على هذا النقاش.
"إنهم يتحدثون عنكِ كفأرٍ صغير لا يفقه ما يُقال عنه"
يوجين الذي كان الوحيد المرتاح في هذه الغرفة قال بينما يطفو بجوار مقعد جلنار مما
دفعها لرسم ابتسامةٍ صغيرة.
عين أرتميس جامونلاد ملك العباقرة كانت تحدق بها ليرتفع
حاجبه عندما لاحظ تلك الابتسامة الصغيرة، عينه
اتجهت نحو فارس مملكته أرتيانو ليفهم الآخر نظرته ويومئ بصمتٍ دون أي كلمة.
"إن سمحتي لي جلالتك ولكن أظن أن علي إظهار قلقي من تولي الأميرة الصغيرة لشؤون
المملكة في ظل هذه الفوضى وبطريقةٍ مفاجئة في ظل غياب الملك والذي قد يؤثر على
حالتها النفسية في الوقت الراهن"
نظرت الأميرة بحدةٍ نحو ملك الأموات ميكال زولر
الذي أدلى بملاحظته بهدوءٍ وردت قائلة: "أنا أتعامل مع شؤون هذه المملكة قبل أن أتمكن
من نطق كلمتي الأولى، كان الملك -أعاده الإله لنا سالمًا-
حريصًا على تعليمي كل شيءٍ حول
شؤون هذه المملكة وشؤون الممالك المجاورة؛ لذلك تولي
المنصب فجأةً لم تكن مشكلة لي"...
تحولت نبرتها لأخرى جادةٍ وقوية وأردفت: "وإن تركت اختفاء جلالته يؤثر على
طريقة حكمي وإدارتي لشؤون المملكة فسيكون من المخزي لي النظر لعيني جلالته
مجددًا".
صمتٌ جال بينهم لوهلةٍ ليتدخل رالفيز كايثر ملك المستذئبين:
"جلالة الأميرة، نحن
فقط نحاول إيضاح قلقنا وليس اتهاماتنا، ملك الأموات أكبرنا عمرًا وقد كان يعرف جلالته منذ أن كان طفلًا صغيرًا؛ لذلك فإن
حديثة لا يحمل أي ضغينة".
ابتسمت الأميرة ابتسامةً جافة وردت قائلة:
"أدرك ذلك جيدًا، ولكن يمكنني جيدًا معرفة متى يحاول شخصٌ استصغار آخر لمهمةٍ أو عملٍ ما، أعلم أن ملك الأموات متمسكٌ
بتقاليد قديمة، المُلك للأكبر عمرًا، ولكن يمكنني أن أؤكد أنني أبذل أكثر مما قد يبذله أي
شخصٍ غيري لهذه المملكة ولمصلحة الجميع".
نظر نحوها بانتريس ملك متحكمي الأدوات وقال بعد
صمتٍ دام لثوانٍ: "ندرك هذا جيدًا، جلالتك، ولكن كان عليكِ إخطار الملوك بأمر
وجود بشريةٍ بيننا! أو على أقل تقدير كان على فرساننا إخبارنا بذلك قبل أي شيءٍ
آخر" وجه عينه نحو لافيان الذي ابتلع بصمتٍ وأخفض رأسه اعتذارًا واحترامًا.
"لا يمكنك لومهم، أنا من أصدرت أمرًا بأن يتكتم الجميع على
هذا الخبر، بما فيهم الفرسان" اعترضت الأميرة بحدةٍ ليقول ملك المتنكرين:
"وهل سيستمع فارسي لأمر ملكه أم لملكة مملكةٍ لا ينتمي لها؟ هل تقومون
بتجنيدهم هنا؟". اتهامه دفع ابتسامةً ساخرة إلى شفتي جوزفين ورفع عينه
باستهتارٍ لوالده الذي رمقه بنظرةٍ حادة.
"أهم فرسانٌ أم رسلٌ لنقل
الأخبار؟"
التفت الجميع لصاحب الجملة الساخرة لينظر لهم
أتريوس بتمللٍ ويقول:
"فرسانكم على أرض الإلترانيوس؛ لذلك هم خاضعون لقوانين الإلترانيوس، لا
لقوانين أوطانهم! وكما أتذكر فقد وافق كل ملكٍ على إرسال فارسه إلى هنا تحت هذا
القانون".
صمت الجميع على الرغم من امتعاض البعض من طريقته
الفذة، ولكنه كان محقًا. منعت
الأميرة نظرة الاستمتاع بصعوبةٍ وحاولت ألا تبتسم.
"لمَ لا نحاول جميعًا بدء حديثٍ
دون أي اتهاماتٍ لأي شخص، ابنة التوبازيوس ليست شخصًا يمكنه أذية أي مملكةٍ
أخرى" بدأت ملكة الساحرات في التدخل بهذا
النقاش لتنظر نحوها ملكة البرومفينا أنجيلارا فلورفي وتقول:
"ما زلت لا أفهم! لقد تم إخبار جلالة ملكة الماجي بأمر ابنة
التوبازيوس، ولكن لم يتم إخبارنا نحن؟"
رفعت ملكة الماجي حاجبًا ليضيف بانتريس مهاجمًا: "أهذا نوعٌ من الاتفاق بين مملكتين؟ الممالك الأقوى من حقها
المعرفة أولًا؟ ألا تظن جلالة الأميرة أن من حقنا معرفة أمرٍ كهذا؟".
صكت الأميرة على أسنانها، ولكنها لم تظهر أي
انفعالٍ واضح وأخذت نفسًا
صغيرًا لا يلحظ وكادت تتحدث لولا أن تمت مقاطعتها.
"لأنكم لم تشتركوا في الأمر من البداية"
الأنظار كلها اتجهت نحو جلنار التي قالت بهدوءٍ
بينما تنظر للطاولة التي تحول بينهم، رفعت عينيها نحوهم وأردفت: "لمَ كان على الأميرة إخباركم
بشيءٍ في حين أنكم لم تهتموا لأمر هذه الحرب منذ البداية؟".
لم يجبها أحدٌ لمدة عشر ثوانٍ، كانوا فقط يحدقون بها لتردف: "تتساءلون لما ملكة الساحرات
تعرف؟ لأنها اشتركت في الأمر، لأنها وافقت على إشراك نفسها في هذه الحرب قبل
الجميع؛ لذلك كان لها حق المعرفة، هل حاول أحدكم التعاون في هذه الحرب؟ فربما لم
تعلمني الأميرة بعد".
كانت تعلم أن لا أحد شارك، ولكنها تظاهرت
بالجهل ونظرت نحوهم متسائلةً ولم تجد إجابة.
"لقد اشتركنا في الأمر في اللحظة التي أرسلنا
فيها فرساننا إلى هنا" أجاب أورال بصوتٍ قوي وحاد لتنظر نحوه وتقول: "لا
لم تفعل! لقد أرسلتم فرسانكم لأن التوبازيوس أمرتكم بذلك، ولأنها جريمةٌ أمام
الشعب إن لم تفعل، ولكن لم يحاول أحدكم السؤال عن أي فارسٍ من بعدها، والآن تتساءلون لما لم يخبروكم؟".
رمقها أورال بحدةٍ لتبادله بأخرى لا تحمل أي معنى
للخوف؛ مما دفعه
لإعادة حساباته حول حقيقة البشر.
"تقومون بلوم الأميرة الآن بينما هي تتحمل تبعات حروبٍ إن
خسرنا بها خسرت الممالك كلها، أعتذر إن بدا هذا فظًا، ولكن مع كامل احترامي هذه الأميرة تعمل
عملكم هنا وتحرس ممالككم هاهنا! وكل
ما تفكرون به هو كيف لم تشارك معكم خبر وجود بشريةٍ على أرضها؟"
نظرت لهم جميعًا عينها تدور على وجوههم
"جميعكم مشتركون في هذا، في هذه الحرب لقد رأينا كل أنواع المخلوقات من جميع
الممالك، إنهم ينضمون لجيش الظلام لأن جيوشهم لم تتحرك، لأنهم يخشون الموت، لأنهم يخشون البقاء على
الجانب الأضعف!".
نهض بانتريس ضاربًا الطاولة بيديه وصاح:
"أتعلمين مع من تتحدثين بهذه الطريقة؟ لا أهتم بمكانتكِ عند البشر، ولكنك هنا
تتحدثين أمام الملوك، انتبهي لما تقـ…".
توقف عندما حرك زولر يده في إشارةٍ له بالاكتفاء، كان
ملك الأموات أكبرهم عمرًا وأكثرهم حكمة؛ لذلك اتجهت عينه نحو بانتريس وقال:
"أهدأ، جلالتك".
زفر محاولًا تمالك نفسه والتفت ينظر لعيني جلنار،
لكنه تجمد عندما
استشعر الضغط القوي المتوجه نحوه، بدا وكأن لا أحد لاحظ ذلك.
عيني جلنار الباردة كانت متجهةً نحوه بصمتٍ وبنظرة
باردة وقد شعر بأن الغرفة تضيق عليه، لكنها فجأة ابتسمت ابتسامةً صغيرة فاجأته ومعها اختفت تلك الهالة حوله لتقول:
"أتفهم شعورك، ولكنك لست ملكي! أي منكم لا يعني لي شيئًا؛ فأنا لست على أراضيكم ولست منكم، ومع ذلك أكن كامل الاحترام
لكل شخصٍ حول هذه الطاولة، قوانينكم لا تسن علي وفي الواقع كونكم ملوكًا لا يجعلكم
أفضل مني! في الواقع لا يجعلكم أفضل من أي شخصٍ خارج هذه الغرفة، أتعلمون
لما؟"
عينها دارات عليهم جميعًا قبل أن تجيب عن سؤالها
بنبرة تحدٍ: "لأن المنصب لا يعطي العظمة،
إنما الفعل وحده من
يفعل!".
أسندت ظهرها على الكرسي مرتاحةً تنتظر سماع ما
يريدون قوله، وكان أول من بدأ الحديث هو آثيريا ملك العمالقة قائلًا: "إذًا
ما تريدين قوله هو أننا نهتم بشيءٍ سخيف وفي المقابل نتجاهل شيئًا أكبر بكثير".
زمت شفتيها ونظرت للملك ضخم الجثة وقالت:
"يمكنك ترجمة ما أقوله كما تريد، جلالتك، لكن إن كان وجودي هو المشكلة فلننههِا إذًا، ليتعرف الجميع علي ولننتهِ من هذا".
أخذت نفسًا وقالت برسميةٍ مصطنعة: "جلنار
روسيل، الفارسة الثانية عشر والموسومة كابنة التوبازيوس، أنا من كوكب الأرض، أنتمي
إلى البشر، إن كان أحد الملوك يملك مشكلةً مع حقيقة ما أكون فأتمنى أن يفصح عنها
الآن".
كانت جلنار تريد الانتهاء من هذا، الوصول إلى نقطة
المشكلة والتي لم تكن مشكلةً بالمرة، ما
الذي سيفعلونه في النهاية؟
يقتلونها؟ لن يتمكن أحدٌ من فعل شيء، هم فقط هنا حتى يظهروا أمام شعوبهم وكأن لهم
يدٌ ومعرفة بوجود البشر.
لم يهتموا حقًا لحقيقة أن الممالك كلها في خطر.
"أخبريني إذًا، جلنار من البشر! هل أنتم تهديد
لنا؟" نظرت لإلياس ملكة المجنحين صاحبة الجملة والتي وضعت تعبيرًا ساخرًا، ولكنه كان يخفي الحذر في السؤال.
"أخبريني، جلالتك… هل أنتم تهديدٌ لنا؟" كررت جلنار السؤال وضيقت عينها بينما
تنظر لإلياس بجمود، نظرت للبقية وكررت السؤال مجددًا: "هل وجود الممالك خفيةً
عن البشر هو خطر علينا؟".
"لطالما عرفنا عن وجود البشر، ولكن لم نحاول أذيتكم"
أجاب آثيريا لتقول جلنار: "لأنكم لم تملكوا
طريقةً للوصول لنا، والآن أنا هنا، هل علي الثقة بأنكم
لن تحاولوا الوصول إلى الأرض وأذية شعبها؟ وإن
كنتم لم تفعلوا فهل تضمنون أن شعوبكم
ستفعل؟".
الصمت الذي أجاب عن أسئلتها دفعها للابتسام وقول:
"لا أحد يمكنه
ضمان شيءٍ، لأننا جميعًا لا نملك القدرة على
التحكم فيما يحدث والدليل هو وجودي هنا، أنا لا أضمن لكم شيئًا وأنتم لا تفعلون لي أيضًا، نحن
على المركب ذاتها، ولكن...".
صمتت لوهلةٍ ونظرت للفرسان الذين لم يحاولوا
الحديث في وجود ملوكهم واكتفوا بالاستماع للحوار بينهم، فقد أيقنوا أن لا قوانين ولا مناصب ستوقف جلنار عن قول ما تريد.
"لن أخطط لإيذاء أحدكم يومًا،
ولن أحاول إفشاء سر وجودك إن عدت يومًا لوطني، لأنني
ممتنة، ممتنة لهذه المجموعة التي جعلتني أفضل،
عليكم أن تكونوا هنا للفخر بفرسانكم، لا تأنيبهم، لأن التوبازيوس اختارت أفضل سكانكم ليدافعوا عنكم"
لم تتمكن من إنكار نظرات الفخر في نظرات بعضهم،
ولكن البعض الآخر لم يبدِ رد فعل واضح وأكثرهم كان
ملك المتنكرين الذي بدا وكأنه لا يرى فارس مملكته، لاحظت جلنار هذا وتذكرت رد فعل
جوزفين سابقًا، لكنها ذكرت نفسها مجددًا أن الأمر لا يعنيها.
رسمت الأميرة ابتسامةً صغيرة عندما حصل ما توقعته، فقد تمكنت جلنار ببساطةٍ من إنهاء هذا الأمر بشكلٍ صريح؛ لذلك
قررت الأميرة الخروج عن صمتها وقالت: "إذًا هل هناك مشاكل
أخرى؟".
وجد باقي الملوك أنفسهم في موقفٍ لا يدعم غضبهم أو حتى إنكارهم، فقد وضعتهم تلك البشرية بين كفتين: خوفهم على مظاهرهم أو خوفهم
على شعوبهم.
جامونلاد ملك العباقرة الذي لاحظ ذلك منذ بداية
الاجتماع ابتسم ببساطة، لم يكن هنا لأجل عتابٍ سخيف للأميرة، بل أراد رؤية نوعية الأشخاص التي
جعلت فارسه أرتيانو
أكثر الأشخاص ذكاءً في كوكبه ورفيقه المخلص يعترف له في مكالمةٍ سريعة بأن هذه
البشرية مثيرة للفضول.
والآن فقط فهم ما قاله أرتيانو، لقد كانت ذكيةً ولم تحتج
لتكون ملتوية في حديثها لتضع الحكّام في هذا الموقف، فقط صراحةً كاملة كانت كفيلة
بوضعهم أمام
الحقيقة التي حاولوا تجاهلها.
"لا أظن أن هناك أي مشاكلٍ بعد الآن، فجميعنا قابلنا ابنة
التوبازيوس وجميعنا نعلم أنها هنا منذ اليوم" قرر ملك العباقرة التدخل وإنهاء
هذا الموضوع الآن، ولكنه وجَهَ نظرة تفرست وجه جلنار وسألها قائلًا:
"والآن هل لكِ أن تخبرينا السبب الحقيقي لوجودك في هذا
الاجتماع، سيدة روسيل؟"
منذ النظرة الأولى لجلنار عرف جيدًا أنها لا تعطي
لعنةً لكونها بشرية ولم تهتم لاجتماع الملوك حول هذه الطاولة ليعرفوا حقيقتها،
بل إنه متأكدٌ من أنها وافقت على فعل ما فعلته لتسحبهم جميعًا على طاولةٍ واحدة
ليأتوا بأقدامهم ويسمعوا ما لديها لتقوله.
نظرت فلورفي لملك العباقرة وقالت: "ماذا تقصد
بهذا؟". ابتسم ونظر لجلنار التي لم تتفاجأ فهذا متوقعٌ من أكثر العقول ذكاءً
في الممالك كلها.
"السيدة تملك ما تقوله لنا؛ لذلك جمعتنا هنا بإرادتها اليوم
ونحن جئنا بأقدامنا، أليس هذا صحيحًا؟" قال بنبرةٍ لا تدل على أي ضغينة أو
تذاكي لتبتسم جلنار وسط تفاجؤ الموجودين وتقول:
"علي إذًا شكرك لمجيئك حتى مع معرفتك بنواياي".
مال أرتميس جامونلاد بجسده الصغير نحو
الطاولة وقال: "لا ضرر من الاستماع لشخصٍ فاز بالحرب وطرد جيشًا كاملًا من
المملكة".
"لم أفعلها وحدي؛ فالفضل يعود للفرسان جميعًا"
أومأ في استحسانٍ لتذكرهم وقال: "أنا على
علمٍ بهذا، ولكنك كنتِ العقل المدبر!
وأنا أستمتع
بالاستماع للأشخاص الأذكياء أمثالك".
دارت جلنار بعينها على الحضور وقالت: "لن
أكذب، جلالته محق، أنا هنا فقط لقول ما لدي، كانت فكرة الظهور في البث للممالك
جميعها مخيفةً في البداية، لكني فعلتها لأنها
الطريقة الوحيدة لدفعكم للتحرك خارج قصوركم والمجيء إلى هنا، سأتفهم تمامًا إن لم يرغب
أحدكم في الاستماع، لا ضغينة".
مجددًا ذلك الأسلوب الذي يدفعهم في الزاوية،
وكأنها تعرض الخيارات أمامهم، لكن لا يمكنهم سوى اختيار خيارٍ واحد.
لم يبدِ أحدهم اعتراضًا لتقول:
"جيد، سأكون صريحةً معكم، أنا هنا فقط لأنني
أريد منكم المشاركة في هذه الحرب!" بعضهم لم يتفاجأ وكأنه
كان يعرف ما تريد قوله، والبعض بدا مرتبكًا نوعًا ما.
"أعلم أنكم مستعدون لقول إنها حرب الإلترانيوس وحدها، ولكنها
ليست كذلك في الواقع، إنها حربكم جميعًا، هذا الرجل جاء لينتقم من جميع الممالك،
إن سقطت الإلترانيوس سقطتم معها، لقد بدأ الهجوم على
ممالك أخرى منذ آخر حربٍ خضناها"
بدوا متفاجئين من هذا الخبر لتؤكده ملكة الساحرات
قائلة: "هذا بالفعل ما حدث، لقد تم فتح بوابةٍ لمملكتي فجأة وتم الهجوم على
مبنى المعبد القديم، ولكن لم يكن هجومًا قويًا واستطعنا تدارك الأمر وإغلاق البوابة".
زفر ملك المتنكرين وأضاف: "هذا ما حدث في
مملكتي أيضًا، بوابةٌ سحرية ظهرت فجأة، ولكن لحسن الحظ كان القصر
الذي هُوجم فارغًا من السكان، هذا لا ينفِي وجود خسائر في صفوف حرسنا".
بدأ القلق يظهر على وجوههم عندما شعروا بأنهم
معرضون للخطر في أي لحظة، فهذه بالفعل لم تعد معركة الإلترانيوس وحدها.
أراحت جلنار ظهرها للكرسي ونظرت للأميرة التي
أومأت لها وقالت: "إذًا هل أنتم مستعدون لدخول هذه الحرب وإنهائها
معًا؟".
...
مددت جلنار جسدها، تشعر بوخزٍ في أقدامها لجلوسها لفترةٍ
طويلة.
"أتعلمين؟" نظرت جلنار ليوجين الذي بدا جديًا فجأة وهو يفكر
لتقول: "ماذا؟". نظر لها بأعين جادة وقال: "لقد بدت ملكة المجنحين
تملك جمالًا عنيفًا، وكأنك مستعدًا لتلقي طلقةٍ من يدها".
صمتت جلنار ونظرت ليوجين الذي أومأ بجديةٍ
كاملة متفقًا مع نفسه. "يوجين! اذهب ومت" قالت جلنار لتتسع عيناه ويصيح
قائلًا: "أيتها الشريرة! كيف لكِ تمني شيـ...". لاحظ نظرات جلنار اللا مبالية
والتي تحمل معنى ليقول: "أوه، صحيح، أنا ميتٌ أصلًا".
دحرجت جلنار عينها لسخفه وتحركت بين الأشجار تنظر
للقمر الذي ينير السماء. "لقد كان اجتماعًا جيدًا في الواقع، عكس ما
توقعت" قال يوجين.
"وماذا توقعت؟" سألت جلنار ليرفع كتفيه ويقول:
"انقلاب الطاولة والجميع ينغمس في القتال كما يحدث بين السياسيين
على الأرض". تثاءبت جلنار بإرهاق، ثم قالت: "إنهم ملوك، لا سياسيون همج، ربما بعضهم كان يتصور طرقًا
لقتلي، ولكن الأمر داخل
رأسه فحسب".
ضحك يوجين واتفق معها "هذا بدا صحيحًا، ولكن
الأهم أنكِ حصلتِ على مرادكِ وأصبحت الممالك كلها الآن منغمسةً في هذه الحرب". أومأت جلنار باستحسان، تشعر أن جزءً كبير قد انتهى وحان الوقت لجزءٍ الآخر.
"عمل جيد"
صرخ الاثنان للصوت الذي انضم لهما، ولم يكن ذلك سوى الشبح إليف. "هل يمكنك التوقف عن فعل
هذا؟" صاحت جلنار ليردف يوجين: "لمَ تسير كالموتى في غابةٍ
في منتصف الليل؟".
نظر له الملك إليف بتساؤلٍ مشابه وقال: "ولكنكما تفعلان الشيء ذاته!". ضيق يوجين عينه وقال:
"توقف عن التذاكي، أيها العجوز".
دحرجت جلنار عينيها وقالت: "هو لا يتذاكى، أنت الغبي". نظر لها
يوجين بغضب، ولكن ما لبث حتى رفع كتفيه وقال: "أنتِ محقةٌ نوعًا ما".
"لقد تمكنتِ من إقناع الملوك بشكلٍ يثير الإعجاب" قال إليف بينما شابك يديه خلف ظهره وسار بين كلٍ من
جلنار ويوجين بخطواتٍ متزنة.
"احتاج الأمر خدعة بسيطةً فقط لجذبهم
إلى هنا" قالت جلنار ببساطةٍ مثيرةً ضحك إليف الذي قال: "لقد كنتِ
خائفةً من الحديث أمام الممالك، ولكن موافقتك كانت لاسترداجهم هنا فقط، فلا يرغب
ملكٌ أن يظهر أمام شعبه بمظهر الجاهل". ابتسم وتمتم:
"ذكية".
"إذًا لقد كنت موجودًا حولنا كثيرًا،
لكنك لا تظهر نفسك؟"
استنكرت جلنار ليقول: "أحيانًا من الجيد المراقبة من بعيدٍ دون تدخل، ولكن
يبدو أن ذهنكِ الآن أكثر راحة".
لم تجب جلنار، لكنها ابتسمت تفكر بكم أنه محق، لقد
كانت قلقةً من أن تفقد أحدهم في هذه الحرب والاحتمالات كانت كبيرة، ولكن مع زياد
أعداد الجنود من الممالك كلها فهذا يعني أن هذه الاحتمالات أصبحت أقل.
الجميع الآن يعرف من هي، الجميع سيتعلم تقبلها،
الملوك سيشاركون في الحرب وهذا يعني قوةً حربية أكبر بكثير، كل شيءٍ يسير بشكلٍ
جيد، ولكن ليس لوقتٍ طويل، فهدوء
النبلاء لن يدوم…
ولكن يمكنها الاستفادة من وقتٍ للراحة دون التفكير في المشاكل القادمة.
"إذًا، أي نصيحةٍ يمكن لشبحٍ حكيم تقديمها؟" سألت جلنار ليتظاهر إليف بالتفكير قبل
أن يقول: "لا أظن أنكِ في حاجة لنصيحةٍ بالفعل، أنتِ تبلين بلاءً حسنًا، ولكن أنت...".
نظر ليوجين الذي تظاهر بالتفاجؤ وقال:
"أنا؟". أومأ إليف وتابع: "يبدو
انك تحصل على شيءٍ جديد، شيءٍ حقيقي يمكنك من الدفاع عن ابنة التوبازيوس" حرك
يوجين يده بتفاخر لتظهر حولها دوائر من الضوء تلتف حول يده.
"لا داعي للتعبير عن إعجابك، إنها رائعة،
أعرف ذلك" ابتسم إليف لجملة يوجين وقال: "إنها لا
شيء".
كادت جلنار تنفجر ضحكًا،
لكنها تمالكت نفسها وكتمت
ذلك.
"عفوًا!" صاح يوجين بتفاجؤ ليومئ إليف تأكيدًا وقال:
"هذه لا يمكنها
إيذاء شخصٍ عادي، عليك الاستمرار في اكتشاف ما تملك، لا أظنك تعرف بعد مقدار ما
يمكنك فعله".
تنهد إليف وتقدمهم بخطواتٍ قائلًا: "الوقت
خير معلم، لكل شيءٍ وقته الصحيح، تابعا بهذه الطريقة، أنا دائمًا أراقب وأنتظر".
خطواته ابتعدت عنهما ليصيح يوجين: "توقف،
أيها العجوز! ماذا تقصد؟ لا شيء!
إنها قوةٌ مبهرة، انتظر! سأريك ضربة الضوء القاطع
خاصتي وأخبرني كيف يكون هذا لا شيء!" صاح يوجين قبل أن يلحق بإليف تاركًا
جلنار خلفه.
نظرت لظهره قبل أن يختفي بين الأشجار خلف إليف
لتمتم ساخرة: "لقد سمى ضربته!".
حركت كتفيها بعدم اهتمامٍ وأكملت تسير عبر الغابة، تحاول الحصول على بعض الهواء النقي وتحريك قدميها قبل أن تذهب للنوم.
توقفت خطواتها عندما تسلل لأذنها صوتٌ بعيد، عقدت
حاجبيها وحاولت الإنصات جيدًا لتتمكن من معرفة الجهة التي يصدر الصوت منها.
التفتت عن يمينها حيث كان مصدر الصوت من تلك الجهة
وأخذت تقترب أكثر وتتوقف كل دقيقةٍ لتستمع جيدًا للصوت الذي بدأ يصبح أوضح.
كان لحنًا، هادئًا وكئيبًا.
لم تتمكن جلنار من تمييز الكلمات من مكانها، لكنها
كانت تستمع لغناءٍ أشبه بغناء الحوريات، صوتٌ نقي وجذاب، كان يترك أثرًا في النفس
لحزنه.
بدأت جلنار تميز بعض الكلمات والتي كانت أشبه بتهويدة طفل.
تخطت جلنار الأشجار لتجد نفسها أمام البحيرة التي
انعكس على سطحها ضوء القمر.
على طرف البحيرة صاحبة الغناء الشجي جلست تلمس
المياه بأطراف أصابعها، ثوبها الأبيض كان متناثرًا حولها ويلف جسدها في نعومة.
شعرها الذي كان ذا لونٍ أشقر كالذهب انسدل على ظهرها بنعومةٍ تلاعب تموجاته نسمات الهواء.
بدت وكأنها تنير المكان، جسدها كان ينير بشكلٍ
غريب.
تحركت جلنار بحذرٍ وعندما اقتربت منها توقفت
السيدة عن الغناء وابتسمت.
"لقد تقابلنا أخيرًا" صوتها الناعم ذو البحة صدر قبل أن
تنهض ببطءٍ من
مكانها وتنظم ثوبها. "من أنتِ؟"
سألت جلنار بينما تنظر لهيئتها بتعجب.
التفتت السيدة نحو جلنار لتظهر وجهًا ذا ملامح
ناعمةٍ وناضجة، أهدابٌ طويلة وعينان بلون السماء، شفتان صغيرتان وبشرةٌ بيضاء
باهتة.
"لقد نسيتِ كل شيء، أليس كذلك؟" سألت وأمالت رأسها قليلًا مسببةً استنكار جلنار التي أجابت
"ما الذي نسيته؟ هل أعرفكِ؟".
تقدمت السيدة لتقف قبالة جلنار مبتسمةً وبدت نوعًا
ما سعيدة.
"أنا حقًا سعيدةٌ لمقابلتكِ مجددًا، لطالما شعرت بالتردد إن
كان علينا اللقاء أم
لا، لم تكوني مستعدةً أبدًا وكنتُ خائفةً من أنكِ
قد تؤذينه، ولكن الآن…"
أخذت بيد جلنار لتشعر جلنار بأن ما يمسك يدها
هيئةٌ باردة كالثلج.
"الآن أنا على يقينٍ أنكِ الشخص الوحيد في العالم الذي لن
يؤذيه"
رفعت جلنار حاجبًا وقالت بنفاد صبرٍ:
"من أنتِ؟ أتعلمين؟ من الخطير البقاء في
الغابة ليلًا دون حماية، عودي لمنزلكِ، سيدتي".
لم تتحدث وظلت تنظر لجلنار لتتنهد وتجاريها قائلة: "من
الذي لن أقوم بإيذائه إذًا؟".
اتسعت ابتسامتها وقالت:
"عزيزي أتريوس".
***************************
هالووووو
انا حرفيا عيني بتقفل لوحدها من كتر ما انا نعساااااااانه
يوم طويل بس حبيت اختمه بفصل
كده مش باقي إلا فصل واحد وندخل اخيرا في الاحداث الجديده ونقدر نقول سيتساوى الجموع
مش هيكون فيه قارئ جديد وقديم
كلنااااا واااحد
طبعا لحد ما الفصل الجي ينزل اتمنى ان تمتنعوا منعاااااا بتاااااا من حرق أي حدث فيه لحد ما ينزل
هل هينزل بكره؟
ده شيء مش أكيد الصراحه لأن هكون مشغوله جدا بكره
لكن هحاول
خصوصا الفصول الاخيرة دي كل واحد فوق ال 16 الف كلمة فبدوخ لحد ما اخلص والله
عايزه الأجواء الورديه العاطفية اللطيفه دي متشدكوش اوي عشان الي جي مش وردي خالص
وافتكروا بالله ان دي روايه فانتازيا مش رومانسيه عشان بس ملاحظه ناس مهتمه اوي بعلاقات اكتر من الاحداث ركزو بالله عليكم 😂
بس كده
لوووف يو
باي
الاول❤️
ردحذفو الله اشتقنا اليوم مرضانة و زوجي سافر و لوحدي كل دقيقة ادخل على الفيس او الانستا و حتى الموقع لحتى اعرف الفصل نزل و لا لا الساعة 01:47 بالليل لقيته اخيرا
ردحذفسلامتك يارب. ❤
حذف❤❤
ردحذفجميل ❤
ردحذففينيسيا ظهرت ؟؟!!!
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفاسراء، لماذا ازلتي المومنت بين اترينار عند الدرج؟ كان نظيف ، فقط اظهر غيرة واعجاب اتريوس بشكل جلنار بالفستان ، حرفيا هو مقطعي المفضل ...، اعلم ان الرواية خيالية ولكن الرومانسية بين اترينار هي جزء ضخم من الرواية، واعتقد انه غير عادل وظالم قليلا ان تقليلي منها. فقد انتظرنا لستة سنوات لرؤيتها. صدقيني الرواية مدهشة واحداثها الخيالية محمسة جدا، ولكن ارى ان الجانب الرومانسي ايضا له دور كبير، لذلك رجاء لا تحرمينا منه بعد انتظار طويل
حذفتُقللي*
حذفاتفق💜
حذفحاسه انك بتقوليلنا متتوقعوش نهايه سعيده لاتريوس وجلنار بس هعمل نفسي م واخده بالي
ردحذفاجمل شىء احساسى وانا انتظر الفصل ينزل حتى وانا قرأته قبل بس احساس روووعة كانى بنتظر هدية مميزة ومتشوقة لها جدااا
ردحذفانا قارئه قديمه ولغاية دلوقتي مبهوره بجلنار وبالعالم ده وبعلاقتها بكل الي حوليها خصوصا اتريوس علاقه معقده ومميزه اوي فا اتمني في الفصول الجايه لما الأحداث تزداد قوه علاقتهم متهملش ، اعظم روايه واعظم كاتبه ❤️❤️❤️❤️
ردحذفاخيراا لقد هرمنا لأجل هذه اللحظة 🤧 اخيرا اخر بارت اعرفه هو الجاى 🥺
ردحذفصراحه كدا كدا القراءة كانت ممتعه للمره المليون و المتابعه بس اخيرا مش هكون عارفه اى حاجه فى الأحداث
حاسه انى بعمل جو درامى بس اتس اوكى 😭😭😭❤️❤️
كلنا نفس شعرك💜
حذف❤️❤️❤️
ردحذفحتي لو الرواية مش رومانسية بس جزء منها عن مشاعر جلنار و اتريوس اتمني في النهاية متبقاش نهايتهم حزينة
ردحذفما تغيري شيء إسراء وتخربي حماس القداما الروايه مره محترمه ومتزنه 🥺💔
ردحذف🌺🌺🌺
ردحذفقلبي حيطير من الحماس بس لشعور انه باقي بس بارت واحد للاحداث الجديدة 💜
ردحذف❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذف❤❤❤❤❤❤
ردحذفانا ليه حاسه ان ايلف هوا الملك والد الاميره😀😀
ردحذفنفس الاحساس😁
حذفمهو هو فعلا ظهر في الفصل الي جلنار اعلنت فيه عن نفسها ورا الاميرة
حذفبجد الفصصل مررة جممميل منتظرين الفصولل على احر من الجمر
ردحذفحتى لو الروايه مو رومنسيه اتمنى انه تضل علاقه جلينار وأريوس حلوه وتزيد لانه بحب المومنت الخاص بينهم وبتمنى تخلي الجزء الرومنسي اللطيف بالروايه وترجعي تعدلي الفكره لانه شفت تعديل بين علاقتهم وتضايقت لانه علاقتهم محترمه ومافيها شيء ل يتعدل الروايه بجنن وياريت انه تخلي الجزء الرومنسي بتمنى هالاشيء🥺💔
ردحذفأتريوس^^^
حذفبصراحه بارت تحفه
ردحذفوصلنا للبارت المنتظر 😭😭😭😭 متحمسة للاحداث الجاية خاصة اني مش عارفاها متأكدة حتكون ناااااااار
ردحذفوصلنا للبارت المنتظر 😭😭😭😭 متحمسة للاحداث الجاية خاصة اني مش عارفاها متأكدة حتكون ناااااااار
ردحذفرسالة إلى كاتبتنا الحلوة:
ردحذفأستحلفك بالله يا إسراء لو بتحبينا، ما تخلي نهاية جلنار وأتريوس محزنة😭
رغم إني المرة دي مركزة أكثر على أحداث الراواية الرئيسة لكن يظل أترينار هما الأساس
ابداع لامتناهي
ردحذفابداااع مررة متحمسة للبارت الجاي
ردحذفإسراء الجميلة انتِ تمتلكين حِساً عالياً بالإبداع حتى اعتراني الذهُول وأنا أرى تلك التفاصيل التي لا يستطيعُ ايّ شخصٍ عاديّ أن يتخيّلها فأنا حقاً اهنئكِ على ما تملُكين من موهبة، واتمنى منكِ مُجاراة الأحداث بطريقة مُبهرة كالعادة لكن من الجميل أن يكون الكاتِب رفيقاً لِقُرائِه ويُجاريهم بِمَّ يحبون... أتمنى منكِ من اجل جميع الميلاجورس أن تتلطفي بقلوبنا الصغيرة التي تعلقت بالفُرسان وبأتريوس وجلنار بأن تجعلي علاقتهم دائمة ولطيفة مهما مرو بأحداثٍ قاسيّة ف واللهِ لا نريد أن ننتهي من هذه الرواية ونحن مُكتئبين فالحيّاة تنتظرنا وقلوبنا الصغيرة حساسة لا تتحمل😔🤍.
ردحذفوالله 😔
حذفنحن نعرف أنها قصتك و أنت كاتبتها و طبعا نحترم كل قراراتك بخصوصها، و لكننا قراءها و لنا فيها منفذ من العالم، و أنت تدرين فَقَبْلَ أن يكون الكاتب كاتبا فهو قارئ أيضا، و نحن على دراية أنك تعرفين الشعور الذي نحياه عند قراءة رواية ما، خصوصا واحدة من هذا الطراز الرفيع حيث وجدتني أبحث عن أوراق و قلم أحل الحاجي مع جلنار و أتحمل مع الأحداث و أحاول التخطيط و معرفة كا يخططون إليه و أبكي إذا ما مروا بموقف محزن، فرأفة بأفئدة قراء روايتك.
في انتظار تحديثاتك المذهلة!
هرمنا من اجل هذه اللحظة لكن الحمد لله وكلعادة كاتبتنا المبدعة تبهرنا من جديد، كشخص تابع هذه الرواية من فصولها الاولى لازال انبهر من مدى جمال هذا العالم وشخصياته ومدى اخلاصك وتفانيك له ولكل معجبيك
ردحذفهنعمل نفسنا مش واخدين بالنا ان النهايه مش هتبقي سعيده 😭
ردحذفمتهزريش بقاا احنا مستنين بقالنا كتير عشان اللحظه ديه
تحفه كدا كدا ♥️♥️♥️♥️♥️♥️
ردحذفيا اسراء اتريوس مينفعش يحصل فيه كده يا اسراء بجد هزعل وهجيب ناس تزعل وهما بنفسهم هيجيبوا ناس يزعلوا😭😭😭😭
ردحذف😂😂😂
حذفالبارت هينزل انهارده
ردحذفمتى بينزل البارت😭😭😭
ردحذفهي الملك اليف دي غلطة ولا زلة لسان علشان لو طلع الي ف دماغي صح هصوت
ردحذفاليف طلع الملك، بسوي نفسي منصدمه 😭😭
ردحذفصراحه من زمان بدايه ما طلع كان عندي شكوك-- او لا مو شكوك بل كنت متاكده تماما انه الملك، ما اعرف حتى من وين جتني الثقه الكبيره هذي بانه هو الملك
نهايه الفصل!!!!!! صدمه 😨😨😨😨
ردحذفجلنار عبارة عن شرارة 🔥🔥🔥
ردحذفرح امتنع عن قراءة التعليقات لهذا الفصل تجنبا لأي حرق🤚🏻🤚🏻
ردحذف